الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زكاة المستغلات
فضيلة الدكتور علي احمد السالوس
في زكاة المستغلات اختلفت الآراء، ولم يكن هناك خلاف يذكر بين المذاهب الفقهية والذي أبرز هذا الخلاف هو ضخامة هذه المستغلات في العصر الحديث.
فعندما عقدت حلقة الدراسات الاجتماعية بدمشق سنة 1952م، وبحثت موضوع الزكاة انتهى المجتمعون إلى أن المستغلات لا تزكى عينها، وإنما غلتها فقط، وأن ما تزكى غلته لا عينه يقاس على زكاة الزرع، فالعين كالأرض، والغلة كالزرع، فصافي الغلة يزكى بنسبة 10 %.
وهذا الرأي وجد من عارضه، وأذكر على سبيل المثال أن الشيخ محمود شلتوت أفتى بأن الغلة تزكى زكاة نقود، أي 2.5 % واستمر الأمر إلى أن عقد المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1385هـ (1965م) . وكان أستاذنا العلامة المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة أحد الذين حضروا حلقة الدراسات الاجتماعية، وقدم للمؤتمر بحثًا عن الزكاة، وذهب في المستغلات إلى ما انتهى إليه الرأي في تلك الحلقة. وبعد مناقشة البحث انتهى المؤتمر إلى ما يأتي:
الأموال النامية التي لم يرد النص ولا رأي فقهي بإيجاب الزكاة فيها حكمها كالآتي:
1-
لا تجب الزكاة في أعيان العمائر الاستغلالية والمصانع والسفن والطائرات وما شابهها، بل تجب الزكاة في صافي غلتها عند توافر الناصب وحولان الحول.
2-
وإذا لم يتحقق فيها نصاب وكان لصاحبها أموال أخرى تضم إليها، وتجب الزكاة في المجموع إذا توافر شرطا النصاب وحولان الحول.
3 – مقدار النسبة الواجب إخراجها هو ربع عشر صافي الغلة في نهاية الحول. ومعنى هذا أن المؤتمر رفض رأي أستاذنا، ومعلوم أن المجمع لا يصدر الفتاوى إلا بالإجماع، وهذا يعني أنه هو نفسه عدل عن رأيه وانضم لرأي الجماعة، ولكن سمعت غير هذا، ولا أجد له تفسيرًا.
وبعد المؤتمر الثاني للمجمع ظهر كتاب "فقه الزكاة" للأستاذ يوسف القرضاوي وكان للكتاب أثره الواسع في هذا المجال. وانتهى فضيلته في المستغلات إلى رأي حلقة الدراسات الاجتماعية مع شيء من التعديل، يحث رأي إسقاط ما يقابل استهلاك العين، فالعين المستغلة لها عمر زمني مفترض، واقترح عدم تزكية الربع أو الثلث كما كان يحدث عادة في الخرص.
وهذا الرأي كأنه وسط بين الرأيين.
وينتهي الأمر إلى مؤتمر الزكاة الأول الذي شرفت بحضوره. وذكرت في اجتماع اللجنة العلمية ما يؤيد المؤتمر الثاني لمجمع البحوث، مستدلًا بما يأتي:
1-
المستغلات في عصرنا لا أصل لها في تاريخ أمتنا، حيث كان المسلمون يؤجرون البيوت، والحوانيت، والحمامات، والدواب، وغيرها، ورأي الأئمة الإعلام أن الغلة تزكى زكاة نقود، وما قال أحد بقياسها على الزرع.
2-
الزكاة عبادة، والقياس في العبادة قد يكون غير جائز.
3 – ولو أخذنا بالقياس نظرًا للجانب المالي، فهو هنا قياس مع الفارق، لأن المستغل ليس كالأرض، فقد يهلك في لحظة: فتحترق الطائرة، وتغرق السفينة، وتنهدم العمارة، والأرض باقية إلى أن يأذن الله عز وجل في زلزلتها.
والغلة ليست كالزرع لأنها تزكى كل حول، أما الزرع فبعد أن يزكى، إذا ادخر سنوات فلا يزكى مرة ثانية، إلا إذا أصبح عروض تجارة.
ولذلك بين الإمام الشافعي الفرق بين النقدين والزرع بقوله في رسالته (ص527- 528) :
"
…
وأني لم أعلم منهم مخالفًا في أني علمت معدنا فأديت الحق فيما خرج منه، ثم أقامت فضته أو ذهبه عندي دهري، كان على في كل سنة أداء زكاتها، ولو حصدت طعام أرضى فأخرجت عشرة، ثم أقام عندي دهره، لم يكن على فيه زكاة ".
ولكن هذا الرأي رفضه الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، والأستاذ الدكتور مصطفى الزرقاء، وهو أحد الذين حضروا الدراسات الاجتماعية، وقد رد قائلًا بجواز القياس هنا، وبأن هذا القياس قياس محكم.
العرض والمناقشة
10/4/ 1406- 22/12/1985
الساعة 16.20 – 20.20
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نبحث الآن موضوع " زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية " وأمامكم فيه بحثان: أحدهما لفضيلة الشيخ القرضاوي، والثاني لفضيلة الشيخ علي بن أحمد السالوس، وقد ترون مناسبًا أن يتفضل الشيخ يوسف القرضاوي بعرض موجز عن البحث في هذا الموضوع يعتمد النظرة الفقهية من خلال الاختلاف والدليل فليتفضل مشكورًا.
الشيخ يوسف القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، {رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} ، اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، وبعد.
هذا الموضوع الذي قدمت لأتحدث عنه، ليس جديدًا عليكم وهو في كتابي " فقه الزكاة" وأعتقد أنكم تعرفونه، لذلك فأنا أجد من العسير أن أكرر نفسي لهذا فأنا ألخص تلخيصًا ربما كان مخلًا كالتلخيص الذي لخصه مجموع ملخصات البحوث وهو في الحقيقة ملخص تلخيصًا شديدًا جدًا لا يمكن أن يفي ببعض ما في الموضوع من أساسيات.
الذي أريد أن أؤكد عليه هنا أن الشريعة لا تفرق بين متماثلين كما أنها لا تجمع بين مختلفين، وأن أحكام الشريعة في جملتها معللة مفهومة، وأن جمهور فقهاء الأمة يعللون الأحكام، وهذا ما جعلنا ننظر في وعاء الزكاة أو الأموال التي تجب فيها الزكاة على أساس هذه النظرة، وأن سبب إيجاب الزكاة كما نص كثير من الفقهاء هو المال النامي، النامي حقيقة أو النامي تقديرًا، النامي أو القابل للنماء، ومعنى أنه نام أنه يدر كسبًا وإيرادًا لصاحبه، وبناء على هذا قلنا: إن الأموال النامية تختلف من عصر إلى عصر، ربما كانت هناك أموال في عصر النبوة وفي عصر الصحابة ليس لها نماء أصبحت في عصرنا أموالا نامية بل من أكبر الأموال النامية وأكثرها وأشهرها، ومن هنا ظهرت أشياء لعلها لم تظهر عند الفقهاء السابقين فلم يكن عندهم ما يجعلهم يجتهدون فيها، والاجتهاد وليد مشكلة يجدها الفقيه فيبحث ويجتهد، فإذا لم توجد أو وجدت على سبيل الندرة، لم يكن هناك حاجة للاجتهاد ربما وجدت بعد عصور الاجتهاد ولكن في عصور التقليد، قلما نجد قولًا إلا أن يردد أقوال السابقين، هذا ما جعلنا ننظر في المستغلات أو أو الأراضى والعقارات ، العقارات والمصانع ونحوها التى سماها بعض الفقهاء " المستغلات " وهو ما تبقى عينه وتتجدد منفعته بخلاف الأِشياء التي تعد للتجارة في العين تنتقل من يد إلى يد، هذا الأشياء رأيناها في عصرنا في مثل العمارات السكنية وفي مثل المصانع التي تنتج ويباع نتاجها في الأسواق، ماذا ينبغي أن ننظر إلى هذه الأشياء، ربما إذا نظرنا إلى الفقه التقليدي أو المشهور فيه نقول: لا شك فيها حتى يأتي منها بعض المال ويحول عليه الحول فتجب فيه الزكاة، ولكن إذا لم يحل عليه الحول كما يحدث فعلًا، فإن كثيرًا من أصحاب هذه العمارات والمصانع لا يبقى في يدهم مال يحول عليه الحول، لأن المال يتحول للانتاج مرة أخرى، لا يبقى عنده سيولة، أكبر التجار والرأسماليين ليس عندهم مال سائل، لأن المال يعمل باستمرار من شيء إلى شيء فربما تمر السنون تلو السنين ولا تجب عليه زكاة قط، فهل قصد الشارع أن يعفى هؤلاء من الزكاة.
فمن هنا كانت نظرتنا إلى هذه الأموال، إن هذه هي أموال نامية وعلة وجوب الزكاة هو النماء أو المال النامي، من ناحية أخرى النصوص العامة، عموم النصوص وإطلاقها التي أوجبت في كل مال حقا أو في كل مال زكاة {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} "أدوا زكاة أموالكم" من غير فصل بين مال ومال. وكما قال القاضي أبو بكر بن العربي إن كلمة " زكاة أموالكم"، أو {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ، عام في كل مال على تباين أسمائه وإختلاف أغراضه ،فمن خص منها شيئا فعليه الدليل ،فعموم النصوص من ناحية، والتعليل بأن وجوب الزكاة أساسه المال النامي والقياس أيضًا، وأحب أن أقول إن الزكاة فيها قياس من نواح كثيرة، وما من مذهب فقهي إلا وأدخل القياس في الزكاة، والزكاة ينظر إليها على أنها إحدى العبادات الأربع والشعائر الكبرى في الإسلام، وقد ينظر بعض الناس إلى هذا الجانب فيقول: إنه لا يدخل القياس فيها، ولكن الزكاة ليست عبادة محضة، بل هي عبادة وهي أيضًا جزء من النظام المالي والاقتصادي في الإسلام، هذا يجعل الفقهاء أحيانًا ينظرون إليها باعتبارها حقًا ماليًا، ولهذا أوجب الأئمة الثلاثة وجمهور الأمة الزكاة في مال اليتيم، ولم يخالف في ذلك إلا الحنفية الذين نظروا إلى الجانب العبادي فيها، فلم يوجبوا الزكاة على الصغير والمجنون، على حين أن الحنفية نظروا إليها من الجانب العبادي في هذه الناحية، فالزكاة فيها بجوار الجانب العبادي الجانب الاجتماعي والاقتصادي والمالي، فهذا القياس جعلنا نقول إنه ينبغي أن يقاس ما تنتج هذه العقارات وهذه الأشياء على إيجار الأرض الزراعية خاصة عندما يقال إن المالك يخرج الزكاة عن أجرة الأرض كما هو مذهب الإمام أبي حنيفة، هذا ما أحببت أن أقوله في وجهة الموسعين في إيجاب الزكاة، وهناك طبعًا مضيقون في إيجاب زكاة، وبعضهم يضيق إلى أن يقول: إنه ليس في عروض التجارة صدقة، كما هو مذهب الظاهرية، فطبعًا أولى أن يقولوا في إيجاب المستغلات.
هناك أحب أن أقول شيئًا في هذا، أنه سبق لكثير من الفقهاء القول بإيجاب الزكاة في هذه الأشياء ولهم أكثر من اتجاه، فهناك من ينظر إلى أعيانها كما حكى ابن القيم عن ابن عقيل، الإمام ابن عقيل الحنبلي وهو إمام مشهور ذو باع طويل وصاحب الفنون، ابن عقيل قال: إن الزكاة في العقارات أو في الحلى كما ورد عن الإمام أحمد: الحلى إذا اتخذ للكراء، ورد عن الإمام أحمد رواية أن فيه زكاة خرج ابن عقيل على رواية الإمام أحمد تخريجًا: أن الدور التي تكرى ونحوها تكون فيها زكاة أيضًا، ونقل هذا ابن القيم عن ابن عقيل ولم يعترض عليه حيث إنه أقره في ذلك، هناك أيضًا بعض الأقوال في مذهب مالك ذكرتها في كتاب " فقه الزكاة "، وهناك رواية عن الإمام أحمد أيضًا: أنه من قبض كراء داره يزكيها عندما يقبضها، وهذا ذكره أيضًا ابن قدامة في " المغنى"، وهناك كل من يزكى المال المستفاد من الصحابة والتابعين يقول بزكاة هذه الأشياء عندما يقبضها، عندما يقبض الغلة، الإيراد. مذهب ابن مسعود ومذهب ابن عباس ومذهب معاوية من الصحابة ومذهب عدد من التابعين أن المال المستفاد، أي المال الذي لم يزك من قبل، الذي يقبضه صاحبه عليه أن يزكيه حين يقبضه، أي يزكيه حين يستفيده كما قال ابن عباس، وكان ابن مسعود يعطي العطاء ويأخذ من كل ألف خمسة وعشرين، يعني بيسموه الحجز في المنبع، وهكذا، وكذلك كان معاوية يزكى العطاء، وكان عمر بن عبد العزيز يزكى العطاء والجائزة، يخصم، فإن كل من يقوم بزكاة المال المستفاد عند قبضه يزكى غلة هذه العقارات، ولكن المذهب الذي اخترته هو ما ذهب إليه مشايخنا منذ ثلث قرن، المرحوم الشيخ خلاف وإخواننا السلفيون يعترضون علينا في المرحوم الشيخ خلاف والشيخ أبو زهرة والشيخ عبد الرحمن حسن رحمهم الله جميعًا- المرحوم أي المدعو له بالرحمة- فهؤلاء في سنة 52 في حلقة الدراسات الاجتماعية التي عقدت بدمشق، ذهبوا إلى أن هذه العقارات والمصانع تزكى غلتها العشر، عشر الصافي قياسًا على الأرض الزراعية، أنا قلت: هناك يجب أيضًا لكي يكون القياس صحيحًا أن نعفي مقابل الاستهلاك، لأن الأرض الزراعية لا تستهلك في 30 سنة يحسم ذلك على هذا السن التقديري أو العمر التقديري، هذا ما ذهبت إليه وأردت بذلك في الحقيقة أن أرد على الذين يقولون: إن الشريعة الإسلامية توجب الزكاة على الفقراء وتعفى الأغنياء، كما قال لي أحد الإخوة ونحنن نصعد الأسانسير في النفدق الذي نقيم فيه قال: انظر هذه الناطحة من ناطحات السحاب قلت له: ولكن لا يبدو أن ليس عليها زكاة لأن صاحب هذه الناطحة ممكن أن يأتي إليه الآلاف والملايين ومع هذا لا تجب عليه الزكاة لأنه لا ينتظر حتى يحول عليها الحول، ومنذ سنوات كنت في ماليزيا سألني مدير جامعة الملايو سؤالًا أثاره الشيوعيون هناك قالوا: إن الإسلام يوجب الزكاة على فقراء المزارعين صغار الزراع ويعفى كبار الملاك، سألني هذا السؤال فعرفت من أين أتى هذا السؤال، أتى هذا السؤال أن في مذهب الشافعي ويقرب منه بعض المذاهب الأخرى أن الزكاة لا تؤخد إلا مما يقتات على سبيل الاختيار، القمح، الذرة، والأرز، هذه الأشياء، أما مزارع التفاح والمانجو وجوز الهند والشاي والمطاط وغير ذلك وإن جلبت لصاحبها الملايين فليس فيها شيء، المجالس الإسلامية هناك حينما تأخذ الزكاة ممن يزرعون الذرة والقمح وهذه الأشياء وهؤلاء هم الفقراء ومعظمهم مستأجرون، أما كبار الملاك فلا تأخذ منهم شيئا، فقلت له: إن في مذهب أبي حنيفة الزكاة في كل ما أخرجته الأرض، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز وقد جاء عن عدد من السلف وهو الموافق لعموم الآيات والنصوص، ولذلك رجحه القاضي أبو بكر ابن العربي في كتابيه أحكام القرآن، وعارضة الأحوذي وقال إن مذهب أبي حنيفة هو أحوط للمساكين وأليق بشكر النعمة وأحق بتحقيق مقاصد الشرع ومصالح الخلق.. إلى آخر المقال، والإمام الشافعي لعله لو كان موجودًا الآن ورأى ما رأينا لغير رأيه ما يدرينا لعله يغير رأيه، وقد غير رأيه في مدة أقرب من هذا، كان له مذهب قديم في العراق ومذهب جديد في مصر، هذه المفارقات هي التي تجعلنا أيها الإخوة نقول بتوسيع وعاء الزكاة، فلا يعقل أن نقول: إن الشارع قصد إلى إعفاء الغنى وإيجاب عبء الزكاة على الفقير، أليس هذا صاحب ناطحات السحاب وغيره أليسوا محتاجين إلى تطهير أنفسهم وتزكية أموالهم؟ {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أليسوا محتاجين إلى التطهير والتزكية؟ هم محتاجون وأموالهم محتاجه بل هم أكثر من غيرهم حاجة إلى هذا التطهير وإلى هذه التزكية.
أكتفى بهذه الإشارات واللمحات وأسأل الله تعالى أن ينير طريقنا وأن يفقهنا في ديننا إنه سميع قريب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الرئيس:
أحب أن أسأل فضيلة الشيخ لما ركز على أن العلة في الزكاة هي النماء هل هي علة اطرادية أم لا؟
الشيخ يوسف القرضاوي:
هي اطرادية نعم.
الرئيس:
إذا كانت اطرادية فعندنا يرد سؤال فيما لو كان عند إنسان رصيد كبير من الذهب أو الفضة وبقى سنين لا يستغله بأي نماء.
الشيخ يوسف القرضاوي:
فضيلة الرئيس أنا أشرت إشارة موجزة إلى معنى النماء، قلت: النماء حقيقة أو تقديرًا، ما كان قابلًا للنماء فهو نام، لذلك اعتبروا النقود بطبيعتها نامية لأنها قابلة للنماء، هذا النماء بالقوة وليس النماء بالفعل، فلو أن إنسانا عطل هذه النقود فعليه زكاتها، هذا ما قصدته من النماء وهو مشروح ومنبه عليه، والفقهاء يقصدون بالنماء: أي النماء حقيقة أو تقديرًا بأن يكون المال في ذاته قابلًا لأن ينمى، هذا ما أردته.
الشيخ رجب التميمي:
لقد ذكر فضيلة الأستاذ أن العقارات والمصانع والمستغلات يؤخذ منها العشر كما في الأرض الزراعية ثم استدرك وقال إن هذه الأشياء قد تستهلك على مدى ثلاثين أو غير ذلك ولذلك يجب أن ننقص العشر لأن الأرض الزراعية لا تستهلك، هذا قول جميل وله تقدير، لكن هذه المستغلات لو قسناها على الأرض الزراعية التي فيها نصف العشر والتي تحتاج إلى مؤونة مثل الأرض التي تسقى بالدولاب وغيره، أم ماذا يرى فضيلة الاستاذ حينما ننقص العشر إلى أي شيء؟ أنا أرى أن هذه المستغلات يؤخذ منها نصف العشر قياسًا على الأرض الزراعية التي تحتاج إلى مؤونة كالأرض التي تسقى بالدولاب وغيره، فما رأي فضيلة الأستاذ في ذلك أم أن له رأيًا آخر في إنقاص الزكاة من العشر إلى أي شيء؟
الشيخ يوسف القرضاوي:
شكر الله لفضيلة الأستاذ التميمي، أنا أيضًا يمكنني أن أوافق على هذا لأن الذي يهمني في الحقيقة هو ألا تخلو هذه الأموال النامية الكبيرة التي يملك بعض الناس منها الكثير والكثير جدًا ألا تخلو عن زكاة عند قبض إيرادها، فيمكن أن نقول كما قال مشايخنا بالزكاة في الصافي على أن يكون عشرًا وأن يحدد المقدار لأن الكلام الآن في المقدار إذ انتهينا إلى أن فيها زكاة، ممكن أن يكون العشر في الصافي مع حساب مقابل الاستهلاك، وممكن أن يكون كما قال فضيلة الشيخ نصف العشر في الإجمالي، في إجمالي الإيراد دون نظر إلى حساب الاستهلاك قياسًا على الأرض التي تروى بآلة وما إلى ذلك أنا لا أمانع في هذا، وربما يكون هذا تيسيرا في الحساب وأسهل على عموم الناس.
