المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ بَيَانِ قِسْمِ) (الِانْقِطَاعِ)وَهُوَ نَوْعَانِ

- ‌ مَا أَرْسَلَهُ الصَّحَابِيُّ

- ‌ إرْسَالُ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ

- ‌[الإنقطاع الظَّاهِرُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ] [

- ‌ إرْسَالُ كُلِّ عَدْلٍ

- ‌ الِاتِّصَالَ بِالِانْقِطَاعِ

- ‌[الِانْقِطَاعُ الْبَاطِلُ]

- ‌ الْحَادِثَةَ إذَا اُشْتُهِرَتْ وَخَفِيَ الْحَدِيثُ

- ‌[الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلِفُوا فِي حَادِثَةٍ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يُحَاجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ]

- ‌ خَبَرُ الْمَسْتُورِ

- ‌[الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ]

- ‌ خَبَرِ الْفَاسِقِ

- ‌[خَبَر الْكَافِرِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ إذَا عَقَلَا مَا يَقُولَانِ]

- ‌[خَبَر صَاحِبُ الْهَوَى]

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ)

- ‌[بَابُ بَيَانِ الْخَبَرُ]

- ‌ بَابُ الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ)

- ‌بَابُ شَرْطِ نَقْلِ الْمُتُونِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى)

- ‌(بَابُ مَا يَلْحَقُهُ النَّكِيرُ مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي)

- ‌(بَابُ الطَّعْنِ يَلْحَقُ الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ رَاوِيهِ)

- ‌‌‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ آيَتَيْنِ

- ‌[كَيْفِيَّةَ الْمَخْلَصِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[تعارض الْجُرْح وَالتَّعْدِيل]

- ‌(بَابُ الْبَيَانِ)

- ‌[أَوْجُه الْبَيَانُ]

- ‌[بَيَانُ التَّقْرِير]

- ‌ بَيَانُ التَّفْسِيرِ

- ‌[تَخْصِيصِ الْعَامِّ]

- ‌(بَابُ بَيَانِ التَّغْيِيرِ)

- ‌[أَنْوَاع بَيَانِ التَّغْيِيرِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ الضَّرُورَةِ}

- ‌[أَوْجُهٍ بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[تَفْسِيرِ النَّسْخِ]

- ‌النَّسْخُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحِلِّ النَّسْخِ)

- ‌[أَقْسَام مَالَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ شُرُوطِ النَّسْخ]

- ‌{بَابُ تَقْسِيمِ النَّاسِخِ}

- ‌[النَّسْخُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ]

- ‌نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ

- ‌(بَابُ تَفْصِيلِ) (الْمَنْسُوخِ)

- ‌[أَنْوَاعٌ الْمَنْسُوخُ]

- ‌[الْفُرْق بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ]

- ‌(بَابُ أَفْعَالِ النَّبِيِّ)

- ‌[أَقْسَام أَفْعَالِ النَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السُّنَّةِ)فِي حَقِّ النَّبِيِّ

- ‌[أَنْوَاع الوحى]

- ‌[جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا)

- ‌ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ

- ‌[بَابُ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ]

- ‌[تَقْلِيد التَّابِعِينَ]

- ‌(بَابُ الْإِجْمَاعِ)

- ‌[أَرْكَان الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ أَهْلِيَّةِ الْإِجْمَاع]

- ‌بَابُ شُرُوطِ) (الْإِجْمَاعِ) :

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ وَمَحِلّه]

- ‌[إنْكَار الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ بَيَانِ سَبَب الْإِجْمَاعُ]

- ‌(بَابُ الْقِيَاسِ)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ الْقِيَاسِ]

- ‌[ثُبُوت الْقِيَاس وَأَنْوَاعه]

- ‌(فَصْلٌ فِي تَعْلِيلِ الْأُصُولِ)

- ‌بَابٌ شُرُوطُ الْقِيَاسِ) :

- ‌[بَابُ رُكْنُ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَا يصلح دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّة]

- ‌[بَابُ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ]

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْعِلَّةِ) :

- ‌[جُمْلَةَ مَا يُعَلَّلُ لَهُ]

الفصل: ‌نسخ السنة بالسنة

وَ‌

‌نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ

مِثْلُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ وَكُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ أَنْ تُمْسِكُوهَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَمْسِكُوهَا مَا بَدَا لَكُمْ وَكُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ النَّبِيذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ، فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ» وَنَسْخُ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِثْلُهُ جَائِزٌ أَيْضًا.

