الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{بَابُ بَيَانِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ وَتَقْسِيمِ وُجُوهِهِ، وَهُوَ الطَّرْدُ}
اعْلَمْ بِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ احْتِجَاجٌ بِمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ وَلَا حُجَّةٍ وَمَنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ إلَى الصُّورَةِ أَفْضَى بِهِ تَقْصِيرُهُ إلَى أَنْ قَالَ لَا دَلِيلَ عَلَى الْحُكْمِ يَصْلُحُ دَلِيلًا وَكَفَى بِهِ فَسَادًا، وَالْكَلَامُ فِي الْبَابِ قِسْمَانِ:.
قِسْمٌ فِي بَيَانِ الْحُجَّةِ وَالثَّانِي فِي تَقْسِيمِ الْجُمْلَةِ، وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّ الِاطِّرَادَ دَلِيلُ الصِّحَّةِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْوُجُودُ عِنْدَ الْوُجُودِ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْعَدَمُ مَعَ الْعَدَمِ أَيْضًا وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ قَائِمًا فِي الْحَالَيْنِ وَلَا حُكْمَ لَهُ
ــ
[كشف الأسرار]
ذَلِكَ الْحَالُ بِعَيْنِهِ وَلَكِنَّ فِي هَذَا الْمَعْنَى نَوْعَ غُمُوضٍ فَيَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِ الْأَصْلِ فَيَثْبُتُ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا اسْتِدْلَالٌ بِالْقِيَاسِ فِي الْحَقِيقَةِ وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِطَرِيقِ السَّلَفِ فِي تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يُسَمَّى مَا لَا أَصْلَ لَهُ عِلَّةً شَرْعِيَّةً أَيْ ثَابِتَةً بِالشَّرْعِ جَعَلَهَا الشَّرْعُ عِلَّةً فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ آخَرَ مِثْلُ قَوْلِهِ عليه السلام «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ عَلَيْكُمْ» عَلَى مَا قُلْنَا يَعْنِي فِي أَوَّلِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْأَثَرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ أَيْ الْأَصْلَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لِوُضُوحِهِ أَيْ لِظُهُورِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ]
(بَابُ بَيَانِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ)
وَتَقْسِيمُ وُجُوهِهِ وَهُوَ الطَّرْدُ، ذُكِرَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْقَائِسِينَ اخْتَلَفُوا فِي دَلَالَةِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً عَلَى قَوْلَيْنِ وَذُكِرَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْفِقْهِ فَكَانَ الْقَوْلُ الْآخَرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الطَّرْدِ ثَانِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَعُقِدَ هَذَا الْبَابُ لِبَيَانِهِ وَذُكِرَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَى الْمَقَالَةِ فِي وُجُوهِهِ بِتَأْوِيلِ الْقَوْلِ أَوْ الطَّرْدِ قِسْمٌ فِي بَيَانِ الْحُجَّةِ أَيْ فِي بَيَانِ كَوْنِ الطَّرْدِ حُجَّةً وَغَيْرَ حُجَّةٍ، أَوْ فِي بَيَانِ الْحُجَّةِ لِأَصْحَابِ الطَّرْدِ وَالْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.
وَالثَّانِي فِي تَقْسِيمِ الْجُمْلَةِ أَيْ جُمْلَةِ مَا هُوَ عَمَلٌ بِلَا دَلِيلٍ مِنْ أَقْسَامِ الطَّرْدِ وَمَا يُشَابِهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَيْ أَهْلُ الطَّرْدِ عَلَى أَنَّ الِاطِّرَادَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ مُلَاءَمَةٍ، أَوْ تَأْثِيرٍ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الِاطِّرَادِ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْوُجُودُ عِنْدَ الْوُجُودِ أَيْ الْمُرَادُ مِنْ الطَّرْدِ وُجُودُ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ مُلَاءَمَةٍ أَوْ تَأْثِيرٍ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ أَيْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ الْعَدَمَ مَعَ الْعَدَمِ يَعْنِي جَعْلَ هَؤُلَاءِ الطَّرْدَ مَعَ الْعَكْسِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالدَّوَرَانِ وُجُودًا وَعَدَمًا - دَلِيلَ صِحَّةِ الْعِلَّةِ دُونَ مُجَرَّدِ الطَّرْدِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهَا قَطْعًا وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهَا ظَنًّا، وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ وَأَكْثَرُ أَبْنَاءِ الزَّمَانِ مِنْ أَهْلِ الْجَدَلِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَيْ عَلَى الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ قَائِمًا فِي الْحَالَيْنِ وَلَا حُكْمَ لَهُ يَعْنِي شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ قَائِمًا فِي حَالِ وُجُودِ الْوَصْفِ وَحَالِ عَدَمِهِ وَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهِ بَلْ إلَى الْوَصْفِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» مُعَلَّلٌ بِشُغْلِ الْقَلْبِ لِدَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَلَا حُكْمَ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْغَضَبُ، أَوْ لِنَفْسِ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ فَإِنَّ الْغَضَبَ إذَا وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ شُغْلُ الْقَلْبِ لَا يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ لِوُجُودِ الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَإِذَا وُجِدَ الشُّغْلُ بِدُونِ غَضَبٍ بِالْجُوعِ أَوْ بِالْعَطَشِ، أَوْ نَحْوِهِمَا نُثْبِتُ الْحُرْمَةَ مَعَ أَنَّ النَّصَّ لَا يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ لِعَدَمِ الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالشُّغْلِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَانْقِطَاعُهُ عَنْ الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ حَتَّى لَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُهُ فِي وُجُودِهِ وَلَا عَدَمُهُ فِي عَدَمِهِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ الشَّغْلِ عِلَّةً.
