الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه يستلزم أو يتضمن تصريف الطرق (1).
(4)
وأما القول بأن الشفعة شرعت للشريك لدفع ضرر المقاسمة فغير مسلم به فمشروعيتها لرفع الضرر مطلقا سواء كان الضرر ناتجا عن المقاسمة أم عن الاشتراك. وتخصيص الشفعة برفع ضرر معين دون غيره من الأضرار تخصيص يحتاج إلى ما يسنده شرعا، وأيضا فلو كانت الشفعة مشروعة لدفع ضرر المقاسمة فقط لثبتت مشروعيتها في المنقولات المشتركة لرفع ضرر المقاسمة فيها.
(1) انظر إعلام الموقعين جـ 2 ص (116 - 126)، ونيل الأوطار جـ 5 ص (352 - 353).
أدلة القائلين بثبوت الشفعة بحق المبيع والجوار ومناقشتها:
استدل القائلون بثبوت الشفعة بالمرافق الخاصة وبالجوار بما يأتي:
1 -
ما روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن الشريد قال " وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا سعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة فقال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الجار أحق بسقبه (1)» ما أعطيتكها بأربعة وأنا أعطي بها خمسمائة دينار فأعطاها إياه ".
وجه الدلالة من ذلك قوله: «الجار أحق بسقبه (2)» أي بقربه أي إن الجار أحق بالدار من غيره لقربه ويدل على أن المقصود بأحقية الجار شفعته الأحاديث الآتية:
2 -
روى أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي بإسناده إلى جابر بن عبد
(1) صحيح البخاري الشفعة (2258)، سنن النسائي البيوع (4702)، سنن أبو داود البيوع (3516)، سنن ابن ماجه الأحكام (2495)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 10).
(2)
صحيح البخاري الشفعة (2258)، سنن النسائي البيوع (4702)، سنن أبو داود البيوع (3516)، سنن ابن ماجه الأحكام (2495)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 10).
الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا (1)» وقد حسنه الترمذي.
3 روى أحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جار الدار أحق بالدار من غيره (2)» .
4 -
روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن الشريد بن سويد قال: «قلت يا رسول الله أرضي ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار فقال: " الجار أحق بسقبه ما كان (3)» . . .
كما استدلوا من جهة المعنى بقولهم:
واللفظ لابن القيم رحمه الله: إن حق الأصيل وهو الجار أسبق من حق الدخيل وكل معنى اقتضى ثبوت الشفعة للشريك فمثله في حق الجار فإن الناس يتفاوتون في الجوار تفاوتا فاحشا ويتأذى بعضهم ببعض ويقع بينهم من العداوة ما هو معهود والضرر بذلك دائم متأبد ولا يندفع ذلك إلا برضا الجار إن شاء أقر الدخيل على جواره وإن شاء انتزع الملك بثمنه واستراح من مؤونة المجاورة ومفسدتها وإذا كان الجار يخاف التأذي على وجه اللزوم كان كالشريك يخاف التأذي بشريكه على وجه اللزوم. . . . . فوجب بحكم عناية الشارع ورعايته لمصالح العباد إزالة الضررين جميعا على وجه لا يضر البائع. اهـ (4).
(1) سنن أبو داود البيوع (3518).
(2)
سنن الترمذي الأحكام (1368)، سنن أبو داود البيوع (3517)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 8).
(3)
سنن النسائي البيوع (4703)، سنن ابن ماجه الأحكام (2496)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 389).
(4)
إعلام الموقعين جـ 2 ص (120 - 121).
المناقشة:
أجاب القائلون بحصر الشفعة في الشريك دون غيره بما يأتي:
(1)
بالنسبة لحديث أبي رافع رضي الله عنه فقد ذكر الحافظ بن حجر
في معرض شرحه هذا الحديث وإيراده وجه استدلال الحنفية به على ثبوت الشفعة للجار، وإلزام الشافعية بالقول به لكون الجار حقيقة في المجاور مجازا في الشريك قال ما نصه: إن محل ذلك عند التجرد، وقد قامت القرينة هنا على المجاز فاعتبر للجمع بين حديثي جابر وأبي رافع، فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك. والذين قالوا بشفعة الجار قدموا الشريك مطلقا ثم المشارك في الطريق ثم الجار على من ليس بمجاور فعلى هذا يتعين تأويل قوله (أحق) بالحمل على الفضل أو التعهد ونحو ذلك. اهـ (1). .
(2)
بالنسبة لحديث جابر: «الجار أحق بشفعة جاره إلخ (2)» ، فقال الترمذي: لا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وقد تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث- ثم قال- سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا. اهـ. . . . قال شعبة سها فيه عبد الملك فإن روى حديثا مثله طرحت حديثه ثم ترك شعبة التحديث عنه.
وقال أحمد: هذا الحديث منكر. وقال ابن معين: لم يروه غير عبد الملك وقد أنكروه عليه. اهـ (3).
وقد أجاب ابن القيم رحمه الله عن الطعن في حديث جابر فقال: إن عبد الملك هذا حافظ ثقة صدوق ولم يتعرض له أحد بجرح
(1) فتح الباري جـ 4 ص 438
(2)
سنن أبو داود البيوع (3518).
(3)
نيل الأوطار جـ 5 ص 355.
ألبتة، وأثنى عليه أئمة زمانه ومن بعدهم، وإنما أنكر عليه من أنكر هذا الحديث ظنا منهم أنه مخالف لرواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم:«الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (1)» .
ولا تحتمل مخالفة العرزمي لمثل الزهري وقد صح هذا من رواية جابر عن الزهري عن أبي سلمة عنه ومن رواية ابن جريج عن أبي الزبير عنه. ومن حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه، فخالفهم العرزمي ولهذا شهد الأئمة بإنكار حديثه ولم يقدموه على حديث هؤلاء - إلى أن قال - وحديث جابر الذي أنكره من أنكره على عبد الملك صريح فيه فإنه قال: الجار أحق بسقبه ينتظر به وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا. فأثبت الشفعة بالجوار مع اتحاد الطريق ونفاها به مع اختلاف الطريق بقوله: فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. فمفهوم حديث عبد الملك هو بعينه منطوق حديث أبي سلمة فأحدهما يصدق الآخر ويوافقه لا يعارضه ويناقضه وجابر روى اللفظين- إلى أن قال- وحديث أبي رافع الذي رواه البخاري يدل على مثل ما دل عليه حديث عبد الملك فإنه دل على الأخذ بالجوار حالة الشركة في الطريق فإن البيتين كانا في نفس دار سعد والطريق واحد بلا ريب. اهـ (2).
(3)
وأما حديث الشريد بن سويد فقال الخطابي: قد تكلم أهل الحديث في إسناده واضطراب الرواة عنه فقال بعضهم عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع وأرسله بعضهم. وذكر ابن قدامة رحمه الله عن ابن المنذر قوله: الثابت عن رسول
(1) سنن النسائي البيوع (4704)، سنن أبو داود البيوع (3514)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 296)، موطأ مالك الشفعة (1420).
(2)
إعلام الموقعين جـ 2 ص 119 وص 125.
الله صلى الله عليه وسلم حديث جابر الذي رويناه وما عداه من الأحاديث فيها مقال (1). وأجيب عن ذلك بما ذكره ابن القيم رحمه الله عن البخاري بخصوص حديث الشريد بن سويد أو عمرو بن الشريد قال: قال البخاري هو أصح عندي من رواية عمرو عن أبي رافع - يعني حديث أبي رافع مع سعد بن أبي وقاص - وقال أيضا كلا الحديثين عندي صحيح (2).
وقال ابن حزم في معرض مناقشته: الأحاديث والآثار التي استدل بها أهل هذا القول ما نصه:
ثم نظرنا في حديث عمرو بن الشريد عن أبي رافع عن أبيه فوجدناه لا متعلق لهم به لأنه ليس فيه إلا الجار أحق بسقبه وليس فيه للشفعة ذكر ولا أثر وقد حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكن حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي قال: سمعت عمرو بن الشريد يحدث عن الشريد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرء أحق وأولى بصقبه (3)» ، قلت لعمرو ما صقبه، قال الشفعة، قلت زعم الناس أنها الجوار قال الناس يقولون ذلك، فهذا راوي الحديث عمرو بن الشريد لا يرى الشفعة بالجوار ولا يرى لفظ ما روي يقتضي ذلك فبطل كل ما موهوا به. ثم لو صحت هذه الأحاديث ببيان واضح أن الشفعة للجار لكان حكمه عليه الصلاة والسلام وقوله وقضاؤه فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة يقضي على ذلك كله ويرفع فكيف ولا بيان في شيء منها اهـ (4).
(1) المغني جـ 5 ص 257.
(2)
إعلام الموقعين جـ 2 ص 117.
(3)
سنن النسائي البيوع (4703)، سنن ابن ماجه الأحكام (2496)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 389).
(4)
المحلى جـ 9 ص 127.
(4)
وأما حديث سمرة ففي سماع الحسن من سمرة مقال معروف لدى علماء الحديث. قال يحيى بن معين لم يسمع الحسن من سمرة وإنما هي صحيفة وقعت إليه وقال غيره لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة، وقد أجاب عن ذلك ابن القيم رحمه الله حيث قال قد صح سماع الحسن من سمرة وغاية هذا أنه كتاب ولم تزل الأمة تعمل بالكتب قديما وحديثا وأجمع الصحابة على العمل بالكتب وكذلك الخلفاء بعدهم وليس اعتماد الناس في العلم إلا على الكتب فإن لم يعمل بما فيها تعطلت الشريعة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب كتبه إلى الآفاق والنواحي فيعمل بها من تصل إليه ولا يقول هذا كتاب وكذلك خلفاؤه من بعده والناس إلى اليوم. فرد السنن بهذا الخيال البارد الفاسد من أبطل الباطل والحفظ يخون والكتاب لا يخون. اهـ (1). ويمكن أن يجاب عن قول ابن القيم رحمه الله بأن الغالب على طالب العلم أن يسجل كل ما عن له من صحيح وضعيف وما له وجه وما لا وجه له على أمل أن يتم له النظر لإبعاد ما لا وجه له ولا صحة ويحتمل أن يعاجله الأجل قبل ذلك بخلاف ما يؤلفه طالب العلم وينشره بين الناس فإنه بنشره يعتبر في حكم المقتنع بوجاهته وصحة ما فيه مما يراه وكذا ما يكتبه الوالي إلى عماله أو غيرهم فإنه يكتب ما يكتب عن اقتناع بوجاهة ما كتبه.
(5)
وأما الاحتجاج على مشروعية الشفعة للجار بالمعنى فقد أجاب عن ذلك ابن القيم رحمه الله وسبق نقل ذلك عنه (2). .
(1) إعلام الموقعين جـ 2 ص 117.
(2)
انظر إعلام الموقعين جـ 2 ص 122 - 124