الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة معالي سيد شريف الدين بيرزاده
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين
وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
أصحاب السماحة والمعالي والفضيلة
أيها الإخوة،
يسعدني أن أحضر اليوم افتتاح أعمال الدورة الثانية لمجلس المجمع الفقهي الإسلامي. وهي مناسبة أغتنمها لأرحب بممثلي الدول الإسلامية أجمل ترحيب، راجيًا لهم إقامة طيبة في هذا البلد الأمين، ومتمنيًا أن تحقق الدورة أهدافها المرسومة.
أيها الإخوة،
لقد أبت العناية الإلهية إلا أن تجعل من أرض الحرمين الشريفين، منطلقًا للدعوة إلى العقيدة الإسلامية الغراء. وكان مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي انعقد في مكة المكرمة والطائف في شهر ربيع الأول 1401هـ بمشاركة حوالي أربعين من رؤساء الدول الإسلامية المنبر الذي دعا منه صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز في الخطاب الافتتاحي إلى أن من واجب حكماء الأمة الإسلامية ومفكريها وعلماءها، بصفة خاصة، أن يجندوا أنفسهم ويحشدوا طاقاتهم في مجلس عالمي للفقه الإسلامي يضمهم ويوحد جهودهم، لتجد الأمة الإسلامية في رحابه الإجابة الصحيحة المقتبسة من الشريعة الإسلامية، على كل سؤال تطرحه عليهم الحياة المعاصرة.
وكانت استجابة زعماء العالم الإسلامي لدعوة جلالته في مستوى النداء الكريم. وتبلورت إرادة قادة الدول الإسلامية في أفكار بناءة تمثلت في صدور قرار تاريخي يقضي بإنشاء المجمع.
وتوجت جهود الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي -بفضل الله وعونه- بانعقاد المؤتمر التأسيسي للمجمع الفقهي الإسلامي تحت رعاية جلالة الملك فهد بن عبد العزيز، في مكة المكرمة، يوم 26 من شهر شعبان 1403هـ، حين شاركت في المؤتمر جميع الدول الأعضاء. وكان المؤتمر المذكور، بحق، بداية لمرحلة تاريخية في حياة أمتنا، تخطى فيها العمل الإسلامي حدود الفردية والجهود الإقليمية والحدود السياسية إلى إنشاء أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة العالم الإسلامي في ميدان الفقه والتشريع.
ولا شك في أن المجمع إذا نهض بأعباء مهمته على خير وجه، سيتيح الفرصة لالتقاء أعلى الخبرات وأقوى التخصصات الإسلامية في رحابه، وسيمهد الطريق للتعاون المثمر بين علماء هذه الأمة في مضمار التعريف بالنظريات الفقهية وبالمبادئ الإسلامية العامة في العدالة والحرية والأمن والسلم، وسيساعد مساعدة فعالة على تطبيق أحكام الشريعة تطبيقًا يجمع بين التطور والتفتح اللذين يقتضيهما العصر الحديث من ناحية، وبين التمسك بالأصالة والعقيدة من ناحية ثانية.
نعم. لقد أصبح المجمع اليوم حقيقة واقعة. والأمل معقود في نطاقه على صفوة علمائنا وفقهائنا للعمل على وضع القواعد الفقهية التي يحتاجها المسلمون في هذه الفترة من تاريخنا توخيًا للوصول إلى تشريع موحد في كل بلاد المسلمين، وإننا لنرجو أن تصبح هذه المؤسسة الإسلامية الجديدة محورًا رئيسيًا تلتقي حوله الهيئات الفقهية المتعددة القائمة اليوم في أرجاء العالم الإسلامي، كما نرجو أن تنهض هذه المؤسسة بمهمة التنسيق والتنظيم بين تلك الهيئات، معتمدة في ذلك خطة مدروسة قائمة على أسس علمية.
أيها الإخوة،
إن أهمية الفقه الإسلامي تتمثل في كونه يتناول بشكل مباشر حياة الفرد والأسرة والمجتمع، كما يتناول العلاقات بين المسلمين وبين سكان المجتمعات غير المسلمة. وليس بخاف أن المسلمين في كل مكان يعلقون أهمية قصوى على هذه المؤسسة، لا لما ستصدره من فتاوى منسجمة مع تطور الحياة المعاصرة فحسب، بل لما ستصدره أيضًا من دراسات وبحوث وآراء تعين المسلمين على استيحاء الأنظمة الملائمة لمؤسساتهم ومجتمعاتهم، مما يوفر، بالتالي، إمكانيات الانسجام بين مختلف دولنا، ويساعد على تمهيد طريق التضامن الإسلامي المنشود.
