الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا
الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ
فَمِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ غَسْلَ الْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الْغَايَاتِ مَا يَدْخُلُ وَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُ فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ وَهَذَا عَمَلٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ وَلِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذَا مِنْ أَيِّ الْقِسْمَيْنِ؟ فَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي فَقَدْ جَهِلَ وَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَزِمَهُ التَّأَمُّلُ وَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ.
ــ
[كشف الأسرار]
رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ السَّابِقَةِ فَقَدْ تَوَافَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ.
وَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ فِي مُؤَاخَذَةِ الْمُشْتَرِي بِهِ بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُفَادَاةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَمَّا عَرَفَ أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مَالُ فِدَاءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَفِدَاءٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ نَظَرًا فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهِ لِيَمْلِكَهُ بَلْ لِيُخَلِّصَهُ عَنْ الرِّقِّ فَأَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَيُبْنَى عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إنْ قُلْنَا هُوَ فِدَاءٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ بَيْعٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، أَوْ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ.
[الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ) فَكَذَا الِاسْتِدْلَال بِتَعَارُضِ الِاشْتِبَاهِ، وَهُوَ إبْقَاءُ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ احْتِجَاجٌ بِلَا دَلِيلٍ وَذَلِكَ مِثْلُ زُفَرَ فِي غَسْلِ الْمَرَافِقِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمَرَافِقَ غَايَةً لِغَسْلِ الْأَيْدِي بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَمِنْ الْغَايَاتِ مَا يَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1] فَإِنَّ الْمَسْجِدَ دَاخِلٌ فِي الْإِسْرَاءِ وَكَمَا فِي قَوْلِهِ عليه السلام «لَيْسَ فِيمَا زَادٌ عَلَى الْخُمُسِ شَيْءٌ إلَى التُّسْعِ» وَكَمَا يُقَالُ حَفِظْت الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَقَوْلُهُ عز وجل {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] .
وَلِهَذِهِ الْغَايَةِ شَبَهٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْغَايَةِ عَلَيْهَا فَلِشَبَهِهَا بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا وَيَجِبُ الْغُسْلُ وَلِشَبَهِهَا بِالْقِسْمِ الثَّانِي لَا يَجِبُ وَلَيْسَ أَحَدُ الشَّبَهَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ وَاجِبًا فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَهَذَا أَيْ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَمَلٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لِأَنَّ مَا ادَّعَى مِنْ ثُبُوتِ الشَّكِّ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَإِنْ قَالَ دَلِيلُهُ تَعَارُضُ الْأَشْبَاهِ قُلْنَا إنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ أَيْضًا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَإِنْ قَالَ دَلِيلُهُ دُخُولُ بَعْضِ الْغَايَاتِ فِي الْمُغَيَّا وَعَدَمُ دُخُولِ بَعْضِهَا فِيهِ كَمَا بَيَّنَّا فَحِينَئِذٍ نَقُولُ لَهُ: أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مِنْ أَيِّ الْقِسْمَيْنِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: أَعْلَمُ ذَلِكَ قُلْنَا إذًا لَا يَكُونُ فِيهِ شَكٌّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مَعَ الشَّكِّ لَا يَجْتَمِعَانِ لِتَنَافِيهِمَا بَلْ يَلْحَقُ بِمَا هُوَ مِنْ نَوْعِهِ بِدَلِيلِهِ وَإِنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْجَهْلِ وَأَنَّهُ لَا دَلِيلَ مَعَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُمْكِنُ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ الطَّلَبِ كَانَ مَعْذُورًا فِي الْوُقُوفِ لَكِنَّ عُذْرَهُ لَا يَصِيرُ حُجَّةً لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عِنْدَهُ دَلِيلُ إلْحَاقِهِ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حَاصِلَهُ احْتِجَاجٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْأَشْبَاهَ مُتَعَارِضَةٌ وَأَنَّ تَعَارُضَهَا يُحْدِثُ الشَّكَّ لَكِنَّ أَثَرَ الشَّكِّ فِي التَّوَقُّفِ وَتَرْكَ الْمَيْلِ إلَى أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَقُلْ دَلِيلُ التَّرْجِيحِ لِأَحَدِهِمَا.
