المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ بَيَانِ قِسْمِ) (الِانْقِطَاعِ)وَهُوَ نَوْعَانِ

- ‌ مَا أَرْسَلَهُ الصَّحَابِيُّ

- ‌ إرْسَالُ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ

- ‌[الإنقطاع الظَّاهِرُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ] [

- ‌ إرْسَالُ كُلِّ عَدْلٍ

- ‌ الِاتِّصَالَ بِالِانْقِطَاعِ

- ‌[الِانْقِطَاعُ الْبَاطِلُ]

- ‌ الْحَادِثَةَ إذَا اُشْتُهِرَتْ وَخَفِيَ الْحَدِيثُ

- ‌[الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلِفُوا فِي حَادِثَةٍ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يُحَاجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ]

- ‌ خَبَرُ الْمَسْتُورِ

- ‌[الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ]

- ‌ خَبَرِ الْفَاسِقِ

- ‌[خَبَر الْكَافِرِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ إذَا عَقَلَا مَا يَقُولَانِ]

- ‌[خَبَر صَاحِبُ الْهَوَى]

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ)

- ‌[بَابُ بَيَانِ الْخَبَرُ]

- ‌ بَابُ الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ)

- ‌بَابُ شَرْطِ نَقْلِ الْمُتُونِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى)

- ‌(بَابُ مَا يَلْحَقُهُ النَّكِيرُ مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي)

- ‌(بَابُ الطَّعْنِ يَلْحَقُ الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ رَاوِيهِ)

- ‌‌‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ آيَتَيْنِ

- ‌[كَيْفِيَّةَ الْمَخْلَصِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[تعارض الْجُرْح وَالتَّعْدِيل]

- ‌(بَابُ الْبَيَانِ)

- ‌[أَوْجُه الْبَيَانُ]

- ‌[بَيَانُ التَّقْرِير]

- ‌ بَيَانُ التَّفْسِيرِ

- ‌[تَخْصِيصِ الْعَامِّ]

- ‌(بَابُ بَيَانِ التَّغْيِيرِ)

- ‌[أَنْوَاع بَيَانِ التَّغْيِيرِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ الضَّرُورَةِ}

- ‌[أَوْجُهٍ بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[تَفْسِيرِ النَّسْخِ]

- ‌النَّسْخُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحِلِّ النَّسْخِ)

- ‌[أَقْسَام مَالَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ شُرُوطِ النَّسْخ]

- ‌{بَابُ تَقْسِيمِ النَّاسِخِ}

- ‌[النَّسْخُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ]

- ‌نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ

- ‌(بَابُ تَفْصِيلِ) (الْمَنْسُوخِ)

- ‌[أَنْوَاعٌ الْمَنْسُوخُ]

- ‌[الْفُرْق بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ]

- ‌(بَابُ أَفْعَالِ النَّبِيِّ)

- ‌[أَقْسَام أَفْعَالِ النَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السُّنَّةِ)فِي حَقِّ النَّبِيِّ

- ‌[أَنْوَاع الوحى]

- ‌[جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا)

- ‌ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ

- ‌[بَابُ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ]

- ‌[تَقْلِيد التَّابِعِينَ]

- ‌(بَابُ الْإِجْمَاعِ)

- ‌[أَرْكَان الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ أَهْلِيَّةِ الْإِجْمَاع]

- ‌بَابُ شُرُوطِ) (الْإِجْمَاعِ) :

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ وَمَحِلّه]

- ‌[إنْكَار الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ بَيَانِ سَبَب الْإِجْمَاعُ]

- ‌(بَابُ الْقِيَاسِ)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ الْقِيَاسِ]

- ‌[ثُبُوت الْقِيَاس وَأَنْوَاعه]

- ‌(فَصْلٌ فِي تَعْلِيلِ الْأُصُولِ)

- ‌بَابٌ شُرُوطُ الْقِيَاسِ) :

- ‌[بَابُ رُكْنُ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَا يصلح دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّة]

- ‌[بَابُ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ]

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْعِلَّةِ) :

- ‌[جُمْلَةَ مَا يُعَلَّلُ لَهُ]

الفصل: ‌ الاحتجاج باستصحاب الحال

وَأَمَّا‌

‌ الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ

فَصَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ

ــ

[كشف الأسرار]

بِالْوَصْفِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ كَانَ بَعْضَ الْعِلَّةِ فِي رِبَا الْفَضْلِ وَصَارَ جَمِيعَ الْعِلَّةِ فِي رِبَا النَّسِيئَةِ فَإِنْ قِيلَ فَسَادُ الْبَيْعِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ لَا لِرِبَا النَّسِيئَةِ.

قُلْنَا هَذَا الْكَلَامُ يَهْدِمُ قَاعِدَةَ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إنْكَارِ رِبَا النَّسِيئَةِ وَأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ حَتَّى كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ بَلْ رِبَا النَّسِيئَةِ أَثْبَتُ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ فَكَانَ مَا يُؤَدِّي إلَى إنْكَارِهِ بَاطِلًا فَصَارَ حَاصِلُ هَذَا الْفَصْلِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْمِيزَانِ أَوْ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَلِّلَ لِنَفْيِ الْحُكْمِ بِنَفْيِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِوَصْفٍ آخَرَ غَيْرِهِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيلٌ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِعِلَلٍ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِعِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَيْسَتْ لَهُ عِلَّةٌ أُخْرَى كَضَمَانِ الْغَصْبِ لَا يَجِبُ بِدُونِ الْغَصْبِ وَحَدِّ السَّرِقَةِ لَا يَجِبُ بِدُونِ السَّرِقَةِ فَكَانَ نَفْيُ الْحُكْمِ بِنَفْيِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ نَفْيًا صَحِيحًا أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ لِمَا كَانَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْوَحْيِ انْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ.

[الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ) إلَى آخِرِهِ الِاسْتِصْحَابُ فِي اللُّغَةِ طَلَبُ الصُّحْبَةِ وَيُقَالُ اسْتَصْحَبَ الْكِتَابَ وَغَيْرَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَازِمَ شَيْئًا فَقَدْ اسْتَصْحَبَهُ وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ اسْتِصْحَابَ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَجْعَلُ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْمَاضِي مُصَاحِبًا لِلْحَالِ، أَوْ يَجْعَلُ الْحَالَ مُصَاحِبًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَمْرٍ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ هُوَ التَّمَسُّكُ بِالْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي حَالِ الْبَقَاءِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُغَيِّرِ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ هُوَ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْجَهْلِ بِالدَّلِيلِ الْمُغَيِّرِ لَا لِلْعِلْمِ بِالدَّلِيلِ الْمُتَّقِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ حُكْمٍ ثَابِتٍ بِدَلِيلٍ غَيْرِ مُتَعَرِّضٍ لِبَقَائِهِ وَلَا لِزَوَالِهِ مُحْتَمَلٌ لِلزَّوَالِ بِدَلِيلِهِ لَكِنَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْك حَالُهُ، وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ تُؤَدِّي مَعْنًى وَاحِدًا فِي التَّحْقِيقِ، ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّ اسْتِصْحَابَ حُكْمٍ عَقْلِيٍّ، وَهُوَ كُلُّ حُكْمٍ عُرِفَ وُجُوبُهُ وَامْتِنَاعُهُ وَحُسْنُهُ وَقُبْحُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ، أَوْ اسْتِصْحَابُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ثَبَتَ تَأْبِيدُهُ، أَوْ تَوْقِيتُهُ نَصًّا، أَوْ ثَبَتَ مُطْلَقًا وَبَقِيَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام وَاجِبٌ الْعَمَلُ بِهِ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْبَقَاءِ وَعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُزِيلِ قَطْعًا وَلَا خِلَافَ أَنَّ اسْتِصْحَابَ حُكْمٍ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مُطْلَقٍ غَيْرَ مُعْتَرِضٍ لِلزَّوَالِ، وَالْبَقَاءُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ الدَّلِيلِ الْمُزِيلِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ جَهْلَهُ بِالدَّلِيلِ الْمُزِيلِ بِسَبَبِ تَقْصِيرٍ مِنْهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَلَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَيْضًا إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الطَّلَبِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ.

فَأَمَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُطْلَقٍ غَيْرَ مُعْتَرِضٍ لِلزَّوَالِ، وَقَدْ طَلَبَ الْمُجْتَهِدُ الدَّلِيلَ الْمُزِيلَ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ الْمُزَنِيّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ وَابْنُ خَيْرَانَ إنَّهُ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ مُتَّبَعَةٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ رحمه الله فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي مَأْخَذِ الشَّرَائِعِ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ فِي مَوْضِعِ النَّظَرِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ إذَا لَمْ يَجِدْ دَلِيلًا فَوْقَهُ مِنْ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِالْقِيَاسِ قَبْلَ التَّرْجِيحِ وَتَابَعَهُ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ

ص: 377

وَذَلِكَ فِي كُلِّ حُكْمٍ عُرِفَ وُجُوبُهُ بِدَلِيلِهِ، ثُمَّ وَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِهِ كَانَ اسْتِصْحَابُ حَالِ الْبَقَاءِ عَلَى ذَلِكَ مُوجِبًا بَعْدَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ وَعِنْدَنَا هَذَا لَا يَكُونُ حُجَّةً لِلْإِيجَابِ لَكِنَّهَا حُجَّةٌ دَافِعَةٌ عَلَى ذَلِكَ دَلَّتْ مَسَائِلُهُمْ فَقَدْ قُلْنَا فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ إنَّهُ جَائِزٌ وَلَمْ نَجْعَلْ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ وَهِيَ أَصْلٌ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي بَلْ صَارَ قَوْلُ الْمُدَّعِي مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ عَلَى السَّوَاءِ وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله جَعَلَهُ مُوجِبًا حَتَّى تَعَدَّى إلَى الْمُدَّعِي فَأَبْطَلَ دَعْوَاهُ وَأَبْطَلَ الصُّلْحَ

ــ

[كشف الأسرار]

وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمِيزَانِ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ: إنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا لَا لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ وَلَا لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِثْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَالشَّيْخَيْنِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْيُسْرِ وَمُتَابِعِيهِمْ إنَّهُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ حُكْمِ مُبْتَدَأٍ وَلَا لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْخَصْمِ بِوَجْهٍ وَلَكِنَّهُ يَصْلُحُ لِإِبْلَاءِ الْعُذْرِ وَلِلدَّفْعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ قَوْلُهُ.