الشيخ رجب التميمي:
يعني ممكن أن نتخذ في هذه الجلسة الرأي ونحدد الرأي في المقادير ونبحث ذلك.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر لفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ يوسف القرضاوي مطلاعته القيمة وما فيها من لمسات الاجتهاد المذهبي المشكور، غير أن هنالك سهوًا فيما أعتقد، وجل الذي لا ينسى، في تقرير بعض الحقائق العلمية. ففضيلته نسب إلى الإمام الأعظم ومذهبه أنه يقول بوجوب الزكاة في المستغلات أو بغير ذلك، لعل هذا الكلام سهو، والذي هو معروف في المذهب الحنفي، في المفتى به في كتب المذهب أن المستغلات لا زكاة فيها، لا زكاة في المستغلات، وأنا الذي فهمته، ولعلك لم تقل ذلك، وأنا الذي فهمته أن الإمام الأعظم يميل مع الجمهور، لعل هذا القول قول للإمام، لكن المفتى به في المذهب كما هو معلوم لدى السادة العلماء عدم وجوب الزكاة في المستغلات والأراضي الإيجارية. هذه واحدة، فإذا كان فضيلته لم يقل ذلك فقد اتفقنا. بقيت مسألة وهي أن محل الزكاة المال المنامي تقديرًا أو تحقيقًا، وما أظن أن أحدًا من الفقهاء في المذاهب الأربعة الكبرى قال: إن علة الربا هو المال النامي، لأن علة الربا كما تعلمون العلة هي السبب المؤثر، علة الربا عند الحنفية القدر والجنس وعلة الربا عند الشافعية كما تفضل المطعومات والمقتاتات وعلة الربا عند المالكية المدخرات، فإذا تأسس كلامه على أن علة الربا هو المال النامي فقد وضع محل الربا علة، والعلة الحكم شيء ومحله شيء آخر إن علة الربا لدى كل إنسان قرأ المذهب الحنفي هي القدر والجنس، وللحنفية في ذلك استدلال كبير تجده في كتاب " التوضيح " لصدر الشريعة وحاشية التلويح، وفي كتب أصول الفقه المتعددة عند الحنفية، فقضية المال النامي ليس علة أبدًا لا عند الحنفية ولا عند المالكية ولا عند الشافعية، ولكنني إنصافًا للحقيقة العلمية لم أطلع على قول عند الحنابلة في قضية المال المنامي هل هو العلة أم لا؟ وأرجو أن يفيدني في مذهب الحنابلة فضيلته في هذا، فإنني أعلم أن المذهب الحنبلي دائمًا بنحو قريبا من المذهب الشافعي في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل القياسية الفقهية، فإذا كان أصل الموضوع كله مبنيًا على أن علة الربا هو المال النامي فإن أصل الموضوع من أساسه يحتاج إلى نظر، هذا مع العلم بأني أنصف فضيلته في مقاصده وفي حقية وغاية ما قاله وما رمى إليه من أننا نريد توسيع وعاء الزكاة وعدم إعفاء الأغنياء، وأننا نريد ذلك عن طريق علمي أصلي، مؤصل، ولا نريده لأجل أن نقول هذا الكلام انطلاقًا من عاطفة دينية صحيحة جياشة لدينا نريد تحقيقها ولكننا نطالب بالدليل الصحيح، والدليل الصحيح ما كان مبنيًا على أساس صحيح. أشكر فضيلة الرئيس وأرجو الإفادة والاستفادة، فقيل للإمام أبي حنفية: كيف وصلت إلى ما وصلت إليه قال: ما تركت الإفادة وما استنكفت عن الاستفادة. وشكرًا.
الشيخ يوسف القرضاوي:
شكر الله للأخ فرفور ولكن يظهر أنه الذي سها ولست أنا، وجل من لا يسهو، أولا أنا لم أقل إن أبا حنفية قال: إن هناك زكاة في المستغلات، إن هذا مذهب الزيدية وليس مذهب الحنفية، أنا قلت إن أبا حنفية يقول: الزكاة في كل ما أخرجت الأرض ورجحه القاضي أبو بكر ابن العربي، وقلت أن أبا حنيفة قال: الزكاة على المالك المؤجر في الأرض الزراعية وليس على المستأجر، وإن كان المذهب يقول الفتوى على قولهما، على قول الصاحبين وليس على قول الإمام الأعظم، هذا من ناحية، الأمر الآخر هو أمر الربا، ما دخل الربا؟ تكلمت عن علة الزكاة وليس عن علة الربا، موضوعنا هو الزكاة وليس الربا، وهما متقابلان {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} فنحن في الصدقات وليس في الربا يا شيخ فرفور، فعلة الربا هذه معروفة وفيها خلاف المذاهب، أي علة الاقتيات أو القدر والجنس، ولكن ليس هذا موضوعنا وما تطرقت إليه قط، أنا أتكلم في علة الزكاة، فأقول إن الحنفية وغيرهم حتى عند الحنابلة، أشار ابن قدامة في المغنى إلى أن النماء أيضًا هو العلة، المال النامي. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لي ولك.
الشيخ على السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى من اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين. وبعد أيها الإخوة الكرام. في الواقع أنا لم أكتب بحثًا في هذا الموضوع وأنما أبديت بعض الملاحظات كنت أبديتها أمام اللجنة العلمية للمؤتمر الأول للزكاة، والتلخيص هنا فيه بعض أشياء سقطت، فرقم 1، 2، 3 هذه الأرقام إنما هي لفتوى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية هذا ليس رأيي، وأيضًا فيه بعض أشياء أخرى سقطت، والمستغلات في عصرنا لا أصل لها، اذكر أنني قلت فيما كتبت، فما كتبته لم يصلني، هنا جزاهم الله خيرًا أرسلوا الأبحاث ولكن الأبحاث لم تصلني، وأذكر هنا أنني قلت المستغلات لها أصل، ثم الزكاة هنا بالنسبة للقياس قد يكون جائزا وقد يكون غير جائز، ففيه كلمة (غير) ناقصة، على أي حال أبين وجهة النظر التي أبديتها. حلقة الدراسات الاجتماعية كما تفضل الدكتور القرضاوي أفتت بأن المستغلات تقاس على الأراضي الزراعية، والغلة تقاس على الزرع، وهذا الرأي هناك من خالفه مثل فضيلة الشيخ شلتوت، واستمر الأمر إلى أن وصل إلى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية قرر ما أثبته هنا أنه لا تجب الزكاة في أعيان العمائر بل في غلتها عند توافر النصاب وحولان الحول، وإذا لم يتحقق فيها نصاب وكان لصاحبها أموال أخرى تضم إليها ويزكى على المجموع بشرط توافر النصاب وحولان الحول، ومقدار الزكاة ربع العشر، إذن هنا المؤتمر الثاني لمجمع البحوث رأى أن المستغلات تزكى زكاة نقود، الغلة هي التي تزكى وتزكى زكاة نقود وليست زكاة زروع، ولم يقيسوها على الزرع، ثم أشرت أيضًا إلى ما ذكره فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم " فقه الزكاة " حيث أخذ رأيًا وسطا ولم يذهب إلى رأى حلقة الدراسات كما هو ولم يوافق مجمع البحوث الإسلامية، ولذلك ما أذكره هنا ليس رأيًا شخصيًا وإنما هو أدلة أرى أنها تؤيد ما ذهب إليه المجتمعون في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية.
أولًا: أن هذه المستغلات كانت موجودة من قبل فكانوا يؤجرون الدور والدواب والحمامات وغير ذلك، فالمستغلات كانت موجودة فعلًا، وما قال عالم بأن نقيس هذا على الزروع وإنما كانوا ينظرون إلى الأموال هذه على أنها تزكى زكاة نقود، كيف كانت تزكى، القائلون بأنها تزكى في الحال وهم قلة، وهناك من قال تزكى بعد حولان الحول أو تضم إلى الأموال الأخرى.
الأمر الثاني: أننا هنا نقيس في العبادات والقياس في العبادات قد يكون غير جائز لأننا إذا جئنا للقياس في العبادات على إطلاقه فإننا سنقع في أشياء محظورة، فعلى سبيل المثال إذا قلنا القياس المطلق أو العلة المطلقة، كيف مثلًا أن صاحب أربعين شاة يخرج شاة وصاحب مائة وعشرين شاة يخرج شاة! قلنا هنا بعلة مطلقة وهذا غنى وهذا فقير وصاحب تسع وثلاثين شاة لا يخرج شيئًا! إذن هنا القياس في العبادات لأن العبادات أصلًا أن الإنسان يعبد الله سبحانه وتعالى وهو طائع إن لم يستطع أن يصل إلى الحكمة ثم لو فرضنا أن هنا الجانب المالي في الزكاة كما تفضل الدكتور، الجانب المالي قد يجعلنا نأخذ بشيء من القياس، أقول هنا أيضًا بأن القياس مع الفارق، فارق فيماذا؟ المستغل ليس كالأرض لأن المستغل يمكن الطائرة تحترق، والسفينة تغرق، والعمارة تنهدم، إنما الأرض من طبيعتها البقاء، طبيعة الأرض تختلف عن طبيعة المستغلات هذه ناحية، ناحية أخرى، أن المستغل قد يكون قائمًا وصالحًا ومع ذلك لا يستخدم، لماذا؟ لأنه ظهر ما هو أحسن منه، آلة معينة، ثم الاختراعات الحديثة وصلت إلى مرحلة، اعتبرت هذه الآلة مرحلة متخلفة جدًا، فأصبحت لا تستخدم، فكأن ثمن هذا المستغل يعتبر ضاع. إذن نقيس المستغل على الأرض فيه فارق. الأمر الآخر ما تنتجه الأرض وما تنتجه المستغلات: ما تنتجه الأرض، إذا خرج منها وزكيته، فكما يقول الإمام الشافعي: وبقى عندي دهره فلا أزكيه مرة أخرى، أما المستغل ما يخرج منه وبقى عندى دهري ففي كل عام أزكيه، إذن هنا المستغلات زكاة الغلة التي تخرج منها عندما نزكيها هذا العام وتبقى عندنا أيضًا تتزكى في العام التالي وهكذا، أما ما يخرج من الأرض فإننا نزكيه عندما يخرج ما لم يتحول إلى تجارة، وما بينه الإمام الشافعي في رسالته الأصولية عندما أخذ يبين الفرق بين الزرع والذهب والفضة، إذن هنا القياس يكون مع فوارق كثيرة، لذلك أرى أن القياس هنا غير دقيق. أما أن نأخذ برأي أن فيها زكاة أم لا، ونزكى في الحال أم لا؟ هذا رأي أرى أن تبحثوه وأن تنتهوا فيه إلى ما يرضى الله إن شاء الله، ولكن المقدار أن نقيس على الزرع هذا هو ما أرى أنه بعيد. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..
شكرًا لإحالتي الكلمة، وأريد أن أعقب على ما جاء في كلمة سماحة الشيخ يوسف القرضاوي فيما ذهب إليه من حيث التأصيل ومن حيث التفريع. أما من حيث التأصيل فقد اعتمد العمومات في الشريعة وأسند رأيه إلى الإمام أبي بكر ابن العربي، والإمام أبو بكر بن العربي هو معلوم من كبار فقهاء المالكية وهو رجل يطلق كلامه بدون تدقيق، هو قوى الحجة يريد أن يلجيء خصمه، لو أخذنا بكلامه لقلنا له: يا إمامنا عليك أن تزكى حذاءك، عليك أن تزكى عمامتك، وعليك أن تزكى الدار التي تسكنها، وعليك أن تزكى الطعام الذي ادخرته لحياتك لكامل السنة، كل هذه أموال، في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} ونعلم أن الشريعة الإسلامية من حيث الأصول بينت أشياء وسكتت عن أشياء موجودة في وقت التشريع، وما سكتت عنها إلا لأنها عفو، وقد كانت الدور تكرى، ومالك رضي الله عنه ما ملك دارًا كامل حياته وإنما يسكن في دار بالكراء، ومن أبواب الفقه عندنا أي المسلمين في كل المذاهب باب كراء الرواحل والسفن، فالرواحل والسفن كان يوجد في المسلمين من لهم نشاط في هذا النوع، فهي مشهورة معلومة عند جميع الفقهاء يشاهدونها، والذين يعتمد قولهم ما رأيت واحدًا منهم قال: إنه تجب الزكاة في هذه.
الأمر الثاني هو أننا بجانب شيئين: الأمر الأول الحق الواجب، والحق الواجب هو أمر خطير لأننا نجعل أن كل من لم يقم بهذا الواجب هو آثم مستحق لعقوبة ترك الزكاة، ولكن الإسلام لم يجعل الحد الأدنى هذا هو الحق الوحيد في أموال الناس ولكن الأثرياء عندهم حق واجب وهو الأدنى، وهو ما ورد فيه النص وما زاد على ذلك هم مطالبون فيه بالصدقات وبغيرها من أبواب البر المعروفة في الإسلام.
الأمر الثاني أو الثالث الذي أريد أن ألاحظه هو أنه يكفينا الاتهامات الواردة على هذه القلعة الفقهية من غير الفقهاء فلا نسمح للفقهاء أن يزيدوا ضغثًا على إبالة، ونسمع بالفقه التقليدي. فما أظن أن هناك فقهًا تقليديًا وفقهًا تجديديًا وإنما هناك فقه إسلامي كله نتيجة النظر، فلا يتهم بعضنا بعضًا بالألقاب التي تؤثر بالنسبة للعامة ولا تؤثر على العلماء. فإن هذا مفهوم الزكاة في المستغلات هو أمر مضطرب لأن السفن استهلاكها في أمد، وهناك من يكري السيارات واستهلاك السيارة هو لا يتجاوز بالنسبة للسيارة المكتراة أكثر من ثلاث سنوات على أكثر تقدير، وهناك دور العمارات وتستمر ثلاثين سنة، فهذه المستغلات هي مستغلات لا تدخل تحت قاعدة من القواعد التي نستطيع أن نضبطها بها. وبناء على ذلك كله فأنا أؤكد أن ما ذهب إليه المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية هو الصواب، وما زاد على ذلك لا يزيد على دعوة إلى أثرياء المسلمين ليساهموا في المشاريع العامة، وما وقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء الدولة على إخراج الزكاة ولكنهم تجاوزوا ذلك إلى إعطاء ثلث ونصف مالهم وأكثر من ذلك. وشكرًا.
الشيخ أحمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد.
فإني أشكر الرئيس على إعطائي هذه الفرصة للحديث، وأشكر للأخوين الكريمين فضيلة الدكتور القرضاوي وفضيلة الدكتور على السالوس بحثهما القيم حول هذا الموضوع ولا ريب أن الذي دفع فضيلة الدكتور القرضاوي إلى الاجتهاد في هذه القضية وما يراه من حاجة المسلمين المعوزين ومن الثراء الواسع عند بعض المسلمين، هذا الثراء يتمثل في مثل العمارات الشاهقة التي تدر عليهم دخلًا كبيرًا، فإذا ما قيل بإعفائهم من الزكاة مع فرض الزكاة على الذين يجهدون في حرث الأرض بعرق الجبين وببذل ما في أيديهم أدى ذلك إلى شيء من المفارقات، في الواقع الدين الإسلامي الحنيف دين اجتماعي يرعى مصالح جميع الطبقات، فلا يكلف الغني فوق طاقته ولا يجعل الفقير أيضًا ضائعًا في مجتمعه، ففي أموال المسلمين حقوق سوى الزكاة، والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} هذا حق سوى الزكاة بدليل قوله سبحانه وتعالى من بعد:{وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ} ، مع أنه من المعروف أن المعطوف غير المعطوف عليه في العربية، فلا يعفي أمثال هؤلاء الذين من الله عليهم بهذا الثراء من مراعاة حاجات الفقراء والمساكين بعد أن يعطوا حق الزكاة الواجب في الأصناف التي نص العلماء على وجوب الزكاة فيها، أو جاءت النصوص بوجوب الزكاة فيها. كما أنه لا يمنع أن يكون هنالك اجتهاد بحسب الظروف وبحسب الأحوال. فنجد في عهود السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم اجتهادات قد تكون هذه الاجتهادات تؤدي أحيانًا إلى تطبيق أمر لم يكن يطبق في عهد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، مثل ذلك صنيع عمر رضي الله عنه حيث جلد في الخمر ثمانين، وصنيعه رضي الله عنه حيث جعل طلاق الثلاث ثلاثًا وقال:(رأينا الناس تعجلوا أمرا كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم) فهذا نظر منه وهذا النظر لا يحجر على علماء المسلمين. والقاعدة التي ذكرها فضيلة الدكتور على السالوس وهي أن باب العبادات لا قياس فيه، ينبغي أن ينظر في هذه القاعدة، ذلك لأن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أشار إلى القياس في بعض الأشياء، فعندما سئل عن قبلة الصائم نبه على المضمضة التي هي مقدمة للشرب، هل تنقض المضمضة الصوم؟ فعندما أجيب بـ: لا، جعل حكم القبلة كحكم المضمضة، القبلة هي مقدمة للوقاع والمضمضة هي مقدمة للشرب. وكذلك عندما سألته الخثعمية قالت له "إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع الثبوت على الراحلة أفأحج عنه؟ فقال لها: أرأيت أن لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان مجزيًا؟ قالت: نعم قال: فذاك ذاك" فالحج عبادة، وقد قاس هذه العبادة التي هي دين الله سبحانه وتعالى على دين الناس، وكذلك أيضًا قوله عليه أفضل الصلاة والسلام للرجل الذي جاء يستفتيه في أخته التي نذرت أن تصوم ولم تصم حتى ماتت، أيضًا قاس هذا الدين على دين الخلق وقال:((فاقضوا فدين الله أحق بالقضاء)) فإذن مجال الاجتهاد والقياس في هذه المسألة ينبغي أن لا نوصد بابه وإنما ينبغي النظر في المقدار فإذا كان هذا الدخل نقودًا ومن المعلوم أن زكاة النقد هي بنسبة 2.5 % فأقرب أن تكون هذه الزكاة الواجبة في ريع العمارات وأمثالها زكاة نقد ولا تكون زكاة زراعة، هذا الذي يتجه لي، وطبعًا المجال واسع للاجتهاد في هذه المسألة ونظر أصحاب الفضيلة العلماء فيها.
