المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب متابعة أصحاب النبي والاقتداء بهم] - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٣

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ بَيَانِ قِسْمِ) (الِانْقِطَاعِ)وَهُوَ نَوْعَانِ

- ‌ مَا أَرْسَلَهُ الصَّحَابِيُّ

- ‌ إرْسَالُ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ

- ‌[الإنقطاع الظَّاهِرُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ] [

- ‌ إرْسَالُ كُلِّ عَدْلٍ

- ‌ الِاتِّصَالَ بِالِانْقِطَاعِ

- ‌[الِانْقِطَاعُ الْبَاطِلُ]

- ‌ الْحَادِثَةَ إذَا اُشْتُهِرَتْ وَخَفِيَ الْحَدِيثُ

- ‌[الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلِفُوا فِي حَادِثَةٍ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يُحَاجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ]

- ‌ خَبَرُ الْمَسْتُورِ

- ‌[الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ]

- ‌ خَبَرِ الْفَاسِقِ

- ‌[خَبَر الْكَافِرِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ إذَا عَقَلَا مَا يَقُولَانِ]

- ‌[خَبَر صَاحِبُ الْهَوَى]

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ)

- ‌[بَابُ بَيَانِ الْخَبَرُ]

- ‌ بَابُ الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ)

- ‌بَابُ شَرْطِ نَقْلِ الْمُتُونِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى)

- ‌(بَابُ مَا يَلْحَقُهُ النَّكِيرُ مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي)

- ‌(بَابُ الطَّعْنِ يَلْحَقُ الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ رَاوِيهِ)

- ‌‌‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ آيَتَيْنِ

- ‌[كَيْفِيَّةَ الْمَخْلَصِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[تعارض الْجُرْح وَالتَّعْدِيل]

- ‌(بَابُ الْبَيَانِ)

- ‌[أَوْجُه الْبَيَانُ]

- ‌[بَيَانُ التَّقْرِير]

- ‌ بَيَانُ التَّفْسِيرِ

- ‌[تَخْصِيصِ الْعَامِّ]

- ‌(بَابُ بَيَانِ التَّغْيِيرِ)

- ‌[أَنْوَاع بَيَانِ التَّغْيِيرِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ الضَّرُورَةِ}

- ‌[أَوْجُهٍ بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[تَفْسِيرِ النَّسْخِ]

- ‌النَّسْخُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحِلِّ النَّسْخِ)

- ‌[أَقْسَام مَالَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ شُرُوطِ النَّسْخ]

- ‌{بَابُ تَقْسِيمِ النَّاسِخِ}

- ‌[النَّسْخُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ]

- ‌نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ

- ‌(بَابُ تَفْصِيلِ) (الْمَنْسُوخِ)

- ‌[أَنْوَاعٌ الْمَنْسُوخُ]

- ‌[الْفُرْق بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ]

- ‌(بَابُ أَفْعَالِ النَّبِيِّ)

- ‌[أَقْسَام أَفْعَالِ النَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السُّنَّةِ)فِي حَقِّ النَّبِيِّ

- ‌[أَنْوَاع الوحى]

- ‌[جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا)

- ‌ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ

- ‌[بَابُ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ]

- ‌[تَقْلِيد التَّابِعِينَ]

- ‌(بَابُ الْإِجْمَاعِ)

- ‌[أَرْكَان الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ أَهْلِيَّةِ الْإِجْمَاع]

- ‌بَابُ شُرُوطِ) (الْإِجْمَاعِ) :

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ وَمَحِلّه]

- ‌[إنْكَار الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ بَيَانِ سَبَب الْإِجْمَاعُ]

- ‌(بَابُ الْقِيَاسِ)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ الْقِيَاسِ]

- ‌[ثُبُوت الْقِيَاس وَأَنْوَاعه]

- ‌(فَصْلٌ فِي تَعْلِيلِ الْأُصُولِ)

- ‌بَابٌ شُرُوطُ الْقِيَاسِ) :

- ‌[بَابُ رُكْنُ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَا يصلح دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّة]

- ‌[بَابُ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ]

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْعِلَّةِ) :

- ‌[جُمْلَةَ مَا يُعَلَّلُ لَهُ]

الفصل: ‌[باب متابعة أصحاب النبي والاقتداء بهم]

(بَابُ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِ)(النَّبِيِّ عليه السلام)(وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ)

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ‌

‌ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ

وَاجِبٌ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ قَالَ وَعَلَى هَذَا أَدْرَكْنَا مَشَايِخَنَا وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: لَا يَجِبُ تَقْلِيدُهُ إلَّا فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقَلَّدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ فِي التَّقْلِيدِ فَقَلَّدَ الْخُلَفَاءَ رضي الله عنهم وَقَدْ اخْتَلَفَ عَمَلُ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنَّ إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما خِلَافُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْحَامِلِ: إنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ خِلَافُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ: إنَّهُ ضَامِنٌ وَرَوَيَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَخَالَفَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالرَّأْيِ.

ــ

[كشف الأسرار]

بِحَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَارَهَا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمُغْرِبِ.

وَفِي الطِّلْبَةِ الْمُهَايَأَةُ مُقَاسَمَةُ الْمَنَافِعِ وَهِيَ أَنْ يَتَرَاضَى الشَّرِيكَانِ يَنْتَفِعُ هَذَا بِهَذَا النِّصْفِ الْمُفْرَزِ وَذَاكَ بِذَلِكَ النِّصْفِ وَهَذَا بِكُلِّهِ فِي كَذَا مِنْ الزَّمَانِ وَذَاكَ بِكُلِّهِ فِي كَذَا مِنْ الزَّمَانِ بِقَدْرِ الْأَوَّلِ بِمَا هُوَ نَظِيرُهُ أَيْ فِيمَا هُوَ نَظِيرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَالطَّاحُونَةِ وَالْبِئْرِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ قَوْلُهُ وَمَا يَقَعُ بِهِ بَابُ السُّنَّةِ.

