الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ طَلَبَهَا فِي مَظَانِّهَا وَقَفَ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذِهِ الْحِجَجُ الَّتِي ذَكَرْنَا وُجُوهَهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا تَتَعَارَضُ فِي أَنْفُسِهَا وَضْعًا وَلَا تَتَنَاقَضُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ الْفُجَّرِ الْحُدَّثِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا لِجَهْلِنَا بِالنَّاسِخِ مِنْ الْمَنْسُوخِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
وَهَذَا
(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّعَارُضَ لَيْسَ بِأَصْلٍ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ طَلَبُ مَا يَدْفَعُ التَّعَارُضَ، وَإِذَا جَاءَ الْعَجْزُ وَجَبَ إثْبَاتُ حُكْمِ التَّعَارُضِ وَهَذَا الْفَصْلُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ مَعْرِفَةُ التَّعَارُضِ لُغَةً وَشَرْطِهِ وَرُكْنِهِ وَحُكْمِهِ شَرِيعَةً أَمَّا مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ لُغَةً فَالْمُمَانَعَةُ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ يُقَالُ عَرَضَ إِلَيَّ بِكَذَا أَيْ اسْتَقْبَلَنِي بِصَدٍّ وَمَنْعٍ سُمِّيَتْ الْمَوَانِعُ عَوَارِضُ،
ــ
[كشف الأسرار]
وَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ الْغَرِيبِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ وَعَمَلَ الرَّاوِي بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ إيَّاهُ وَنَحْوِهَا.
وَمَنْ طَلَبَهَا أَيْ وُجُوهَ الطَّعْنِ عَلَى الصِّحَّةِ فِي مَظَانِّهَا أَيْ مَوَاضِعِهَا وَهِيَ كُتُبُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَمَظِنَّةُ الشَّيْءِ مَوْضِعُهُ وَمَأْلَفُهُ الَّذِي يُظَنُّ كَوْنُهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ (لَا تَتَعَارَضُ فِي أَنْفُسِهَا وَضْعًا وَلَا تَتَنَاقَضُ) فَالتَّنَاقُضُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ وُجُودُ الدَّلِيلِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مَعَ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ لِمَانِعٍ أَوْ لَا لِمَانِعٍ، وَعِنْدَ مَنْ جَوَّزَهُ هُوَ وُجُودُ الدَّلِيلِ مَعَ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ بِلَا مَانِعٍ، وَالتَّعَارُضُ تَقَابُلُ الْحُجَّتَيْنِ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ فَالتَّنَاقُضُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الدَّلِيلِ وَالتَّعَارُضُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ الدَّلِيلُ، هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النُّصُوصِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ فَإِنَّ تَخَلُّفَ الْمَدْلُولِ عَنْ الدَّلِيلِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَانِعٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَانِعُ مُعَارِضًا لِلدَّلِيلِ فِيمَا تَخَلَّفَ عَنْهُ.
وَكَذَا إذَا تَعَارَضَ النَّصَّانِ يَكُونُ الْحُكْمُ مُتَخَلِّفًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ لَا مَحَالَةَ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ فَلِذَلِكَ جَمَعَ الشَّيْخُ بَيْنَهُمَا كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْمُتَرَادِفَيْنِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي الْكَلَامِ فِي عَامَّةِ الِاصْطِلَاحَاتِ هُوَ اخْتِلَافُ كَلَامَيْنِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا صِدْقًا وَالْآخَرُ كَذِبًا وَهَذَا هُوَ عَيْنُ التَّعَارُضِ فَيَكُونُ كِلَاهُمَا بِمَعْنًى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ التَّعَارُضَ وَالتَّنَاقُضَ مِنْ عَلَامَاتِ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَامَ حُجَّةً مُتَنَاقِضَةً عَلَى شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ حُجَّةٍ غَيْرِ مُتَنَاقِضَةٍ وَكَذَا إذَا أَثْبَتَ حُكْمًا بِدَلِيلٍ عَارَضَهُ دَلِيلٌ آخَرُ يُوجِبُ خِلَافَهُ كَانَ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ دَلِيلٍ سَالِمٍ عَنْ الْمُعَارَضَةِ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُوصَفَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ هَذِهِ الْحُجَجِ وَالتَّنَاقُضُ أَيْ التَّنَاقُضُ الَّذِي اسْتَلْزَمَهُ التَّعَارُضُ لِجَهْلِنَا بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا فَيَكُونَ مَنْسُوخًا بِالْمُتَأَخِّرِ فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ التَّارِيخُ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ فَيَقَعُ التَّعَارُضُ ظَاهِرًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَمَكَّنَ التَّعَارُضُ فِي الْحُكْمِ حَقِيقَةً.
فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: أَيْ التَّعَارُضِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ بَيَانِ شَرْطِهِ وَحُكْمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا: أَيْ الَّذِي نَشْرَعُ فِيهِ.
[بَابُ الْمُعَارَضَةِ]
[بَاب الْمُعَارَضَة]
أَيْ بَابُ بَيَانِهَا قَوْلُهُ (وَهَذَا الْفَصْلُ) أَيْ فَصْلُ بَيَانِ الْمُعَارَضَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فِي الْأَصْلِ أَيْ بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الْمُعَارَضَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ تَقْسِيمِ الْجِنْسِ إلَى أَنْوَاعِهِ كَتَقْسِيمِ الْحَيَوَانِ إلَى إنْسَانٍ وَفَرَسٍ وَحِمَارٍ وَغَيْرِهَا لِيُشْتَرَطَ فِيهِ اشْتِرَاطُ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ بَيْنَ الْأَقْسَامِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ تَقْسِيمِ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ كَتَقْسِيمِ الْإِنْسَانِ إلَى حَيَوَانٍ وَنَاطِقٍ فَإِنَّ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ بَيَانُ الْمُعَارَضَةِ، وَالْبَيَانُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِبَيَانِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ فَكَانَ بَيَانُ كُلِّ قِسْمٍ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْبَيَانِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ اشْتِرَاطُ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ.
قَوْلُهُ (وَرُكْنُ الْمُعَارَضَةِ كَذَا) رُكْنُ الشَّيْءِ مَا لَا وُجُودَ لِذَلِكَ الشَّيْءِ إلَّا بِهِ وَأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْمَاهِيَّةِ كَقَوْلِنَا الْقِيَامُ رُكْنُ الصَّلَاةِ وَيُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِهَا كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ
وَرُكْنُ الْمُعَارَضَةِ تَقَابُلُ الْحُجَّتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا فِي حُكْمَيْنِ كَتَضَادَّيْنِ فَرُكْنُ كُلِّ شَيْءٍ مَا يَقُومُ بِهِ.
وَأَمَّا الشَّرْطُ فَاتِّحَادُ الْمَحَلِّ وَالْوَقْتِ مَعَ تَضَادِّ الْحُكْمِ مِثْلُ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّضَادَّ لَا يَقَعُ فِي مَحَلَّيْنِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا، مِثْلُ النِّكَاحِ يُوجِبُ الْحِلَّ فِي مَحَلٍّ وَالْحُرْمَةَ فِي غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي وَقْتَيْنِ مِثْلُ حُرْمَةِ الْخَمْرِ بَعْدَ حِلِّهَا.
ــ
[كشف الأسرار]
مَا فُسِّرَ الرُّكْنُ بِهِ هُوَ تَفْسِيرُ نَفْسِ التَّعَارُضِ أَيْضًا كَذَا قِيلَ.
وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِتَسَاوِي الْحُجَّتَيْنِ لِيَتَحَقَّقَ التَّقَابُلُ وَالتَّدَافُعُ إذْ لَا مُقَابَلَةَ بَيْنَ الضَّعِيفِ وَالْقَوِيِّ بَلْ يَتَرَجَّحُ الْقَوِيُّ فَالْمَشْهُورُ لَا يُقَابِلُ الْمُتَوَاتِرَ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُعَارِضُ الْمَشْهُورَ، وَقَيَّدَ بِتَضَادِّ الْحُكْمَيْنِ أَيْ بِمُخَالَفَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُتَّفِقَيْنِ يَتَأَيَّدُ كُلُّ دَلِيلٍ بِالْآخَرِ وَلَا يَقَعُ التَّعَارُضُ، وَذَلِكَ أَيْ اشْتِرَاطُ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَالْوَقْتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُضَادَّةَ وَالتَّنَافِيَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَا تَتَحَقَّقُ فِي مَحَلَّيْنِ وَكَاجْتِمَاعِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي الْمَنْكُوحَةِ وَأُمِّهَا مِنْ أَنَّ الْمُوجِبَ وَاحِدٌ وَهُوَ النِّكَاحُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ اثْنَيْنِ، وَلَا فِي وَقْتَيْنِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَيَنْدَرِجُ فِيمَا ذُكِرَ اتِّحَادُ الْحَالِ أَيْضًا فَإِنَّ اخْتِلَافَهَا مِنْ قَبِيلِ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ أَوْ اخْتِلَافِ الْوَقْتِ، وَاتِّحَادُ النِّسْبَةِ شَرْطٌ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصَيْنِ كَاجْتِمَاعِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي الْمَنْكُوحَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ وَكَاجْتِمَاعِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي وَاحِدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَمِنْ الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبًا عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِلْآخَرِ إذَا عُرِفَ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا فَيَجْرِي التَّعَارُضُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ وَالسُّنَّتَيْنِ وَلَا يَجْرِي بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِلْآخَرِ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَارِيخٍ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقِيَاسَيْنِ وَلَا بَيْنَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِهِ فَالرِّوَايَةُ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَكَمَا أَنَّ الرَّأْيَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ فَكَذَا مِنْ اثْنَيْنِ.