الشيخ عبد العزيز عيسى:
بسم الله الرحمن الرحيم، أريد أن أنضم إلى إخواني الذين يرون أن لا زكاة في المستغلات لشبهة عندي، أما أولًا فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي بين الأنواع التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها ومقاديرها، وغير معقول أن يكون هناك رغبة من الشارع أو تصرف من الشارع في أن يكون على هذه المستغلات التي صورت ثم ينسى الرسول أو يتناسى أن يبلغها الناس، هذا بعيد جدًا. وما هذه المستغلات؟ هي مثل المأجورات التي نؤجرها ونحن لم نقل لا يوجد عند أحد قول لا زكاة فيها حتى يقال نحن لا نوجب عليه الزكاة، وحتى يحتج علينا هؤلاء وأولئك والشيوعيون ومن إليهم. لم يقل أحد بمنع الزكاة عليها ولا أصدر هذا الحكم، نحن نوجب عليه الزكاة في كل ما فضل عن حاجته وحاجة من يعول إذا مضى عليها الحول وبلغت نصابًا. وكون نتصور أن فيه أحد مجنون سفيه بيجيلوا من مستغلته مائة ألف جنيه في العام ويضيعها، ده مجنون لا يكلم وهو معاقب لهذا، إنما إحنا نقول للناس: وعاء الزكاة كله فيما يتعلق بالذهب والفضة كذا وكذا، وهذا الذهب والفضة وهذا النصاب يكون من كل مدخراته، قد يكون عنده مستغلات وقد يكون عنده ثمرة مزروعات زرعها وقد يكون عنده راتب وما إلى ذلك، كل هذا يكون ويكون وعاء للزكاة، فإذا كان مجموعة أنصبة دفعت الزكاة عن مجموعة الأنصبة إذا تحقق شرطها. نحن في المستغلات سواء كانت عمارات أو نحوها، ولا نريد أن يفهم الناس أن الشارع يضيق عليهم، الشارع لا يضيق، الشارع بيعطي الناس فرصها، هو الشارع لما شرع الزكاة وطلب من الناس هذا نظر إلى حالهم وقال خذوا الوسط من أموال الناس ولما رأى ناقة كوماء في مال الصدقة غضب فلما أخبره الذي أخذ الزكاة من العمال قال له: إنني أخذتها بناقتين صغيرتين رضي واطمأن، فالعملية ليست عملية تتبع أموال الناس، والشريعة الإسلامية لا تتبع أموال الناس ولا ترضى أن تحقد عليهم، هذا نوع من الحقد، ولا أعمل بما يقوله الشيوعي، هو انتقاد التماس فرصة يريدون أن يغلبوا بها أصحاب الإسلام ولا نقبل كلامهم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} هل هم إذا اتبعناهم في مثل ذلك وفرضنا الزكاة على المستغلات هل يقبلون كلام الشريعة في ناحية أخرى؟ أبدًا، نحن لا نأبه باعتراض الشيوعيين ولا القاديانيين ولا البهائيين ولا كلام من هذا، الزكاة فرضها الشارع وحدد الرسول صلى الله عليه وسلم أصناف الأموال وحدد أنصبة الزكاة وحدد المقادير التي تدفع، والمهم أن نغرس الإيمان في قلوب أصحاب الأموال، ونحن بنحكي في الحديث القدسي ((ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به
…
)) الخ. نعلم الناس أن المسألة مسألة الفريضة وطبعًا الناس عندنا عارفين هذا، أن الفريضة أمر لا بد منه لا يمكن أن نتخلف عنه وهناك ما هو فوق الفريضة، ومن زاد زاد له الله من الخير.
الشيخ محمد علي التسخيري:
شكرًا سيدي الرئيس.. رغم أنه ليس لي الدخول في الموضوع بعد ما تعرفونه من الخلاف في مسألة الزكاة في مثل هذه الموارد بين الإمامية وغيرهم، وهم هنا يوجبون خمس المال، ولكني على الفرض أود أن أشير إلى نقطة تبدأ من حيث انتهى أخي الشيخ الخليلي، من أن الدافع في فرض الزكاة في مثل هذا المورد هو محاولة سد الفراغات الاقتصادية وتوزيع الضريبة على هؤلاء جميعًا حتى يقوموا بحق الفقراء. الدافع هو هذا بلا ريب، أود أن أشير إلى نقطة مهمة، أن علينا أن نلتزم بأنصبة الزكاة كما جاءت بلا ريب، ولكن إذا لم تف هذه الأنصبة بما يحقق ذلك التوازن المطلوب على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فإن الأمر متروك للجانب المتغير، أن ينتقل من جانب الأحكام الثابتة إلى جانب الأمر المتغير المتروك بيد ولي الأمر ويجب حينئذ طاعة ولي الأمر فيما يطلب، ولي الأمر عندما يرى أن الحاجة الاجتماعية الاقتصادية تقتضي فرض ضريبة معينة على دخل أو على شيء معين، لا ريب طاعته واجبة، وحينئذ فعلى من أوجب عليه ذلك الالتزام، وإذا لم يلتزم يستطيع ولي الأمر أن يفرض عليه العقوبة ويمكن لهذه العقوبة أن تكون مالية، لكن كما قلت هذا هو الجانب الذي يتغير بتغير الظروف وبتغير المصلحة التي يراها ولي الأمر الحاكم للدولة الإسلامية الذي يرى أن الخزينة تتطلب أمورًا أخرى بالإضافة إلى الزكاة المفروضة. يجب أن نلحظ هذا العنصر حينما نتحدث وحتى حينما نجيب على الإشكالات التي تورد على النظام الاقتصادي الإسلامي بأنه يوجب على فقير ولا يوجب على غني، بالعكس يستطيع ولي الأمر أن يوجب على الأغنياء أو على من كان دخلهم كذا بمقتضى ما يراه من مصلحة لسد الفراغ الاجتماعي. وددت الإشارة إلى هذه النقطة. وشكرًا.
الشيخ تقي عثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وكفى والسلام على عباده الذين اصطفى. لعل النقطة الأساسية في هذا الموضوع هي أننا جعلنا جميع الفقهاء مطبقين على أن الزكاة إنما تجب على المال النامي، وقد ذكر فضيلة الشيخ القرضاوي حفظه الله تعالى في كلمته القيمة أن هذه المستغلات أصبحت اليوم نامية، فلذلك يجب أن تفرض عليها الزكاة، ولكني أرى أننا لو حددنا معنى المال النامي، ما هو المال النامي لوصلنا إلى نتيجة: أن المال النامي فيما فهمت من اصطلاح الفقهاء هو مال تأتي نتيجة نمائه من جنس ذلك المال، مثلًا النقود، إنها تنمو حقيقة أو تقديرًا، فتأتي نتيجة النماء في صورة النقود نفسها، وكذلك لحيوان ينمو فيأتي نتيجة نمائه بصورة حيوان من جنس الحيوان، وكذلك الزروع والثمار تعد نامية من حيث إنها تنمو فتأتي نتيجة نمائها في صورة المحصولات الزراعية، ولم أجد في كتب الفقهاء ما يسمى مالًا ناميًا ولا تأتي نتيجة نمائها من غير جنسها، وأما المستغلات فليست من الأموال النامية بهاذ المعنى من يحث إن نتيجة النماء لا تأتي في صورة تلك الأموال من جنسها وإنما تأتي في صورة النقود. فلذلك لا تصلح أن تسمى أموالًا نامية. وكما تعرفون أنتم أن وجوب الزكاة على شيء أو عدم وجوبه إنما يبتني على كون ذلك المال ناميًا أو غير نام، وأن كثرة المقدار الحاصل وقلته لا تؤثر في وجوب الزكاة، فإن كان المال ناميًا وجب فيه الزكاة سواء كان قدره قليلًا بعدما بلغ النصاب، وإن لم يكن ناميًا لم تجب فيه الزكاة سواء كان قدره كثيرًا، فنرى أن المستغلات، الدور المأجورة، والحوانيت المأجورة، كانت موجودة في زمن سلفنا الصالح، في الأزمنة السالفة ولو كانت غلتها قليلة بالنسبة إلى غلة المستغلات اليوم، ومع ذلك لا يوجد في الفقهاء من يقول بوجوب الزكاة على المستغلات، نعم إذا كثرت غلات المستغلات كما تفضل فضيلة الشيخ القرضاوي حفظه الله أن هؤلاء أصحاب المستغلات يجلبون أموالًا كثيرة، فإننا لا ننكر وجوب الزكاة على تلك الأموال الكثيرة التي يجلبونها من تلك المستغلات، إنما تجب عليهم الزكاة على غلاتهم التي يحصلون عليها من تلك المستغلات.
ثم هناك ناحية ثالثة وهي أن الزكاة، لو أوجبنا الزكاة على المستغلات نفسها..
الرئيس:
أنتم جمعتم بين كلمتين، قلتم إنه لا يوجد في فقهاء الإسلام من يقول بوجوب الزكاة على حاصل المستغلات.
الشيخ تقي عثماني:
لا! على المستغلات نفسها، والناحية الثالثة هي أن الزكاة يجب ألا تكون مجحفة، فلو أوجبنا الزكاة على المستغلات نفسها فهناك كثيرون من المقلين ومن الأرامل والأيتام إنما يعيشون على غلات دورهم أو غلات حوانيتهم الصغيرة، فلو أوجبنا الزكاة على الدور والحوانيت صار ذلك مجحفًا لمالهم ولا عدل في ذلك في الشرع الشريف، هذه نواح ثلاثة كنت أريد أن ألفت أنظاركم إليها.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أريد أن أثير نقطة وأطلب من فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي أن يتعاون في حلها. فقد تردد على لسانه وعلى لسان غيره أن علة الزكاة النماء، والذي نعلمه أن النماء هو شرط في وجوب الزكاة وليس علة وشتان بين الشرط والعلة، فالفقهاء يذكرون النماء شرطًا من شروط وجوب الزكاة، ومن المعلوم ومن قواعد الأصول أن وجود الشرط لا يقتضي وجود المشروط، أما وجود المشروط لا بد له من وجود الشرط، فالنماء ليس علة للزكاة وإنما هو شرط، وقد تأملت كثيرًا في العبارات القليلة جدًا التي أوردها في كلامه من كلام صاحب العناية وفتح القدير فوجدت أنهم لم يذكروا النماء علة للزكاة، وإنما أوردوا كلامًا يفهم منه أن عدم وجوب الزكاة في مال كذا وكذا لعدم النماء أي لتخلف الشرط وليس لتخلف العلة وإلا لو قلنا بأن النماء علة لأصبح لا حاجة للنصوص التي جاءت في أن الإبل فيها زكاة والبقر فيها زكاة والغنم فيها زكاة وليس في الحمر زكاة مع أن الحمر مال نام، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هل في الحمر زكاة؟ فقال: لا أعلم فيها إلا هذه الآية الفاذة)) وهي قول الله عز وجل {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} فأريد أن يمحص النظر ولا سيما أنه أورد في كتابه فقه الزكاة النماء في عداد الشروط ولم يورده علة، ثانيًا: أن المألوف في القياس أن يكون في جزئية أو في ناحية، أما أن نأتي إلى أمر فنقيس في أصل وجوبه وهو في نظر الآخرين غير واجب ثم نقيس في النصاب لنستحدث له نصابًا ثم نقيس في القدر الواجب، إذن هذه تركيبة مستحدثة وتحتاج إلى كثير من الأدلة ومن المستندات، فلذلك هناك ما يشير إلى أن الزكاة هي معلقة بالنصوص والعلة فيها هي النصوص وليس النماء، النماء شرط وإذا وجد الشرط لا يوجد المشروط. والحمد لله.
الشيخ أحمد بازيع ياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر الأخ الرئيس وأشكر الباحثين على ما قدماه من اجتهاد في هذا الموضوع، وأود أن أشير إلى أنه عقد في الكويت من عامين مؤتمر للزكاة وبحثت هذه المسألة واتخذ فيها قرار، وأصحاب الفضيلة العلماء كثير منهم من شارك هناك وهم موجودون بيننا الآن، وأود أن أبين أن المستغلات ليست من الأمور الجديدة التي نحتاج فيها إلى اجتهاد، المستغلات كانت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة وعهد السلف الصالح، وكانت المستغلات إذا كان فيها ريع يضاف ريعها على الموجودات وتزكى مع مال صاحبها، إنما اجتهاد مشكور ولهم من الله سبحانه وتعالى الأجر والثواب، ثم أود أن أوضح موضوع النماء، في الحقيقة عندما وردت كلمة الزكاة المضادة لها الربا، فأنا في الحقيقة مرتاح لكلمة الأخ عن الربا، لأن دائمًا الزكاة نماء والربا فناء، نماء الزكاة ليس في الحقيقة بما يقدمه أصحاب الأموال من نصيب لمستحقي الزكاة إنما الذي يظهر لي وأنا أعمل في الميدان الاقتصادي أن الزكاة تجبر الإنسان صاحب المال على العمل وعندما تجبره على العمل يكون هناك نماء ويقضى على البطالة، فالعمارة التي كلفت مليون دينار مثلًا جل هذا المليون ذهب إلى العمال، وهنا الحكمة كل عمل استفاد منه العامل تقل نسبة الزكاة عليه فتكون الزكاة على ريعه وليس على أصله، ثم إن الزكاة تؤخذ من القلة، أنها تؤخذ من القلة وتنفق على الكثرة، أما الربا فهو مثل ما تفضل الأخ الفاضل يؤخذ من الكثرة الفقيرة ويعطى إلى القلة ففيه فناء. ثم إن العبادة، الأمر التعبدي لا شك والله سبحانه وتعالى يقول:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} والعبادة هي في الأركان الخمسة، وأيضًا في عمارة الأرض فحينما يسلك الإنسان مسلكًا في عمله وفي حياته حسبما يريده الله سبحانه وتعالى وملتزمًا الشريعة الإسلامية فلا شك من أن هذه عبادة حتى ولو كانت في أمور حياتية وأمور في المعاملات. القواعد والأصول، شريعتنا الإسلامية في الحقيقة غنية بالقواعد والأصول والأسس التي منها نستنبط الأحكام. ولقد سبقنا الأفذاذ والعباقرة من هذه الأمة ولا أعتقد أن هناك أمرًا من الأمور إلى الآن يحتاج إلى استنباط وإلى اجتهاد إلا اللهم النزر اليسير جدًا، فعلينا في ذلك الرجوع إلى فقهائنا وإلى علمائنا السابقين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الشيخ إبراهيم الغويل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أولًا الشكر للسيد الرئيس ولكل الإخوة الذين شاركوا، بما أنني آخذ الكلمة لأول مرة، وأود قدر الإمكان أن أكون وجيزًا وواضحًا قدر ما أستطيع ولقد سهل فضيلة المتحدث الذي تحدث قبلي على المهمة، لقد وقفت كثيرًا أمام القول: إن العلة في الزكاة هو النماء، لقد اعتقدت أن الزكاة هي التي تدفع إلى النماء، أصلًا زكى الشيء نماه، فالزكاة أصلًا هي التي تؤدي إلى النماء وتؤدي إلى التنمية وتدفع إلى العمل، ومن هنا جرت المقابلة بينها وبين الربا فعلًا وبدقة، لأن الربا انتفاخ كاذب بينما الزكاة نماء حقيقي عن طريق العمل، والفارق الأساسي بين الربا وبين الزكاة أن الربا انتفاخ بدون عمل انتفاخ كاذب، بتعبيرات عصرنا نسميه التضخم، بينما الزكاة هي تنمية حقيقية عن طريق العمل، وكما قال المتحدث قبلي فإن لوجود هذا الأمر ولوجود هذا الفارق كانت الزكاة تزداد كلما قال العمل وتقل كلما كثر العمل، حينما تكون الأرض بدون سقي وبدون جهد يكون العشر، حينما تكون بالسقي تكون نصف ذلك، حينما يكون الأمر يستدعي جهدًا أكثر يكون 2.5 % ربع العشر، هذا التناسب والتضاعف يتم كلما زاد العمل، حينما يزيد العمل تقل نسبة الزكاة، حينما يقل العمل تكثر نسبة الزكاة، إذن النظرة الأساسية هي الدفع إلى العمل والتنمية، ومنع النمو الكاذب. الذي نواجهه في هذا الموضوع، والموضوع الذي سيليه فيما يتعلق بزكاة الدين هو ما يلي: أننا حينما نبحث عن القواعد والأصول نجد أن الأمور بينة واضحة وحينما تلتبس الأمور ويطلب الفتوى فيما هو موضع التباس تظهر أمامنا المشكلات.مثلًا أصلًا رأس المال إنما يأتي نتيجة عمل وجهد سابق وتستحق عليه الزكاة، فإذا أريد لرأس المال نفسه أن ينمو من جديد وأن يحصل على مقابل على الجهد السابق مرة أخرى، نشأت المشكلة التي نعالجها الآن، الأصل أن لكل عمل أجرًا أو لكل عمل جزاء، فإذا لم يكن هناك من عمل فلا جزاء.
القاعدة فيما يبدو لي في الفكر الاقتصادي الإسلامي أن العمل هو أساس التنمية، وبالتالي فلكل عمل جزاء، وهذا ما يميزنا على الشيوعيين والماركسيين وغيرهم، نحن ننحاز إلى أن العمل لا بد له من مقابل، ولكننا نرفض أن يكون للمقابل مقابل، من هنا تنشأ المشكلة، يعمل الإنسان عملًا صالحًا فيستحق جزاء، ولكن هذه المعادلة وقد أقفلت تدخل في مرحلة التلاعب حينما يطلب مقابلًا على مقابله، وتنشأ هذه المشكلة التي نواجهها الآن، فيما يبدو لي أن العلة في الزكاة وكما أخرجها الأقدمون أنها تدور في أحد أمرين، هو حق بتعبير ربى "حق" من أين نشأ هذا الحق، لأنه تحمل الزكاة على الشركة أو تحمل على أنها دين، والأرجح عندي أنها تحمل على الشركة، فنحن بحكم ملكية الأزل شركاء مع هذا العامل الذي كلفناه أن يعمل في هذا المال، ولذلك {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} حينما أعمل، أعمل بهذا الجهد ممكنًا في هذه الثروة التي مكنني فيها الله ومكنني فيها هذا المجتمع المستخلف فيها، ولذلك هناك حق بحكم ملكية الأزل لا بد أن يتقاضاه هذا المجتمع. فالصورة الأصلية إنما الموضوع الذي أدى إلى الالتباس هو موضوع النقود، والمنع هناك واضح لأنه كما قال الأقدمون أيضًا إن النقود فيها شرك خفي ولذلك استعمل ربى التطهير النفسي. لماذا الشرك الخفي؟ لأن كل ما في الكون يستهلك حتى بعوامل التعرية تستهلك الجبال، ولكننا نحن حينما أوجدنا النقود وهي وكيل عن الطيبات أردنا للوكيل أكثر من موكله. أصبحت النقود لا تتناقص ولا تكلف صاحبها شيئًا، أي طيبة من الطيبات تكلف صاحبها التخزين وقد تستهلك وما إلى ذلك، ولكن هذا الوكيل الجديد، هذا البديل الجديد، الذي جاء لكي يكون مقياسًا ومقومًا أصبح أداة اختزان واكتناز لما جاء فيه من هذه المزايا التي لا تكلف، فهناك العلة مختلفة بالنسبة للنقود لأنها تطهير نفسي ومنع أن يظن أن هناك مالًا ينقص. الله الواحد الأحد الذي لا شبيه له ولا مثيل هو الداعم، ولكن أي طيبة أي شيء في هذا الكون يتناقص مع الزمن، فلا بد أن تتناقص النقود أيضًا. فالزكاة على النقود هي ضريبة للتناقص، ولدفعها حتى لا تكون مكتنزة ومعطلة عن التعامل، ولكن الأصل في الزكاة العامة محمولة على أننا شركاء مع هذا الذي يعمل في هذا المال الذي استخلفنا الله فيه جميعًا ووظفناه فيه لأنه أقدر على بذل هذا الجهد فيه. إذا نظر إلى هذه الأمور بالقواعد والأصول الأصلية يصبح بعد ذلك أن النظر أيضًا في الموضوع التالي أنا حينما أضع هذا المال في خدمة المجتمع وأسلمه إلى شخص آخر لكي يستخدمه، فإذا استخدمه فلا زكاة عليه حتى عنده وإلا فإن عطله فعليه الزكاة، أما أنا وقد وضعته في خدمة المجتمع فلا زكاة على. النظرة تختلف، وبعد ذلك سنأتي لموضوع الدور والعمارات والمستغلات، ومن هنا نشأت المفارقات. العوامل الأخرى التي أوجدها ربى من نعمة تنمو من طبيعتها، ولكننا نحن هنا أوجدنا نموًا مفتعلًا، ولذلك نواجه هذا المشكل. في اعتقادي أن ربط الموضوع فيما يتعلق بالربا {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} وربط الموضوع بالزكاة وباعتبارها أنها تقوم أصلًا على معنى الشركة من المجتمع وباعتبارها دفعًا نحو التنمية ونحو العمل وربط كل ذلك بالعمل والعمل الصالح هو الذي يوضح صورة النظام الاقتصادي الإسلامي. وكل ما هو عبادة إنما هو تهيئة الإنسان لأداء دوره، وفي اللسان العربي المبين: عبد الطريق أو عبد الإبل، هيأه لما يصلح له، التسخير هو دفع الشيء لما يصلح له جبرًا وانقيادًا، وأما العبودية والعابدية فهي تهيئة الشيء لما يصلح له. فكل شيء يؤكد الأمور لما تصلح له هو عبادة ولذلك نحن حينما نعمل المبادئ الأساسية في الفكر الإسلامي وفي الفكر الاقتصادي الإسلامي كثير من هذه الأمور يبدو لي أنه يجب أن ننظر إليها نظرة أخرى
…
وشكرًا.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد.
