الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَمِلَا بِهِ عَلَى أَنَّ اسْمَ التَّمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الرُّطَبَ فِي الْعَادَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ.
، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَلِأَنَّ
الْحَادِثَةَ إذَا اُشْتُهِرَتْ وَخَفِيَ الْحَدِيثُ
كَانَ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى السَّهْوِ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ إذَا اُشْتُهِرَتْ اسْتَحَالَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْحَادِثَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَيْفَ اشْتَهَرَ فِي الْحَلِفِ فَإِذَا شَذَّ الْحَدِيثُ مَعَ اشْتِهَارِ الْحَادِثَةِ كَانَ ذَلِكَ زِيَافَةً وَانْقِطَاعًا
ــ
[كشف الأسرار]
عِنْدَ صَيْرُورَتِهِ تَمْرًا كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ لَيْسَتْ عَيْنَ الْحِنْطَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِفَوَاتِ وَصْفِ الْإِثْبَاتِ عَنْهَا بِالْمَقْلِيِّ وَلَيْسَتْ غَيْرَهَا أَيْضًا لِوُجُودِ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ فِيهَا، وَكَذَا الْحِنْطَةُ مَعَ الدَّقِيقِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا.
قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ) أَيْ لَكِنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا عَمِلَا بِهِ أَيْ بِحَدِيثِ سَعْدٍ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّهُمَا وَافَقَا أَبَا حَنِيفَةَ رحمهم الله فِي أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُرَدُّ بِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْهُورَ ثُمَّ إنَّهُمَا عَمِلَا بِحَدِيثِ سَعْدٍ مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ الْمَشْهُورَ فَقَالَ: إنَّهُمَا إنَّمَا عَمِلَا بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُسَلِّمَا مُخَالَفَتَهُ لِلْمَشْهُورِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ تَنَاوَلَ التَّمْرَ وَالرُّطَبُ لَيْسَ بِتَمْرٍ عَادَةً أَيْ عُرْفًا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَمْرًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْمَشْهُورُ مُتَنَاوِلًا لِمَا تَضَمَّنَهُ حَدِيثُ سَعْدٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الرُّطَبَ مِنْ جِنْسِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَا لَكِنَّ الْيَمِينَ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّاعِي مَعَ قِيَامِ الْجِنْسِيَّةِ وَالرُّطُوبَةُ فِي الرُّطَبِ وَصْفٌ دَاعٍ إلَى الْمَنْعِ مَرَّةً وَإِلَى الْإِقْدَامِ أُخْرَى فَيَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِالْوَصْفِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَعَبْدِي حُرٌّ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُوهُ إلَى الْمَنْعِ عَنْ الْخُرُوجِ وَالْخُرُوجُ فِي الْأَحْوَالِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَكِنْ لَمَّا اخْتَلَفَ الدَّاعِي اخْتَلَفَتْ الْيَمِينُ كَذَا هَاهُنَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ وَهُوَ تَمْرٌ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَمَا انْعَقَدَتْ كَمَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عِنَبٌ، إلَيْهِ أُشِيرَ فِي مُخْتَلِفَاتِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله بَعْدَ بَيَانِ الْقِسْمَيْنِ فَفِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الِانْتِقَادِ لِلْحَدِيثِ عِلْمٌ كَثِيرٌ وَصِيَانَةٌ لِلدِّينِ بَلِيغَةٌ؛ فَإِنَّ أَصْلَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ إنَّمَا ظَهَرَ مِنْ قِبَلِ تَرْكِ عَرْضِ أَخْبَارِ الْآحَادِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ قَوْمًا جَعَلُوهَا أَصْلًا مَعَ الشُّبْهَةِ فِي اتِّصَالِهَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ ثُمَّ تَأَوَّلُوا عَلَيْهَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ فَجَعَلُوا التَّبَعَ مَتْبُوعًا وَجَعَلُوا الْأَسَاسَ مَا هُوَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ فَوَقَعُوا فِي الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَنْكَرَ خَبَرَ الْوَاحِدِ؛ فَإِنَّهُ كَمَا لَمَّا لَمْ يُجَوِّزْ الْعَمَلَ بِهِ احْتَاجَ إلَى الْقِيَاسِ لِيَعْمَلَ بِهِ وَفِيهِ أَنْوَاعٌ مِنْ الشُّبْهَةِ أَوْ إلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِالْحُجَّةِ إلَى مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَكُونُ فَتْحًا لِبَاب الْإِلْحَادِ وَجَعْلُ مَا هُوَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ أَصْلًا، ثُمَّ يَخْرُجُ مَا فِيهِ التَّيَقُّنُ عَلَيْهِ يَكُونُ فَتْحًا لِبَابِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْدُودٌ وَإِنَّمَا سَوَاءُ السَّبِيلِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا رحمهم الله مِنْ إنْزَالِ كُلِّ حُجَّةٍ مَنْزِلَتَهَا؛ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ أَصْلًا ثُمَّ خَرَّجُوا عَلَيْهَا مَا فِيهِ بَعْضُ الشُّبْهَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ بِطَرِيقِ الْآحَادِ مِمَّا كَانَ مِنْهُ مُوَافِقًا لِلْكِتَابِ أَوْ الْمَشْهُورِ قَبِلُوهُ وَأَوْجَبُوا الْعَمَلَ بِهِ وَمَا كَانَ مُخَالِفًا لَهُمَا رَدُّوهُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْجَبُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْغَرِيبِ بِخِلَافِهِ وَمَا لَمْ يَجِدُوهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ صَارُوا حِينَئِذٍ إلَى الْقِيَاسِ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
