الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين.
أما بعد: فقد كثر كلام النقاد المحققين من الفقهاء والمحدثين في إفادة أحاديث " الصحيحين " القطع والظن مع اتفاقهم على أنه ليس بعد كتاب الله -تعالى- أصح من صحيحي البخاري ومسلم.
فجمعنا في هذه الورقات صفوة كلام كل من الفريقين في هذا الموضوع، مع تثبيت ما نراه حقا وراجحا بالدلائل، ورد ما نراه مرجوحا بأحسن الأدلة والوسائل.
وسيكون البحث فيها -إن شاء الله- في سبع نقاط رئيسية وهي:
(1)
تعريف الظن واليقين لغة واصطلاحا وحكمهما
.
(2)
بيان أقوال من قال بإفادة أحاديث " الصحيحين " القطع.
(3)
أدلة القائلين بإفادتها القطع.
(4)
أدلة القائلين بإفادتها الظن.
(5)
مع ابن الصلاح وابن حجر فيما استثنياه من الأحاديث التي لا تفيد القطع من هذين الكتابين.
(6)
بين أحاديث " الصحيحين " والخبر المشهور.
(7)
أهم نتائج البحث.
وليس القصد وراء ذلك كله إلا الاقتداء بالحق والصواب، رجاء من الله -تعالى- جزيل الأجر والثواب.
(1)
تعريف الظن واليقين لغة واصطلاحا وحكمهما:
وقبل أن نخوض في البحث يجدر بنا أن نعرف الظن واليقين لغة واصطلاحا.
فالظن لغة: يستعمل في معنى الشك: وهو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك (1).
ويستعمل بمعنى اليقين. قال ابن منظور: الظن شك ويقين، إلا أنه ليس بيقين عيان، إنما هو يقين تدبر (2).
وقال الزبيدي: الظن هو التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم. ونقل عن المناوي أنه قال: الظن الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض ويستعمل في اليقين والشك (3).
وهذا المعنى الأخير الذي قاله الزبيدي والمناوي هو لذي استقر عليه اصطلاح الأصوليين.
قال الآمدي: الظن ترجيح أحد الاحتمالين الممكنين على الآخر في النفس من غير قطع (4).
وقال عبد العزيز البخاري: الظن ما كان جانب الثبوت فيه راجحا، ويسمى غالب الرأي (5). وقال القرطبي: الظن الشرعي هو تغليب أحد الجانبين، أو هو بمعنى اليقين (6).
وقال أبو يعلى الفراء: الظن تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر (7).
(1)"التعريفات للجرجاني "(ص: 68).
(2)
"لسان العرب "(13/ 272).
(3)
"تاج العروس "(9/ 271).
(4)
"الإحكام للآمدي "(1/ 223).
(5)
"كشف الأسرار"(2/ 389).
(6)
نقد ابن حجر في "فتح الباري "(10/ 481).
(7)
"العدة في أصول الفقه (1/ 83).
أما اليقين فلغة: العلم، وإزاحة الشك، وتحقيق الأمر. واصطلاحا: اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاده أنه لا يمكن إلا كذا، مطابقا للواقع غير ممكن الزوال (1).
فالثابت باليقين لا شك في حجيته، ولا خلاف. وأما ما كان ثبوته مظنونا فأيضا مقبول وحجة بإجماع علماء أهل السنة في الأحكام والعقائد.
قال ابن عبد البر:
أجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار فيما علمت على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع.
وقال: وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويجعلها شرعا، ودينا في معتقده. على ذلك جماعة أهل السنة. (2).
وقال أبو يعلى الفراء: الظن طريق للحكم إذا كان عن أمارة مقتضية للظن، ولهذا يجب العمل بخبر الواحد إذا كان ثقة، ويجب العمل بشهادة الشاهدين (3).
وقال الحافظ بدر الدين العيني: وإجراء الحكم بناء على غالب الظن واجب، وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول لشهادة العدول، وتحري القبلة، وتقويم المستهلكات، وأرش الجنايات التي لم ترد مقاديرها بتوقيف من قبل الشرع. فهذا ونظائره قد تعبدنا فيه بغالب الظن (4).
(1)"لسان العرب "(13/ 457)، " تاج العروس"(9/ 370)، "التعريفات " (ص: 136).
(2)
"التمهيد"(1/ 3، 8).
(3)
"العدة في أصول الفقه "(1/ 83).
(4)
"عمدة القاري "(22/ 137).