[بَابُ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ]

[تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ]

(بَابُ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ)

؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ لَمَّا كَانَتْ شُبْهَةُ السَّمَاعِ نَاسَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِآخِرِ أَقْسَامِ السُّنَّةِ إذْ الشَّبَهُ بَعْدَ الْحَقِيقَةِ فِي الرُّتْبَةِ لَا خِلَافَ أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ إمَامًا كَانَ أَوْ حَاكِمًا أَوْ مُفْتِيًا لَيْسَ بِحَجَّةٍ عَلَى صَحَابِيٍّ آخَرَ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ حُجَّةٌ وَتَقْلِيدُهُ وَاجِبٌ يُتْرَكُ بِهِ أَيْ بِقَوْلِهِ أَوْ بِمَذْهَبِهِ الْقِيَاسُ وَهُوَ مُخْتَارُ الشَّيْخَيْنِ وَأَبِي الْيُسْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَصْحَابَهُ فِي رِسَالَتِهِ الْقَدِيمَةِ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِمَا هُمْ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: وَهُمْ فَوْقَنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ وَاجْتِهَادٍ وَوَرَعٍ وَعَقْلٍ لِيُسْتَدْرَكَ بِهِ عِلْمٌ أَوْ لِيُسْتَنْبَطَ وَآرَاؤُهُمْ أَوْلَى مِنْ آرَائِنَا عِنْدَنَا؛ لِأَنْفُسِنَا وَنَصَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلَفَتْ فَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ أَوْلَى، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما أَوْلَى وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَجِبُ التَّرْجِيحُ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ وَالْأَكْبَرِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ عِلْمِهِ يُقَوِّي اجْتِهَادَهُ وَيُبْعِدُهُ عَنْ التَّقْصِيرِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجِبُ تَقْلِيدُهُ إلَّا فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ عَلَى مَا يُشِيرُ تَقْرِيرُهُ فِي التَّقْوِيمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَيْ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ لَا يُقَلَّدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَيْ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً، وَإِنْ كَانَ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الْأَشَاعِرَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَهَذَا اللَّفْظُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّقْلِيدِ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ جَوَازِهِ أَيْضًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ جَوَّزَ بَعْضُهُمْ التَّقْلِيدَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُهُ.

وَذَكَرَ فِي الْقَوَاطِعِ أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ إنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ فَهُوَ حُجَّةٌ إلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْحُجَّةُ فِي الْقِيَاسِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ أَوْ كَانَ مَعَ الصَّحَابِيِّ قِيَاسٌ خَفِيٌّ وَالْجَلِيُّ يُخَالِفُ قَوْلَهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: الْقِيَاسُ أَوْلَى وَمِنْهُمْ أَيْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَصَّلَ فِي التَّقْلِيدَ أَيْ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ فَقَلَّدَ أَيْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَمْثَالِهِمْ أَيْ فِي الْفَضِيلَةِ وَالتَّخْصِيصِ بِتَشْرِيفِ مِثْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنهم وَمَنْ قَلَّدَ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَلَّدَ الشَّيْخَيْنِ لَا غَيْرُ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ وَاجِبٌ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ أَقْرَانِهِ خِلَافُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ فَلَا يَجِبُ تَقْلِيدُ الْبَعْضِ وَلَكِنْ وَجَبَ التَّرْجِيحُ بِالدَّلِيلِ.

قَوْلُهُ (وَقَدْ اخْتَلَفَ عَمَلُ أَصْحَابِنَا) يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا رحمهم الله فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْتَقِرَّ مَذْهَبُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمْ رِوَايَةٌ ظَاهِرَةٌ فِيهَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي إعْلَامِ

ص: 217

وَقَدْ اتَّفَقَ عَمَلُ أَصْحَابِنَا بِالتَّقْلِيدِ فِيمَا لَا يُعْقَلُ بِالْقِيَاسِ فَقَدْ قَالُوا فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ وَأَفْسَدُوا شِرَاءَ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ عَمَلًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قِصَّةِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه

ــ

[كشف الأسرار]

قَدْرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَيْ تَسْمِيَةِ مِقْدَارِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُشَارًا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلُغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْعِبَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ.

وَالْإِعْلَامُ بِالْعِبَارَةِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا بِالْإِشَارَةِ فَعَمِلَا بِالْقِيَاسِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما خِلَافُهُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله شَرَطَ الْإِعْلَامَ فِيمَا ذَكَرْنَا لِجَوَازِ السَّلَمِ وَقَالَ: بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْحَامِلِ أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ فِي حَقِّهَا غَيْرُ مَرْجُوٍّ إلَى زَمَانِ وَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا هُوَ غَيْرُ مَرْجُوٍّ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ إلَى زَمَانِ الْبُلُوغِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَامَ الشَّهْرُ فِي حَقِّهَا مَقَامَ الطُّهْرِ أَوْ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ فِي كَوْنِهِ زَمَانَ تَجَدُّدِ آخَرَ عَنْهُ بِخِلَافِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ فِي حَقِّهَا مَرْجُوٌّ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَا يَجُوزُ إقَامَةُ الشَّهْرِ فِي حَقِّهَا مَقَامَ تَجَدُّدِ آخَرَ عَنْهُ فَعَمِلَا بِالْقِيَاسِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: رحمه الله لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنهم وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ إنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا ضَاعَ فِي يَدِهِ إذَا كَانَ الْهَلَاكُ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْغَرَقِ الْغَالِبِ وَالْحَرْقِ الْغَالِبِ وَالْغَارَةِ الْعَامَّةِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَرَوَيَا ذَلِكَ أَيْ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَإِنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْخَيَّاطَ وَالْقَصَّارَ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَخَالَفَ ذَلِكَ أَيْ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَلِيٍّ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بِالرَّأْيِ فَقَالَ: إنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا كَالْأَجِيرِ الْوَاحِدِ وَالْمُودِعِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ نَوْعَانِ: ضَمَانُ جَبْرٍ وَضَمَانُ شَرْطٍ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَضَمَانُ الْجَبْرِ يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَالتَّفْوِيتِ، وَضَمَانُ الشَّرْطِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي وَالتَّفْوِيتِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ يَدِ الْمَالِكِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ وَالْحِفْظُ لَا يَكُونُ خِيَانَةً وَلَمْ يُوجَدْ عَقْدٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ أَيْضًا فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ كَالْوَدِيعَةِ.

