الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحيح البخاري. فافهم (1).
فقوله " فافهم " يدل على أنه يريد تنبيه القارئ على أهمية فحوى كلامه.
وكذا الحافظ بدر الدين العيني رجح تصحيح الشيخين على تصحيح النسائي، وابن حبان، وأبي داود بناء على أن الشيخين هما العمدة في تصحيح الأحاديث. وهذا معنى قول ابن حجر: " وتقديمهما في تمييز الصحيح على غيرهما).
فهذه التوضيحات لا تترك مجالا للشك في صحة ما اختاره الحافظ ابن حجر من أن الشيخين كما يقدمان على غيرهما في معرفة هذا الفن عموما كذلك لهما مزية وتفوق في تصحيح الأحاديث وتضعيفها خصوصا.
وكما أن التقدم في معرفة الفن عموما يعتبر قرينة تفيد اطمئنان القلب في حكمهما على الأحاديث صحة وضعفا، كذلك كونهما العمدة في التصحيح خصوصا أيضا قرينة ثانية تؤدي إلى مزيد من التأكيد في اطمئنان القلب، والجزم بصحة الحكم منهما. والله أعلم.
(1)"عمدة القارئ "(22/ 22).
(4)
أدلة من قال بإفادة أحاديث الصحيحين الظن
:
وممن تكلم في هذا الموضوع بأبسط الأدلة هو الإمام محيي الدين النووي الشافعي، والإمام أبو الفتح بن برهان البغدادي -رحمهما الله- فنورد نص كلامهما كاملا ثم نتكلم فيه بحثا وتحقيقا مع دراسة بعض جزئيات كلامهما دراسة نقدية شاملة.
فقال النووي ردا على ابن الصلاح:
وهذا الذي ذكره الشيخ خلاف ما قاله المحققون والأكثرون، فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة تفيد الظن، فإنها آحاد، والآحاد إنما تفيد الظن لما تقرر.
ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك، وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما. وهذا متفق عليه، فإن أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها، ولا تفيد إلا الظن، فكذا الصحيحان. وإنما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه، بل يجب العمل به مطلقا.
وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى ينظر، وتوجد فيه شروط الصحيح. ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم (1).
وقال ابن برهان:
خبر الواحد لا يفيد العلم، خلافا لبعض أصحاب الحديث، فإنهم زعموا أن ما رواه مسلم والبخاري مقطوع بصحته. وعمدتنا: أن العلم لو حصل بذلك لحصل لكافة الناس كالعلم بالأخبار المتواترة.
ولأن البخاري ليس معصوما عن الخطأ فلا نقطع بقوله، لأن أهل الحديث، وأهل العلم غلطوا مسلما والبخاري، وثبتوا أوهامهما، ولو كان قولهما مقطوعا به لاستحال عليهما ذلك.
ولأن الرواية كالشهادة، ولا خلاف أن شهادة البخاري ومسلم
(1) شرح مسلم للنووي " (1/ 20).
لا يقطع بصحتها، ولو انفرد الواحد منهم بالشهادة لم يثبت الحق به، فدل على أن قوله ليس مقطوعا به. وإن أبدوا في ذلك منعا كان خلاف إجماع الصحابة، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقضون بإثبات الحقوق إلا بشهادة شاهدين.
ولا عمدة للخصم إلا أن الأمة أجمعت على تلقي هذين الكتابين بالقبول واتفقوا على العمل بهما، وهذا لا يدل على أنه مقطوع بصحتهما، فإن الأمة إنما عملت بهما لاعتقاد الأمانة والثقة في الرواية، وليس كل ما يوجب العمل به كان مقطوعا بصحته (1).
فهذا ما قاله النووي وابن برهان يتضمن عدة أمور حاولا بمجموعها الرد على من قال بإفادة أحاديث الصحيحين القطع، فنذكر واحدا واحدا منها على ما يليق بها من الإجابة عنها.
فأولا: أساس رأي كل من النووي وابن برهان وغيرهما في الرد على من قال بإفادة أحاديث الصحيحين القطع أمر واحد وهو:
أن أحاديث الصحيحين غير المتواترة آحاد، والآحاد لا تفيد إلا الظن، والعلم إنما يحصل من المتواتر.؟ كما مر في كلام النووي وابن برهان. فقولهم هذا لا يستقيم جوابا في رأينا أصلا، ولا يناسب لمقاومة ما ادعاه ابن الصلاح وغيره.
وتفصيل ذلك: إن المتواتر الذي يدعى بحصول العلم به كثيرا، ويكثر دورانه في المناقشات الفقهية والعقائدية وغيرها، ويبالغ في الالتجاء إليه إثباتا، ونفيا، وإلزاما وتسليما، لا يتسم بشيء من التحديد والانضباط في الوصف، بل اضطربت فيه آراء الأصوليين، واختلفوا في تعريفه، وشرائطه، وما يفيد به، اختلافا شديدا.
(1) الوصول إلى علم الأصول (2، 172 - 174).
مع إنكار كثير منهم بإمكانيات وقوعه واحتمالات تحققه في الحديث النبوي الشريف، وذهاب الآخرين إلى الحكم بالمتواتر على بعض المعاني الشائعة المشتهرة اشتهارا بالغا بمجرد شيوعها وذيوعها وذيوعها بالمتواتر المعنوي، وإن لم تتحقق فيها الشروط المتخذ بها في كتب الأصول. ففي تعريفه نظريتان لأصحاب الأصول:
تقوم إحداهما على إناطة حصول العلم في الأخبار بمجرد عدد معين من الأشخاص المخبرين. فاختار بعضهم الإثنى عشر، وبعضهم العشرين، وبعضهم الأربعين، وبعضهم السبعين، وبعضهم أكثر منه بكثير. وهذه النظرية باطلة عند جمهور الأصوليين (1).
والثانية قائمة على الاعتبار بتأثير صفات المخبرين على تنوعها، واختلاف هيئاتها في حصول العلم. فليست كثرة العدد عندهم إلا من إحدى الصفات والقرائن، لا مجموعها، بخلاف ما قامت عليها النظرية الأولى. والمعتبر عندهم في الحكم بالتواتر حصول العلم لا وجود الصفات المعنية، بل كل ما حصل به العلم فهو متواتر عندهم.
قال الآمدي: وبالجملة فضابط التواتر ما حصل العلم عنده من أقوال المخبرين، لا أن العلم مضبوط بعدد مخصوص (2).
وقال إمام الحرمين: الكثرة من جملة القرائن التي تترتب عليه العلوم المجتناة من العادات (3).
وقال: وما من عدد تمسك به طائفة إلا ويمكن فرض تواطئهم على الكذب (4).
(1) انظر " إرشاد الفحول "(ص: 47، 48).
(2)
" الإحكام في أصول الأحكام "(1/ 230).
(3)
" البرهان في أصول الفقه "(1/ 580).
(4)
"البرهان "(1/ 572).
وقال: فالعدد بعينه ليس مغنيا، إذ يتصور معه تقدير حالة ضابطة، وإيالة حاملة على الكذب (1).
وقال ابن الأثير: إنا بحصول العلم الضروري نتبين كمال العدد، لا أنا بكمال العدد نستدل على حصول العلم (2).
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: لا يعتبر في التواتر عدد محصور، بل يعتبر فيه ما يفيد العلم على حسب العادة في سكون النفس إليهم، وعدم تأتي التواطؤ على الكذب منهم، إما لفرط كثرتهم، وإما لصلاحهم ودينهم ونحو ذلك (3).
وقال: ومن الناس من لا يسمى متواترا إلا ما رواه عدد كثير يكون العلم حاصلا بكثرة عددهم فقط، ويقولون: إن كل عدد أفاد العلم في قضية أفاد مثل ذلك العدد العلم في كل قضية وهذا قول ضعيف. والصحيح ما عليه الأكثرون: إن العلم يحصل بكثرة المخبرين تارة، وقد يحصل بصفاتهم ودينهم وضبطهم، وقد يحصل بقرائن تحتف بالخبر.
وقال: إذا عرف أن العلم بأخبار المخبرين له أسباب غير مجرد العدد، علم أن من قيد العلم بعدد معين، وسوى بين جميع الأخبار في ذلك فقد غلط غلطا عظيما (4).
هذه حقيقة التواتر عند المحققين من أهل الحديث والفقه والأصول.
(1)" البرهان "(1/ 578).
(2)
" جامع الأصول "(1/ 122).
(3)
" المسودة في أصول الفقه "(ص: 212).
(4)
" مجموع الفتاوى "(18/ 48، 51).
فالشيخ النووي، ومن معه إن كان يريد بقوله:"العلم إنما يحصل من المتواتر" القسم الأول من المتواتر، فذاك مردود عند الأصوليين، وإن كان يريد المعنى الثاني للمتواتر الذي هو المعتمد عند المحققين، فلا سبيل له للرد على من قال بإفادة أحاديث الصحيحين القطع، لأنها محتفة بالقرائن المفيدة لليقين، فصح إطلاق المتواتر عليها، وبطل قوله:"إنها آحاد لا تفيد إلا الظن".
ثانيا: قول النووي " ما اختاره ابن الصلاح هو خلاف المحققين والأكثرين ". أجاب عنه الحافظ ابن حجر بقوله: ما ذكره النووي من جهة الأكثرين، أما المحققون فلا. فقد وافق ابن الصلاح أيضا محققون (1).
وقال الزركشي: إن هذا الذي قاله ابن الصلاح هو قول جماهير الأصوليين من أصحابنا وغيرهم (2).
ونقل أبو إسحاق الإسفراييني وغيره إجماع أهل الصنعة على ذلك. كما مر. فهذا يزيف ما ادعاه الشيخ النووي. والاعتبار بقول هؤلاء -فيما أرى- أحرى من الإصغاء إلى قول النووي وحده.
ثالثا: قوله: "أحاديث الصحيحين غير المتواترة آحاد، والآحاد لا يفيد إلا الظن لما تقرر ".
فهذا الإطلاق منه في إفادة الآحاد الظن لا غيره، فيه تساهل منه وخلاف لما تقرر عند الأصوليين.
(1) نقله عنه السيوطي في "تدريب الراوي"(1/ 133).
(2)
"نكت الزركشي علي بن الصلاح"(ورقة / 13)
لأن المقرر في الأصول عند جماهير الأصوليين هو القول بحصول العلم بخبر الواحد إذا حفته القرائن.
واستخدم هو نفسه هذه القاعدة في شرح مسلم (1).
وإنما النزاع في إفادة خبر الواحد الظن أو العلم إذا تجرد عن القرائن.
قال الشوكاني: إن الخلاف في إفادة خبر الآحاد الظن أو العلم مقيد بما إذا كان خبر الواحد لم ينضم إليه ما يقويه، وأما إذا انضم إليه ما يقويه، أو كان مشهورا، أو مستفيضا، فلا يجري فيه الخلاف المذكور. (2).
والمقرر في الأصول هو هذا. فعجبا للشيخ كيف يدعي بهذا الإطلاق المرجوح في الأصول في موضع النقد والرد، ويعزوه إلى الأكثرين والمحققين من الأصوليين.
رابعا: قوله: "تلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيها". أيضا غير صحيح من وجهين:
الأول: أن التلقي لم يقع أصلا على وجوب العمل بكل ما في هذين الكتابين ولم يصرح به أحد قبله ولا بعده من العلماء، والشيخ النووي إن كان يعتقد بذلك فهو تساهل منه فاحش، لأن فيهما ما هو
(1)(5/ 9)
(2)
"إرشاد الفحول"(ص: 49)
منسوخ، (1). وفيهما ما لا يحتمل الوجوب أصلا فكيف تصح دعوى وجوب العمل بما فيهما.
الثاني: تلقي العلماء لهذين الكتابين بالقبول هو من حيث الصحة، لا من حيث وجوب العمل بما فيهما كما فهمه الشيخ.
خامسا: قولهما: لا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: الحق أنه يلزم، لأن الأمة لا تجتمع على العمل بمقتضى دليل إلا إذا كان الدليل صحيحا في نفس الأمر. وهذا هو المختار عند غيرهما من العلماء.
سادسا: قول النووي: "يفترق الصحيحان في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه".
قلت: هذا هو الأمر الذي دعا ابن الصلاح وغيره من كثير من الأصوليين للحكم على أحاديث الصحيحين بالقطع بصحتهما؛ لأن الإجماع على عدم احتياج النظر في الإسناد لثبوت صحة ما فيهما يستلزم الإجماع على صدق ما فيهما في نفس الأمر.
سابعا: قول ابن البرهان: لأن البخاري ليس معصوما عن الخطأ فلا نقطع بقوله. قول لم يجعله أحد دليلا لرأيه، ولم يقل من قال بإفادة أحاديث الصحيحين القطع بناء على عصمة البخاري ومسلم في اجتهادهما، وحكمهما على الأحاديث، وإنما قال نظرا إلى أن البخاري ومسلما إمامان في الفن، معترفان بالتقدم على غيرهما، صححا مجموعة
(1) تعليق المجلة: العمل بما هو منسوخ اعتقاد ذلك وإعمال الناسخ.
من الروايات التي أخذتها علماء الأمة بحثا وتنقيبا، ثم اتفقت كلمتهم على موافقة الشيخين تصديقا لها، وعملا بها، وتأويلا لما يحتاج التأويل منها.
فهذا الاتفاق من الأمة يثمر اعتقاد صدق ما فيهما في نفس الأمر.
ثامنا: قوله: لأن أهل الحديث وأهل العلم غلطوا مسلما والبخاري، وثبتوا أوهامهما. ليس له أي تأثير فيما نحن في إثباته. وجوابنا من وجوه:
أولا: إن بعض الحفاظ وإن انتقدوا ما يقارب بمائتين وعشرة أحاديث من الصحيحين، وبينوا عللها، إلا أن الأمة لم تقبل هذا النقد، واستمر العمل بما في هذين الكتابين من غير اعتداد بهذه الانتقادات، هذا وقد تولى بالتصريح بزيفها، والتوضيح بردها وإبطالها، والتبيين بخطأ من أخطأ عليهما، كثير من المحدثين، نذكر كلام بعض منهم:
قال النووي في "مقدمة شرح البخاري ": قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها، وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدا، مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم فلا تغتر بذلك (1).
(2)
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: ما احتج البخاري ومسلم به من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم، محمول على أنه لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب (2).
(3)
وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: إذا جزم بالخبر وصححه واطلع غيره فيه على علة قادحة فيه قدمت على تصحيح ذاك، ما عدا تصحيح الشيخين لاتفاق الأمة على تلقي ذلك منهما بالقبول (3).
(1) نقله عنه ابن حجر في "هدى الساري"(ص: 346)
(2)
نقله عن النووي في "شرح مسلم"(1/ 25).
(3)
انظر "جامع التحصيل"(ص: 81).
(4)
وقال الحافظ ابن حجر: فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضا لتصحيحهما ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة (1).
(5)
وقال الشوكاني: فقد أجمع أهل هذا الشأن على أن أحاديث الصحيحين، أو أحدهما كلها من المعلوم صدقه بالقبول المجمع على ثبوته، وعند هذه الإجماعات تندفع كل شبهة ويزول كل تشكيك.
وقد دفع أكابر الأمة من تعرض للكلام على شيء مما فيهما، وردوه أبلغ رد، وبينوا صحته أكمل بيان، فالكلام على إسناده بعد هذا لا يأتي بفائدة يعتد بها، فكل رواته قد جاوز القنطرة، وارتفع عنهم القيل والقال، وصاروا أكبر من أن يتكلم فيهم بكلام، أو يتناولهم طعن طاعن، أو توهين موهن (2).
وبمثله قال ابن دقيق العيد (3). وجمال الدين الزيلعي (4). والحافظ بدر الدين العيني (5). وغيرهم.
ثالثا: وإن سلمنا أن بعض هذه الإيرادات واردة، فغاية أمرها أنها تؤثر في عين السند الذي خرج به المتن من غير أن تؤثر أي تأثير في المتون، لأن المحدث قد يرى المتن بسند يحتمل وجها من وجوه النقد، طلبا للعلو، أو بيانا لشيء من اللطائف الإسنادية، أو إغرابا على البعض،
(1)"هدي الساري"(ص: 347).
(2)
"قطر الولي"(ص: 230، 231).
(3)
"الاقتراح"(ص: 325 - 327).
(4)
"نصب الراية"(1/ 341).
(5)
راجع "عمدة القاري) (1/ 8، 19، 39، 214، 236، 2/ 54، 4/ 147، 10/ 120).
وغيرها من المقاصد، مع أن المتن يكون معروفا، مرويا بأسانيد أخرى صحيحة سالمة، من كل وجوه النقد، وجميع احتمالات الخطأ كما صرح به العلماء. ويؤكد قولنا ما نقله سعيد بن عمرو البرزعي من اعتراض أبي زرعة على مسلم لإخراجه عن بعض الضعفاء في كتابه وإجابة مسلم عنه.
قال البرزعي: حضرت أبا زرعة وذكر صحيح مسلم فأنكر عليه روايته فيه عن أسباط بن نصر، وقطن بن نسير، وأحمد بن عيسى المصري.
قال: فلما رجعت إلى نيسابور ذكرت لمسلم إنكار أبي زرعة فقال لي مسلم: إنما قلت صحيح، وإنما أدخلت من حديث أسباط وقطن وأحمد ابن عيسى ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول، فاقتصر على ذلك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات (1).
ولذلك قال الحافظ الزيلعي: صاحبا الصحيح- رحمهما الله- إذا أخرجا لمن تكلم فيه، فإنهم ينتقون من حديثه ما توبع عليه، وظهرت شواهده، وعلم أن له أصلا، ولا يروون ما تفرد به، سيما إذا خالفه الثقات (2).
هذا وفي كلام ابن برهان المذكور أمور أخرى قابلة للنقد كتسويته بين الرواية والشهادة، مع أن الصحيح عند المحدثين وأصحاب الأصول
(1) نقله النووي في "شرح مسلم"(1/ 25، 26).
(2)
"نصب الراية"(1/ 341).