الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل الفائدة المصرفية من ربا النسيئة
رد على بحث الدكتور إبراهيم بن عبد الله الناصر حول "موقف الشريعة الإسلامية من المصارف.
" للدكتور / شوقي أحمد دنيا
الاسم شوقي أحمد دنيا.
الميلاد من مواليد جمهورية مصر العربية.
المؤهل 1) بكالوريوس تجارة قسم الاقتصاد كلية التجارة جامعة الأزهر.
2) ماجستير في الاقتصاد بعنوان " الإسلام والتنمية الاقتصادية " من تجارة الأزهر.
3) دكتواره في الاقتصاد بعنوان " تمويل التنمية في الاقتصاد الإسلامي - دراسة مقارنة من تجارة الأزهر.
العمل عضو هيئة التدريس بقسم الاقتصاد الإسلامي - كلية الشريعة - الرياض.
الإنتاج العلمي: من مؤلفاته: (1) دراسات في الاقتصاد الإسلامي " كتاب ".
(2)
أعلام الاقتصاد الإسلامي " كتاب ".
(3)
نقد لكتاب في الفكر الاقتصادي الإسلامي للدكتور فاضل عباس الحسب " بحث منشور ".
(4)
النقود بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي " بحث منشور ".
(5)
تقلبات القوة الشرائية للنقود وأثر ذلك على الائتمان الاقتصادي والاجتماعي " بحث منشور ".
بالإضافة إلى أبحاث أخرى في مؤتمرات وندوات خاصة بالاقتصاد الإسلامي.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله وعلى اله وصحبه ومن عمل بشريعته وتمسك بسنته إلى يوم الدين.
وبعد: فهذه ورقة حول الدراسة التي قدمها الدكتور إبراهيم الناصر المستشار القانوني بمؤسسة النقد السعودي بشأن " موقف الشريعة الإسلامية من المصارف ".
وبداية نحب أن نؤكد على أن مهمة وحدود هذه الورقة هي مجرد مناقشة الورقة التي قدمها الدكتور إبراهيم، وبيان ما فيها وما عليها، مع العلم بأن الموضوع في ذاته هو أكبر بكثير من هذه الورقة، وهو برغم كثرة ما كتب فيه بحاجة إلى بحث معمق يحتاج إلى مزيد من الجهد ومن الوقت، نرجو الله تعالى أن ييسر لنا ولغيرنا ذلك.
ومجمل مناقشتنا يخلص إلى مخالفة الدكتور إبراهيم فيما قدمه من مقدمات وفيما توصل إليه من نتائج. منهجنا في هذه الورقة هو مناقشة التحليلات والمقدمات التي طرحها الأخ الكاتب، وكذلك مناقشة ما توصل إليه من نتائج، مع إعطاء لمحة سريعة عن البديل الإسلامي.
ويمكن إجمال ما قدمه الكاتب في ورقته في صيغتها الثانية الأكثر شمولا وتفصيلا بأنه تناول مفهوم الربا في كل من القرآن والسنة كما فهمه. ثم عرض لموقف بعض العلماء من المصارف مضيفا إلى ذلك. مناقشة لطبيعة الأعمال المصرفية وبوجه خاص ومراكز، بل وأساسي عملية " الإيداع " وبعجالة عملية " الإقراض المصرفي " وخلص من بحثه هذا إلى نتائج تتلخص في أن الأعمال المصرفية الحالية لا تدخل في الربا القرآني المجمع على تحريمه، وإنما هي معاملة مستجدة تخضع للقواعد العامة للشريعة ومقاصدها المتمثلة في تحقيق مصالح الناس.
ولم يقف عند هذا الحد بل واصل القول مصرحا بأنها حلال استنادا إلى أنها ليست من الربا الذي حرمه القرآن الكريم وعملا بالمصلحة التي نوه بها بعض العلماء واستئناسا بموقف العلماء المعاصرين، كما دعم هذا الموقف بما أشار إليه من أن بعض أنواع الربا حرمت تحريم وسائل لا تحريم مقاصد فتباح عند الحاجة، كما أن فكرة الترخيص معتد بها شرعا وهناك سوابق في إباحة بعض المحظورات كالسلم، كذلك فقد استند إلى التقلبات الكبيرة في قيمة النقود والهبوط المستمر لها، ومن ثم فمن العدل القول بإباحة الفائدة على القروض خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان الأهمية الكبيرة التي تحتلها المصارف في حياتنا المعاصرة.
