المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

انْقِطَاعٌ بِالْمُعَارَضَةِ وَانْقِطَاعٌ لِنُقْصَانٍ وَقُصُورٍ فِي النَّاقِلِ أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَإِنَّمَا - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٣

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ بَيَانِ قِسْمِ) (الِانْقِطَاعِ)وَهُوَ نَوْعَانِ

- ‌ مَا أَرْسَلَهُ الصَّحَابِيُّ

- ‌ إرْسَالُ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ

- ‌[الإنقطاع الظَّاهِرُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ] [

- ‌ إرْسَالُ كُلِّ عَدْلٍ

- ‌ الِاتِّصَالَ بِالِانْقِطَاعِ

- ‌[الِانْقِطَاعُ الْبَاطِلُ]

- ‌ الْحَادِثَةَ إذَا اُشْتُهِرَتْ وَخَفِيَ الْحَدِيثُ

- ‌[الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلِفُوا فِي حَادِثَةٍ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يُحَاجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ]

- ‌ خَبَرُ الْمَسْتُورِ

- ‌[الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ]

- ‌ خَبَرِ الْفَاسِقِ

- ‌[خَبَر الْكَافِرِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ إذَا عَقَلَا مَا يَقُولَانِ]

- ‌[خَبَر صَاحِبُ الْهَوَى]

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ)

- ‌[بَابُ بَيَانِ الْخَبَرُ]

- ‌ بَابُ الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ)

- ‌بَابُ شَرْطِ نَقْلِ الْمُتُونِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى)

- ‌(بَابُ مَا يَلْحَقُهُ النَّكِيرُ مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي)

- ‌(بَابُ الطَّعْنِ يَلْحَقُ الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ رَاوِيهِ)

- ‌‌‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ آيَتَيْنِ

- ‌[كَيْفِيَّةَ الْمَخْلَصِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[تعارض الْجُرْح وَالتَّعْدِيل]

- ‌(بَابُ الْبَيَانِ)

- ‌[أَوْجُه الْبَيَانُ]

- ‌[بَيَانُ التَّقْرِير]

- ‌ بَيَانُ التَّفْسِيرِ

- ‌[تَخْصِيصِ الْعَامِّ]

- ‌(بَابُ بَيَانِ التَّغْيِيرِ)

- ‌[أَنْوَاع بَيَانِ التَّغْيِيرِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ الضَّرُورَةِ}

- ‌[أَوْجُهٍ بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

- ‌{بَابُ بَيَانِ التَّبْدِيلِ

- ‌[تَفْسِيرِ النَّسْخِ]

- ‌النَّسْخُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ مَحِلِّ النَّسْخِ)

- ‌[أَقْسَام مَالَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ شُرُوطِ النَّسْخ]

- ‌{بَابُ تَقْسِيمِ النَّاسِخِ}

- ‌[النَّسْخُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ]

- ‌نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ

- ‌(بَابُ تَفْصِيلِ) (الْمَنْسُوخِ)

- ‌[أَنْوَاعٌ الْمَنْسُوخُ]

- ‌[الْفُرْق بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ]

- ‌(بَابُ أَفْعَالِ النَّبِيِّ)

- ‌[أَقْسَام أَفْعَالِ النَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السُّنَّةِ)فِي حَقِّ النَّبِيِّ

- ‌[أَنْوَاع الوحى]

- ‌[جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ]

- ‌(بَابُ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا)

- ‌ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ

- ‌[بَابُ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ]

- ‌[تَقْلِيد التَّابِعِينَ]

- ‌(بَابُ الْإِجْمَاعِ)

- ‌[أَرْكَان الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ أَهْلِيَّةِ الْإِجْمَاع]

- ‌بَابُ شُرُوطِ) (الْإِجْمَاعِ) :

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ وَمَحِلّه]

- ‌[إنْكَار الْإِجْمَاع]

- ‌[بَابُ بَيَانِ سَبَب الْإِجْمَاعُ]

- ‌(بَابُ الْقِيَاسِ)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ الْقِيَاسِ]

- ‌[ثُبُوت الْقِيَاس وَأَنْوَاعه]

- ‌(فَصْلٌ فِي تَعْلِيلِ الْأُصُولِ)

- ‌بَابٌ شُرُوطُ الْقِيَاسِ) :

- ‌[بَابُ رُكْنُ الْقِيَاسِ]

- ‌[مَا يصلح دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّة]

- ‌[بَابُ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ]

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ

- ‌ الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْعِلَّةِ) :

- ‌[جُمْلَةَ مَا يُعَلَّلُ لَهُ]

الفصل: انْقِطَاعٌ بِالْمُعَارَضَةِ وَانْقِطَاعٌ لِنُقْصَانٍ وَقُصُورٍ فِي النَّاقِلِ أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَإِنَّمَا

انْقِطَاعٌ بِالْمُعَارَضَةِ وَانْقِطَاعٌ لِنُقْصَانٍ وَقُصُورٍ فِي النَّاقِلِ أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْعَرْضِ عَلَى الْأُصُولِ فَإِذَا خَالَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ مَرْدُودًا مُنْقَطِعًا وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَيْضًا مَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَالثَّانِي مَا خَالَفَ السُّنَّةَ الْمَعْرُوفَةَ وَالثَّالِثُ مَا شَذَّ مِنْ الْحَدِيثِ فِيمَا اُشْتُهِرَ مِنْ الْحَوَادِثِ وَعَمَّ بِهِ الْبَلْوَى فَوَرَدَ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ.

