المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب ما جاء في قول الله تعالى {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} - كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ باب " حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌ باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌ باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌ باب الخوف من الشرك

- ‌ باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌ باب من الشرك: لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌ باب ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌ باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما

- ‌ باب ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌ باب من الشرك النذر لغير الله

- ‌ باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌ باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌ باب "في التوحيد وغربة الدين

- ‌ باب "في بيان الحجة علي إبطال الشرك

- ‌ باب الشفاعة

- ‌ باب " في أن الأعمال بالخواتيم، ومضرة تعظيم الأسلاف والأكابر

- ‌ باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌ باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌ باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌ باب ما جاء في السحر

- ‌ باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌ باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌ باب ما جاء في النشرة

- ‌ باب ما جاء في التطير

- ‌ باب ما جاء في التنجيم

- ‌ باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌ باب "من اتخذ ندا تساوي محبته محبة الله فهو الشرك الأكبر

- ‌ باب "اليقين يضعف ويقوى

- ‌ باب "التوكل من شروط الإيمان

- ‌ باب "في الوعيد من أمن مكر الله

- ‌ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

- ‌ باب ما جاء في الرياء

- ‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله

- ‌ باب " الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم

- ‌ باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌ باب "معرفة النعمة وإنكارها

- ‌ باب "الحلف بغير الله شرك

- ‌ باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌ باب قول ما شاء الله وشئت

- ‌ باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌ باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌ باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلي الله عليه وسلم فهو كافر

- ‌ باب "التحدث بنعمة الله تعالى وذم جحدها

- ‌ باب " تحريم كل اسم معبد لغير الله

- ‌ باب "دعاء الله بأسمائه الحسنى وترك من عارض من الجاهلين الملحدين

- ‌ باب لا يقال السلام على الله

- ‌ باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌ باب لا يقول: عبدي وأمتي

- ‌ باب لا يرد من سأل بالله

- ‌ باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في "لو

- ‌ باب النهي عن سب الريح

- ‌ باب "لا يظن بالله ظن السوء إلا المنافقون والمشركون

- ‌ باب ما جاء في منكري القدر

- ‌ باب ما جاء في المصورين

- ‌ باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌ باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه صلي الله عليه وسلم

- ‌ باب ما جاء في الإقسام على الله

- ‌ باب لا يستشفع بالله على خلقه

- ‌ باب ما جاء في حماية النبي صلي الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك

- ‌ باب ما جاء في قول الله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

الفصل: ‌ باب ما جاء في قول الله تعالى {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة}

ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل " 1 رواه النسائي بسند جيد 2.

فيه مسائل:

الأولى: تحذير الناس من الغلو.

الثانية: ما ينبغي أن يقول من قيل له: أنت سيدنا.

الثالثة: قوله: "ولا يستجرينكم الشيطان" مع أنهم لم يقولوا إلا الحق.

الرابعة: قوله: " ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي ".

1 أحمد (3/249) .

2 النسائي في " عمل اليوم والليلة رقم (248 و 249) ، وأحمد في المسند 3/153 و 241 وهو حديث صحيح.

ص: 260

67-

‌ باب ما جاء في قول الله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

1 الآية.

...........................................................................................................

قال هؤلاء: السيد أحد ما يضاف إليه، فلا يقال للتميمي: سيد كندة. ولا يقال للملك: سيد البشر، قال: وعلى هذا فلا يجوز أن يطلق على الله هذا الاسم، وفي هذا نظر، فإن السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو في منزلة الملك والمولى والرب لا بمعنى الذي يطلق على المخلوق"، انتهى. "قلت ": فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في معنى قول الله تعالى: " اللَّهُ الصَّمَدُ: إنه السيد الذي كمل فيه جميع أنواع السؤدد "2. وقال أبو وائل: هو السيد الذي انتهى سؤدده.

قوله: "باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 3 الآية. أي من الأحاديث والآثار في معنى هذه الآية. قال العماد ابن كثير - رحمه الله تعالى -: ما قدر المشركون الله حق قدره حتى عبدوا معه غيره، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، القادر على كل شيء المالك لكل شيء، وكل شيء تحت قهره وقدرته. قال السدي: ما عظموه حق

1 سورة الزمر آية: 67.

