الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذِهِ الْحُجَجُ بِجُمْلَتِهَا تَحْتَمِلُ الْبَيَانَ فَوَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهَا هَذَا.
(بَابُ الْبَيَانِ)
الْبَيَانُ فِي كَلَامِ الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِظْهَارِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الظُّهُورِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 4] وَ {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 138] وَقَالَ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] وَالْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ الْإِظْهَارُ وَالْفَصْلُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ هَذَا مُجَاوِزًا وَغَيْرَ مُجَاوِزٍ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَنَا الْإِظْهَارُ دُونَ الظُّهُورِ
ــ
[كشف الأسرار]
الثِّقَةِ، فَأَمَّا تَرْجِيحُ خَبَرِ الْمُثَنَّى عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَخَبَرِ الْحُرَّيْنِ عَلَى خَبَرِ الْعَبْدَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ فَلِظُهُورِ التَّرْجِيحِ فِي الْعَمَلِ بِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ فَأَمَّا فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَخَبَرُ الْمَثْنَى فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِمَا سَوَاءٌ كَذَا أَجَابَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله.
قَوْلُهُ (وَهَذِهِ الْحُجَجُ بِجُمْلَتِهَا) أَيْ الْحُجَجُ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا مِنْ الْكِتَابِ بِجَمِيعِ أَقْسَامِهِ مِنْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَغَيْرِهِمَا سِوَى الْمُحْكَمِ مِنْهَا، وَالسُّنَّةِ بِجُمْلَةِ أَنْوَاعِهَا مِنْ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ وَالْآحَادِ تَحْتَمِلُ الْبَيَانَ أَيْ تَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَهَا بَيَانٌ إمَّا عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيرِ أَوْ التَّفْسِيرِ أَوْ التَّغْيِيرِ فَوَجَبَ إلْحَاقُ بَابِ الْبَيَانِ بِذِكْرِ هَذِهِ الْحُجَجِ رِعَايَةً لِلْمُنَاسَبَةِ، وَهَذَا الَّذِي نَشْرَعُ فِيهِ.
[بَابُ الْبَيَانِ]
(بَابُ الْبَيَانِ) الْبَيَانُ لُغَةً الْإِظْهَارُ وَالتَّوْضِيحُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 4] أَيْ الْكَلَامَ الَّذِي يُبَيِّنُ بِهِ مَا فِي قَلْبِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاهُ وَمُنْفَصِلٌ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ.
قَالَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ رحمه الله فِي التَّيْسِيرِ وَيَدْخُلُ فِي الْبَيَانِ الْكِتَابَةُ وَالْإِشَارَةُ وَمَا يَقَعُ بِهِ الدَّلَالَةُ وَهُوَ امْتِنَانٌ مِنْهُ عَلَى الْعِبَادِ بِتَعْلِيمِ اللُّغَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَوُجُوهِ الْكَلَامِ الْمُتَفَرِّقَةِ. هَذَا بَيَانٌ أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ سُنَّتِي فِي الْمَاضِينَ إيضَاحٌ لِسُوءِ عَاقِبَةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْذِيبِ أَوْ الْقُرْآنُ فَصَّلَ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] أَيْ إذَا قَرَأَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْك بِأَمْرِنَا فَاتَّبِعْ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ مَقْرُوءًا عَلَيْك فَاقْرَأْهُ حِينَئِذٍ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] أَيْ إظْهَارَ مَعَانِيهِ وَأَحْكَامِهِ وَشَرَائِعِهِ وَقِيلَ إذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ قِرَاءَتَهُ، ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا إظْهَارَهُ عَلَى لِسَانِك بِالْوَحْيِ حَتَّى تَقْرَأَهُ.
