المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ بَيَانِ قِسْمِ) (الِانْقِطَاعِ)وَهُوَ نَوْعَانِ

- ‌ مَا أَرْسَلَهُ الصَّحَابِيُّ

- ‌ إرْسَالُ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ

- ‌[الإنقطاع الظَّاهِرُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ] [

- ‌ إرْسَالُ كُلِّ عَدْلٍ

- ‌ الِاتِّصَالَ بِالِانْقِطَاعِ

- ‌[الِانْقِطَاعُ الْبَاطِلُ]

- ‌ الْحَادِثَةَ إذَا اُشْتُهِرَتْ وَخَفِيَ الْحَدِيثُ

- ‌[الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلِفُوا فِي حَادِثَةٍ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يُحَاجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ]

- ‌ خَبَرُ الْمَسْتُورِ

- ‌[الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ]

- ‌ خَبَرِ الْفَاسِقِ

- ‌[خَبَر الْكَافِرِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ إذَا عَقَلَا مَا يَقُولَانِ]

- ‌[خَبَر صَاحِبُ الْهَوَى]

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ)

- ‌[بَابُ بَيَانِ الْخَبَرُ]

- ‌ بَابُ الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ)

- ‌بَابُ شَرْطِ نَقْلِ الْمُتُونِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى)

- ‌(بَابُ مَا يَلْحَقُهُ النَّكِيرُ مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي)

- ‌(بَابُ الطَّعْنِ يَلْحَقُ الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ رَاوِيهِ)

- ‌‌‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ آيَتَيْنِ

- ‌[كَيْفِيَّةَ الْمَخْلَصِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[تعارض الْجُرْح وَالتَّعْدِيل]

- ‌(بَابُ الْبَيَانِ)

- ‌[أَوْجُه الْبَيَانُ]

- ‌[بَيَانُ التَّقْرِير]

- ‌ بَيَانُ التَّفْسِيرِ

- ‌[تَخْصِيصِ الْعَامِّ]

- ‌(بَابُ بَيَانِ التَّغْيِيرِ)

- ‌[أَنْوَاع بَيَانِ التَّغْيِيرِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ الضَّرُورَةِ}

- ‌[أَوْجُهٍ بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[تَفْسِيرِ النَّسْخِ]

- ‌النَّسْخُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحِلِّ النَّسْخِ)

- ‌[أَقْسَام مَالَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ شُرُوطِ النَّسْخ]

- ‌{بَابُ تَقْسِيمِ النَّاسِخِ}

- ‌[النَّسْخُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ]

- ‌نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ

- ‌(بَابُ تَفْصِيلِ) (الْمَنْسُوخِ)

- ‌[أَنْوَاعٌ الْمَنْسُوخُ]

- ‌[الْفُرْق بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ]

- ‌(بَابُ أَفْعَالِ النَّبِيِّ)

- ‌[أَقْسَام أَفْعَالِ النَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السُّنَّةِ)فِي حَقِّ النَّبِيِّ

- ‌[أَنْوَاع الوحى]

- ‌[جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا)

- ‌ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ

- ‌[بَابُ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ]

- ‌[تَقْلِيد التَّابِعِينَ]

- ‌(بَابُ الْإِجْمَاعِ)

- ‌[أَرْكَان الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ أَهْلِيَّةِ الْإِجْمَاع]

- ‌بَابُ شُرُوطِ) (الْإِجْمَاعِ) :

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ وَمَحِلّه]

- ‌[إنْكَار الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ بَيَانِ سَبَب الْإِجْمَاعُ]

- ‌(بَابُ الْقِيَاسِ)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ الْقِيَاسِ]

- ‌[ثُبُوت الْقِيَاس وَأَنْوَاعه]

- ‌(فَصْلٌ فِي تَعْلِيلِ الْأُصُولِ)

- ‌بَابٌ شُرُوطُ الْقِيَاسِ) :

- ‌[بَابُ رُكْنُ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَا يصلح دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّة]

- ‌[بَابُ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ]

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْعِلَّةِ) :

- ‌[جُمْلَةَ مَا يُعَلَّلُ لَهُ]

الفصل: ‌[باب بيان شروط النسخ]

بَابُ بَيَانِ الشَّرْطِ) :

وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ فَأَمَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الْفِعْلِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: إنَّهُ شَرْطٌ وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ حُكْمَ النَّصِّ بَيَانُ الْمُدَّةِ لِعَمَلِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا أَوْ لِعَمَلِ الْقَلْبِ بِانْفِرَادِهِ وَعَمَلُ الْقَلْبِ هُوَ الْمُحَكَّمُ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَالْآخَرُ مِنْ الزَّوَائِدِ وَعِنْدَهُمْ هُوَ بَيَانُ مُدَّةِ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ

ــ

[كشف الأسرار]

قَدْ تَمَّ وَوَقَعَ الْفَرَاغُ عَنْهُ وَمَا رَأَى فِي الْمَنَامِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا رَأَى مُبَاشَرَةَ فِعْلِ الذَّبْحِ فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ أَذْبَحُك؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَالِ.

، فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ مُصَدِّقًا لِلرُّؤْيَا فَلِأَنَّهُ بَاشَرَ فِيمَا وَسِعَهُ مِنْ أَسْبَابِ الذَّبْحِ وَإِمْرَارِ السِّكِّينِ عَلَى مَحِلِّ الذَّبْحِ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ مِرَارًا وَهَذَا هُوَ مُبَاشَرَةُ فِعْلِ الذَّبْحِ مِنْ الْعَبْدِ فَصَارَ بِهِ ذَابِحًا مُحَقِّقًا لِمَا أُمِرَ بِهِ فَلِذَلِكَ صَحَّ قَوْله تَعَالَى {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] ، فَأَمَّا حُصُولُ حَقِيقَةِ الذَّبْحِ فَلَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ إذْ الْمُتَوَلِّدَاتُ تَحْدُثُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّا نُسَلِّمُ نَسْخَ مَحَلِّيَّةِ الذَّبْحِ فِي الْوَلَدِ بِصَيْرُورَةِ الشَّاةِ فِدَاءً عَنْهُ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ انْتِسَاخَ الْأَمْرِ وَالْإِضَافَةِ بَلْ نَقُولُ بَعْدَ صَيْرُورَةِ الشَّاةِ فِدَاءً بَقِيَ الْأَمْرُ مُضَافًا إلَى وَلَدٍ حَرَامٍ ذَبْحُهُ وَحُكْمُ ذَلِكَ الْأَمْرِ وُجُوبُ ذَبْحِ الشَّاةِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ مَحِلًّا لِإِضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَيْهِ وَقَدْ انْتَسَخَتْ مَحَلِّيَّةُ الْفِعْلِ لَا مَحَلِّيَّةُ الْإِضَافَةِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ بَيَانِ شُرُوطِ النَّسْخ]

بَابُ بَيَانِ الشَّرْطِ:

اعْلَمْ أَنَّ لِلنَّسْخِ شُرُوطًا بَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَكَوْنُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ حُكْمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ فَإِنَّ الْعَجْزَ وَالْمَوْتَ كُلُّ وَاحِدٍ يُزِيلُ التَّعَبُّدَ الشَّرْعِيَّ وَلَا يُسَمَّى نَسْخًا وَكَذَا إزَالَةُ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يُسَمَّى نَسْخًا وَكَوْنُ النَّاسِخِ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمَنْسُوخِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَالْغَايَةَ لَا يُسَمَّيَانِ نَسْخًا وَقَدْ تَضَمَّنَ التَّعْرِيفَاتُ الْمَذْكُورَةُ لِلنَّسْخِ هَذِهِ الشُّرُوطَ وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَاشْتِرَاطُ كَوْنِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَاشْتِرَاطُ الْبَدَلِ لِلْمَنْسُوخِ.

وَاشْتِرَاطُ كَوْنِهِ أَخَفَّ مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلَهُ فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ النَّسْخِ عِنْدَ قَوْمٍ عَلَى مَا سَيَأْتِيك بَيَانُهَا بَعْدُ وَمِنْ الشُّرُوطِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ هَذَا الْبَابُ فَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَعَامَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَعْنَى التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ أَنْ يَمْضِيَ بَعْدَمَا وَصَلَ الْأَمْرُ إلَى الْمُكَلَّفِ زَمَانٌ يَسَعُ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ.

