المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ بَيَانِ قِسْمِ) (الِانْقِطَاعِ)وَهُوَ نَوْعَانِ

- ‌ مَا أَرْسَلَهُ الصَّحَابِيُّ

- ‌ إرْسَالُ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ

- ‌[الإنقطاع الظَّاهِرُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ] [

- ‌ إرْسَالُ كُلِّ عَدْلٍ

- ‌ الِاتِّصَالَ بِالِانْقِطَاعِ

- ‌[الِانْقِطَاعُ الْبَاطِلُ]

- ‌ الْحَادِثَةَ إذَا اُشْتُهِرَتْ وَخَفِيَ الْحَدِيثُ

- ‌[الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلِفُوا فِي حَادِثَةٍ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يُحَاجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ]

- ‌ خَبَرُ الْمَسْتُورِ

- ‌[الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ]

- ‌ خَبَرِ الْفَاسِقِ

- ‌[خَبَر الْكَافِرِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ إذَا عَقَلَا مَا يَقُولَانِ]

- ‌[خَبَر صَاحِبُ الْهَوَى]

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ)

- ‌[بَابُ بَيَانِ الْخَبَرُ]

- ‌ بَابُ الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ)

- ‌بَابُ شَرْطِ نَقْلِ الْمُتُونِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى)

- ‌(بَابُ مَا يَلْحَقُهُ النَّكِيرُ مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي)

- ‌(بَابُ الطَّعْنِ يَلْحَقُ الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ رَاوِيهِ)

- ‌‌‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ آيَتَيْنِ

- ‌[كَيْفِيَّةَ الْمَخْلَصِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[تعارض الْجُرْح وَالتَّعْدِيل]

- ‌(بَابُ الْبَيَانِ)

- ‌[أَوْجُه الْبَيَانُ]

- ‌[بَيَانُ التَّقْرِير]

- ‌ بَيَانُ التَّفْسِيرِ

- ‌[تَخْصِيصِ الْعَامِّ]

- ‌(بَابُ بَيَانِ التَّغْيِيرِ)

- ‌[أَنْوَاع بَيَانِ التَّغْيِيرِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ الضَّرُورَةِ}

- ‌[أَوْجُهٍ بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[تَفْسِيرِ النَّسْخِ]

- ‌النَّسْخُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحِلِّ النَّسْخِ)

- ‌[أَقْسَام مَالَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ شُرُوطِ النَّسْخ]

- ‌{بَابُ تَقْسِيمِ النَّاسِخِ}

- ‌[النَّسْخُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ]

- ‌نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ

- ‌(بَابُ تَفْصِيلِ) (الْمَنْسُوخِ)

- ‌[أَنْوَاعٌ الْمَنْسُوخُ]

- ‌[الْفُرْق بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ]

- ‌(بَابُ أَفْعَالِ النَّبِيِّ)

- ‌[أَقْسَام أَفْعَالِ النَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السُّنَّةِ)فِي حَقِّ النَّبِيِّ

- ‌[أَنْوَاع الوحى]

- ‌[جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا)

- ‌ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ

- ‌[بَابُ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ]

- ‌[تَقْلِيد التَّابِعِينَ]

- ‌(بَابُ الْإِجْمَاعِ)

- ‌[أَرْكَان الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ أَهْلِيَّةِ الْإِجْمَاع]

- ‌بَابُ شُرُوطِ) (الْإِجْمَاعِ) :

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ وَمَحِلّه]

- ‌[إنْكَار الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ بَيَانِ سَبَب الْإِجْمَاعُ]

- ‌(بَابُ الْقِيَاسِ)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ الْقِيَاسِ]

- ‌[ثُبُوت الْقِيَاس وَأَنْوَاعه]

- ‌(فَصْلٌ فِي تَعْلِيلِ الْأُصُولِ)

- ‌بَابٌ شُرُوطُ الْقِيَاسِ) :

- ‌[بَابُ رُكْنُ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَا يصلح دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّة]

- ‌[بَابُ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ]

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْعِلَّةِ) :

- ‌[جُمْلَةَ مَا يُعَلَّلُ لَهُ]

الفصل: ‌[باب ركن القياس]

وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الْوُضُوءَ صَحَّ مَعَ هَذَا بِغَيْرِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ ثَبَتَ فِي مَحَلِّ الْعَمَلِ بِوَجْهٍ لَا يُعْقَلُ فَبَقِيَ الْمَاءُ عَامِلًا بِطَبْعِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُعْقَلُ، وَهَذِهِ حُدُودٌ لَا يُهْتَدَى لِدَرْكِهَا إلَّا بِالتَّأَمُّلِ وَالْإِنْصَافِ وَتَعْظِيمِ حُدُودِ الشَّرْعِ وَتَوْقِيرِ السَّلَفِ رحمهم الله مِنَّةً مِنْ اللَّهِ وَفَضْلًا.