وَالْمُرَادُ بِهَذَا أَيْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَاتِ الْإِظْهَارُ وَالْفَصْلُ فَإِنَّ الْمُظْهِرَ لِلشَّيْءِ وَالْمُبَيَّنَ لَهُ فَاصِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ هَذَا أَيْ لَفْظُ الْبَيَانِ مُجَاوِزًا وَغَيْرَ مُجَاوِزٍ أَيْ مُتَعَدِّيًا كَمَا بَيَّنَّا وَغَيْرَ مُتَعَدٍّ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ. وَكَمَا أَنَّ الْبَيَانَ مَصْدَرُ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ فَهُوَ مَصْدَرُ الْمُنْشَعِبَةِ أَيْضًا كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ فَالْبَيَانُ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ الثُّلَاثِيِّ لَازِمٌ وَاَلَّذِي هُوَ مَصْدَرُ الْمُنْشَعِبَةِ قَدْ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَهُوَ الْأَكْثَرُ. وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ كَقَوْلِهِمْ فِي الْمَثَلِ قَدْ بُيِّنَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ أَيْ بَانَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ بَعْدَ قَوْلِهِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِظْهَارِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الظُّهُورِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ.
وَالْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِالْبَيَانِ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ تَقْسِيمِ الْبَيَانِ أَوْ فِي هَذَا النَّوْعِ الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ الْإِظْهَارُ دُونَ الظُّهُورِ، وَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَعْنَاهُ ظُهُورُ الْمُرَادِ لِلْمُخَاطَبِ وَالْعِلْمُ بِالْأَمْرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ عِنْدَ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ لِلظُّهُورِ يُقَالُ بَانَ هَذَا الْمَعْنَى لِي بَيَانًا أَيْ ظَهَرَ وَاتَّضَحَ وَبَانَ الْهِلَالُ أَيْ ظَهَرَ وَانْكَشَفَ وَلَكِنَّا نَقُولُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ بِمَعْنَى الْإِظْهَارِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ بَيَّنَ فُلَانٌ كَذَا بَيَانًا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ أَظْهَرَ إظْهَارًا لَمْ يَبْقَ مَعَهُ شَكٌّ، وَإِذَا قِيلَ فُلَانٌ ذُو بَيَانٍ يُرَادُ مِنْهُ الْإِظْهَارُ وَكَذَا فِي التَّنْزِيلِ الَّذِي هُوَ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ وَرَدَ بِمَعْنَى الْإِظْهَارِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِظْهَارِ أَيْضًا.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْبَيَانُ الْفَصَاحَةُ وَاللَّسَنُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَعْلُهُ بِمَعْنَى الْإِظْهَارِ أَوْلَى. وَمَنْ جَعَلَهُ بِمَعْنَى الظُّهُورِ دُونَ الْإِظْهَارِ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ عليه السلام «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» أَيْ الْإِظْهَارِ. .
وَالْبَيَانُ عَلَى أَوْجُهٍ: بَيَانُ تَقْرِيرٍ وَبَيَانُ تَفْسِيرٍ وَبَيَانُ تَغْيِيرٍ وَبَيَانُ تَبْدِيلٍ وَبَيَانُ ضَرُورَةٍ فَهِيَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ.
أَمَّا بَيَانُ التَّقْرِيرِ فَتَفْسِيرُهُ أَنَّ كُلَّ حَقِيقَةٍ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ أَوْ عَامٍّ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ إذَا لَحِقَ بِهِ مَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ
ــ
[كشف الأسرار]
بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَتَأَمَّلُ فِي النُّصُوصِ، وَلَا يَجِبُ الْإِيمَانُ عَلَى مَنْ لَا يَتَأَمَّلُ فِي الْآيَاتِ الدَّالَّةِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الظُّهُورَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ لِلْمُكَلَّفِ بِمَا أُرِيدَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ فَاسِدٌ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله قَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَأْمُورًا بِالْبَيَانِ لِلنَّاسِ» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ بَيَّنَ لِلْكُلِّ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِبَيَانِهِ فَأَقَرَّ وَمَنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ الْعِلْمُ فَأَصَرَّ، وَلَوْ كَانَ الْبَيَانُ عِبَارَةً عَنْ الْعِلْمِ الْوَاقِعِ لِلْمُبَيَّنِ لَهُ لَمَا كَانَ هُوَ مُتَمِّمًا لِلْبَيَانِ فِي حَقِّ النَّاسِ كُلِّهِمْ. قَوْلُهُ (عليه السلام «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» ) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ «قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا فَتَعَجَّبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، وَإِنَّ مِنْ الشَّعْرِ لَحِكْمَةً» قِيلَ مَعْنَى تَسْمِيَتِهِ بِالسِّحْرِ أَنَّ بِالسِّحْرِ يُسْتَمَالُ الْقُلُوبُ فَكَذَا بِالْبَيَانِ الْفَصِيحِ يُسْتَمَالُ الْقُلُوبُ وَكَمَا أَنَّ فِي السِّحْرِ إرَاءَةُ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ فِي لِبَاسِ الْحَقِّ فَكَذَا فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَيَانُ إرَاءَةُ الْمَعْنَى الَّذِي لَيْسَ بِمَتِينٍ فِي لِبَاسِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَتِينٌ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ السِّحْرُ فِي زَعْمِهِمْ هُوَ الْإِتْيَانُ بِشَيْءٍ يَتَعَجَّبُ النَّاسُ عَنْهُ وَيَعْجِزُونَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ مَعَ مُسَاوَاتِهِمْ مَنْ أَتَى بِهِ فِي أَسْبَابِ الْقُدْرَةِ وَالْآلَاتِ، وَالْبَيَانُ الْفَصِيحُ قَدْ يَبْلُغُ فِي الْحُسْنِ وَالْمَلَاحَةِ غَايَةً يَتَعَجَّبُ النَّاسُ عَنْهُ وَيَعْجِزُونَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ مَعَ تَسَاوِي الْكُلِّ فِي أَسْبَابِ التَّكَلُّمِ وَآلَاتِ النُّطْقِ فَيُسَمَّى سِحْرًا.
