الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحادية عشرة: قصته صلي الله عليه وسلم لما أنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} 1.
الثانية عشرة: جده صلي الله عليه وسلم في هذا الأمر، بحيث فعل ما نسب بسببه إلى الجنون، وكذلك لو يفعله مسلم الآن.
الثالثة عشرة: قوله للأبعد والأقرب: " لا أغني عنك من الله شيئا حتى قال: " يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا " 2 فإذا صرح صلي الله عليه وسلم وهو سيد المرسلين أنه لا يغني عن سيدة نساء العالمين، وأمن الإنسان أنه لا يقول إلا الحق، ثم نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس الآن، تبين له التوحيد وغربة الدين.
1 سورة الشعراء آية: 214.
2 البخاري: الوصايا (2753)، ومسلم: الإيمان (204 ،206)، والنسائي: الوصايا (3644 ،3646 ،3647) ، وأحمد (2/333 ،2/350 ،2/360 ،2/398 ،2/448 ،2/519)، والدارمي: الرقاق (2732) .
16-
باب "في بيان الحجة علي إبطال الشرك
"
قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 1
..................................................................................................
قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} أي زال عنها الفزع قاله ابن عباس وغيره. ذكر تعالى هذه الآية في سياق قوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} 2. وقال ابن جرير: قال بعضهم: الذين فزع عن قلوبهم الملائكة قالوا: وإنما فزع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله عز وجل بالوحي. قال ابن كثير: وهو الحق الذي لا مرية فيه لصحة الأحاديث فيه والآثار، وقال أبو حيان تظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أن قوله:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} إنما هي في الملائكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل، وأمر الله تعالى به سمعت كجر السلسلة الحديد على الصفوان فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة قال: وبهذا المعنى من ذكر الملائكة في صدر الآيات تتسق هذه الآية على الأولى، ومن لم يشعر أن الملائكة مشار إليهم من أول قوله:{الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} لم تتصل هذه الآية بما قبلها.
وهذه الآيات تقطع عروق الشرك بأمور أربعة:
"الأول " أنهم لا يملكون مثقال ذرة مع الله، والذي لا يملك مثقال ذرة في السماوات والأرض لا ينفع ولا يضر، فهو تعالى هو الذي يملكهم ويدبرهم ويتصرف فيهم
1 سورة سبأ آية: 23.
2 سورة سبأ آية: 22.
وفي " الصحيح "1. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه
..................................................................................................
وحده. "الثاني " قوله: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} 2 أي في السماوات والأرض أي وما لهم شرك مثقال ذرة من السماوات والأرض. "الثالث " قوله: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} 3، والظهير المعين فليس لله معين من خلقه، بل هو الذي يعينهم على ما ينفعهم لكمال غناه عنهم، وضرورتهم إلى ربهم فيما قل وكثر من أمور دنياهم وأخراهم. "الرابع " قوله:{وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} 4 فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه. وأخبر تعالى أن من اتخذ شفيعا من دونه حرم شفاعة الشفعاء، قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 5؛ لأن اتخاذ الشفعاء شرك لقوله تعالى في حقهم {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 6، والمشرك منفية عنه الشفاعة في حقه كما قال تعالى:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 7، وقال:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} 8 وذلك أن متخذ الشفيع لا بد أن يرغب إليه ويدعوه ويرجوه ويخافه ويحبه لما يؤمله منه، وهذه من أنواع العبادة التي لا يصرف منها شيء لغير الله، وذلك هو الشرك الذي ينافي الإخلاص.
قوله: "في الصحيح " أي صحيح البخاري، ففي هذا الحديث أن من عرف الله تعالى ذل له تعظيما ومهابة وخوفا لا سيما عند سماع كلامه تعالى؛ لأن قوله "إذا قضى الله الأمر" أي بكلامه ووحيه إلى جبريل، وقوله "في السماء" يدل على العلو ففيه إثبات كلام الله وعلوه على خلقه على ما يليق بجلاله وعظمته إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، وهذا الحديث ونحوه مما احتج به أهل السنة على الجهمية والأشاعرة والكلابية وغيرهم من أهل البدع ممن ألحد بالتعطيل في أسماء الله وصفاته. قوله:"خضعانا" مصدر خضع. قوله: "لقوله" صريح في أنهم سمعوا قوله، وأنه بصوت وأن ذلك ينفذ جميع الملائكة أي
1 البخاري رقم (4701) في تفسير سورة الحجر: باب (إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين)، ورقم (4800) في تفسير سورة سبأ: باب (حتى إذا فزع عن قلوبهم)، ورقم (7481) في التوحيد: باب قول الله تعالى: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) .
2 سورة سبأ آية: 22.
3 سورة سبأ آية: 22.
4 سورة سبأ آية: 23.
5 سورة يونس آية: 18.
6 سورة يونس آية: 18.
7 سورة المدثر آية: 48.
8 سورة الأنعام آية: 94.
سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 1. فيسمعها مسترقو السمع- ومسترق السمع، هكذا بعضه فوق بعض، وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مئة كذبة. فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا " وكذا": كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء ".
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة- أو
..................................................................................................