وَالرَّابِعُ أَنْ يَعْرِضَ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْكِتَابَ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يُتْرَكُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَالنَّصُّ وَالظَّاهِرُ، حَتَّى إنَّ الْعَامَّ مِنْ الْكِتَابِ لَا يُخَصُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله وَلَا يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَنَا وَلَا يُتْرَكُ الظَّاهِرُ مِنْ الْكِتَابِ وَلَا يُنْسَخُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ أَصْلٌ وَالْمَعْنَى فَرْعٌ لَهُ وَالْمَتْنُ مِنْ الْكِتَابِ فَوْقَ الْمَتْنِ مِنْ السُّنَّةِ لِثُبُوتِهِ ثُبُوتًا بِلَا شُبْهَةٍ فِيهِ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِهِ قَبْلَ الْمَصِيرِ إلَى الْمَعْنَى

ــ

[كشف الأسرار]

أَنَّهُ سَمِعَهُ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا فَأَرْسَلَهُ اعْتِمَادًا عَلَيْهِ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فَأَسْنَدَهُ ثَانِيًا أَوْ كَانَ ذَاكِرًا لِلْإِسْنَادِ فَأَسْنَدَهُ ثُمَّ نَسِيَ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ فَأَرْسَلَهُ ثَانِيًا فَلَا يَقْدَحُ إرْسَالُهُ فِي إسْنَادِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا يُقْبَلُ إسْنَادُهُ عِنْدَهُمْ إذَا أَتَى بِلَفْظٍ صَرِيحٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَوْ سَمِعْت فُلَانًا وَلَا يُقْبَلُ إذَا أَتَى بِلَفْظٍ مُوهِمٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ عَنْ فُلَانٍ وَنَحْوِهِ هَكَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَيْضًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمُعْتَمَدِ.

، وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ مُرْسَلًا وَبَعْضُهُمْ مُتَّصِلًا مِثْلُ حَدِيثِ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» رَوَاهُ إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ فِي أُخْرَى عَنْ جَدِّهِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْنَدًا هَكَذَا مُتَّصِلًا، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَحَكَى الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَرَوْنَ الْحُكْمَ فِي هَذَا وَأَشْبَاهِهِ لِلْمُرْسَلِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَحْفَظِ فَإِذَا كَانَ مَنْ أَرْسَلَهُ أَحْفَظَ مِمَّنْ وَصَلَهُ فَالْحُكْمُ لِمَنْ أَرْسَلَهُ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عَدَالَةِ مَنْ وَصَلَهُ وَأَهْلِيَّتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَنْ أَسْنَدَ حَدِيثًا قَدْ أَرْسَلَهُ الْحَافِظُ فَإِرْسَالُهُمْ لَهُ يَقْدَحُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي عَدَالَتِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْحُكْمُ مَنْ أَسْنَدَهُ إذَا كَانَ ضَابِطًا عَدْلًا فَيُقْبَلُ خَبَرُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِفُ لَهُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا مَا إذَا كَانَ الَّذِي وَصَلَهُ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ، وَهَكَذَا إذَا رَفَعَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الصَّحَابِيِّ أَوْ رَفَعَهُ وَاحِدٌ فِي وَقْتٍ وَوَقَفَهُ هُوَ أَيْضًا فِي وَقْتٍ آخَرَ فَالْحُكْمُ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا زَادَهُ الثِّقَةُ مِنْ الْوَصْلِ وَالرَّفْعِ.

فَوَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنَّ الرَّاوِيَ لَمَّا سَكَتَ عَنْ تَسْمِيَتِهِ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْجُرْحِ فِيهِ وَإِسْنَادُ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْدِيلِ، وَإِذَا اسْتَوَى الْجُرْحُ وَالتَّعْدِيلُ يَغْلِبُ الْجُرْحُ لِمَا عُرِفَ. وَوَجْهُ الْقَبُولِ أَنَّ عَدَالَةَ الْمُسْنِدِ يَقْتَضِي قَبُولَ الْخَبَرِ وَلَيْسَ فِي إرْسَالِ مَنْ أَرْسَلَهُ مَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْبَلَ إسْنَادُ مَنْ يُسْنِدُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَرْسَلَهُ سَمِعَهُ مُرْسَلًا أَوْ نَسِيَ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَمَنْ أَسْنَدَهُ سَمِعَهُ مُسْنَدًا فَلَا يَقْدَحُ إرْسَالُهُ فِي إسْنَادِ الْآخَرِ وَلِأَنَّ الْمُسْنَدَ مُثْبِتٌ وَالْمُرْسَلَ سَاكِتٌ وَلَوْ كَانَ نَافِيًا فَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا خَفَى عَلَيْهِ.

[الِانْقِطَاعُ الْبَاطِلُ]

قَوْلُهُ (انْقِطَاعٌ بِالْمُعَارَضَةِ) ، وَهُوَ أَنْ تُعَارِضَ الْخَبَرَ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَارَضَهُ مَا هُوَ فَوْقَهُ سَقَطَ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ سَاقِطٌ فَيَنْقَطِعُ مَعْنًى ضَرُورَةً لِنُقْصَانٍ وَقُصُورٍ فِي النَّاقِلِ بِفَوَاتِ بَعْضِ شَرَائِطِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالضَّبْطِ وَالْعَقْلِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِمَّا يَعْرِضُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأُصُولُ، وَذَلِكَ أَيْ الِانْقِطَاعُ الْمَعْنَوِيُّ الْحَاصِلُ بِمُخَالَفَةِ الْأُصُولِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَيْضًا كَالِانْقِطَاعِ الظَّاهِرِ السُّنَّةُ الْمَعْرُوفَةُ أَيْ الْمَشْهُورَةُ أَوْ الْمُتَوَاتِرَةُ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ أَيْ لِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ لَصَارَ مِثْلَ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ بِمُوَافَقَتِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَوْلَهُ (وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ) اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا وَرَدَ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْلِ.

