الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية: الأمر للمحلوف له بالله أن يرضى.
الثالثة: وعيد من لم يرض.
44-
باب قول ما شاء الله وشئت
عن قتيلة " أن يهوديا أتى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلي الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت "1 رواه النسائي وصححه.
.....................................................................................................
باب قول ما شاء الله وشئت
قوله: "قتيلة " بمثناة، بنت صيفي الأنصارية صحابية مهاجرة لها حديث في سنن النسائي، وهو المذكور في الباب، ورواه عنها عبد الله بن يسار الجعفي، وفيه قبول الحق ممن جاء به، وفيه بيان النهي عن الحلف بالكعبة وغيرها مع أنها بيت الله التي حجها وقصدها بالحج والعمرة فريضة، وأنت ترى ما وقع مما يخالف ذلك من الحلف بالكعبة ودعائها وكذا مقام إبراهيم، وقلّ من يسلم من هذا ممن يحج من أهل الآفاق وأهل مكة كما كان يفعل بغيرها، والكعبة عظمها الله بأن جعل حجها ركنا من استطاع، وشرع العبادة عندها، وخصها بالفضل، فالمشروع إنما هو الطواف بها والصلاة إليها لا الحلف بها ونحوه من الشرك في العبادة:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} 2
1 قال الألباني في الأحاديث الصحيحةرقم (136) : أخرجه الطحاوي في "المشكل" 1/357، والحاكم 4/297، والبيهقي 3/216، وأحمد 6/ 371- 372 من طريق المسعودي عن سعيد بن خالد عن عبد الله بن يسار عن قتيلة بنت صيفي امرأة من جهينة قالت:
…
، وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. قلت (الألباني) :"المسعودي كان اختلط ، لكن تابعه مسعر عن معبد بن خالد به ، أخرجه النسائي 7/ 6 بإسناد صحيح ، ولعبد الله بن يسار حديث آخر نحو هذا" اهـ. وانظر الأحاديث الصحيحة رقم (137) .
2 سورة البقرة آية: 59.
وله أيضا عن ابن عباس: " أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده "1.
ولابن ماجه عن الطفيل أخي عائشة لأمها قالت: "رأيت كأني أتيت على
.......................................................................................................
قوله: "إنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشئت " والعبد وإن كانت له مشيئة فمشيئته تابعة لمشيئة الله كما قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 2، وفي هذه الآية والحديث الرد على القدرية والمعتزلة نفاة القدر الذين يثبتون للعبد مشيئة تخالف ما أراده الله من العبد وما شاءه، وقد قال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 3، وقال تعالى:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} 4. وفي الحديث: " أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة " 5 وهو في الصحيحين وغيرهما.
قوله: "وله أيضا عن ابن عباس " أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال: أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده ".
هذا يبين ما تقدم من أن هذا شرك؛ لأن المعطوف بالواو يساوي المعطوف بالمعطوف عليه؛ لأن الواو وضعت لمطلق الجمع، فلا يجوز أن يجعل المخلوق مثل الخالق في شيء من الإلهية والربوبية ولو في أقل شيء كما تقدم في الرجلين اللذين قرب أحدهما ذبابا للصنم فدخل النار، وفيه أن النبي صلي الله عليه وسلم حَمَى حِمَى التوحيد وسد طرق الشرك في الأقوال والأعمال.
قوله: "عن الطفيل " هو الطفيل بن عبد الله بن سخبرة أخو عائشة لأمها له حديث عند ابن ماجه وهو ما ذكره المصنف - رحمه الله تعالى - في الباب، وهذه الرؤيا حق أقرها
1 البخاري في " الأدب المفرد " رقم (787) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة " رقم (988) ، وعنه ابن السني رقم (667) طبعة دار البيان بدمشق ، بلفظ " أجعلتني لله عدلا"، وأحمد في " المسند" 1/214 و 283 و 347 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه رقم (2117) في الكفارات: باب النهي أن يقال: ما شاء الله وشئت ، بلفظ:"إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت ، ولكن ليقل: ما شاء الله ثم شئت" وهو حديث حسن ، وروايته بلفظ:" أجعلتني لله ندا " من رواية ابن مردويه ، والمعنى واحد. انظر " الأحاديث الصحيحة" رقم (129) .
2 سورة التكوير آية: 29.
3 سورة القمر آية: 49.
4 سورة الفرقان آية: 2.
5 أحمد في " المسند 5/317 ، وأبو داود رقم (4700) في السنة: باب في القدر، والترمذي رقم (3316) في تفسير سورة (ن والقلم) ، ورقم (2156) في القدر من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. ولم أجده في " الصحيحين " كما قال المصنف - رحمه الله تعالى -.
نفر من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله. قالوا: وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله. قالوا: وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فأخبرته. قال: هل أخبرت بها أحدا؟ قلت: نعم. قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ فإن طفيلا رأى رؤيا، أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده " 1.
..................................................................................................
رسول الله صلي الله عليه وسلم وعمل بمقتضاها فنهاهم أن يقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، وأمرهم أن يقولوا: ما شاء الله وحده. وقد بلغ صلي الله عليه وسلم البلاغ المبين وأنذر عن الشرك وحذر عن قليله وكثيره، فانظر إلى ما وقع من الشرك العظيم في هذه الأمة ينادون الميت من مسافة شهر أو شهرين أو أكثر، ويعتقدون فيه أنه ينفع ويضر ويسمع ويستجيب من تلك المسافة، وجعلوا الأموات شركاء لله في الملك والتدبير وعلم الغيب وغير ذلك من خصائص الربوبية، وتركوا نبيهم وما جاء به وقاله وما نهى عنه كأنهم لم يسمعوا كتابا ولا سنة، وقد بعثه الله بالنهي عن الشرك كما ترى، فما زال يدعو الناس إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له حتى أكمل الله لهم به الدين وأتم عليهم النعمة، لكن رجعوا من الكمال إلى الضلال ومن سبيل النجاة إلى سبيل الهلاك، وهذه وإن كانت رؤيا منام فقد أقرها رسول الله صلي الله عليه وسلم وأخبر أنها حق.
1 رواه ابن ماجه رقم (2118) في الكفارات: باب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت من حديث الطفيل ابن سخبرة أخي عائشة لأمها ، ومن حديث ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رجلا من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلا من أهل الكتاب فقال: نعم القوم انتم لولا أنكم تشركون ، تقولون ما شاء الله وشاء محمد ، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" أما والله إن كنت لأعرفها لكم ، قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد"، وأحمد 393/5 من حديث حذيفة رضي الله عنه. والدارمي رقم (2702) من حديث الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها ، وهو حديث صحيح كما قال الألباني في " الأحاديث الصحيحة" رقم (137-138) .