يسمعونه كلهم، قوله:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} أي زال عنها الفزع. قوله: "فيسمعها مسترق السمع" أي الكلمة التي سمعتها الملائكة وتحدثوا بها، قوله:"ومسترق السمع بعضه فوق بعض هكذا وصفه سفيان" راوي الحديث وهو ابن عيينة "بكفه ".
قوله: "فيسمع الكلمة " يعني مسترق السمع "فيلقيها إلى من تحته " من الشياطين "ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن " الحديث قوله: "فيكذب معها " أي الساحر أو الكاهن مائة كذبة "فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء " لقبول الناس للباطل.
قوله: "وعن النواس بن سمعان " وسمعان بكسر السين ابن خالد الكلابي، ويقال له الأنصاري، صحابي ويقال: إن أباه صحابي أيضا. وقوله: "إذا أراد الله تعالى " فالإرادة صفة من صفات الله عز وجل، وهي نوعان شرعية وقدرية كما قال تعالى:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} 2 الآية {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} 3، وقال:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 4 ونحو هذه الآيات. قوله: "أن يوحي بالأمر " فيه بيان معنى ما تقدم في الحديث قبله من قوله "إذا قضى الله الأمر".
قوله: "تكلم بالوحي " فيه التصريح بأنه يتكلم بالوحي، فيوحيه إلى جبريل عليه السلام، ففيه الرد على الأشاعرة في قولهم إن القرآن عبارة عن كلام الله. قوله: "أخذت
1 سورة سبأ آية: 23.
2 سورة الإسراء آية: 16.
3 سورة الكهف آية: 82.
4 سورة يس آية: 82.
قال رعدة شديدة- خوفا من الله عز وجل. فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال: {الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل. فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل " 1.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير الآية.
..................................................................................................
السماوات منه رجفة- أو قال رعدة شديدة- خوفا من الله عز وجل " في هذه معرفة عظمة الله، ويوجب للعبد شدة الخوف منه تعالى، وفيه إثبات العلو. قوله: "فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا " هيبة وتعظيما لربهم وخشية لما سمعوا من كلامه تعالى وتقدس. قوله: "فيكون أول من يرفع رأسه جبريل"؛ لأنه ملك الوحي عليه السلام.
قوله: "فيكلمه الله من وحيه بما أراد " فيه التصريح بأنه تعالى يوحي إلى جبريل بما أراده من أمره كما تقدم في أول الحديث. قوله: "ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها " وهذا أيضا من أدلة علو الرب تعالى وتقدس. قوله: "ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: {قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 2 فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل " وهذا دليل بأنه تعالى قال ويقول. وأهل البدع من الجهمية ومن تلقى عنهم كالأشاعرة جحدوا ما أثبته الله تعالى في كتابه، وأثبته رسوله صلي الله عليه وسلم في سنته من علوه وكلامه وغير ذلك من صفات كماله التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله والمؤمنون من الصحابة والتابعين وتابعيهم من أهل السنة والجماعة على ما يليق بجلال الله وعظمته- تشبيهات اختلقوها ما أنزل الله بها من سلطان.
1 رواه ابن أبي حاتم والطبراني من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال ابن كثير رحمه الله: وقد روى ابن أبي حاتم من حديث العوفي عن ابن عباس، وعن قتادة أنهما فسرا هذه الآية بابتداء إيحاء الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى عليه السلام ، ولا شك أن هذا أولى ما دخل في هذه الآية.
2 سورة سبأ آية: 23.
الثانية: ما فيها من الحجة على إبطال الشرك خصوصا من تعلق على الصالحين، وهي الآية التي قيل: إنها تقطع عروق شجرة الشرك من القلب.
الثالثة: تفسير قوله: {قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 1.
الرابعة: سبب سؤالهم عن ذلك.
الخامسة: أن جبريل هو الذي يجيبهم بعد ذلك بقوله: " قال كذا وكذا".
السادسة: ذكر أن أول من يرفع رأسه جبريل.
السابعة: أنه يقوله لأهل السماوات كلهم؛ لأنهم يسألونه.
الثامنة: أن الغشي يعم أهل السماوات كلهم.
التاسعة: ارتجاف السماوات لكلام الله.
العاشرة: أن جبريل هو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله.
الحادية عشرة: ذكر استراق الشياطين.
الثانية عشرة: صفة ركوب بعضهم بعضا.
الثالثة عشرة: إرسال الشهب.
الرابعة عشرة: أنه تارة يدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وتارة يلقيها في أذن وليه من الأنس قبل أن يدركه.
الخامسة عشرة: كون الكاهن يصدق في بعض الأحيان.
السادسة عشرة: كونه يكذب معها مائة كذبة.
السابعة عشرة: أنه لم يصدق كذبه إلا بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.
الثامنة عشرة: قبول النفوس للباطل، كيف يتعلقون بواحدة ولا يعتبرون بمائة؟!
التاسعة عشرة: كونهم يلقي بعضهم إلى بعض تلك الكلمة ويحفظونها ويستدلون بها.
العشرون: إثبات الصفات خلافا للأشعرية المعطلة.
الحادية والعشرون: التصريح بأن تلك الرجفة والغشي خوفا من الله عز وجل.
الثانية والعشرون: أنهم يخرون لله سجدا.
1 سورة سبأ آية: 23.