فَإِنْ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهُ مِنْ غَيْرِ تَعَسُّفٍ يُقْبَلُ

ص: 8

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ إلَّا بِتَعَسُّفٍ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّأْوِيلُ مَعَ التَّعَسُّفِ لَبَطَلَ التَّنَاقُضُ مِنْ الْكَلَامِ كُلِّهِ وَيَجِبُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ الْقَطْعُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَقُلْهُ إلَّا حِكَايَةً عَنْ الْغَيْرِ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِنَصِّ الْكِتَابِ أَوْ لِلسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَوْ لِلْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ قَطْعِيَّةٌ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ بِوَجْهٍ بَلْ الظَّنِّيُّ يَسْقُطُ بِمُقَابَلَةِ الْقَطْعِيِّ فَإِنْ خَالَفَ خَبَرُ الْوَاحِدِ عُمُومَ الْكِتَابِ أَوْ ظَاهِرَهُ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ وَتَرْكُ الظَّاهِرِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْخَاصِّ وَالنَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَيْ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَالنَّصُّ وَالظَّاهِرُ حَتَّى إنَّ الْعَامَّ مِنْ الْكِتَابِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] لَا يُخَصُّ بِقَوْلِهِ عليه السلام «الْحَرَمُ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ» وَلَا يُتْرَكُ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] بِقَوْلِهِ عليه السلام «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ وَشَرْطُهُ شَرْطُ الصَّلَاةِ» وَلَا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةُ بِحَدِيثِ التَّسْمِيَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ وَيَثْبُتُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ظَاهِرِ الْكِتَابِ، وَعُمُومَاتُهُ لَا تُوجِبُ الْيَقِينَ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهَا وَمُعَارَضَتُهَا بِهِ عِنْدَهُمْ.

وَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَالْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا أَفَادَتْ عُمُومَاتُ الْكِتَابِ وَظَوَاهِرُ الْيَقِينِ كَالنُّصُوصِ وَالْخُصُوصَاتُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا وَمُعَارَضَتُهَا بِهِ فَأَمَّا عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا ظَنِّيَّةً مِنْ مَشَايِخِنَا مِثْلَ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ تَخْصِيصُهَا بِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ فَوْقَ الِاحْتِمَالِ فِي الْعَامِّ وَالظَّاهِرِ مِنْ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَهُوَ احْتِمَالُ إرَادَةِ الْبَعْضِ مِنْ الْعُمُومِ وَإِرَادَةُ الْمَجَازِ مِنْ الظَّاهِرِ وَلَكِنْ لَا شُبْهَةَ فِي ثُبُوتِ مَتْنِهِمَا أَيْ نَظْمِهِمَا وَعِبَارَتِهِمَا وَالشُّبْهَةُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ مَتْنِهِ وَمَعْنَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الظَّوَاهِرِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ نَصًّا فِي مَعْنَاهُ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مُودَعٌ فِي اللَّفْظِ وَتَابِعٌ لَهُ فِي الثُّبُوتِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمَتْنُ أَصْلٌ وَالْمَعْنَى فَرْعٌ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُؤَثِّرَ الشُّبْهَةُ الْمُتَمَكِّنَةُ فِي اللَّفْظِ فِي ثُبُوتِ مَعْنَاهُ ضَرُورَةً، وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ مُنْكِرُ لَفْظِهِ وَلَا مُنْكِرُ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ مُنْكِرِ الظَّاهِرِ وَالْعَامِّ مِنْ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَلَا تَخْصِيصُ عُمُومِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ الْأَقْوَى بِمَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الصَّحَابَةَ خَصُّوا قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] بِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ» وقَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] بِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] بِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا» فِي شَوَاهِدَ لَهَا كَثِيرَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ تَخْصِيصَ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ.

قُلْنَا: هَذِهِ أَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهَا عَلَى

ص: 9

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام «تَكْثُرُ لَكُمْ الْأَحَادِيثُ مِنْ بَعْدِي فَإِذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى فَاقْبَلُوهُ وَمَا خَالَفَهُ فَرَدُّوهُ» فَلِذَلِكَ نَقُولُ: إنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي نَسْخِ الْكِتَابِ وَيُقْبَلُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْسَخُهُ وَمَنْ رَدَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ فَقَدْ أَبْطَلَ الْحُجَّةَ فَوَقَعَ فِي الْعَمَلِ بِالشُّبْهَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَوْ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ الَّذِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا وَمَنْ عَمِلَ بِالْآحَادِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَنَسْخِهِ فَقَدْ أَبْطَلَ الْيَقِينَ وَالْأَوَّلُ فَتْحُ بَابِ الْجَهْلِ وَالْإِلْحَادِ. وَالثَّانِي فَتْحُ بَابِ الْبِدْعَةِ وَإِنَّمَا سَوَاءُ السَّبِيلِ فِيمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي تَنْزِيلِ كُلٍّ مَنْزِلَتَهُ

ــ

[كشف الأسرار]

الْكِتَابِ وَلَا كَلَامَ فِيهَا إنَّمَا الْكَلَامُ فِي خَبَرٍ شَاذٍّ خَالَفَ عُمُومَ الْكِتَابِ هَلْ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُسَامَةَ رضي الله عنهم رَوَوْا خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَلَمْ يَخُصُّوا بِهِ قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] حَتَّى قَالَ رضي الله عنه لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي صَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ.

قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام تَكْثُرُ لَكُمْ الْأَحَادِيثُ) الْحَدِيثُ أَهْلُ الْحَدِيثِ طَعَنُوا فِيهِ وَقَالُوا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ ثَوْبَانَ وَيَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ مَجْهُولٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ فَكَانَ مُنْقَطِعًا أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَحُكِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ وَضَعَتْهُ الزَّنَادِقَةُ، وَهُوَ عِلْمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَتَزْكِيَةُ الرُّوَاةِ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] فَيَكُونُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ سَاقِطًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ، وَهُوَ الطَّوْدُ الْمُتَّبَعُ فِي هَذَا الْفَنِّ وَإِمَامُ أَهْلِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ فَكَفَى بِإِيرَادِهِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى طَعْنِ غَيْرِهِ بَعْدُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَبُولِ بِالْكِتَابِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الرَّسُولِ عليه السلام بِالسَّمَاعِ مِنْهُ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ وَوُجُوبِ الْعَرْضِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا تَرَدَّدَ ثُبُوتُهُ مِنْ الرَّسُولِ عليه السلام إذْ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْكِتَابِ بِوَجْهٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَعْطَاكُمْ الرَّسُولُ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَاقْبَلُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ أَيْ عَنْ أَخْذِهِ فَانْتَهُوا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ هُوَ الْغُلُولُ، وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ «مَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تَعْرِفُونَ فَصَدِّقُوا بِهِ وَمَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا تُنْكِرُونَ فَلَا تُصَدِّقُوا فَإِنِّي لَا أَقُولُ الْمُنْكَرَ» وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْعَرْضِ عَلَى الْكِتَابِ.

وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْكِتَابِ لَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ يَقُولُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي نَسْخِ الْكِتَابِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ فِي النَّسْخِ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ لَا يَجُوزُ رَفْعُهُ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ لِاشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ فِي النَّسْخِ، وَأَمَّا النَّسْخُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ يَجُوزُ عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لَا عَلَى أَنَّهُ نَسْخٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل.

وَيُقْبَلُ فِيمَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْسَخُهُ أَيْ يُعْمَلُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى النَّسْخِ فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ يُتْرَكُ مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ حِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا يَقْتَضِي نَسْخَ ظَاهِرِ الْكِتَابِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ أَصْلًا. وَمِثَالُ الثَّانِي خَبَرُ تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ وَتَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ وَوُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا لَا يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ فَيُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ وَالتَّعْدِيلُ وَالطَّهَارَةُ عَلَى وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ النُّقْصَانُ بِفَوَاتِهَا فِي الْعِبَادَةِ وَلَمْ يَفُتْ أَصْلُ الْجَوَازِ إذْ لَوْ فَاتَ لَأَدَّى إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ وَمَنْ أَرَادَ أَخْبَارَ الْآحَادِ فَقَدْ أَبْطَلَ الْحُجَّةَ لِمَا مَرَّ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مِنْ حِجَجِ الشَّرْعِ فَوَقَعَ فِي الْعَمَلِ بِالشُّبْهَةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْقِيَاسِ فِي أَصْلِهِ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو عَنْهَا وَفِي الْخَبَرِ عَارِضٌ أَوْ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ الَّذِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا ثُمَّ بَعْضُ مَنْ رَدَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ

ص: 10

وَمِثَالُ هَذَا مَسُّ الذَّكَرِ أَنَّهُ يُخَالِفُ الْكِتَابَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] وَالْمُسْتَنْجِي يَمَسُّ ذَكَرَهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ حَدَثًا وَمِثْلُ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي النَّفَقَةِ أَنَّهُ يُخَالِفُ الْكِتَابَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةُ. وَمَعْنَاهُ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْكِتَابِ أَحَقُّ مِنْ نَصِّ الْآحَادِ وَكَذَلِكَ مِمَّا خَالَفَ الْكِتَابَ مِنْ السُّنَنِ أَيْضًا حَدِيثُ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِنَوْعَيْنِ بِرَجُلَيْنِ بِقَوْلِهِ {مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَبِقَوْلِهِ {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَمِثْلُ هَذَا إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ

ــ

[كشف الأسرار]

عَمِلَ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ وُقُوعِ الْحَادِثَةِ وَبَعْضُهُمْ رَدَّ الْقِيَاسَ أَصْلًا وَعَمِلَ بِالِاسْتِصْحَابِ فِي الْحَوَادِثِ فَالشَّيْخُ أَشَارَ إلَى فَسَادِ الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا، فَقَدْ أَبْطَلَ الْيَقِينَ يَعْنِي بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْأَوَّلُ فَتْحُ بَابِ الْجَهْلِ وَالْإِلْحَادِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْحُجَّةِ وَالْأَخْذَ بِالشُّبْهَةِ أَوْ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عُدُولٌ عَنْ الصَّوَابِ وَمَنْشَؤُهُ الْجَهْلُ، وَالثَّانِي: وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْآحَادِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَنَسْخِهِ فَتْحُ بَابِ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَعْمَلُوا بِالْآحَادِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ عَلَى مَا حَكَيْنَا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا بِكَذَا.

قَوْلُهُ (وَمِثَالُ هَذَا) أَيْ مِثَالُ الِانْقِطَاعِ بِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ حَدِيثُ مَسِّ الذَّكَرِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] فَإِنَّهُ نَزَلَ فِيهِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَزَلَتْ الْآيَةُ مَشَى إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ فَإِذَا الْأَنْصَارُ جُلُوسٌ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّه عز وجل قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فَمَا الَّذِي تَصْنَعُونَ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الْغَائِطِ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُتْبِعُ الْغَائِطَ الْأَحْجَارَ الثَّلَاثَةَ ثُمَّ نُتْبِعُ الْأَحْجَارَ الْمَاءَ فَتَلَا النَّبِيُّ عليه السلام {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] » وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَسِّ الْفَرْجَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ مِنْ التَّطَهُّرِ فَلَوْ جُعِلَ الْمَسُّ حَدَثًا لَا يُتَصَوَّرَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِنْجَاءُ تَطَهُّرًا؛ لِأَنَّ التَّطَهُّرَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِزَوَالِ الْحَدَثِ فَلَا يَحْصُلُ مَعَ إثْبَاتِ حَدَثٍ آخَرَ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمِ وَالْبَوْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ لَا نَجْعَلُهُ تَطَهُّرًا عَنْ الْحَدَثِ لِيَكُونَ الْمَسُّ مُنَافِيًا لَهُ بَلْ هُوَ تَطَهُّرٌ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ تَطْهِيرِ الثَّوْبِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ اسْتَحَقُّوا الْمَدْحَ لَا بِاعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ إذْ الْكُلُّ كَانُوا فِيهَا سَوَاءً وَهَذِهِ الطَّهَارَةُ لَا تَزُولُ بِالْمَسِّ كَمَا لَوْ فَسَا أَوْ رَعَفَ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الِاسْتِنْجَاءَ تَطَهُّرًا مُطْلَقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَطَهُّرًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَوْ جَعَلَ الْمَسَّ حَدَثًا لَا يَكُونُ تَطَهُّرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يَخْلُو هَذَا الْجَوَابُ عَنْ ضَعْفٍ.