أَمَّا الْحُكْمُ بِنَفْيِ وُجُوبِ الْغُسْلِ فَلَا هَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّقْوِيمِ وَالْمِيزَانِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَذْكُرْ بَعْضَ الْمُقَدِّمَاتِ وَجَعَلَ الِاسْتِفْسَارَ دَلِيلًا آخَرَ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشَّكَّ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ لَمْ يُوجَدْ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ، وَأَنَّ دَلِيلَهُ انْقِسَامُ الْغَايَاتِ إلَى قِسْمَيْنِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ مِنْ الْغَايَاتِ مَا يَدْخُلُ وَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُ فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ يُقَالُ لَهُ الْقَلَمُ إلَى آخِرِهِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فِي قَوْلِهِ الشَّكُّ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ أَنَّ كُلَّ حَادِثٍ يَفْتَقِرُ
وَأَمَّا الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ إلَّا بِوَصْفٍ يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ فَبَاطِلٌ مِثْلُ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسِّ الذَّكَرِ إنَّهُ حَدَثٌ لِأَنَّهُ مَسُّ الْفَرْجِ فَكَانَ حَدَثًا كَمَا إذَا مَسَّهُ، وَهُوَ يَبُولُ وَلَيْسَ هَذَا بِتَعْلِيلٍ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَلَا رُجُوعًا إلَى أَصْلٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ هَذَا مُكَاتَبٌ فَلَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ كَمَا إذَا أَدَّى بَعْضَ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ بَعْضَ الْبَدَلِ عِوَضٌ مَانِعٌ عِنْدَنَا فَلَا يَبْقَى إلَّا الدَّعْوَى.
وَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ مُخْتَلِفًا فَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ مَلَكَ أَخَاهُ أَنَّهُ شَخْصٌ يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ فَلَا يُعْتَقُ فِي الْمِلْكِ كَابْنِ الْعَمِّ وَقَوْلُهُمْ فِي الْكِتَابَةِ الْحَالَّةِ إنَّهُ عَقْدُ كِتَابَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّكْفِيرِ فَكَانَ فَاسِدًا كَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ وَهَذَا فِي نِهَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَلَا يَبْقَى وَصْفٌ أَصْلًا.
ــ
[كشف الأسرار]
إلَى السَّبَبِ وَمَا قَالَهُ زُفَرُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلشَّكِّ؛ لِأَنَّ مَا دَخَلَ مِنْ الْغَايَاتِ فِي الْمُغَيَّا دَخَلَ بِدَلِيلٍ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ لَمْ يَدْخُلْ بِدَلِيلٍ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَعَارُضًا فِي الْمُرْفَقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ دَلِيلُ الدُّخُولِ وَعَدَمُ الدُّخُولِ فِي نَفْسِ الْمُرْفَقِ وَمِنْ شَرْطِ التَّعَارُضِ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ فَلَا يَكُونُ الدُّخُولُ فِي مَحَلٍّ وَعَدَمُ الدُّخُولِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ تَعَارُضًا فِيهِ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلشَّكِّ بِخِلَافِ سُؤْرِ الْحِمَارِ لِأَنَّ التَّعَارُضَ فِي الدَّلِيلَيْنِ ثَبَتَ فِي نَفْسِ السُّؤْرِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ نَجَاسَتَهُ وَالْآخَرُ يُوجِبُ طَهَارَتَهُ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلشَّكِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ كَذَلِكَ هَاهُنَا.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ أَيْ الِاحْتِجَاجُ) بِالْوَصْفِ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ بَلْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ وَصْفٌ آخَرُ يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ مِثْلُ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِمَّنْ لَمْ يَشَمَّ رَائِحَةَ الْفِقْهِ فِي مَسْأَلَةِ مَسِّ الذَّكَرِ: إنَّهُ حَدَثٌ؛ لِأَنَّهُ مَسُّ الْفَرْجَ فَكَانَ حَدَثًا كَمَا إذَا مَسَّهُ، وَهُوَ يَبُولُ فَهَذَا الْقِيَاسُ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا بِزِيَادَةِ وَصْفٍ فِي الْأَصْلِ بِهِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ وَبِهِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَسَّ الْفَرْجَ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَوْلِ وَمَعْمُولُهُ وَهَذَا أَيْ التَّعْلِيلُ بِمِثْلِ هَذَا الْوَصْفِ لَيْسَ بِتَعْلِيلٍ لَا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مُوَافَقَةِ تَعْلِيلَاتِ السَّلَفِ وَلَا بَاطِنًا لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِمَسِّ الْفَرْجِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ لَا أُبَالِي أَمَسِسْت ذَكَرِي أَمْ أَنْفِي.