2 البخاري: الجهاد والسير (3043)، ومسلم: الجهاد والسير (1768)، وأبو داود: الأدب (5215) ، وأحمد (3/22 ،3/71) .

3 سورة الأنعام آية: 91.

ص: 260

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، فضحك النبي صلي الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الآية ".

وفي رواية لمسلم: " والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، أنا الله ".

وفي رواية للبخاري: " يجعل السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع "1 أخرجاه.

......................................................................................................

عظمته. وقال محمد بن كعب: " لو قدروه حق قدره ما كذبوه ".

وقد وردت أحاديث كثيرة تتعلق بهذه الآية. الطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف.

قوله: "عن ابن مسعود قال: " جاء حبر من الأحبار إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع " الحديث. وهكذا رواه البخاري ومسلم والنسائي من طرق عن الأعمش به، وقال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثنا الليث: حدثني عبد الرحمن بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه فيقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ "2 تفرد به من هذا الوجه.

1 البخاري رقم (4811) في تفسير سورة الزمر: باب قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره)، ورقم (7414- 7415) في التوحيد: باب قول الله تعالى: (لما خلقت بيدي)، ورقم (7451) : باب قوله تعالى: (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا)، ورقم (7513) : باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم ، ومسلم رقم (2786) في صفات المنافقين: باب صفة القيامة والجنة والنار ، وأحمد في "المسند" 1/457، والترمذي رقم (3239) في تفسير سورة الزمر.

2 أبو داود: السنة (4604) ، وأحمد (4/130) .

ص: 261

ولمسلم1 عن ابن عمر مرفوعا: " يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ "2.

وروي عن ابن عباس، قال:" ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم ".

وقال ابن جرير: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثني أبي قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس "3 قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض ".

................................................................................................

قوله: "ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا: " يطوي الله عز وجل السماوات، ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ " كذا في رواية مسلم قال الحميدي: وهي أتم.

قلت: وهذه الأحاديث وما في معناها - وهي كثيرة جدا - تدل على عظمة الله وكماله وعظيم قدرته، وفيها الرد على الجهمية والأشاعرة ونحوهم أيضا، وكل ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله يدل على كماله وعظمته وجلاله، وأن العبادة لا تصلح إلا له سبحانه وبحمده، لا يصلح منها شيء لملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا لمن دونهما.

قال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم

1 رقم (2788) في صفات المنافقين.

2 البخاري: التوحيد (7413)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2788)، وابن ماجه: المقدمة (198) والزهد (4275) ، وأحمد (2/87) .

3 لقد ثبت في المرفوع عن أبي ذر الغفاري عن ابن جرير ، وابن أبي شيبة ، والبيهقي في " الأسماء والصفات بلفظ:" ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة.. " انظر الأحاديث الصحيحة رقم (109) .

ص: 262

وعن ابن مسعود قال: " بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ". أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله. ورواه بنحوه المسعودي عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله. قال الحافظ الذهبي - رحمه الله تعالى -: قال: وله طرق.

.............................................................................................................

وكلام الصحابة والتابعين، وكلام سائر الأئمة مملوء بما هو إما نص أو ظاهر أن الله تعالى فوق كل شيء، وأنه فوق العرش فوق السماوات مستو على عرشه، وذكر ما يدل على ذلك من الكتاب والسنة. وقال الأوزاعي: كنا - والتابعون متوافرون - نقول: إن الله - تعالى ذكره - فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة. وقال أبو عمر الطلمنكي في كتاب الأصول: أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله مستو على عرشه بذاته ذكره الذهبي في كتاب العلو.

وقال أبو عمر الطلمنكي في هذا الكتاب أيضا: أجمع أهل السنة على أن الله تعالى استوى على عرشه بالحقيقة لا على المجاز، ثم قال في هذا الكتاب: أجمع المسلمون من أهل السنة أن معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} 1 ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمه، وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء. هذا لفظه في كتابه، وقال الحافظ الذهبي: وأول مقالة سمعت مقالة من أنكر أن الله تعالى فوق العرش هو الجعد بن درهم، وكذلك أنكر جميع الصفات، فقتله خالد بن عبد الله القسري وقصته مشهورة، وأخذ هذه المقالة عنه الجهم بن صفوان إمام الجهمية فأظهرها واحتج لها بالشبهات، وكان ذلك في آخر عصر التابعين، فأنكر مقالته أئمة ذلك العصر مثل الأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والليث بن سعد والثوري وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك ومن بعدهم من أئمة الهدى كالإمام أحمد وخلق من أهل السنة".

