الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ مَنْ لَا يَتَمَسَّكُ بِالْهَوَى وَالْبِدْعَةِ وَلَوْ جَازَ الْخَطَأُ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ، وَقَدْ انْقَطَعَ الْوَحْيُ بَطَلَ وَعْدُ الثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِأَنَّ إجْمَاعَهُمْ صَوَابٌ بِيَقِينٍ كَرَامَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى صِيَانَةً لِهَذَا الدِّينِ وَهَذَا حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِإِجْمَاعِهِمْ صِيَانَةً لِلدِّينِ وَذَلِكَ جَائِزٌ، مِثْلُ الْقَاضِي يَقْضِي فِي الْمُجْتَهَدِ بِرَأْيِهِ فَيَصِيرُ لَازِمًا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ نَقْضٌ وَذَلِكَ فَوْقَ دَلِيلِ الِاجْتِهَادِ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ الَّذِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ الدِّينِ وَلَا يُنْكَرُ فِي الْمَحْسُوسِ وَالْمَشْرُوعِ أَنْ يَحْدُثَ بِاجْتِمَاعِ الْأَفْرَادِ مَا لَا يَقُومُ بِهِ الْأَفْرَادُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصَارَ الْإِجْمَاعُ كَآيَةٍ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ حَدِيثٍ مُتَوَاتِرٍ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ وَالْعِلْمِ بِهِ.
فَيَكْفُرُ جَاحِدُهُ فِي الْأَصْلِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ثُمَّ هَذَا عَلَى مَرَاتِبَ فَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ مِثْلُ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَإِجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَإِذَا صَارَ الْإِجْمَاعُ مُجْتَهَدًا فِي السَّلَفِ كَانَ كَالصَّحِيحِ مِنْ الْآحَادِ.
ــ
[كشف الأسرار]
وَالْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرَائِعَ الْمَاضِيَةَ نُسِخَتْ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا نَسْخُ بَعْضِ أَحْكَامِهَا فَكَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ بَعْضِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ بَاطِلًا فَكَانَ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً قَاطِعَةً ضَرُورَةً.
قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ مَنْ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِالْهَوَى وَالْبِدْعَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا يُقَالُ لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْمُحِقَّةِ مُنْكِرُو الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأُمَّةِ فَقَالَ: الْمُرَادُ مِنْ الْأُمَّةِ مَنْ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِالْهَوَى وَالْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأُمَّةِ يَتَنَاوَلُ أُمَّةَ الْمُتَابَعَةِ دُونَ أُمَّةِ الْبِدْعَةِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ الَّذِينَ مُنْكِرُو الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ مِنْ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ كَالْكُفَّارِ دُونَ أُمَّةِ الْمُتَابَعَةِ وَهَذَا حُكْمٌ أَيْ إصَابَةُ الْحَقِّ بِيَقِينٍ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِإِجْمَاعِهِمْ فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ حَالَةَ الِانْفِرَادِ وَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْيَقِينِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ مَعْنًى آخَرُ يَصِيرُ مُوجِبًا لَهُ مِثْلُ الْحُكْمِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ فَيَكُونُ غَيْرَ لَازِمٍ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ قَضَاءُ الْقَاضِي يَصِيرُ لَازِمًا بِحَيْثُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ نَقْضٌ، وَذَلِكَ أَيْ قَضَاءُ الْقَاضِي إنَّمَا جُعِلَ فَوْقَ دَلِيلِ الِاجْتِهَادِ لِأَجْلِ صِيَانَةِ الْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الدِّينِ عَنْ الْبُطْلَانِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً لِأَجَلِ صِيَانَةِ أَصْلِ الدِّينِ كَانَ أَوْلَى، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ فَإِنَّ نَسْخَهَا لَمَّا كَانَ جَائِزًا لَمْ يَقَعْ الْحَاجَةُ فِيهَا إلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ فَأَمَّا شَرِيعَتُنَا هَذِهِ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهَا النَّسْخُ بَلْ هِيَ شَرِيعَةٌ مُؤَبَّدَةٌ فَعُصِمَتْ أُمَّتُهَا مِنْ الْخَطَأِ لِيَبْقَى الشَّرْعُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَحْفُوظًا، ثُمَّ أَجَابَ عَنْ كَلَامِهِمْ فَقَالَ وَلَا يُنْكَرُ فِي الْمَحْسُوسِ وَالْمَشْرُوعِ أَنْ يَحْدُثَ بِاجْتِمَاعِ الْأَفْرَادِ مَا لَا يَقُومُ بِهِ الْأَفْرَادُ؛ فَإِنَّ الْأَفْرَادَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى حَمْلِ خَشَبَةٍ ثَقِيلَةٍ، وَإِذَا اجْتَمَعُوا قَدَرُوا عَلَيْهِ.
وَاللُّقْمَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَكُونُ مُشْبِعَةً، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ اللُّقُمَاتُ تَصِيرُ مُشْبِعَةً وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْمُخْبِرِينَ عَلَى نَقْلِهِ يَصِيرُ مُوجِبًا لَهُ، وَالْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ بَلْ الْآيَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْقُرْآنِ لَا تَكُونُ مُعْجِزَةً وَإِذْ اجْتَمَعَتْ الْآيَاتُ صَارَتْ مُعْجِزَةً.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ فِي جَوَابِهِمْ: الْمُسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا فِي الْقَوْلِ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَجَمَاعَتُهُمْ غَيْرُ مُخْطِئِينَ فِيهِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ خَطَأً إذَا انْفَرَدَ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ كَافَّةِ الْأُمَّةِ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ خَطَأً وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ يُفَارِقَ الْوَاحِدُ الْجَمَاعَةَ وَنَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا أَنْ يُقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ فَإِذَا اجْتَمَعُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَكُونُوا سُودًا بَلْ بِيضًا، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ بَقِيَّةِ كَلَامِهِمْ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِجْمَاعِ.
[إنْكَار الْإِجْمَاع]
قَوْلُهُ (فَيَكْفُرُ جَاحِدُهُ فِي الْأَصْلِ) أَيْ يُحْكَمُ بِكُفْرِ مَنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ بِأَنْ قَالَ: لَيْسَ الْإِجْمَاعُ بِحُجَّةٍ أَمَّا مَنْ أَنْكَرَ تَحَقُّقَ الْإِجْمَاعِ فِي حُكْمٍ بِأَنْ قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ إجْمَاعٌ وَأَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِيهِ فَلَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ بَعْدَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إنْكَارَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ كَالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَالْمَنْقُولِ بِلِسَانِ الْآحَادِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْكُفْرِ اخْتَلَفُوا فِي إنْكَارِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ مَثَلًا فَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَمْ يَجْعَلْهُ مُوجِبًا لِلْكُفْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ فَإِنْكَارُ حُكْمِهِ لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَإِنْكَارِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ الْقِيَاسِ.
وَذَكَرَ هَذَا الْقَائِلُ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْفُقَهَاءَ أَثْبَتُوا الْإِجْمَاعَ بِعُمُومَاتِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُنْكِرَ لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْعُمُومَاتُ لَا يَكْفُرُ إذَا كَانَ الْإِنْكَارُ لِتَأْوِيلٍ، ثُمَّ يَقُولُونَ الْحُكْمُ
وَالنَّسْخُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ بِمِثْلِهِ حَتَّى إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ بِإِجْمَاعِ عَصْرِهِ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ أُولَئِكَ عَلَى خِلَافِهِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْأَوَّلُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَمَلِ عِنْدَنَا عَلَى مَا مَرَّ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي عَصْرَيْنِ أَوْ عَصْرٍ وَاحِدٍ أَعْنِي بِهِ فِي جَوَازِ النَّسْخِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
ــ
[كشف الأسرار]
الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مَقْطُوعٌ بِهِ وَمُخَالِفُهُ كَافِرٌ فَكَأَنَّهُمْ قَدْ جَعَلُوا الْفَرْعَ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ وَذَلِكَ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ مُوجِبًا لِلْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ كَآيَةٍ مِنْ الْكِتَابِ قَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ أَوْ خَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ فَإِنْكَارُهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ لَا مَحَالَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ فَقَالَ إنْ كَانَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ فِي مَعْرِفَتِهِ مِثْلُ أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَرَكَعَاتِهَا وَفَرْضِ الْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَزَمَانِهِمَا وَمِثْلُ تَحْرِيمِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالرِّبَا كَفَرَ مُنْكِرُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِإِنْكَارِهِ جَاحِدًا لِمَا هُوَ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ قَطْعًا فَصَارَ كَالْجَاحِدِ لِصِدْقِ الرَّسُولِ عليه السلام.