قَوْلُهُ (وَحَاصِلُ الْأَمْرِ) أَيْ حَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ عِنْدَنَا بَيَانٌ لِمُدَّةِ عَمَلِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ تَارَةً وَلِعَمَلِ الْقَلْبِ بِانْفِرَادِهِ وَهُوَ الْعَقْدُ أُخْرَى وَعَمَلُ الْقَلْبِ هُوَ الْمُحَكَّمُ فِي هَذَا أَيْ اشْتِرَاطُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ وَكَوْنُ النَّسْخِ بَيَانًا لِمُدَّتِهِ هُوَ الْأَمْرُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَالتَّغَيُّرَ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ عَلَى كُلِّ التَّقَادِيرِ وَالْآخَرُ أَيْ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَمَلِ مِنْ الزَّوَائِدِ أَيْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ بَيَانًا لِلْمُدَّةِ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ دَائِمٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ وَالثَّانِيَ رُكْنٌ زَائِدٌ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ وَيَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَعِنْدَهُمْ هُوَ أَيْ النَّسْخُ بَيَانُ مُدَّةِ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ أَيْ بَيَانُ مُدَّةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْفِعْلِ أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ حُكْمًا؛ لِأَنَّ التَّرْكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ تَفْرِيطٌ مِنْ الْعَبْدِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى بَيَانِ مُدَّةِ حُكْمِ الْعَمَلِ بِالنَّسْخِ.

وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَرِدَ النَّاسِخُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْوَاجِبِ كَمَا إذَا قِيلَ فِي رَمَضَانَ حُجُّوا هَذِهِ السَّنَةَ ثُمَّ قِيلَ فِي آخِرِهِ لَا تَحُجُّوا أَوْ قِيلَ صُومُوا

ص: 169

قَالُوا: لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَدَنِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ نَهْيٍ وَبِكُلِّ أَمْرٍ نَصًّا يُقَالُ: افْعَلُوا كَذَا أَوْ لَا تَفْعَلُوا فَيَقْتَضِي حُسْنَهُ بِالْأَمْرِ لَا مَحَالَةَ وَقُبْحَهُ بِالنَّهْيِ وَإِذَا وَقَعَ النَّسْخُ قَبْلَ الْفِعْلِ صَارَ بِمَعْنَى الْبَدَاءِ وَالْغَلَطِ وَالْحُجَّةُ لَنَا أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بِخَمْسِينَ صَلَاةً لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ» ثُمَّ نُسِخَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ

ــ

[كشف الأسرار]

ثُمَّ قِيلَ قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ لَا تَصُومُوا وَالثَّانِي أَنْ يَرِدَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ زَمَانٍ يَسَعُ الْوَاجِبَ كَمَا إذَا قِيلَ لِإِنْسَانٍ اذْبَحْ وَلَدَك فَبَادَرَ إلَى أَسْبَابِهِ فَقَبْلَ إحْضَارِ الْكُلِّ قِيلَ لَهُ لَا تَذْبَحْهُ أَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فِي قَوْلِهِ صُمْ غَدًا فَقِيلَ لَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ لَا تَصُمْ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ وَعَامَّةِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ.

قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ وَدَلَائِلُ الْخُصُومِ ظَاهِرَةٌ لَوْ بُنِيَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَمْرِ وُجُوبُ الْفِعْلِ إذْ وُجُوبُ الْفِعْلِ فِي زَمَانٍ لَا يُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْفِعْلِ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَكَذَا لَوْ بُنِيَتْ عَلَى وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِ وَاجِبٍ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِيجَابُ اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاجِبًا مُحَالٌ مِنْ الشَّرْعِ وَكَذَا إيجَابُ اعْتِقَادِ فِعْلٍ غَيْرِ وَاجِبٍ مُحَالٌ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ الْفِعْلِ وَلَا وُجُوبُ الِاعْتِقَادِ حَقِيقَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَزَلِيٌّ عِنْدَنَا وَتَعَلُّقُهُ بِالْمَأْمُورِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَائِدَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِمَا لَا يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالَى وُجُودَهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِفَائِدَةِ الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ فَكَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْوُجُوبَ أَيْضًا لَكِنَّ فِيهِ نَوْعَ فَائِدَةٍ يَصِحُّ الْأَمْرُ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ بِحُدُوثِ النَّسْخِ وَيَبْنِي الْأَمْرَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ يَعْتَقِدُهُ ظَاهِرًا وَيَعْزِمُ عَلَى الْأَدَاءِ وَيُهَيِّئُ أَسْبَابَهُ وَيُظْهِرُ الطَّاعَةَ مِنْ نَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ الِابْتِلَاءُ إنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَهَذَا فِي الْأَمْرِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ أَظْهَرُ فَإِنَّهُ لَمَّا اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الذَّبْحِ وَانْقَادَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى الثَّابِتِ ظَاهِرًا تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ يَظْهَرُ مِنْهُ الطَّاعَةُ فَكَانَ النَّسْخُ مُفِيدًا فِي حَقِّ الْمَأْمُورِ وَصِحَّةُ الْأَمْرِ لِفَائِدَةِ الْمَأْمُورِ لَا غَيْرُ أَوْ لَمَّا حَسُنَ مِنْهُ الْعَزْمُ وَالِاعْتِقَادُ وَاشْتَغَلَ بِأَسْبَابِهِ اُجْتُزِئَ بِذَلِكَ مِنْهُ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ وَجُعِلَ قَائِمًا مَقَامَ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الثَّوَابِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ النَّسْخَ وَرَدَ بَعْدَ وُجُودِ الْفِعْلِ تَقْدِيرًا هَذَا طَرِيقُ تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