وَقِيلَ: اشْتِرَاطُ قِيَامِ النَّصِّ وَلَا حُكْمَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْمَفْهُومَ حُجَّةً فَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ حُجَّةً فَلَا؛ لِأَنَّ
وَاحْتَجُّوا جَمِيعًا بِأَنَّ دَلَائِلَ صِحَّةِ الْقِيَاسِ لَا تَخُصُّ وَصْفًا دُونَ وَصْفٍ وَكُلُّ وَصْفٍ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ مِنْ النُّصُوصِ؛ وَلِأَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ غَيْرُ مُوجِبَةٍ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى مَعْنًى يُعْقَلُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْأَصْلَ شَاهِدًا، وَذَلِكَ لَا تَقْتَضِي الشَّهَادَةَ بِكُلٍّ كَمَا جُعِلَ كَامِلُ الْحَالِ مِنْ النَّاسِ شَاهِدًا، ثُمَّ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ لَفْظَةٍ شَهَادَةٌ إلَّا بِمَعْنًى مَعْقُولٍ يُوجِبُ تَمْيِيزًا
ــ
[كشف الأسرار]
قِيَامَ النَّصِّ وَعَدَمَ حُكْمِهِ إنْ تُصُوِّرَ فِي حَالِ عَدَمِ الْوَصْفِ كَمَا قُلْنَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَالِ وُجُودِ الْوَصْفِ فَإِنَّ شُغْلَ الْقَلْبِ إنْ وُجِدَ بِالْغَضَبِ يَكُونُ النَّصُّ قَائِمًا مَعَ حُكْمِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ وَإِنْ وَجَدَهُ بِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ النَّصُّ قَائِمًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى قِيَامِ النَّصِّ وَلَا حُكْمَ لَهُ قِيَامُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَتَنَاوُلُهُ لَهَا مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ فِيهَا لَا قِيَامُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَفْهُومُ حُجَّةً لَا يَكُونُ لِلنَّصِّ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مُوجِبٌ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ وَلَا فِي إثْبَاتِهِ فَلَا يَكُونُ النَّصُّ قَائِمًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَكِنْ إذَا جُعِلَ الْمَفْهُومُ حُجَّةً يَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ مِنْ مُوجِبِ النَّصِّ فَيَكُونُ النَّصُّ قَائِمًا وَلَا حُكْمَ لَهُ قَوْلُهُ (وَاحْتَجُّوا) أَيْ أَهْلُ الطَّرْدِ جَمِيعًا عَلَى كَوْنِ الطَّرْدِ دَلِيلُ صِحَّةِ الْعِلَّةِ بِأَنَّ الدَّلَائِلَ الَّتِي جَعَلَتْ الْقِيَاسَ حُجَّةً لَمْ تَخُصَّ وَصْفًا دُونَ وَصْفٍ فَظَوَاهِرُهَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّعْلِيلِ لِكُلِّ وَصْفٍ إلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ يَمْنَعُ عَنْ التَّعْلِيلِ بِهِ فَكَانَ كُلُّ وَصْفٍ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ مِنْ الْمَنْصُوصِ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ وَالْعَمَلِ بِهِ فَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْعَلَ فِيهِ مَعْنًى إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُطَّرَدًا دَلَّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ أَمَارَةُ النَّقْضِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ.
وَلِأَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ أَيْ عَلَامَاتٌ عَلَى ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُثْبِتَةٍ بِذَوَاتِهَا إذْ الْمُثْبِتُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ جل جلاله وَإِذَا كَانَتْ أَمَارَاتٌ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا أَنْ يَكُونَ مَعْقُولَةَ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّ أَمَارَةَ الشَّيْءِ مَا يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَوْجُودًا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا مَعْنًى مَعْقُولٌ يُضَافُ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ إلَيْهِ كَالْمَنَارَةِ لِلْمَسْجِدِ وَالْمِيلِ لِلطَّرِيقِ وَلِأَنَّ الدَّوَرَانَ مَهْمَا حَصَلَ وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالْعِلِّيَّةِ حَصَلَ الْعِلْمُ، أَوْ الظَّنُّ عَادَةً بِكَوْنِ الْمَدَارِ، وَهُوَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِلدَّائِرِ وَهُوَ الْحُكْمُ كَمَا إذَا دُعِيَ إنْسَانٌ بِاسْمٍ يُغْضِبُ ثُمَّ تُرِكَ دُعَاؤُهُ بِهِ فَلَمْ يَغْضَبْ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا عُلِمَ أَنَّ دُعَاءَهُ بِذَلِكَ هُوَ سَبَبُ الْغَضَبِ حَتَّى إنَّ الْأَطْفَالَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَتْبَعُونَ لَهُ دَاعِينَ بِذَلِكَ الِاسْمِ الْمُغْضِبِ لَهُ؛ وَلِأَنَّ عَدَمَ الِاطِّرَادِ لَمَّا كَانَ دَلِيلَ فَسَادِ الْعِلَّةِ يَكُونُ الِاطِّرَادُ دَلِيلَ صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَاسِطَةٌ.
1 -
قَوْلُهُ (وَالْجَوَابُ) أَيْ عَنْ كَلَامِ أَهْلِ الطَّرْدِ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْأَصْلَ شَاهِدًا يَعْنِي النُّصُوصَ الَّتِي جَعَلَتْ الْقِيَاسَ حُجَّةً جَعَلَتْ الْأَصْلَ شَاهِدًا وَالْوَصْفَ مِنْهُ شَهَادَةً عَلَى مَا مَرَّ وَذَلِكَ أَيْ صَيْرُورَتُهُ شَاهِدًا لَا يَقْتَضِي الشَّهَادَةَ بِكُلِّ وَصْفٍ أَيْ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَصْفٍ مِنْهُ شَهَادَةً؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُتَحَقِّقٌ بِبَعْضِ الْأَوْصَافِ بَلْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ شَهَادَتُهُ بِوَصْفٍ خَاصٍّ مُتَمَيِّزٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَوْصَافِ بِدَلِيلٍ كَمَا جَعَلَ الشَّرْعُ كَامِلَ الْحَالِ مِنْ النَّاسِ، وَهُوَ الْحُرُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْعَدْلُ شَاهِدًا.
ثُمَّ لَمْ يَجِبْ أَيْ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَفْظَةً مِنْهُ شَهَادَةً بَلْ بَعْضُ الْأَلْفَاظِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْنًى مَعْقُولٍ يُمَيِّزُهُ عَنْ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ مِثْلُ قَوْلِهِ أَشْهَدُ فَإِنَّهُ تَمَيَّزَ مِنْ بَيْنِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ أَعْلَمُ، أَوْ أَتَيَقَّنُ أَوْ أُخْبِرُ، أَوْ أَعْلَمُ بِالْوَكَادَةِ الَّتِي فِيهِ فَإِنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي هِيَ السَّبَبُ الْمُطْلَقُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ «إذَا رَأَيْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» وَلِهَذَا كَانَ أَشْهَدُ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فَكَذَا هَاهُنَا لَا بُدَّ مِنْ
فَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهَا أَمَارَاتٌ وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ فَأَمَّا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَإِنَّهُمْ مُبْتَلُونَ بِنِسْبَةِ الْأَحْكَامِ إلَى الْعِلَلِ كَمَا نُسِبَتْ الْأَجْزِئَةُ إلَى أَفْعَالِهِمْ وَنُسِبَ الْمِلْكُ إلَى الْبَيْعِ وَالْقِصَاصُ إلَى الْقَتْلِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَكَانَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ فِي الْأَصْلِ، وَلَكِنَّهَا جُعِلَتْ مُوجِبَةً شَرْعًا فِي حَقِّنَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا، وَهِيَ النِّسْبَةُ أَلَيْسَ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَدْ مَاتَ الْقَتِيلُ بِأَجَلِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ، وَمُجَرَّدُ الِاطِّرَادِ لَا يُمَيِّزُ وَكَذَلِكَ الْعَدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ يُزَاحِمُهُ الشَّرْطُ فِيهِ وَلِأَنَّ نِهَايَةَ الطَّرْدِ الْجَهْلُ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: وَمَا يُدْرِيك أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَصْلٌ مُنَاقِضٌ، أَوْ مُعَارِضٌ
ــ
[كشف الأسرار]
أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مُتَمَيِّزًا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَوْصَافِ بِدَلِيلٍ مَعْقُولٍ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَصْفٍ لَوْ صَلَحَ عِلَّةً وَالْأَوْصَافُ مَحْسُوسَةٌ مَسْمُوعَةٌ لَشَارَكَ السَّامِعُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ كُلُّهُمْ الْفُقَهَاءَ فِي الْمُقَايَسَاتِ، وَلَمَّا اخْتَصَّ بِهَا الْفُقَهَاءُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُقَايَسَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَعَانٍ تُفْقَهُ لَا أَوْصَافٍ تُسْمَعُ كَذَا فِي التَّقْوِيمِ وَلَا أَعْرِفُ وَجْهَ تَعَلُّقِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِمَعْنًى مَعْقُولٍ وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ، ثُمَّ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ لَفْظَةٍ شَهَادَةً بَلْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَلْفَاظِ شَهَادَةً وَذَلِكَ الْبَعْضُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا بِمَعْنًى مَعْقُولٍ يُوجِبُ تَمَيُّزًا وَأَمَّا قَوْلُهُ أَيْ قَوْلُ الْخَصْمِ إنَّهَا أَيْ الْعِلَلَ أَمَارَاتٌ فَكَذَلِكَ أَيْ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّارِعُ لِلْأَحْكَامِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمُوجِبُ لَهَا فَأَمَّا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ مُبْتَلُونَ بِنِسْبَةِ الْأَحْكَامِ إلَى الْعِلَلِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَحْكَامُ ثَابِتَةً بِشَرْعِهِ جل جلاله كَمَا نُسِبَتْ الْأَجْزِئَةُ إلَى أَفْعَالِهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] مَعَ أَنَّ الْأَجْزِئَةَ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ، أَوْ عَدْلٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعُقُوبَاتِ الْمَشْرُوعَةَ أَجْزِئَةٌ مِثْلُ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ وَالْقَطْعِ مَنْسُوبَةٌ إلَى أَفْعَالِهِمْ مِنْ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ أَيْ مَجْرَى مَا ذَكَرْنَا مِثْلُ نِسْبَةِ الْحِلِّ إلَى النِّكَاحِ وَالْحُرْمَةِ إلَى الطَّلَاقِ فَكَانَتْ أَيْ الْعِلَلُ غَيْرَ مُوجِبَةٍ فِي الْأَصْلِ بِذَوَاتِهَا وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبَةً قَبْلَ الشَّرْعِ.
وَلَكِنَّهَا أَيْ الْعِلَلَ جُعِلَتْ مُوجِبَةً شَرْعًا فِي حَقِّنَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا، وَهُوَ النِّسْبَةُ يَعْنِي كَوْنَهَا مُوجِبَةً ثَبَتَ فِي حَقِّنَا بِالطَّرِيقِ الَّذِي يَلِيقُ بِهَا، وَهُوَ أَنْ يُنْسَبَ الْأَحْكَامُ إلَيْهَا بِأَنْ يُقَالَ الْقِصَاصُ حُكْمُ الْقَتْلِ، وَالْمِلْكُ حُكْمُ الْبَيْعِ وَالْحِلُّ حُكْمُ النِّكَاحِ فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ النِّسْبَةِ يَلِيقُ بِهَا فَأَمَّا نِسْبَةُ حَقِيقَةِ الْإِيجَابِ إلَيْهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي عِلْمِنَا أَيْضًا فَلَا، وَهَذَا كَإِيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَيِّتًا بِأَجَلِهِ فِي حَقِّ عِلْمِنَا فَثَبَتَ أَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ لَيْسَتْ أَمَارَاتٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنَّ الْعِلَلَ صَارَتْ مُوجِبَةً شَرْعًا فِي حَقِّنَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ أَيْ مِنْ دَلِيلٍ يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا وَمُجَرَّدُ الِاطِّرَادِ لَا يُمَيِّزُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَعَ الشَّرْطِ أَيْضًا.
وَكَذَلِكَ الْعَدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ هَذَا جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الْفَرِيقُ الثَّانِي أَنَّ وُجُودَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ قَدْ يَكُونُ اتِّفَاقًا وَقَدْ يَكُونُ عِلَّةً فَلَا يَتَعَيَّنُ جِهَةُ كَوْنِهِ عِلَّةً إلَّا بِعَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيَصْلُحُ الْعَدَمُ عَنْ الْعَدَمِ دَلِيلًا مُمَيِّزًا لِلْعِلَّةِ عَنْ غَيْرِهَا فَقَالَ وَكَذَلِكَ الْعَدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ أَيْ كَمَا لَا يَصْلُحُ الِاطِّرَادُ دَلِيلًا مُمَيِّزًا لَا يَصْلُحُ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ دَلِيلًا مُمَيِّزًا أَيْضًا.
لِأَنَّهُ أَيْ الْوَصْفَ يُزَاحِمُهُ الشَّرْطُ فِيهِ أَيْ فِي عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَإِنَّ دَوَرَانَ الْحُكْمِ كَمَا يُوجَدُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا يُوجَدُ مَعَ الشَّرْطِ كَذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّ وُجُوبَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَوُجُوبَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَوُجُوبَ الطَّهَارَةِ كَمَا يَدُورُ مَعَ النِّصَابِ وَالرَّأْسِ وَإِرَادَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَسْبَابُهَا وُجُودًا وَعَدَمًا يَدُورُ مَعَ الْحَوْلِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ وَالْحَدَثِ الَّتِي هِيَ شُرُوطُهَا وُجُودًا وَعَدَمًا أَيْضًا وَكَذَا الْعِتْقُ كَمَا يَدُورُ مَعَ الْإِعْتَاقِ يَدُورُ مَعَ الدُّخُولِ فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَدُورُ مَعَ الْأَسْبَابِ إلَّا بِوُجُودِ الشُّرُوطِ فَتَدُورُ الْأَحْكَامُ مَعَ الشُّرُوطِ وُجُودًا بِوُجُودِ الْأَسْبَابِ وَتَنْعَدِمُ عِنْدَ عَدَمِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ
وَهَلْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَك إلَّا بِأَنْ وَقَفْت عَنْ الطَّلَبِ وَقَدْ كَانَ يَتَأَدَّى لَك ذَلِكَ قَبْلَ الطَّرْدِ وَأَمَّا الْعَدَمُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا وَكَيْفَ يَصْلُحُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَثْبُتَ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ عَدَمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُوجَدُ فِي عِلَلِ السَّلَفِ
ــ
[كشف الأسرار]
أَمَّا قَوْلُهُمْ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ لَمْ يَكُنْ اتِّفَاقًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ كَمَا يَكُونُ اتِّفَاقًا يَكُونُ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ اتِّفَاقًا أَيْضًا فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً وَلِأَنَّ نِهَايَةَ الطَّرْدِ الْجَهْلُ أَيْ الْجَهْلُ بِوُجُودِ الْمُعَارِضِ وَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لِهَذَا الْوَصْفِ مُنَاقِضٌ وَلَا مُعَارِضٌ أَصْلًا بَلْ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنْ يَقُولَ إلَى مَا وَجَدَتْ لَهُ مُعَارِضًا وَلَا مُنَاقِضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الطَّرْدُ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَهَلْ ثَبَتَ ذَلِكَ أَيْ وَمَا ثَبَتَ عَدَمُ الْمُعَارِضِ وَالْمُنَاقِضِ عِنْدَك إلَّا بِالْوُقُوفِ عَنْ طَلَبِهِمَا وَقَدْ كَانَ يَتَأَدَّى أَيْ يَتَهَيَّأُ لَك ذَلِكَ أَيْ الْوُقُوفُ عَنْ طَلَبٍ وَالْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ وَالْمُنَاقِضِ قَبْلَ الطَّرْدِ وَأَمَّا الْعَدَمُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا أَيْ لَا يَصْلُحُ فِي نَفْسِهِ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى الشَّيْءِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَكَيْفَ يَصْلُحُ أَيْ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى يَعْنِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَصْلُحُ دَلِيلًا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْوَصْفِ لَامْتَنَعَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ عِلَّةٍ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَلَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ إلَّا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ عِلَلٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ لِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَكَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالِاسْتِيلَاءِ لِلْمِلْكِ وَكَالرِّدَّةِ وَالْكُفْرِ الْمُفْضِي إلَى الْمُحَارَبَةِ وَالْبَغْيِ وَالزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ لِإِبَاحَةِ الْقَتْلِ.
