الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصحاب بقولهم: إن ملكه ناقص فالحديث لم يفرق بين الذي ملكه ناقص أو كامل. ومنعنا إياه من البيع لتعلق حقوق من بعده به. فالصواب إثبات الشفعة إذا باع الشريك سواء كان شريكه صاحب ملك طلق أو مستحقا للوقف. اهـ (1).
وقال المنقور نقلا عن جمع الجوامع:
للوقف ثلاث صور، الأولى: إذا كان البعض وقفا والبعض ملكا فبيع الملك، هل يأخذ رب الوقف بالشفعة؟ على وجهين. والثانية: إذا كان كذلك وبيع الوقف حيث جاز بيعه هل يأخذ الشريك بالملك؟ على وجهين. المختار نعم. الثالثة: إذا كان الكل وقفا وبيع البعض حيث جاز بيعه فهل يجوز لرب الوقف الآخر الأخذ بها؟ على وجهين. الصحيح لا يجوز. اهـ (2). .
ولعل مصدر الاختلاف في ذلك الخلاف هل لجهات الوقف شخصية اعتبارية تكون أهلا للإلزام والالتزام كالحال في جماعة المسلمين حيث يتكافؤون ويسعى بذمتهم أدناهم فيكون الوقف ملكا لهم فإذا تصرف بعضهم أو النائب عنهم وهو الناظر تصرفا فيه مصلحة للوقف وغبطة لجهاته كان كتصرفهم جميعا أم أن الوقف لا مالك له في الحقيقة وأن الإصابة الاعتبارية وهم وخيال لا مجال لها في واقع الأمر وحقيقته.؟
(1) الفتاوى السعدية ص 438.
(2)
الفواكه العديدة في المسائل المفيدة جـ 1 ص 397
6 -
شفعة غير المسلم:
اتفق الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي على القول بجواز شفعة غير المسلم. قال السرخسي: والذكر والأنثى والحر
والمملوك والمسلم والكافر في حق الشفعة سواء لأنه من المعاملات وإنما ينبني الاستحقاق على سبب متصور في حق هؤلاء وثبوت الحكم بثبوت سببه اهـ (1).
وفي المدونة ما نصه:
قيل لابن القاسم هل لأهل الذمة شفعة في قول مالك فقال سألت مالكا عن المسلم والنصراني تكون الدار بينهما فيبيع المسلم نصيبه هل للنصراني فيه شفعة قال نعم أرى ذلك له مثل ما لو كان شريكه مسلما. اهـ (2).
وقال النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم فمن كان له شريك فهو عام يتناول المسلم والكافر والذمي فتثبت للذمي الشفعة على المسلم كما تثبت للمسلم على الذمي هذا قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة والجمهور. اهـ (3).
وانفرد الإمام أحمد رحمه الله عنهم بمنع شفعة الكافر على المسلم لأن تسليط الكافر على المسلم يعتبر سبيلا إليه قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (4) قال ابن قدامة رحمه الله على قول الخرقي " ولا شفعة لكافر على مسلم ":
وجملة ذلك أن الذمي إذا باع شريكه شقصا لمسلم فلا شفعة له عليه روي ذلك عن الحسن والشعبي وروي عن شريح وعمر بن عبد العزيز أن له الشفعة وبه قال النخعي وإياس بن معاوية وحماد بن أبي سليمان والثوري ومالك والشافعي والعنبري وأصحاب الرأي لعموم قوله
(1) المبسوط جـ 14 ص 99.
(2)
المدونة جـ 5 ص 399.
(3)
شرح صحيح مسلم جـ 11 ص 46.
(4)
سورة النساء الآية 141
صلى الله عليه وسلم: «لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه وإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به (1)» ، ولأنه خيار ثابت لدفع الضرر بالشراء فاستوى فيه المسلم والكافر كالرد بالعيب.
ولما روى الدارقطني في كتاب العلل بإسناده عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا شفعة لنصراني» . وهذا يخص عموم ما احتجوا به ولأنه معنى بتملك به يترتب على وجود ملك مخصوص فلم يجب للذمي على المسلم كالزكاة ولأنه معنى يختص العقار فأشبه الاستعلاء في البنيان بحقيقة أن الشفعة إنما تثبت للمسلم دفعا للضرر عن ملكه فقدم دفع ضرره على دفع ضرر المشتري، ولا يلزم من تقديم دفع ضرر المسلم على المسلم تقديم دفع ضرر الذمي فإن حق المسلم أرجح ورعايته أولى ولأن ثبوت الشفعة في محل الإجماع على خلاف الأصل رعاية لحق الشريك المسلم وليس الذمي في معنى المسلم فيبقى فيه على مقتضى الأصل. ا (2).