وَقَدْ سَمَّى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّعَارُضَ الَّذِي بَيَّنَّا تَنَاقُضًا فَقَالَ إذَا اخْتَلَفَ الْكَلَامَانِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ سُمِّيَا مُتَنَاقِضَيْنِ وَيَعْنِي بِهِ أَنْ يَكْذِبَ أَحَدُهُمَا إذَا صَدَقَ الْآخَرُ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا التَّنَاقُضُ إلَّا بِوَحْدَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَإِنَّكَ إذَا قُلْتَ الْحَمَلُ يُذْبَحُ وَيُشْوَى لَا يُنَاقِضُهُ قَوْلُك الْحَمَلُ لَا يُذْبَحُ وَلَا يُشْوَى إذَا أَرَدْت بِهِ بُرْجَ الْحَمَلِ، وَبِوَحْدَةِ الْمَحْكُومِ فَإِنَّك إذَا قُلْت الْمُكْرَهُ مُخْتَارٌ أَيْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَا يُنَاقِضُهُ قَوْلُك الْمُكْرَهُ لَيْسَ بِمُخْتَارٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مَا خُلِّيَ وَرَأْيَهُ وَشَهْوَتَهُ، وَيَنْدَرِجُ فِيمَا ذَكَرْنَا مَا ذَكَرُوا مِنْ اشْتِرَاطِ وَحْدَةِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْإِضَافَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ وَالْكُلِّ وَالْجُزْءِ وَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت زَيْدٌ جَالِسٌ أَيْ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ زَيْدٌ لَيْسَ بِجَالِسٍ أَيْ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ كَانَ الْمَحْكُومُ فِي الْأَوَّلِ غَيْرَهُ فِي الثَّانِي.
وَكَذَا إذَا قُلْتَ زَيْدٌ أَبٌ أَيْ لِعُمَرَ زَيْدٌ لَيْسَ بِأَبٍ أَيْ لِخَالِدٍ إذْ الْمَحْكُومُ فِي الْأَوَّلِ أُبُوَّةُ عَمْرٍو وَفِي الثَّانِي أُبُوَّةُ خَالِدٍ، أَوْ قُلْت الْخَمْرُ فِي الدَّنِّ مُسْكِرٌ أَيْ بِالْقُوَّةِ الْخَمْرُ فِي الدَّنِّ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ أَيْ بِالْفِعْلِ إذْ الْمَحْكُومُ فِيهِمَا أَمْرَانِ مُتَغَايِرَانِ، وَلَوْ قُلْت الزِّنْجِيُّ أَسْوَدُ أَيْ جِلْدُهُ الزِّنْجِيُّ لَيْسَ بِأَسْوَدَ أَيْ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ بَعْضَ الْأَجْزَاءِ وَفِي الثَّانِي كُلَّهَا فَيَتَغَايَرَانِ.
وَكَذَا إذَا قُلْتَ الْجِسْمُ مُفَرِّقٌ لِلْبَصَرِ أَيْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ أَبْيَضَ، الْجِسْمُ لَيْسَ بِمُفَرِّقٍ لِلْبَصَرِ أَيْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ أَسْوَدَ فَإِنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ الْجِسْمُ الْمَوْصُوفُ بِالْبَيَاضِ وَفِي الثَّانِي الْجِسْمُ الْمَوْصُوفُ بِالسَّوَادِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ، وَبِالْجُمْلَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُغَايِرَ أَحَدُ الْكَلَامَيْنِ لِلْآخَرِ فِي شَيْءٍ أَلْبَتَّةَ إلَّا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