الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثامنة: أن الواقع في القلوب من ذلك مع كراهته لا يضر، بل يذهبه الله بالتوكل.
التاسعة: ذكر ما يقوله من وجده.
العاشرة: التصريح بأن الطيرة شرك.
الحادية عشرة: تفسير الطيرة المذمومة.
29-
باب ما جاء في التنجيم
قال البخاري في " صحيحه": قال قتادة: " خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها. فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به " 1 اهـ.
.....................................................................................................
قوله: "باب ما جاء في التنجيم " قال شيخ الإسلام: "هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية". وقال الخطابي: "علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان، كأوقات هبوب الرياح ومجيء المطر وتغير الأسعار، وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بمسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها، يدعون أن لها تأثيرا في السفليات، وهذا منهم تحكم على الغيب وتعاط لعلم قد استأثر الله به فلا يعلم الغيب سواه". قوله: "قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به " انتهى.
هذا الأثر علقه البخاري في صحيحه، وأخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم، وأخرجه الخطيب في كتاب النجوم عن قتادة بلفظ أطول من هذا. وقول
1 رواه البخاري 295/6 تعليقا قال الحافظ في " الفتح": "وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه، وزاد في آخره: "وإن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة: من غرس بنجم كذا كان كذا ، ومن سافر بنجم كذا كان كذا ، ولعمري ما من النجوم نجم إلا ويولد به الطويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدميم ، وما علم هذ. النجوم وهذه الدابة وهذا الطاثر شيء من هذا الغيب" اهـ.
وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه. ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق.
....................................................................................................
قتادة رحمه الله يدل على أن علم التنجيم هذا قد حدث في عصره فأوجب له إنكاره على من اعتقده وتعلق به، وهذا العلم مما ينافي التوحيد ويوقع في الشرك؛ لأنه ينسب الحوادث إلى غير من أحدثها وهو سبحانه بمشيئته وإرادته كما قال تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} 1 وقال: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} 2. قوله: " خلق الله هذه النجوم لثلاث "قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} 3. وفيه إشارة إلى أن النجوم في السماء الدنيا كما روى ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان "ثم رفعها"، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وزينها بمصابيح "النجوم"، وجعلها رجوما للشياطين، وحفظها من كل شيطان رجيم "4 قوله: "وعلامات" أي دلالات على الجهات يهتدى بها أي يهتدي بها الناس في ذلك كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} 5 أي ليعرفوا بها جهة قصدهم، فإن قيل: المنجم قد يصدق، قيل: صدقه كصدق الكاهن يصدق في كلمة ويكذب في مائة، وصدقه ليس عن علم، بل قد يوافق قدرا فيكون فتنة في حق من صدقه.
قوله: "وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص فيه ابن عيينة، ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق". قال الخطابي: "أما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة، والخبر الذي يعرف به الزوال وتعلم به جهة القبلة، فإنه غير داخل فيما نهي عنه، وذلك أن معرفة هذا العلم يصح علمه بالمشاهدة. وأما ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة فإنها من الكواكب، رصدها أهل الخبرة بها الذين لا شك في عنايتهم بأمر الدين ومعرفتهم بها وصدقهم فيما أخبروا به، مثل أن يشاهدها بحضرة الكعبة ويشاهدها على حال الغيبة عنها فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة، وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم إذ كانوا عندنا غير متهمين في دينهم، ولا مقصرين في معرفتهم" انتهى. وروى ابن المنذر عن مجاهد أنه لا يرى بأسا أن يتعلم الرجل من النجوم
1 سورة فاطر آية: 3.
2 سورة النمل آية: 65.
3 سورة الملك آية: 5.
4 ذكره الحافظ السيوطي في "الدر المنثور 95/4 ، ونسبه لابن مردويه فقط ، ولم يتكلم عليه بشيء، وليس عندنا سنده لنحكم عليه.
5 سورة الأنعام آية: 97.
وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر "1 رواه أحمد وابن حبان في " صحيحه ".
.....................................................................................................................
ما يهتدي به. قال ابن رجب: "والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير، فإنه باطل محرم قليله وكثيره، أما علم التسيير فيتعلم منه ما يحتاج إليه للاهتداء ومعرفة القبلة والطرق جائز عند الجمهور".
قوله: ذكره حرب عنهما هو الإمام الحافظ حرب بن إسماعيل أبو محمد الكرماني الفقيه من أجلة أصحاب الإمام أحمد، روى عن أحمد وإسحاق وابن المدينى وابن معين وغيرهم، وله كتاب المسائل التي سأل عنها الإمام أحمد وغيره، مات سنة ثمانين ومائتين، وأما إسحاق فهو ابن إبراهيم بن مخلد بن يعقوب الحنظلي النيسابوري الإمام المعروف بابن راهويه، روى عن ابن المبارك وأبي أسامة وابن عيينة وطبقتهم، قال أحمد: إسحاق عندنا من أئمة المسلمين، وروى عنه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم، وروى هو أيضا عن أحمد، مات سنة تسع وثلاتين ومائتين.
قوله: "وعن أبي موسى " قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " ثلاثة لا يدخلون الجنة " الحديث. هذا الحديث رواه أيضا الطبراني والحاكم وقال: صحيح، وأقره الذهبي.
قوله: "عن أبي موسى " هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بفتح المهملة وتشديد الضاد، أبو موسى الأشعري صحابي جليل مات سنة خمسين.
قوله: "ثلاثة لا يدخلون الجنة " الشاهد للترجمة "ومصدق بالسحر " وفي هذا الحديث كما تقدم في نظائره كقوله: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم "2 واختار الأمام أحمد - رحمه الله تعالى - أن مثل هذه الأحاديث تمر كما جاءت من
1 رواه أحمد في " المسند 4/399 ، وابن حبان (1380) و (1381) "موارد" في الأشربة: باب في حد من الخمر ، والحاكم في المستدرك 4/146 في الأشربة: باب ذكر ثلاثة لا يدخلون الجنة وصححه الحاكم 146/4 ووافقه الذهبي ، قال الألباني في الأحاديث الصحيحة رقم (678) : حديث حسن.
2 تقدم تخريجه ص (141) رقم (2) .