، ثُمَّ قِيلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ ذَمُّ التَّصَنُّعِ فِي الْكَلَامِ وَالتَّكْلِيفِ لِتَحْسِينِهِ لِيَرُوقَ قَوْلُهُ وَيَسْتَمِيلَ بِهِ قُلُوبَهُمْ فَإِنَّ أَصْلَ السِّحْرِ فِي كَلَامِهِمْ الصَّرْفُ وَسُمِّيَ السِّحْرُ سِحْرًا لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْ جِهَتِهِ فَهَذَا الْمُتَكَلِّمُ بِبَيَانِهِ يَصْرِفُ قُلُوبَ السَّامِعِينَ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَقٍّ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إنَّ مِنْ الْبَيَانِ مَا يَكْتَسِبُ بِهِ صَاحِبُهُ مِنْ الْإِثْمِ مَا يَكْتَسِبُ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَدْحُ الْبَيَانِ وَالْحَثُّ عَلَى تَحْسِينِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْقَرِينَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ «وَإِنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً» عَلَى طَرِيقِ الْمَدْحِ فَكَذَا الْقَرِينُ الْآخَرُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْبَيَانَ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالتَّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ فَإِنَّهُ مَصْدَرُ بَيَّنَ يُقَالُ بَيَّنَ تَبْيِينًا وَبَيَانًا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْإِعْلَامُ بِدَلِيلٍ وَالدَّلِيلُ مُحَصِّلٌ لِلْعِلْمِ فَهُنَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ إعْلَامٌ أَيْ تَبْيِينٌ وَدَلِيلٌ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ وَعِلْمٌ يَحْصُلُ مِنْ الدَّلِيلِ وَالْبَيَانُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى إطْلَاقِهِ عَلَى الْإِعْلَامِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُبَيِّنِ كَأَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قَالَ هُوَ إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ الْإِشْكَالِ إلَى التَّجَلِّي.
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ؛ لِأَنَّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ إجْمَالٍ إشْكَالُ بَيَانٍ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي التَّعْرِيفِ وَكَذَا بَيَانُ التَّقْرِيرِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَيْضًا، وَبِأَنَّ لَفْظَ الْبَيَانِ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ وَمِنْ حَقِّ التَّعْرِيفِ أَنْ يَكُونَ أَظْهَرَ مِمَّا عُرِّفَ بِهِ وَمَنْ نَظَرَ إلَى إطْلَاقِهِ عَلَى الْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالدَّلِيلِ أَيْ يَجْعَلُهُ بِمَعْنَى الظُّهُورِ كَأَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ قَالَ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي تَبَيَّنَ بِهِ الْمَعْلُومُ فَكَانَ الْبَيَانُ وَالتَّبَيُّنُ عِنْدَهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَمَنْ نَظَرَ إلَى إطْلَاقِهِ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ كَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ قَالَ هُوَ الدَّلِيلُ الْمُوَصِّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إلَى اكْتِسَابِ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ هُوَ الْأَدِلَّةُ الَّتِي تَتَبَيَّنُ بِهِ