الحقيقة أننا في هذا العصر أمام مشكلة حساسة تتعلق بالنظام الاجتماعي الإسلامي بين النظم العالمية، نريد أن يثبت هذا النظام كفاءته لإنقاذ مجتمعنا من عوامل التردي والفقر والجوع والتخلف، وكل ما يعوق نهضته ويجعله في زمرة العالم النامي أو العالم المتخلف، وقد بدأت دولة باكستان في فرض الزكاة. ونحن أمام هذه التجربة خصوصًا بعد الإحصاءات الدقيقة لهذا الموضوع في ذلك المجتمع، هل يمكن لفريضة الزكاة أن تنهي مشكلة الفقر؟ الحقيقة، القائمون على هذا الموضوع في الباكستان ما يزالون إلى الآن لم يصلوا إلى نتيجة، لأن حصيلة الزكاة لم تحقق الهدف المرجو. لذلك نحن أمام مشكلة تحريك ليس أمام مشكلة فرض زكاة على أشياء لا يقتنع بها المجتمع خصوصًا وقد أدركوا أن شبه إجماع من الفقهاء أن الزكاة لا تكون إلا في أربعة أصناف من الأموال، هي النقود، والأنعام، الزروع، والتجارة، لذلك نحن بحاجة إلى تحريك الهمم، وتحريك النفوس كما تفضل فضيلة الشيخ عبد العزيز عيسى، إلى جعل الإيمان هو العنصر المحرك الدافع القوي لدفع أصحاب الأموال الضخمة لأن يقوموا بواجبهم في إنهاء مشكلة الفقر في البلاد الإسلامية، وهذا مراد الشارع، الشارع عندما فرض الزكاة أراد أن يقيم تعادلًا وتوازنًا بين جانب الفقراء وجانب الأغنياء ليحقق الوسطية المعروفة عن منهج الإسلام، بناء على هذا الهدف وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية الكبرى لا نريد أن ندخل في التفصيلات والجزئيات التي هي محل خلاف فعلًا، هل يجوز القياس في العبادات أم لا يجوز؟ ويكاد يكون هناك شبه استقرار نفسي وأغلبي عند الناس أن القياس لا يكون جائزًا في العبادات، وليس هذا هو رأي القلة بل هو رأي الأكثرين، هذا شيء.
الشيء الثاني، قضية أن نقطع جزءًا كحد أدنى للمعيشة بمقدار الثلث أو الربع أو ما شاكل ذلك، هذا أيضًا أمر مضطرب لأن الأغنياء لا يمكن أن يحد إنفاقهم شيء. فقد يكون الثلث بالنسبة إليهم لا يشكل شيئًا والثلث لآخرين يشكل شيئًا، فلذلك القضية مطاطة وقد يكونوا بهذا الثلث يحققون أهدافًا كبرى نظرًا لغناهم الفاحش، لهذا أرى أن نبحث الهدف من استثمار الأموال في المستغلات وكل نواحي الدخل التي تأتي للمسلم في عصرنا الحاضر، هناك دخول جديدة وهناك استثمارات جديدة وهناك توجيه للمال نحو ما يحقق الاسترباح والفائدة وجني أكبر قدر ممكن من الربح في شتى النواحي. فإذا وجد المجتمع أن العمارات تحقق ربحًا وقد أقبل الناس في فترة ما على هذا النحو من القطاع الاقتصادي، فتجد الأغنياء يتجهون إلى بناء العمارات لإيجارها وأخذ الربح منها، كذلك في جدة هناك مكاتب ليس فيها إلا مكتب وهاتف وموظف أو اثنان وهو يحرك العالم بهذا الهاتف وتأتيه دخول ضخمة من هذا التحريك، الحقيقة العامل الأكبر الذي يسيطر على الأغنياء في عصرنا الحاضر هو عنصر الاسترباح وعنصر جلب أكبر قدر ممكن من الربح، لذلك لا داعي لأن نقول إن الزكاة واجبة في هذا القطاع من النشاط الاقتصادي العمارات وغيره، وإنما يجب أن نقول إن كل ما هو متجر فيه – الحقيقة العمارات والدخول ومقالع الحجارة والسيارات وكثير من نواحي الاستثمار الحديثة يراد بها لربح- نقول: كل هذا في الحقيقة ينطبق عليه معاني التجارة، صحيح هو لا يعرضه للبيع ولا ينوي بيعه إلا بعد أن يكاد لا يحقق الهدف المرجو منه وهو أخذ أكبر ربح ممكن، عندما تزيد النفقات الاستهلاكية على الربح يبيع العمارة ويستغني عنها ويوجه استثماره إلى نشاط اقتصادي آخر، الحقيقة الغني اليوم يهمه أن يأتي أكبر دخل ممكن من هذا العمل، سميه تجارة، سميه استغلالًا، سميه أي شيء المهم لازم تفرض عليه الزكاة، ونحرك عوامل الإيمان في قلب هذا المؤمن، الحقيقة قرارات المجامع للآن لم تشكل قناعة عند الناس، فنريد أن يكون إذن لقرارنا مساس بقلوب وأفئدة المؤمنين ليندفعوا إلى القيام بواجبهم في تزكية أموالهم وتطهير نفوسهم. والحقيقة يمكن أن يطبق على كل هذه الاستثمارات الحديثة معنى التجارة وزكاة التجارة، وحينئذ نخرج من المآزق والخلافات الفقهية وتكون الزكاة ضمن ربع العشر 2.5 % وبعد حولان الحول، وأيضًا نتجاوز كل هذه المشكلات الفرعية، وإن كان للسادة الأفاضل جهد طيب عبأ بعض الأفكار لضرورة الاتجاه نحو تزكية هذه الأموال، الحقيقة نحن إذا اتجهنا ونظرنا إلى الموضوع نظرة أخرى، كل ما فيه استرباح يعني التجارة، وهذا اتجار في العمارات الحقيقية تجب فيه الزكاة، ولكن أنضم إلى الرأي الذي يقول بأن تلك الزكاة هي ربع العشرة 2.5 % ويكون ذلك بعد انتهاء الحول وحينئذ لا داعي لأن ندخل الناس، حتى العوام لم يقتنعوا عندما نقول لهم: زك عماراتك، زك سياراتك، زك الغلة الناتجة، فهو في الحقيقة لن يقتنع في هذا الموضوع
…
وشكرًا.
الرئيس:
ترفع الجلسة لأداء الصلاة المغرب ثم نعود إنشاء الله تعالى لاستكمالها.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.. فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين.
حضرة الأخ الرئيس أشكركم وأشكر الأخ الأمين العام على الدعوة الكريمة التي وجهتموها إلي ولست عضوًا في هذا المجلس الموقر، ولكني أريد أن أدلي بدلوي في قضية تهم جميع المسلمين وأن أذكر في هذه القضية ما أراني الله وأسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون موفقًا فيما أقول. وبعد.
فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها وهو حديث صحيح متفق عليه ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) فبناء على هذا وانطلاقًا من أن الزيادة في الكامل تعتبر نقصًا، فإن موضوعنا قد يتعلق إلى حد ما بهذه المقولة الأولى وبهذه المسلمة.
الزكاة: حد النبي صلى الله عليه وسلم جملة من الأموال التي يجب فيها الزكاة، هذه الجملة المحدودة جعلت الأصل هو عدم الزكاة وجانب الزكاة جانب محدود، معناه أن الأموال التي نص على وقوع الزكاة فيها هي التي تزكى والأموال التي ليست كذلك هي من قبيل العفو، وهذا يدل عليه الحديث الذي رواه الدارقطني وغيره:((وترك أشياء من غير نسيان)) ، هذه الأشياء التي تركها الله سبحانه وتعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} هي من باب العفو، وقال ابن رشد رحمه الله تعالى في "البداية": يقول الله سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} . إن هذا العام يراد به الخصوص، فقد اتفق المسلمون على عدم وجوب الزكاة في كل مال، هذا نصه في "البداية"، ويقول إنه عام يراد به الخصوص، والعام الذي يراد به الخصوص هو ما لا يتناول جميع أفراده، بل يقتصر على بعضها، وهو ليس كالعام المخصوص، لأن العام المخصوص يتناول جميع أفراده، يدل على جميع الأفراد تناولًا وحكمًا، والعام الذي يراد به الخصوص لا يدل عليها لا تناولًا ولا حكمًا، هذا هو الفرق، ولأجل هذا يقول ابن رشد: إن هذا من العام المراد به الخصوص لأن المسلمين اتفقوا على أن الزكاة لا تخرج من كل الأموال، فهناك أموال نص عليها الشارع هي التي تخرج منها الزكاة، وهناك أموال عفا عنها فلا تجب فيها الزكاة، إن الزيادة كما قلت في التام هي نقص، والإسلام لا يحتمل النقص. هذا من جهة العفو، الأصل هو العفو ولذلك لا يجوز أن نحدث واجبًا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكره وكما قلت {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما نص على بعض الأموال وترك بعضها، فإن معنى هذا أن المتروك لا زكاة فيه. هذه المسألة الأولى التي أردت أن أشير إليها، وأن قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} هو من باب العام المراد به الخصوص وليس من باب العام لمخصوص.
المسألة الثانية: الزكاة تعبدية، الزكاة في الحقيقة كما يقول العلماء مترددة بين التعبدي وبين المعقولية، فهي معقولة من جهة سد خلة الفقير، غير معقولة من جهة القدر الذي تجب فيه الزكاة، وبنوا على هذا جملة من الأحكام منها وجوب النية فيما فيه شائبة التعبد فإنه يدور بين وجوب النية وبين عدمه، فالزكاة مترددة وهي قريبة من التعبد، والتعبد كما تعلمون لا قياس فيه.. النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الرجل بارزًا في الشمس وقال إنه برز وقام ليستمع إلى خطبة النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالدخول وأن يجلس في الظل. والبروز في الشمس قد يكون عبادة في عرفات وهو مستحب في عرفات، ولكنه ليس مستحبًا والرجل لا يمكنه ولا يجوز له أن ينشئ عبادة في حكم لم يأمر الشارع فيه باتباعه، هذه هي النقطة الثانية التي أردت أن أشير إليها.
هناك كثير من الأمثلة يمكن لفت الانتباه إليها، أكثر المذاهب على أنه لا زكاة في الماشية غير السائمة خلافًا لمذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى لحديث ((في سائمة الغنم الزكاة أو في السائمة الزكاة)) حسب لفظ البخاري في كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه. الغنم السائمة وعكسها المعلوفة أو الماشية السائمة هي التي تجب فيها الزكاة عندهم بسبب هذا القيد وهو الوصف ومفهوم المخالفة لمن يعمل طبعًا بمفهوم المخالفة، والمالكية يعملون بمفهوم المخالفة، إلا أنهم في هذه النقطة بالذات لم يعملوا بمفهوم المخالفة لأنه من باب الغالب، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن غنم سائمة فأجاب:((في الغنم السائمة زكاة)) أو أن الغالب أن تكون سائمة ولأجل ذلك اعتبروا أن هذه الصفة ليست مقيدة وليست موجبة لعدم الزكاة في غير السائمة.
المهم أن العلماء لم يستندوا إلى النماء فالغنم المعلوفة أيضًا تنمو وتتوالد ومع ذلك لم يقل أحد منهم مطلقًا بأن النماء سبب في وجوب الزكاة، ولو كان النماء علة لكانت العلة مطردة ومنعكسة، واطراد العلة وانعكاسها واضح البطلان، فعشرة من الغنم تنمو وتتوالد ومع ذلك لا زكاة فيها إنما لا يمكن أن يكون النماء علة لأنه لا يطرد ولا ينعكس، والعلة الصحيحة شرطها الاطراد والانعكاس، يمكن أن يكون دليلًا للعلة لمن يقول بالقياس دلالة، وتعلمون أن أنواع القياس، هذا يعلمه الجميع، ثلاثة: قياس الشبه، وقياس العلة، وقياس الدلالة، يمكن أن نقول أنه دليل على العلة، إلا أنه ليس علة مطلقًا ولا يمكن أن يعتبر علة. هذه نقطة أخرى.
هناك شبهة قد تثار هي شبهة مقايسة الاقتصاد الإسلامي بالاقتصاد العالمي، أو ما يقوله الآخرون عن الإسلام، لقد تحدث قبلي أحد الإخوان لعله الشيخ وهبة لا أدري، أحد الإخوان الذي ألحوا على ضرورة حل المسألة من الناحية الإيمانية بمعنى أن نكون جيلًا من أجيال الإيمان، جيلًا مؤمنًا صادقًا في إيمانه، عندما نكون هذا الجيل المؤمن سنجد أنه سيكون متعاونًا وسنجد أن الناس يديرون أموالهم. النبي صلى الله عليه وسلم قد وقعت في زمنه أزمات اقتصادية كثيرة لم يوجب ضريبة تصاعدية، لم يوجب شيئًا إلا الزكاة التي أوجبها الله سبحانه وتعالى بل دعا الناس للتصدق، عندما أتاه أناس، مجتاب النمارى أكثرهم مضر، تنمر وجه النبي صلى الله عليه وسلم وخطب في الناس فحثهم على الصدقة وكل منهم يتصدق حسب جهده وحسب إيمانه. النبي صلى الله عليه وسلم يحض على الصدقات وعلى حمل المجاهدين في غزوة تبوك في شدة العسرة، ويأتي عثمان رضي الله عنه ويتصدق بما تصدق به ويأتي قبل ذلك عندما يأمر بالصدقات يقدم أبو بكر رضي الله عنه كل ماله ويقدم عمر رضوان الله عليه نصف ماله وكل يقدم حسب إيمانه وحسب جهده، لم يقل مطلقًا يجب على هؤلاء كذا، ويجب على هؤلاء كذا، الوجوب درجة ثابتة لا يمكن أن تتغير ولا أن تتبدل، تبقى بعد ذلك الأوضاع التي يفرضها الإيمان وتفرضها الأوضاع الخاصة بالمسلمين، إذن يجب أن نفرق تفريقًا واضحًا بين حكم من أحكام الله سبحانه وتعالى لا يتغير ولا يتبدل وهو حكم الزكاة وبين الأحكام التي قد تفرضها أوضاع معينة كالقرض الخراج، الخرج المعين، يعني أريد أن ليس هو الخراج بمعناه، معناه خراج الأرض وإنما هو الخراج الذي يتحدث عنه ابن العربي رحمه الله تعالى عند قوله تعالى:{هَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} في قراءة نافع وسدًا في قراءة عاصم، فابن العربي يتحدث عن هذا الخرج أو عن هذا الرزق الذي يفرض على الناس أو هذه الضريبة التي تفرض وإني أكره الضريبة كثيرًا لأنها من باب {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} فهي كلمة غير لائقة بالمسلمين، هذا قد يكون في ظروف معينة وقد تكلم العلماء عنه ووضعوا له شروطًا وطالبوا من ولي الأمر أن يقسم على المنبر أن بيت المال لا يملك شيئًا وأنه لا يستطيع أن يقوم بمصالح المسلمين وحينئذ يتولى جباية هذا الخرج جمع من العلماء ليسدوا منه الحاجة، أما أن نفرض زكاة ليست منصوصة ولا منصوصًا عليها في أموال لا تتناولها الزكاة فلعمري إن هذه الدعوى يفهم منها أن في الدين نقصًا، والدين ليس بناقص وزيادة الكامل تعتبر نقصًا وأشكركم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد عبده عمر:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه ومن تمسك بسنته وبعقيدته إلى يوم الدين. أما بعد،
فضيلة رئيس المجلس فضيلة المشايخ العلماء.. الواقع لست آتي بجديد عمن سبقني من العلماء في موضوع الزكاة، ولكنني أحب أن أنبه إلى موضوع هام جدًا ربما البعض يفهمه ولكن لا يحب أن يتكلم عنه، ونحن كنخبة لشعوبنا الإسلامية يجب أن نفهم على أي حال وعلى أي وضع تعيش شعوبنا الإسلامية اليوم، إن موضوع الزكاة في الإسلام ليس هو ما يتطلبه العالم الإسلامي من اجتهاد في مجال الاقتصاد وفي مجال العدالة الاجتماعية المطلوبة والملحة اليوم، لكنه أكبر من هذا وأعظم من هذا.
إن الإسلام تحوم حوله شبه من الأعداء ولقد سبق لبعض أصحاب الفضيلة أن قال: ليس علينا من الأعداء يقولون ما يقولون، هذا صحيح، لكن بالمقابل علينا أن نتمسك بالإسلام روحًا ومعنى، وهنا نقول: ما علينا من الأعداء وما علينا من شبههم، موضوع الزكاة في الإسلام وسائل الاقتصاد أو الوسائل التي يوجب على الإسلام الزكاة تبدلت وتغيرت من عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى عهدنا الحالي. وهذا شيء لا يجادل فيه أحد، ثم أيضًا المعاملة، معاملة الناس اليوم ليست على مقتضى شريعة الله فيها الغش وفيها أموال تدخل من غير حلها، فنحن نناقش نصاب الزكاة بينما الأموال هذه التي نحاول أن نستخلص منها نصاب الزكاة لا نناقشها ولا نفهم من أين أتت، فالمسألة مهمة جدًا هو أن الأعداء يراهنون على حلف الإسلام عدالة اجتماعية واضحة وصحيحة وكافية لحل مشاكل العالم الإسلامي أم لا؟ والحقيقة كما قال بعض الفضلاء من أصحاب الفضيلة بأن الزكاة حتى ولو أديت على أحسن وجهها لن تحل مشاكل العالم الإسلامي اليوم. مشاكل العالم الإسلامي اليوم مستعصية تمامًا، وأنتم تعلمون أنه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي المجتمع المدني عندما آخى بين المهاجر الذي أتى من مكة بدون مال ولا أهل ولا دار وبين أخيه الأنصاري في المدينة، أول ما آخى بينهم الأخوة في الإسلام. فكان نتيجة العقيدة الإسلامية الإيمانية أن انطلق كل أنصاري بأخيه المهاجر يقاسمه في كل شيء ولم يقل عليه الصلاة والسلام إن هذا ليس من الإسلام بل فتح عليه الصلاة والسلام وأيد هذا، لكن نحن لا نقول هذا إلزامًا ولا جبرًا بل طواعية ونتيجة للإيمان العميق في قولب أولئك الطلائع الإيمانية المخلصة للإسلام والصادقة مع ربها، لكن بالمقابل نقول إننا نحن الآن، وضعنا الآن الإيمان ضعف، والعقيدة الإسلامية ضعفت في قلوب المسلمين، وتقوى الجانب الاقتصادي المادي المظلم على قلوب وعقول الشعوب الإسلامية.