هذه هي الفكرة الأساسية التي تدور حولها ورقة الأخ الكاتب.
وقبل المناقشة التفصيلية لما في هذه الورقة من مقدمات ونتائج نرى من الضروري أولا الإشارة في عجالة وإجمال إلى بعض النقاط الأساسية التي تعتبر بمثابة قواعد أو مسلمات أساسية لا يقوم أي نقاش علمي جاد لهذا الموضوع في غيبتها.
نقاط جوهرية يجب التنويه بها:
1 -
القرآن الكريم والسنة الشريفة كلاهما مصدران أساسيان للتشريع الإسلامي، وما تحرمه السنة فهو محرم قطعيا، وتحريمه ليس في الحقيقة قاصرا على السنة بل هو محرم في القرآن وبالقرآن أيضا، قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (1)،
(1) سورة النساء الآية 80
{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (1)، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (2)، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (3){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (4). إذن كافة ما حرم في القرآن أو في السنة سواء كان بنص صريح جزئي من القرآن أو بنص صريح من السنة هو في الحقيقة محرم فيها معا وبها معا، ولا فرق بين هذا وذاك، وليس لهذا درجة تحريم وللثاني درجة أعلى أو أقل.
2 -
مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي تبليغ دين الله وشرعه لمن أرسل إليهم من العباد وتبيينه لهم بيانا واضحا كوضوح الشمس في كبد السماء بل أكثر وضوحا. قال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (5)، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (6)، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (7)، {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (8)، {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} (9). ومعنى هذا أنه يجب الإذعان والاعتقاد الكامل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين للناس كل ما في القرآن من أحكام ومبادئ وكل ما يريده الله تعالى من عباده، ولم يلتحق بالرفيق الأعلى وهناك شيء من الإسلام غامض أو غير مبين، بل تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها. ومن الواضح أن أهمية
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
سورة آل عمران الآية 31
(3)
سورة النجم الآية 3
(4)
سورة النجم الآية 4
(5)
سورة النور الآية 54
(6)
سورة النحل الآية 44
(7)
سورة إبراهيم الآية 4
(8)
سورة العنكبوت الآية 18
(9)
سورة الحجر الآية 89
هذه القاعدة تجعلها أكبر بكثير من أن تعارض ببعض أقوال منسوبة لهذا الصحابي أو لذاك، وعلينا أن نتحرى جيدا في توثيق ما قد يكون هناك من أقوال منسوبة، ثم تحديد مضمونها بما لا يتعارض مع تلك القاعدة التي لو اهتزت قيد أنملة لانهار الإسلام من أساسه.
3 -
من الحقائق الثابتة ثبوتا لا يقبل الشك أن العرب في الجاهلية كانوا يتعاملون بالربا، بل لقد كان إحدى حقائق عصرهم ومعيشتهم واقتصادهم، وأن صور هذا التعامل الربوي لم تكن واحدة بل كانت متعددة سواء من حيث الشكل والصورة أو من حيث الدوافع والأهداف، فمن حيث الصورة والشكل وجدت الزيادة على الدين التي تشترط ويتفق عليها عند عقد الدين، كما وجدت الزيادة التي تحدث عند انتهاء الأجل وعدم المقدرة على السداد، هذه ثابتة وهذه ثابتة، ومن يطلع على كتب التفسير والتاريخ وغيرها يعلم ذلك يقينا. وسوف نعرض لذلك في حينه.
ومن حيث الدوافع والأهداف كان هناك الدين بربا لأغراض الاستهلاك، وكان هناك بكثرة وغالبية الدين بربا لأغراض البيع والتجارة والإنتاج (1)، ويكفي أن نشير إلى أنه كان مصدرا أساسا من مصادر تمويل رحلتي الشتاء والصيف " تمويل التجارة الخارجية " كما أنه لم يكن قاصرا على ضعف المركز المالي للمدين في مواجهة المركز المالي للدائن بل كثيرا ما كان العكس، تاجر كبير أو قبيلة كبيرة تتاجر فتحصل على التمويل " الدين بربا " من أفراد عديدة فتذهب لتشتري وتبيع وتسدد الدين برباه.
هذا كله ثابت ثبوتا راسخا بمصادر علمية موثقة.
(1) د. محمد فاروق النبهان " مفهوم الربا في ظل التطورات المعاصرة " ص80.
4 -
القرآن الكريم حرم الربا دون أن يخصص ذلك بنوع دون نوع وصورة دون أخرى، وليس هناك نص قراني أو حتى نبوي أن الربا الذي حرمه القرآن هو فقط ربا الجاهلية.