قال الإمام الشافعي: "لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل، ونثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 2 "اهـ من فتح الباري.

قوله: "وعن العباس بن عبد المطلب" ساقه المصنف مختصرا والذي في سنن أبي

1 سورة الحديد آية: 4.

2 سورة الشورى آية: 11.

ص: 263

وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله سبحانه وتعالى فوق ذلك، وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم " 1 أخرجه أبو داود وغيره.

..........................................................................................................

داود عن العباس بن عبد المطلب قال: " كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلي الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا: السحاب قال: والمزن قالوا: والمزن قال: والعنان قالوا: والعنان، قال أبو داود: ولم أتقن العنان جدا قال: هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض؟ قالوا: لا ندري قال: إن بعد ما بينهما إما واحدة أو ثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، ثم السماء فوقها كذلك - حتى عدد سبع سماوات - ثم فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك "2. قال الحافظ الذهبي: رواه أبو داود بإسناد حسن، وروى الترمذي نحوه من حديث أبي هريرة وفيه: " بعد ما بين سماء إلى سماء خمسمائة عام "قال: ولا منافاة بينهما؛ لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو على سير القافلة مثلا، ونيف وسبعون سنة على سير البريد.

"قلت ": وهذا الحديث له شواهد في الصحيحين وغيرهما، مع ما يدل عليه صريح القرآن، فلا عبرة بقول من ضعفه.

وقد ابتدأ المصنِّف - رحمه الله تعالى - هذا المصنَّف العظيم ببيان توحيد الإلهية؛ لأن أكثر الأمة ممن تأخر قد جهلوا هذا التوحيد، وأتوا بما ينافيه من الشرك والتنديد، فقام ببيان

1 رواه أبو داود رقم (4723) و (4724) و (4725) في السنة: باب في الجهمية ، والترمذي رقم (331) في تفسير سورة الحاقة ، وابن ماجه رقم (193) في المقدمة: باب فيما أنكرت الجهمية ، وأحمد في " المسند" 1/206 و207 من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وفي سنده عبد الله بن عميرة ، قال الذهبي في "الميزان": فيه جهالة.

2 البخاري: الصلاة (393)، والترمذي: الإيمان (2608)، والنسائي: تحريم الدم (3967) والإيمان وشرائعه (5003)، وأبو داود: الجهاد (2641) ، وأحمد (3/224) .

ص: 264

فيه مسائل:

الأولى: تفسير قوله: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 1

الثانية: أن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه صلي الله عليه وسلم لم ينكروها ولم يتأولوها.

الثالثة: أن الحبر لما ذكرها للنبي صلي الله عليه وسلم صدقه، ونزل القرآن بتقرير ذلك.

الرابعة: وقوع الضحك من رسول الله صلي الله عليه وسلم عند ذكر الحبر هذا العلم العظيم.

..................................................................................................................

التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونهوهم عما كانوا عليه من الشرك المنافي لهذا التوحيد. فالدعوة إلى ذلك هي أهم الأمور وأوجبها لمن وفقه الله لفهمه، وأعطاه القدرة على الدعوة إليه والجهاد لمن حالفه ممن أشرك بالله في عبادته، فقرر هذا التوحيد، كما ترى في هذه الأبواب، ثم ختم كتابه بتوحيد الأسماء والصفات؛ لأن أكثر العامة لم يكن لهم التفات إلى هذا العلم الذي خاض فيه من ينتسب إلى العلم، وأما من ينتسب إلى العلم فهم أخذوا عمن خاض في هذه العلوم، وأحسنوا الظن بأهل الكلام، وظنوا أنهم على شيء، فقبلوا ما وجدوه عنهم، فقرروا مذهب الجهمية، وألحدوا في توحيد الأسماء والصفات، وخالفوا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وما عليه سلف الأمة، وأئمة الحديث والتفسير من المتقدمين.