ومن هنا دخلت عليهم الشبه ودخلت عليهم التهم، واتهموا في دينهم وفي عقيدتهم، وأن الإسلام عاجز عن أن يحل مشاكل العالم الإسلامي وأن الشقة تتسع بين فقراء معدمين وبين رأسماليين متخمين. ومن هنا يلجأ بعض الحكام إلى أن يستورد بعض المذاهب من هنا أو هناك كعلاج للمجتمع. ألا يليق بهذا المجمع الإسلامي العالمي أن يناقش هذه القضية بكل أبعادها. وبالتالي إذا كان هناك حق سوى الزكاة، كما قال السلف والخلف إن هناك حقًا في الإسلام سوى الزكاة، هذا الحق اليوم لم يؤد طواعية واختيارًا كما كان يؤدى في عهد السلف الصالح. ألا يليق بهذا المجمع أن يجعل هذا الحق واجبًا كالزكاة ونضمه إلى الزكاة من أجل أن نستطيع أن نوضح وجه الإسلام، وجه العدالة الاجتماعية في الإسلام وأن الإسلام نظام عقدي ونظام عبادة ونظام اقتصاد ونظام عدالة وبالتالي لسنا بحاجة إلى العقائد ولا الأفكار المستوردة من هنا أو هناك. لا أنكر أن مبحث الزكاة مهم، لكن هل الزكاة كافية في الوقت الحاضر، حتى لو ناقشناها بكل أبعادها مهما كان الخلاف في المسألة الجزئية، هل هي كافية؟ وهل تحل مشاكل العالم الإسلامي اليوم؟ إن هناك مبدأ في الإسلام من أين لك هذا. فقبل كل شيء نبحث عن مصادر هذا التملك وهذه الأموال وهل المعاملة في هذا الدخل على مقتضى شريعة الله أم فيها هناك مفاسد ومحاذير، وبالتالي علينا أن نركز على إيضاح وجه العدالة الاقتصادية في الإسلام، فإن هذا الموضوع خطير جدًا وحوله تحوم الشبه من الأعداء، وعلينا أن نثبت للأعداء بأن في الإسلام عدالة اجتماعية متكاملة من كل النواحي وهو صالح لكل زمان ومكان. أنا لا أقول بالأفكار المستوردة ولست متأثرًا بها أبدًا على الإطلاق لأنني أؤمن بالله وباليوم الآخر. لكن علينا أن نوضح مبدأ العدالة الاجتماعية في الإسلام بكل أبعاده على مقتضى ما وصلت إليه شعوبنا اليوم، وعلى مقتضى ما وصل إليه عصرنا من وسائل الإنتاج ومن سهولة التملك ومن اتساع الشقة في المجتمع الواحد. نجد المكان الواحد بل في البيت الواحد هذا غني غنى مطلق وهذا فقير فقر مدقع، ومن هنا تدخل الأفكار وتدخل الفتنة على عقيدتهم وفي دينهم.
الرئيس:
أرجو الاختصار يا فضيلة الشيخ.
الشيخ محمد عبده عمر:
شكرًا.. ولهذا فإنني أركز على أن نوضح وجه الإسلام في الجانب الاقتصادي ونثبت للعالم كله أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان
…
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
الشيخ زكريا مع التفضل بالإيجاز.
الشيخ زكريا البري:
سيادة الرئيس لم يقل لأحد قبلي: مع التفضل بالإيجاز، ولكنني أشكره على هذا.
بسم الله الرحمن الرحيم، أشعر بكثير من السعادة حين أوجد في هذه المجموعة الطيبة وبدلًا من المقدمة الطويلة أدخل في بعض الأمور معارضًا جاري ويكفي هذا.
جاري العظيم بدأ كلامه بأن هذا ما أراه الله، وأنا أذكره بما يذكره من قول عمر حينما أملى حكمًا فكتب الكاتب هذا ما أراه الله عمر، فقال: لا قل: هذا ما رأى عمر فإن يكن خطأ فمن عمر. وليس هذا بجديد على علمه ولكنه النسيان قطعًا، بعد ذلك قال: إن الإضافة إلى الكامل تعتبر نقصًا في الكامل، هذه كلمة دعوى رددها لغات القياس، ومردود عليها في كتب أصول الفقه، وبعد ذلك أقول إن ما تركه الله سبحانه وتعالى يعتبر عفوًا، ولا يعتبر عفوًا إذا ما وصلنا كأهل الاختصاص أي أن هذه الأموال يجب فيها الزكاة، بعد ذلك قال: إن الزكاة عبادة، نعم إنها عبادة ولكنها في نفس الوقت لا أقول ضريبة حتى لا يعارضني ولكني أقول إنها مؤنة الأموال، ولذلك وجبت في أموال الأيتام وليسوا مكلفين بعبادة، بعد ذلك أجيال الإيمان التي تحدث عنها لا تعالج المشكلة مطلقًا، لأننا لا نتكلم عن الإيمان وإنما نتكلم عن نظام اقتصادي في الدولة يتولاه الحاكم ويتولاه أولو الحل والعقد، بعد ذلك هؤلاء الشباب الذين يراد لهم أن يتربوا على الإيمان يسألونك أول سؤال: كيف تجب على في الإسلام ضريبة الأرض الزراعية وأخي تمامًا بجواري يملك أكثر مني عقارات ولا يدفع عنها مليمًا، هل هذا يمكن أن يكون عدل الله؟ إنه فهم الفقهاء لا أكثر ولا أقل ولا بد له من إجابة، والقول إن بهذا كلام الشيوعيين يقول فليكن من أي مكان كان ورد على سؤال، بعد ذلك أقول: أنا منضم إلى الأخ الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي وقد انضممت إليه كثيرًا في مؤتمرات كثيرة مع مخالفات جزئية بيني وبينه ولكني أنضم إليه، ومع هذا فبعد أن استمعتم إلى هذه الآراء الكثيرة التي تجعل الموقف في غاية الدقة أن نخرج بأنه لا زكاة، ثم بعد ذلك يخاطبنا الناس بما حدثنا به عن ماليزيا والشاي والمطاط إلى آخره نريد جوابًا على هذا منكم ولهذا أردت أن أخرج من هذا الخلاف وأن أتوصل إلى أمر أرجو أن يكون مقبولًا عندكم، وهو ترك قضية الزكاة إلى أمر ولي الأمر {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ} ونتوجه إلى أولياء الأمر في البلاد الإسلامية بفرض ما نسميه مؤنة إرضاء لجاري العزيز أو ضريبة تتعادل مع الزكاة في الأموال التي لم تفرض فيها الزكاة حتى نخرج من هذه القضية الكبرى، ولكي نسد حاجات المسلمين. بعد ذلك هذا الأمر إذا ما اتبعت فيه الطرق الشرعية، فقهاء يقترحون، وحكام يلزمون فإنه بحكم القرآن الكريم، وكما قال الإمام الألوسي ينشئ حكما شرعيًا دينيًا يطلب من الحاكم أن يحاسب عليه في الدنيا ويثيب الله ويعاقب عليه في الآخرة، هذا كلام الإمام الألوسي، لأننا لا نطيع ولي الأمر من حيث إنه ولي أمر، وإنما نطيعه من حيث إن الله سبحانه وتعالى قد أمر بطاعته، وأمر بطاعته في مثل هذه الأمور المستجدة.
عندي كلام كثير ولكنني امتثالًا لأمر ولي الأمر أكتفي بهذا وشكرًا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد عمر الزبير:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في بادئ الأمر أريد أن أذكر قضية النماء هل هو علة أو هو شرط؟ والواقع أن الإمام القرافي في فروقه ذكر الفرق بين السبب والشرط والمانع فجعل السبب ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم، وجعل الشرط ما يوجب من وجوده العدم، وذكر الزكاة على أساس أنها سبب وأن الحولان هو الشرط وأن الدين هوا لمانع فلا يمكن أن نقول على أن النماء شرط وإنما الحولان هو الشرط والسبب أعم من العلة كما يعرف الأصوليون ذلك، وبالنسبة للزكاة، النصاب هو السبب في الأموال التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن يمكن أن نستخرج علة تشترك في صفة هذه الأموال ويمكن أن نقول: النماء علة لذلك، ولكن ليست العلة هي السبب الرئيسي الذي يرتبط به الحكم وجوبًا وعدمًا وإنما هي دالة على أن السبب الرئيسي في الحكم الشرعي الموجب للزكاة هو النصاب، على كل حال هناك اختلاف في وجهة النظر بين الأصوليين حول تعدية هذه العلة في الأموال التي تشترك فيها صفة النماء أو لا تشترك وهل هي قاصرة على محلها التي هي هذه الأموال بأنواعها المخصوصة المذكورة، هذه قضية.
القضية الثانية، في الواقع قضية التفرقة بين ما يستلزم من الحاكم أن يحقق نوعًا من العدالة أو التوازن بين الطبقات وهذا الأمر متروك لولي الأمر حسب الحاجة، ونستطيع أن نفرق بين الواجب كحكم شرعي وبين ما يوجبه ولي الأمر حسب حاجات المجتمع وتغيراته، فإذن هناك أحكام ثابتة حتى لو اقتصرنا على الأنواع المخصوصة التي ذكرها الفقهاء بالنسبة لأموال الزكاة إلا أن هناك أموالًا أخرى كما قال الإمام الشاطبي رضي الله عنه يمكن أن يوظف ولي الأمر ما يستلزم لدفع الجوائح عن المجتمع، وهذا مجال خصب تستطيع الدولة أو الحاكم أن يحقق كثيرًا من التوازن في المجتمع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. في هذه المجالات العلمية لا بد في بحث المسائل الفقهية من تحرير محل النزاع حتى لا يذهب بنا البحث في جوانب ليست لها علاقة مباشرة بالموضوع الذي نتعرض له.
الموضوع الذي أمامنا هو هل تجب الزكاة في المستغلات في ريع أو في دخل المستغلات أو لا تجب؟ فالقضية ليست قضية بحث في زيادة الإيمان وفي دعوة الناس للصدقة ولا في هل للحاكم المسلم سلطة فرض مدخلات جديدة على أموال الناس ولا في أي أمر لاحق هذا أمر.
الأمر الثاني: القضية المطروحة هل هي قضية مستحدثة مائة بالمائة. وضح أستاذنا يوسف القرضاوي أن هنالك آراء فقهية قديمة قالت بوجوب الزكاة على دخل المستغلات، إذن الأمر في هذا المجال أمر ترجيح، وليس أمر استحداث لرأي جديد، ولكل وجهته ونظره في مجال الترجيح، ما رآه أستاذنا في هذا المجال من مرجحات لإيجاب الزكاة في دخل المستغلات له وجهة نظر فيها، وجهة نظر مقدرة ومحترمة، ووجهة النظر التي تمنع أو لا توجب، كما ظهر من النقاش، أدخلت في الواقع على المسألة مجموعة من العناصر التي لا بد أن تلحظ فيما إذا أريد لجهة تشريعية خاصة بعد توجه عدد كبير من الدول الإسلامية إلى وضع فريضة الزكاة في تشريع ملزم ولم يترك لعملية المبادرة الفردية هذا المجال، قد يختار المشرع هذا الرأي أو ذاك الرأي، أرجو أن يسمح لي بأن أقول إنني أميل في هذه المسألة إلى عدم الإيجاب وإن كنت أحترم الرأي الذي يرجح الوجوب الذي تفضل به أستاذنا، ملاحظًا عناصر أخرى دخلت في العملية تفضل بعض الإخوان وأشار إلى بعضها، لدينا في مجال المستغلات العقارية عنصر التعرض لمخاطر الاستثمار، والتعرض لاحتمالات الخسارة، وعند ذلك تعطيل هذه الأموال، نحن نلاحظ بعد فترة الكساد الاقتصادي التي نمر بها أن كثيرًا من أصحاب البنايات ينظرون إلى بناياتهم دون أن يحصلوا منها على أي دخل بل يحاولون بيعها، ويبيعونها بأسعار أقل بكثير من تكلفتها في بعض البلاد.
الأمر الثالث: عنصر استثمار الأموال وإيجاد فرص العمل وإدارة المال في المجتمع، هذا الذي يستثمر في العقارات ويعمل فرص عمل ويحرك المال ويحقق مدخلات اقتصادية لجمهور كبير من الناس يدعم هذا التوجه، وأقول توجهًا أن عنصر النماء كما تبين من البحث ليس علة في إيجاب الزكاة إنما هو شرط حتى بعدما سمعنا من الأخ الدكتور محمد عبده عمر لأن هي دالة، هي مؤشر، هي حكمة قضية النماء، لكن لا بد أن يتوجه الباحث إلى معرفة العلة الحقيقية في إيجاب الزكاة التي يمكن أن تكون مطردة وإذا لم تكن مطردة عند ذلك لا تسمى علة لأن هذا هو أساس تسميتها بعلة.
أما قضية الفقر والفقراء فيجب أن لا يغيب عن بالنا أن معالجة قضيتهم لن تتم في النظر الإسلامي فقط عن طريق الزكاة، هنالك نظام متكامل لمعاجلة مشكلة الفقراء يكفي أن نشير هنا إلى قاعدة، إذا لم تف حصيلة الزكاة بتأمين مستوى الكفاية للفقراء ضمن قواعد تشريعية متعددة بينتها الشريعة، فبين بعض الباحثين أن حق الفقراء في الكفاية متعلق بأموال الأغنياء ولو أدى ذلك إلى استيعاب جميع أموالهم واشتراكهم فيها بالتساوي. أنا لا أستطيع من أجل حل مشكلة الفقراء أن أوسع دائرة الإيجاب في الزكاة بهذه الحكمة التي تحرص عليها الشريعة وتدعو إليها تأمينًا للعدالة الاجتماعية بين الناس، لأن لدى غنية في بعض القواعد الشرعية التي ستعمل مباشرة بعد أن تنتهي هذه القاعدة من العمل، هي قاعدة الزكاة، ثم إن استخدام المستغلات هو الآن بات وسيلة لعيش الفقراء والأغنياء ليس فقط لعيش الأغنياء أو لمزيد من الدخل لديهم، لأننا نلاحظ في مجتمعاتنا ونراهم حولنا في كل مكان هذا الذي يؤجر بيتًا صغيرًا وهذا الذي يؤجر غرفة وهذا الذي يؤجر سيارة أو غير ذلك، فإذا أردنا أن نأخذ بقاعدة أن المستغلات تجب فيها الزكاة، فإننا يجب أن نلاحظ موضوع الاطراد في تطبيق ما تبنيناه، التوجه إلى إعفاء حد معين من المعيشة الذي هو أدنى ما يكفي الإنسان، والذي انتهى فيه أستاذنا إلى تقرير كتنسيب بأن يكون هناك ثلث الدخل معفى، في الواقع هذا لا يحل المشكلة لأنه لا ينسجم مع قاعدة إعفاء الحد الأدنى للمعيشة، لأنه سيكون فقيرًا وسيدفع ثلثي الدخل، إعفاء ثلث الدخل بالنسبة له لا يحل المشكلة، يمكن أن يكون التصور بإعفاء مجموعة من المالكين من الدخول في دائرة التكليف في مجال الزكاة في هذا النوع من أنواع الزكاة، لذلك أرجو أن يكون الأمر في إطار الترجيح، وإذا كان في إطار الترجيح، نحن لا نستطيع أن نرفع الخلاف وبالتالي عندما يتوجه إلى وضع تشريع ملزم في مجال الزكاة للحاكم المسلم أن يتبنى الرأي الذي يراه محققًا للمصلحة بمشورة الخبراء والمختصين، وبخاصة أننا لدينا مؤتمرات علمية قد بحثت هذا الموضوع وانتهت فيه إلى رأي معين. وشكرًا.
الرئيس:
في الواقع أنا هنا في موضوع أشار إليه الشيخ عبد السلام ناقل ولست بناقد، أشار إليه أثناء الانصراف إلى صلاة المغرب أن هناك كلمات موسعة وهي لا تعدو عن كلمات إنشائية. ونحن كما تعلمون في مجال فقه وفي مجال تحرير محل النزاع وفي مجال استنباط العلل وفي مجال جمع الأدلة وبيان مدارك الأحكام ومدارك الخلاف، أما الأمور العاطفية أو الأمور الوقتية أو مشكلات الحياة أو ما جرى مجرى ذلك، فهذه بحور لا ساحل بها، نحن نريد أن نسير في ذلك المسار فقط. هذا أذكره لكم على سبيل النقل من توجهات بعض الإخوان ويرون ويأملون أن يكون ما يتفضل به المشايخ في المسار الفقهي الذي يحدد لنا القضية ويعطينا إيضاحًا عنها.. والكلمة الآن للشيخ عمر جاه، ثم للشيخ عبد اللطيف.
الشيخ عمر جاه:
بسم الله الرحمن الرحيم.. ولأنني آخذ الكلمة لأول مرة أريد أن أتوجه بكلمة شكر إلى رئيس المجمع وإلى الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي على حسن التنظيم الذي سهل لنا الأمور ومهد لنا الطريق. وعندي ملاحظة: لا أريد أن أعلق على موضوع الزكاة الذي أعتبر وأعتقد أن أصحاب الفضيلة العلماء الذين تكلموا عنه أعتقد أنهم قتلوه بحثًا. أريد فقط أن أستوضح نقطة واحدة هي تتعلق بزكاة المستغلات.. ومما لا شك فيه أن مجال المستغلات وخاصة ما يخص العمارات والمصانع، مجال يعتبر من أحد مجالات استثمار أموال المسلمين في الوقت الحاضر. وليس من المعقول إهمال هذا القطاع الذي يستوعب أكبر قدر من استثمار أموال المسلمين. وإذا كنا في إطار هذا المجمع نمثل العالم الإسلامي في الوقت الحاضر. إذن ينبغي أن نقول إن وجودنا هنا تجسيم لمشاكل المسلمين خاصة المشاكل الاقتصادية، فالزكاة كما نعرف جزء ومحاولة أو توجيه إلهي لإعطاء المحتاج من مال الأغنياء التي تعتبر وديعة عندهم. وسؤالي أو ملاحظتي أن من يتساءل عن وجوب الزكاة في المستغلات هل الزكاة التي تتكلم عنها في المستغلات نفسها أو في دخل المستغلات؟ ونعني إلى الفهم، وأرجو من فضيلة العلماء الذين قدموا بحوثًا في هذا المجال أن يصححوا فهمي إن أخطأت. الزكاة التي نتكلم عنها الآن هي الزكاة في دخل المستغلات وأعتقد أن دخل هذا إذا كان شكل أموال له قواعده في مسألة الزكاة، إذا كان نتصور إنسانًا استثمر مليون ريال في بناء عمارة لعملية تجارية وحصل أن هذه العمارة لم تستغل لفترة زمنية ،من المعقول أن لا يطالب بالزكاة ، إذن فالمزكى هو ريع هذه العمارة أو دخل هذه العمارة أو الأموال التي يتحصل عليها من هذه العمارة. إذن أعتقد أن العلماء لا يختلفون أبدًا على وجوب فرض زكاة على هذه الأموال ولكن الزكاة هي على الأموال التي تدرها أو يستنتجها المستثمر من هذه المستغلات. فأرجو من الدكتور يوسف الذي تفضل بتقديم البحث في هذا الموضوع، وإنني أعترف بأنني تعلمت من بحثه الكثير، إذا كان فهمي هذا خطأ، أرجو أن يتفضل ويصحح لي هذا الفهم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محيي الدين قادي:
نحمده ونستغفره ونتوب إليه، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ألا إن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
والزكاة: أثيرت مشكلة زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية. هذه المشكلة فيما يبدو لي موجودة من يوم أن هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واحتاج المسلمون إلى أن الواحد منهم يتنازل عن نصف بيته أو نصف منزله إلى أخيه من المهاجرين. وقد وجدت هذه المشكلة وهي فاشية منتشرة من عهده صلى الله عليه وسلم وهي كراء الدور. ولكن الفاشي المنتشر إذا سكت عنه صاحب الشرع يعتبر أن سكوته حكم، فلم يوجب صلى الله عليه وسلم فيما رأينا وما عرفنا من نصوص السنة الشريفة وفيما عرفه الأئمة السابقون، يعني من نصوص السنة، والزكاة في العقارات. وإن قلنا بأن هذه المشكلة جدت وتطورت فهل حضارة بغداد وقاضي قضاتها أبو يوسف وحضارة القيروان وقاضيها سحنون وحضارة قرطبة، يعني لم تعرف هذه المشكلة، أيضًا وهي ما يتعلق بكراء العقارات. فجعلنا الزكاة واجبة في العقارات يقتضي من القائل به أن يعيدنا إلى مصدر من مصادر التشريع المعروفة وهي المجمع عليها أو المختلف فيها على الأقل وهي الكتاب والسنة وهما محل الإجماع، والإجماع على رأي أغلبية الفقهاء، ثم ما اتسع عند بعض الأئمة وضاق عند بعضهم كالمصالح المرسلة والاستصحاب. أما إن أردنا أن نجيب هؤلاء السائلين من الشيوعيين وغير الشيوعيين، فديننا يجيب في غير هذا. فعندنا دروب من المؤاساة الواجبة في الإسلام غير الزكاة، وذلك كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم ((إذا بات أهل عرصة في شبع وفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله)) وكقوله صلى الله عليه وسلم حين أصابت الناس حاجة ((من كان عنده فضل زاد)) إلى غير ذلك، وكقول مالك بن أنس "إن لم توف الزكاة بحقوق الفقراء أنه يجب على الأغنياء إغناء الفقراء" وإلى غير ذلك من الوجود الكثيرة. وقد ورد في عهد الإمام علي للأشطر النخعي وهو من المتفق عليه بين أهل السنة وغيرهم، يعني أنه أوصى بالأرامل وبالأيتام وبذوي الحاجة وبذوي العجز إلى غير ذلك. فالزكاة تتسع لبعضهم ولا تتسع للكل، وفي الإسلام وفي بيت المال موارد أخرى. فإن أردنا تحقيق ذلك فعلينا أن نحقق ذلك إلى أي مصدر من مصادر التشريع نرجع أقوالنا هذه. وإن كان ما قلته صوابًا فمن فضل الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الله البسام:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد. وبعد،
فأصحاب الفضيلة قتلوا الموضوع بحثًا في هذا الأمر وتعرضوا لموضوع النماء: هل هو علة أو شرط؟ وحسب ما عندي من قراءة وما عندي من فهم أن النماء شرط من شروط وجوب الزكاة وأنه ليس علة فيها. وإنما الذي أرى وقرأته وعلمته من كلام أهل العلم أن النقطة الأساسية في الزكاة هي المواساة بين الفقراء والأغنياء. فالمواساة هذه يستطيع الفقيه أن يأتي بها في كل نقطة من نقاط الزكاة، فهذه هي التي تحدد مأخذ الزكاة. ولهذا أهم ما استدل به الجمهور على عدم وجوب الزكاة في حلي المستعار أو المستعمل، أهم ما استدلوا فيه أنه للقنية وليس للنماء. وإذا كان ليس للنماء فمعناه أن صاحبه بعدم إخراجه ساوى الفقير، دخل عنصر المواساة في ذلك لأنه من أموال القنية التي لا تنمو والتي هي من استعمالات صاحبه. هذا المبدأ مبدأ المواساة إذا طبقناه على المستغلات كالمصانع والعمائر ونحوها وجدناه تنطبق على ذلك. فمسألة المستغلات هي مسألة قديمة وليست جديدة. هي موجودة في صدر الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أصحابه وفي الصدر الأول، فلم يحدث فيها تشريع جديد وإنما بقيت على الأصل فيها. وكونها تضخمت وكثرت غلاتها، وهذا أعتقد لا يغير من التشريع شيئًا، التشريع لا يزال باقيًا لأن التشريع يقع على الكثير والقليل، هذا ما أردت أن أبديه حول هذه النقطة. وشكرًا.