(وَذَلِكَ فِي كُلِّ حُكْمٍ) بَيَانُ الِاسْتِصْحَابِ أَيْ الِاسْتِصْحَابِ، أَوْ الِاحْتِجَاجِ بِالِاسْتِصْحَابِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ حُكْمٍ عُرِفَ وُجُوبُهُ أَيْ ثُبُوتُهُ بِدَلِيلٍ، ثُمَّ وَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِهِ كَانَ اسْتِصْحَابُ حَالِ الْبَقَاءِ عَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْوُجُوبِ يَعْنِي كَأَنْ جَعَلَ حَالَ الْبَقَاءِ مُصَاحِبًا لِلْوُجُوبِ دَلِيلًا مُوجِبًا أَيْ مُلْزِمًا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ وَعِنْدَنَا هَذَا أَيْ الِاسْتِصْحَابُ لَا يَكُونُ لِلْإِيجَابِ أَيْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ، لَكِنَّهَا حُجَّةً دَافِعَةً أَيْ يَدْفَعُ إلْزَامَ الْغَيْرِ وَاسْتِحْقَاقَهُ، وَالضَّمِيرُ لِلِاسْتِصْحَابِ وَتَأْنِيثُهُ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} أَوْ تَأْوِيلُ الْحَالِ أَيْ لَكِنَّ الْحَالَ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ عَلَى ذَلِكَ دَلَّتْ مَسَائِلُهُمْ أَيْ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ كَوْنِ الِاسْتِصْحَابِ مُوجِبًا عِنْدَهُ دَافِعًا عِنْدَنَا دَلَّتْ مَسَائِلُ الْفَرِيقَيْنِ: مِنْهَا مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَيَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَمَّا ادَّعَاهُ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الذِّمَّةِ هُوَ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ فَارِغَةً، وَالشَّغْلُ بِعَارِضٍ وَالتَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ وَالْإِلْزَامِ عِنْدَهُ وَكَمَا يَدْفَعُ التَّمَسُّكُ بِهَذَا الْأَصْلِ الدَّعْوَى عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَتَعَدَّى إلَى الْمُدَّعِي فِي إبْطَالِ دَعْوَاهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ ذِمَّتَهُ فَارِغَةٌ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ وَنَحْنُ جَعَلْنَا الْبَرَاءَةَ دَافِعَةً لِلدَّعْوَى وَلَمْ نَجْعَلْهَا حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي بَلْ صَارَ دَعْوَى الْمُدَّعِي إلَى أَنَّ الْمُدَّعَى حَقِّي وَمِلْكِي مُعَارِضًا لِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ عَلَى السَّوَاءِ فَإِنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا فَكَمَا لَا يَكُونُ خَبَرُ الْمُدَّعِي حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي إلْزَامِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُحْتَمَلًا فَكَذَلِكَ خَبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي فِي إبْطَالِ دَعْوَاهُ وَفَسَادِ الِاعْتِيَاضِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَلِهَذَا لَوْ صَالَحَهُ أَجْنَبِيٌّ عَلَى مَالٍ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ ثَبَتَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِدَلِيلٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ لَمْ يَجُزْ صُلْحُهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ، ثُمَّ صَالَحَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَتَقْرِيرٌ آخَرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُدَّعِي مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ دُونَ خَصْمِهِ، وَإِنْكَارُ خَصْمِهِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فَكَانَا سَوَاءً فِي أَنَّهُمَا لَيْسَا بِحُجَّتَيْنِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَجَوَّزْنَا الصُّلْحَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي اعْتِيَاضًا عَنْ حَقِّهِ، وَفِي حَقِّ الْمُنْكَرِ افْتِدَاءً بِالْيَمِينِ وَقَطْعًا لِخُصُومَةٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّ خَبَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ لَكَانَ قَوْلُ الْمُنْكَرِ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَا يُقَالُ لَوْ جَازَ الصُّلْحُ لَجُعِلَ قَوْلُ الْمُدَّعِي حُجَّةً فِي حَقِّ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ فِي جَانِبِهِ بِجِهَةِ افْتِدَاءِ الْيَمِينِ لَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ مَا هِيَ مَا إذَا بِيعَ مِنْ الدَّارِ شِقْصٌ وَطَلَبَ الشَّرِيكُ الشُّفْعَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِ الشَّفِيعِ مِنْ الدَّارِ مِلْكُ الشَّفِيعِ بِأَنْ قَالَ يَدُكَ لَيْسَتْ بِيَدِ مِلْكٍ بَلْ كَانَتْ يَدَ إجَارَةٍ وَإِعَادَةٍ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ أَنْ يَكُونَ يَدُهُ يَدَ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي حَتَّى أَنَّ الشَّفِيعَ مَا لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّارِ مِلْكُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ فَإِنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ

ص: 378

وَقُلْنَا فِي الشِّقْصِ: إذَا بَاعَ مِنْ الدَّارِ فَطَلَبَ الشَّرِيكُ الشُّفْعَةَ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي مِلْكَ الطَّالِبِ فِيمَا يَدُهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَكَذَلِكَ رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ ثُمَّ اخْتَلَفَا وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ أَمْ لَا فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَوْلَى عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ بِدَلِيلِهِ بَقِيَ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَيْضًا، أَلَا يَرَى أَنَّ حُكْمَ النَّصِّ يَبْقَى بِهِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَعَذَّرَ نَسْخُهُ وَاحْتَجَّ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ بِالْوُضُوءِ لَمْ يَلْزَمْهُ وُضُوءٌ آخَرُ وَلَزِمَهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِمَا عَلِمَهُ وَإِنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَإِذَا عَلِمَ بِالْحَدَثِ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْوُضُوءِ يَبْقَى الْحَدَثُ وَلَوْ ثَبَتَ مِلْكُ الشَّفِيعِ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ كَانَ يَمْلِكُهُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ وَإِنَّمَا يَبْقَى مِلْكُهُ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ صَلُحَ حُجَّةً مُوجِبَةً وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شُهُودُ الْمُدَّعِي أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ كَانَ مِلْكًا لَهُ صَارَ حُجَّةً مُوجِبَةً