(بَابُ الرُّكْنِ)

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رُكْنُ الْقِيَاسِ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ وَجُعِلَ الْفَرْعُ نَظِيرًا لَهُ فِي حُكْمِهِ بِوُجُودِهِ فِيهِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْمُزَالِ فِيمَا لَا حَرَجَ فِي خَبَثِهِ عَلَى إثْبَاتِهِ فِيمَا فِيهِ حَرَجٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ قِيَاسًا وَدَلَالَةً وَلَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُزَالُ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصَّلَاةُ بِدُونِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّا لَا نُنْكِرُ وُجُودَ الْمَانِعِ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَصِيرُ مُزَالًا بِاسْتِعْمَالِ الْمَائِعِ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهُ بِالْمَاءِ تَثْبُتُ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَانِعِ أَوْ نَقُولُ: هُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْمَنْعِ عَنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّ اسْتِعْمَالِ الْمَائِعِ وَظُهُورِ أَثَرِ طَهُورِيَّتِهِ بِإِزَالَتِهِ وَصَيْرُورَتِهِ خَبِيثًا بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ بَقِيَ غَيْرَ طَهُورٍ لِتَوَقُّفِ الطَّهُورِيَّةِ عَلَى الْإِزَالَةِ فَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ وَعَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ سَوَاءً.

1 -

قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ) يَعْنِي عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْوُضُوءَ صَحَّ مَعَ هَذَا أَيْ مَعَ أَنَّ الْمُزَالَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى بِغَيْرِ النِّيَّةِ يَعْنِي لِمَا اعْتَبَرَتْ جَانِبَ الْمُزَالِ فِي الْوُضُوءِ وَمَنَعَتْ عَنْ إلْحَاقِ غَيْرِ الْمَاءِ بِهِ لِكَوْنِ الْمُزَالِ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى أَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ تُشْتَرَطَ النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ لِثُبُوتِ الطَّهَارَةِ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى كَمَا فِي التَّيَمُّمِ فَقَالَ: الْمَاءُ مُطَهِّرٌ بِطَبْعِهِ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ مَعْنَى لَا يُعْقَلُ، وَإِنَّمَا حَدَثَ فِي الْمَحَلِّ نَجَاسَةُ غَيْرِ الْمَعْقُولِ حَتَّى صَارَ الْمَاءُ مُطَهِّرًا وَمُزِيلًا لَهُ، وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرَائِطِ الْعَمَلِ فَإِذَا بَقِيَ الْمَاءُ طَهُورًا بِطَبْعِهِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّطْهِيرِ مُطَهِّرًا بِخِلَافِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ بِنَفْسِهِ بَلْ فِيهِ تَلْوِيثٌ.

وَإِنَّمَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ مُطَهِّرًا، وَكَسَاهُ صِفَةَ الطَّهُورِيَّةِ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ فَيُشْتَرَطُ لِطَهُورِيَّتِهِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ حَدَثَتْ لَهُ صِفَةُ الطَّهُورِيَّةِ فَالْتَحَقَ بِالْمَاءِ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ

قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رحمه الله: هَذِهِ الْمَسَائِلُ لَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ تَمْيِيزِ الْآلَةِ مِنْ الرُّكْنِ فَالرُّكْنُ بِالْإِجْمَاعِ لَا يَقُومُ مَقَامَ رُكْنٍ، وَالْآلَةُ يَقُومُ مَقَامَ الْآلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ رُكْنُ الْقِيَاسِ]

(بَابُ الرُّكْنِ) قَوْلُهُ (رُكْنُ الْقِيَاسِ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ) رُكْنُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ الْأَقْوَى لُغَةً وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ رُكْنُ الشَّيْءِ مَا لَا وُجُودَ لِذَلِكَ الشَّيْءِ إلَّا بِهِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِلصَّلَاةِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ وُجُودٌ إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى رُكْنًا فِيهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ عَلَمًا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعِلَلُ أَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مُوجِبَاتٌ فَكَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مُعَرِّفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ، وَهُوَ مَعْنَى الْعَلَمِ.

ثُمَّ الْحُكْمُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُضَافًا إلَى النَّصِّ وَفِي الْفَرْعِ إلَى الْعِلَّةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْقَاضِي الْإِمَامِ وَالشَّيْخَيْنِ وَمُتَابَعِيهِمْ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى عَلَمًا عَلَى وُجُودِ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ جَمِيعًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنَى عَلَمًا عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَعًا وَذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلَةً عَلَى حِكْمَةٍ صَالِحَةً لَأَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ لَا بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُجَرَّدَ أَمَارَةٍ وَهِيَ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ لَزِمَ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مُسْتَنْبَطَةً مِنْ

ص: 344

وَهُوَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا مِثْلُ الثَّمَنِيَّةِ جَعَلْنَاهَا عِلَّةً لِلزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ وَالطَّعْمِ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ عِلَّةً لِلرِّبَا، أَوْ وَصْفًا عَارِضًا أَوْ اسْمًا، «كَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إنَّهُ دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ» ، وَهُوَ اسْمُ عَلَمٍ

ــ

[كشف الأسرار]

حُكْمِ الْأَصْلِ تَكُونُ مُتَفَرِّعَةً عَنْهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَمَارَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَلَا فَائِدَةَ لِلْأَمَارَةِ سِوَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ كَانَ الْحُكْمُ مُتَفَرِّعًا عَنْهَا وَهُوَ دَوْرٌ.