ــ

[كشف الأسرار]

[نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ]

أَيْضًا قَوْلُهُ (وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ) كَذَا لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ رحمه الله أَمْثِلَةَ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ كَمَا ذَكَرَهَا غَيْرُهُ لِظُهُورِهَا وَكَثْرَتِهَا مِثْلَ نَسْخِ آيَاتِ الْمُسَالَمَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ آيَةٍ بِآيَاتِ الْقِتَالِ وَنَسْخِ وُجُوبِ ثَبَاتِ الْوَاحِدِ لِلْعَشْرَةِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] بِوُجُوبِ ثَبَاتِهِ لِلِاثْنَيْنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] الْآيَةَ وَهَذَا النَّصُّ، وَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُ طَرِيقَ الْخَبَرِ لَكِنَّهُ أَمْرٌ فِي الْحَقِيقَةِ رُوِيَ عَنْ بَرِيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنِّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ الثَّلَاثِ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا وَعَنْ لَحْمِ الْأَضَاحِيِّ أَنْ تُمْسِكُوهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَمْسِكُوهُ مَا بَدَا لَكُمْ وَتَزَوَّدُوا، فَإِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِيَتَّسِعَ بِهِ مُوسِرُكُمْ عَلَى مُعْسِرِكُمْ وَعَنْ النَّبِيذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ، فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ «وَعَنْ الشُّرْبِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ فَاشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» فَهَذَا نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسَّنَةِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ النَّهْيِ بِالْإِذْنِ ثُمَّ قِيلَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ الزِّيَارَةِ هُوَ النَّهْيُ عَنْ زِيَارَةِ قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُمْ مَا مُنِعُوا عَنْ زِيَارَةِ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ قَطُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ وَكَانَتْ مُشْرِكَةً وَرُوِيَ أَنَّهُ زَارَ قَبْرَهَا فِي أَرْبَعِمِائَةِ فَارِسٍ فَوَقَفُوا بِالْبُعْدِ وَدَنَا هُوَ مِنْ قَبْرِهَا فَبَكَى حَتَّى سُمِعَ نَشِيجُهُ.

وَقِيلَ إنَّمَا نُهُوا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا كَانَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْدُبُونَ الْمَوْتَى عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَرُبَّمَا يَتَكَلَّمُونَ بِمَا هُوَ كَذِبٌ أَوْ مُحَالٌ وَلِهَذَا قَالَ: وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا أَيْ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ فَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ كَانَ هُوَ التَّكَلُّمَ بِاللَّغْوِ عِنْدَ الْقُبُورِ وَذَلِكَ مَوْضِعٌ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَّعِظَ بِهِ وَيَتَأَمَّلَ فِي حَالِ نَفْسِهِ وَهَذَا قَائِمٌ لَمْ يَنْتَسِخْ إلَّا أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ نَهَاهُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِتَحْقِيقِ الزَّجْرِ عَنْ الْهُجْرِ مِنْ الْكَلَامِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فِي الزِّيَارَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقُولُوا هُجْرًا وَقِيلَ الْإِذْنُ ثَبَتَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَالنِّسَاءُ يُمْنَعْنَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَقَابِرِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها خَرَجَتْ فِي تَعْزِيَةٍ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا رَجَعَتْ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّك أَتَيْت الْمَقَابِرَ قَالَتْ لَا قَالَ لَوْ أَتَيْت مَا فَارَقْت جَدَّك يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ كُنْت مَعَهُ فِي النَّارِ» وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَزُورُ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ وَقْتٍ وَأَنَّهَا لَمَّا خَرَجَتْ حَاجَّةً زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَنْشَدَتْ عِنْدَ الْقَبْرِ قَوْلَ الْقَائِلِ:

وَكُنَّا كَنَدْمَى فِي حَزِيمَةِ حِقْبَةٍ

مِنْ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ تَتَصَدَّعَا

فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا

لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعًا

وَالنَّهْيُ عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ لِلضِّيقِ وَالشِّدَّةِ فَنَهَاهُمْ عَنْ الْإِمْسَاكِ لِيَتَّسِعَ تَوَسُّعُهُمْ عَلَى مُعْسِرِهِمْ وَلَمَّا عُدِمَ ذَلِكَ الضِّيقُ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْإِمْسَاكِ.

فَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الشُّرْبِ فِي الْأَوَانِي الْمُغْتَلِمَةِ فَقَدْ كَانَ تَحْقِيقًا لِلزَّجْرِ عَنْ شُرْبِ الْمُسْكِرِ الْحَرَامِ فَقَدْ كَانُوا أَلِفُوا شُرْبَهَا وَقَدْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الِانْزِجَارُ عَنْ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ وَلِهَذَا أَمَرَ بِكَسْرِ الدِّنَانِ وَشَقِّ الزَّوَايَا وَلَمَّا حَصَلَ الِانْزِجَارُ أَذِنَ لَهُمْ فِي الشُّرْبِ فِي الْأَوَانِي وَبَيَّنَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ شُرْبُ الْمُسْكِرِ وَأَنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ كَذَا

ص: 186

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ النَّاسِخِ أَشُقَّ مِنْ حُكْمِ الْمَنْسُوخِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى نَسَخَ التَّخْيِيرَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ بِعَزِيمَةِ الصِّيَامِ وَنَسَخَ الصَّفْحَ وَالْعَفْوَ عَنْ الْكُفَّارِ بِقِتَالِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فَقَالَ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] ثُمَّ نَسَخَهُ بِقِتَالِهِمْ كَافَّةً بِقَوْلِهِ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وَالنَّاسِخُ أَشُقُّ هَهُنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَخَفَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَرَافِقِ الْعِبَادِ وَفِي الْأَشَقِّ فَضْلُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[كشف الأسرار]

فِي أَشْرِبَةِ الْمَبْسُوطِ عَنْ النَّبِيذِ أَيْ عَنْ أَخْذِ النَّبِيذِ أَوْ شُرْبِ النَّبِيذِ وَالنَّبِيذُ التَّمْرُ يُنْبَذُ فِي جَرَّةِ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهَا أَيْ يُلْقَى فِيهَا حَتَّى يَغْلِيَ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالدُّبَّاءُ الْقَرْعُ وَالْحَنْتَمُ جِرَارٌ حُمْرٌ وَقِيلَ خُضْرٌ تُحْمَلُ فِيهِ الْخَمْرُ إلَى الْمَدِينَةِ الْوَاحِدُ حَنْتَمَةٌ وَالنَّقِيرُ الْخَشَبَةُ الْمُقَوَّرَةُ وَالْمُزَفَّتُ الْوِعَاءُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ وَهُوَ الْقَارُ وَهَذِهِ أَوْعِيَةٌ ضَارِيَةٌ تُسْرِعُ بِالشِّدَّةِ فِي الشَّرَابِ وَتُحْدِثُ فِيهِ التَّغَيُّرَ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ صَاحِبُهُ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ مِنْ شُرْبِ الْمُحَرَّمِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ النَّاسِخِ أَشُقُّ مِنْ حُكْمِ الْمَنْسُوخِ) اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ بِبَدَلٍ أَخَفَّ كَنَسْخِ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ فِي لَيَالِيِ رَمَضَانَ بِحِلِّهِ وَبِبَدَلٍ مُمَاثِلٍ كَنَسْخِ وُجُوبِ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ فِي جَوَازِ النَّسْخِ إلَى بَدَلٍ أَثْقَلَ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى جَوَازِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد إلَى امْتِنَاعِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ أَثْبَتَهَا وَأُخْرَى نَسَخَهَا رَحْمَةً وَتَخْفِيفًا لِعِبَادِهِ فَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إلَى وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي النَّسْخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ النَّاسِخَ أَخَفُّ مِنْ الْمَنْسُوخِ وَكَانَ لَا يُجَوِّزُ نَسْخَ الْأَخَفِّ بِالْأَثْقَلِ تَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] أَخْبَرَ أَنَّ النَّاسِخَ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلُهُ.

وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِيَّةِ أَوْ الْمِثْلِيَّةِ هُوَ الْخَيْرِيَّةُ أَوْ الْمِثْلِيَّةُ فِي حَقِّنَا وَإِلَّا فَالْقُرْآنُ خَيْرٌ كُلُّهُ مِنْ غَيْرِ تَفَاضُلٍ فِيهِ وَالْأَشَقُّ لَيْسَ بِخَيْرٍ وَلَا مِثْلٍ فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] ، فَإِنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى إرَادَةِ الْيُسْرِ وَالتَّخْفِيفِ وَالنَّقْلِ إلَى الْأَشَقِّ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْعُسْرِ وَالتَّثْقِيلِ فَيَكُونُ خِلَافَ النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ وَبِأَنَّ النَّقْلَ إلَى الْأَشَقِّ أَبْعَدُ فِي الْمَصْلَحَةِ لِكَوْنِهِ إضْرَارًا فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا الْتَزَمُوا الْمَشَقَّةَ الزَّائِدَةَ.

وَإِنْ تَرَكُوا تَضَرَّرُوا بِالْعُقُوبَةِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ الشَّارِعِ وَرَأْفَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَتَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ عَلَى الْجَوَازِ أَمَّا دَلَالَةُ الْعَقْلِ فَلِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْمُكَلَّفِ قَدْ تَكُونُ فِي التَّرَقِّي مِنْ الْأَخَفِّ إلَى الْأَثْقَلِ كَمَا يَكُونُ فِي ابْتِدَاءِ التَّكْلِيفِ وَرَفْعِ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ كَمَا يَكُونُ فِي النَّقْلِ مِنْ الْأَثْقَلِ إلَى الْأَخَفِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّبِيبَ يَنْقُلُ الْمَرِيضَ مِنْ الْغِذَاءِ إلَى الدَّوَاءِ تَارَةً وَمِنْ الدَّوَاءِ إلَى الْغِذَاءِ أُخْرَى بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ فِيهِ وَأَمَّا دَلَالَةُ الشَّرْعِ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِدْيَةِ عَنْهُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ وَمُعَاذٌ رضي الله عنهم ذَلِكَ فَعَزِيمَةُ الصِّيَامِ أَيْ بِالصَّوْمِ حَتْمًا بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّوْمَ حَتْمًا أَشُقُّ مِنْ التَّخْيِيرِ وَنَسَخَ الصَّفْحَ وَالْعَفْوَ عَنْ الْكُفَّارِ الثَّابِتِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: 13] بِآيَاتِ الْقِتَالِ وَنَسَخَ الْحَبْسَ وَالْإِيذَاءَ بِاللِّسَانِ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَنَسَخَ إبَاحَةَ الْخَمْرِ وَنِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ بِتَحْرِيمِهَا وَنَسَخَ صَوْمَ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَكَوْنَ الْحَجِّ مَنْدُوبًا بِكَوْنِهِ فَرْضًا وَإِبَاحَةَ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْخَوْفِ بِوُجُوبِ أَدَائِهَا فِي أَثْنَاءِ الْقِتَالِ وَكُلُّ ذَلِكَ نَسْخٌ بِالْأَشَقِّ وَالْأَثْقَلِ وَأَمَّا تَمَسُّكُهُمْ بِالْآيَةِ

ص: 187