الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا صَاحِبُ الْهَوَى؛ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا رحمهم الله عَمِلُوا بِشَهَادَتِهِمْ
ــ
[كشف الأسرار]
وَأَمَّا الْمُغَفَّلُ الشَّدِيدُ الْغَفْلَةِ أَيْ قَوِيُّهَا وَذَلِكَ بِأَنْ غَلَبَ طَبْعَهُ الْغَفْلَةُ وَالنِّسْيَانُ فِي عَامَّةِ الْأَحْوَالِ فَمِثْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ فِي أَنَّ خَبَرَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً أَصْلًا كَخَبَرِهِمَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى السَّهْوِ وَالْغَلَطِ يَتَرَجَّحُ فِي الرِّوَايَةِ بِاعْتِبَارِ غَلَبَةِ الْغَفْلَةِ كَمَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ الْفِسْقِ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ خَبَرُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُرْوَى إلَّا عَنْ تَيَقُّظٍ وَضَبْطٍ وَلَا يَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْ غَفْلَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَنَّ مَنْ لَا يَضْبِطُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ ضَبَطَ وَمَنْ سَهَا يُظَنُّ أَنَّهُ مَا سَهَا فَيَرْوِي عَلَى حَسَبِ ظَنِّهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ يُسَاوِي ذِكْرُهُ وَغَفْلَتُهُ إلَّا عِنْدَ قَاضِي الْقُضَاةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ؛ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَبَرِ الصِّحَّةُ وَكَوْنُهُ حُجَّةً إلَّا بِعَارِضٍ فَإِذَا لَمْ يَتَرَجَّحْ غَفْلَةُ الرَّاوِي عَلَى تَيَقُّظِهِ وَذِكْرِهِ بَقِيَ حُجَّةً كَمَا كَانَ وَلَمْ يُتْرَكْ بِالِاحْتِمَالِ كَمَا إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ الْخَبَرُ لَا يَصِيرُ حُجَّةً إلَّا إذَا تَكَامَلَتْ شَرَائِطُهُ وَذَلِكَ عِنْدَ تَرَجُّحِ ذِكْرِ الرَّاوِي عَلَى غَفْلَتِهِ فَقَبْلَ تَرَجُّحِهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ؛ فَإِنَّ سَبْقَ الطَّهَارَةِ يُرَجِّحُهَا حَتَّى لَوْ انْفَرَدَ الشَّكُّ عَنْ سَبْقِ الطَّهَارَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا فَأَمَّا تُهْمَةُ الْغَفْلَةِ أَيْ وَهْمُهَا بِأَنْ يُوهِمَ السَّامِعَ أَنَّ الرَّاوِيَ رَوَى عَنْ غَفْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْفُلُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ فَيُرَدُّ خَبَرُهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ التَّيَقُّظُ وَجَوْدَةُ الضَّبْطِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا غَفْلَةَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ فَيُقْبَلُ خَبَرُهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ سَهَا فِيهِ وَالْمُسَاهِلُ الْمُجَازِفُ الَّذِي لَا يُبَالِي مِنْ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَلَا يَشْتَغِلُ فِيهِ بِالتَّدَارُكِ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ، وَقِيلَ الْمُسَاهِلُ هُوَ الَّذِي لَا يَصْرِفُ اهْتِمَامَهُ إلَى أُمُورِ الدِّينِ وَلَا يَحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ، وَالتَّزْوِيرُ تَزْيِينُ الْكَذِبِ وَزَوَّرْت الشَّيْءَ حَسَّنْته وَقَوَّمْته كَذَا فِي الصِّحَاحِ.