قَوْلُهُ (قَالُوا) أَيْ الْخُصُومُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَدَنِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ نَصًّا أَيْ الْعَمَلُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ أَمْرٍ وَالْمَنْعُ مِنْ الْعَمَلِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ نَهْيٍ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِصَرِيحِهِمَا تَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ الْفِعْلِ وَالْمَنْعِ عَنْهُ لِدَلَالَتِهِمَا عَلَى الْمَصْدَرِ لَا عَلَى الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ فَيَقْتَضِي كَوْنَ الْفِعْلِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْهُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي حُسْنَ الْفِعْلِ بِالْأَمْرِ وَقُبْحَهُ بِالنَّهْيِ يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْفِعْلُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْفِعْلِ حَسَنًا إذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِهِ وَذَاتُهُ قَبِيحًا إذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَالنَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ يُؤَدِّي إلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُمِرَ بِشَيْءٍ فِي وَقْتٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُسْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِذَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ دَلَّ عَلَى قُبْحِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِكَوْنِ الْحُسْنِ وَالنَّسْخِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ مُحَالٌ فَكَانَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ النَّسْخِ الَّذِي يُؤَدِّي إلَيْهِ فَاسِدًا.

وَكَانَ هَذَا النَّسْخُ مِنْ بَابِ الْبَدَاءِ وَالْغَلَطِ الَّذِي هُوَ عَلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ مُحَالٌ نُبَيِّنُهُ أَنَّ الشَّارِعَ إذَا أَمَرَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمٍ بِأَدَاءِ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ غُرُوبِ

ص: 170

فَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَصْلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَصَحَّ النَّسْخُ بَعْدَ وُجُودِ عَقْدِهِ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ تَمَكُّنٌ مِنْ الْفِعْلِ

ــ

[كشف الأسرار]