(قَوْلُهُ وَقَدْ اتَّفَقَ عَمَلُ أَصْحَابِنَا) يَعْنِي الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِالتَّقْلِيدِ فِيمَا لَا يُعْقَلُ بِالْقِيَاسِ أَيْ بِالرَّأْيِ مِثْلُ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرَهُ عَشَرَةٌ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه وَقَدْ رَوَوْا أَكْثَرَ النِّفَاسِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا بِقَوْلِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إلَّا أَنَّ النِّفَاسَ لَمَّا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ لِكَوْنِهِ أَرْبَعَةَ أَمْثَالِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ هَذَا الْقَائِل فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ وَرَوَوْا ذَلِكَ أَيْ تَعَدِّيَ الْحَيْضِ عَنْ أَنَسٍ وَعُثْمَانَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَهُ إلَى عُثْمَانَ صَرِيحًا فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهم وَأَفْسَدُوا شِرَاءَ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ يَعْنِي قَبْلَ أَخْذِ الثَّمَنِ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي جَوَازَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ قَدْ تَمَّ بِالْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْبَائِعِ بِمَا شَاءَ كَالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ وَكَالْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ مِنْهُ عَمَلًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهُوَ مَا رَوَتْ أُمُّ يُونُسَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَقَالَتْ: إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ خَادِمًا

ص: 218

أَمَّا فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ حَمْلًا لِذَلِكَ عَلَى التَّوْقِيفِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام لَا وَجْهَ لَهُ غَيْرَ هَذَا إلَّا التَّكْذِيبُ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ لَا مَحَالَةَ فَأَمَّا فِيمَا يُعْقَلُ بِالْقِيَاسِ

ــ

[كشف الأسرار]

بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ فَاحْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ فَاشْتَرَيْته مِنْهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ بِسِتِّمِائَةٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها بِئْسَمَا شَرَيْت وَاشْتَرَيْت أَبْلَغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ جِهَادَهُ وَحَجَّهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ لَمْ يَتُبْ فَأَتَاهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مُعْتَذِرًا فَتَلَتْ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَمَّا كَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِهَا تَعَيَّنَ جِهَةُ السَّمَاعِ فِيهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا جَعَلَتْ جَزَاءَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ هَذَا الْعَقْدِ بُطْلَانَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَأَجْزِئَةُ الْجَرَائِمِ لَا تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَالْمَسْمُوعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاعْتِذَارُ زَيْدٍ إلَيْهَا دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يُخَالِفُ بَعْضًا فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَمَا كَانَ يَعْتَذِرُ إلَى صَاحِبِهِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْأَقْوَالِ شَرَعَ فِي إقَامَةِ الدَّلَائِلِ عَلَيْهَا وَبَدَأَ بِمَا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى وُجُوبِ التَّقْلِيدِ فِيهِ فَقَالَ: أَمَّا فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ نَحْوُ الْمَقَادِيرِ وَغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ أَيْ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِيهِ حَمْلًا لِقَوْلِهِ عَلَى التَّوْقِيفِ أَيْ السَّمَاعِ وَالتَّنْصِيصِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِمْ الْمُجَازَفَةَ فِي الْقَوْلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، فَإِنَّ طَرِيقَ الدِّينِ مِنْ النُّصُوصِ إنَّمَا انْتَقَلَ إلَيْنَا بِرِوَايَتِهِمْ وَفِي حَمْلِ قَوْلِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ قَوْلٌ بِفِسْقِهِمْ وَذَلِكَ يُبْطِلُ رِوَايَتَهُمْ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الرَّأْيُ وَالسَّمَاعُ مِمَّنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي هَذَا الْبَابِ فَتَعَيَّنَ السَّمَاعُ وَصَارَ فَتْوَاهُ مُطْلَقَةً كَرِوَايَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ سَمَاعَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ ذَلِكَ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِ فَكَذَا إذَا أَفْتَى بِهِ وَلَا طَرِيقَ لِفَتْوَاهُ إلَّا السَّمَاعُ، فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنَّهُ إنَّمَا أَفْتَى لِخَبَرٍ ظَنَّهُ دَلِيلًا وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَمَعَ جَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلًا لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ كَالِاجْتِهَادِ لَمَّا احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلًا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى صَحَابِيٍّ مِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ كَالْمَسْمُوعِ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِ.

وَأَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ فِي حَقِّ التَّابِعِيِّ وَسَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ إذْ لَا يُظَنُّ الْمُجَازَفَةُ فِي الْقَوْلِ بِالْمُجْتَهِدِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الْكَذِبِ ثُمَّ لَا يَكُونُ فَتْوَاهُ حُجَّةً فِيمَا لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ كَمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا يُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ.

قُلْنَا هَذَا مَحْمَلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ وَاحْتِيَاطَهُمْ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَدِقَّةَ نَظَرِهِمْ فِيهَا يَرُدُّ ذَلِكَ كَيْفَ وَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِ رِوَايَتِهِمْ وَتَرْكِ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ ظَنَّ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ دَلِيلًا وَالِاعْتِمَادَ عَلَيْهِ لِلْفَتْوَى مِنْ بَابِ الْمُسَاهَلَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ وَتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ، وَرِوَايَةُ الْمُتَسَاهِلِ لَا تُقْبَلُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الظَّنِّ بِهِمْ فَاسِدٌ لَا يُؤَدِّي إلَيْهِ كَذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى صَحَابِيٍّ آخَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ لِلْقِيَاسِ مَدْخَلٌ فِيهِ لِاحْتِمَالِ السَّمَاعِ وَالرَّأْيِ فَأَمَّا فِيمَا لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا جِهَةُ السَّمَاعِ فِيهِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْكُلِّ

فَأَمَّا قَوْلُ التَّابِعِيِّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ اتِّصَالِ قَوْلِهِ بِالسَّمَاعِ يَكُونُ بِوَاسِطَةٍ وَتِلْكَ الْوَاسِطَةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَبِدُونِهَا لَا يَثْبُتُ السَّمَاعُ بِوَجْهٍ فَأَمَّا الصَّحَابِيُّ فَقَدْ كَانَ مُصَاحِبًا لِمَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَكَانَ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ السَّمَاعَ فَلَا يُجْعَلُ قَوْلٌ مُنْقَطِعًا عَنْ السَّمَاعِ إلَّا إذَا ظَهَرَ دَلِيلٌ غَيْرُهُ وَهُوَ الرَّأْيُ فَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَثْبُتُ الِانْقِطَاعُ بِالِاحْتِمَالِ إلَيْهِ أَشَارَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي حَقِّ

ص: 219

فَوَجْهُ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ مِنْ أَصْحَابِهِ صلى الله عليه وسلم مَشْهُورٌ وَاحْتِمَالُ الْخَطَأِ فِي اجْتِهَادِهِمْ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَقَدْ كَانَ يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَكَانُوا لَا يَدْعُونَ النَّاسَ إلَى أَقْوَالِهِمْ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقُولُ إنْ أَخْطَأْت فَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُ مِثْلِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

الصَّحَابِيِّ قَطْعِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ فِي حَقِّنَا لِسَمَاعِهِ مِنْ الرَّسُولِ عليه السلام وَفِي حَقِّ التَّابِعِيِّ وَمَنْ دُونَهُ ظَنِّيٌّ لِتَخَلُّلِ الْوَاسِطَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ لِتَخَلُّلِهَا أَثَرًا فِي الضَّعْفِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَتْوَى فِيمَا لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ قَدْ وُجِدَ مِمَّنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ نَصٍّ كَمَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ بَلْ إنَّمَا أَفْتَوْا بِنَصٍّ ظَهَرَ لَهُمْ أَيْ بِرَأْيٍ اسْتَنْبَطُوهُ مِنْ نَصٍّ وَلَوْ ثَبَتَ عَنْهُمْ قَوْلٌ فِيمَا لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ لَقُلْنَا: إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى نَقْلٍ وَلَجَعَلْنَاهُ حُجَّةً أَيْضًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ.

، فَإِنْ قِيلَ قَدْ قُلْتُمْ فِي الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ فِيهِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله قَدَّرَ مُدَّةَ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ بِثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ بِسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً بِالرَّأْيِ وَقَدَّرَ مُدَّةَ وُجُوبِ مَنْعِ الْمَالِ مِنْ السَّفِيهِ الَّذِي لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً بِالرَّأْيِ وَقَدَّرَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مُدَّةَ تَمَكُّنِ الرَّجُلِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا بِالرَّأْيِ وَقَدَّرَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا مَا يَطْهُرُ بِهِ الْبِئْرُ عِنْدَ وُقُوعِ الْفَأْرَةِ فِيهَا بِعِشْرِينَ دَلْوًا فَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَقَادِيرِ، وَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ جِهَةُ السَّمَاعِ فِي ذَلِكَ إذَا قَالَهُ صَحَابِيٌّ قُلْنَا: إنَّمَا أَرَدْنَا بِمَا قُلْنَا الْمَقَادِيرَ الَّتِي تَثْبُتُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً دُونَ مِقْدَارٍ يَكُونُ فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، فَإِنَّ الْمَقَادِيرَ فِي الْحُدُودِ وَالْعِبَادَاتِ نَحْوُ أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ مِمَّا لَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مِمَّا أَشَرْنَا إلَيْهِ فَأَمَّا مَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ لَا يَكُونُ بَالِغًا وَأَنَّ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً يَكُونُ بَالِغًا ثُمَّ التَّرَدُّدُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَيَكُونُ هَذَا اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي إزَالَةِ التَّرَدُّدِ وَهُوَ نَظِيرُ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ وَمَعْرِفَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالتَّقْدِيرِ فِي النَّفَقَةِ، فَإِنَّ لِلرَّأْيِ مَدْخَلًا فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا

وَكَذَلِكَ حُكْمُ دَفْعِ الْمَالِ إلَى السَّفِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] .

وَقَالَ {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6] فَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَةِ الْكِبَرِ عَلَى وَجْهٍ يُتَيَقَّنُ مَعَهُ بِنَوْعٍ مِنْ الرُّشْدِ وَذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ فَقَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله ذَلِكَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَصِيرَ جَدًّا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَمَنْ صَارَ فَرْعُهُ أَصْلًا فَقَدْ تَنَاهَى فِي الْأَصْلِيَّةِ نَتَيَقَّنُ لَهُ بِصِفَةِ الْكِبَرِ وَنَعْلَمُ إينَاسَ رُشْدٍ مَا مِنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَلَغَ أَشُدَّهُ، فَإِنَّهُ قِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْأَشُدِّ الْمَذْكُورِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ إنَّهُ هَذِهِ الْمُدَّةُ وَكَذَلِكَ مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ النَّفْيِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِسَاعَةٍ أَوْ سَاعَتَيْنِ لَا مَحَالَةَ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ النَّفْيِ بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنَّمَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيمَا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْمُدَّةِ فَاعْتُبِرَ الرَّأْيُ فِيهِ بِالْبِنَاءِ عَلَى أَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ فَأَمَّا حُكْمُ طَهَارَةِ الْبِئْرِ بِالنَّزْحِ، فَإِنَّمَا عَرَفْنَا بِآثَارِ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ فَتْوَى عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما فِي ذَلِكَ مَعْرُوفَةٌ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ مِنْ النَّزْحِ وَالْكَثِيرِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِلرَّأْيِ مَدْخَلًا فِي مَعْرِفَتِهِ كَذَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ رحمه الله (قَوْلُهُ) فَوَجْهُ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ كَذَا تَمَسَّكَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ بِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ فِيهِمْ الْفَتْوَى بِالرَّأْيِ ظُهُورًا لَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ، وَاحْتِمَالُ الْخَطَأِ فِي اجْتِهَادِهِمْ ثَابِتٌ لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ مَعْصُومِينَ عَنْ الْخَطَأِ كَسَائِرِ

ص: 220

بَلْ وَجَبَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي الْعَمَلِ بِالرَّأْيِ مِثْلَ مَا عَمِلُوا، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» الْخَبَرَ.