ومعنى ذلك أنه إذا كانت هناك صورة قائمة عند نزول التحريم أو قبله فإنها تحرم، فإذا أحدثت صور أخرى للربا فإنها تحرم هي الأخرى بنص القرآن الكريم، ومعنى ذلك أن كل صور الربا تحرم بالنص حتى ولو لم تظهر إلا بعد آلاف السنين من نزول القرآن؛ لأن القرآن لم ينزل لعصر دون عصر بل نزل لأمة ممتدة عبر الزمن موغلة في الاستقبال، ويخاطب به آخر فرد زمنا في أمة الدعوة تماما كما خوطب به أول فرد فيها. وإذن فلا وجه لمن يقول ولو كان القائل فقيها إن الربا المحرم في القرآن هو ربا الجاهلية فقط، وإلا فسوف يطرد ذلك على كل المحرمات، زنا الجاهلية، كذب الجاهلية، سرقة الجاهلية. . إلخ. يضاف إلى ذلك أنه كما هو معروف فإن آيات الربا في سورة البقرة هي من أواخر آيات النزول. هذه المسلمة لها دلالتها الخطيرة في موضوعنا هذا، فمن المعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال وفعل وأقر الكثير والكثير خلال فترة الدعوة الممتدة، ومن ذلك ما يتعلق بالربا، سواء ما كان معروفا لدى الجاهلية أو ما كان يمارس دون أن يعرف بأنه ربا، وعندما باع صحابي تمرا بتمر بزيادة قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«أوه عين الربا (1)» وكررها. من الواضح أن تلك صورة جديدة لم تكن تدخل في صور الربا المعروفة وإلا ما عملها الصحابي أو أن هذه كانت بداية التشريع في موضوع الربا. وسواء كان هذا أو ذاك فإن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «عين الربا (2)» يفهم منه
(1) صحيح البخاري الوكالة (2312، 2312)، صحيح مسلم المساقاة (1594، 1594)، سنن النسائي البيوع (4557)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 62).
(2)
صحيح البخاري الوكالة (2312)، صحيح مسلم المساقاة (1594)، سنن النسائي البيوع (4557)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 62).
أن جوهر الربا وحقيقته ومعناه واحد والذي يتميز ويختلف هو الصور والأشكال. وهناك احتمالان، إما أن هذا الحديث وغيره مما يدخل في موضوعنا قد قاله الرسول عليه السلام قبل نزول آيات الربا أو بعده. فإن كانت الآيات قد نزلت سلفا، فتكون تلك الأحاديث مبينة وشارحة لمضمون الربا الذي ورد في القرآن الكريم، بالإضافة إلى ما هو معهود أصلا لديهم من صوره التي كانت تمارس في الجاهلية. وإن كانت الآيات قد نزلت لاحقا فمعنى ذلك أن الربا في القرآن الذي ورد ودون تخصيص أو تغيير يشمل كل صور الربا، سواء منها ما كان معروفا في الجاهلية أو ما بينته السنة الشريفة، وكذلك كل صورة تجد له إلى قيام الساعة حيث بقاء الأمة والدعوة.
5 -
من القواعد الهامة أن العبرة بالمعاني والمقاصد يقول الإمام مالك: " إنما تعبدنا بالمعاني والمقاصد " أي أن الاسم أو الصورة أو الشكل أو الأسلوب كل ذلك لا أثر له طالما أن المعنى والمقصود والمضمون واحد. وبالطبع فذلك واضح تماما من القرآن الكريم " قصة أصحاب السبت " وكذلك من السنة المطهرة، فإذا كان الشائع هو كون المدين شخصا فأصبح مؤسسة أو شركة أو حتى دولة فإن الدين هو الدين، وسواء سميت رشوة أو عمولة أو هدية أو إكرامية أو أتعاب. . إلخ. فإن الحكم واحد طالما أن المضمون والمقصود والمعنى متحد، والأمثلة في كل باب أكثر من أن تحصى.