الشيخ عبد الله إبراهيم:
بسم الله الرحمن الرحيم.. شكرًا لفضيلة الرئيس على ما أتاحه لي من المشاركة التي قد طالت وتنوعت إلى أن ظهرت لي أن المسألة قد بقيت مختلفًا فيها، ولم نصل إلى الحل الحاسم. فمن بين نقاط الخلاف هي مسألة النماء نفسه. فالنماء كما ظهر لنا جميعًا إما أن يكون شرطًا وإما أن يكون علة، على حسب ما ظهر لنا من المناقشات. وبالنسبة لما حضر لي من القراءات في هذه المسألة، أن النماء أيضًا إلى جانب وجود القول بأنه شرط أو علة يوجد أيضًا ما هو يشبه بأنه نوع ليس بشرط ولا بعلة ولكنه نوع. هذا ظهر من تعبير الإمام النووي في المجموع لأنه قال: الأموال الزكوية إما ما هو نماء وإما ما هو مصدر للنماء، أو كما قال الماوردي في الأحكام السلطانية وكذلك القاضي أبو يعلي، فالنماء هنا كما ظهر لي أنه نوع من الأموال الزكوية. فالأموال الزكوية إما ما هو نماء وإما ما هو مصدر للنماء، فظهر لي أن النماء هنا يعني الدخل، فالأموال الزكوية إما هو الدخل على حسب التعبير الحديث وإما هو المال النامي والمال النامي نوع والنماء نفسه نوع، فالنماء ظهر لنا هو غلة المستغلات فهذا هو النماء، وأما النقود والسوائم وأموال العروض التجارية فهذه هي المال النامي فإذا رأينا إلى تقسيم الأموال الزكوية إلى هذين النوعين، إما الأموال الزكوية إما ما هو نماء، وإما ما هو مصدر للنماء. إذن فكل ما هو نماء تجب فيه زكاة أو كذلك كل ما هو مال نام أو مصدر للنماء تجب فيه الزكاة، ومهما كان الأمر فالخلاف لا يزال باقيًا. وأرى أن نخرج من هذا الخلاف بما عليه الفقهاء. في كثير من الأحيان رأينا الفقهاء إذا اختلفوا في مسألة من المسائل فإنهم يطبقون قاعدة اختيار الأنفع للفقراء. رأينا الإمام النووي في المجموع وكذلك ذكر كثيرًا في المغني لابن قدامة، فإنهم في مسألة اختلفوا فيها طبقوا أو يشيرون إلى الأخذ بما هو أنفع للفقراء. فخروجًا من الخلاف الذي نحن فيه الآن فأنا أميل إلى أن نطبق أو لا نمنع من أي جهة من الجهات تطبيق ما هو أنفع للفقراء، تطبيق ما هو أنفع للفقراء بالنسبة لمسألتنا هذه، فهو طبعًا كما ذهب إليه مقدم البحث الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي، فإن تطبيق ما هو أنفع للفقراء أيضًا يناسب كما قال فضيلة الشيخ عبد الله البسام فإن فيه مواساة للفقراء، فإن الزكاة ومن حكم تشريع الزكاة فيها مواساة للفقراء. فالأخذ بهذه القاعدة قاعدة اختيار الأنفع للفقراء يمكن أن نقيس أشياء غيرها وليس لنا أن نقف في مسألتنا هذه فقط مسألة غلة المستغلات. فكل ما هو مثل غلة المستغلات يمكن أن نطبق عليه قاعدة اختيار الأنفع للفقراء. فهناك مسائل أخرى إذا طبقنا عليها هذه المسألة نفيد المجتمع كثيرًا خصوصًا مجتمع اليوم، مجتمع المسلمين في كل مكان يحتاج إلى تطبيق ما هو الأنفع للفقراء. هذا ما أراه للخروج من هذا الخلاف، والله أعلم.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
شكرًا أيها السيد الرئيس
…
الواقع أولًا في كل اجتهاد تخريجًا أو ترجيحًا نردد ما قاله الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه "علمنا هذا رأي وهو أحسن ما توصلنا إليه فمن جاءنا بأحسن منه كان أحق".
القضية هي في دخل المستغلات وليست في أعيانه كما هو ظاهر. فهل النماء علة بصرف النظر عن كونه شرطًا أو نوعًا أو غير ذلك، الواقع أني أعود فأكرر أنه ظهر لدى جميع الأفاضل الحضور أن النماء ليس علة لأن العلة هي السبب المؤثر، والنماء ليس سببًا ولا مؤثرا، ثم المواساة التي تفضل بها بعض الزملاء الأفاضل حكمة وليست علة. المواساة مئنة وليست مضنة، نحن نبحث هنا المضنة لأنها هي التي يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا مع التأثير فيه. فمن ادعى غير ذلك فعليه الدليل، من ادعى أن النماء علة فليأتنا بدليل نقلي وعقلي.
ثانيًا القياس على الأرض الزراعية هنا غير وارد إطلاقًا لغلبة جانب التعبد في الزكاة على معنى الحق البحت، أي حق المال، فهي كما يقول الأصوليون الأحناف: عبادة فيها معنى المئنة، الأصل فيها العبادة فلو سلم جدلًا فهو قياس مع الفارق كما تفضل الأخ الدكتور السالوس.
ثالثًا، الزكاة في ريع المستغلات مفروضة كما تفضل الشيخ عبد العزيز عيسى فنحن لم نقل: إن الزكاة غير مفروضة كما تفضل الشيخ عبد العزيز عيسى فنحن لم نقل: إن الزكاة غير مفروضة ما قال بذلك أحد، لكنه في الريع بزكاة النقود وبشروطه فهذا هو التوسط، الوسطية التي نادى بها الإسلام.
وهذا يعد كله من باب التجارة، وعلى فرض عدم وفاء هذه الزكاة بالهدف في ظل ترقيع الأنظمة الحالية، لأننا لسنا في نظام اقتصادي إسلامي، نحن نرقع الأنظمة الحالية ترقيعًا بما لدينا من حلول إسلامية، والمفروض أن نستبدل بهذه الأنظمة النظام الاقتصادي الصحيح الكامل الشامل الوافي حتى نرى هل يحقق الهدف أم لا؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام ورد عنه أثر لا أدري الآن تخريجه بالضبط ولكني قرأته في بعض الكتب المعتبرة الموثوقة من كتب السنة "لو أن الله عز وجل يعلم أن زكاة أموال الأغنياء لا تكفي الفقراء لأنزل عليهم من عنده ما يكفيهم"، فإذا أحببنا معالجة قضية عدم وفاء هذه الزكاة بحاجات الفقراء ولتحقيق العدالة الاجتماعية فعندنا في المذهب الحنفي فرق كبير بين ما يسمى بحكم الفتيا، وبين ما يسمى بالسياسة الشرعية. فيقول ابن عابدين في "رد المحتار" نقلًا عن أئمة المذهب، وهذا هو آخر كتاب من كتب الحنفية المعتبرة:"إن الإمام بشروطه طبعًا له صلاحية فرض خرج، وأحببت كلمة الخرج جدًا وإن لم يقلها ابن عابدين بالذات وإنما هي كلمة معتبرة بعد الرجوع لأهل الحل والعقد وهي الشورى الخاصة أن يفرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء وما يكفي حاجة الدولة"، هذا حكم اسمه حكم سياسي، ولا نقول سياسي بمعنى السياسة الحالية التي نفهمها، حكم سياسي شرعي، وله حق الإلزام وعلى الناس أن يطيعوا ذلك يثابون ما أطاعوا ويعاقبون من عند الله ما خالفوا، اللهم إذا كان في ذلك منفعة عامة للكافة وبشروطها المعتبرة. فقد خصص ابن عابدين مطلبًا خاصًا لما يسمى بالسياسة الشرعية. فحينما يضيق الأمر إذا ضاق الأمر اتسع، نأتي إلى السياسة الشرعية ونقول للحاكم المسلم تعال فافرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء وما يكفي الجيش وما يكفي البلاد، هذه ناحية. وأقول بعد ذلك إن الشرع ما شرعه الله، ولا نستطيع أن نزيد من عندنا شيئًا باسم المصالح إذا كان الأمر يتعلق بالتعبد بالذات. والزكاة أمر تعبدي أكثر مما هو حق مالي فلنقتصر على النصوص ونبتعد عن هذه الاجتهادات ما دمنا نريد أن نصل إلى السلامة في ديننا ودنيانا. مع شكري لمن تفضل قبلي بالجهود المشكورة والاجتهادات النافعة فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، وأرجو الله أن أكون صاحب الأجرين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الدكتور حسن عبد الله الأمين:
بسم الله الرحمن الرحيم.. شكرًا للسيد رئيس الجلسة والإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الحديث حول الزكاة في المستغلات دار كثيرًا وأشبع بحثًا من الإخوة الكرام. والحقيقة أن الأموال المستغلة هي في واقع حياتنا الحاضرة تمثل نسبة عالية من الاقتصاد الكلي لأي بلد من البلدان. فهي في حقيقتها قبل أن تكون أموالًا مستغلة في أعيان كانت أموالًا سائلة ابتغى بها التنمية والربح والعائد من أصحابها. وكان لهم أن يدخلوا بها في التجارة مباشرة ويديرونها سريعًا، ولكنهم اكتشفوا أن جعلها في هذه المستغلات المتنوعة أنفع وأفيد كثيرًا لهم من التجارة السريعة. فهي في حقيقتها أموال نقدية أدخلت في عمليات شبيهة بالتجارة إن لم تكن تجارة، وكون كثير من الإخوة جعل هذه الأموال يزكى ريعها ولا تزكى أصولها هذا نوع من التجاوز. وقد يكون مقبولًا حفاظًا على هذه الأصول ولكن ليس مقبولًا أن نجعلها والتجارة في مستوى واحد. أموال التجارة تزكى كلها ما كان منها نقدًا وما كان منها عينًا. تقوم ثم تزكي. لكن هنا لا نقيم هذه الأعيان المالية في المستغلات، وإنما نأخذ الزكاة كما يتجه أكثر الإخوان من ريعها ومن عائدها. فهل أولًا يصح أن نبعد هذه الأموال من الزكاة نهائيًا كما يتجه بعض الإخوة؟ هذا لا يصح. أو هذا في رأيي لا يكون منطقيًا. كيف نستبعد هذه الأموال وهي أموال ضخمة جدًا تمثل النسبة العالية وقد تكون الثلث أو النصف أو أكثر من ذلك من الأموال الدائرة في النشاط الاقتصادي؟ من حيث المبدأ أعتقد أنه ليس سليمًا أن نستبعد هذه الأموال من محيط الزكاة. فإذا انتقلنا إلى مرحلة أخرى هي أن تكون الزكاة في ريعها وعائدها فكذلك أرى أنه لا نسوي بينها وبين التجارة العادية التي نأخذ على ريعها وعلى أعيانها. المخرج في رأيي في هذه الحالة بعد أن نقرر مبدأ الزكاة فيها أي في عائدها وليس فيها أن تكون هذه الزكاة في يوم العائد مباشرة حتى لا تخرج مرة أخرى في شكل مستغلات وتتسرب من السيولة التي بين أيدينا التي نستطيع أن نجعل منها زكاة، لأننا لا نستطيع أن نعوض هذا بجعلها هي في أعيانها وفي ذواتها زكاة أو نزكي عنها. فالرأي الذي ذهب إليه الأخ الدكتور يوسف القرضاوي أعتقد أنه سليم في هذا الموضوع: أن تكون الزكاة واجبة، وأن تكون واجبة في ريع هذه الأموال المستغلة وأن تقوم في تاريخ وجود هذه العوائد منها. وشكرًا.
الشيخ عجيل جاسم النشمي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
يبدو لي أن القضية منحصرة في تحقيق محل النزاع كما أشار أحد الزملاء. وبناء الحكم في هذه القضية يقتضي توضيح معنى السبب ومعنى الشرط كي نتوصل إلى قضية النماء هل هو شرط أم سبب؟ ويقتضي أيضًا تحقيق معنى العلة. أود هنا أن أذكر لكم ما يحضرني في تعريف السبب والخلاف فيه وفي تعريف الشرط والعلة. ثم أبني الرأي حول قضية النماء.
السبب: اختلف فيه العلماء إلى رأيين: الجمهور قالوا بأن السبب هو وصف ظاهر منضبط يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم. وآخرون رأوا أن السبب هو أيضًا وصف ظاهر منضبط يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم بشرط أن لا تكون هناك مناسبة بين السبب وتشريع الحكم. فعلى الرأي الأول السبب والعلة قد يجتمعان. وقالوا إن بينهما عمومًا وخصوصًا مطلقًا، أي يجتمعان في شيء وينفرد الأعم منهما في شيء آخر. فتجتمع العلة والسبب فيما إذا كانت هناك مناسبة في تشريع الحكم، أي إذا ظهرت الحكمة من التشريع كقصر الصلاة في السفر. السفر هو السبب والحكمة ظاهرة في التخفيف، فهنا يقول الجمهور بأن في هذا المثال يجتمع السبب والعلة. فبينهما عموم وخصوص مطلق. على الرأي الثاني لا تجتمع العلة مع السبب لأن العلة لا بد وأن تظهر الحكمة فيها ولذلك قيدوا فقالوا إن السبب شرطه أن لا تكون هناك مناسبة، فإذا كانت هناك مناسبة فلا يكون سببًا إنما يكون علة. هذه خلاصة ما قاله العلماء في السبب.
أما الشرط: فعرفوه بأنه ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذات الشرط ويكون خارجًا عن حقيقة المشروط. هذا تعريف السبب والشروط. وعلى هذا فالنماء هو شرط لأن الحكم لا يدور معه، شرط لا سبب، لأن السبب قد يكون له شرط لوجوبه أو وجوده. فالنماء شرط للسبب. ونصوا هنا في قضية الزكاة أن السبب هو ملك النصاب. فملك النصاب هو الذي يدور معه الحكم وجودًا وعدمًا. أما النماء فهو شرط من الشروط عند من يرى أن النماء شرط للزكاة. وقضية العلة هنا ليس لها تأثير في هذه القضية، العلة ليس لها تأثير لا باعتبار معنى الحكمة، لأن السبب هو الأعم. فكلما وجدت العلة وجد السبب، لأن السبب هو الأعم، ولا توجد العلة إلا ويوجد السبب معها إذا ظهرت الحكمة على رأي الجمهور. فالرأي العلمي الذي أطمئن إليه هنا في هذه القضية بناء على هذه المسلمات في تعريف السبب والشرط هو أن النماء شرط وليس سببًا
…
والله أعلم.
الشيخ آدم شيخ عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.. بعد شكرى للأمين العام ورئيس المجمع وجميع الباحثين يظهر لي أن هناك لبسا في المسألة، المسألة المراد: هل غلة أو ريع أو أجرة المستغل أو عين المستغل؟ فإن لم يكن المستغل نفسه من عروض التجارة فهذا أمر ظاهر والريع أو الغلة تجب الزكاة بشروطها، من النصاب وحولان الحول أو ضم هذه الغلة إلى أموال صاحبها، وإن كان المراد المستغل عينا ولم يكن المستغل من عروض التجارة، فأرى أن مثل هذا كان موجودا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان هناك مزارع، مزارع النخيل ومستغلة ولم تجب الزكاة في عين الأرض. هناك بيوت تدر دخلا وغلة ولم تجب الزكاة في عين البيوت المستغلة إن لم تكن من عروض التجار. ولهذا أنا أرى أن يدور الكلام والنقاش حول هاتين النقطتين، يعني غلة الأرض وريعها أو غلة العمارات والمصانع، فإن المصانع وما فيها من الأدوات والأرض وما فيها من أدوات الحرث تدر أموالا، فهذه الأموال نوجب فيها الزكاة بشروطها، وما أدوات الحرث ونفس أصل الأرض المستغلة ولا أعتقد هناك فرق بين أرض مستغلة وعمارة مستغلة، لذلك أنا أرى أو أضم رأيي مع من يرى أن الأعيان المستغلة إن لم تكن من عروض التجارة لا تجب فيها الزكاة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ على العصيمي:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.