الشَّمْسِ بِطَهَارَةٍ ثُمَّ عِنْدَ الزَّوَالِ نَهَى عَنْ أَدَائِهِمَا عِنْدَ الْغُرُوبِ بِطَهَارَةٍ كَانَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مُتَنَاوِلًا فِعْلًا وَاحِدًا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ صَدَرَ عَنْ مُكَلِّفٍ وَاحِدٍ إلَى مُكَلَّفٍ وَاحِدٍ وَفِي تَنَاوُلِ النَّهْيِ لِمَا تَنَاوَلَهُ الْأَمْرُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي تَنَاوَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى الْبَدَاءِ وَالْغَلَطِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْهَى عَمَّا أَمَرَ بِفِعْلِهِ إذَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ حَالِ الْمَأْمُورِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُ حِينَ أَمَرَ بِهِ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ بِالْأَمْرِ إنَّمَا طَلَبَ مِنْ الْمَأْمُورِ اتِّحَادَ الْفِعْلِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لَا قَبْلَهُ إذْ التَّكْلِيفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَسَبِ الْوُسْعِ، وَالْبَدَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ قَالُوا وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِكُمْ إنَّ صِحَّةَ الْأَمْرِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِفَادَةِ وَقَدْ أَفَادَ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ وَالْعَزِيمَةِ عَلَى الْفِعْلِ فَيَجُوزُ نَسْخُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ بَدَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ النَّهْيُ تَنَاوَلَ عَيْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْأَمْرُ تَنَاوَلَ الْفِعْلَ فَلَوْ جَوَّزْنَا نَسْخَهُ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ لَمْ يَبْقَ لِلْأَمْرِ فَائِدَةٌ فِيمَا وُضِعَ الْأَمْرُ لَهُ، فَأَمَّا اعْتِقَادُ الْوُجُوبِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فَلَيْسَ الْأَمْرُ بِمَوْضُوعٍ لَهُمَا فَلَا يَدُلُّ الْأَمْرُ عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: افْعَلُوا لَا يَصْلُحُ عِبَارَةً عَنْ اعْزِمُوا وَاعْتَقِدُوا بِوَجْهٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرٌ بِالْفِعْلِ لَا غَيْرُ فَكَانَ النَّسْخُ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ مُؤَدِّيًا إلَى سُقُوطِ الْفَائِدَةِ عَنْ الْأَمْرِ وَإِلَى الْبَدَاءِ وَالْحُجَّةُ لِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ السُّنَّةُ، وَالدَّلِيلُ الْمَعْقُولُ أَمَّا السُّنَّةُ كَمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بِخَمْسِينَ صَلَاةً لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ ثُمَّ نُسِخَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ» وَكَانَ ذَلِكَ نَسْخًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ عَقْدِ الْقَلْبِ عَلَيْهِ فَدَلَّ وُقُوعُهُ عَلَى الْجَوَازِ وَزِيَادَةٍ.

فَإِنْ قِيلَ هَذَا خَبَرٌ غَيْرُ ثَابِتٍ وَالْمُعْتَزِلَةُ يُنْكِرُونَ الْمِعْرَاجَ أَصْلًا وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ يَقُولُونَ لَمْ يُرْوَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ ذِكْرُ نَسْخِ خَمْسِينَ صَلَاةً بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ وَذَلِكَ شَيْءٌ زَادَهُ الْقُصَّاصُ فِيهِ كَمَا زَادُوا غَيْرَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ وَكَانَ الْأَمْرُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى مَا زَعَمْتُمْ لِلْأُمَّةِ لَا لِلنَّبِيِّ عليه السلام خَاصَّةً وَلَمْ يُوجَدْ التَّمَكُّنُ مِنْ الِاعْتِقَادِ لِلْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْعِلْمِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ ثَابِتٌ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي بَيَّنَّا وَمِنْ شَرْطِ قَبُولِ الْخَبَرِ أَنْ لَا يُخَالِفَ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لَهُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فَرْضًا بِطَرِيقِ الْعَزْمِ بَلْ فَوَّضَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ رَسُولِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَإِذَا اخْتَارَ الْخَمْسَ تَقَرَّرَ الْفَرْضُ قُلْنَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَهُوَ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ فَلَا وَجْهَ إلَى إنْكَارِهِ وَأَهْلُ النَّقْلِ وَنَاقِدُوا الْحَدِيثِ كَمَا رَوَوْا أَصْلَ الْمِعْرَاجِ رَوَوْا فَرْضَ خَمْسِينَ صَلَاةً وَنَسْخَهَا بِخَمْسٍ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْأَحَادِيثِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ كَمَا وَجَبَ قَبُولُ أَصْلِ الْمِعْرَاجِ وَلَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ مِنْ زِيَادَاتِ الْقُصَّاصِ قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ وَلَيْسَ إنْكَارُ الْقَدَرِيَّةِ الْمِعْرَاجَ إلَّا كَإِنْكَارِهِمْ خَبَرَ الرُّؤْيَةِ وَالْقَدَرِ وَأَخْبَارِ الشَّفَاعَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالْحَوْضِ وَالْمِيزَانِ وَالْخَبَرُ صَحِيحٌ لَا يُرَدُّ بِطَعْنِ مُخَالَفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كَمَا لَمْ يُرَدَّ خَبَرُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِطَعْنِ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ فِيهِ وَكَمَا لَمْ يُرَدَّ خَبَرُ الرَّجْمِ بِإِنْكَارِ الْخَوَارِجِ الرَّجْمَ وَهُوَ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ.