6 -
لا أحد ينكر أن المصلحة مقصود التشريع الإسلامي. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1)، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ} (2)
(1) سورة الأنبياء الآية 107
(2)
سورة الإسراء الآية 82
لكن من الذي يدرك جوهر المصلحة وحقيقتها على مر الأيام إنه الخالق عز وجل، وإذن ففي كل ما في الإسلام من أحكام بالحرمة أو الإباحة أو الوجوب إلخ نجد المصلحة ولا مصلحة دون ذلك، بمعنى أن ما ينص عليه الإسلام بالقرآن أو بالسنة فهو المصلحة، وإن بدا للبعض غير ذلك. ويترتب على ذلك أنه مع النص الصريح الثابت لا كلام عن مصلحة تغايره على الإطلاق، وإنما يرد الكلام عنها عند عدم وجود نص، عند ذلك نتلمس المصلحة ملتزمين في ذلك بقول الثقاة من العلماء الذين يخشون الله ولا يخشون أحدا إلا الله. في ضوء تلك الحقيقة الكلية ينبغي أن ندرس ونفهم ما قاله العلماء في باب المصلحة.
هذه بعض الأساسيات التي كان لا بد لنا من التمهيد بها قبل الدخول في المناقشة التفصيلية للورقة التي قدمها أخونا الدكتور إبراهيم. وآن لنا هنا أن نجري تلك المناقشة، فنقول وبالله التوفيق: في بداية كلامه يقول الكاتب " يمكن القول إنه لن تكون هناك قوة إسلامية بدون قوة اقتصادية، ولن تكون هناك قوة اقتصادية بدون بنوك، ولن تكون هناك بنوك بلا فوائد " واضح تماما أنه يريد أن يقول إنه لن تكون هناك قوة إسلامية بلا فوائد. وهذا خطأ بالاعتبار الشرعي والاعتبار التاريخي، أما الاعتبار الشرعي فسنفصل القول فيه من خلال هذه الورقة، أما الاعتبار التاريخي فمن الثابت والمعلوم بالضرورة أن القوة الإسلامية وجدت كأحسن ما تكون دون قوة اقتصادية، ثم وجدت القوة الإسلامية ومعها القوة الاقتصادية دون بنوك وفوائد. كما أن القوة الإسلامية والقوة الاقتصادية للمسلمين قد ضعفتا كأقوى ما يكون
الضعف بوجود تلك المصارف بفوائدها، وهذه قضية لا تحتاج إلى نظر بعيد. كما أنه في بداية حديثه قد صرح بأن مجال الدراسة هو القرض بفائدة، وقد تساءل بتعجب وإنكار: لماذا يعتبر ذلك محرما في نظر الفقهاء؟ وهذه نقطة لها أهميتها حيث إنه يحاول جاهدا طوال بحثه أن يخرج الأعمال المصرفية " الإيداع " من حيز القروض ويدخلها في حيز التجارة. في عرضه لمفهوم الربا في القرآن الكريم يشير إلى ما هنالك من ربط بين التحذير من الربا والصدقة على المدين، مع أن الربط بالمعنى الذي يحاول الكاتب أن يبرزه ليستخدمه مقدمة يصل منها إلى ما يريد من نتائج هذا الربط غير وارد، وعلى سبيل المثال لقد ذكر الآية الكريمة:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (1)، والآية الكريمة {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (2) لا نرى مثل هذا التصور الذي يتصوره الكاتب ليصل إلى أن المصرف ليس محلا للصدقة، ومن ثم فمعاملته بعيدة تماما عن هذا النطاق الربوي. كل ما هنالك أن الآيتين الكريمتين تبرزان سلوكين، سلوك الربا والاستغلال والظلم والتقاطع، وسلوك التراحم والتعاون والتكامل، كما تبين عاقبة كل من هذين السلوكين.
(1) سورة الروم الآية 39
(2)
سورة البقرة الآية 276
وبعد ذكر الكاتب لبعض آيات الربا بين فهمه لها وما رآه من أسباب لتحريم الربا المذكور منها وقد ذكر لذلك خمسة أسباب، نناقشها واحدا تلو الآخر.
السبب الأول: هو أن المدين محتاج للصدقة عملا بظروف الدين، ولذلك فهو مظلوم بأخذ الربا منه. أما أن المدين محتاج للصدقة فهذا لا يسلم به على إطلاقه، وليس كل مدين يحتاج للصدقة، وعند الإعسار فإنه يحتاج للصدقة باعتبار الغرم كما هو مفصل في بند الغارمين، لكن ليس هناك علاقة على الإطلاق بين حرمة الربا وبين كون مصير المدين الإعسار واحتياجه للصدقة فيما بعد. أما أن المدين مظلوم بأخذ الربا منه فهذا حق، ومن الحق الذي لا يقل عنه أيضا أنه ظالم بتعامله الربوي وإعطائه الربا لغيره، فالظلم قد وقع من الطرفين بل من كل أطراف العملية كما سنوضح ذلك فيما بعد.
