المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ بَيَانِ قِسْمِ) (الِانْقِطَاعِ)وَهُوَ نَوْعَانِ

- ‌ مَا أَرْسَلَهُ الصَّحَابِيُّ

- ‌ إرْسَالُ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ

- ‌[الإنقطاع الظَّاهِرُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ] [

- ‌ إرْسَالُ كُلِّ عَدْلٍ

- ‌ الِاتِّصَالَ بِالِانْقِطَاعِ

- ‌[الِانْقِطَاعُ الْبَاطِلُ]

- ‌ الْحَادِثَةَ إذَا اُشْتُهِرَتْ وَخَفِيَ الْحَدِيثُ

- ‌[الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلِفُوا فِي حَادِثَةٍ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يُحَاجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ]

- ‌ خَبَرُ الْمَسْتُورِ

- ‌[الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ]

- ‌ خَبَرِ الْفَاسِقِ

- ‌[خَبَر الْكَافِرِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ إذَا عَقَلَا مَا يَقُولَانِ]

- ‌[خَبَر صَاحِبُ الْهَوَى]

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ)

- ‌[بَابُ بَيَانِ الْخَبَرُ]

- ‌ بَابُ الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ)

- ‌بَابُ شَرْطِ نَقْلِ الْمُتُونِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى)

- ‌(بَابُ مَا يَلْحَقُهُ النَّكِيرُ مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي)

- ‌(بَابُ الطَّعْنِ يَلْحَقُ الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ رَاوِيهِ)

- ‌‌‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ آيَتَيْنِ

- ‌[كَيْفِيَّةَ الْمَخْلَصِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[تعارض الْجُرْح وَالتَّعْدِيل]

- ‌(بَابُ الْبَيَانِ)

- ‌[أَوْجُه الْبَيَانُ]

- ‌[بَيَانُ التَّقْرِير]

- ‌ بَيَانُ التَّفْسِيرِ

- ‌[تَخْصِيصِ الْعَامِّ]

- ‌(بَابُ بَيَانِ التَّغْيِيرِ)

- ‌[أَنْوَاع بَيَانِ التَّغْيِيرِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ الضَّرُورَةِ}

- ‌[أَوْجُهٍ بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[تَفْسِيرِ النَّسْخِ]

- ‌النَّسْخُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحِلِّ النَّسْخِ)

- ‌[أَقْسَام مَالَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ شُرُوطِ النَّسْخ]

- ‌{بَابُ تَقْسِيمِ النَّاسِخِ}

- ‌[النَّسْخُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ]

- ‌نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ

- ‌(بَابُ تَفْصِيلِ) (الْمَنْسُوخِ)

- ‌[أَنْوَاعٌ الْمَنْسُوخُ]

- ‌[الْفُرْق بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ]

- ‌(بَابُ أَفْعَالِ النَّبِيِّ)

- ‌[أَقْسَام أَفْعَالِ النَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السُّنَّةِ)فِي حَقِّ النَّبِيِّ

- ‌[أَنْوَاع الوحى]

- ‌[جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا)

- ‌ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ

- ‌[بَابُ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ]

- ‌[تَقْلِيد التَّابِعِينَ]

- ‌(بَابُ الْإِجْمَاعِ)

- ‌[أَرْكَان الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ أَهْلِيَّةِ الْإِجْمَاع]

- ‌بَابُ شُرُوطِ) (الْإِجْمَاعِ) :

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ وَمَحِلّه]

- ‌[إنْكَار الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ بَيَانِ سَبَب الْإِجْمَاعُ]

- ‌(بَابُ الْقِيَاسِ)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ الْقِيَاسِ]

- ‌[ثُبُوت الْقِيَاس وَأَنْوَاعه]

- ‌(فَصْلٌ فِي تَعْلِيلِ الْأُصُولِ)

- ‌بَابٌ شُرُوطُ الْقِيَاسِ) :