ــ

[كشف الأسرار]

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ يَعْنِي إنْ أَقَامَ بَيِّنَةَ مِلْكِهِ وَأَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْأَصْلِ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْإِلْزَامِ جَمِيعًا عِنْدَهُ.

وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الشِّقْصِ احْتِرَازًا عَنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ بِالْجَوَازِ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ عِنْدَهُ وَالشِّقْصُ الْجُزْءُ مِنْ الشَّيْءِ وَالنَّصِيبُ، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ تَعْلِيقِ عِتْقِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ فَقَالَ الْمَوْلَى: قَدْ دَخَلْت وَقَالَ الْعَبْدُ: لَمْ أَدْخُلْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى عِنْدَنَا حَتَّى لَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُودِ وَالتَّمَسُّكُ بِهِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ إنْكَارُ الْمَوْلَى عَدَمَ الدُّخُولِ فَيَجْعَلُ كَأَنَّ الْعَبْدَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيُعْتَقُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لَا مُلْزِمَةٌ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى الْإِطْلَاقِ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام «إنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ أَحْدَثْت أَحْدَثْت فَلَا يَنْصَرِفَنَّ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» حَكَمَ بِاسْتِدَامَةِ الْوُضُوءِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَهُوَ عَيْنُ الِاسْتِصْحَابِ وَبِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ جَازَ لَهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ الْوُضُوءُ وَلَوْ تَيَقَّنَ بِالْحَدَثِ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْوُضُوءِ يَبْقَى الْحَدَثُ وَكَذَا إذَا تَيَقَّنَ بِالنِّكَاحِ، ثُمَّ شَكَّ فِي الطَّلَاقِ لَا يَزُولُ النِّكَاحُ بِمَا حَدَثَ مِنْ الشَّكِّ وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِصْحَابٌ.

وَبِالدَّلِيلِ الْمَعْقُولِ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُعَارِضٌ قَطْعًا وَلَا ظَنًّا يَبْقَى بِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ يَبْقَى بِهِ أَيْ بِذَلِكَ بِالنَّصِّ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَعَذَّرَ نَسْخُهُ أَيْ نَسْخُ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِبَقَاءِ النَّصِّ الْمُوجِبِ لَهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ عليه السلام وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْمِيزَانِ لِلشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِأَنَّ الْحُكْمَ حَتَّى ثَبَتَ شَرْعًا فَالظَّاهِرُ دَوَامُهُ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَلَا يَتَغَيَّرُ الْمَصْلَحَةُ فِي زَمَانٍ قَرِيبٍ، وَإِنَّمَا تَحْتَمِلُ التَّغَيُّرَ عِنْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ فَمَتَى طَلَبَ الْمُجْتَهِدُ الدَّلِيلَ الْمُزِيلَ وَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ وَهَذَا نَوْعُ اجْتِهَادٍ، وَإِذَا كَانَ الْبَقَاءُ ثَابِتًا بِالِاجْتِهَادِ لَا يُتْرَكُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ كَمَنْ تَعَلَّقَ بِقِيَاسٍ صَحِيحٍ فَأَنْكَرَ خَصْمُهُ وَعَارَضَهُ بِقِيَاسٍ لَا رُجْحَانَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكِرُ مَحْجُوجًا بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ قَدْ ثَبَتَ بَقَاؤُهُ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِدَلِيلٍ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ أَوْجَبَ شُبْهَةً فِي الْأَوَّلِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَا أَمْضَى بِالِاجْتِهَادِ لَا يَنْتَقِضُ بِاجْتِهَادِ مِثْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ الْمُطْلَقَ فِي حَالِ حَيَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام كَانَ مُحْتَمِلًا لِلنَّسْخِ ثُمَّ هُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ مِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَالْإِلْزَامِ عَلَى الْغَيْرِ وَدَعْوَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَتَمَسَّكَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ حُجَّةً أَصْلًا بِالْمُسْتَصْحِبِ لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ.

وَكَذَا دَلَائِلُ الشَّرْعِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَلَمْ يَدُلَّ شَيْءٌ مِنْهَا بَقَاءُ الْحُكْمِ بَعْدَ الثُّبُوتِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالِاسْتِصْحَابِ عَمَلًا بِلَا دَلِيلٍ وَكَيْفَ يُجْعَلُ حُجَّةً لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَالْبَقَاءُ لَا يُضَافُ إلَى الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ بَلْ حُكْمُهُ الثُّبُوتُ لَا غَيْرَ وَلِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالِاسْتِصْحَابِ يُؤَدِّي إلَى التَّعَارُضِ فِي الْأَدِلَّةِ فَإِنَّ مَنْ اسْتَصْحَبَ حُكْمًا مِنْ صِحَّةِ فِعْلِ لَهُ وَسُقُوطِ فَرْضٍ كَانَ لِخَصْمِهِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ خِلَافَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَمَا لَوْ قِيلَ

ص: 379

وَلَنَا أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُوجِبَ لِحُكْمٍ لَا يُوجِبُ بَقَاءَهُ كَالْإِيجَادِ لَا يُوجِبُ الْبَقَاءَ حَتَّى صَحَّ الْإِفْنَاءُ.

وَهَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَعْرَاضٍ تَحْدُثُ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ شَيْءٍ عِلَّةً لِوُجُودِ غَيْرِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

إنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا رَأَى الْمَاءَ قَبْلَ صَلَاتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوَضُّؤُ فَكَذَلِكَ إذَا رَآهُ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ بِاسْتِصْحَابِ ذَلِكَ الْوُجُوبِ أَمْكَنَ أَنْ يُعَارَضَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ انْعَقَدَ عَلَى صِحَّةِ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ وَانْعِقَادِ الْإِحْرَامِ وَقَدْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي بَقَائِهِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَيَحْكُمُ بِبَقَائِهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِصْحَابِ وَمَا ادَّعَى إلَى مِثْلِ هَذَا كَانَ بَاطِلًا.

وَلَنَا أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُوجِبَ أَيْ الْمُثْبِتَ لِحُكْمٍ فِي الشَّرْعِ لَا يُوجِبُ بَقَاءَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْإِثْبَاتُ وَالْبَقَاءُ غَيْرُ الثُّبُوتِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْبَقَاءُ كَالْإِيجَادِ لَا يُوجِبُ الْبَقَاءَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْوُجُودُ لَا غَيْرَ يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْإِيجَادُ عِلَّةً لِلْوُجُودِ لَا لِلْبَقَاءِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْبَقَاءُ حَتَّى صَحَّ الْإِفْنَاءُ بَعْدَ الْإِيجَادِ وَلَوْ كَانَ الْإِيجَادُ مُوجِبًا لِلْبَقَاءِ كَمَا كَانَ مُوجِبًا لِلْوُجُوبِ لَمَا تَصَوَّرَ الْإِفْنَاءَ بَعْدَ الْإِيجَادِ لِاسْتِحَالَةِ الْفَنَاءِ مَعَ الْمُبْقِي كَمَا لَمْ يُتَصَوَّرْ الزَّوَالُ حَالَةَ الثُّبُوتِ لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَلَمَّا صَحَّ الْإِفْنَاءُ عُلِمَ أَنَّ الْإِيجَادَ لَا يُوجِبُ الْبَقَاءَ فَكَذَا الْحُكْمُ لَمَّا احْتَمَلَ النَّسْخَ بَعْدَ الثُّبُوتِ عُلِمَ أَنَّ دَلِيلَهُ لَا يُوجِبُ الْبَقَاءَ لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُزِيلِ وَالْمُثْبِتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُوجِبًا لَمْ يَجُزْ نَسْخُ الْحُكْمِ فِي حَالِ ثُبُوتِهِ لِأَنَّ رَفْعَ الشَّيْءِ فِي حَالِ ثُبُوتِهِ مُحَالٌ.

وَهَذَا أَيْ مَا قُلْنَا إنَّ الدَّلِيلَ الْمُوجِبَ لِشَيْءٍ لَا يُوجِبُ بَقَاءَهُ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ الْبَقَاءَ، وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكَوْنِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي بَعْدَ الْكَوْنِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ أَعْرَاضٍ تَحْدُثُ فَإِنَّ الْبَقَاءَ مَعْنًى وَرَاءَ الْبَاقِي بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّيْءَ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ يُوصَفُ بِالْوُجُودِ وَلَا يُوصَفُ بِالْبَقَاءِ فَإِنَّهُ صَحَّ أَنْ يُقَالَ وُجِدَ وَلَمْ يَبْقَ فَلَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ نَفْسَ وُجُودِهِ لَمَّا انْفَكَّ وُجُودُهُ عَنْ الْبَقَاءِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَلَصَحَّ اتِّصَافُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِالْبَقَاءِ.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَعْنًى آخَرُ وَرَاءَ الْوُجُودِ وَلَا قِيَامًا لَهُ بِنَفْسِهِ حَقِيقَةً كَسَائِرِ الصِّفَاتِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْرَاضِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الشَّيْءِ بَعْدَ وُجُودِهِ مِنْ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ شَيْءٍ عِلَّةً لِوُجُودِ غَيْرِهِ أَيْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ دَلِيلٍ آخَرَ إلَيْهِ عِلَّةً لِوُجُودِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْرَاضِ الَّتِي تَقُومُ بِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَفْسُ وُجُودِ الْحُكْمِ عِلَّةً لِبَقَائِهِ الَّذِي هُوَ غَيْرُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَرَضِ الْقَائِمِ بِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُوجِبَ لِلْحُكْمِ لَا يُوجِبُ بَقَاءً فَلَا يَكُونُ الْبَقَاءُ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ بَلْ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالدَّلِيلِ الْمُزِيلِ مَعَ الِاحْتِمَالِ وُجُودُهُ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ لَكِنَّهُ لَمَّا بَذَلَ جَهْدَهُ فِي طَلَبِ الْمُزِيلِ وَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَرَاءَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِالتَّحَرِّي عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي رحمه الله قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله اسْتِصْحَابُ حُكْمٍ ثَبَتَ بِدَلِيلِهِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ قَوْلًا بِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْوُجُودِ، أَوْ الْعَدَمِ أَوْجَبَ الْبَقَاءَ.

وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مِمَّا يُوصَفُ بِالْبَقَاءِ عَدَمِيًّا كَانَ أَوْ وُجُودِيًّا فَيَبْقَى مَوْصُوفًا بِالْوَصْفِ الَّذِي ثَبَتَ بِدَلِيلِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْمُغَيِّرُ بِخِلَافِ الْأَعْرَاضِ الَّتِي لَا تُوصَفُ بِالْبَقَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الْعِلَّةِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلَحْظَةٍ لِحُدُوثِهَا جُزْءًا فَجُزْءًا فَيَحْتَاجُ إلَى عِلَّةٍ حَسَبَ حَاجَةِ الْأَوَّلِ إلَيْهَا.

فَالشَّيْخُ تَعَرَّضَ لِإِبْطَالِ هَذَا الْكَلَامِ وَقَالَ الْبَقَاءُ بِمَنْزِلَةِ أَعْرَاضٍ تَحْدُثُ بِالتَّرَادُفِ وَالتَّوَالِي فَلَا يُسْتَغْنَى عَنْ الدَّلِيلِ وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي الدَّلِيلِ الْمُبْقِي فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ مَعَ الشَّكِّ (فَإِنْ قِيلَ) لَمَّا كَانَ الْبَقَاءُ أَمْرًا حَادِثًا سِوَى الثُّبُوتِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَسَبَبٍ كَالثُّبُوتِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقَالَ الْبَقَاءُ ثَابِتٌ بِلَا دَلِيلٍ، أَوْ يُضَافُ إلَى عَدَمِ الْمُزِيلِ؟ (قُلْنَا) بَقَاءُ الْمَوْجُودِ فِي الْحَقِيقَةِ ثَابِتٌ بِإِبْقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الْمُزِيلِ كَمَا أَنَّ الْوُجُودَ ثَابِتٌ بِإِيجَادِهِ إلَّا أَنَّ لِلْوُجُودِ سَبَبًا ظَاهِرًا يُضَافُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْبَقَاءِ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فَقِيلَ الْبَقَاءُ ثَابِتٌ بِلَا دَلِيلٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي الظَّاهِرِ إلَى سَبَبٍ

ص: 380

أَلَا يَرَى أَنَّ عَدَمَ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَعَدَمَ الشِّرَاءِ لَا يَمْنَعُ حُدُوثَ الشِّرَاءِ وَوُجُودَ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ الزَّوَالَ، وَهَذَا لَا يَشْكُلُ، أَلَا يَرَى أَنَّ النَّسْخَ فِي دَلَائِلِ الشَّرْعِ إنَّمَا صَحَّ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَمَّا صَارَتْ الدَّلَائِلُ مُوجِبَةً قَطْعًا بِوَفَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام عَلَى تَقْرِيرِهَا لَمْ تَحْتَمِلْ النَّسْخَ لِبَقَائِهَا بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ وَأَمَّا فَصْلُ الطَّهَارَةِ وَالْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْبَابَ وَذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا يَفِي بِدَلِيلِهِ، لِأَنَّ حُكْمَ الشِّرَاءِ الْمِلْكُ الْمُؤَبَّدُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوُضُوءِ وَالْحَدَثِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْقِيتُهُ صَرِيحًا لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِالْمُعَارَضَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَاقَضَةِ فَقَبِلَ الْمُعَارِضُ لَهُ حُكْمَ التَّأْبِيدِ فَكَانَ الْبَقَاءُ بِدَلِيلِهِ، وَكَلَامُنَا فِيمَا ثَبَتَ بَقَاؤُهُ بِلَا دَلِيلٍ كَحَيَاةِ الْمَفْقُودَةِ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ عليه السلام إنَّمَا يَتَنَاوَلُ حُكْمًا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ فَيَصِيرُ فِي الْبَقَاءِ احْتِمَالٌ فَأَمَّا حُكْمُ الطَّهَارَةِ وَحُكْمُ الْحَدَثِ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ

ــ

[كشف الأسرار]

يُضَافُ إلَيْهِ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُبْقٍ أَصْلًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مَوْتُ إنْسَانٍ، أَوْ بِنَاءِ دَارٍ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ مُفْتَقِرًا إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ بَعْدَمَا عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ ثَابِتٌ بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَوَلِّدَاتِ فَأَمَّا بَقَاؤُهُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ بَلْ يَبْقَى بِإِبْقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى أَنْ يُوجَدَ الْقَاطِعُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يُضَافُ إلَيْهِ فَكَذَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ يَفْتَقِرُ فِي ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ إلَى دَلِيلٍ وَلَمَّا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ يَبْقَى بِإِبْقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى أَنْ يُوجَدَ الْمُزِيلُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ وَلَمَّا لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِعَدَمِ الْمُزِيلِ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِالْبَقَاءِ فَكَانَ الْبَقَاءُ ثَابِتًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُزِيلِ لَا لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمُزِيلِ فَلَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ.

(فَإِنْ قِيلَ) إنْ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِالْبَقَاءِ فَقَدْ حَصَلَ الظَّنُّ الْغَالِبُ بِهِ فَالِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الْمُزِيلِ وَعَدَمِ الظَّفَرِ بِهِ، وَالدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ حُجَّةٌ فِي الشَّرْعِ كَالْيَقِينِيِّ فَيَصِحُّ الْإِلْزَامُ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا يَصِحُّ بِالْقِيَاسِ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ ظَنٍّ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ الَّذِي قَامَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِهِ مِثْلَ الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَمْ يَقُمْ هَاهُنَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ وَلَا ظَنِّيٌّ عَلَى اعْتِبَارِهِ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِالظَّنِّ الْحَاصِلِ بِالتَّحَرِّي عَلَى الْغَيْرِ قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لِحُكْمٍ لَا يُوجِبُ بَقَاءَهُ وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْعَدَمِ مِثْلُ اسْتِصْحَابِ الْوُجُودِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالِاسْتِصْحَابِ عَمَلٌ بِلَا دَلِيلٍ وَذَكَرَ مِثَالَ الِاسْتِصْحَابِ فِي الْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْعَدَمِ لَا يُوجِبُ بَقَاءً وَلَا يَنْفِي حُدُوثَ عِلَّةٍ مَوْجُودَةٍ وَلَا ثُبُوتُ الْوُجُودِ بَعْدَهُ يُوجِبُ بَقَاءَهُ وَلَا يَنْفِي قِيَامَ مَا تَقَدَّمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَدَمَ الشِّرَاءِ مِنْك لَا يَمْنَعُك عَنْ الشِّرَاءِ وَلَا يُوجِبُ أَيْضًا دَوَامَ الْعَدَمِ بَلْ يَدُومُ لِعَدَمِ الشِّرَاءِ مِنْك لِلْحَالِ لَا بِحُكْمِ الْعَدَمِ فِيمَا مَضَى وَإِذَا اشْتَرَيْت فَهَذَا الشِّرَاءُ مِنْك أَوْجَبَ الْمِلْكَ وَلَا يُوجِبُ بَقَاءَهُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى بِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ وَلَا يَمْنَعُ حُدُوثَ مَا يُزِيلُهُ، وَحَيَاةُ الْإِنْسَانِ بِعِلَّتِهَا لَا يُوجِبُ الْبَقَاءَ وَلَا تَمْنَعُ طَرَيَان الْمَوْتِ وَمَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ إشْكَالٌ فَإِذَا أَرَادَ إثْبَاتَ دَوَامِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِكَوْنِهِ ثَابِتًا، وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ بَلْ يَبْقَى لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الدَّلِيلِ فِي بَقَائِهِ كَانَ مُحْتَجًّا بِلَا دَلِيلٍ.

وَقَوْلُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَسْخَ تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ وَهَذَا لَا يَشْكُلُ لِمَا ذَكَرْنَا إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لَا يُوجِبُ الْبَقَاءَ، ثُمَّ أَجَابَ عَمَّا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ فَقَالَ وَأَمَّا فَصْلُ الطَّهَارَةِ وَالْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الشَّهَادَةِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ بَلْ هِيَ مِنْ قَبِيلِ مَا ثَبَتَ بَقَاؤُهُ بِدَلِيلٍ كَدَلَائِل الشَّرْعِ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ عليه السلام وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشِّرَاءِ مِلْكٌ مُؤَبَّدٌ.

وَكَذَا حُكْمُ أَخَوَاتِهِ مِنْ النِّكَاحِ وَالْوُضُوءِ وَالْحَدَثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْقِيتُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ صَرِيحًا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت إلَى كَذَا، أَوْ تَوَضَّأْت إلَى كَذَا، أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ فِي سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ، أَوْ تَوَضَّأْت عَلَى أَنْ يَثْبُتَ الطَّهَارَةُ إلَى وَقْتِ كَذَا، أَوْ تَزَوَّجْت عَلَى أَنْ يَثْبُتَ الْحِلُّ إلَى مُدَّةِ كَذَا لَا يَصِحُّ بَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ، أَوْ الشَّرْطُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ مُؤَبَّدَةً وَكَانَ بَقَاؤُهَا بِالِاسْتِصْحَابِ لَجَازَ تَوْقِيتُهَا كَالْحُكْمِ الثَّابِتِ ابْتِدَاءً بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فِي زَمَانِ الرَّسُولِ عليه السلام وَكَسَائِرِ مَا ثَبَتَ بَقَاؤُهُ بِالِاسْتِصْحَابِ أَلَا إنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مَعَ كَوْنِهَا مُؤَبَّدَةً تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِالْمُعَارِضِ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَاقَضَةِ يَعْنِي بِمُعَارِضٍ يُنَاقِضُ الْأَوَّلَ وَيُضَادُّهُ كَالْفَسْخِ لِلْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ

ص: 381

وَلِذَلِكَ قُلْنَا جَمِيعًا فِي رَجُلٍ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ أَمَّا عِنْدَنَا فَلِمَا أَنَّ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَعْدُو قَائِلَهُ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لَعَدَا قَائِلَهُ وَعَلَى قَوْلِهِ قَوْلُ الْبَائِعِ رَجَعَ إلَى مَا عَرَفَهُ بِدَلِيلِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَصَارَ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُشْتَرِي إنَّهُ حُرٌّ فَلَيْسَ يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ عُرِفَ بِدَلِيلِهِ فَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ.