السبب الثاني: هو أن الدائن ينفرد وحده بالمنفعة من الربا ويستغل أبشع استغلال ظروف ذلك المحتاج للصدقة، ولذلك فهو ظالم استحق الوعد الكبير إن لم يذر الربا مع مدينه. أما قوله بانفراد الدائن بالمنفعة فهذا غير مسلم به فالمدين يستفيد من الدين وينتفع به انتفاعا مؤكدا حتى ولو كان الدين لأغراض الاستهلاك ناهيك عن أغراض الإنتاج، يضاف إلى ذلك أن هذا غير مؤثر في الحكم، والتمويل الربوي للتجارة في الجاهلية لم يكن هذا الاستغلال ظاهرا فيه كما يتصور الكاتب ومع ذلك حرم، ولو كان أحد الطرفين مستغلا ومظلوما ما كان آثما وما استحق العذاب الشديد شأنه شأن الطرف الثاني بنص الحديث الشريف «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال هم في الإثم سواء (1)» إذن العملية كلها ملوثة وذميمة وكل من يشارك فيها ولو لم يكن أحد ركني العقد فهو آثم.
السبب الثالث: أن الربا تنمية من جانب واحد، بمعنى أن العائد فيها لطرف والغرم أو التكلفة على الطرف المقابل، فهو غنم من جانب وغرم
(1) سنن النسائي الزينة (5102).
من جانب آخر. ولنفرض أن هذا صحيح في بعض الصور إلا أن ذلك لا يخدم الكاتب فيما استهدفه.
السبب الرابع: قدم تفسيرا لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (1)، والكاتب ليس من رجال التفسير من جهة حيث للتفسير رجاله المستكملون لشروطه، وما قدمه من تفسير هو مجرد رأي محتمل. وما رأيه فيمن ذهب من المفسرين إلى أن الأكل في الآية معناه التعامل، ويكون المعني الذين يتعاملون بالربا وهو فوق هذا وذاك لا يعتبر سببا من أسباب التحريم، فهل يعقل أن يكون سبب تحريم الربا أن آكله يتخبط كما يتخبط المجنون!!!
السبب الخامس: هو أن الربا زيادة طارئة في الدين تفرض على المدين المحتاج للصدقة وتشترط عليه بعد حلول أجل الدين وعجز المدين عن الوفاء، وتلك هي زيادة بعقد جديد مستقل عن العقد الأول، ولا يقابلها في هذا العقد الجديد غير تأجيل الاستيفاء من المدين أي " الإنساء " وهو ربا النسيئة القطعي من غير أي نفع مادي للمدين وهو أكل أموال الناس بالباطل، ولذا كان هذا ظلما صريحا. . إلخ. جوهر هذا السبب يدور حول فكرة أن ربا الجاهلية المحرم قطعيا كان عبارة عن زيادة طارئة مشترطة على المدين نظير تأجيل استيفاء الدين، وبالطبع فإن المعاملة المصرفية الحالية ليست هكذا، فهي زيادة في صلب العقد الأول، ومن ثم فإنها لا تدخل في الحرمة لهذا الاختلاف. هذه هي أهم فكرة يدور حولها بحث الكاتب كله، وهي عند التحقيق أوهن من بيت العنكبوت. أما دعواه بأن ربا الجاهلية كان فحسب زيادة طارئة، فهذا خطأ باعتراف
(1) سورة البقرة الآية 275
المفسرين والمؤرخين وغيرهم من علماء الإسلام، والكاتب بنفسه قد سجل ذلك مما نقله عن ابن حجر وعن الرازي، فالصورة الثانية وهي الزيادة الأصلية كانت قائمة وسائدة حتى أن الجصاص في " أحكام القرآن " ذهب إلى أنه لم يكن موجودا سواها.
هذه هي الأسباب الخمسة التي ذهب الكاتب إلى أنها كانت وراء تحريم الربا في القرآن، وقد رأينا أنها كلها تنهار واحدا تلو الآخر، ثم إنه ما كان أحرى بالكاتب وهو يتصدى لهذا الموضوع أن يرجع إلى مراجع التفسير والفقه وأصول الفقه والحديث؛ ليتأكد على الأقل من معنى السبب وعلاقته بالحكم الشرعي.