وَمَنْ ادَّعَى الْخُصُوصَ احْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اقْتَدُوا بِاَلَّذِينً مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبِمَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ اخْتِصَاصِهِمْ مِمَّا دَلَّ عَلَى مَا قُلْنَا

ــ

[كشف الأسرار]

الْمُجْتَهِدِينَ فَكَانَ قَوْلُهُمْ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الصَّوَابِ وَالْخَطَأِ كَقَوْلِ غَيْرِهِمْ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلْخَطَأِ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَرْجِعُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَنْ فَتْوَاهُ إلَى فَتْوَى غَيْرِهِ وَكَانُوا لَا يَدْعُونَ النَّاسَ إلَى أَقْوَالِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِلْخَطَأِ لَمَا جَازَ لَهُمْ الْمُخَالَفَةُ بِآرَائِهِمْ وَلَوَجَبَ عَلَيْهِمْ دُعَاءُ النَّاسِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَمُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ حَرَامٌ وَالدَّعْوَةُ إلَيْهِ وَاجِبَةٌ كَالدَّعْوَةِ إلَى الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي مَسْأَلَةِ الْمُفَوِّضَةِ، فَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ فَثَبَتَ أَنَّ احْتِمَالَ الْخَطَأِ فِيهِ ثَابِتٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ وَإِذَا كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مُحْتَمِلًا لِلْخَطَأِ لَمْ يَجُزْ لِمُجْتَهِدٍ آخَرَ تَقْلِيدُ مِثْلِهِ أَيْ تَقْلِيدُ مِثْلِ الصَّحَابِيِّ وَتَرْكُ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِقَوْلِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ بِقَوْلِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَلِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَقُولَ عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ حَدِيثٍ عِنْدَهُ، فَإِنْ كَانَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ الْأَصْلُ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ النَّظَرُ وَالتَّأَمُّلُ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ لِيَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فَرْعُ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَيَتْبَعُونَهُ لَا فَرْعُ أَصْلٍ آخَرَ فَيُخَالِفُونَهُ.

وَإِنْ كَانَ عَنْ حَدِيثٍ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَأَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ الْحَدِيثِ وَبِدُونِ الْبَاقِي يَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ وَحُكْمُهُ فَلَا يَتْرُكُ الْحُجَّةَ بِالِاحْتِمَالِ وَلِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَوْ كَانَ حُجَّةً لَكَانَ لِكَوْنِهِمْ أَعْلَمَ وَأَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِمُشَاهَدَتِهِمْ التَّنْزِيلَ وَسَمَاعِهِمْ التَّأْوِيلَ وَوُقُوفِهِمْ عَلَى أَحْوَالِ النَّبِيِّ عليه السلام وَمُرَادِهِ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى مَا لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ قَوْلُ الْأَعْلَمِ الْأَفْضَلِ صَحَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ إذْ لَيْسَ لِلْمُجْتَهِدِ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ (بَلْ وَجَبَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ) جَوَابٌ عَمَّا تَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ تَقْلِيدِهِمْ بِقَوْلِهِ عليه السلام: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ» فَقَالَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي الْجَرْيِ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ مِنْ أَخْذِهِمْ الْحُكْمَ مِنْ الْكِتَابِ أَوَّلًا ثُمَّ مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ اسْتِعْمَالُ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ لَا تَقْلِيدُهُمْ فِي أَقْوَالِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه السلام شَبَّهَهُمْ بِالنُّجُومِ، وَإِنَّمَا يُهْتَدَى بِالنُّجُومِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَا أَنَّ نَفْسَ النَّجْمِ يُوجِبُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ هَذَا النَّصُّ عَمَّ الصَّحَابَةَ وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَأَعْرَابٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَهْلَ الْبَصَرِ وَأَهْلُ الْبَصَرِ عَمِلُوا بِالرَّأْيِ بَعْدَ الْكِتَابِ فِي السُّنَّةِ فَيَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى الْخُصُوصَ) أَيْ وَمَنْ قَالَ بِتَقْلِيدِ الْخُلَفَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ عليه السلام «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» وَبِمَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ بَابِ الِاقْتِدَاءِ وَالتَّقْلِيدِ مِنْ اخْتِصَاصِهِمْ أَيْ اخْتِصَاصِ الْخُلَفَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ بِفَضَائِلَ مِمَّا دَلَّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ وُجُوبِ تَقْلِيدِهِمْ. وَكَلِمَةُ " مِنْ " فِي " مِمَّا " بَيَانٌ لِلِاخْتِصَاصِ وَفِي مِنْ اخْتِصَاصِهِمْ بَيَانٌ بِمَا رُوِيَ يَعْنِي لِلتَّمَسُّكِ وَهُوَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي رُوِيَتْ فِي اخْتِصَاصِهِمْ بِالْفَضَائِلِ الَّتِي تُوجِبُ الِاقْتِدَاءَ مِثْلُ قَوْلِهِ عليه السلام «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي وَرَضِيت لِأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ»

ص: 221

وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ الْعَمَلَ بِرَأْيِهِمْ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا احْتِمَالُ السَّمَاعِ وَالتَّوْقِيفِ وَذَلِكَ أَصْلٌ فِيهِمْ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّأْيِ

ــ

[كشف الأسرار]

«وَلِكُلِّ شَيْءٍ فَارِسٌ وَفَارِسُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ» «وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ» لَا الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُوجِبُ نَفْسَ الْفَضِيلَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ عليه السلام «أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ بِلَالٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّ الْجَنَّةَ إلَى سَلْمَانَ أَشْوَقُ مِنْ سَلْمَانَ إلَى الْجَنَّةِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى زُهْدِ عِيسَى فَلْيَنْظُرْ إلَى زُهْدِ أَبِي ذَرٍّ» وَأَمْثَالُهَا.