فَلَا يَصْلُحُ شَرْطُ عَدَمِهِ - بِرَفْعِ الطَّاءِ - وَالشَّرْطُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ وَالضَّمِيرُ لِلْحُكْمِ أَيْ لَا يَصْلُحُ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ لِصِحَّةِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً.
وَصَحَّحَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِنَصْبِ الطَّاءِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ فَلَا يَصْلُحُ عَدَمُ الْعِلَّةِ شَرْطُ عَدَمِ الْحُكْمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ شَرْطًا لَهُ كَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِعَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مُنْحَصِرَةً يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ وَبِالْعَكْسِ وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ وَلَوْ كَانَ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ دَلِيلَ الصِّحَّةِ لَكَانَ الْوُجُودُ عِنْدَ الْعَدَمِ دَلِيلَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ بِالْوُجُودِ عِنْدَ الْعَدَمِ لَا يَبْقَى دَلِيلُ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ كَالْوُجُودِ عِنْدَ الْوُجُودِ عِنْدَكُمْ لَمَّا كَانَ دَلِيلُ الصِّحَّةِ كَانَ الْعَدَمُ عِنْدَ الْوُجُودِ دَلِيلَ الْفَسَادِ لِزَوَالِ دَلِيلِ الصِّحَّةِ بِهِ وَاتِّفَاقُ الْكُلِّ هَاهُنَا عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ بِعِلَلٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ الْعَدَمِ لَيْسَ دَلِيلَ الْفَسَادِ فَلَا يَصْلُحُ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ دَلِيلَ الصِّحَّةِ ضَرُورَةً وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِحُصُولِ الظَّنِّ، أَوْ الْعِلْمِ بِالدُّعَاءِ بِاسْمٍ مُغْضِبٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ حُصُولَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِكَوْنِ ذَلِكَ الِاسْمِ سَبَبَ الْغَضَبِ بِمُجَرَّدِ الدَّوَرَانِ فَإِنَّهُ لَوْلَا ظُهُورُ انْتِفَاءِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ بِبَحْثٍ أَوْ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ لَمْ يَظُنَّ وَالْبَحْثُ طَرِيقٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَيَقْوَى بِالدَّوَرَانِ.
وَذَكَرَ فِي الْقَوَاطِعِ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ مُرْتَبِطَةٌ بِطَرِيقٍ عِلْمِيٍّ، أَوْ ظَنِّيٍّ يَسْتَنِدُ إلَى سَبَبٍ وَإِذَا خَلَا عَنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ يَكُونُ مُجَرَّدَ احْتِكَامٍ عَلَى الشَّرْعِ، وَالطَّرْدُ لَا يُفِيدُ عِلْمًا وَلَا ظَنًّا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي رَبَطَهُ بِهِ إثْبَاتًا لَوْ رَبَطَهُ بِهِ نَفْيًا لَمْ يَتَرَجَّحْ فِي مَسْلَكِ الظَّنِّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ قَدْ يَطَّرِدُ كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ وَلَوْ كَانَ الِاطِّرَادُ دَلِيلَ صِحَّةِ الْعِلَّةِ لَمْ يَقُمْ هَذَا الدَّلِيلُ
وَأَمَّا مَنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ قَائِمًا فِي الْحَالَيْنِ وَلَا حُكْمَ لَهُ فَقَدْ احْتَجَّ بِآيَةِ الْوُضُوءِ وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِشُغْلِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْقَضَاءُ وَهُوَ غَضْبَانُ عِنْدَ فَرَاغِ الْقَلْبِ وَلَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ عِنْدَ شُغْلِهِ بِغَيْرِ الْغَضَبِ إلَّا أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا فِي بَعْضِ الْأُصُولِ ظَاهِرًا فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَصْلًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يَثْبُتْ فِي بَابِ الْوُضُوءِ بِالتَّعْلِيلِ بَلْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَصِيغَتِهِ أَمَّا الصِّيغَةُ، فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ مُعَلَّقًا بِالْحَدَثِ
ــ
[كشف الأسرار]
عَلَى الْأَقْيِسَةِ الْفَاسِدَةِ وَكَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ بِدَلَالَةِ عَدَمِ الِاطِّرَادِ عَلَى الْفَسَادِ عَلَى دَلَالَةِ الِاطِّرَادِ عَلَى الصِّحَّةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِاطِّرَادِ دَلِيلُ النَّقْضِ، وَالنَّقْضُ بَاطِلٌ فَأَمَّا الِاطِّرَادُ فَغَايَتُهُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ أَوْ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّقْضِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهُ عِلَّةً فَإِنْ قِيلَ قَدْ اتَّفَقْنَا أَنَّ الطَّرْدَ وَالْعَكْسَ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّةِ فِي الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ فَكَذَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ وَالْمُثْبِتُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَقَائِقِ وَالْحُكْمِيَّاتِ جَمِيعًا فَإِنَّ الْجَاعِلَ لِلذَّاتِ مُتَحَرِّكًا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنْ بِوَاسِطَةِ الْحَرَكَةِ كَمَا أَنَّ الْمُثْبِتَ لِلْمِلْكِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنْ بِسَبَبِ الْبَيْعِ، ثُمَّ الْعِلَّةُ فِي الْحَقَائِقِ تَثْبُتُ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ فَكَذَا فِي الشَّرْعِيَّاتِ قُلْنَا: الْحَقَائِقُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْ يَكُونَ الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ فِيهَا دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّةِ فَأَمَّا الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَصْلُحُ الدَّوَرَانُ دَلِيلًا عَلَيْهَا بَلْ تُعْرَفُ عِلَلُ الشَّرْعِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ هُوَ النَّصُّ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ، إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمِيزَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا أَيْ مِثْلَ التَّمَسُّكِ بِالطَّرْدِ لَا يُوجَدُ فِي عِلَلِ السَّلَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ تَمَسَّكَ بِطَرْدٍ لَا يُنَاسِبُ الْحُكْمَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَأَقْوَى دَلِيلٍ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ إجْمَاعُهُمْ، وَإِنَّمَا نَظَرُوا فِي الْأَقْيِسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعَانِي وَسَلَكُوا طَرِيقَ الْمَرَاشِدِ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي تُشِيرُ إلَى مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَلَوْ كَانَ الطَّرْدُ صَحِيحًا لَمَا عَطَّلُوهُ وَلَا أَهْمَلُوهُ وَلَا تَرَكُوا التَّعْلِيلَ بِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأُمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ.
قَالَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ وَإِذَا انْتَهَى التَّصَرُّفُ فِي الشَّرْعِ إلَى هَذَا الْمُنْتَهَى كَانَ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً بِقَوَاعِدِ الدِّينِ وَاسْتِهَانَةً بِضَبْطِهَا وَتَطْرِيقًا لِكُلِّ قَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا أَرَادَ وَيَحْكُمَ بِمَا شَاءَ؛ وَلِهَذَا صَرَفَ عُلَمَاءُ الشَّرْعِ سَعْيَهُمْ إلَى الْبَحْثِ عَنْ الْمَعَانِي الْمُخَيِّلَةِ الْمُؤَثِّرَةِ.
1 -
قَوْلُهُ (وَأَمَّا مَنْ شَرَطَ قِيَامَ النَّصِّ) إنَّمَا شَرَطَ الْفَرِيقُ الثَّالِثِ مَعَ الدَّوَرَانِ قِيَامَ النَّصِّ وَعَدَمَ حُكْمِهِ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذْ وُجِدَ مَعَ وُجُودِ الِاسْمِ وَالْمَعْنَى وَعُدِمَ بِعَدَمِهِمَا لَمْ يَكُنْ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى الْمَعْنَى بِأَوْلَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الِاسْمِ كَتَحْرِيمِ الْعَصِيرِ إذَا اشْتَدَّ وَسُمِّيَ خَمْرًا وَزَوَالُ الْحُرْمَةِ عِنْدَ زَوَالِ الشِّدَّةِ وَالِاسْمِ أَمَّا إذَا كَانَ الِاسْمُ قَائِمًا فِي الْحَالَيْنِ وَالْحُكْمُ دَائِرٌ مَعَ الْمَعْنَى وُجُودًا وَعَدَمًا زَالَتْ شُبْهَةُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى لِكَوْنِهِ عِلَّةً وَصَارَ كَمَا إذَا تَعَيَّنَ جِهَةَ الْمَجَازِ فِي النَّصِّ لَا يَبْقَى لِلْحَقِيقَةِ حُكْمٌ بِوَجْهٍ وَاحْتَجَّ بِآيَةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ فِيهَا رُتِّبَ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمَّا عُلِّلَتْ بِالْحَدَثِ دَارَ الْحُكْمُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا حَتَّى لَمْ يَجِبْ الْوُضُوءُ عِنْدَ الْقِيَامِ بِدُونِ الْحَدَثِ وَوَجَبَ عِنْدَ الْحَدَثِ بِدُونِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ النَّصِّ قَائِمٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَا حُكْمَ لَهُ وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْضِي الْقَاضِي، وَهُوَ غَضْبَانُ» فَإِنَّ حُرْمَةَ الْقَضَاءِ فِيهِ رُتِّبَ عَلَى الْغَضَبِ وَلَمَّا عَلَّلَ بِشُغْلِ الْقَلْبِ دَارَ الْحُكْمُ وُجُودًا وَعَدَمًا حَتَّى حَلَّ الْقَضَاءُ مَعَ وُجُودِ الْغَضَبِ عِنْدَ فَرَاغِ الْقَلْبِ، وَلَا يَحِلُّ عِنْدَ شُغْلِهِ مَعَ عَدَمِ الْغَضَبِ وَالنَّصُّ قَائِمٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَا حُكْمَ لَهُ، إلَّا أَنَّ هَذَا أَيْ مَا ذَكَرَ الْفَرِيقُ الثَّالِثُ مِنْ اشْتِرَاطِ قِيَامِ النَّصِّ وَعَدَمِ كَلِمَةِ شَرْطٍ لَا يَكَادُ يُوجَدُ إلَّا
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْغُسْلَ، وَهُوَ أَعْظَمُ الطُّهْرَيْنِ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَقَالَ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَالنَّصُّ فِي الْبَدَلِ نَصٌّ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُفَارِقُهُ بِحَالِهِ لَا بِسَبَبِهِ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] أَيْ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ النَّوْمِ وَالنَّوْمُ دَلِيلُ الْحَدَثِ 4
ــ
[كشف الأسرار]
نَادِرًا.
وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ أَيْضًا لَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ فَكَيْفَ فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَصْلًا أَيْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا لِأَنَّ النَّادِرَ لَا حُكْمَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَنْ شَرَطَ صِحَّةَ التَّعْلِيلِ أَيْ يَبْقَى الْحُكْمُ فِي الْمَنْصُوصِ بَعْدَ التَّعْلِيلِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ فَإِذَا عَلَّلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى لِلنَّصِّ حُكْمٌ بَعْدَهُ يَكُونُ ذَلِكَ أَنَّهُ فَسَادُ الْقِيَاسِ لَا دَلِيلَ صِحَّتِهِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ لَا يَبْقَى لِلنَّصِّ حُكْمٌ بَعْدَ التَّعْلِيلِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعْلِيلِ إلَّا تَعْدِيَةَ حُكْمِ النَّصِّ إلَى مَحَلٍّ لَا نَصَّ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حُكْمٌ فَأَيُّ شَيْءٍ يَتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْ قِيَامُ النَّصِّ وَلَا حُكْمَ لَهُ بِنَاءً عَلَى دَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ النَّصَّيْنِ أَيْضًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَيْضًا أَنَّهُ مَعَ نُدْرَتِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا بِالتَّعْلِيلِ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي نُسْخَةِ أُخْرَى الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْوُضُوءِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَدَثَ سَبَبٌ فَنَقُولُ: ذَلِكَ حَدَثٌ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالنَّصِّ بِمَا ذُكِرَ وَكَذَلِكَ ذُكِرَ الْغُسْلُ أَيْ وَكَمَا ذُكِرَ التَّيَمُّمُ مُعَلَّقًا بِالْحَدَثِ ذُكِرَ الْغُسْلُ مُعَلَّقًا بِهِ أَيْضًا وَالنَّصُّ فِي الْبَدَلِ النَّصُّ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْبَدَلَ يُفَارِقُ الْأَصْلَ بِحَالِهِ لَا بِسَبَبِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجِبُ فِي حَالٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْأَصْلُ فَكَانَ ذِكْرُ السَّبَبِ فِي الْبَدَلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] بَيَانًا أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِلْأَصْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْغُسْلَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَا يُغْسَلُ بِهِ وَذَكَرَ الْمَاءَ فِي الْبَدَلِ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا أَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ بِالْمَاءِ فَكَذَا هَذَا.