خلاصة القول هنا أن الكاتب قد انطلق من منطلق خاطئ هو اعتباره الربا هو فقط الزيادة الطارئة بعد حلول أجل الدين، وأن المدين هو دائما محتاج للصدقة مظلوم مستغل، وكل ذلك غير صحيح وبفرض صحة بعضه فلا أثر له في الحكم، وهب أن المدين غني جدا هل يجوز إقراضه بفائدة؟
انتقل الكاتب بعد ذلك إلى بيان مفهوم الربا في السنة الشريفة، وجاء كلامه عنها وفيها قاصرا إلى غاية الغاية. ولا أدري تفسيرا لذلك على وجه التحديد، وهل هو عدم الدراية الكافية بالسنة؟ أم هو موقف متعمد حيث إن المزيد من الدراسة والبدل يجلب على الكاتب مالا يود الوصول إليه؟ يبدأ الكاتب بقوله لم يرد تعيين الأموال الربوية في القرآن الكريم، وإنما ورد تعيينها في السنة. ومبدئيا فإذا كان قد ورد تعيينها في الحديث فما الذي يبقى للكاتب أو لغيره؟ هل نحذف بعض هذه الأموال؟ وهل ما لدينا من أموال مغاير لتلك الأموال المعينة في الحديث؟
يضاف إلى ذلك أن كلامه غير مسلم به على علاته، فإن الحديث الشريف الذي حدد أموالا معينة قد حددها على ورود ربا البيع فيها كما صرحت بعض روايات الحديث، ولذا فقد اشتهر على ألسنة الفقهاء أن هناك ربا بيوع وهناك ربا ديون، وإذا كان ربا البيوع بنوعيه إنما يرد في أموال معينة، فإن ربا الديون ومنه ربا القروض يرد في كل مال سواء كان من تلك الأموال التي وردت في الحديث أو من غيرها. وفي ذلك يقول ابن رشد:" واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين؛ في البيع وفيما تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك "(1)، وقال ابن حزم:" والربا لا يجوز - أي لا يقع - في البيع والسلم إلا في ستة أشياء فقط. . . وهو في القرض في كل شيء "(2). وقال الجصاص: " والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به "(3) وقال الرازي: " أما ربا النسيئة فهو الأمر الذي كان مشهورا متعارفا في الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينا، ويكون رأس المال باقيا ثم إذا حل الدين طالبوا المديون برأس المال فإن تعذر عليه الأداء زادوا في الحق وفي الأجل "(4) وقال القرطبي: " وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم على أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة "(5).
(1) بداية المجتهد 2/ 140 دار الفكر.
(2)
المحلى 9/ 503 مكتبة الجمهورية.
(3)
أحكام القرآن 1/ 464 دار الكتاب العربي.
(4)
التفسير الكبير 7/ 85 دار الكتب العلمية.
(5)
الجامع لأحكام القرآن 3/ 241 دار الكتاب العربي.
أعتقد أنه من الواضح البين أن هناك ربا ديون أو قروض وهناك ربا بيوع، وأن الأول لا يختص بمال دون مال، ونحب أن نذكر أخانا الكاتب هنا بتساؤله الذي صدر به بحثه بتعجب وإنكار لم حرمت الفائدة على القرض في نظر الفقهاء؟ كما أحب أن أذكره بنص عبارة الرازي وعبارة الجصاص حتى يراجع نفسه في ادعائه بأن ربا الجاهلية كان فقط زيادة طارئة ولم يكن هناك تراض بين الطرفين، وكل ذلك مغاير للمعاملة المصرفية فهي زيادة أصلية ونتجت عن تراض بين الطرفين.
هذا هو كل ما ذكره عن الربا في السنة الشريفة ثم سرعان ما ركز على وجود تيارين متعارضين في أمر الربا حتى في الصدر الإسلامي الأول، مبينا أنه كان هناك المتشددون فيه وهناك المتلطفون معه، ثم ينقل كلمة منسوبة إلى سيدنا عمر رضي الله عنه دون أن يجري حولها أية دراسة من حيث التوثيق والمضمون، وما إذا كانت قد وردت فعلا عن سيدنا عمر وأقوال الثقاة من العلماء فيها، بل إنه لم يشر مجرد إشارة إلى مصادره في ذلك، وقد سبق أن علقنا على تلك المسألة وغيرها في صدر الورقة. ثم يقول الكاتب:" إن هناك تيارا يتلطف في الربا ويحصره في ربا الجاهلية الذي نزل فيه القرآن، لكن ما لبث هذا التيار أن جرفه التيار المعارض " ونحب أن نقول للأخ الكاتب إن المسألة لا تدخل في باب العواطف والمشاعر حتى يكون فيها تلطف وقسوة وتشدد بل هي
أحكام شرعية وأمانة الالتزام الكامل بها، كما أنها ليست معركة ولا حربا حتى يجرف تيار تيارا، إنما هو الإقناع والاقتناع.