وَقِيلَ لَا ظَاهِرًا أَيْ لَا قِيَاسًا جَلِيًّا وَلَا بَاطِنًا أَيْ لَا قِيَاسًا خَفِيًّا يَعْنِي لَيْسَ هَذَا بِقِيَاسٍ وَلَا اسْتِحْسَانٍ وَلَا رُجُوعًا إلَى أَصْلٍ أَيْ مَقِيسٍ عَلَيْهِ يَعْنِي هَذَا قِيَاسٌ بِلَا مَقِيسٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ مَسَّ الذَّكَرِ مَقِيسًا وَجَعَلَ مَسَّهُ مَعَ وَصْفٍ آخَرَ مَقِيسًا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْفَرْقَ بِهَذَا الْوَصْفِ يَقَعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِلِانْتِقَاضِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ لَمْ يُعْتَبَرْ انْضِمَامُهُ إلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قِيَاسُ مَسِّ الذَّكَرِ عَلَى مَسِّ الذَّكَرِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْأَصْلِ الَّذِي يُلْحِقُ الْفَرْعَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ أَيْ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي مَسِّ الذَّكَرِ قَوْلُهُمْ فِي عَدَمِ جَوَازِ إعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ كِتَابَتِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ هَذَا مُكَاتَبٌ فَلَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ كَمَا لَوْ أَدَّى بَعْضَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ بِهَذَا الْوَصْفِ، وَهُوَ أَدَاءُ بَعْضِ الْبَدَلِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الْبَدَلِ يَكُونُ عِوَضًا، وَالْعِوَضُ فِي الْإِعْتَاقِ مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ التَّكْفِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَانِعُ فِي الْفَرْعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِتَحْرِيرِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ وَهُوَ دَعْوًى بِلَا دَلِيلٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ مُخْتَلِفًا) أَيْ الِاحْتِجَاجُ بِالْوَصْفِ الَّذِي يَكُونُ مُخْتَلِفًا فِيهِ فَكَذَلِكَ إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْقَرَابَةُ قَرَابَةَ وِلَادٍ أَوَلَمْ تَكُنْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي بَنِي الْأَعْمَامِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْوِلَادِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ وَيَثْبُتُ فِي الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ وَتَثْبُتُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ وَلَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْوِلَادِ، ثُمَّ إنَّهُ إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْأَبِ وَالِابْنِ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ يَصِحُّ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ التَّكَفُّرُ بِهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا عَلَّلَ فِي أَنَّ الْأَخَ لَا يَعْتِقُ عَلَى أَخِيهِ بِالْمِلْكِ بِأَنَّهُ شَخْصٌ يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ فَلَا يَعْتِقُ بِالْمِلْكِ كَابْنِ الْعَمِّ وَعَكْسُهُ الْأَبُ كَانَ هَذَا تَعْلِيلًا بِوَصْفٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْقَرِيبِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا عِنْدَ وُجُودِ الْمِلْكِ تَتَأَدَّى بِهِ
وَأَمَّا الَّذِي لَا يَشْكُلُ فَسَادُهُ فَمِثْلُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّ السَّبْعَ أَحَدُ عَدَدَيْ صَوْمِ الْمُتْعَةِ فَكَانَ شَرْطًا لِجَوَازِ الصَّلَاةِ كَالثَّلَاثِ يُرِيدُ بِهِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ أَحَدُ عَدَدَيْ مُدَّةِ الْمَسْحِ فَلَا يَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَالْوَاحِدِ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ أَوْ الْآيَةَ نَاقِصُ الْعَدَدِ عَنْ السَّبْعِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ كَالْوَاحِدِ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ، أَوْ الْآيَةَ نَاقِصُ الْعَدَدِ عَنْ السَّبْعِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ كَمَا دُونَ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَحْلِيلٌ وَتَحْرِيمٌ فَكَانَ مِنْ أَرْكَانِهَا مَا لَهُ عَدَدُ سَبْعَةٍ كَالْحَجِّ وَكَمَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ فِعْلٌ يُقَامُ فِي أَعْضَائِهِ فَلَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي أَدَائِهِ قِيَاسًا عَلَى الْقَطْعِ قِصَاصًا أَوْ سَرِقَةً، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ.
ــ
[كشف الأسرار]
الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا كَمَا إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْعِتْقِ فِي الْمِلْكِ صِلَةٌ لِلْقَرِيبِ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِدْلَال بِجَوَازِ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الْعِتْقِ فِي الْمِلْكِ فَقَبْلَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ وَمُسَاعِدَةِ الْخَصْمِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْوَصْفُ مُعْتَبَرًا فَكَانَ هَذَا تَعْلِيلًا بِلَا وَصْفٍ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَانَ بَاطِلًا.