قَوْلُهُ (وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ) احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ التَّقْلِيدِ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا النَّصُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100] مَدَحَ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ التَّابِعُونَ لَهُمْ هَذَا الْمَدْحَ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعُ إلَى رَأْيِهِمْ دُونَ الرُّجُوعِ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَ الْمَدْحِ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا بِاتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي قَوْلٍ وُجِدَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ بَعْضِهِمْ فِيهِ خِلَافٌ، فَأَمَّا الَّذِي فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمْ فَلَا يَكُونُ مَوْضِعَ اسْتِحْقَاقِ الْمَدْحِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ بِاتِّبَاعِ الْبَعْضِ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ بِتَرْكِ اتِّبَاعِ الْبَعْضِ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ فَكَانَ النَّصُّ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِهِمْ إذَا لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ ظَاهِرٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَذَكَرَ فِي الْمَطْلَعِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100] اتَّبَعُوهُمْ عَلَى دِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ إلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ وَقِيلَ: يَقْتَدُونَ بِأَعْمَالِهِمْ الْحَسَنَةِ وَلَا يَقْتَدُونَهُمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ يَذْكُرُونَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالرَّحْمَةِ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَيَذْكُرُونَ مَحَاسِنَهُمْ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ احْتِمَالَ السَّمَاعِ وَالتَّوْقِيفِ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ ثَابِتٌ بَلْ الظَّاهِرُ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُفْتِي بِالْخَبَرِ، وَإِنَّمَا يُفْتِي بِالرَّأْيِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَيُشَاوِرُ مَعَ الْقُرَنَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ خَبَرٌ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ اشْتَغَلَ بِالْقِيَاسِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ أَيْ السَّمَاعُ أَصْلٌ فِيهِمْ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّأْيِ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَاحِبُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ فَكَانَ السَّمَاعُ أَصْلًا فِيهِمْ فَلَا يَجْعَلُ فَتْوَاهُمْ مُنْقَطِعَةً عَنْ السَّمَاعِ إلَّا بِدَلِيلٍ

قَوْلُهُ (وَكَانُوا يَسْكُتُونَ عَنْ الْإِسْنَادِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ مُبِينًا عَلَى السَّمَاعِ لَأَسْنَدَهُ إلَى النَّبِيِّ وَقَالَ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ التَّبْلِيغُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ مِنْ عَادَتِهِمْ كِتْمَانُ مَا بُلِّغَ إلَيْهِمْ وَلَمَّا لَمْ يُسْنِدْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَقَالَ: قَدْ ظَهَرَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْكُتُونَ عَنْ الْإِسْنَادِ عِنْدَ الْفَتْوَى إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ خَبَرٌ يُوَافِقُ فَتْوَاهُمْ كَمَا كَانُوا يُسْنِدُونَهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْكِتْمَانِ إذْ الْوَاجِبُ بَيَانُ الْحُكْمِ عِنْدَ السُّؤَالِ لَا غَيْرُ إلَّا إذَا سُئِلَ عَنْ مُسْتَنَدِ الْحُكْمِ فح يَجِبُ الْإِسْنَادُ، وَإِذَا ثَبَتَ احْتِمَالُ السَّمَاعِ فِي قَوْلِهِ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الرَّأْيِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَ صَاحِبِهِ خَبَرٌ يُوَافِقُهُ وَيُقِرُّهُ فَكَانَ تَقْدِيمُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى الرَّأْيِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ تَقْدِيمِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْقِيَاسِ.

وَالثَّانِي وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَلِاحْتِمَالِ فَضْلِ إصَابَتِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُ: إنْ كَانَ صَادِرًا عَنْ الرَّأْيِ فَرَأْيُ الصَّحَابَةِ أَقْوَى مِنْ رَأْيِ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا طَرِيقَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ وَشَاهَدُوا الْأَحْوَالَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا النُّصُوصُ وَالْمَحَالَّ

ص: 222

وَقَدْ كَانُوا يَسْكُتُونَ عَنْ الْإِسْنَادِ وَلِاحْتِمَالِ فَضْلِ إصَابَتِهِمْ فِي نَفْسِ الرَّأْيِ فَكَانَ هَذَا الطَّرِيقُ هُوَ النِّهَايَةَ فِي الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ لِيَكُونَ السُّنَّةُ بِجَمِيعِ وُجُوهِهَا وَشِبْهِهَا مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ ثُمَّ الْقِيَاسُ بِأَقْوَى وُجُوهِهِ حُجَّةً وَهُوَ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ بِأَثَرِهِ الثَّابِتِ شَرْعًا فَقَدْ ضَيَّعَ الشَّافِعِيُّ عَامَّةً وُجُوهَ السُّنَنِ ثُمَّ مَالَ إلَى الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ قِيَاسُ الشَّبَهَ وَهُوَ لَيْسَ بِصَالِحٍ لِإِضَافَةِ الْوُجُوبِ إلَيْهِ فَمَا هُوَ إلَّا كَمَنْ تَرَكَ الْقِيَاسَ وَعَمِلَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَجَعَلَ الِاحْتِيَاطَ مَدْرَجَةً إلَى الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ

ــ

[كشف الأسرار]

الَّتِي يَتَغَيَّرُ بِاعْتِبَارِهَا الْأَحْكَامُ وَلِأَنَّ لَهُمْ زِيَادَةَ جِدٍّ وَحِرْصٍ فِي بَذْلِ مَجْهُودِهِمْ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِمَا هُوَ تَثْبِيتُ قِوَامِ الدِّينِ وَزِيَادَةَ احْتِيَاطٍ فِي حِفْظِ الْأَحَادِيثِ وَضَبْطِهَا وَطَلَبِهَا وَالتَّأَمُّلِ فِيمَا لَا نَصَّ عِنْدَهُمْ غَايَةَ التَّأَمُّلِ وَفَضْلَ دَرَجَةٍ لَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِثْلُ قَوْلِهِ عليه السلام «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي الَّذِينَ بُعِثْت فِيهِمْ» .