قَالَ وَمِنْ كَوْنِ الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَا فَائِدَةَ لَهَا سِوَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ يُعْلَمُ بُطْلَانُ التَّعْلِيلِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ مُعَرَّفٌ بِالنَّصِّ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا النَّصُّ إمَّا بِصِيغَتِهِ كَاشْتِمَالِ نَصِّ الرِّبَا عَلَى الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ، أَوْ بِغَيْرِ صِيغَتِهِ كَاشْتِمَالِ نَصِّ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَمَّا كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ النَّصِّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِهِ صِيغَةً أَوْ ضَرُورَةً.

وَجُعِلَ الْفَرْعُ نَظِيرًا لَهُ فِي حُكْمِهِ بِوُجُودِ الضَّمِيرِ فِي لَهُ وَحُكْمُهُ رَاجِعٌ إلَى النَّصِّ وَفِي بِوُجُودِهِ رَاجِعٌ إلَى مَا، وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ يَعْنِي وَجُعِلَ الْفَرْعُ مُمَاثِلًا لِلنَّصِّ أَيْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ مِنْ الْجَوَازِ وَالْغُسْلِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ؛ بِسَبَبِ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْفَرْعِ وَقِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ أَرْكَانَ الْقِيَاسِ أَرْبَعَةٌ: الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ وَحُكْمُ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ الْجَامِعِ أَمَّا حُكْمُ الْفَرْعِ فَثَمَرَةُ الْقِيَاسِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا فِيهِ لَتَوَقَّفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْقِيَاسِ كَمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ تَوَقَّفَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّ رُكْنَ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ الصَّالِحُ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ مَتَى وُجِدَ مِثَالُهُ فِي الْفَرْعِ يَثْبُتُ مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاس لَمَّا كَانَ رَدَّ الْفَرْعِ إلَى أَصْلٍ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَرْعَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَصْلِ وَصْفٌ يَجِبُ بِهِ الْحُكْمُ شَرْعًا حَتَّى يَثْبُتَ مِثْلُهُ فِي الْفَرْعِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْوَصْفِ إذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَدَلَّ أَنَّ الرُّكْنَ مَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ سِوَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنَا شَرَائِطَهُ لَكِنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الرُّكْنِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرَائِطِ لَا إلَيْهَا كَالنِّكَاحِ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرَائِطِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهِمَا وَثُبُوتُ الْحُكْمِ يُضَافُ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دُونَ الشَّرَائِطِ فَكَذَا هَذَا، قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ رحمهم الله قَوْلُهُ.

(وَهُوَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِثْلُ الثَّمَنِيَّةِ جَعَلْنَاهَا عِلَّةً لِلزَّكَاةِ فِي الْحُكْمِ فَقُلْنَا يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ سَوَاءٌ صِيغَتْ صِيَاغَةً تَحِلُّ أَوْ تَحْرُمُ كَمَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الْمَصُوغِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الْمَصُوغِ لِوَصْفِ أَنَّهُ ثَمَنٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تَبْطُلُ بِصَيْرُورَتِهِ حُلِيًّا فَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ خَلْقٌ جَوْهَرِيُّ الْأَثْمَانِ لَا يُعَارِضُهُمَا هَذَا الْوَصْفُ بِحَالٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّبَا لَمَّا تَعَلَّقَ عِنْدَهُ هَذَا الْوَصْفُ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَمَا صَارَ حُلِيًّا لِبَقَاءِ الْوَصْفِ (فَإِنْ قِيلَ) الزَّكَاةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِكَوْنِهِ ثَمَنًا فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ حُلِيًّا لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ عِنْدِي بَلْ بِمَعْنَى تَحْتَ الثَّمَنِ، وَهُوَ أَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ بِهِ، وَهَذَا وَصْفٌ عَارِضٌ يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قِبَلِنَا فَإِذَا جُعِلَ حُلِيًّا سَقَطَ هَذَا الْوَصْفُ فَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ كَمَا لَوْ جُعِلَتْ السَّائِمَةُ عَلُوفَةً (قُلْنَا) لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا ثَمَنٌ وَبَيْنَ قَوْلِنَا إنَّهُ مَالُ التِّجَارَةِ فَالتِّجَارَةُ تَكُونُ بِالْأَثْمَانِ وَبِالثَّمَنِيَّةِ

ص: 345

وَانْفَجَرَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَعَلَّلْنَا بِالْكَيْلِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ وَيَكُونُ جَلِيًّا وَخَفِيًّا

ــ

[كشف الأسرار]