وَقَوْلُهُمْ لَمْ يُوجَدْ التَّمَكُّنُ مِنْ الِاعْتِقَادِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْأَصْلُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ رحمه الله ظَهَرَ فِي الِانْتِهَاءِ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِالْقَبُولِ

ص: 171

وَلِأَنَّ النَّسْخَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ وُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الْفِعْلِ أَوْ مُدَّةٍ يَصْلُحُ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ جُزْءٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ يَحْتَمِلُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى يَصْلُحُ مَقْصُودًا بِالِابْتِلَاءِ فَكَذَلِكَ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى جِنْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَعَلَى حَقِّيَّتِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مُنْفَصِلًا عَنْ الْفِعْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ ابْتَلَانَا بِمَا هُوَ مُتَشَابِهٌ لَا يَلْزَمُنَا فِيهِ إلَّا اعْتِقَادُ الْحَقِّيَّةِ فِيهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْقَلْبِ يَصْلُحُ أَصْلًا

ــ

[كشف الأسرار]

وَالِاعْتِقَادِ كَانَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دُونَ أُمَّتِهِ، وَإِنَّهُ كَانَ مُبْتَلًى بِالْقَبُولِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ أُمَّتِهِ فَإِنَّهُ عليه السلام يَجُوزُ أَنْ يُبْتَلَى بِأُمَّتِهِ كَمَا يُبْتَلَى بِنَفْسِهِ لِتَوَفُّرِ شَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ كَشَفَقَةِ الْأَبِ عَلَى الْوَلَدِ وَالْأَبُ يُبْتَلَى بِالْوَلَدِ كَمَا يُبْتَلَى بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَرْضًا عَزْمًا كَلَامٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ سَأَلَ التَّخْفِيفَ عَلَى أُمَّتِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَكَانَ مُوسَى عليهما السلام يَحُثُّهُ عَلَى ذَلِكَ وَمَا زَالَ يَسْأَلُ ذَلِكَ وَيُجِيبُهُ رَبُّهُ إلَيْهِ حَتَّى انْتَهَى لِخَمْسٍ فَقِيلَ لَهُ لَوْ سَأَلَتْ التَّخْفِيفَ أَيْضًا فَقَالَ أَنَا أَسْتَحِي فَتَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُفَوَّضًا إلَى اخْتِيَارِهِ بَلْ كَانَ نَسْخًا عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ بِسُؤَالِهِ بَعْدَ الْفَرْضِيَّةِ وَقَدْ تَمَسَّكَ عَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ بِقِصَّةِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام فَإِنَّ الْأَمْرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ قَدْ نُسِخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ بِطَرِيقِ التَّحْوِيلِ إلَى الشَّاةِ كَنَسْخِ التَّوَجُّهِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ النَّسْخَ) بَيَانٌ لِلدَّلِيلِ الْمَعْقُولِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ النَّسْخَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ وُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الْفِعْلِ أَوْ مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ جُزْءٍ مِنْهُ يَعْنِي إذَا أُمِرَ بِالْفِعْلِ مُطْلَقًا بِأَنْ قِيلَ: افْعَلُوا كَذَا فِي مُسْتَقْبَلِ أَعْمَارِكُمْ يَجُوزُ نَسْخُهُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ جُزْءٌ مِمَّا تَنَاوَلَهُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ يَسَعُ أَصْلَ الْفِعْلِ وَلَوْلَا النَّسْخُ لَكَانَ الْأَمْرُ مُتَنَاوِلًا جَمِيعَ الْعُمُرِ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأَمْرَ إذَا وَرَدَ بِفِعْلٍ مِثْلِ أَنْ يُقَالَ صَلُّوا رَكْعَتَيْنِ أَوْ صُومُوا غَدًا فَبَعْدَ أَدَاءِ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ جُزْءٍ مِنْ الصَّوْمِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانٍ يَسَعُ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ يَجُوزُ نَسْخُهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا يُوهِمُ ظَاهِرُ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا بَلْ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى يَصْلُحُ مَقْصُودًا يَعْنِي إنَّمَا صَحَّ النَّسْخُ بَعْدَ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى أَيْ أَدْنَى مَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ اسْمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا بِالِابْتِلَاءِ وَلَا يُؤَدِّي ذَلِكَ النَّسْخُ إلَى الْبَدَاءِ وَالْجَهْلِ بِعَاقِبَةِ الْأَمْرِ فَكَذَا عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى حُسْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَحَقِّيَّتِهِ أَيْ وُجُوبِهِ وَثُبُوتِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا بِالِابْتِلَاءِ مُنْفَصِلًا عَنْ الْفِعْلِ أَيْ بِدُونِ الْفِعْلِ وَكَانَ النَّسْخُ بَعْدَ عَقْدِ الْقَلْبِ عَلَى الْحُكْمِ وَحَقِّيَّتِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ بَيَانًا أَنَّ الْمُرَادَ كَانَ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَاعْتِقَادُ الْفَرْضِيَّةِ فِيهِ دُونَ مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِدْلَالٌ بِجَوَازِ أَصْلِ النَّسْخِ عَلَى جَوَازِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فِيهِ أَنَّ الدَّلِيلَ لَمَّا قَامَ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِهِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُنْسَخَ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ أَوْ بَعْدَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ وَالْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ إذَا حَضَرَ وَقْتُهُ.