وَكَذَا تَعْلِيلُهُمْ لِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ الْحَالَّةِ بِأَنَّهُ أَيْ هَذَا الْعَقْدَ عَقْدُ كِتَابَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّكْفِيرِ فَكَانَ فَاسِدًا كَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ تَعْلِيلٌ بِوَصْفٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا حَالَّةً كَانَتْ، أَوْ مُؤَجَّلَةً فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ الصَّحِيحَةَ يَمْنَعُ جَوَازَ الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِيَصِحَّ لَهُ الِاسْتِدْلَال بِجَوَازِ الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ عَلَى فَسَادِ الْكِتَابَةِ فَقَبْلَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ وَإِلْزَامِ الْخَصْمِ كَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ فَاسِدًا وَذُكِرَ وَجْهٌ آخَرُ فِي أَنَّ التَّكْفِيرَ بِإِعْتَاقِ الْأَخِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ صِحَّةَ التَّكْفِيرِ بِإِعْتَاقِ الْأَخِ عِنْدَنَا لَيْسَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّ عِنْدَهُ إنَّمَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقٍ قَصْدِيٍّ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْأَجْنَبِيِّ إذْ الْأَخُ لَا يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقٍ مُقَارِنٍ لِلْمِلْكِ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الشِّرَاءِ بِنِيَّةِ التَّكْفِيرِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِعْتَاقِ الْقَصْدِ فِي حَقِّهِ فَكَانَ هَذَا وَصْفًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي لَا يَشْكُلُ فَسَادُهُ، أَوْ لَا يَشُكُّ فِي فَسَادِهِ فَمِثْلُ قَوْلِهِمْ إنَّ السَّبْعَ) إلَى آخَرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَمِثْلُ قَوْلِهِ مَنْ قَالَ فِي مَنْعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ: مَائِعٌ لَا يُبْنَى عَلَى جِنْسِهِ الْقَنْطَرَةُ وَلَا يُصْطَادُ فِيهِ السَّمَكُ فَأَشْبَهَ الدُّهْنَ وَالْمَرَقَ وَمِثْلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي الْقَهْقَهَةِ اصْطِكَاكُ أَجْرَامٌ عُلْوِيَّةٌ فَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ الطَّهَارَةُ كَالرَّعْدِ وَمِثْلُ قَوْلِهِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَسِّ الذَّكَرِ: إنَّهُ مَسُّ آلَةِ الْحَرْثِ فَأَشْبَهَ مَسَّ الْفَدَّانِ، وَقَالَ طَوِيلٌ مَشْقُوقٌ فَمَسُّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَمَسِّ الْقَلَمِ.
وَفِي قَوْلِهِمْ إنَّ السَّبْعَ كَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ هَذَا الْعَدَدِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ حَتَّى قَالُوا: قِرَاءَةُ فَاتِحَةٍ رُكْنٌ لِلْمُنْفَرِدِ وَلِلْإِمَامِ وَلِلْقَوْمِ وَعَلَى الْعَاجِزِ عَنْ الْفَاتِحَةِ أَنْ يَقْرَأَ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَوَالِيَةٍ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ سَبَّحَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ كَذَا فِي الْمَخْضِ، وَهَذَا أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّعْلِيلِ مِمَّا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى فَطَانَةٍ فَإِنَّهُ لَا مُشَابَهَةَ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ غَسْلِ أَعْضَاءٍ فِي الطَّهَارَةِ وَالْقَطْعِ فِي الْقِصَاصِ أَوْ السَّرِقَةِ وَلَا بَيْنَ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَالْقِرَاءَةِ وَلَا بَيْنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَكَذَا الْبَوَاقِي فَضْلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَعْنًى مُؤَثِّرٌ وَلَمْ يُنْقَلُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ عَنْ السَّلَفِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ مُمْكِنٌ بَعِيدًا عَنْ طَرِيقِ الْفُقَهَاءِ فَالِاشْتِغَالُ بِأَمْثَالِهِ هَزْلُ لَعِبٍ بِالدِّينِ قَالَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا النَّوْعِ: سَائِرُ أَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ الطَّرْدِيَّةِ الْفَاسِدَةِ وَعِنْدِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِأَمْثَالِ هَذَا تَضْيِيعُ الْوَقْتِ الْعَزِيزِ وَإِهْمَالُ الْعُمُرِ النَّفِيسِ، وَمِثْلُ هَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَصِمَ الْعِبَادِ وَالْأَحْكَامِ وَلَا مَنَاطَ شَرَائِعِ هَذَا الدِّينِ الرَّفِيعِ بَلْ هِيَ صَدٌّ لِلْمُبْتَدِئِينَ عَنْ سَبِيلِ الرُّشْدِ وَمَسَالِكِ الْحَقِّ وَقَدْ كَانَتْ هَذَا الْأَنْوَاعُ مَسْلُوكًا طَرِيقَهَا مِنْ قَبْلُ يَجْرِي النُّظَّارُ عَلَى سُنَّتِهَا وَيُنَاطِحُونَ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّ زَمَانَنَا هَذَا قَدْ غَلَبَ فِيهِ مَعَانِي الْفِقْهِ قَدْ جَرَى الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى مَسْلَكٍ وَاحِدٍ يَطْلُبُونَ الْفِقْهَ الْمَحْضَ وَالْحَقَّ الصَّرِيحَ وَقَدْ تَنَاهَتْ مَعَانِي الْفِقْهِ إلَى نِهَايَةٍ قَارَبَتْ فِي الْوُضُوحِ الدَّلَائِلَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي يُورِدُهَا الْمُتَكَلِّمُونَ