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْفَرِدُ الْخَاصَّةُ بِمَعْرِفَتِهِ كَتَحْرِيمِ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتهَا وَخَالَتِهَا وَفَسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَتَوْرِيثِ الْجَدَّةِ السُّدُسَ وَحَجْبِ بَنِي الْأُمِّ بِالْجَدِّ وَمَنْعِ تَوْرِيثِ الْقَاتِلِ لَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِضَلَالِهِ وَخَطَئِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمُنْكِرَ مُتَأَوِّلٌ حَيْثُ جَعَلَ الْمُرَادَ مِنْ الْأُمَّةِ وَالْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَهُمْ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَالتَّأْوِيلُ مَانِعٌ مِنْ الْإِكْفَارِ كَتَأْوِيلِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ النُّصُوصَ الْقَاطِعَةَ، وَتَبَيَّنَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ تَعَجُّبَ مَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ فَإِنَّهُمْ مَا حَكَمُوا بِكُفْرِ مُنْكِرِ كُلِّ إجْمَاعٍ وَلَمْ يَجْعَلُوا الْفَرْعَ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ وَلَمْ يَغْفُلُوا عَنْهُ، ثُمَّ قَوْلُهُ فَيَكْفُرُ جَاحِدُهُ فِي الْأَصْلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَيْ يَكْفُرُ جَاحِدُ الْإِجْمَاعِ الَّذِي ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْإِجْمَاعُ الدَّاخِلُ تَحْتَ أَدِلَّةِ الْإِجْمَاعِ بِلَا شُبْهَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَيْ يَكْفُرُ جَاحِدُ الْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ لِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَى صِحَّتِهِ لِاشْتِمَالِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعِتْرَةِ الرَّسُولِ وَيُضَلَّلُ جَاحِدُ إجْمَاعِ مَنْ بَعْدَهُمْ؛ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَإِذَا صَارَ الْإِجْمَاعُ مُجْتَهَدًا أَيْ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَانَ كَالصَّحِيحِ مِنْ الْآحَادِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْأُصُولِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا بَلَغَ إلَيْنَا بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ فَأَمَّا إذَا بَلَغَ بِطَرِيقِ الْآحَادِ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
قَوْلُهُ (وَالنَّسْخُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْإِجْمَاعِ جَائِزٌ بِمِثْلِهِ حَتَّى جَازَ نَسْخُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ بِالْقَطْعِيِّ وَلَا يَجُوزُ بِالظَّنِّيِّ وَجَازَ نَسْخُ الظَّنِّيِّ بِالظَّنِّيِّ وَالْقَطْعِيِّ جَمِيعًا فَلَوْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى حُكْمٍ، ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ يَجُوزُ وَيَكُونُ الثَّانِي نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مِثْلَهُ، وَلَوْ أَجْمَعَ الْقَرْنُ الثَّانِي عَلَى خِلَافِهِمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ دُونَهُ وَلَوْ أَجْمَعَ الْقَرْنُ الثَّانِي عَلَى حُكْمٍ، ثُمَّ أَجْمَعُوا بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى خِلَافِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَيَصْلُحُ نَاسِخًا لَهُ، وَإِنَّمَا جَازَ نَسْخُ الْإِجْمَاعِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَنْتَهِيَ مُدَّةُ حُكْمٍ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى أَهْلَ الِاجْتِهَادِ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ كَمَا إذَا وَرَدَ نَصٌّ بِخِلَافِ النَّصِّ الْأَوَّلِ ظَهَرَ بِهِ أَنَّ مُدَّةَ ذَلِكَ الْحُكْمِ قَدْ انْتَهَتْ وَلَا يُقَالُ زَمَانُ الْوَحْيِ قَدْ انْقَطَعَ بِوَفَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام فَلَا يَجُوزُ بَعْدَهُ نَسْخُ شَيْءٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: زَمَانُ نَسْخِ مَا ثَبَتَ بِالْوَحْيِ قَدْ انْقَطَعَ بِوَفَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى نُزُولِ الْوَحْيِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ بَعْدُ فَأَمَّا زَمَانُ نَسْخِ مَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ فَغَيْرُ مُنْقَطِعٍ لِبَقَاءِ زَمَانِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ وَحُدُوثِهِ، وَهَذَا مُخْتَارُ الشَّيْخِ فَأَمَّا جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