- ‌[بَابُ رُكْنُ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَا يصلح دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّة]

- ‌[بَابُ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ]

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْعِلَّةِ) :

- ‌[جُمْلَةَ مَا يُعَلَّلُ لَهُ]

الفصل: ‌ الاحتجاج بلا دليل

وَأَمَّا‌

‌ الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ

فَقَدْ جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ حُجَّةً لِلنَّافِي، وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا شُبْهَةٍ

ــ

[كشف الأسرار]

فِي أُصُولِ الدِّينِ فَالنُّزُولُ عَنْ تِلْكَ الْمَعَانِي إلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ زَلَّةٌ فِي الدِّينِ وَضَلَّةٌ فِي الْعَقْلِ وَاَللَّهُ الْعَاصِمُ بِمَنِّهِ.

[الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ) آخِرُهُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ الدَّلِيلُ مِمَّنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَنَّ لِلَّهِ حُكْمًا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ جَهِلَ أَمْرًا كَانَ جَاهِلًا بِدَلِيلِهِ فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ كَانَ طَلَبُ الدَّلِيلِ مِنْهُ سَفَهًا فَأَمَّا إذَا اعْتَقَدَ وَقَالَ أَعْلَمُ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ مِنْ وُجُوبِ فِعْلٍ، أَوْ تَرْكِهِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ زَكَاةٌ وَيَدَّعِي ذَلِكَ مَذْهَبًا وَيَدْعُو غَيْرَهُ إلَيْهِ فَهَلْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ إذَا طَالَبَ الْخَصْمَ فِي الْمُنَاظَرَةِ بِدَلِيلِ النَّفْيِ، أَوْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَقِدَ نَفْيَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِلَا دَلِيلٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُنَاظَرَةِ قَالَ أَصْحَابُ الظَّاهِرِ لَا دَلِيلَ عَلَى مُعْتَقِدِ النَّفْيِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا عِنْدَ مُطَالَبَةِ الْخَصْمِ فِي الْمُنَاظَرَةِ بَلْ يَكْفِيهِ التَّمَسُّكُ بِلَا دَلِيلٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فَقَدْ جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ حُجَّةً لِلنَّافِي يَعْنِي لَيْسَ عَلَيْهِ إقَامَةُ دَلِيلٍ بَلْ تَمَسُّكُهُ بِلَا دَلِيلٍ حُجَّةٌ لَهُ عَلَى خَصْمِهِ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: يَجِبُ عَلَى النَّافِي إقَامَةُ الدَّلِيلِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ دُونَ الشَّرْعِيَّاتِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا دَلِيلَ حُجَّةٍ دَافِعَةٍ لَا مُوجِبَةٍ.

وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حُجَّةٌ لِإِبْقَاءِ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلِهِ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ بِدَلِيلِهِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي التَّقْوِيمِ وَأُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ هَذَا مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ فَقَالَ: وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ عَلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ مَذْهَبِهِ فِيمَا قَالَهُ لَا نَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ؟ وَالْمَنْقُولُ مِنْ الْأَصْحَابِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّافِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِثْلُ الْمُثْبِتِ وَعِنْدَنَا لَا دَلِيلَ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي الدَّفْعِ وَلَا فِي الْإِيجَابِ لَا فِي الْإِبْقَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ ابْتِدَاءً وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّافِي - الدَّلِيلُ عِنْدَ الْعَامَّةِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُثْبِتِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْإِنْسَانُ نَفْيَ حُكْمٍ وَلَا أَنْ يُنَاظِرَ غَيْرَهُ فِيهِ وَيَدْعُوهُ إلَى مُعْتَقَدِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ تَمَسَّكَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ فَإِنَّهُ تَعَالَى عَلَّمَ نَبِيَّهُ عليه السلام الِاحْتِجَاجَ بِلَا دَلِيلٍ لِانْتِفَاءِ الْحُرْمَةِ عَنْ غَيْرِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَبِالْمَعْقُولِ، وَهُوَ أَنَّ النَّافِيَ مُتَمَسِّكٌ بِالظَّاهِرِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ الْمَعْرُوفَ مِنْ أَحْوَالِ الشَّرْعِ أَنَّ إقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا لَا عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِالظَّاهِرِ فَإِنَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِعَامٍّ أَوْ بِحَقِيقَةٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ أَوْ حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صِيغَةِ الْعَامِّ هُوَ الْعُمُومُ وَفِي الْكَلَامِ هُوَ الْحَقِيقَةُ بَلْ الدَّلِيلُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي الْخُصُوصَ أَوْ الْمَجَازَ.

وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الدَّعْوَى قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْمُنْكِرَ، وَهُوَ الْمُتَمَسِّكُ بِالْأَصْلِ بِالظَّاهِرِ وَالْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا فَكَذَا النَّافِي مُتَمَسِّكٌ بِالظَّاهِرِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ بِخِلَافِ الْمُثْبِتِ فَإِنَّهُ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إقَامِهِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ أَقْوَى الْخُصُومَاتِ الْخُصُومَةُ فِي النُّبُوَّةِ، وَالنَّبِيُّ عليه السلام كَانَ مُثْبِتًا وَالْقَوْمُ نُفَاةِ وَكَانُوا لَا يُطَالِبُونَ بِحُجَّةٍ سِوَى أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَى النُّبُوَّةِ.

وَلَا مَعْنًى قَوْلِنَا لَا دَلِيلَ عَلَى النَّافِي لَا دَلِيلَ عَلَى الْمُتَمَسِّكِ بِالْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَالدَّلِيلُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِشَيْءِ، وَهُوَ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَدَمُ شَيْئًا لَمْ يَحْتَجْ الْمُتَمَسِّكُ بِهِ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَتَمَسَّكَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ بِأَنَّ مُدَّعِيَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ يَدَّعِي حَقِيقَةَ الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ فَيُطَالَبُ بِالدَّلِيلِ فَأَمَّا فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَمُدَّعِي الْإِثْبَاتِ يَدَّعِي حُكْمًا شَرْعِيًّا مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ، أَوْ النَّدْبِ أَوْ نَحْوَهَا فَيُطَالَبُ بِالدَّلِيلِ

ص: 386

لِأَنَّ لَا دَلِيلَ بِمَنْزِلَةِ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ، وَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ وُجُودَهُ فَلَا دَلِيلَ كَيْفَ اُحْتُمِلَ وُجُودٌ وَكَيْف صَارَ دَلِيلًا

ــ

[كشف الأسرار]

لَكِنَّ النَّافِيَ يُنْكِرُ وُجُودَهُ وَيَدَّعِي انْتِفَاءَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُطَالَبُ بِالدَّلِيلِ وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّالِثُ بِأَنَّ الْعَدَمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْوُجُودِ وَالْخَصْمُ إذَا ادَّعَى دَلِيلَ الْوُجُودِ لَا يَكُونُ الْعَدَمُ حُجَّةً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَدَمَ احْتِمَالُ التَّغْيِيرِ بِدَلِيلِهِ، وَهُوَ مُدَّعِيهِ، وَقَوْلُ الْآخَرِ عِنْدِي دَلِيلُهُ مُحْتَمِلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ فَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمِلًا فَجُعِلَ حُجَّةً فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا دَلِيلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا أَنَّ الْعَدَمَ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدُ الْمُغَيِّرُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَدَمِ يُوجِبُ بَقَاءَ الْعَدَمِ إلَى أَنْ يَعْتَرِيَهُ الزَّوَالُ فَكَانَ قَوْلُهُ لَا دَلِيلَ احْتِجَاجًا بِذَلِكَ الدَّلِيلِ وَذَلِكَ الدَّلِيلُ حُجَّةٌ عَلَى خَصْمِهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ لَا دَلِيلَ.

وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ النَّصُّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البقرة: 111] أَخْبَرَ عَنْ الْيَهُودِ الَّذِينَ نَفَوْا دُخُولَ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ وَأَثْبَتُوا دُخُولَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِيهَا ثُمَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ عليه السلام بِطَلَبِ الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ جَمِيعًا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّفْيِ مِنْ الْحُجَّةِ وَبِالْمَعْقُولِ، وَهُوَ أَنَّ نَفْيَ كَوْنِ الشَّيْءِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا، أَوْ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ كَالْإِثْبَاتِ فَإِنَّ انْتِفَاءَ وُجُوبِ صَوْمِ شَوَّالٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ كَوُجُوبِ رَمَضَانَ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَانْتِفَاءِ الْحِلِّ عَنْ الْخَمْرِ حُكْمُ الشَّرْعِ كَثُبُوتِ الْحِلِّ فِي الْخَلِّ، وَالْأَحْكَامُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَدِلَّتِهَا فَمَنْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ حُكْمًا مِنْ إثْبَاتٍ، أَوْ نَفْيٍ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الدَّلِيلِ وَلَا دَلِيلَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلدَّلِيلِ وَنَفْيُ الشَّيْءِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إثْبَاتَ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَقَوْلِ الْإِنْسَانِ لَا بَيْعَ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلَا زَيْدَ لَيْسَ بِزَيْدٍ فَكَانَ التَّمَسُّكُ بِالنَّفْيِ تَمَسُّكًا بِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَعَدَمُ الدَّلِيلِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ لَا دَلِيلَ نَفْيٍ لِلدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ فَيَكُونُ انْتِفَاؤُهُ دَلِيلًا عَلَى النَّفْيِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ قُلْنَا: إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا إذَا كَانَ النَّافِي مِمَّنْ لَهُ عِلْمٌ بِجَمِيعِ الْأَدِلَّةِ فَأَمَّا مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ جَهْلٌ بِالدَّلِيلِ لَا عِلْمَ بِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلنَّافِي مَا ادَّعَيْت نَفْيَهُ عَرَفْت انْتِفَاهُ بِيَقِينٍ، أَوْ أَنْتَ شَاكٌّ فِيهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِالشَّكِّ فَلَا تُطَالِبُ بِالدَّلِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْجَهْلِ عَلَى مَا قُلْنَا.

وَإِنْ قَالَ أَتَيَقَّنُ بِالنَّفْيِ فَيُقَالُ بِعَيْنِك هَذَا حَصَلَ عَنْ ضَرُورَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ عَنْ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْ ضَرُورَةٍ لَشَارَكَهُ جَمِيعُ الْعُقَلَاءِ فِيهِ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الضَّرُورِيَّاتِ بِأَحَدٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَنَا الْعِلْمُ بِانْتِفَائِهِ ضَرُورَةً وَلَمَّا لَمْ يَعْرِفْهُ عَنْ ضَرُورَةٍ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ الْمَعْرِفَةَ عَنْ تَقْلِيدٍ، أَوْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَالتَّعْلِيلُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ فَإِنَّ الْخَطَأَ جَائِزٌ عَلَى الْمُقَلِّدِ وَالْمُقَلِّدُ مُعْتَرِفٌ بِعَمَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْبَصِيرَةَ لِغَيْرِهِ وَإِنْ ادَّعَى الْمَعْرِفَةَ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ نَفْيُ الْحُكْمِ بِدَلِيلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله وَيَلْزَمُ عَلَى إسْقَاطِ الدَّلِيلِ عَنْ النَّافِي أَمْرَانِ شَنِيعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَجِبَ الدَّلِيلُ عَلَى نَافِي حَدَثِ الْعَالَمِ وَنَافِي الصَّانِعِ وَنَافِي النُّبُوَّاتِ وَنَافِي تَحْرِيمِ الزِّنَا وَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَهُوَ مُحَالٌ وَالثَّانِي أَنَّ الدَّلِيلَ إذَا سَقَطَ عَنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يَعْجِزْ أَنْ يُعَبِّرَ الْمُثْبِتُ عَنْ مَقْصُودِ إثْبَاتِهِ بِالنَّفْيِ فَيَقُولُ بَدَلَ قَوْلِهِ مُحْدَثٌ إنَّهُ لَيْسَ بِقَدِيمٍ وَبَدَلَ قَوْلِهِ قَادِرٌ إنَّهُ