ثم انتقل الكاتب بعد ذلك سريعا إلى القول بوجود ثلاثة اتجاهات متدرجة في التضييق من منطقة الربا هي:
1 -
أقلها تضييقا لنطاق الربا هو ما ذهب إليه ابن رشد وابن القيم من التفرقة بين الربا الجلي ربا النسيئة والربا الخفي ربا الفضل. وقبل أن نناقش الكاتب في مقولته هذه نناقشه أولا في نسبة هذه المقولة إلى ابن رشد، وحتى يكون النقاش أكثر فعالية نضع نص عبارة ابن رشد والتي نقلها الكاتب في ورقته. يقول ابن رشد:" واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين: في البيع وفيما تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك، فأما الذي تقرر في الذمة فهو صنفان، صنف متفق عليه وهو ربا الجاهلية، والثاني ضع وتعجل وهو مختلف فيه "(1).
وسؤالنا للأخ الكاتب هو: في أي فقرة من تلك العبارة فرق فيها ابن رشد بين ربا الفضل وربا النسيئة؟ وأين هو الجلي والخفي في كلام ابن رشد؟ ربما يكون الأخ الكاتب قد ظن أن قولة ابن رشد " والثاني هو ضع وتعجل " يقصد بها ربا الفضل، وهذا بالطبع لا يحتاج إلى مناقشة هنا وبيان، بل يحتاج من الكاتب الرجوع إلى كتب الفقه للتعرف على مضمون تلك الجملة " ضع وتعجل " وموقف العلماء منها، ولعل القارئ يلاحظ أن ابن رشد ينقل اتفاق العلماء على ربا البيوع دون تفصيل، أما الذي فصل فيه فهو ربا الديون.
(1) ابن رشد " بداية المجتهد " جـ 2 ص 140.
ثم أخذ الكاتب بعد ذلك يتحدث عن ابن القيم ورأيه، ومبدئيا فإن ابن القيم واحد من آلاف العلماء يؤخذ منه ويرد، ولا يعتبر رأيه حجة إلا باستناده إلى القواعد والمبادئ الإسلامية، وكيف يؤخذ كلامه هنا على علاته في ضوء الحديث الشريف الذي قاله لمن اشترى تمرا بتمر حالا متفاضلا:«أوه عين الربا (1)» ومن الواضح أن الحلول هنا بين جلي وليس فيه شبهة ولا ذريعة للتأجيل، ومع ذلك بين المصطفى صلى الله عليه وسلم «أنه عين الربا (2)» ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن ابن القيم رحمه الله قد حاول أن يجد تفسيرا لحرمة ربا الفضل بالمقارنة بربا النسيئة، فقال إنه حرم لأنه قد يفضي إلى ربا النسيئة (3)، وهب أن هذا تفسير مقبول، هل يؤدي ذلك إلى اختلاف في الحرمة؟ لا، وهذا ما نص عليه ابن القيم، يضاف إلى ذلك وربما تكون أهم نقطة من حيث موضوعنا وهي: ما علاقة هذا بموضوع الورقة التي قدمها الكاتب؟ وهب أن في ربا الفضل من حيث نطاقه كلاما وكلاما - مع أن الجميع متفق على أن هناك ربا فضل وأنه محرم في الأصناف الستة بنص الحديث، ولا اجتهاد في ذلك، لكن ما علاقة هذا بالمعاملة المصرفية الحالية!!! فهل هي من باب ربا الفضل أم من باب ربا الدين؟ العجيب أن الكاتب في بعض عبارته يشير إلى أنها من ربا الفضل بينما الزيادة الطارئة هو فقط من ربا الدين استنادا إلى كلام عزاه للشيخ رشيد رضا، لكن ذلك مرفوض منه ومن المرحوم الشيخ رشيد إن كان قد قال ذلك. فأين البيع هنا حتى يكون ربا فضل، وما هو الفرق بين حقيقة وطبيعة
(1) صحيح البخاري الوكالة (2312، 2312)، صحيح مسلم المساقاة (1594، 1594)، سنن النسائي البيوع (4557)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 62).
(2)
صحيح البخاري الوكالة (2312)، صحيح مسلم المساقاة (1594).
(3)
للرجوع إلى نص كلام ابن القيم انظر إعلام الموقعين جـ 2 ص 154 وما بعدها.