فَإِنْ قِيلَ هَذَا إثْبَاتٌ لِلْحَدَثِ فِي الْوُضُوءِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِالصِّيغَةِ فَإِنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِذِكْرِهِ فِي الْبَدَلِ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْمُبَدَّلِ، وَهُوَ فِي بَيَانِ ثُبُوتِهِ بِالصِّيغَةِ.
قُلْنَا أَرَادَ بِالثُّبُوتِ بِالصِّيغَةِ هَاهُنَا أَنَّ لَفْظًا مِنْ أَلْفَاظِ النَّصِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَحْدَاثَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَدَمَ الْمَاءِ بِقَوْلِهِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] ثُمَّ رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى وُجُودِ الْحَدَثِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، عُرِفَ بِصِيغَةِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّوَضُّؤِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَدَثِ وَأَرَادَ بِثُبُوتِهِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الثُّبُوتِ بِمُضْمَرٍ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] لَمَّا دَلَّ عَلَى إضْمَارٍ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِاقْتِضَائِهِ وُجُوبَ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ قِيَامٍ بَلْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ أَضْمَرَ فِيهِ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ أَيْ إذَا قُمْتُمْ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقْرَأُ هَكَذَا وَالْقِيَامُ مِنْ الْمَضَاجِعِ كِنَايَةٌ عَنْ النَّوْمِ أَيْ عَنْ التَّنَبُّهِ عَنْ النَّوْمِ وَالنَّوْمُ دَلِيلُ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ بِوَاسِطَةِ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْحَدَثِ لِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالتَّعْلِيلِ لَا يَكُونُ النَّصُّ سَاقِطًا بَلْ هُوَ قَائِمٌ مَعَ حُكْمِهِ فِي الْحَالِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رحمه الله الْحَدَثُ شَرْطٌ زِيدَ فِي الْآيَةِ لَا بِالرَّأْيِ وَلَكِنْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ قَالَ {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] وَقَالَ فِي الِاغْتِسَالِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَقَالَ فِي بَدَلِ الْوُضُوءِ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَصْلُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِصَدْرِ الْآيَةِ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ وَلَكِنْ سَقَطَ ذِكْرُ الْحَدَثِ اخْتِصَارًا لِمَا فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَنَحْنُ لَمْ نُنْكِرْ الِاخْتِصَارَ وَالزِّيَادَةَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا الزِّيَادَةَ
وَهَذَا النَّظْمُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الْوُضُوءَ مُطَهِّرٌ فَدَلَّ عَلَى قِيَامِ النَّجَاسَةِ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ، وَالْوُضُوءُ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَاةِ وَالْحَدَثُ شَرْطُهُ. فَلَمْ يَذْكُرْ الْحَدَثَ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَفَرْضٌ فَكَانَ الْحَدَثُ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ فَرْضًا لَا لِكَوْنِهِ سُنَّةً فَأَمَّا الْغُسْلُ فَلَا يُسَنُّ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَلْ هُوَ فَرْضٌ خَالِصٌ فَلَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْرُونًا بِالْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ الْغَضَبُ مَعْلُولٌ بِشُغْلِ الْقَلْبِ وَقَطُّ لَا يُوجَدُ الْغَضَبُ بِلَا شُغْلٍ وَلَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ سُكُونِهِ، وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ لِلتَّعْدِيَةِ.
ــ
[كشف الأسرار]
بِالرَّأْيِ فَإِنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى النَّسْخِ فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ بَابِ الدَّلَالَةِ.
وَإِلَيْهِ يُشِيرُ تَقْرِيرُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَهَذَا النَّظْمُ) أَيْ اُخْتِيرَ هَذَا النَّظْمُ، وَهُوَ أَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ وَذُكِرَ فِي الْبَدَلِ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ وَحَقِيقَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] فَدَلَّ كَوْنُهُ مُطَهِّرًا عَلَى قِيَامِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطَهِّرَ مَا يُثْبِتُ الطَّهَارَةَ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ ثُبُوتُ النَّجَاسَةِ لِيَصِحَّ إثْبَاتُ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ إثْبَاتَ الثَّابِتِ مُسْتَحِيلٌ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْحَدَثِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ تَلْوِيثٌ حَقِيقَةً فَلَمْ يَدُلَّ ذِكْرُهُ عَلَى قِيَامِ نَجَاسَةٍ فَلَوْ لَمْ يُذْكَرْ الْحَدَثُ فِيهِ صَرِيحًا لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْحَدَثَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ بَلْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ تَعَبُّدًا وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْحَدَثَ قَدْ ذُكِرَ فِي الْغُسْلِ بِقَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] مَعَ أَنَّهُ تَطْهِيرٌ حَقِيقَةً كَالْوُضُوءِ فَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ فَقَالَ، وَالْوُضُوءُ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَاةِ أَيْ شَرْعُهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ.
وَالْحَدَثُ شَرْطُهُ أَيْ شَرْطُ وُجُوبِهِ عُرِفَ ذَلِكَ بِذِكْرِهِ فِي الْبَدَلِ كَمَا بَيَّنَّا فَلَمْ يَذْكُرْ الْحَدَثَ فِي الْوُضُوءِ صَرِيحًا لِيُعْلَمَ بِظَاهِرِ النَّصِّ أَنَّ الْوُضُوءَ مَشْرُوعٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ إمَّا بِطَرِيقِ الْفَرْضِ أَوْ النَّدْبِ فَإِذَا كَانَ مُحْدِثًا كَانَ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِ لِلْإِيجَابِ فَيَكُونُ الْوُضُوءُ فَرْضًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا كَانَ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِ لِلنَّدَبِ فَيَكُونُ الْوُضُوءُ سُنَّةً عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ فَأَمَّا الْغُسْلُ فَلَيْسَ بِمَسْنُونٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَلْ هُوَ فَرْضٌ خَالِصٌ أَيْ الْغُسْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الصَّلَاةُ نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْفَرْضُ فَلَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْرُونًا بِالْحَدَثِ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى أَنَّ الْغُسْلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ وَبِشَرْعِيَّةِ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لَا يَثْبُتُ كَوْنُ الْغُسْلِ سُنَّةً لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى أَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَبِإِشَارَتِهِ وَذَلِكَ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ.
وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ الْآيَةِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثٍ وَغَيْرِ مُحْدِثٍ فَمَا وَجْهُهُ؟ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيَكُونُ الْخِطَابُ لِلْمُحْدِثِينَ خَاصَّةً وَأَنْ يَكُونَ لِلنَّدَبِ وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَإِنْ قُلْت هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ شَامِلًا لِلْمُحْدِثِينَ وَغَيْرِهِمْ، لِهَؤُلَاءِ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ وَلِهَؤُلَاءِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ؟ قُلْت لَا؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَ الْكَلِمَةِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ بَابِ الْإِلْغَازِ وَالتَّعْمِيَةِ وَقِيلَ كَانَ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوَّلَ مَا فُرِضَ ثُمَّ نُسِخَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْغَضَبُ أَيْ وَكَمَا أَنَّ الْحَدَثَ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا بِالرَّأْيِ الْغَضَبُ مَعْلُولٌ بِشُغْلِ الْقَلْبِ أَيْ الْمُرَادُ مِنْهُ شُغْلُ الْقَلْبِ لِأَنَّ الْغَضَبَ سَبَبُهُ وَقَدْ يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ سَبَبِهِ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ وَقَطُّ لَا يُوجَدُ غَضَبٌ بِلَا شُغْلٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْخَصْمِ النَّصُّ قَائِمٌ وَلَا حُكْمَ لَهُ لِإِبَاحَةِ الْقَضَاءِ مَعَ وُجُودِ الْغَضَبِ عِنْدَ فَرَاغِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ لَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ إلَّا عِنْدَ سُكُونِ الْغَضَبِ وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ شُغْلٍ أَلْبَتَّةَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا بِالْعِلَّةِ مَعَ قِيَامِ النَّصِّ وَلَا حُكْمَ لَهُ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رحمه الله وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْضِي الْقَاضِي
وَأَمَّا تَقْسِيمُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَإِنَّ أَوَّلَ أَقْسَامِهِ الِاطِّرَادُ وُجُودًا أَوْ وُجُودًا وَعَدَمًا وَاَلَّذِي يَلِيهِ الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ الِاحْتِجَاجُ بِالنَّفْيِ وَالْعَدَمِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ الِاحْتِجَاجُ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ إلَّا بِوَصْفٍ يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ وَاَلَّذِي يَلِيهِ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مُخْتَلِفًا ظَاهِرَ الِاخْتِلَافِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ مَا لَا يُشَكُّ فِي فَسَادِهِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ الِاحْتِجَاجُ بِأَنْ لَا دَلِيلَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الِاطِّرَادَ لَا يَثْبُتُ بِهِ إلَّا كَثْرَةُ الشُّهُودِ أَوْ كَثْرَةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَصِحَّةُ الشَّهَادَةِ لَا تُعْرَفُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَلَا بِتَكْرِيرِ الْعِبَارَةِ بَلْ بِأَهْلِيَّةِ الشَّاهِدِ وَعَدَالَتِهِ وَاخْتِصَاصِ أَدَائِهِ؛ وَلِأَنَّ الْوُجُودَ قَدْ يَكُونُ اتِّفَاقًا وَالْعَدَمَ قَدْ يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِبَقَائِهِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْوُجُودِ فِي غَيْرِهِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ وُجُودُ الْحُكْمِ وَلَا عِلَّةَ، لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِجَوَازِ وُجُودِهِ بِغَيْرِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
حِينَ يَقْضِي، وَهُوَ غَضْبَانُ» كِنَايَةٌ عَنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ مَشْغُولُ الْقَلْبِ عُرِفَ ذَلِكَ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ كَمَا صَارَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] كِنَايَةٌ عَنْ الْإِيذَاءِ حَتَّى صَارَ الشَّتْمُ بِمَنْزِلَتِهِ عُقِلَ ذَلِكَ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْخِطَابِ مَا هُوَ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالرَّأْيِ لِلْقِيَاسِ فِي شَيْءٍ.
وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ التَّعْلِيلُ إبْدَاءٌ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ إلَى مَحَلٍّ لَا نَصَّ فِيهِ فَاشْتِرَاطُ وُجُودِ النَّصِّ وَلَا حُكْمَ لَهُ يَمْنَعُ التَّعْلِيلَ فَيَكُونُ فَاسِدًا.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا تَقْسِيمُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ) أَيْ جُمْلَةِ مَا هُوَ احْتِجَاجٌ بِلَا دَلِيلٍ مِنْ الِاطِّرَادِ وَنَحْوِهِ فَأَوَّلُ أَقْسَامِهِ الِاطِّرَادُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى نَهْجِ الْعِلَلِ فَإِنَّ الْوَصْفَ الْمُطَّرِدَ مِنْ أَوْصَافِ النَّصِّ قَدْ يَكُونُ مُلَائِمًا وَقَدْ يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الطَّارِدُ تَأْثِيرَهُ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى سَائِرِ الْأَقْسَامِ.
وَاَلَّذِي يَلِيهِ الِاحْتِجَاجُ بِالنَّفْيِ وَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ الِاسْتِصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ، وَلَكِنَّهُ حُجَّةٌ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَاَلَّذِي يَلِيهِ تَعَارُضُ الْأَشْبَاهِ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ إلَّا بِوَصْفٍ يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ إلَّا أَنَّهُ وَصْفٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى وَصْفٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ثُمَّ الْوَصْفُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا لَا يَشُكُّ فِي فَسَادِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ حُجَّةٌ عِنْدَ الْخَصْمِ ثُمَّ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِأَنْ لَا دَلِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَقَلِّ مِنْ الْعَدَمِ كَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَمَّا الْأَوَّلُ أَيْ عَدَمُ صِحَّةِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، فَلِأَنَّ الِاطِّرَادَ لَا يَثْبُتُ بِهِ إلَّا كَثْرَةُ الشُّهُودِ أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى الْأُصُولِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا هَذَا الْوَصْفُ، أَوْ كَثْرَةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْوَصْفِ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ فِي الْمَسْحِ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ فَوَصْفُ الرُّكْنِيَّةِ مَوْجُودٌ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَكَانَ فِيهِ كَثْرَةُ الشُّهُودِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَمَّا كَانَ وَاحِدًا كَانَ فِيهِ تَكْثِيرُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: الِاطِّرَادُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِكَوْنِ الْوَصْفِ شَاهِدًا أَيْنَمَا وُجِدَ فِي كُلِّ أَصْلٍ عَلَى الْعُمُومِ فَلَا يَكُونُ عُمُومُ شَهَادَتِهِ دَلِيلًا عَلَى عَدَالَتِهِ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ كَرَّرَ شَهَادَتَهُ فِي كُلِّ مَجْلِسِ قَضَاءٍ فَلَا يَصِيرُ التَّكْرَارُ وَالثَّبَاتُ عَلَى الْأَدَاءِ تَعْدِيلًا، أَوْ نَقُولُ: كُلُّ أَصْلٍ شَاهِدٌ بِنَفْسِهِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فِيهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شُهُودٍ وَرُوَاةٍ كَثِيرَةٍ فَلَا تَصِيرُ الْكَثِيرَةُ تَعْدِيلًا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا قَبْلَ الْكَثْرَةِ وَلِأَنَّ الْوُجُودَ قَدْ يَكُونُ اتِّفَاقًا أَيْ وُجُودَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ وَصْفٍ قَدْ يَقَعُ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ وَالْعَدَمُ قَدْ يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ أَيْ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ قَدْ يَقَعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ شَرْطٌ فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِهِ فَلَا يَصْلُحُ الْوُجُودُ عِنْدَ الْوُجُودِ وَلَا الْعَدَمُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ، ثُمَّ اسْتَوْضَحَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الِاطِّرَادَ لَا يَصْلُحُ دَلِيلَ الصِّحَّةِ بِقَوْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ أَيْ مُجَرَّدُ وُجُودِ شَيْءٍ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِبَقَاءِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَإِنَّ الْوُجُودَ لَوْ كَانَ عِلَّةً لِلْبَقَاءِ لَمَا فَنَى شَيْءٌ فِي الدُّنْيَا.
وَلِهَذَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ وُجِدَ وَلَمْ يَبْقَ فَكَيْفَ يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْوُجُودِ فِي غَيْرِهِ بِنَفْسِهِ أَيْ يَصْلُحُ الْوُجُودُ بِنَفْسِهِ عِلَّةً لِوُجُودِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَعْنًى آخَرَ مِنْ تَأْثِيرٍ، أَوْ إخَالَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَمَّا لَمْ يَصْلُحْ نَفْسُ الْمَوْجُودِ سَبَبًا لِلْبَقَاءِ فَلَأَنْ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْإِيجَادِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ اتِّحَادُ الْحُكْمِ كَانَ أَوْلَى.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرِ فَإِنَّهَا عِلَّةُ الْوُجُودِ فِي غَيْرِهَا وَلَمْ تَكُنْ عِلَّةً لِلْبَقَاءِ فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ عِلَّةً
وَوُجُودُ الْعِلَّةِ وَلَا حُكْمَ بِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ مُنَاقِضًا لِجَوَازِ أَنْ يَقِفَ الْحُكْمُ لِفَوْتِ وَصْفٍ مِنْ الْعِلَّةِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مُنَاقَضَةً وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ تَخْصِيصًا عَلَى مَا تَبَيَّنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ هَذَا نَهْجُ الْعِلَلِ ظَاهِرًا فَكَانَ مُقَدَّمًا فِي أَقْسَامِهِ.
ــ
[كشف الأسرار]
بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ لَا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ وَأَثَرُهَا يَظْهَرُ فِي الْغَيْرِ لَا فِي نَفْسِهَا أَمَّا الْوُجُودُ فَثَابِتٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرُهُ فَلَوْ صَلَحَ عِلَّةً فِي غَيْرِهِ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ لَكِنْ عِلَّةً فِي نَفْسِهِ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى وَأَمَّا مَا يُقَالُ الْوُجُودُ عِلَّةُ الرُّؤْيَةِ فَالْمُرَادُ أَنَّ الْوُجُودَ هُوَ الَّذِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الرُّؤْيَةِ.
وَكَذَلِكَ وُجُودُ الْحُكْمِ أَيْ كَمَا أَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ لَا يَصْلُحُ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ دَلِيلًا عَلَى الْفَسَادِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعِلَّةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِهَا لَا أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِهَا وَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهَا بَلْ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِهَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِغَيْرِهَا فَلَا يَدُلُّ عَدَمُهَا عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ وَلَا وُجُودُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ عَلَى فَسَادِ الْعِلَّةِ لِجَوَازِ وُجُودِهِ أَيْ وُجُودِ الْحُكْمِ بِغَيْرِهِ أَيْ بِغَيْرِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ قَوْلِهِ (وَوُجُودُ الْعِلَّةِ وَلَا حُكْمَ بِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ مُنَاقِضًا) أَهْلُ الطَّرْدِ لَا يَزُولُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ فَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْوَصْفِ الَّذِي جُعِلَ عِلَّةً يَدُلُّ عَلَى انْتِقَاضِهِ عِنْدَهُمْ، وَأَهْلُ التَّأْثِيرِ لَا يَجْعَلُونَ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ صُورَةَ دَلِيلِ الْمُنَاقَضَةِ لَكِنَّ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ مِنْهُمْ مِثْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَعِنْدَهُ يَقُولُونَ لَا يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ عَنْ الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ إلَّا لِمَانِعٍ فَوُجُودُ الْمَانِعِ يَكُونُ تَخْصِيصًا لِلْعِلَّةِ وَمَنْ أَنْكَرَ جَوَازَ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مِنْهُمْ يَقُولُونَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِفَوَاتِ وَصْفٍ مِنْ الْعِلَّةِ فَيَنْعَدِمُ بِهِ الْعِلَّةُ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ إذَا عُدِمَ أَحَدُهُمَا فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِمَانِعِ تَخْصِيصِهَا مَعَ وُجُودِهَا.
فَالشَّيْخُ رحمه الله رَدَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ: وَوُجُودُ الْعِلَّةِ أَيْ وُجُودُ صُورَةِ الْعِلَّةِ وَلَا حُكْمَ بِنَفْسِهِ أَيْ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ بِنَفْسِ ذَلِكَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لَا يَصْلُحُ مُنَاقِضًا أَيْ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِجَوَازِ أَنْ يَقِفَ الْحُكْمُ أَيْ يَمْتَنِعَ لِفَوْتِ وَصْفٍ مِنْ الْعِلَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ بِنَفْسِهِ فَكَانَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ، كَالنِّصَابِ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَكِنْ بِصِفَةِ النَّمَاءِ فَبِدُونِهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْإِيجَابِ لِعَدَمِ تَمَامِ الْعِلَّةِ بِفَوَاتِ وَصْفِهَا فَلَا يَكُونُ مُنَاقَضَةً وَرَدَّ الْمَذْهَبَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ وَلَا ذِكْرِهِ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ تَخْصِيصًا وَيَحْتَمِلُ هَذَا الْكَلَامُ وُجُوهًا أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرَانِ فِي ذِكْرِهِ وَعَلَيْهِ لِلْعِلَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْوَصْفِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ هُوَ الْمَعْنَى لَا يَكُونُ ذِكْرُ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ بِدُونِ الْحُكْمِ تَخْصِيصًا لِلْعِلَّةِ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْوَصْفِ عِلَّةً بَلْ يَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ بِنَاءً عَلَى فَوَاتِ وَصْفٍ مِنْ الْعِلَّةِ أَوْ الْمَعْنَى لَا يَكُونُ ذِكْرُ الْوَصْفِ بِأَنَّهُ عِلَّةٌ لِهَذَا الْحُكْمِ وَالْحَالُ أَنَّ التَّعْلِيلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةٌ لَهُ تَخْصِيصًا لِلْحُكْمِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحُكْمِ عِلَّةٌ أُخْرَى ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ هَذَا الْوَصْفِ لِمَا بَيَّنَّا.
وَأَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلْمُعَلَّلِ بِطَرِيقِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ، وَالثَّانِي لِلْعِلَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْوَصْفِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ مَفْعُولُ الذِّكْرِ أَيْ وَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الْمُعَلَّلِ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ قَوْلُهُ قَدْ دَلَّ التَّعْلِيلُ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ عِلَّةً لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ لِمَانِعٍ تَخْصِيصًا لِلْعِلَّةِ بَلْ هُوَ امْتِنَاعُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ بِفَوْتِ وَصْفٍ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهَا مَوْجُودَةً وَأَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ إلَى فَوْتِ الْوَصْفِ مِنْ الْعِلَّةِ.
وَالثَّانِي إلَى الْوَصْفِ الْغَائِبِ مِنْهَا وَالْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ لَا يَكُونُ