1 -

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَحَدِيثِ الْمَسِّ وَحَدِيثِ فَاطِمَةَ حَدِيثُ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ يَمِينُ الْمُدَّعِي، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِشَاهِدٍ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الطَّالِبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنهما.

وَعُلَمَاؤُنَا لَمْ يَعْمَلُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] أَمَرَ بِالِاسْتِشْهَادِ لِإِحْيَاءِ الْحَقِّ، وَهُوَ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ مَا هُوَ شَهَادَةٌ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ كُلٌّ يَكُونُ مُجْمَلًا ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَوْعَيْنِ بِرَجُلَيْنِ وَبِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَمَّا عَلَى الْمُسَاوَاةِ أَوْ التَّرْتِيبِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ اقْتِصَارُ الِاسْتِشْهَادِ الْمَطْلُوبِ بِالْأَمْرِ عَلَى النَّوْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُجْمَلَ إذَا فُسِّرَ كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا لِجَمِيعِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: كُلْ طَعَامَ كَذَا أَوْ طَعَامَ كَذَا، كَانَ التَّفْسِيرُ اللَّاحِقُ بَيَانًا لِجَمِيعِ مَا أُرِيدَ مِنْ الْمَأْكُولِ بِقَوْلِهِ كُلْ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ تَفَقَّهْ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ كَانَ التَّفْسِيرُ الْمُلْحَقُ بِهِ قَصْرَ الْأَمْرِ بِالتَّفَقُّهِ عَلَيْهِمَا حَتَّى لَا يَكُونَ التَّفَقُّهُ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ مُوجِبَاتِ الْأَمْرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اسْتَشْهِدْ زَيْدًا عَلَى صَفْقَتِك أَوْ خَالِدًا. لَمْ يَكُنْ اسْتِشْهَادُ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَأْمُورِ اسْتِشْهَادًا لِحُكْمِ الْأَمْرِ لَا مَحَالَةَ بَلْ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا

ص: 11

وَلِأَنَّهُ قَالَ {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَلَا مَزِيدَ عَلَى الْأَدْنَى وَلِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ الْمَعْهُودِ، وَهُوَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ حُجَّةً لَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِ الْمَعْهُودِ وَصَارَ ذَلِكَ بَيَانًا عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] فَنَقَلَ إلَى شَهَادَةِ الْكَافِرِ حِينَ كَانَتْ حُجَّةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي مَوْتِ الْمُسْلِمِينَ وَوَصَايَاهُمْ فَيَبْعُدُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَعْهُودَ وَيَأْمُرَ بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ يَمِينَ الشَّاهِدِ بِقَوْلِهِ {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] وَيَمِينُ الْخَصْمِ فِي الْجُمْلَةِ مَشْرُوعٌ فَأَمَّا يَمِينُ الشَّاهِدِ فَلَا فَصَارَ النَّقْلُ إلَى يَمِينِ الشَّاهِدِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ وَمِثْلُهُ خَبَرُ الْمُصَرَّاةِ

ــ

[كشف الأسرار]

يَصِيرُ الْمَذْكُورُ بَيَانًا لِلْكُلِّ فَمَنْ جَعَلَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ حُجَّةً فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ جَارٍ مَجْرَى النَّسْخِ فَلَا يَجُوزُ بِهِ.

وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] نَصَّ عَلَى أَدْنَى مَا يَنْتَفِي بِهِ الرِّيبَةُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْأَدْنَى شَيْءٌ يَنْتَفِي بِهِ الرِّيبَةُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا مَزِيدَ عَلَى الْأَدْنَى يَعْنِي فِي جَانِبِ الْقِلَّةِ وَالتَّسَفُّلِ فَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ حُجَّةً لَزِمَ مِنْهُ انْتِفَاءُ كَوْنِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَدْنَى فِي انْتِفَاءِ الرِّيبَةُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَكَانَ فِي جَعْلِهِ حُجَّةً إبْطَالُ مُوجِبِ الْكِتَابِ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى نَقَلَ الْحُكْمَ مِنْ الْمُعْتَادِ، وَهُوَ اسْتِشْهَادُ الرِّجَالِ إلَى غَيْرِ الْمُعْتَادِ، وَهُوَ اسْتِشْهَادُ النِّسَاءِ مُبَالَغَةً فِي الْبَيَانِ مَعَ أَنَّ حُضُورَهُنَّ مَجَالِسَ الْحُكَّامِ وَمَحَافِلَ الرَّجُلِ غَيْرُ مَعْهُودٍ بَلْ هُوَ حَرَامٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُنَّ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] فَلَوْ كَانَ يَمِينُ الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ حُجَّةً وَأَمْكَنَ لِلْمُدَّعِي الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ بِهَا لَمَا اسْتَقَامَ السُّكُوتُ عَنْهَا فِي الْحِكْمَةِ وَالِانْتِقَالِ إلَى ذِكْرِ مَنْ لَا يُسْتَشْهَدُ عَادَةً مَعَ كُلِّ هَذَا الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْبَيَانِ بَلْ كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ وَأَيْسَرُ وُجُودًا مِنْ الشَّهِيدَيْنِ أَوْ كَانَ ذِكْرُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ بَعْدَ ذِكْرِ الرَّجُلَيْنِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا وَبِانْضِمَامِ عَيْنِ الْمُدَّعِي إلَيْهِ يَتَمَكَّنُ الْمُدَّعِي مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الضَّرُورَةُ الْمُبِيحَةُ لِحُضُورِ النِّسَاءِ مَحْفِلَ الرِّجَالِ كَمَا لَوْ وُجِدَ الرَّجُلَانِ فَكَانَ النَّصُّ دَلِيلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمَعْهُودِ، وَهُوَ اسْتِشْهَادُ الرِّجَالِ إلَى غَيْرِ الْمَعْهُودِ، وَهُوَ اسْتِشْهَادُ النِّسَاءِ بَيَانًا عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ شَيْءٌ آخَرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْمُدَّعِي وَإِنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَهَذَا تَقْرِيرُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.

وَلَكِنْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَا أُسَلِّمُ الْقَصْرَ؛ لِأَنَّ لَهُ طُرُقًا أَرْبَعَةً عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا فَكَيْفَ تَسْتَقِيمُ دَعْوَى الْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلِهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا الْقَصْرَ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ فَهُوَ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَكُمْ وَعِنْدِي وَإِنْ كَانَ حُجَّةً وَلَكِنْ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ آخَرُ فَإِذَا عَارَضَهُ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فَلَا يَكُونُ فِي الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ وَأَنْ يَقُولَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا دَلَالَةَ لِهَذَا النَّصِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّ نَظْمَ الْكِتَابِ لَيْسَ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ بَلْ نَظْمُهُ {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَاسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى أَنْ تَكْتُبُوهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} [البقرة: 282] وَالْأَدْنَى بِمَعْنَى الْأَقْرَبِ لَا بِمَعْنَى الْأَقَلِّ أَيْ ذَلِكُمْ الْكَتْبُ أَقْسَطُ أَيْ أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ أَيْ أَعْدَلُ عَلَى أَدَائِهَا وَأَدْنَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا أَيْ أَقْرَبُ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّيْبِ، كَذَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الْإِشَارَةَ إلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَأَنْ يَجْعَلَ الْأَدْنَى بِمَعْنَى الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} [البقرة: 282] لَا يَنْقَادُ لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْحَدِيثُ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا ثُمَّ أَكَّدَ الشَّيْخُ الْوَجْهَ الْأَخِيرَ بَيَانَ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ.

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَعَالَى نَقَلَ الْحُكْمَ عَنْ اسْتِشْهَادِ

ص: 12

وَكَذَلِكَ مَا خَالَفَ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا: إنَّهُ فَوْقَهُ فَلَا يُنْسَخُ بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ حَدِيثِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَشْهُورَ، وَهُوَ قَوْلُهُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» يَعْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

ــ

[كشف الأسرار]

مُسْلِمَيْنِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ إلَى اسْتِشْهَادِ كَافِرَيْنِ حِينَ كَانَتْ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ حُجَّةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِاعْتِبَارِ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] أَيْ عَدَدُ الشُّهُودِ فِيمَا بَيْنَكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ إنْ لَمْ يَجِدُوا مُسْلِمِينَ وَأَوْ لِلتَّرْتِيبِ، كَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَوْ كَانَ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ حُجَّةً لَنُقِلَ الْحُكْمُ إلَيْهِ لَا إلَى شَهَادَةِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ بِاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ مِنْ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ وَأَيْسَرُ وُجُودًا مِنْهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى نَقَلَ الْحُكْمَ عِنْدَ وُقُوعِ الِارْتِيَابِ وَالشَّكِّ فِي صِدْقِ الشَّاهِدِ إلَى تَحْلِيفِ الشَّاهِدِ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} [المائدة: 106] الْآيَةُ وَتَحْلِيفُ الشَّاهِدِ حِينَئِذٍ كَانَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ حُجَّةً لَكَانَ النَّقْلُ إلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْيَمِينِ الْمَشْرُوعَةِ إذْ الْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّهُ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ وَالْمُدَّعِي يُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَصْمٌ وَتَحْلِيفُهُ فِي الْجُمْلَةِ مَشْرُوعٌ أَيْضًا كَمَا فِي التَّحَالُفِ وَكَمَا فِي الْقَسَامَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَعْضِ، فَأَمَّا يَمِينُ الشَّاهِدِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْأَمِينِ فِي مَوْضِعٍ فَكَانَ النَّقْلُ إلَى يَمِينِ الشَّاهِدِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ.

وَأَمْثَالُ هَذَا أَيْ نَظَائِرُ مَا وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ مِنْ السُّنَنِ الْغَرِيبَةِ كَثِيرَةٌ مِثْلُ خَبَرِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَخَبَرِ وُجُوبِ الْمُلْتَجِئِي إلَى الْحَرَمِ وَخَبَرِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ وَسَائِرِ مَا مَرَّ بَيَانُهُ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ مَا خَالَفَ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ أَيْضًا) أَيْ وَمِثْلُ الْخَبَرِ الْمُخَالِفِ لِلْكِتَابِ الْخَبَرُ الْمُخَالِفُ لِلسُّنَّةِ فِي أَنَّهُ يَكُونُ مَرْدُودًا أَيْضًا وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ أَيْ الْخَبَرَ الْمَشْهُورَ فَوْقَ خَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِالْمَشْهُورِ دُونَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ الْمَشْهُورُ الَّذِي هُوَ أَقْوَى بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ وَذَلِكَ أَيْ مِثَالُ هَذَا الْأَصْلِ حَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ أَيْضًا؛ فَإِنَّهُ وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَبَيَانُ الْمُخَالَفَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ فِي جَانِبِ الْمُنْكِرِ دُونَ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ اللَّامَ يَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ فَمَنْ جَعَلَ يَمِينَ الْمُدَّعِي حُجَّةً فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ، وَهُوَ الِاسْتِغْرَاقُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْخُصُومَ قِسْمَيْنِ: قِسْمًا مُدَّعِيًا وَقِسْمًا مُنْكِرًا، وَالْحُجَّةُ قِسْمَيْنِ: قِسْمًا بَيِّنَةً وَقِسْمًا يَمِينًا، وَحَصَرَ جِنْسَ الْيَمِينِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَجِنْسَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَهَذَا يَقْتَضِي قَطْعَ الشَّرِكَةِ وَعَدَمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْبَيِّنَةِ فِي جَانِبٍ وَالْعَمَلُ بِخَبَرِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ تُوجِبُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ هَذَا الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَيَكُونُ مَرْدُودًا.