[خَبَر صَاحِبُ الْهَوَى]
قَوْلُهُ (فَأَمَّا صَاحِبُ الْهَوَى) الْهَوَى مَيَلَانُ النَّفْسِ إلَى مَا تَسْتَلِذُّ بِهِ مِنْ الشَّهَوَاتِ مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةِ الشَّرْعِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا أُبِيحَ فِي الشَّرْعِ مِنْ الشَّهَوَاتِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهَوَى مِمَّا يُذَمُّ عَلَيْهِ الشَّخْصُ وَيُهَانُ بِهِ وَنَفْسُ الِالْتِذَاذِ بِالشَّهَوَاتِ قَدْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام مَعَ بَرَاءَتِهِمْ عَنْ الْهَوَى وَعِصْمَتِهِمْ عَنْهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّنْ اتَّبَعَ الْهَوَى مَنْ يَجِبُ إكْفَارُهُ كَغُلَاةِ الْمُجَسِّمَةِ وَالرَّوَافِضِ وَغَيْرِهِمْ وَيُسَمَّى الْكَافِرُ الْمُتَأَوِّلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجِبُ إكْفَارُهُ وَيُسَمَّى الْفَاسِقُ الْمُتَأَوِّلُ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّ شَهَادَةَ مَنْ كَفَرَ فِي هَوَاهُ مَقْبُولَةٌ وَكَذَا رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَكَانَ مُتَحَرِّجًا مُعَظِّمًا لِلدِّينِ غَيْرَ عَالِمٍ بِكُفْرِهِ يَحْصُلُ ظَنُّ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ فَيُقْبَلُ كَخَبَرِ الْمُسْلِمِ الْعَدْلِ، وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلَى رَدِّهِمَا؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ وَلَا لِلرِّوَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَكَوْنُهُ مُتَأَوِّلًا مُمْتَنِعًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ غَيْرَ عَالِمٍ بِكُفْرِهِ لَا نَجْعَلُهُ أَهْلًا لَهُمَا؛ فَإِنَّ كُلَّ كَافِرٍ مُتَأَوِّلٌ إذْ الْيَهُودُ لَا يَعْلَمُونَ بِكُفْرِهِمْ وَتَوَرُّعُهُ عَنْ الْكَذِبِ كَتَوَرُّعِ النَّصْرَانِيِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بَلْ هَذَا الْمَنْصِبُ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ كَذَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَاخْتُلِفَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَيْضًا فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ إلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ وَرِوَايَتِهِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ فِي الْعَمَلِ مَانِعٌ مِنْ الْقَبُولِ فَالْفِسْقُ فِي الِاعْتِقَادِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى.
أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ جَاهِلٌ بِفِسْقِهِ لَكِنْ جَهْلُهُ بِفِسْقِهِ فِسْقٌ آخَرُ انْضَمَّ إلَى فِسْقٍ فَكَانَ أَوْلَى
إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى وَقَعَ فِيهِ لِتَعَمُّقِهِ وَذَلِكَ يَصُدُّهُ عَنْ الْكَذِبِ فَلَمْ يَصْلُحْ شُبْهَةً وَتُهْمَةً إلَّا مَنْ يَتَدَيَّنُ بِتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي إذَا كَانَ يَنْتَحِلُ بِنِحْلَتِهِ فَيُتَّهَمُ بِالْبَاطِلِ وَالزُّورِ مِثْلُ الْخَطَّابِيَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ بِالْإِلْهَامِ: إنَّهُ حُجَّةٌ يَجِبُ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ أَيْضًا، وَأَمَّا فِي بَابِ السُّنَنِ؛ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا أَنْ لَا يَقْبَلَ رِوَايَةَ مَنْ انْتَحَلَ الْهَوَى وَالْبِدْعَةَ وَدَعَا النَّاسَ إلَيْهِ عَلَى هَذَا أَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُحَاجَّةَ وَالدَّعْوَةَ إلَى الْهَوَى سَبَبٌ دَاعٍ إلَى التَّقَوُّلِ فَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْعُو إلَى التَّزْوِيرِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ فَإِذَا صَحَّ هَذَا كَانَ صَاحِبُ الْهَوَى بِمَنْزِلَةِ الْفَاسِقِ فِي بَابِ السُّنَنِ وَالْأَحَادِيثِ.