وَيَكُونُ الِابْتِلَاءُ بِهَذَا الْقَدْرِ وَهَذَا ابْتِلَاءٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ رَأْسُ الطَّاعَاتِ فَيَجُوزُ أَنْ يَبْتَلِيَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِقَبُولِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ إيمَانًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْبَدَاءُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُورِ بِنَسْخِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ الْفِعْلِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا أَنْ يُؤْمَرَ بِالشَّيْءِ ثُمَّ لَا يَصِلُ إلَى فِعْلِهِ بِعَارِضٍ مِنْ عَجْزٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ مَوْتٍ يَقْطَعُهُ عَنْهُ وَقَدْ يُؤْمَرُ الْمُسْلِمُ بِقَتْلِ الْكَافِرِ فَيَتَوَجَّهُ إلَيْهِ بِسَيْفِهِ ثُمَّ يُقْتَلُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ أَوْ يُصِيبَهُ آفَةٌ تَحُولُ دُونَ قَصْدِهِ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يَصِلَ إلَى فِعْلِهِ بِعَارِضِ النَّسْخِ أَيْضًا يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ قَرَنَ الْبَيَانَ صَرِيحًا بِالْأَمْرِ بِأَنْ قَالَ: افْعَلْ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا إنْ لَمْ أَنْسَخْهُ

ص: 172

وَلِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصِيرُ قُرْبَةً إلَّا بِعَزِيمَةِ الْقَلْبِ وَعَزِيمَةُ الْقَلْبِ قَدْ تَصِيرُ قُرْبَةً بِلَا فِعْلٍ وَالْفِعْلُ فِي احْتِمَالِ السُّقُوطِ فَوْقَ الْعَزِيمَةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا دُونَ الْفِعْلِ أَلَا يَرَى أَنَّ عَيْنَ الْحَسَنِ لَا يَثْبُتُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ افْعَلُوا عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ أَمْرٌ بِعَقْدِ الْقَلْبِ لَا مَحَالَةَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مَقْصُودًا لَازِمًا وَالْآخَرُ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[كشف الأسرار]

عَنْك صَحَّ ذَلِكَ وَاسْتَقَامَ كَمَا لَوْ قَالَ: افْعَلْ فِي وَقْتِ كَذَا إنْ تَمَكَّنْت مِنْهُ وَتَكُونُ الْفَائِدَةُ فِي الْحَالِ هِيَ الْقَبُولَ بِالْقَلْبِ وَاعْتِقَادَ الْحَقِّيَّةِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ بَعْدَ الْأَمْرِ بِطَرِيقِ النَّسْخِ.

قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصِيرُ قُرْبَةً) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى صَلَاحِيَّةِ الِاعْتِقَادِ مَقْصُودًا بِدُونِ الْفِعْلِ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ قَوْلِ الْخَصْمِ أَنَّ الْفِعْلَ هُوَ الْمَقْصُودُ لَا غَيْرُ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصِيرُ قُرْبَةً أَيْ سَبَبَ نَيْلِ الثَّوَابِ إلَّا بِعَزِيمَةِ الْقَلْبِ بِالِاتِّفَاقِ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» .