ــ

[كشف الأسرار]

الْبَاتِّ النِّكَاحِ وَالْحَدَثِ لِلطَّهَارَةِ فَقَبْلَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ كَانَ لَهَا حُكْمُ التَّأْبِيدِ فَكَانَ بَقَاؤُهَا بِالدَّلِيلِ لَا بِالِاسْتِصْحَابِ فَيَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ، ثُمَّ الشَّيْخُ رحمه الله ذَكَرَ فِي مَحَلِّ النَّسْخِ أَنَّ الشِّرَاءَ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ دُونَ الْبَقَاءِ.

وَذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّ الثَّابِتَ بِالشِّرَاءِ مِلْكٌ مُؤَبَّدٌ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْبَقَاءَ كَمَا يُثْبِتُ أَصْلُ الْمِلْكِ، وَهَذَا يَتَرَاءَى تَنَاقُضًا وَالتَّقَصِّي عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: الشِّرَاءُ يُوجِبُ الْمِلْكَ دُونَ الْبَقَاءِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْبَقَاءَ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ طُرُوءَ انْقِطَاعٍ عَلَيْهِ فَثُبُوتُ بَقَاءِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ كَثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لَا يَحْتَمِلُهُ.

ثُمَّ بَيَّنَ الشَّيْخُ مَسْأَلَةً تُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُلْزِمَةٍ عِنْدَنَا، وَهُوَ مُلْزِمَةٌ عِنْدَهُ قُلْنَا فِي رَجُلٍ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ يَعْنِي عَبْدَ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ أَنَّهُ أَيْ الْعَقْدَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَائِعِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ حَتَّى كَانَ لَهُ وِلَايَةُ مُطَالَبَةِ الثَّمَنِ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَنَا فَلِمَا قُلْنَا يَعْنِي فِي مَوْضِعِهِ، أَوْ بَيَّنَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَعْدُو قَائِلَهُ أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ أَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ مُسْتَصْحِبٌ لِلْمِلْكِ السَّابِقِ الثَّابِتِ لَهُ بِدَلِيلِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُبْطِلًا لِزَعْمِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ حُرٌّ.

وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ هُوَ حُرٌّ لَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى دَلِيلٍ كَالِاسْتِصْحَابِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْبَائِعِ وَلَا يَصْلُحُ مُبْطِلًا لِكَلَامِهِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لَكَانَ قَوْلُهُ مُتَعَدِّيًا إلَى الْبَائِعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يُقَالُ لَوْ جَازَ الْبَيْعُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْبَائِعِ أَنَّهُ عَبْدٌ مُتَعَدِّيًا إلَى الْمُشْتَرِي حَيْثُ نَفَذَ الْبَيْعُ فِي حَقِّهِ وَوَجَبَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ جُعِلَ الْبَيْعُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، وَصَارَ الْعَبْدُ مِلْكًا لَهُ بِهَذَا الْعَقْدِ وَلَمْ يَجْعَلْ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَيْسَ بِمُنْعَقِدٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بَلْ هُوَ فِي حَقِّهِ فِدَاءٌ وَتَخْلِيصٌ لِلْعَبْدِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةً فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا إلَى الْبَائِعِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَإِنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ فِدَاءٌ عَنْ الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعِوَضٌ عَنْ الْحَقِّ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي.

ثُمَّ الْوَلَاءُ لَا يَثْبُتُ لِأَحَدٍ إنْ كَانَ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ بِإِعْتَاقِ الْبَائِعِ فَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَقُولُ أَنَا مَا أَعْتَقْتُهُ بَلْ عَتَقَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي فَلَهُ وَلَاؤُهُ وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ بَلْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ فَالْوَلَاءُ لَهُ فَيَتَوَقَّفُ وَلَاؤُهُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ أَحَدُهُمَا إلَى تَصْدِيقِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَحْتَمِلُ الْقَبْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ أَصْلًا، وَلَكِنَّهُ يَبْقَى مَوْقُوفًا فَإِذَا صَدَّقَهُ ثَبَتَ مِنْهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَى قَوْلِهِ أَيْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ الْبَائِعِ يَعْنِي قَوْلُهُ بِعْت يَرْجِعُ إلَى مَا عُرِفَ بِدَلِيلِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَمَّا ثَبَتَ بِدَلِيلِهِ مِنْ الشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ، أَوْ الْإِرْثِ أَوْ نَحْوِهَا يَبْقَى بِذَلِكَ الدَّلِيلِ فَيَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي فَأَمَّا قَوْلُ الْمُشْتَرِي هُوَ حُرٌّ فَلَيْسَ يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ عُرِفَ بِدَلِيلِهِ إذْ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ لِيَسْتَصْحِبَهُ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ فَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ، وَهُوَ الْبَائِعُ وَذَكَرَ فِي الْوَسِيطِ لِلْغَزَالِيِّ لَوْ شَهِدَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ غَيْرِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، أَوْ لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ ثَانٍ فَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ، ثُمَّ جَاءَ وَاشْتَرَاهُ صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَتِهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ بَيْعٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا قَالَ اشْتَرَيْته مِنْك كَانَ مُقِرًّا لَهُ بِالْمِلْكِ، وَهُوَ

ص: 382