ــ
[كشف الأسرار]
بِالْمَنْعِ وَلَمْ يَكُنْ عُذْرًا كَجَهْلِهِ بِكُفْرِهِ وَبِرِقِّهَا، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ قَبُولَ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ إنَّمَا لَا يُقْبَلُ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا تَعَاطَى مَحْظُورَ دِينِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِحُرْمَتِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جُرْأَتِهِ عَلَى الْكَذِبِ فَيُقْدَحُ فِي الظَّنِّ بِصِدْقِهِ فَأَمَّا الْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ لِغُلُوِّهِ فِي الِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَحْظُورِ حَيْثُ قَالَ بِكُفْرِ مَنْ ارْتَكَبَ الذَّنْبَ أَوْ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْإِيمَانِ بِهِ فَهَذَا الِاعْتِقَادُ يَحْمِلُ عَلَى التَّحَرُّزِ عَنْ الْكَذِبِ أَشَدَّ الِاحْتِرَازِ لَا عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ فَكَانَ هَذَا الْفِسْقُ نَظِيرَ تَنَاوُلِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ شُرْبِ الْمُثَلَّثِ عَلَى اعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ، إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ نُسِبُوا إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْأَجْدَعِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ: الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا فَاعْتِقَادُهُ هَذَا تَمَكَّنَ تُهْمَةَ الْكَذِبِ فِي شَهَادَتِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ فِي التَّهْذِيبِ لِمُحْيِي السُّنَّةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ؛ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ الْكَذِبَ كُفْرًا فَرُبَّمَا يَسْمَعُ مِمَّنْ يُوَافِقُهُ فِي الِاعْتِقَادِ أَنَّ لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَيَشْهَدُ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِهِ لِمَا يَرَى أَنَّهُ لَا يُخْبِرُ الْكَذِبَ إلَّا أَنْ يَقُولَ: أَقَرَّ فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِكَذَا أَوْ رَأَيْت فُلَانًا أَقْرَضَ فُلَانًا أَوْ قَتَلَ فُلَانًا فَيُقْبَلُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا مَنْ تَدَيَّنَ بِتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي أَيْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَنْتَحِلُ بِنَحْلَتِهِ أَوْ يَنْتَسِبُ إلَى مِلَّتِهِ يُقَالُ: فُلَانٌ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ كَذَا أَيْ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ وَيَتَدَيَّنُ بِهِ وَالنَّحْلَةُ الْمِلَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يَعْنِي فَلَمْ يَصْلُحْ تَعَمُّقُهُ شُبْهَةً وَتُهْمَةً فَيَكُونُ صَاحِبُ الْهَوَى مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ إلَّا الَّذِي تَدَيَّنَ بِكَذَا، وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَنْ تَدَيَّنَ بِتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي مَنْ قَالَ بِالْإِلْهَامِ أَيْ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْإِلْهَامَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعِلْمِ لَا يُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ ذَلِكَ تَمَكَّنَ تُهْمَةَ الْكَذِبِ فَرُبَّمَا أَقْدَمَ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَالْإِلْهَامُ مَا حَرَّكَ الْقَلْبَ بِعِلْمٍ يَدْعُوكَ إلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ بِدَلِيلٍ وَلَا نَظَرٍ فِي حُجَّةٍ.
قَوْلُهُ (فَأَمَّا فِي بَابِ السُّنَنِ) إلَى آخِرِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ الشَّهَادَةِ فَأَمَّا رِوَايَةُ هَذَا الْقِسْمِ، وَهُوَ الْفَاسِقُ الْمُتَأَوِّلُ فَمَقْبُولَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ انْتِفَاءِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ؛ فَإِنَّ مَنْ احْتَرَزَ عَنْ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِ الرَّسُولِ كَانَ أَشَدَّ تَحَرُّزًا مِنْ الْكَذِبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ جِنَايَةً فَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تُقْبَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا لِلنَّاسِ إلَى هَوَاهُ وَلَا يُقْبَلُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ حَيْثُ يُقْبَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ الْحَافِظَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيَّ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ الْإِكْلِيلِ أَنَّ رِوَايَاتِ الْمُبْتَدَعَةِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ إذَا كَانُوا فِيهَا صَادِقِينَ فَقَدْ حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ الرَّوَاجِنِيِّ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا الصِّدْقُ فِي رِوَايَتِهِ الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ بِمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ وَجَرِيرِ بْنِ عُثْمَانَ الرَّحَبِيِّ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْهُمَا النَّصْبُ وَاتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِأَبِي مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدِ بْنِ خَازِمٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى