الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصالح. (1). والأستاذ ناصر الدين الألباني. والدكتور محمود الطحان. والدكتور محمد عجاج الخطيب وغيرهم.
(1) انظر " علوم الحديث ومصطلحه "(ص: 151) إلا أنه اختار رأي ابن حزم من إفادة كل حديث صحيح القطع.
(3)
أدلة من قال بإفادة أحاديث الصحيحين القطع
.
والذي يبدو مما قدمناه من نصوص العلماء على إفادة أحاديث الصحيحين القطع هو أن مستند رأيهم كان أمرين:
الأول: الادعاء بإجماع الأمة على صحة ما فيهما، وتلقيها بالقبول كما مر من كلام أبي إسحاق الإسفراييني، وإمام الحرمين الجويني، وغيرهما.
الثاني: أن خبر الواحد إذا حفت به القرائن يفيد العلم، وأحاديث " الصحيحين " ليست مجردة من القرائن، بل انضم إليها ما فيه كفاية لمزاحمة تطرق الاحتمالات الموهنة للأخبار.
ومن هذه القرائن:
الأولى: جلالة الشيخين في هذا الشأن.
الثانية: وتقدمهما في تمييز الصحيح من الأحاديث عن الضعيف منهما على غيرهما.
وهذا ما صرح به الحافظ ابن حجر العسقلاني، إلا أنه اعتبر التلقي بالقبول، والإجماع على صحة ما فيهما كقرينة من إحدى القرائن. فجملة القول أن أحاديث " الصحيحين " احتفت بثلاث قرائن عند القائلين بقطعها.
فنحن نأخذ كل واحدة من هذه القرائن الثلاث ونتكلم عليها واحدة واحدة لكي تتجلى صحة اعتبارها، وقوة صلاحها لإفادة القطع. فنقول:
أما الإجماع والتلقي فلا يستراب في وقوعه، فقد صرح به كبار فقهاء الأمة الإسلامية، وحصول القطع بمثل هذا الإجماع أمر مجمع عليه عند أهل الحق والتحقيق من علماء الفقه والأصول.
قال أبو إسحاق الشيرازي من أئمة الشافعية:
خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول يقطع بصدقه سواء عمل الكل به، أو عمل البعض، وتأوله البعض (1).
وقال القاضي أبو يعلى الفراء من الحنابلة: الاستدلال يوجب العلم من أربعة أوجه:
أحدها: أن تتلقاه الأمة بالقبول، فدل ذلك على أنه حق، لأن الأمة لا تجتمع على الخطأ، ولأن قبول الأمة يدل على أن الحجة قد قامت عندهم بصحته (2).
(1)" اللمع في أصول الفقه "(ص: 40).
(2)
" العدة في أصول الفقه "(3/ 900).
وقال ابن تيمية في " المسودة " والقطع بصحة الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول، أو عملت بموجبه لأجله قول عامة الفقهاء المالكية -ذكره عبد الوهاب - والحنفية -فيما أظن- والشافعية، والحنبلية (1). وقال عبد العزيز البخاري من الحنفية: المشهور لما كان من الآحاد في الأصل كان في الاتصال ضرب شبهة صورة، ولما تلقته الأمة بالقبول مع عدالتهم وتصلبهم في دينهم كان بمنزلة المتواتر (2).
فهذه التصريحات من علماء الأصول تدل على أن ما تمسك به القائلون بإفادة أحاديث الصحيحين القطع من الدلائل في غاية من القوة والاعتبار. .
وأما ما يتعلق بجلالة الشيخين في هذا الشأن فهو أيضا أمر لا نزاع فيه بين المحدثين قديما وحديثا، وتواتر النقل عنهم بتقديمهما على غيرهما من المحدثين.
قال الترمذي: لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل البخاري (3).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري (4).
وقال ابن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري (5). ومثل هذا كثير جدا في البخاري رحمه الله تعالى.