الزيادتين؛ الأصلية والطارئة؟ لا فرق ولا خلاف اللهم إلا في زعم الكاتب فقط، فقد زعم أن الزيادة الطارئة هي في نظير التأجيل ليس إلا فهي نسيئة، أما الزيادة الأصلية فليست كذلك والسؤال هو إذا لم تكن نظير التأجيل أو على الأقل لم يكن التأجيل عنصرا بارزا فيها ففي نظير أي شيء تكون؟ وهل نسي الكاتب أنه في الكثير الغالب من عباراته يسلم بأننا في مجال القرض بفائدة؟ وبعد ذلك يخلص الكاتب ما ترتبه التفرقة بين ربا النسيئة وربا الفضل من نتائج أهمها أن الحرمة في ربا النسيئة أشد من الحرمة في ربا الفضل، ومن ثم لا يجوز ربا النسيئة إلا عند الضرورة بينما يجوز ربا الفضل عند الحاجة، وذلك عندما لا يمكن اتخاذه ذريعة لربا النسيئة فينتفي سبب التحريم. سبحان الله، من الذي له سلطة المفاضلة بين المحرمات وعمل سلم لها؟
ومن الذي له سلطة إباحة المحرم وتحديد الضرورة وتحديد الحاجة؟ وبفرض التسليم بذلك فإن الكاتب يناقض نفسه ويناقض كلام ابن القيم الذي اعتمد عليه، فهو يقول عند الحاجة يباح ربا الفضل عند ما لا يمكن أن يتخذ ذريعة لربا النسيئة، فإذا ما جئنا لنطبق ذلك على المعاملة المصرفية " الإيداع " وبفرض أنها من باب ربا الفضل، ألم تؤد هذه المعاملة إلى ربا النسيئة؟ وأليس هناك تأجيل صريح واضح؟ يا أخي الكريم ما قاله ابن القيم هو أن 5 مقابل 6 حالا حرم حتى لا يكون الحلول فيه ظاهريا فقط، والحقيقة هو التأجيل أي تأجيل الستة، وما يحدث في المعاملة المصرفية أن المودع لا يأخذ مثل ماله مع إضافة الفائدة حالا بل مؤجلا، وهذا أمر بدهي: أليس هذا هو النسيئة بعينه؟ وهو الذي خشي ابن القيم من الوصول إليه خفية فإذا بنا نصل إليه
مباشرة وعلانية وهذا عن الاتجاه الأول كما عرضه الكاتب، فهل فيه ما يؤيد وجهة نظره من قريب أو بعيد؟
2 -
الاتجاه الثاني: هو الذي يميز بين ربا القرآن وربا السنة. وقد وصف ربا القرآن بالربا الجلي وربا السنة بالربا الخفي، وقد بين أن هذا الاتجاه يقسم الربا ثلاثة أنواع هي: أ- ربا الجاهلية: وهو الربا الذي نزل فيه القرآن الكريم، وحقيقته كما ذكر الكاتب أن يقول الدائن للمدين عند حلول الأجل إما أن تقضي وإما أن تربي.
ب- ربا النسيئة الوارد في الحديث الشريف. وقد قال فيه الكاتب إنه أوسع كثيرا في مداه من ربا الجاهلية، بل ويختلف عنه اختلافا بينا في كثير من الصور.
جـ- ربا الفضل الوارد في الحديث وهو بيع المكيل أو الموزون بجنسه متفاضلا أو بيع الطعام أو الثمن بجنسه متفاضلا.
هذا كل ما قاله الأخ الكريم عن الاتجاه الثاني. والحقيقة أن الكاتب هنا قد وضع نفسه في موضع لا يحسد عليه. فهل ما ذكره هنا يعتبر اتجاها ذهب إليه بعض العلماء؟ أم أنه تفصيل من العلماء كلهم لصور وأنواع الربا؟ وهل هناك فقيه واحد لا يقول بتلك الأنواع للربا؟ إنها عملية تفصيل وتميز بين الأنواع المختلفة للربا، وليس لهذا التفصيل أي مدخل من قريب أو بعيد في الحل والحرمة فكلها محرمة. فكيف يقال عن ذلك إن هذا هو اتجاه من الاتجاهات التي تضيق من نطاق الربا، فأين هو التضييق والتوسيع فيما ذكره من هذا الاتجاه؟ وبالطبع فإن كلامه عن النوع الأول هو غير صحيح، وسبق أن فندناه أما النوع الثاني فتارة