وَعَزِيمَةُ الْقَلْبِ قَدْ تَصِيرُ قُرْبَةً بِدُونِ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ» الْحَدِيثَ وَالْفِعْلُ فِي احْتِمَالِ السُّقُوطِ فَوْقَ الْعَزِيمَةِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَكَذَا الطَّاعَاتُ الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ مَعَ كَوْنِهَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ عِنْدَ قَوْمٍ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِعَوَارِضَ وَالتَّصْدِيقُ الَّذِي هُوَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ وَلِهَذَا كَانَ تَرْكُ الْعَزِيمَةِ أَيْ تَرْكُ الِاعْتِقَادِ كُفْرًا وَتَرْكُ الْعَمَلِ فِسْقًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ كَانَ الشَّأْنُ كَمَا ذَكَرْنَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْقَلْبِ مَقْصُودًا بِالِابْتِلَاءِ دُونَ الْفِعْلِ لِكَوْنِهِ أَهَمَّ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بَدَاءً أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا قَدْ يَأْمُرُ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ وَمَقْصُودُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُظْهِرَ عِنْدَ النَّاسِ حُسْنَ طَاعَتِهِ وَانْقِيَادِهِ لَهُ ثُمَّ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ حُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ دَلِيلَ الْبَدَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ مِمَّنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْبَدَاءُ فَلَأَنْ لَا يُجْعَلُ النَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ عَزْمِ الْقَلْبِ وَاعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ مُوهِمًا لِلْبَدَاءِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْبَدَاءُ أَوْلَى قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّ غَيْرَ الْحَسَنِ لَا يَثْبُتُ) تَوْضِيحٌ لِصَلَاحِيَّةِ الِاعْتِقَادِ مَقْصُودًا وَجَوَابٌ عَنْ لُزُومِ اجْتِمَاعِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ يَعْنِي لَا يَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْحُسْنِ لِلْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ قَبْلَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ صِفَةٌ لَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلَا بُدَّ لِلنَّسْخِ مِنْ تَحَقُّقِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِيَكُونَ النَّاسِخُ بَيَانًا لِانْتِهَاءِ حُسْنِهِ وَمُثْبِتًا لِقُبْحِ مَا يُتَصَوَّرُ مِنْ أَمْثَالِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ لَمَّا جَازَ النَّسْخُ بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ قَبْلَ حُصُولِ حَقِيقَتِهِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صِحَّتُهُ مَبْنِيَّةً عَلَى كَوْنِ الِاعْتِقَادِ مَقْصُودًا بِالْأَمْرِ كَالْفِعْلِ لِيَصْلُحَ النَّاسِخُ بَيَانًا لِانْتِهَاءِ حُسْنِهِ إذْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِانْتِهَاءِ حُسْنِ الْفِعْلِ لِاسْتِحَالَةِ انْتِهَاءِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلَمَّا جَازَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ بَدَاءٌ وَاجْتِمَاعُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ جَازَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ أَيْضًا لِوُجُودِ هَذَا الْمَعْنَى.

وَقَوْلُهُ وَقَوْلُ الْقَائِلِ كَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ الْفِعْلُ هُوَ الْمَقْصُودُ أَيْ إذَا قَالَ افْعَلُوا عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ يَكُونُ أَمْرًا بِعَقْدِ الْقَلْبِ كَمَا هُوَ أَمْرٌ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ عَقْدِ الْقَلْبِ عَلَى حَقِّيَّةَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ مُوجِبًا لِلْعَقْدِ وَالْفِعْلِ جَمِيعًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْعَقْدُ مَقْصُودًا لَازِمًا لِكَوْنِهِ أَهَمَّ وَالْآخَرُ وَهُوَ الْفِعْلُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفِعْلَ بِعَيْنِهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ الْمَقْصُودُ هُوَ الِابْتِلَاءُ وَلَا يَحْصُلُ الِابْتِلَاءُ إلَّا بِكَوْنِ وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ مِنْ مَوَاجِبِ الْأَمْرِ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهُ لَا يَصِحُّ فِعْلُهُ فَكَانَ هُوَ مَقْصُودًا لَازِمًا بِخِلَافِ أَوَامِرِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا لَيْسَ إلَّا طَلَبُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ

ص: 173