هـ وقد نصر ابن القيم رحمه الله القول بنفي شفعة الكافر على المسلم وناقش القائلين بثبوتها ورد عليهم قولهم فقال ما نصه: ولهذا لم يثبت عن واحد من السلف لهم حق شفعة على مسلم وأخذ بذلك الإمام أحمد وهي من مفرداته التي برز بها على الثلاثة لأن الشقص يملكه المسلم إذا أوجبنا فيه شفعة لذمي كنا قد أوجبنا على المسلم أن ينقل الملك في عقاره إلى كافر بطريق القهر للمسلم وهذا خلاف الأصول. والشفعة في الأصل إنما هي من حقوق أحد الشريكين على الآخر بمنزلة الحقوق التي تجب للمسلم على المسلم كإجابة الدعوة وعيادة المريض وكمنعه أن يبيع على بيع أخيه أو يخطب على خطبته. قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن الذمي اليهودي والنصراني لهم شفعة قال: لا، وكذلك نقل أبو طالب وصالح
(1) سنن النسائي البيوع (4701)، سنن أبو داود البيوع (3513)، سنن الدارمي البيوع (2628).
(2)
المغني جـ 5 ص320 - 321.
أبو الحارث والأثرم كلهم عنه: ليس للذمي شفعة. زاد أبو الحارث: مع المسلم. قال الأثرم قيل له: لم؟ قال لأنه ليس له مثل حق المسلم.
واحتج فيه، قال الأثرم حدثنا الطباع حدثنا هشيم أخبرنا الشيباني عن الشعبي أنه كان يقول ليس لذمي شفعة. وقال سفيان عن حميد عن أبيه إنما الشفعة لمسلم. ولا شفعة لذمي. وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن ليث عن مجاهد أنه قال: ليس ليهودي ولا لنصراني شفعة. قال الخلال أخبرني محمد بن الحسن بن هارون قال سئل أبو عبد الله وأنا أسمع الشفعة للذمي قال: ليس لذمي شفعة.
ليس له حق المسلم. أخبرني عصمة بن عصام حدثنا حنبل قال سمعت أبا عبد الله قال ليس ليهودي ولا لنصراني شفعة قيل: ولم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب (1)» . وهذا مذهب شريح والحسن والشعبي واحتج الإمام أحمد بثلاث حجج إحداها أن الشفعة من حقوق المسلمين بعضهم على بعض فلا حق للذمي فيها. ونكتة هذا الاستدلال أن الشفاعة من حق المالك لا من حق الملك. الحجة الثانية قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه (2)» وتقرير الاستدلال من هذا أنه لم يجعل لهم حقا في الطريق المشترك عند تزاحمهم مع المسلمين فكيف يجعل لهم حقا إلى انتزاع ملك المسلم منه قهرا بل هذا تنبيه على المنع من انتزاع الأرض من يد المسلم وإخراجه منها لحق الكافر لنفي ضرر الشركة عنه وضرر الشركة على الكافر أهون عند الله من تسليطه على إزالة ملك المسلم عنه قهرا. الدليل الثالث قوله صلى الله عليه وسلم «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب (3)» . ووجه الاستدلال من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بإخراجهم من أرضهم ونقلها إلى المسلمين لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين
(1) موطأ مالك الجامع (1651).
(2)
صحيح مسلم السلام (2167)، سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2700)، سنن أبو داود الأدب (5205)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 444).
(3)
موطأ مالك الجامع (1651).
كله لله فكيف نسلطهم على انتزاع أراضي المسلمين منهم قهرا وإخراجهم منها.
وأيضا، فالشفعة حق يختص العقار فلا يساوي الذمي فيه المسلم كالاستعلاء في البنيان. يوضحه أن الاستعلاء تصرف في هواء ملكه المختص به فإذا منع منه فكيف يسلط على انتزاع ملك المسلم منه قهرا وهو ممنوع من التصرف في هوائه تصرفا يستعلي فيه على المسلم. فأين هذا الاستعلاء من استعلائه عليه بإخراجه من ملكه قهرا. وأيضا فالشفعة وجبت لإزالة الضرر عن الشفيع وإن كان فيها ضرر بالمشتري فإذا كان المشتري مسلما فسلط الذمي على انتزاع ملكه منه قهرا كان فيه تقديم حق الذمي على حق المسلم وهذا ممتنع. وأيضا فإنه يتضمن مع إضراره بالمسلم إضراره بالدين وتملك دار المسلمين منهم قهرا وشغلها بما يسخط الله بدل ما يرضيه وهذا خلاف قواعد الشرع. ولذلك حرم عليهم نكاح المسلمات إذ كان فيه نوع استعلاء عليهن ولذلك لم يجز القصاص بينهم وبين المسلمين. ولا حد القذف ولا يمكنون من تملك الرقيق المسلم قال الله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (1) ومن أعظم السبيل تسليط الكافر على انتزاع أملاك المسلمين منهم وإخراجهم منها قهرا وقد قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (2) إلى أن قال- وأيضا فلو كانوا مالكين حقيقة لما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من جزيرة العرب وقال: «لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب (3)» ، هذا مع بقائهم على عهدهم وعدم نقضهم له فلو كانوا مالكين لدورهم حقيقة لما أخرجهم منها ولم ينقضوا عهدا ولهذا احتج الإمام أحمد بذلك على أنه لا شفعة
(1) سورة النساء الآية 141
(2)
سورة الحشر الآية 20
(3)
صحيح مسلم الجهاد والسير (1767)، سنن الترمذي السير (1607)، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (3030)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 32).