وَقَوْلِهِ «لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» وَقَوْلِهِ عليه السلام «أَنَا أَمَانٌ لِأَصْحَابِي وَأَصْحَابِي أَمَانٌ لِأُمَّتِي» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ وَلِمِثْلِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ أَثَرٌ فِي إصَابَةِ الرَّأْيِ وَكَوْنِهِ أَبْعَدَ عَنْ الْخَطَأِ فَبِهَذِهِ الْمَعَانِي تَرَجَّحَ رَأْيُهُمْ عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِمْ وَعِنْدَ تَعَارُضِ الرَّأْيَيْنِ إذَا ظَهَرَ لِأَحَدِهِمَا نَوْعُ تَرْجِيحٍ وَجَبَ الْأَخْذُ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ رَأْيِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ وَرَأْيِ الْوَاحِدِ مِنَّا يَجِبُ تَقْدِيمُ رَأْيِهِ عَلَى رَأْيِنَا لِزِيَادَةِ قُوَّةٍ فِي رَأْيِهِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ جِهَةَ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ لَظَهَرَ لِاتِّحَادِ مَكَانِهِمْ وَطَلَبِ الْعِلْمِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَمُشَاوَرَةِ كُلِّ وَاحِدٍ قُرَنَائَهُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ صَاحِبِهِ خَبَرٌ يَمْنَعُهُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ، وَلَوْ ظَهَرَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ لَوَصَلَ إلَيْنَا مِنْ جِهَةِ التَّابِعِينَ لِنَصْبِ أَنْفُسِهِمْ لِتَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَلَوْ تَحَقَّقَ الْإِجْمَاعُ يَجِبُ الْعَمَلُ قَطْعًا، فَإِذَا تَرَجَّحَ جِهَةُ وُجُودِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِقِيَاسٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَبِمَا ذَكَرْنَا خُرِّجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ؛ لِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ لَيْسَتْ الدَّلَائِلُ الْمُحْتَمَلَةُ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَعَ احْتِمَالِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ فَكَذَا قَوْلُ الصَّحَابِيِّ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الصَّوَابِ لِمَا ذَكَرْنَا

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ وَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَذَلِكَ وَلَكِنَّ كَلَامَنَا وَقَعَ فِيمَا إذَا وُجِدَ مِنْ الصَّحَابِيِّ وَلَمْ يَظْهَرْ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا خِلَافُ غَيْرِهِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ.

، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ لِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِوُجُودِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمْ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي مَرَّتْ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَيْسَ لِلْمُجْتَهِدِ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إذَا كَانَ عِنْدَ مُجْتَهِدٍ أَنَّ مَنْ يُخَالِفُهُ فِي الرَّأْيِ أَعْلَمُ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ يَدَعُ رَأْيَهُ لِرَأْيِ مَنْ عَرَفَ زِيَادَةَ قُوَّةٍ فِي اجْتِهَادِهِ كَمَا أَنَّ الْعَامِّيَّ يَدَعُ رَأْيَهُ لِرَأْيِ الْمَعْنِيِّ الْمُجْتَهِدِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَدَعُ الْمُجْتَهِدُ فِي زَمَانِنَا رَأْيَهُ لِرَأْيِ مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الِاجْتِهَادِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ وَفِي مَعْرِفَةِ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُوجَدُ فِيمَا بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ مِنَّا وَالْمُجْتَهِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالَةِ لَا يَخْفَى فِي طَرِيقِ الْعِلْمِ كَذَلِكَ فَهُمْ قَدْ شَاهَدُوا أَحْوَالَ مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَسَمِعُوا مِنْهُ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ ذَلِكَ إلَيْنَا بِخَبَرِهِمْ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ.

، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ تَأْوِيلَ الصَّحَابِيِّ لِلنَّصِّ لَا يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى تَأْوِيلِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَكَذَلِكَ فِي الْفَتْوَى بِالرَّأْيِ قُلْنَا: إنَّ التَّأْوِيلَ يَكُونُ بِالتَّأَمُّلِ فِي وُجُوهِ اللُّغَةِ وَمَعَانِي الْكَلَامِ وَلَا مِزْيَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْبَابِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَعْرِفُ مِنْ مَعَانِي اللِّسَانِ فَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فِي الْأَحْكَامِ، فَإِنَّمَا يَكُونُ التَّأَمُّلُ فِي النُّصُوصِ الَّتِي هِيَ أَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَلِأَجْلِهِ يَظْهَرُ لَهُمْ الْمِزْيَةُ

ص: 223

فَصَارَ الطَّرِيقُ الْمُتَنَاهِي فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَفُرُوعِهَا عَلَى الْكَمَالِ هُوَ طَرِيقَ أَصْحَابِنَا بِحَمْدِ اللَّهِ إلَيْهِمْ انْتَهَى الدِّينُ بِكَمَالِهِ وَبِفَتْوَاهُمْ قَامَ الشَّرْعُ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ بِخِصَالِهِ لَكِنَّهُ بَحْرٌ عَمِيقٌ لَا يَقْطَعُهُ كُلُّ سَانِحٍ وَالشُّرُوطُ كَثِيرَةٌ لَا يَجْمَعُهَا كُلُّ طَالِبٍ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي كُلِّ مَا ثَبَتَ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَهُمْ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ بَلَغَ غَيْرَ قَائِلِهِ فَسَكَتَ مُسَلِّمًا لَهُ، فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ فَإِنَّ الْحَقَّ فِي أَقْوَالِهِمْ لَا يَعْدُوهُمْ عِنْدَنَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَسْقُطُ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ بِالتَّعَارُضِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا وَلَمْ تَجْرِ الْمُحَاجَّةُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ سَقَطَ احْتِمَالُ التَّوْقِيفِ وَتَعَيَّنَ وَجْهُ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فَصَارَ تَعَارُضُ أَقْوَالِهِمْ كَتَعَارُضِ وُجُوهِ الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّرْجِيحَ فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِأَيِّهَا شَاءَ الْمُجْتَهِدُ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا غَيْرُ ثُمَّ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالثَّانِي مِنْ بَعْدُ إلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ

وَأَمَّا التَّابِعِيُّ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الْفَتْوَى فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُزَاحِمْهُمْ فِي الرَّأْيِ كَانَ أُسْوَةَ سَائِرِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى مِنْ السَّلَفِ لَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ

ــ

[كشف الأسرار]

بِمُشَاهَدَةِ أَحْوَالِ الْخِطَابِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُشَاهِدْ وَلَا يُقَالُ هَذِهِ أُمُورٌ بَاطِنَةٌ، وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ مُسْتَقِيمٌ عِنْدَنَا وَلَكِنْ فِي مَوْضِعٍ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْبَاطِنِ فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُمَا جَمِيعًا فَلَا شُبْهَةَ أَنَّ اعْتِبَارَهُمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مُجَرَّدِ اعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَفِي الْأَخْذِ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ اعْتِبَارُهُمَا وَفِي الْعَمَلِ بِالرَّأْيِ اعْتِبَارُ الظَّاهِرِ فَقَدْ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى كَذَا قَرَّرَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله.

قَوْلُهُ (فَكَانَ هَذَا الطَّرِيقُ) أَيْ إيجَابُ مُتَابَعَةِ الصَّحَابِيِّ وَتَقْلِيدِهِمْ أَوْ الطَّرِيقُ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي بَابِ السُّنَّةِ مِنْ قَبُولِ الْمُسْنَدِ وَالْمُرْسَلِ رِوَايَةً وَالْمَعْرُوفِ وَالْمَجْهُولِ وَإِيجَابِ تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ هُوَ النِّهَايَةُ فِي الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ لِيَكُونَ لِلسُّنَّةِ بِجَمِيعِ وُجُوهِهَا مِنْ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ وَالْآحَادِ وَالْمُسْنَدِ وَالْمُرْسَلِ وَغَيْرِهَا وَشَبَهِهَا مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ ثُمَّ الْقِيَاسُ أَيْ ثُمَّ يَكُونُ الْقِيَاسُ بِأَقْوَى وُجُوهِهِ وَهِيَ الْإِحَالَةُ وَالسُّنَّةُ وَالطَّرْدُ وَالْقِيَاسُ بِالْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ حُجَّةً بَعْدَ جَمِيعِ أَقْسَامِ السُّنَّةِ وَشَبَهِهَا فَقَدْ ضَيَّعَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَامَّةَ وُجُوهِ السُّنَنِ، فَإِنَّهُ رَدَّ الْمَرَاسِيلَ مَعَ كَثْرَتِهَا وَلَمْ يَقْبَلْ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ مِنْ الْقُرُونِ الْأُولَى مَعَ شَهَادَةِ الرَّسُولِ عليه السلام لَهُمْ بِالْخَيْرِيَّةِ وَفِيهِ تَعْطِيلُ كَثِيرٍ مِنْ السُّنَّةِ وَلَمْ يَرَ تَقْلِيدَ الصَّحَابَةِ وَفِيهِ إعْرَاضٌ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا فِيهِ شُبْهَةُ السَّمَاعِ لِإِضَافَةِ الْوُجُوبِ أَيْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ إلَيْهِ كَمَنْ تَرَكَ الْقِيَاسَ أَيْ لَمْ يُجَوِّزْ الْعَمَلَ بِهِ وَعَمِلَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ مِثْلُ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيِّ الظَّاهِرِيِّ وَأَمْثَالِهِ مِنْ نُفَاةِ الْقِيَاسِ فَجَعَلَ أَيْ الشَّافِعِيُّ الِاحْتِيَاطَ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمَرَاسِيلَ وَرِوَايَةَ الْمَجْهُولِ وَقَوْلَ الصَّحَابِيِّ احْتِيَاطًا مَدْرَجَةً أَيْ طَرِيقًا وَوَسِيلَةً إلَى الْوُقُوعِ فِي الْعَمَلِ بِمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ وَهُوَ قِيَاسُ الشَّبَهِ وَفِي أَصْلِهِ شُبْهَةٌ أَيْ فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ شُبْهَةٌ فَفِي قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْلَى أَوْ جَعْلِهِ وَسِيلَةً إلَى الْعَمَلِ بِمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ وَهُوَ نَفْسُ الْقِيَاسِ، وَإِنَّهُ مُظْهِرٌ وَلَيْسَ بِمُثْبِتٍ وَفِي أَصْلِهِ شَبَهٌ أَنَّهُ صَوَابٌ أَوْ خَطَأٌ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَصْلِ السُّنَّةِ إنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي طَرِيقِهَا قَامَ الشَّرْعُ بِخِصَالِهِ أَيْ مُلْتَبِسًا بِخِصَالِهِ وَهِيَ مَحَاسِنُهُ وَأَحْكَامُهُ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّكُمْ قَدَّمْتُمْ شُبْهَةَ السَّمَاعِ عَلَى الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ أَوْجَبْتُمْ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ ثُمَّ قَدَّمْتُمْ الْقِيَاسَ عَلَى حَقِيقَةِ السَّمَاعِ فِي حَدِيثِ الْمُصِرَّاتِ وَأَمْثَالِهِ مَعَ كَوْنِ الرَّاوِي مَعْرُوفًا بِالضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَالْعَدَالَةِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَجَلِّ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا الْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ تَقْلِيدُ كُلِّ صَحَابِيٍّ وَتَقْدِيمُ قَوْلِهِ عَلَى الْقِيَاسِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ التَّقْلِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعَ جَمَاعَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ تَقْلِيدُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يَجِبُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِمْ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله فِي شَرْحِ الْإِيمَانِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَلَكِنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مِنْ فُقَهَائِهِمْ فِيمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ وَفِي شَرْحِ الْبُيُوعِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ إعْلَامِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَقَوْلُ الْفَقِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَفِي بَابِ الْبَيْعِ إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطٌ وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ عِنْدَنَا وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: «أَصْحَابِي

ص: 224