يَصِيرُ نِصَابًا لَا بِاسْتِعْمَالِنَا فَثَبَتَ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ الَّتِي بِهَا صَارَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ نِصَابًا صِفَةً لَازِمَةً بِمَنْزِلَةِ صِفَةِ ذَاتِهِ لَا تَزُولُ بِحَالٍ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالطَّعْمُ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ عِلَّةً لِلرِّبَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الطَّعْمَ يُنَبِّئُ عَنْ خَطَرِ الْمَحَلِّ لِتَعَلُّقِ بَقَاءِ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ الشَّرَفِ فِي الْعَقْدِ بِشَرْطٍ زَائِدٍ، وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا قَيَّدَ تَمَلُّكَ الْأَبْضَاعِ بِشُرُوطٍ ثُمَّ الطَّعْمُ وَصْفٌ لَازِمٌ لِلْمَطْعُومِ كَالثَّمَنِيَّةِ لِلْجَوْهَرَيْنِ فَثَبَتَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِمِثْلِ هَذَا الْوَصْفِ جَائِزٌ وَوَصْفًا عَارِضًا وَاسْمًا يَعْنِي كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَصْفًا لَازِمًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا عَارِضًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّلَ لِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَاضَةِ بِقَوْلِهِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ تَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ، أَيْ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ، وَهُوَ أَيْ الدَّمُ اسْمُ عَلَمٍ أَيْ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُسْبَقْ عَنْ مَعْنًى انْفَجَرَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ إذْ الدَّمُ مَوْجُودٌ فِي الْعِرْقِ، وَلَيْسَ بِمُنْفَجِرٍ.

فَالتَّعْلِيلُ بِالِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ صِفَةِ النَّجَاسَةِ وَبِالِانْفِجَارِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ صِفَةِ الْخُرُوجِ فَيَتَعَلَّقُ الِانْتِقَاضُ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعْلِيلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بَلْ لِنَفْيِ وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ أَوْ لِنَفْيِ سُقُوطِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْإِشْكَالَ كَانَ وَاقِعًا فِيهِمَا لَا فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْبَوْلِ الَّذِي هُوَ أَدْنَى مِنْهُ فَكَانَ التَّعْلِيلُ لِبَيَانِ نَفْيِ وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ عَنْهَا أَوْ لِسُقُوطِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَعَلِّقٌ بِدَمِ الرَّحِمِ لَا بِدَمِ الْعِرْقِ (قُلْنَا) قَدْ أَشْكَلَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ عَلَى إمَامٍ مُجْتَهِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ حَدِيثٌ فَكَيْفَ لَا يُشْكَلُ عَلَى امْرَأَةٍ حَدِيثٌ عَهْدُهَا بِالْإِسْلَامِ، عَلَى أَنَّا نَجْعَلُ هَذَا التَّعْلِيلَ لِكُلِّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً لَهُ مِنْ الْمَنْظُومِ وَالْمَفْهُومِ جَمِيعًا فَيَكُونُ بِالنَّصِّ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَنْ كُلِّ دَمِ عِرْقٍ يَنْفَجِرُ أَيْ بِسَيْلٍ وَبِالْحَالِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ وَسُقُوطَ الصَّلَاةِ لَا يَتَعَلَّقَانِ بِدَمِ الْعِرْقِ بَلْ بِدَمِ الرَّحِمِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ، وَلَا يَذْهَبْنَ بِك الْوَهْمُ فِي قَوْلِهِ وَصْفًا عَارِضًا وَاسْمًا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ لِصِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْعَارِضِ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا صَحِيحٌ، وَلِهَذَا ذَكَرَ بَعْدَهُ وَصْفَ الْكَيْلِ مُنْفَرِدًا بِدُونِ ذِكْرِ الِاسْمِ وَقَدْ صَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِذِكْرِ أَوْ مَكَانِ الْوَاوِ فَقَالَ: وَقَدْ يَكُونُ وَصْفًا عَارِضًا أَوْ اسْمًا وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ أَيْضًا فَقِيلَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا، أَوْ عَارِضًا أَوْ اسْمًا أَوْ حُكْمًا إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ رحمه الله ذَكَرَ الْوَاوَ.

وَلِأَنَّ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَا بُدَّ لِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ تَفْصِيلًا وَاخْتِلَافًا فِي هَذَا الْفَصْلِ فَقَالَ إنَّ الِاسْمَ إذَا جُعِلَ عِلَّةً فَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ فِعْلٍ كَالضَّارِبِ وَالْقَاتِلِ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عِلَّةً؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ عِلَلًا فِي الْأَحْكَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَقًّا بِأَنْ كَانَ عَلَمًا كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ وَجَوَازِ انْتِقَالِهِ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ مَوْضِعَ الْإِشَارَةِ وَلَيْسَتْ الْإِشَارَةُ بِعِلَّةٍ فَكَذَا الِاسْمُ الْقَائِمُ مَقَامَهَا وَإِنْ كَانَ اسْمُ جِنْسٍ كَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِهِ لِلُزُومِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْأَسَامِي يُشْبِهُ التَّعْلِيلَ بِالطَّرْدِ وَهُوَ فَاسِدٌ بِخِلَافِ الْأَسَامِي الْمُشْتَقَّةِ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ فِيهَا لِمَوْضِعِ الِاشْتِقَاقِ لَا بِنَفْسِ الِاسْمِ (فَإِنْ قِيلَ) مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيلِ بِاسْمِ الدَّمِ وَبَيْنَ التَّعْلِيلِ بِاسْمِ الْخَمْرِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ؟ قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ التَّعْلِيلَ هُنَاكَ لِتَعْدِيَةِ اسْمِ الْخَمْرِ إلَى النَّبِيذِ ثُمَّ تَرْتِيبِ الْحُرْمَةِ عَلَى الِاسْمِ فَيَكُونُ قِيَاسًا

ص: 346

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا كَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الَّتِي سَأَلَتْهُ عَنْ الْحَجِّ «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ» ، وَهَذَا حُكْمٌ وَكَقَوْلِنَا فِي الْمُدَبَّرِ إنَّهُ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَهَذَا حُكْمٌ أَيْضًا

ــ

[كشف الأسرار]

فِي اللُّغَةِ فَلَا يَجُوزُ، وَالتَّعْلِيلُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاسْمِ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ بِهِ إلَى الْفَرْعِ لَا بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ فَيَكُونُ تَعْلِيلًا بِالْوَصْفِ حَقِيقَةً فَيَصِحُّ.

وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ فِيهِ أَنَّ رُكْنَ الْقِيَاسِ قَدْ يَكُونُ اسْمًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ تَثْبُتُ بِاسْمِ الْخَمْرِ هُوَ عِلَّتُهَا حَتَّى لَا تَتَعَدَّى إلَى الثُّلُثِ وَتَثْبُتُ فِي قَلِيلِ الْخَمْرِ لِوُجُودِ الِاسْمِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ.

وَكَذَا الْحُدُودُ يَتَعَلَّقُ بِاسْمِ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنْ عُنِيَ بِهِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الِاسْمِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَثْبُتُ بِوَضْعِ أَرْبَابِ اللُّغَةِ، وَلَهُمْ أَنْ يُسَمُّوا الْخَمْرَ بِاسْمٍ آخَرَ وَإِنْ عُنِيَ بِهِ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الَّذِي اسْتَحَقَّ بِهِ الِاسْمُ وَهُوَ كَوْنُ الْمَائِعِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ بَعْدَمَا غَلَى أَوْ اشْتَدَّ فَهَذَا مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ حِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى لَا بِالِاسْمِ وَعَلَّلْنَا يَعْنِي نَصَّ الرِّبَا بِوَصْفِ الْكَيْلِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ عَارِضٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فِي الْأَمَاكِنِ وَالْأَوْقَاتِ، وَيَكُونُ جَلِيًّا أَيْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنَى ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ تَأَمُّلٍ مِثْلُ الطَّوْفِ جُعِلَ عِلَّةً لِسُقُوطِ النَّجَاسَةِ فِي الْهِرَّةِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ وَخَفِيًّا مِثْلُ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الْجَلِيِّ الْمَعْنَى الْقِيَاسِيُّ وَمِنْ الْخَفِيِّ الْمَعْنَى الِاسْتِحْسَانَيْ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْأَوْصَافِ الْخَفِيَّةِ الْبَاطِنَةِ مِثْلُ تَعْلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْبَيْعِ بِرِضَاءِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُعَلَّلَ بِهِ مُعَرِّفٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ خَفِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَلِيًّا؛ لِأَنَّ الْخَفِيَّ لَا يُعْرَفُ بِالْخَفِيِّ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَصْفَ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا لَكِنَّهُ بِدَلَالَةِ الصِّيَغِ الظَّاهِرَةِ عَلَيْهِ كَدَلَالَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَلَى الرِّضَا، أَوْ بِدَلَالَةِ التَّأْثِيرِ صَارَ مِنْ الْأَوْصَافِ الظَّاهِرَةِ فَيَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَّلَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْعِبَادِ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَهُوَ حُكْمٌ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ: لَا يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي فُرِضَ عِلَّةً إنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي جُعِلَ مَعْلُولًا لَزِمَ انْتِقَاضُ الْعِلَّةِ لِتَخَلُّفِ حُكْمِهَا عَنْهَا فَلَا يَصِحُّ عِلَّةً وَكَذَا إنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْمُتَقَدِّمِ وَكَذَا إنْ قَارَنَهُ إذْ لَيْسَ جَعْلُ أَحَدِهِمَا عِلَّةً لِلْآخَرِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ عِلَّةٌ وَأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ فَهُوَ إذَنْ عَلَى تَقْدِيرَاتٍ ثَلَاثٍ لَا يَكُونُ عِلَّةً وَعَلَى تَقْدِيرِ وَاحِدٌ يَكُونُ عِلَّةً، وَالْعِبْرَةُ فِي الشَّرْعِ لِلْغَالِبِ لَا لِلنَّادِرِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ؛ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ التَّقَدُّمُ عَلَى الْمَعْلُولِ وَتَقَدُّمُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَانَ شَرْطُ الْعِلِّيَّةِ مَجْهُولًا فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْعِلِّيَّةِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ إلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْحُكْمِ يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّلَ بِهِ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ حَيْثُ قَالَ «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ» وَالدَّيْنُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ بِالْوُجُوبِ وَأَنَّهُ حُكْمٌ.

وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ «أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضَتْ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْتَهُ أَكَانَ يَضُرُّكَ» وَفِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ «أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضَتْ بِمَاءٍ، ثُمَّ مَجَجْتَهُ أَكُنْت شَارِبَهُ» وَفِي إتْيَانِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ «أَرَأَيْت لَوْ وَضَعَهُ فِي حَرَامٍ أَكَانَ يَأْثَمُ» فَهَذَا كُلُّهُ تَعْلِيلٌ بِالْحُكْمِ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ إنْ جُعِلَتْ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُعَرِّفَةِ فَلَا امْتِنَاعَ فِي أَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ حُكْمًا عَلَمًا لِحُكْمٍ آخَرَ بِأَنْ يَقُولَ إذَا حَرَّمْتُ كَذَا فَاعْلَمُوا أَنِّي

ص: 347

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَرْدًا وَعَدَدًا كَمَا

ــ

[كشف الأسرار]

حَرَّمْت كَذَا أَوْ إذَا أَوْجَبْتُ كَذَا فَاعْلَمُوا أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا وَإِنْ جُعِلَتْ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ فَلَا امْتِنَاعَ أَيْضًا فِي أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مُسْتَلْزِمًا حُصُولَ مَصْلَحَةٍ لَا تَحْصُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادٍ فَثَبَتَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْحُكْمِ جَائِزٌ وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرْنَا الْجَوَابُ عَنْ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ انْتِقَاضَ الْعِلَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّقْدِيمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً بِذَاتِهِ بَلْ بِجَعْلِ الشَّارِعِ إيَّاهُ عِلَّةً بِقِرَانِ الْحُكْمِ الْآخَرِ بِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا عَدَمَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْعِلِّيَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ، وَالْمُتَأَخِّرُ يَصْلُحُ مُعَرِّفًا لِلْمُتَقَدِّمِ وَلَا عَلَى تَقْدِيرِ الْمُقَارَنَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطُ الْعِلِّيَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل.

وَقَوْلُنَا فِي الْمُدَبَّرِ إنَّهُ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ مِنْ قَبِيلِ التَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالتَّعْلِيقِ وَقَوْلُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى احْتِرَازٌ عَنْ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ فَإِنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، أَوْ قَدِمَ غَائِبِي فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ قَالَ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مِنْ الْمَرَضِ الْفُلَانِيِّ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي.

1 -

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ) أَيْ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ فَرْدًا أَيْ وَصْفًا فَرْدًا، وَهُوَ بِلَا خِلَافٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَدًا مِنْ الْأَوْصَافِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ مِنْ اجْتِمَاعِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ حَتَّى لَوْ كَانَ كُلُّ وَصْفٍ يَعْمَلُ فِي الْحُكْمِ بِانْفِرَادِهِ كَاجْتِمَاعِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ وَالرُّعَافِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلٌّ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ الْحَدَثِ وَكَاجْتِمَاعِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالرِّدَّةِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُسْتَبِدٍّ فِي إيجَابِ الْقَتْلِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ التَّعْلِيلُ بِعَدَدٍ مِنْ الْأَوْصَافِ جَائِزٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ عِلِّيَّةُ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ ثَبَتَ بِهِ عِلِّيَّةُ الْأَوْصَافِ الْمُتَعَدِّدَةِ إذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُتَعَدِّدَةِ عِلَّةً بِمَا يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى ظَنِّ التَّعْلِيلِ بِهَا مِنْ تَأْثِيرٍ، أَوْ مُنَاسَبَةٍ أَوْ إخَالَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَصْفٍ وَاحِدٍ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ؛ لِأَنَّ تَرْكِيبَ الْعِلَّةِ لَوْ صَحَّ لَكَانَتْ الْعِلِّيَّةُ صِفَةً زَائِدَةً عَلَى مَجْمُوعِ الْأَوْصَافِ؛ لِأَنَّا نَعْقِلُ مَجْمُوعَ الْأَوْصَافِ وَنَجْهَلُ كَوْنَهَا عِلَّةً وَالْمَجْهُولُ غَيْرُ الْمَعْلُومِ بَعْدَمَا ثَبَتَ أَنَّهَا زَائِدَةٌ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: حَصَلَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ بِتَمَامِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَصْفٍ عِلَّةً لَا أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ حَصَلَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ لِلْمَجْمُوعِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ إنْ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْصَافِ جُزْءٌ مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ الصِّفَةِ الْعَقْلِيَّةِ بِحَيْثُ يَكُونُ لَهَا نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَرُبُعٌ مُحَالٌ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي حُصُولِ الصِّفَةِ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ شَيْءٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ يَنْتَقِضُ بِالْحُكْمِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْحُرُوفِ بِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاسْتِخْبَارٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ خَبَرًا زَائِدٌ عَلَيْهِ ثُمَّ إمَّا أَنْ يَقُومَ كَوْنُهُ خَبَرًا بِكُلِّ حَرْفٍ أَوْ بِمَجْمُوعِ الْحُرُوفِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ انْقِسَامُ الْمَعْنَى

ص: 348

فِي بَابِ الرِّبَا، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي النَّصِّ وَهَذَا لَا يَشْكُلُ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِإِعْدَامِ الْعَاقِدِ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ وَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ مَعْلُولٌ بِالْجَهَالَةِ، أَوْ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ وَعَلَّلَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ بِإِرْقَاقِ جُزْءٍ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ لَكِنَّهُ ثَابِتٌ بِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