ص: 387

وَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْعَنْبَرِ أَنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الْأَثَرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمَكِ وَالسَّمَكُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ وَلَا خُمُسَ فِي الْمَاءِ يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ يَنْفِيهِ وَلَمْ يَرِدْ أَثَرٌ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ أَيْضًا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ الْخُمُسُ إلَّا فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِلَا شُبْهَةٍ فَقَوْلُ الْقَائِلِ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ مَعَ احْتِمَالِ قُصُورِهِ عَنْ غَيْرِهِ فِي دَرْكِ الدَّلِيلِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً، وَلِهَذَا صَحَّ هَذَا النَّوْعُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّارِعُ فَشَهَادَتُهُ بِالْعَدَمِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى عَدَمِهِ إذَا لَا يَجْرِي عَلَيْهِ السَّهْوُ وَلَا يُوصَفُ بِالْعَجْزِ فَأَمَّا الْبَشَرُ فَإِنَّ صِفَةَ الْعَجْزِ يُلَازِمُهُمْ، وَالسَّهْوُ يَعْتَرِيهِمْ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ نُسِبَ إلَى السَّفَهِ أَوْ الْعَتَهِ فَلَمْ يُنَاظَرْ وَمَنْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ اُضْطُرَّ إلَى التَّقْلِيدِ الَّذِي هُوَ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ــ

[كشف الأسرار]

لَيْسَ بِعَاجِزٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ قَوْلَهُ.

(وَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي) لَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ بُطْلَانِ الِاحْتِجَاجِ بِلَا دَلِيلٍ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ حَاكِيًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا خُمُسَ فِي الْعَنْبَرِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ لَمْ يَرِدْ بِهِ فَإِنَّهُ تَمَسَّكَ بِلَا دَلِيلٍ لِنَفْيِ الْخُمُسِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جَوَابَ السُّؤَالِ أَيْ لَمْ يَكْتَفِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ بَلْ ذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمَكِ حَيْثُ قَالَ حَاكِيًا عَنْهُ: لَا خُمُسَ فِي الْعَنْبَرِ قُلْت لِمَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمَكِ قُلْت وَمَا بَالُ السَّمَكِ لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ قَالَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ.

وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى قِيَاسٍ مُؤَثِّرٍ لِأَنَّا أَخَذْنَا خُمُسَ الْمَعَادِنِ مِنْ خُمُسِ الْغَنَائِمِ، وَإِنَّمَا نُوجِبُ الْخُمُسَ فِيمَا يُصَابُ مِنْ الْمَعَادِنِ إذَا كَانَ أَصْلُهُ فِي يَدِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ وَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْغَنِيمَةِ وَالْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْبَحْرِ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ آخَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَكَانَ الْقِيَاسُ نَافِيًا وُجُوبَ الْخُمُسِ فِيهِ وَلَمْ يَرِدْ أَثَرٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ يَعْمَلُ بِهِ وَيَتْرُكُ بِهِ الْقِيَاسَ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ إشَارَةٌ إلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ لَا احْتِجَاجًا بِلَا دَلِيلٍ ثُمَّ أَقَامَ الشَّيْخُ دَلِيلًا آخَرَ وَأَجَابَ عَنْ تَمَسُّكِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ بِالنَّصِّ فَقَالَ: وَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعِلْمِ بِالْأَدِلَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْحِجَجِ تَفَاوُتًا لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِهِ؛ لِأَنَّهُ شَبَهُ الْمَحْسُوسِ لِمَنْ يَرْجِعُ إلَى أَحْوَالٍ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَقِفُ عَلَى مَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ عز وجل فِي قَوْلِهِ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] فَمَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ وَاحْتِمَالِ قُصُورِ النَّافِي عَنْ غَيْرِهِ فِي دَرْكِ الدَّلِيلِ لَا يَكُونُ تَمَسُّكُهُ بِلَا دَلِيلٍ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ؛ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّ فَسَادَ الِاحْتِجَاجِ بِلَا دَلِيلٍ لِاحْتِمَالِ الْقُصُورِ عَنْ الْغَيْرِ فِي دَرْكِ الْأَدِلَّةِ صَحَّ هَذَا النَّوْعُ أَيْ الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّارِعُ لِلْأَحْكَامِ وَالْوَاضِعُ لِلدَّلَائِلِ فَكَانَتْ شَهَادَتُهُ بِالْعَدَمِ دَلِيلًا قَاطِعًا عَلَى الْعَدَمِ وَمَنْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ أَيْ احْتَجَّ بِلَا دَلِيلٍ وَفَتَحَ بَابَهُ اُضْطُرَّ إلَى التَّقْلِيدِ الَّذِي هُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَحْتَجُّ بِهِ لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالْمُوجِبِ لَا لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّفْيِ عَنْ سَبَبٍ وَلَمَّا لَمْ يَحْصُلْ مَعْرِفَتِهِ بِالنَّفْيِ عَنْ صُورَةٍ وَلَا عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ لِمَا بَيَّنَّا كَانَتْ حَاصِلَةً بِالتَّقْلِيدِ، أَوْ لَيْسَ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ شَيْءٌ سِوَى التَّقْلِيدِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَمَنْ شَرَعَ أَيْ جَوَّزَ الْعَمَلَ بِلَا دَلِيلٍ.

اُضْطُرَّ إلَى التَّقْلِيدِ أَيْ إلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ، وَالتَّقْلِيدُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ اتِّبَاعُ الرَّجُلِ غَيْرَهُ عَلَى مَا يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ بِفِعْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مُحِقٌّ بِلَا نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَتَأَمُّلٍ وَتَمْيِيزٍ بَيْنَ كَوْنِهِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِهِ حَقًّا وَبَاطِلًا كَذَا فِي التَّقْوِيمِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ مُحْتَمَلٌ لِلصَّوَابِ وَالْخَطَأِ وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا وَحُجَّةً وَلِهَذَا رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكَفَرَةِ احْتِجَاجَهُمْ بِاتِّبَاعِ الْآبَاءِ بِنَفْسِ الرُّؤْيَةِ وَالسَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَلَيْسَ اتِّبَاعُ الْأُمَّةِ صَاحِبَ الْوَحْيِ وَلَا رُجُوعَ الْعَامِّيِّ إلَى قَوْلِ الْمُفْتِي وَلَا الْقَاضِي إلَى قَوْلِ الْعُدُولِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ النَّبِيِّ وَغَيْرِهِ لَا يَقَعُ إلَّا بِالِاسْتِدْلَالِ وَقِيَامِ الْمُعْجِزَةِ فَوَجَبَ تَصْدِيقُهُ.

وَكَذَا وَجَبَ قَبُولُ الْإِجْمَاعِ بِقَوْلِ الرَّسُولِ وَوَجَبَ قَبُولُ الْمُفْتِي وَالشَّاهِدَيْنِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا تَقْلِيدًا؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ عَدَمُ الْحُجَّةِ وَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَمَسُّكَهُمْ بِأَنْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَافٍ، وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ عَلَى الْمُدَّعِي

ص: 388