وما زال أهل السنة متمسكين بذلك، لكنهم قلوا فهدى الله هذا الإمام إلى معرفة أنواع التوحيد، فقررها بأدلتها، فلله الحمد على توفيقه وهدايته إلى الحق حين اشتدت غربة الإسلام، فضلّ عنه من ضل من أهل القرى والأمصار وغيرهم، وبالله التوفيق. فقد اجتمع في هذا المصنف أنواع التوحيد الثلاثة التي أشار إليها العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - بقوله:

والعلم أقسام ثلاث ما لها

من رابع والحق ذو تبيان

علم بأوصاف الإله وفعله

كذلك الأسماء للرحمن

والأمر والنهي الذي هو دينه

وجزاؤه يوم المعاد الثاني

وصلى الله على سيد المرسلين وإمام المتقين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

1 سورة الزمر آية: 67.

ص: 265

الخامسة: التصريح بذكر اليدين: وأن السماوات في اليد اليمنى، والأرضين في اليد الأخرى.

السادسة: التصريح بتسميتها الشمال.

السابعة: ذكر الجبارين والمتكبرين عند ذلك.

الثامنة: قوله: "كخردلة في كف أحدكم ".

التاسعة: عظم الكرسي بالنسبة إلى السماوات

العاشرة. عظم العرش بالنسبة إلى الكرسي.

الحادية عشرة: أن العرش غير الكرسي والماء.

الثانية عشرة: كم بين كل سماء إلى سماء.

الثالثة عشرة: كم بين السماء السابعة والكرسي.

الرابعة عشرة: كم بين الكرسي والماء.

الخامسة عشرة: أن العرش فوق الماء.

السادسة عشرة: أن الله فوق العرش.

السابعة عشرة: كم بين السماء والأرض.

الثامنة عشرة: كثف كل سماء خمسمائة سنة.

التاسعة عشرة: أن البحر الذي فوق السماوات بين أعلاه وأسفله مسيرة خمسمائة سنة. والله سبحانه وتعالى أعلم.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كثيرا.

تم الكتاب

وقد كتب في آخره ما نصه:

تم نسخ ذلك في رجب سنة 1345 بلغ مقابلة وتصحيحا على المشايخ الكرام: الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ عبد الله المنقري.

ص: 266

أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له "

ولمسلم: " وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه "1

فيه مسائل:

الأولى: النهي عن الاستثناء في الدعاء.

الثانية: بيان العلة في ذلك.

الثالثة: قوله: " ليعزم المسألة".

الرابعة: إعظام الرغبة.

الخامسة: التعليل لهذا الأمر.

...........................................................................................................

بالسائل للمخلوق أن يعلق حصول مسألته على مشيئة المسئول مخافة أن يعطيه وهو كاره بخلاف رب العالمين، فإنه يعطي عبده ما أراده بفضله وكرمه وإحسانه، فالأدب مع الله أن لا يعلق مسألته لربه بشيء لسعة فضله وإحسانه وجوده وكرمه، وفي الحديث:" ليعزم المسألة "، وفي الحديث:" يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار "الحديث.2

1 البخاري رقم (6339) في الدعوات: باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له ، ورقم (7477) في التوحيد: باب في المشيئة والإرادة ، ومسلم رقم (2679) في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار بلفظ:" لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني ان شئت ، ليعزم في الدعاء، فإن الله صانع ما شاء لا مكره له"، وأبو داود رقم (1483) في الصلاة: باب الدعاء ، والترمذي رقم (2679) في الصلاة: الذكر والدعاء: باب العزم بالدعاء ، وأحمد في المسند 2/243 و318 و463 و464، وابن ماجه رقم (3854) .

2 البخاري رقم (4684) في تفسير سورة هود: باب قوله تعالى: (وكان عرشه على الماء)، ورقم (5352) في النفقات: باب فضل النفقة على الأهل ، ورقم (7411) في التوحيد: باب قول الله تعالى: لما خلقت بيدي) ، ورقم (7419) باب:(وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم)، ورقم (7496) : باب قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله)، ومسلم رقم (993) (36) و (37) في الزكاة: باب الحث على النققة وتبشير المنفق بالخلف ، وأحمد في المسند2/313 - 500 و 501 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 332