الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه مسائل:
الأولى: وجوب الوفاء بالنذر
الثانية: إذا ثبت كونه عبادة لله فصرفه إلى غيره شرك.
الثالثة: أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به.
13-
باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
وقول الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 1.
..................................................................................................
قوله: " ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه "2 زاد الطحاوي " وليكفر عن يمينه "، وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية، واختلفوا هل تجب فيه كفارة يمين؟ على قولين هما روايتان عن أحمد "أحدهما" تجب وهو المذهب، وروي عن ابن مسعود وابن عباس، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
قوله: "باب من الشرك الاستعاذة بغير الله "، الاستعاذة الالتجاء والاعتصام، فالعائذ قد هرب إلى ربه والتجأ إليه مما يخافه عموما وخصوصا، قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:"وما يقوم بالقلب من الالتجاء والاعتصام به والانطراح بين يدي الرب والافتقار إليه والتذلل له أمر لا تحيط به العبارة"، انتهى. وقد أمر الله عباده في كتابه بالاستعاذة به في مواضع كقوله:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 3 وقال: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} 4 وفي المعوذتين وغير ذلك، فهو عبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله كغيرها من أنواع العبادة.
قوله: وقول الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 5 قال أبو جعفر بن جرير - رحمه الله تعالى - في تفسيره هذه الآية: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي فزادهم لذلك إثما، وقال بعضهم: فزاد الإنس الجن باستعاذتهم
1 سورة الجن آية: 6.
2 البخاري: الأيمان والنذور (6696 ،6700)، والترمذي: النذور والأيمان (1526)، والنسائي: الأيمان والنذور (3806 ،3807 ،3808)، وأبو داود: الأيمان والنذور (3289)، وابن ماجه: الكفارات (2126) ، وأحمد (6/36 ،6/41 ،6/224)، ومالك: النذور والأيمان (1031)، والدارمي: النذور والأيمان (2338) .
3 سورة الأعراف آية: 200.
4 سورة النحل آية: 98.
5 سورة الجن آية: 6.
وعن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم
..................................................................................................
بالجن باستعاذتهم بعزيزهم جرأة عليهم وازدادوا هم بذلك إثما، وقال مجاهد: فازداد الكفار طغيانا، وقال ابن زيد: وزادهم الجن خوفا، وقد أجمع العلماء على أنه لا تجوز الاستعاذة بغير الله. وقال ملا علي قاري الحنفي رحمه الله:"لا تجوز الاستعاذة بالجن فقد ذم الله الكافرين على ذلك وذكر الآية وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} 1 الآية. فاستمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه وامتثال أوامره وإخباره بشيء من المغيبات، واستمتاع الجني بالإنسي تعظيمه إياه واستعاذته به وخضوعه له" انتهى ملخصا، قال المصنف - رحمه الله تعالى -:"وفيه أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية من كف شر أو جلب نفع لا يدل على أنه ليس من الشرك".
"خولة بنت حكيم " بن أمية السلمية يقال لها أم شريك، ويقال: إنها هي الواهبة، وكانت قبل تحت عثمان بن مظعون، قال ابن عبد البر:"وكانت صالحة فاضلة".
قوله: " أعوذ بكلمات الله التامات "شرع الله لأهل الإسلام أن يستعيذوا به لا كما يفعل أهل الجاهلية من الاستعاذة بالجن، فشرع الله تعالى للمسلمين أن يستعيذوا بأسمائه وصفاته. قال القرطبي - رحمه الله تعالى -: قيل معناه الكاملات التي لا يلحقها نقص ولا عيب كما يلحق كلام البشر، وقيل معناه الكافية الشافية، قيل: الكلمات هنا هي القرآن، فإن الله أخبر عنه أنه هدى وشفاء، وهذا الأمر على جهة الإرشاد إلى ما يدفع به الأذى، وعلى هذا فحق المستعيذ بالله تعالى وبأسمائه وصفاته أن يصدق الله في التجائه إليه ويتوكل في ذلك عليه ويحضر ذلك في قلبه، فمن فعل ذلك وصل إلى منتهى طلبه ومغفرة ذنبه، قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: وقد نص الأئمة كأحمد وغيره على أنه لا يجوز الاستعاذة بمخلوق، وهذا مما استدلوا به على أن كلام الله ليس بمخلوق، قالوا: لأنه ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه استعاذ بكلمات الله وأمر بذلك، ولهذا نهى العلماء عن التعازيم والتعاويذ التي لا يعرف معناها خشية أن يكون فيها شرك، قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: ومن ذبح للشيطان ودعاه واستعاذ به وتقرب إليه بما يحب فقد عبده إن لم يسم ذلك عبادة، ويسميه
1 سورة الأنعام آية: 128.
يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك "1 رواه مسلم.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية الجن.
الثانية: كونه من الشرك.
الثالثة: الاستدلال على ذلك بالحديث؛ لأن العلماء استدلوا به على أن كلمات الله غير مخلوقة، قالوا: لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك.
الرابعة: فضيلة هذا الدعاء مع اختصاره.
الخامسة: أن كون الشيء يحصل به مصلحة دنيوية من كف شر، أو جلب نفع لا يدل على أنه ليس من الشرك.
..................................................................................................
استخداما وصدق، هو استخدام من الشيطان له فيصير من خدم الشيطان وعابديه، ولذلك يخدمه الشيطان، لكن خدمة الشيطان له ليست خدمة عبادة، فإن الشيطان لا يخضع له ولا يعبده كما يفعل هو به.
قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} 2 قال ابن القيم: من شر كل ذي شر، في أي مخلوق قام به الشر من حيوان أو غيره إنسيا أو جنيا أو هامة أو دابة أو ريحا أو صاعقة، أي نوع كان من أنواع البلاء في الدنيا والآخرة، و"ما" هاهنا موصولة ليس إلا، وليس المراد بها العموم الإطلاقي بل المراد التقييدي الوصفي، والمعنى من شر كل مخلوق فيه شر لا من شر كل ما
1 مسلم رقم (2708) في الذكر والدعاء: باب في التعوذ من سوء القضاء، ورواه أيضا أحمد في " المسند " 6/ 377 و 409 ، والترمذي رقم (3433) في الدعوات: باب ما جاء ما يقول إذا نزل منزلا ، وابن ماجه (3547) في الطب: باب الفزع والأرق وما يتعوذ منه.
2 سورة الفلق آية: 2.