ينطق بعض الإخوان باسم الزكاة فيقولون زكاة كما يقول البعض إذا نكروا حياة يقولون حياة، ونحن هنا في موضع عال وسام وكريم وينبغي أن نعرف كيف ننطق بهذا الاسم الذي هو ركن من أركان الإسلام، ولقد تشعب الحديث وطال وينبغي أن يختصر اختصارا سريعا. فالأمر فيه واضح وضوحا جليا والدليل فيه قائم من القرآن ومن السنة وأعمال ورأى بعض الصحابة، فالأمر هو أن المال المستغل أصله مال ولذلك يجب فيه الزكاة كما تجب في المال
…
والسلام.
الدكتور محمد شريف أحمد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أود أن أشكر في البدء الرئيس والأستاذ الأمين العام على إتاحة هذه الفرصة للتحدث في هذا الموضوع الذي سأسهم فيه بشكل موجز وسيكون دوري تعليقا وملاحظات بسيطة فقط.
أود أن أقول إننا في مجمع فقهي إسلامي والمفروض من هذا المجمع الفقهي وهو كذلك كما نلاحظه أنه يصدر عن رأي اجتهادي أصيل. والمفروض أيضا أن هذا الرأي يكون مؤسسا على دليل من كتاب أو سنة أو مصادر متفق عليها أو مختلف فيها. وقد نوقشت هذه المسألة وكما قيل قتلت أو أشبعت بحثا فيها. وكما أرى أن فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي قدم عرضا أصيلا يمكن أن نعتبره نموذجا لاجتهاد عالم معاصر يجب أن نجل رأيه ونحترمه كما نجل ونحترم آراء علمائنا من السلف الصالح. ولا يعني ذلك أنني أؤيده في رأيه تمام التأييد ولكني أؤيد نهجه الجرئ ونهجه العلمي الذي يضع اللمسات على موضع الداء، والحقيقة أن هذه المسألة كما تفضل الدكتور هي تتفرع عن قاعدة أساسية، بعد أن كان الموضوع ينزل إلى التفصيلات وبدأ البحث الآن يعود إلى تلخيص هذه المسائل، إلى الرجوع إلى الأفكار الأساسية. الفكر الأساسي الذي انطلق منه الدكتور الأستاذ القرضاوي: هو هل أن أحكام الله معللة بالأغراض، أو غير معللة؟ هو ذكر اسم العلة، وكما أعتقد والشخص موجود لا يجوز أن أتكلم باسمه ولم يكن يقصد بالعلة المعنى الاصطلاحي الأصولي. والحقيقة كما تعلمون وكما تفضل السادة الأفاضل تناولوا المصطلحات الأصولية: السبب، الشرط، المانع، العلة، لكن هذه المصطلحات لم تكن في يوم من الأيام عائقا لأي مجتهد تعوقه عن الاجتهاد، وإنما هذه مصطلحات فنيه اصولية تتبع الحكم وليست تسبق الحكم الاجتهادي، لذلك إذا أخذنا بالرأي القائل بأن الزكاة هي من الأحكام الشرعية التي يغلب فيها الجانب المالي وهو خاضع للتعليل فإن المنطق يدفعنا إلى أن نذهب وننحو منحى الأستاذ القرضاوي. أما إذا رأينا بأن الزكاة هي حكم شرعي ويغلب فيه الجانب التعبدي يكون من الصعب علينا أن نأخذ بغيره. والحقيقة أنا شخصيا لم أطلع تمام الإطلاع على بحثه القيم وعلى البحوث القيمة الأخرى، ولكن كما تعلمون أن كثيرا من المجتهدين ولا أعنى ولا أقصد بذلك أن أدخل في دائرة الاجتهاد وإنما أنا فيه طالب من طلاب العلم، ولكننا نقرأ كثيرا أن المجتهدين قد يتوصلون لعلة تنقدح في ذهن المجتهد أي هنالك إحساس لدى المجتهد في عدالة هذا الحكم. ولذلك إذا كان لي رأي فإن إحساسي يميل إلى الدكتور القرضاوي ولكن ديني الجانب الآخر ربما يميل إلى الرأي الذي عبر عنه بكل وضوح الأستاذ الجليل الشيخ عبد العزيز عيسى وهو الأوفق لمن يريد أن يلتزم بالجانب النصي تماما، وأنه الأوفق أيضا للمعنى الديني الملتزم الصارم فقط. ولكن إذا أردنا أن نسير إلى بعد اجتماعي في الدين فلابد أن نأخذ برأي الأستاذ الدكتور القرضاوي. وشكرا والسلام عليكم.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
وبهذا ينتهي ما سجلت من أسماء في مناقشة هذا الموضوع وقد كثرت النقاط الهامة واستغرقنا أربع ساعات في هذا الموضوع والآن إذا تكرمتم سوف أحضر ما جرى من المداولات وما جرى في النقاش وألخصه وأبين من خلاله ما اتجهت إليه أكثر الأنظار أو أكثر الأصوات
…
فمن كان منضما إلى هذا الرأي فذاك، ومن لم يكن منضما إلى هذا الرأي ربما يتأمل يحصل له الانضمام أو يحصل له التحفظ.
الشيخ عبد الله بن بيه:
كما يبدو أن بعض الإخوان يريدون لنا أن نبحث في فراغ، نحن لسنا جمعية سياسية تنقسم فيها الأصوات والأهواء، نحن كما قيل إن الناقد وإن كان بصيرا لكنه بسلوك الأثر جدير، نحن نفتى، نصدر فتوى وبذلك نترجم عن الله ورسوله. الفتوى هي ترجمة عن الله ورسوله كما يقول العلماء " إخبار الفتوى كمن يترجم والحكم إلزام " فما يترجم عن الله ورسوله لابد أن يرجع إلى كتبا لله وسنة رسوله. ينبغي أن نتأمل قليلا في كلمة قالها اليوم فضيلة الدكتور الحبيب ابن الخوجة نقلها عن إمام الحرمين: هناك المتقابلات، الأوامر والنواهي. هناك الناحية المحصورة والناحية غير المحصورة هل من كلمة تفيدنا كثيرا، الجهة المحصورة والجهة غير المحصورة. هل الجهة المحصورة هنا هي جهة الزكاة أو هي جهة غير محصورة. ما هي الجهة التي حصرها الشارع بمعنى أنها تحتاج إلى نص من الشارع لنأخذ فيها حكما. هل يجوز لنا إحداث حكم؟ أعتقد أن هذا الموضوع في غاية الأهمية والدعاوى ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء.
أنا لم أقل أبدأ إننا لا نقيس كما يحلو لجاري. وهذا من حسن الجوار أن ينسب إلى. أنا أقوال إن الأحكام تتلقف من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وإقراراته ومن القياس. القياس هو المصدر الرابع وأنا أقول بالقياس.إلا أن القياس إ ذا لم يكن على غير شيئ أو كان فاسدا فإنه ممنوع شرعا. فإن القياس الذي لا يستند إلى علة جامعة، والعلة الجامعة باختصار شديد هي العلة المؤثرة في الحكم والتي تدور معه وجودا وعدما. فإذا لم تدر العلة مع الحكم وجودًا وعدما فمعنى هذا أنها لا تصلح أن تكون علة وبالتالي لا تكون مؤثرة. هنا ليس أمامنا نص نستند إليه ونطمئن إليه وليس أمامنا قياس سليم نستند إليه ونرتكز إليه. أمامنا آراء، بعض الإخوان يقول أرى كذا وأنا قلت: أراني الله، معناه جعل الله هذا رأيي، وهذا قد يكون صحيحا لأني قلته هكذا وأنا قلت: أراني الله، معناه جعل الله هذا رأيي، وهذا قد يكون صحيحا لأني قلته هكذا فالبعض يقول شرط والبعض يقول سبب وليس شرطا ولا علة ولا سببا. الشرط إذا كان شرط وجوب فإن المكلف يجب عليه أن يقوم به كالوضوء للصلاة، والنماء لا يجب على أحد أن يقوم به. النماء أيضا قد يتخلف وتوجد الماهية دونه والشرط إذا تخلف لا توجد الماهية دونه ولا تصح. المال الموضوع إذا لم ينم بشيء فإن الزكاة تجب فيه عندما يحول الحول. إذن هذا ينفى الشرطية وينفى العلية. ولقد قلت إنه إذا كان لنا أن نصف النماء بوصف فيجوز أن نصفه بأنه دليل على العلة وليس علة. وأن يكون القياس قياس دلالة لمن يقول بوجود قياس دلالة، كالشدة دليل على الإسكار، الإسكار هو العلة في الحرمة والشدة دليل على الإسكار. إذن النماء دليل يستروح منه وحكمة وليس شرطا من الشروط. يجب أن يكون هذا واضحا. الزكاة هي الفريضة الثانية بعد الصلاة {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} فليس من المعقول مطلقا أن تكون أحكام كهذه الفريضة الثانية ليست مذكورة عن السلف خصوصا وأن السلف تكلموا عن باب كراء الدور والأرضين، في المدونة مثلا، تكلموا كثيرا عن الكراء وعن الإيجار ولم يتكلم أحد منهم عن الزكاة في هذا إلا القليل النزر ولم أستوعب والحق يقال، لم أقرأ، قرأت قليلا جدا ولكن أرى من واجبي أن أنبه إلى هذه المسألة وأن أدعو الإخوان إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة وإلى التحاكم إلى القياس السليم بشروطه المعتادة والمعتبرة. وأضم صوتي إلى ما قاله الشيخ عبد اللطيف، أعجبني كثيرا ما قاله ويجب أن نحرر موضوع ومواضيع النزاع لنهتدي إلي شيء، وأشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
شكرا ويتفضل الشيخ يوسف مع رجاء الاختصار.
الشيخ يوسف القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
الشكر لله أولا ثم لفضيلة رئيس الجلسة وللإخوة. وفي القرآن العظيم {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} ، الشكر للإخوة جميعا الذين خالفوني والذين وافقوني ولا أتوقع أن يتفق على أمر اجتهادي كهذا. فالأمور الاجتهادية بطبيعتها لابد أن يختلف فيها. ولا أدعى أن رأيي هو الصواب بل أقصى ما أقوله ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
أقصى ما يقوله إنسان يجتهد ولا أدعى أنى من المجتهدين، إنما الاجتهاد الجزئي قال به أغلب الأصوليين أن يجتهد الإنسان في مسألة أو موضوع فهذا لا يمانع فيه أحد. وأعتقد أن مهمة مجمعنا هذا هو الاجتهاد الجزئي على الأقل في المسائل التي تعرض عليه سواء كان الاجتهاد هذا اجتهادا ترجيحيا انتقائيا أم اجتهادًا إبداعيا إنشائيا. ففي المسائل التي عرفها السابقون يكون اجتهادنا انتقائيا وفي المسائل الجديدة جدة مطلقة يكون اجتهادنا إنشائيا. وأنا أرى أن اجتهادنا هنا هو من النوع الانتقائي لأن المسألة قد قيلت فيها أقوال كما ذكرت في المذاهب المختلفة وإن لم يكن ذلك هو المفتى به. لأن الشيخ عبد الله ينكر أن يكون للسلف فيها رأي، مع أن الشيخ زروق ذكر في شرح الرسالة رأيا عن بعض المالكية أن يكون في غلة هذه الأشياء، صحيح ليس هو الرأي المشهور، وليس هو الرأي المفتى به، ولكن كم من آراء كانت مهجورة ثم شهرت وكم من آراء كانت ميتة مقبورة ثم حييت، كم من آراء، ولذلك اختلفت التصحيحات والترجيحات في المذاهب المختلفة على طوال العصور، ثم إنه من المقرر أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف، لماذا تتغير الفتوى، ليس الحكم الشرعي، أي أن هناك أشياء تجد تجعل المجتهد بغير رأيه حتى أن بعض الأئمة غيروا آراءهم في حياتهم، رويت عن الإمام مالك روايات عديدة في المسألة الواحدة، والإمام أبو حنيفة رجع عن بعض أشياء حتى قبيل موته بأيام، وخالفه أصحابه في نحو ثلث المذهب وكثيرا ما قال الحنفية في اختلاف أبي يوسف ومحمد عن شيخهما، هذا اختلاف عصر وأوان وليس اختلاف حجة وبرهان. فإذا كان هذا في وقت قريب مثل وقت الصاحبين مع شيخهما، فكيف والوقت بيننا وبين الأئمة المجتهدين وبين عصور الاجتهاد وقت طويل والحياة لم تعد رتيبة كما كانت، ولكن تغيرت.
الإخوة يقولون: إن مسألة الكراء كانت موجودة من قديم، كانت قديمة، ولكن لم تكن بهذا الحجم ولم تكن بهذا القدر الذي هو موجود الآن. نحن إلى عهد قريب لم يكن أحد يسكن دارا بالكراء. الآن بعد حركة الحياة وتنقل الناس وعمل الناس في غير بلادهم وفي غير مواطنهم أصبح لابد من الكراء، فانتشرت هذه الأشياء، وأنا لم أتكلم فقط عن مسألة العمارات السكنية هناك العمارات السكنية، هناك الفنادق، هناك المطابع، هناك السفن والبواخر والطائرات وسيارات النقل وسيارات التاكسي والمصانع بكل أنواعها، تقول كما أشار أخونا الدكتور حسن الأمين قد تكون ثلث ثروة الأمة، نصفها أكثر أقل، يعني أموالا كبيرة، هل الشريعة سكتت عن هذا؟ بعض الإخوة يزعمون أن الشريعة قالت قولا وأننا نجيء باجتهاد نخالف مثل هذا القول، لو كان ذلك لكان الاجتهاد باطلا من أوله، لأنه لا اجتهاد مع النص، إذا كان نصا صحيح الثبوت صريح الدلالة فلا معنى للاجتهاد، إنما هذه الأمور التي لم يجيء نص فيها، كل ما في الأمر، يقال كانت هذه موجودة ولابد أن يكون للشريعة فيها، ولكن لم يصلنا شيء وقد حدث أن الأئمة اجتهدوا في أشياء لم ينص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، كما رأينا سيدنا عمر رضي الله عنه كما جاء في قضية يعلى بن أمية والخائن ابن أمية والخيل وقال: أنأخذ من كل خمس إبل زكاة ولا نأخذ في مثل هذه الخيل شيئا وعلى هذا أخذ الإمام أبو حنيفة وأوجب الزكاة في الخيل إذا كانت للنماء، في مسألة- أيضا- الصدقة أو الزكاة في الخضروات والفواكه وهذه الأشياء قالوا أيضا على الحنفية أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأخذ منها وقالوا لم يأخذ منها لأنه تركها للناس، أو غير ذلك، فكم من أشياء قال بها الفقهاء لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منها ولكنهم طبقوا القواعد العامة والنصوص المطلقة، طبقوا عموم النصوص وإطلاقها وأخذوا من أشياء لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك أنا حينما استندت في اجتهادي هذا استندت إلى أشياء أساسية، للأسف أن البعض ذكر أشياء وترك أشياء، أنا استندت إلى أشياء أساسية، لا تنقض إلا بنقض جميع أدلتها. أنا استندت إلى عموم النصوص وإطلاقها، وذكرت كلمة ابن العربي وللأسف بعض الإخوة المالكية لكي ينقض كلامي نقص من ابن العربي، نقص من قدره وقال: هذا ينقصه التدقيق، ابن العربي الذي كان قمة في عصره وقد وصلنا من كتبه القليل وهي تدل على أنه كان مجتهدا رغم أنه كان رأس المالكية في عصره وهو صاحب كتاب " أنوار الفجر" الذي قالوا إنه كان ثمانين مجلدا وضاع فيما ضاع من تراثنا، على كل حال ذكرت عموم النصوص وإطلاقها، ذكرت مسألة القياس ومسألة التعليل، وهنا أقف في هذه الناحية لأنها مسألة تتعلق بالأصول. كثيرون من الإخوة يقولون إن الزكاة عبادة والعبادات لا تعلل ولا يدخلها القياس. وأنا قلت: إن الزكاة ليست عبادة محضة لأنها عبادة من جانب وحق مالي من جانب. ولذلك قالوا إنه ينظر إليها كما ينظر إلى النفقات والغرامات فأوجبوها في مال الصبي والمجنون وهذا رأي الجمهور وإن خالف في هذا الحنفية، والحنفية نظروا إليها على أنها حق مالي فأوجبوا فيها القيمة. فكون حق مالي وذكر ذلك ابن القيم في " أعلام الموقعين" أن فيها الأمرين معا، الأمر التعبدي والأمر أنها حق من الحقوق المالية، فيجب أن ننظر إليها من هذا الأمر وعلى هذا يمكن أن يدخل فيها التعليل ويدخل فيها القياس، هنا مسألة العلة والشرط، أشار أخونا الدكتور عبد الستار أبو غدة إلى أن النماء شرط وليس علة. لعل في كلامي نقصا من الدقة المطلوبة. لأن الكلام هو أن العلة هي المال
النامي أو النصاب النامي وليس مجرد النماء هكذا التعبير. لكنني خانني التعبير أو لم أدقق فيه، إنما هو المال النامي أي المال الذي تحقق فيه شرط النماء أو النصاب الذي تحقق فيه شرط النماء، هذا هو العلة، المال مع النماء، هذه علة، وعلة أصولية أيضا ليس علة بالمعنى العام كما قال أخونا الدكتور شريف. فهذه علة فيمكن أن نقول إنها علة مؤثرة وتدور مع المعلول وجودا وعدما، وهي غير الحكمة، أنا ذكرت أيضا من الحكم التي ينبغي أن تلحظ وهي حكمة التطهير والتزكية وهي منصوص عليها في القرآن {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وعلة المواساة التي ذكرها الأخ الشيخ البسام هذه أيضا علة الإسهام في حماية دين الإسلام ودولته في سبيل الله والدفاع عنه. كل هذه من الحكم المذكورة وينبغي أن تراعى. فمسألة العلة واردة، مسألة أن النماء أشار هنا الشيخ تقي عثماني أن النماء ينبغي أن يكون من جنس المال وإلا لا يعتبر نماء. لا أدري من أين جاء بهذا، مع أنه ليس من الضروري. لأن الأرض شيء ونماؤها شيء آخر الأرض جماد ونماؤها نبات، التجارة هي عروض ونماؤها نقود. فليس من الضروري ولم أجد من قال هذا. فمسألة المال النامي هذه هي العلة في نظري والنماء متحقق تحقيقا أو تقديرا، نماء بالقوة أو نماء بالفعل.