(1)" المسودة في أصول الفقه"(ص: 217).
(2)
" كشف الأسرار "(2/ 368).
(3)
"سير أعلام النبلاء"(12/ 412).
(4)
(سير أعلام النبلاء " (12/ 421)، " تاريخ بغداد "(2/ 121).
(5)
"هدي الساري "(ص: 485)، " سير أعلام النبلاء "(12/ 431).
وأما مسلم فقد قال أبو الفضل محمد بن إبراهيم: سمعت أحمد بن سلمة يقول: رأيت أبا زرعة، وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشائخ عصرهما (1).
وقال النووي: أجمعوا على جلالته، وإمامته، وعلو مرتبته، وحذقه في هذه الصنعة، وتقدمه فيها، وتضلعه منها. وقال: هو أحد أعلام أئمة هذا الشأن المعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان (2).
ومثله كثير في كتب التراجم تركناه مخافة الطول.
فكل هذه التصريحات دالة على جلالة الشيخين في هذا الشأن وتقدمهما على أهل عصرهما في معرفة الحديث وعلله.
وهذا التقدم هو الذي وقع عليه اختيار الحافظ ابن حجر كقرينة تنشئ وحدها الاطمئنان للقلب على صدق ما حكما عليه بالصحة، ويصلح أن يتحول إلى اليقين بانضمام أمر آخر معه.
أما القرينة الثالثة وهي:
تقدم الشيخين في معرفة صحيح الحديث من سقيمه، فهي وإن كانت من لوازم ما سبق من التصريحات من العلماء بتفضيلهما وتقديمهما على غيرهما مطلقا في الفن، إلا أن الحافظ ابن حجر رحمه الله حاول تثبيت رأيه بقرينة أبعد تأثيرا، وأدق تعبيرا، وأخص دلالة على المقصود نسبة إلى ما سبق من القرينة الثانية.
(1)" سير أعلام النبلاء "(12/ 579)، "تذكر الحفاظ "(2/ 589)، " طرح التثريب "(1/ 112).
(2)
" تهذيب الأسماء والصفات "(2/ 90، 91).
فنحن نورد عدة أمثلة لتكون مساعدة على فهم ما يريد الحافظ ابن حجر إثباته، وتبين وضوحا معنى " تقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما " وتؤكد وجود ما يدعيه ابن حجر من إفادة هذه القرينة القطع عند وجودها في الأخبار المروية في الصحيحين.
المثال الأول: روى الحافظ الزيلعي حديثا عن زيد بن أبي أنيسة ثم نقل فيه جرحا عن أحمد بن حنبل رحمه الله بقوله: في بعض حديثه نكارة. ثم أجاب الحافظ الزيلعي عن هذا الجرح قائلا: هو ممن احتج به البخاري ومسلم، وهما العمدة في ذلك " (1).
المثال الثاني: نقل الحافظ بدر الدين العيني جرح ابن المنذر لعبد الرحمن بن جابر بن عبد الله وحكم الأصيلي على حديثه بالاضطراب ثم قال: قد اتفق الشيخان على تصحيح حديثه وهما العمدة في الصحيح (2).
المثال الثالث: نقل الحافظ بدر الدين العيني دعوى بعض المحدثين بمعارضة حديث عقبة أخرجه النسائي وصححه ابن حبان بحديث مروي في صحيح البخاري فقال: حديث أنس لا يعارضه حديث عقبة؛ لأن تصحيح البخاري أقوى من تصحيح غيره، والمعارضة تقتضي المساواة (3).
المثال الرابع: روى رواية أخرجها أبو داود عن طريقين: صحيح وضعيف. ثم قال: ومع هذا فالصحيح منه (أي من أبي داود) لا يقاوم
(1)"نصب الراية"(1/ 179).
(2)
"عمدة القارئ "(24/ 23، 24).
(3)
" عمدة القارئ"(22/ 19).