كَيْفَ وَقَدْ طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ حَتَّى قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ أَوَّلُ مَنْ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ مُعَاوِيَةُ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ مُعَاوِيَةُ

ص: 13

وَمِثْلُ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ وَقَّاصٍ رضي الله عنه فِي بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ عليه السلام «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ»

ــ

[كشف الأسرار]

وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْخَضْرَمِيِّ حِينَ امْتَنَعَ عَنْ اسْتِحْلَافِ الْكِنْدِيِّ فِي دَعْوَى أَرْضٍ لَيْسَ لَك مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ» فَهَذَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُ الْمُدَّعِي مَشْرُوعَةً لَكَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ غَيْرَ الِاسْتِحْلَافِ.

قَوْلُهُ (وَمِثْلُ حَدِيثِ سَعْدٍ) إلَى آخِرِهِ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رحمهم الله لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَتَنْقُصُ إذَا جَفَّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَلَا إذًا» ، فَالنَّبِيُّ عليه السلام أَفْسَدَ الْبَيْعَ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَتَنْقُصُ إذَا جَفَّ إلَى وُجُوبِ بِنَاءِ مَعْرِفَةِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ يَصِيرُ أَجْزَاءُ الرُّطَبِ أَقَلَّ فَلَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتٍ قَائِمٍ لِلْحَالِ عِنْدَ الِاعْتِبَارِ بِأَجْزَاءِ التُّمُورَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ الْمَقْلِيُّ بِغَيْرِ الْمَقْلِيِّ لِتَفَاوُتٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ عِنْدَ الِاعْتِبَارِ بِأَجْزَاءِ غَيْرِ الْمَقْلِيِّ وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ» ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي الْجَوَازَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ يَنْطَلِقُ عَلَى الرُّطَبِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لِلتَّمْرَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ النَّخْلِ مِنْ حِينِ يَنْعَقِدُ إلَى أَنْ يُدْرَكَ وَبِمَا يَتَرَدَّدُ عَلَيْهَا مِنْ الْأَحْوَالِ وَالصِّفَاتِ لَا يَخْتَلِفُ اسْمُ الذَّاتِ كَاسْمِ الْآدَمِيِّ لَا يَتَبَدَّلُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ حَتَّى يُزْهَى فَقِيلَ: وَمَا يُزْهَى فَقَالَ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ» فَسَمَّاهُ تَمْرًا وَهُوَ بُسْرٌ، وَقَالَ شَاعِرُهُمْ:

وَمَا الْعَيْشُ إلَّا نَوْمَةٌ وَتَشَرُّقٌ

وَتَمْرٌ عَلَى رَأْسِ النَّخِيلِ وَمَاءُ

وَالْمُرَادُ الرُّطَبُ.

وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِرُطَبٍ عَلَى رَأْسِ النَّخِيلِ فَيَبِسَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي لَا يُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ وَلَوْ تَبَدَّلَ الْجِنْسُ بِالْيُبْسِ لَبَطَلَتْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعِنَبٍ فَصَارَ زَبِيبًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ فِي تَمْرٍ فَاقْتَضَى رُطَبًا أَوْ عَلَى الْعَكْسِ صَحَّ وَلَوْ اخْتَلَفَا لَكَانَ هَذَا اسْتِبْدَالًا، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَمْرٌ، وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ حَالَةَ الْعَقْدِ فَيَجُوزُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْبَدَلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَرَدَ عَلَيْهِمَا الْعَقْدُ وَهُمَا الرُّطَبُ وَالتَّمْرُ فَأَمَّا اعْتِبَارُ حَالَةٍ مَفْقُودَةٍ يَتَوَقَّعُ حُدُوثُهَا فِي بَابَيْ الْحَالِ فَلَا فَكَانَ اعْتِبَارُ الْأَعْدَلِ كَاعْتِبَارِ الْأَجْوَدِ وَأَنَّهُ سَاقِطٌ بِالنَّصِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ التَّفَاوُتِ فِي الْجَوْدَةِ بِقَوْلِهِ عليه السلام «جَيِّدُهَا وَرَدِيُّهَا سَوَاءٌ» وَاعْتُبِرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ حَيْثُ شَرَطَ الْيَدَ بِالْيَدِ وَصِفَةُ الْجُودَةِ لَا تَكُونُ حَادِثَةً بِصُنْعِ الْعِبَادِ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةُ حَادِثٌ بِصُنْعِ الْعِبَادِ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا إنَّ كُلَّ تَفَاوُتٍ يُبْتَنَى عَلَى صُنْعِ الْعِبَادِ فَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَفِي الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَالْحِنْطَةُ بِالدَّقِيقِ التَّفَاوُتُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَكُلُّ تَفَاوُتٍ يُبْتَنَى عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْعِبَادِ فَهُوَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا كَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ؛ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَيْلِ مُطْلَقًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي حَالِ يُبُوسَةِ الْبَدَلَيْنِ أَوْ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِمَا أَوْ فِي حَالِ يُبُوسَةِ