ولقد لبت الشريعة السمحة على الصعيد الفقهي، كما لا يخفى، حاجات دار الإسلام على مر العصور، فأمدتها بقواعد مرنة تحقق الصالح العام وتعمل على درء المفاسد. ورأى علماء المسلمين منذ قرون أن يعملوا على ضبط قواعد الفقه وتدوينها وتدريسها لأبنائهم. ورأوا كذلك أن يستنبطوا أحكامًا لكل ما يعرض عليهم من مسائل وقضايا وموضوعات.. بل إنهم افترضوا وقائع وأحداثًا قبل وقوعها، وحرصوا على أن يضعوا لكل منها حلًا ملائمًا. وقد توفر بفضل ذلك كنز ثمين من المؤلفات الفقهية والدراسات والأبحاث التي تعالج مشكلات الناس في كل أقطارهم. ولذا، فالمجمع الفقهي الإسلامي لا ينطلق اليوم من فراغ، لأن بين يديه بحرًا زاخرًا من تراث الآباء والجدود. ومن واجبنا أن لا نكتفي بما تركوه لنا، بل إن علينا أن نستمر من حيث ما انتهوا إليه، لنزيد تراثنا ثراء ولنتلافى النقص الذي طرأ في الفترة التي ضعف فيها المسلمون. ويعني ذلك أن مهمة المجمع تقتضي رعاية ذلك التراث، كما تقتضي استثماره لدفع مسيرتنا إلى الأمام.
أيها الإخوة،
وإن من دواعي الارتياح، أن إنجازات مهمة أخرى، في الوقت الذي يبدأ فيه المجمع خطواته الأولى على الطريق سترى النور قريبًا، كمحكمة العدل الإسلامية الدولية التي تتخذ منظمة المؤتمر الإسلامي الإجراءات الأخيرة لإخراجها إلى حيز الوجود، وهي المحكمة التي ستكون مهمتها النظر في الخلافات التي تقع، لسبب أو لآخر، في بعض الأحيان، بين الدول الإسلامية، عملًا بتعاليم ديننا التي تأمر بإصلاح ذات البين. وهي محكمة من شأنها حين تقوم في القريب أن تجنبنا –نحن المسلمين- اللجوء إلى تسوية مثل تلك الخلافات إلى منظمات وهيئات أجنبية تعتمد أحكامًا غير أحكام الشريعة.
ومن تلك الإنجازات أيضًا، وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام التي ستكون ملزمة للدول الأعضاء كافة. ومن أجدر من المسلم بأن يصوغ هذه الوثيقة؟ ذلك أن الإسلام كرم الإنسان، فضمن له الحياة المادية والروحية، وكفل له الحقوق والحرية والأمان والاطمئنان.
وبإقامة مزيد من المؤسسات التي تمكن المسلمين من عقد لقاءات تضمهم وتزيدهم تعارفًا وتآلفًا نستطيع أن نبنى صرح تضامننا وقوتنا.
أيها الإخوة،
إن التحديات التي نواجهها اليوم تحديات تهدد مصيرنا، فالقدس مهددة بفقدان شخصيتها الإسلامية، وفلسطين خاضعة لنير احتلال غاشم، وأفغانستان ما تزال مسرحًا لغزو أجنبي منذ بضع سنين. أما الحرب بين العراق وإيران فما فتتئت تستنزف طاقاتنا البشرية والمادية باستمرار، مما يزيدنا ضعفًا وتخاذلًا أمام عدونا المشترك. ومواجهة تلك التحديات يقتضي تضامننا، ويتطلب رفع مستوى كفايتنا وقدرتنا لنكون في مستوى العصر الذي نعيش فيه ولنكون في مستوى خصومنا.
أيها الإخوة،
اسمحوا لي في هذه المناسبة، وقبل أن أختتم كلمتي، بأن أقدم خالص التحية ووافر التقدير، باسم منظمة المؤتمر الإسلامي، إلى صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز لما تجده المنظمة لدى جلالته ولدى حكومته، من رعاية مستمرة ومن دعم مادي ومعنوي لكل مؤسسة أو جهاز من مؤسساتها التي من ضمنها المجمع الفقهي الإسلامي الذي كان صاحب الجلالة قد تفضل كما هو معروف فتبرع له بمقر دائم في مدينة جدة.
ولا يفوتني كذلك أن أنوه بدور رابطة العالم الإسلامي وبدور علماء المملكة العربية السعودية في خدمة الفقه الإسلامي، مما سيعين هذا المجمع، دون شك، على أداء مهمته إعانة ملموسة.
واسأل الله العلي القدير أن يكلل أعمالكم بالنجاح والتوفيق. إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..