[الْحَادِثَةَ إذَا اُشْتُهِرَتْ وَخَفِيَ الْحَدِيثُ]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ) فَكَذَا خَبَرُ الْوَاحِدِ إذَا وَرَدَ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ فِيمَا يَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَيْ فِيمَا يَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ، وَعِنْدَ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ يُقْبَلُ إذَا صَحَّ سَنَدُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ تَمَسَّكَ مَنْ قَبِلَهُ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم -
وَذَلِكَ مِثْلُ حَدِيثِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ وَمِثْلُ حَدِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
ــ
[كشف الأسرار]
فَإِنَّهُمْ عَمِلُوا بِهِ فِيمَا يَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى مِثْلَ مَا رُوِيَ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى رَوَى لَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَانْتَهَيْنَا» وَمِثْلُ رُجُوعِهِمْ إلَى خَبَرِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَبِأَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ فِي هَذَا الْبَابِ يُفِيدُ ظَنَّ الصِّدْقِ فَيَجِبُ قَبُولُهُ كَمَا إذَا لَمْ يَعُمَّ بِهِ الْبَلْوَى، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ يُقْبَلُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَأَنْ يُقْبَلَ فِيهِ الْخَبَرُ كَانَ أَوْلَى، وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي اسْتِفَاضَةَ نَقْلِ مَا يَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَسِّ الذَّكَرِ لَوْ كَانَ مِمَّا يُنْتَقَضُ بِهِ الطَّهَارَةُ لَأَشَاعَهُ النَّبِيُّ عليه السلام وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مُخَاطَبَةِ الْآحَادِ بَلْ يُلْقِيهِ إلَى عَدَدٍ يَحْصُلُ بِهِ التَّوَاتُرُ أَوْ الشُّهْرَةُ مُبَالَغَةً فِي إشَاعَتِهِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ كَثِيرٍ مِنْ الْأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ، وَلِهَذَا تَوَاتَرَ نَقْلُ الْقُرْآنِ وَاشْتَهَرَ أَخْبَارُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا وَلَمَّا لَمْ يَشْتَهِرْ عَلِمْنَا أَنَّهُ سَهْوٌ أَوْ مَنْسُوخٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمَّا قَبِلُوهُ اشْتَهَرَ فِيهِمْ فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا فِي الْمُتَقَدِّمِينَ لَاشْتَهَرَ أَيْضًا وَلَمَا تَفَرَّدَ الْوَاحِدُ بِنَقْلِهِ مَعَ حَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَلِهَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ تَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ إنْفَاقِ مَالٍ عَظِيمٍ عَلَى الْيَتِيمِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ بِنَقْلِ قَتْلِ مَلِكٍ فِي السُّوقِ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ يَبْعُدُ أَنْ لَا يَسْتَفِيضَ مِثْلُهُ، فَكَذَا هَذَا يُوَضِّحُهُ أَنَّا لَمْ نَقْبَلْ قَوْلَ الرَّافِضَةِ فِي دَعْوَاهُمْ النَّصَّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْإِمَامَةِ مِمَّا يَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لِحَاجَةِ الْجَمِيعِ إلَيْهِ فَلَوْ كَانَ النَّصُّ ثَابِتًا لَنُقِلَ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا وَحِينَ لَمْ يُنْقَلْ دَلَّ أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ.
وَلَكِنَّ الْمُخَالِفِينَ يَقُولُونَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عُمُومِ الْبَلْوَى اشْتِهَارُ حُكْمِهَا؛ فَإِنَّ حُكْمَ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتِهَا وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَتَرْكِهَا وَالْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ وَإِخْفَائِهَا وَعَامَّةِ تَفَاصِيلِ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْتَهِرْ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْحَوَادِثَ عَامَّةٌ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم بِإِشَاعَةِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَلْ كَلَّفَهُ بِإِشَاعَةِ الْبَعْضِ وَجَوَّزَ لَهُ رَدَّ الْخَلْقِ إلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْبَعْضِ كَمَا جَوَّزَ لَهُ رَدَّهُمْ إلَى الْقِيَاسِ فِي قَاعِدَةِ الرِّبَا مَعَ أَنَّهُ يَسْهُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: لَا تَبِيعُوا الْمَطْعُومَ بِالْمَطْعُومِ أَوْ الْمَكِيلَ بِالْمَكِيلِ حَتَّى يُسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِنْبَاطِ عَنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا يَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ جُمْلَةِ مَا يَقْتَضِي مَصْلَحَةُ الْخَلْقِ أَنْ يَرِدُوا فِيهِ إلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ صِدْقُ الرَّاوِي مُمْكِنًا فَيَجِبُ تَصْدِيقُهُ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا عَمَّ بِهِ الْبَلْوَى اشْتِهَارُ حُكْمِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ وَلَكِنَّهُ قَدْ لَا يَشْتَهِرُ أَيْضًا إمَّا لِتَرْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّقَلَةِ الرِّوَايَةَ اعْتِمَادًا عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لِعَارِضٍ آخَرَ مِنْ مَوْتِ عَامَّتِهِمْ فِي حَرْبٍ أَوْ وَبَاءٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا نُقِلَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ رحمه الله لَمَّا جَمَعَ الصَّحِيحَ سَمِعَهُ مِنْهُ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ وَلَمْ يَثِقْ عِنْدَ الرِّوَايَةِ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ الْفَرَبْرِيُّ لَكِنَّ الْعَوَارِضَ لَا تُعْتَبَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَقَوْلُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَذَا لَا يَقْدَحُ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّا لَمْ نَدَّعِ الِاشْتِهَارَ عِنْدَ عُمُومِ الْبَلْوَى قَطْعًا بَلْ ادَّعَيْنَاهُ ظَاهِرًا، وَكَذَا الصَّحَابَةُ إنَّمَا عَمِلُوا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