إلَى آخَرِ مَا ذَكَرْتُمْ وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ مَجْمُوعِ الْأَوْصَافِ عِلَّةً هُوَ أَنَّ الشَّارِعَ قَضَى بِالْحُكْمِ عِنْدَهُ رِعَايَةً لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَوْصَافُ مِنْ الْحِكْمَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَةً لَهَا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ صِفَةً زَائِدَةً لِيَلْزَمَ مَا ذَكَرُوهُ وَقَوْلُهُ كَمَا فِي الرِّبَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ عَدَدًا فَإِنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا مُتَعَلِّقَةٌ بِوَصْفَيْنِ وَهُمَا الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالْجَمِيعِ فَإِنَّ حُرْمَةَ رِبَا النَّسِيئَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْجِنْسُ أَوْ الْقَدْرُ عِنْدَنَا وَحُرْمَةُ رِبَا الْفَضْلِ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَصْفَيْنِ كَمَا قُلْنَا فَيَكُونُ الرِّبَا مِثَالًا لِلْفَرْدِ وَالْعَدَدِ جَمِيعًا وَالتَّعْلِيلُ بِالْأَوْصَافِ مِثْلُ تَعْلِيلِنَا فِي نَجَاسَةِ سُؤْرِ السِّبَاعِ بِأَنَّ السِّبَاعَ حَيَوَانٌ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ لَا لِكَرَامَتِهِ وَلَا بَلْوَى فِي سُؤْرِهِ فَيَكُونُ سُؤْرُهُ نَجَسًا كَسُؤْرِ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَكَتَعْلِيلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ مِنْ الْخَشَبِ بِأَنَّهُ قَتْلُ عَمْدٌ عُدْوَانٌ مَحْضٌ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ مَنْ جَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِالْأَوْصَافِ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى عَدَدٍ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزِيدَ الْأَوْصَافَ عَلَى سَبْعَةٍ وَجْهُهُ أَنَّ أَقْصَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ مَحَلُّهُ وَمَعْنَى يَقْتَضِيهِ إمَّا مُطْلَقًا، أَوْ مَشْرُوطًا بِوُجُودِ شَرْطٍ، أَوْ عَدَمِ مَانِعٍ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي بِالْفَاعِلِ فَيُعْتَبَرُ أَهْلِيَّتُهُ وَأَقْصَاهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ، ثُمَّ قَدْ لَا يَشْتَغِلُ بِهِ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ بِصِيَغِ الْمُعَارَضَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ مَجْمُوعُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ إيجَابًا وَقَبُولًا صُدُورًا مِنْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فِي الْمَحَلِّ مَعَ قِرَانِ الشَّرْطِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهِيَ سَبْعَةٌ وَكُلُّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ تَفْصِيلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَيْهَا وَلَمَّا لَمْ يَخْلُ هَذَا عَنْ تَكَلُّفٍ كَمَا نَرَى أَعْرَضَ عَنْهُ الْعَامَّةُ وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى عَدَدٍ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِي النَّصِّ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَذْكُورًا فِي النَّصِّ لَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثَابِتًا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَالتَّعْلِيلِ بِالطَّوَافِ فِي الْهِرَّةِ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ عَلَيْكُمْ» ، أَوْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْهِرَّةُ، وَكَذَا التَّعْلِيلُ بِالْقَدْرِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَيْلًا بِكَيْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ، أَوْ ثَابِتٌ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَشْيَاءُ السِّتَّةُ.

وَهَذَا لَا يَشْكُلُ أَيْ جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِوَصْفٍ فِي النَّصِّ غَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ هُوَ الَّذِي يُعَلِّلُ فَالتَّعْلِيلَ بِوَصْفٍ فِيهِ يَكُونُ صَحِيحًا لَا مَحَالَةَ.

وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِهِ مَعْنًى وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثَابِتًا بِصَرِيحِ النَّصِّ، أَوْ لَا يَكُونُ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ فِي غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ مِثْلُ تَعْلِيلِ جَوَازِ السَّلَمِ بِإِعْدَامِ الْعَاقِدِ أَيْ بِفَقْرِهِ وَاحْتِيَاجِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْإِعْدَامَ مَعْنًى فِي الْعَاقِدِ لَا فِي السَّلَمِ لَكِنَّهُ ثَابِتٌ بِهِ أَيْ بِالنَّصِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وُجُودَ السَّلَمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ يَقْتَضِي عَاقِدًا وَالْإِعْدَامُ صِفَتُهُ فَكَانَ ثَابِتًا بِاقْتِضَائِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِعَيْنِ النَّصِّ وَعَلَّلَ الشَّافِعِيُّ عَدَمَ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» بِأَنَّهُ أَيْ نِكَاحَ الْأَمَةِ إرْقَاقُ جُزْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ الْوَلَدُ مَعَ الْغُنْيَةِ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ وَعَدَاهُ إلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ مَعَ طُولِ الْحُرَّةِ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ فَإِنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِصَرِيحِهِ وَلَكِنَّهُ ثَابِتٌ بِهِ فَإِنَّ ذِكْرَ النِّكَاحِ يَقْتَضِي نَاكِحًا كَمَا أَنَّ ذِكْرَ السَّلَمِ يَقْتَضِي عَاقِدًا

ص: 349

وَإِنَّمَا اسْتَوَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا تُعْرَفُ صِحَّتُهَا بِأَثَرِهَا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ، وَاتَّفَقُوا أَنَّ كُلَّ أَوْصَافِ النَّصِّ بِجُمْلَتِهَا لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً.