ص: 14

بِزِيَادَةِ مُمَاثَلَةٍ هِيَ نَاسِخَةٌ لِلْمَشْهُورِ، بِاعْتِبَارِ جَوْدَةٍ لَيْسَتْ مِنْ الْمِقْدَارِ

ــ

[كشف الأسرار]

أَحَدِهِمَا وَرُطُوبَةِ الْآخَرِ جَازَ الْعَقْدُ فَالتَّقْيِيدُ بِاشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ فِي أَعْدِلْ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ حَالُ يُبُوسَتِهِمَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ سَعْدٍ مُتَضَمِّنٌ لِنَسْخِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِزِيَادَةِ مُمَاثَلَةٍ هِيَ نَاسِخَةٌ لِلْمَشْهُورِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ الْمُخَالَفَةُ بِسَبَبِ اقْتِضَائِهِ زِيَادَةَ مُمَاثَلَةٍ لَا يَقْتَضِيهَا الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي حَالَةِ الْجَفَافِ، وَالْبَاءُ فِي بِاعْتِبَارِ جَوْدَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالزِّيَادَةِ أَيْ اشْتِرَاطُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بِاعْتِبَارِ جَوْدَةٍ وُجِدَتْ فِي أَحَدِهِمَا وَفُقِدَتْ فِي الْآخَرِ لَا بِاعْتِبَارِ زِيَادَةٍ فِي الْقَدْرِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلتَّمْرِ فَضْلَ جَوْدَةٍ عَلَى الرُّطَبِ مِنْ حَيْثُ الِادِّخَارُ مِنْ غَيْرِ انْتِقَاصٍ وَلَكِنْ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ لِلتَّمْرِ إنْ كَانَ فَضْلُ اكْتِنَازٍ فَفِي الرُّطَبِ فَضْلُ رُطُوبَةٍ هِيَ مَقْصُودَةٌ شَاغِلَةٌ لِلْكَيْلِ لَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا إلَّا بَعْدَ ذَهَابِهَا بِالْجَفَافِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْفَضْلَ وَالْمُسَاوَاةَ فِي الْجَوْدَةِ سَاقِطَا الِاعْتِبَارِ شَرْعًا إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ وَالْفَضْلُ قَدْرًا فَكَيْفَ يَصْلُحُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْجَوْدَةِ نَاسِخًا لِمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ.

وَقَوْلُهُ لَيْسَتْ مِنْ الْمِقْدَارِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْ فَوَاتِ الْمُمَاثَلَةِ بِاعْتِبَارِ الْقَلْيِ؛ فَإِنَّ بِالْقَلْيِ يَنْتَفِخُ الْحَبَّاتُ إذَا كَانَتْ رَطْبَةً وَتَضْمُرُ إذَا قُلِيَتْ يَابِسَةً فَلَا تُسَاوِي الْمَقْلِيَّةُ فِي الدُّخُولِ فِي الْكَيْلِ غَيْرَ الْمَقْلِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاخِ وَالضُّمُورِ وَهَذَا التَّفَاوُتُ رَجَعَ إلَى الْقَدْرِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي مَنْعِ الْجَوَازِ وَذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْوِيمِ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ يُوجِبُ أَحْكَامًا ثَلَاثَةً: أَحَدُهَا: وُجُوبُ الْمُمَاثَلَةِ شَرْطًا لِلْجَوَازِ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ حَالَ وُجُودِ الْمُمَاثَلَةِ بِهَذَا النَّصِّ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ فَضْلٍ قَائِمٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْفَضْلُ عَلَى الذَّاتِ.

وَالثَّالِثُ: الْفَضْلُ الَّذِي يَنْعَدِمُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يُخَالِفُهُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ حُرْمَةَ الْبَيْعِ حَالَ وُجُودِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْمِعْيَارِ وَأَوْجَبَ حُرْمَةَ فَضْلٍ لَا يَنْعَدِمُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ لِلْجَوَازِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَالْفَضْلُ الَّذِي يُوجَدُ بَعْدَ الْجَفَافِ لَا يُعْدِمُ الْمُمَاثَلَةَ الْمَوْجُودَةَ حَالَ الْعَقْدِ وَهَذَا الْفَضْلُ مَوْهُومٌ غَيْرُ قَائِمٍ حَالَ الْعَقْدِ فَإِذَا خَالَفَ الْمَشْهُورَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَمْ يُقْبَلْ. وَالثَّانِي أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ سَأَلُوهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ فَقَالَ: الرُّطَبُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْعَقْدُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا جَازَ أَيْضًا لِقَوْلِهِ عليه السلام «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ حَدِيثَ سَعْدٍ فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ دَارَ عَلَى زَيْدٍ أَبِي عَيَّاشٍ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ وَاسْتَحْسَنَ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْهُ هَذَا الطَّعْنَ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كَيْفَ يُقَالُ: أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ وَهُوَ يَقُولُ زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ؟ ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحِنْطَةَ الْمَقْلِيَّةَ إنْ كَانَتْ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ كَيْلًا بِكَيْلٍ لِقَوْلِهِ عليه السلام «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ أَيْضًا لِقَوْلِهِ عليه السلام «إذَا اخْتَلَفَا النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» وَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَارِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ مَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله حَسَنٌ فِي الْمُنَاظَرَاتِ لِدَفْعِ الْخَصْمِ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِهِ لِجَوَازِ قِسْمٍ ثَالِثٍ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ مَعْنَاهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرُّطَبُ قِسْمًا ثَالِثًا لَا يَكُونُ تَمْرًا مُطْلَقًا لِفَوَاتِ وَصْفِ الْيُبُوسَةِ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ غَيْرَهُ مُطْلَقًا لِبَقَاءِ أَجْزَائِهِ

ص: 15