الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدم التسوية من كل الوجوه، فتركناه لحال الطول، ولعدم صلتها بالموضوع. والذي يبدو من دراسة هذه الانتقادات هو أن الشيخ النووي يعترف بكل ما يعترف به غيره من إجماع الأمة على صحة العمل بما في هذين الكتابين والإجماع على عدم احتياج النظر في السند عند العمل بما فيهما إلا أنه ينكر ما يستنتجه غيره من هاتين المقدمتين من حصول العلم بصدق ما فيهما.
ومن تأمل فيما سبق حق تأمل لم يخف عليه أرجحية ما اختاره ابن الصلاح وغيره من إفادة أحاديث الصحيحين القطع لما انضم إليها من القرائن المؤثرة في إفادة العلم بها تأثيرا قويا. والله أعلم.
(5)
مع ابن الصلاح وابن حجر:
وبعد أن انتهينا من إيراد أدلة القائلين بقطعية أحاديث الصحيحين، وظنيتها، ودراستها النقدية الموجزة نتوجه إلى ما استثناه ابن الصلاح وابن حجر من عموم الحكم بقطعية ما في الصحيحين.
وجملة ما استثنياه منها على نوعين:
الأول: ما انتقده الحفاظ كالدارقطني وغيره. بدليل أنه لم يقع عليه الإجماع المفيد للقطع (1).
استثناه ابن الصلاح ووافقه على ذلك ابن حجر.
الثاني: الأحاديث التي وقع التعارض بينها حيث لا ترجيح، لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر (2).
(1)"علوم الحديث"(ص: 25).
(2)
"شرح النخبة"(ص: 22، 23).
وتفرد بإخراج هذا النوع من أحاديث الصحيحين ابن حجر، ولم يؤثر عن أحد غيره من المحدثين. حسب معرفتي.
وهذا الاستثناء بنوعيه لا نراه صحيحا.
أما النوع الأول: فلأن انتقادات الدارقطني وغيره من الحفاظ تتوجه إلى الأسانيد والمتون سالمة من النقد، كما سبق تقرير ذلك، ومحل الإجماع هو المتون لا الأسانيد.
وعلى تقدير توجه هذه الانتقادات إلى المتون لا يلزم أيضا إخراجها من جملة ما وقع عليه الإجماع.
وذلك لأن الدارقطني وغيره طائفة قليلة جدا نسبة للمجمعين على صحة أحاديث الصحيحين، والمخالفة الضئيلة لا تقدح في انعقاد الإجماع عند الجمهور من الأصوليين كما صرح به الحافظ بدر الدين العيني (1). وأما ما استثناه ابن حجر مما ظاهره التعارض من أحاديث الصحيحين فليس بصحيح أيضا في رأينا لوجوه:
أولا: إن التعارض قد حصل بين بعض الآيات أيضا في رأي بعض الفقهاء ولم يحكم أحد عليها بظنية ثبوتها بمجرد هذا التعارض، بل استمر الحكم بقطعية القرآن كله على حسب اتفاق الأمة وإجماعها على ذلك. فهذا يدل على أن انتزاع حكم القطعية عما وقع الإجماع على صحته استنادا على وقوع التعارض في ظاهر النظر مرفوض عند العلماء في حق القرآن.
فوجب أن يكون في حق السنة مرفوضا أيضا لعدم وجود الفارق المؤثر بينهما في الوصف المذكور.
(1)"عمدة القاري"(2/ 25، 42).
ثانيا: ذهب الإمام الشافعي وغيره من المحدثين إلى أن الحديث إذا كان صحيحا على شرط المحدثين لا يكون مخالفا للكتاب أبدا (1). أما التعارض بين الأحاديث فأجاب عنه الإمام الشافعي رحمه الله بقوله: ولم نجد عنه حديثين مختلفين إلا ولهما مخرج، أو على أحدهما دلالة بأحد ما وصفت، إما بموافقة الكتاب، أو غيره من السنة، أو بعض الدلائل (2).
وقال ابن خزيمة: لا أعرف أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادين فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما (3).
فدعوى ابن حجر بالتعارض حيث لا ترجيح مرفوض بتصريحات هؤلاء الأئمة.
ثالثا: إن الحافظ ابن حجر عندما اختار استثناء ما ظاهره التعارض كان عليه أن يعين ذلك، ويشير إلى الأحاديث التي هي متعارضة تعارضا لا يمكن دفعه أصلا، من أي وجه من الوجوه؟ لتكون بين عيني الحفاظ المتأخرين عنه، ولتجرى عليها أسس البحوث والمناقشات كما جرت على انتقادات من انتقدها قبل، فتأتي بالنتيجة النهائية، إما الحكم عليها بالتعارض حقيقة، وإما الحكم بالذهول، والقصور، والعجز على مدى ذلك التعارض.
لأن العقول تتضارب والمدارك تتباين، والمراتب العلمية تتفاوت، فرب دليل يتعارض عند أحد، مع أن غيره يجد له محملا صحيحا.
(1) راجع "بغية الفحول"(ص: 83).
(2)
انظر "الرسالة للشافعي"(ص: 216).
(3)
نقله عن الشيخ الكندي في "الأجوبة الفاضلة"(ص: 184، 185).