وَاخْتَلَفُوا فِي دَلَالَةِ كَوْنِهِ عِلَّةً عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَالَ أَهْلُ الطَّرْدِ: إنَّهُ يَصِيرُ حُجَّةً بِمُجَرَّدِ الِاطِّرَادِ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى يُعْقَلُ

ــ

[كشف الأسرار]

وَالْإِرْقَاقُ صِفَتُهُ فَكَانَ ثَابِتًا بِمُقْتَضَى النَّصِّ.

وَذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْوَصْفِ قَائِمًا بِمَحَلِّ الْحُكْمِ فَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ هُوَ شَرْطٌ اسْتِدْلَالًا بِالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْحَرَكَةِ عِلَّةٌ لِصَيْرُورَةِ الذَّاتِ مُتَحَرِّكًا، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْحَرَكَةُ فِي مَحَلِّ عِلَّةٍ لِصَيْرُورَةِ ذَاتِ آخَرَ مُتَحَرِّكًا فَكَذَا فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا إنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَنَحْوَهَا عِلَلٌ لِثُبُوتِ الْأَحْكَامِ فِي الْمَحَالِّ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ قَائِمَةٌ بِالْعَاقِدَيْنِ.

وَكَذَا كَوْنُ الشَّخْصِ مُعْدَمًا مُحْتَاجًا، عِلَّةُ جَوَازِ السَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَذَا الْوَصْفُ قَائِمٌ بِالْعَاقِدِ لَا بِمَحَلِّ الْحُكْمِ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ وُجُودُهُ شَرْطًا فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ وَدَلَالَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ وَقِيَامُ الدَّلِيلِ بِالْمَدْلُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الدَّلِيلِ كَالْعَالَمِ دَلِيلُ وُجُودِ الصَّانِعِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ السِّحْرَ عِلَّةٌ لِتَغَيُّرِ الْمَسْحُورِ.

وَكَذَا الْعَيْنُ عِلَّةٌ لِتَغَيُّرِ الشَّيْءِ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْعَيْنُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الِاتِّصَالُ وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ الْعِلَّةُ بِهَذَا الشَّرْطِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِهَذَا أَنْكَرُوا السِّحْرَ وَالْعَيْنَ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا اسْتَوَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ) يَعْنِي الْوُجُوهَ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ قَوْلِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا إلَى قَوْلِهِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِهِ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ كَوْنُ الْوَصْفِ حُجَّةً وَيُعْرَفُ بِهِ كَوْنُهُ عِلَّةً هُوَ الْأَثَرُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَذَلِكَ أَيْ الْأَثَرُ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ هَذِهِ الْوُجُوهِ لِجَوَازِ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَمَتَى ظَهَرَ لِشَيْءٍ مِنْهَا التَّأْثِيرُ فَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً فَوَجَبَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ.

وَاتَّفَقُوا أَنَّ كُلَّ أَوْصَافِ النَّصِّ بِجُمْلَتِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَوْصَافِ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ بِوَصْفِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَذْكُورِ فِي «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَعْتِقْ رَقَبَةً» فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ التُّرْكِيَّ وَالْهِنْدِيَّ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا لِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا لِوِقَاعِ الْأَهْلِ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِالزِّنَا وَبِوَطْءِ الْأَمَةِ وَلَا لِلْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ فَإِنَّ سَائِرَ الْأَيَّامِ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَسَائِرِ شُهُورِ رَمَضَانَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْحَوَادِثِ فَإِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَكَانِ كَذَا وَزَمَانِ كَذَا وَلَا دَخْلَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي الْحُكْمِ بِالِاتِّفَاقِ فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّعْلِيلَ بِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ وَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ تَعْلِيلٌ بِمَا لَا يَتَعَدَّى؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَوْصَافِ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ فَاسِدٌ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَكَمَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْجَمْعِ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِكُلِّ وَصْفٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ فِي الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحِنْطَةَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنَّهَا مَكِيلَةٌ مَطْعُومَةٌ مُقْتَاتَةٌ مُدَّخَرَةٌ جب جثم شَيْءٌ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ كُلَّ وَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ عِلَّةٌ لِحُكْمِ الرِّبَا فِيهَا بَلْ الْعِلَّةُ بَعْضُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُعَلِّلِ أَنْ يُعَلِّلَ بِأَيِّ وَصْفٍ شَاءَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ ادَّعَاهُ وَصْفًا مِنْ الْأَوْصَافِ أَنَّهُ عِلَّةٌ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَاهُ الْحُكْمَ فَكَمَا لَا يُسْمَعُ مِنْهُ دَعْوَى الْحُكْمِ بِلَا دَلِيلٍ لَا يُسْمَعُ دَعْوَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً بِلَا دَلِيلٍ.

وَذَكَرَ بَعْضُ

ص: 350