ثم في مسألة القياس، القياس هو في الزكاة وارد وفي العبادات ومن استقرأ الكتب الفقهية في جميع المذاهب يجد أن القياس دخله، ليس هذا فيما يسمونه مدرسة أهل الرأي، ومدرسة الرأي ومدرسة الأثر، المدرستان كلاهما، المذهب الحنبلي. في الصيام ألا يقيسوا على مسألة الاستنشاق في حديث ((إذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائما)) وقالوا إن الماء إذا دخل من الأنف وقاسوا عليه إذا دخل من غير الأنف، من أي منفذ آخر. موجود هذا في الصيام وفي غيره كما أشار أخونا الشيخ الخليلي من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، تدل على أن للقياس مدخلا وقياس الشبيه بالشبيه، والنظير بالنظير حتى في العبادات. وفي الزكاة نفسها هي فيها كثير جدا من أمور القياس وهذا أمر أساسي لأن الاعتماد في موضوعنا على القياس، وأعتقد أن الموجدين هنا ليسوا من الظاهرية، لأننا نؤمن بتعليل الأحكام، وحتى الذين ينكرون تعليل أفعال الله سبحانه وتعالى من الأشاعرة وغيرهم يعللون الأحكام، هذا أمر معروف وجميع الفقهاء يعللون الأحكام ويبنون عليها أقيستهم فأنا أذكر بعض الأشياء التي جاء فيها القياس، مثلًا عمر رضي الله عنه أمر بأخذ الزكاة من الخيل لما بين له أن فيها ما يبلغ قيمتها مبلغًا عظيمًا من المال وتبعه في ذلك أبو حنيفة، ما دامت سائمة واتخذت للنماء والاستيلاد، أحمد أوجب الزكاة في العسل كما قال ابن القيم لما رود فيه من الأثر وقياسًا على الزرع والثمر وأوجب الزكاة في كل معدن قياسًا على الذهب والفضة. الزهري والحسن وأبو يوسف أوجبوا فيما يستخرج من البحر من لؤلؤ وعنبر ونحوهما الخمس قياسًا على الركاز والمعادن كل مذهب من المذاهب أدخل القياس فى أحكام عدة ، كقياس الشافعية غالب قوت البلد أو غالب قوت الشخص على ما جاء به الحديث في الفطر من تمر أو الزبيب أو غيره وقياسهم كل ما يقتات على الأقوات الأربعة المذكورة فى بعض الأحاديث، والإمام الشافعي ذكر أن الذهب لم يجئ فيه حديث وقال ربما جاء فيه حديث لم يبلغنا أو هو قياس على ما جاء في الفضة، ويستبعد أن يكون هناك حديث في عصر الشافعي في الذهب لم يبلغه ولم يعرفه. وعلى كل حال القياس في جميع المذاهب في أمور الزكاة قائم ولا ينكر، يعني في هذا الأمر. وعلى هذا أقول: أخونا الدكتور علي يقول القياس لا يمكن أن يدخل في الزكاة وذكر مسألة الغنم وأربعين من الغنم ومائة من الغنم وكأنه يؤيد ابن حزم، لأن ابن حزم ذكر هذا أيضًا في نفيه للقياس وإبطاله للقياس وذكر عشرات غير هذا لأنه يرى أن الشريعة تفرق بين المتساوين وتجمع بين المختلفين، وذكر في هذا مئات الأمثلة مما رد عليه ابن القيم في كتابه "أعلام الموقعين"، ولكن لا أظن أن أحدًا يقول بهذا، وأنا عللت مسألة الغنم هذه في الكتاب ولا يتسع الوقت أن أرجع. مسألة القياس مع الفارق أن أهم فارق في الموضوع هو أن الأرض باقية بقاء نسبيًا أيضًا، والمصانع والعمارات وهذه الأشياء غير باقية، وأنا لكي أبطل هذا الفارق قلنا أن يحسب مسألة الاستهلاك، ومع هذا قد يقول قائل إن الأرض نفسها غير باقية لأن الأرض إذا لم تسمد دائمًا ويبذل فيها جهد ممكن أن تموت مع الزمن وتصبح أرضًا غير صالحة. وكما أشار أخونا الدكتور إبراهيم الغويل ممكن عوامل التصحر.
مفيش شيء في الكون اسمه غير مستهلك. فالأرض نفسها تحتاج إلى جهد حتى تصلح للإنبات، في الحقيقة أنا لا أرد على كل جزئية لأن فيه جزئيات كثيرة ولكن هناك البعض يقولون إن العمارات هذه هي عبارة عن أشياء يشتغل فيها عمال ويشتغل فيها ناس وأفادت المجتمع، طيب بهذا المنطق نفسه نقول هذا عن التجارة وعن الأشياء الأخرى، هي نتيجة عمل من الناس وبعض الناس أيضًا في عصرنا ممن يتبنون رأي ابن حزم في إسقاط زكاة التجارة. صحيح الإمامية لا يقولون بوجوب زكاة التجارة ولكنهم يوجبون بما هو أكثر الخمس، عشرين في المائة وليس 2.5 %، عشرين في المائة من صافي الدخل. فيه بعض الناس يأخذون بقول ابن حزم ويعللون ذلك بأن هذه الأموال تعمل ويشتغل فيها الناس، فالمهم أن المال يعمل، المهم أن المال يعمل وأن أطهر نفسي من رجس الشح والأنانية وأطهر هذا المال حقًا {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} وأساهم وأواسي المجتمع وأساهم في سبيل الله إلى آخره فكل هذه مطلوبة. فيه أشياء بعضهم أشار إلى الإجحاف. قد يكون هناك صاحب حانوت صغير أو واحد يأكل من كراء داره، أنا لم أوجب في كل هذا ولو حررنا موضع النزاع كما قال أخونا الأستاذ الدكتور العبادي، أنا لم أقل إلا فيما كان له، ما كان فيه دخل، أولًا طبعًا أنا ذكرت الآراء التي توجب في عين هذه الأشياء وتراها كأنها عين تجارية، مثل رأي ابن عقيلي الحنبلي ومثل رأي الهادوية وغيرهم، ولكني لم أتبن هذا الرأي، أنا تبنيت الرأي الذي يقول إن الزكاة في الدخل في الإيراد في العائد في الغلة، سمها ما تسميها. ولذلك لا يعترض علي بما قاله الأخ الدكتور السالوس وكثير من الإخوة إن هذا المستغل قد لا ينتفع به، قد يبني عمارة ولا يؤجرها ولا يسكنها أحد. هذا أنا لا أوجب فيه شيئًا وهذه نقطة خلافية جوهرية بيني وبين من يوجبون الزكاة في عين هذه الأشياء، ويعتبروها كعروض التجارة. أنا أقول تجب الزكاة في الغلة، في الإيراد، إذا بلغ نصابًا بعد أن يكون ذلك فاضلًا عن حوائجه الأصلية بتعبير الفقهاء وبخاصة فقهاء الحنفية، إذا كان فاضلًا عن حوائجه الأصلية هي ما يعبرون عنه في عصرنا الحد الأدنى للمعيشة، وهذه، وأنا قلت استحسانًا: ممكن أن نجعله الثلث، إنما هذا ليس مهمًا. كثير من الإخوة يقولون إن الزكاة لم تعد كافية في عصرنا لماذا؟ لأن وعاء الزكاة ضيقناه جدًا، مع أنه أساس التكافل الاجتماعي وجوهر العدالة الاجتماعية في الإسلام، الزكاة أولًا، لماذا ركنًا من أركان الإسلام؟ تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.
لماذا نأخذ من بعض الأغنياء ونترك بعض الأغنياء ونأخذ من الغني الضعيف الذي يملك الحد الأدنى الذي هو النصاب ومن يملك الأنصبة الكثيرة والملايين لا يؤخذ منه شيء! يقول بعض الإخوة إننا يمكن أن نفرض حقًا في المال. أنا ممن يقولون بوجوب حق وكتبت بابًا كبيرًا عريضًا في فقه الزكاة كهذا، ولكن بعد أن نستوفي الزكاة ونقيم المساواة والعدالة بين الناس حتى لا يعترض علينا معترض. وإخواننا يقولون يقول الشيوعيون ما يقولون، بلاش شيوعية ولا غيره، إنما فعلًا أنا أريد، أنا أنطلق من غيرتي على الشريعة، إن هذه الشريعة شريعة عادلة وتسوي بين الناس في الحقوق والواجبات ولا تحابي أحدًا على أحد، فيجب أن تكون الشريعة منطقية والفقه منطقيًا. هذا انطلاقي من هذه الناحية، فأيها الإخوة أنا اجتهدت، واجتهادي من منطلق الحرص على هذه الشريعة والحرص على هذا الدين. وما قيل من أننا يجب أن نقوي الإيمان ونحو ذلك، أنا مع هذا أنا عملي الأول داعية قبل أن أكون فقيهًا. ونحن نحب أن ندعم الإيمان ونثبته ونقويه ونبني الأجيال عليه، ولكن هذا شيء ووضع نظام شيء آخر. والإسلام يمتاز بأنه يسير فيه الأمران معًا، الإيمان والسلطان، أو القرآن والسلطان، وكما قال الخليفة الثالث "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" فلا بد من هذين الأمرين معًا وإذا لم يكن الإيمان قويًا كما نرى في كثير من الناس فلا بد من السلطان.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لي إذا كنت قد أخطأت وأن يثيبني وإياكم وأن لا يحرمني أجر المخطئ أيضًا، إنه سميع قريب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.. شكرًا لفضيلة الشيخ، شكرًا لجميع المشايخ الأعضاء والباحثين والخبراء. ومن خلال هذه المداولات فإنه تحرر لدينا ما يلي:
أولًا: أنه ليس من خلاف يؤثر في الزكاة في أصل المستغلات والمأجورات.
ثانيًا: أن الذي اتجهت إليه أكثر الأنظار وهو مذهب الإمام مالك كما في موطئه.
ورواية الإمام أحمد كما في كتاب الروايتين للقاضي أبي يعلي وذكرها صاحب المغني وغيرهم من الفقهاء على أن الزكاة تكون في الغلة.
- إذن فكونه لا زكاة في أصل المستغلات والمأجورات هذا كشيء مسلم به في أنظار الكثرة إن لم يكن الجميع.
- أن الزكاة تكون في الغلة.
بقي بعد هذا أمران: أنظار المشايخ أصحاب الفضيلة الأعضاء العاملين حسب التقييدات على أن الزكاة في اللغة تكون ربع العشر من القبض ويبدأ حولان الحول من القبض لا من أصل العقد. ورأى الشيخ يوسف ومن أيده من بعض الإخوة على أن يكون هو العشر مع بعض التقييدات التي ذكرها الشيخ في بحثه ولم يفصح عنها في ملخصة لذلك البحث، ولهذا فإني أرجو من لجنة الصياغة: فضيلة الشيخ السلامي وفضيلة الشيخ طه جابر صياغة القرار بالأكثرية على ما يلي:
أولًا: أنه ليس من خلاف يؤثر في الزكاة في أصل المستغلات والمأجورات.
ثانيًا: أن الزكاة تكون في الغلة بعد حولان الحول من تاريخ قبضها وتكون ربع العشر.
وبهذا انتهت الجلسة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم 2
بشأن
زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني من 10 – 16 ربيع الثاني 1406هـ/ 22 – 28 ديسمبر 1985م.
بعد أن استمع المجلس لما أعد من دراسات في موضوع "زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية".
وبعد أن ناقش الموضوع مناقشة وافية ومعمقة، تبين:
أولًا: أنه لم يؤثر نص واضح يوجب الزكاة في العقارات والأراضي المأجورة.
ثانيًا: أنه لم يؤثر نص كذلك يوجب الزكاة الفورية في غلة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية.
ولذلك قرر:
أولًا: أن الزكاة غير واجبة في أصول العقارات والأراضي المأجورة.
ثانيًا: أن الزكاة تجب في الغلة وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم القبض مع اعتبار توفر شروط الزكاة، وانتفاء الموانع.
والله أعلم
أطفال الأنابيب
فضيلة الشيخ عبد الله البسام
وبعد: فهذه مقدمة أمام البحث استقيتها من كلام علماء العصر الذين أدركوا الاكتشافات العلمية الحديثة في الطب والرياضة والفلك وطبقات الأرض وأغوار البحار والفضاء وغيرها وصار لهم حظ وافر وإدراك واسع وفكر حر في العلوم الدينية التي أولها التفقه بكتاب الله تعالى حتى استطاعوا أن يطبقوا ثمرات العلم الحديثة على ما تشير إليه الآيات الكريمة ليظهر إعجاز القرآن الكريم ويتحقق بيقين أنه تنزل من لدن حكيم خبير وأنه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
فقد كان المعروف في العصور الغابرة والأديان السابقة أن العلم والدين لا ينسجمان بل بينهما حرب عوان شهدتها القرون الوسطى بين رجال العلم والبحث وبين رجال الكنائس، فهؤلاء رأوا الدين أسطورة من الأساطير وطقوسًا شلت حركة العلم وحدت من حريته وصارت أمرًا لا استفادة منه.
أما رجال الكنيسة فقد اعتبروا هذه العلوم الكونية والطبيعية ضلالة وإلحادًا واستغلوا الدين لتجميد العلم وإخضاعه وحصره بما سطر في كتب القدامى التي أكتسبها طول الزمان قداسة وحرمة وجعلوا في معرفة القوى الكونية الخفية بابًا من أبواب السحر وخدمة تقدمها الشياطين لإخوانهم من الإنس.
ولذا فروا رجال العلم وحاكموهم وعذبوهم ثم استتابوهم هذا والعلم في ازدياد ولم يقف أمام هذا الظلم والجور فلم يمض زمن طويل حتى عادت الكرة للعلم وأخذ في التطور والظهور.
أما الدين فأخذ في الانكماش والضمور، فثار العلم ثورة حطم فيها أبواب السجون وانتقم من الدين وتنكر له وتجاهل دوره واعتبره سدًا يمنع التقدم وقيدًا يحد من الانطلاق.
وهذا العداء بين الدين والعلم والصراع بين رجال الدين ورجال العلم إذا وجد بين العلم وجوهر تلك الأديان فإنه لا يوجد –إطلاقًا- بين جوهر الإسلام وحقيقته وبين العلم.
ذلك أن كتاب الإسلام وهو –القرآن- وجه الأنظار إلى الكون وما فيه من عجيب الصنع وبديع التركيب.
كما أنه عرض لكثير من الحقائق الكونية بأسلوبه الإشاري وطريقته الرمزية التي تومض في العقل بنور روحي باهر إلا أنها كانت خفية كامنة أثناء طفولة العلم وعدم تحديد قوانين الكون، فلم يدرك معناها ولم يفهم حقائقها وأسرارها وقت نزولها إلا أنه جل وعلا عليم بما سيكشفه المستقبل لبيان هذه الآيات ومصداق ذلك قوله تعالى:
وقد أدرك الناس مكانة العلم في القرآن الذي هو دستور الإسلام.
ولذا فإنه من الخطأ أن يتوهم أحد أن العلم هوما أتانا به الغرب إذ الحقيقة أن إشاراته وإيماءاته العملية نزلت مع نزوله منذ أربعة عشر قرنًا وحقائق القرآن لم تتغير ولم تتطور في ذاتها وإنما الذي تغير وتطور العقل البشري الذي لما تطور فكره واستنار عقله وتوسعت مداركه وجد القرآن على حقيقته الأصيلة الخالدة كنزًا من كنوز المعرفة ومعجزة تدعو إلى الإيمان به وتصديقه وأنه ليس من صنع البشر وإنما أكملت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
وبهذا يثبت لدينا أن العلوم الطبيعية الحديثة منسجمة تمام الانسجام مع القرآن الكريم وأنه دعا إلى النظر في العلوم وتعلمها والأخذ بها ليكون المتثقف المسلم والعالم المسلم صاحب إلمام واطلاع على معطيات العلم الحديث لأن بعد رجال الدين عن هذه العلوم شجع على انتشار الإلحاد بين أفراد شباب المسلمين المثقف.
إذ لا يمكن للعالم المسلم أن يوجه الشباب المسلم ما لم يكن مطلعًا على هذه العلوم ليخاطب الشباب بلغة العلم وبين الموافقة والانسجام بين نصوص الإسلام الشريفة وبين الحقائق العلمية التي أثبتها البحث والتجارب فيحفظ للشباب المسلم دينه ويمسكه عن الزيغ والإلحاد.
ثم إن المثقف المسلم إذا حاز العلوم الدينية، ومبادئ العلوم الطبيعية استطاع أن يثبت أمام أعداء الإسلام الذين يحاربون الدين باسم العلم أن هذا الدين قائم على العلم وأن آيات القرآن وتعاليمه تنسجم تمام الانسجام مع معطيات العلم الحديث في أصح مباحثه وأدقها ليتأكد أمام العالم (مسلمه وكافره) أن العلم الذي دعا القرآن إلى طلبه لم يكن العلوم الدينية فحسب إنما دعا إليها وإلى العلوم الطبيعية أيضًا.
وإننا لن نتطرق في بحثنا هذا إلا إلى النصوص الكريمة التي جاءت في –خلق الإنسان- فلأنها هي المبدأ لبحثنا والطريق إلى الوصول إليه.
وقال تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}
وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ}
وقال تبارك وتعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ}
فهذه طائفة من الآيات الكريمة مما يتعلق ببابنا
وأما الأحاديث الشريفة فمنها ما جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصادق المصدوق فقال: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح)) .
كما جاء في الصحيحين أيضًا عن أم سلمة رضي الله عنها أن أم سليم قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟
قال: نعم، فقالت أم سلمة: وهل تحتلم المرأة؟
قال صلى الله عليه وسلم ((تربت يداك، فيم يشبهها ولدها؟))
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله أن يخلق شيئًا لم يمنعه شيء)) .
يقول علماء الطبيعة: الخلية آجرة الحياة فأي جسم ما هو إلا مجموع الخلايا، وهذه الواحدة من الخلايا كانت مجهولة إلا في العصور الأخيرة وبالذات أن أول من أدرك انقسام الجسم إلى خلايا هو (روبرت هوك) بأداته المكبرة، وذلك في عام 1660م، إلا أن القرآن الكريم قد ذكر هذه الخلية قبل الاكتشاف هذا بقرون فقال تعالى:{وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}
فقد كان الاعتقاد السائد أن الذرة هي أصغر شيء وأنه لا شيء أصغر منها حجمًا ووزنًا ولكن العلم أثبت أن الذرة تلك الشيء الضئيل الذي لا تراه العين مادة قابلة للتجزئة.
وهذا ما نطق به القرآن قبل الكشوف العلمية الحديثة التي توصل إليها الإنسان في القرن العشرين.
والذي يهمنا في هذا البحث هو:
الخلية الإنسانية:
فها هي الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تشير إليها تلك النصوص التي نزلت في بلاد صحراوية قاحلة من العلم والمعرفة وعلى رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب لتحقق بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا الدين وهذا الكتاب إنما جاء من حكيم خبير عالم للغيب والشهادة وليس من عند محمد وإنما محمد صلى الله عليه وسلم مبلغ ما أنزل إليه من ربه.
تلك (الخلية الإنسانية) التي توصل العم عن طريق الدراسات المجهرية إلى اكتشافها وهي إما خلية مذكرة وهي: (الحيوانات المنوية) أو خلية مؤنثة وهي (البيضة) فالحيوان المنوي موجود في ماء الرجل الذي أشار إليه القرآن الكريم:
يلتقي أثناء العملية الجنسية بماء المرأة ليتكون من المائين نطفة أمشاج المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} فالأمشاج هي الأخلاط فحيوان الرجل –خلية ذكرية- وبيضة المرأة –خلية أنثوية- فإذاتحدا دخلا في مرحلة التكوين ثم يبدأ انقسام خلايا (البيضة) إلى عدد كبير من الخلايا وتأخذ هذه الخلايا بعد ذلك دورها في التمايز والتخصص حسب أنواعه ووظائفه.
قال الدكتور صادق العظم: والخلية الإنسانية معجزة إلهية لا تعليل لها سوى قدرته المطلقة على الخلق.
قال محرره: إن هذا المبدأ هو الذي يتفق مع العقل والمنطق فإن العقل البشري محدود والاكتشافات العلمية التي تطالعنا كل يوم بجديد تدل على قصور العقل ومحدوديته كما أنه يوافق النصوص الدينية الكريمة في مثل:
{وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلَاّ قَلِيلًا} ، وقوله تعالى {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} ، وقوله تعالى {وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}
أما كبرياء رجال الغرب وغرورهم من رفضهم العلل الغائبة والنظرة الغائبة واعتبارها من خيال الإنسان وتفكيره الأسطوري إن اعتبار النظر الغائب يعيق تقدم العلم وتفسيراته للظواهر الطبيعية.
هذا المبدأ الغربي يعتمد على أمور.
أولها: الإلحاد في الرب المكون لهذه الأشياء والذي يقول للشيء كن فيكون والذي أحاط بكل شيء علمًا والذي يقول عن نفسه تعالى: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا}
ثانيًا: النظرة المادية البحتة التي تبنى عليها البحوث والتجارب وعدم اعتبار مؤثر سوى الطبيعة التي يشاهدونها.
ثالثا: اسمح لنفسي بأن أقول إن هذا قصور في النظر وعدم إحاطة في حقائق الأشياء وظواهرها وإلا فهل يمكن أن يكون هذا النظام الكوني وليد الصدفة أو من أثر الطبيعة، ولا يكون وراء هذا الكون العظيم والنظام البديع خالق مدبر أحاط بكل شيء علمًا ووسع كل شيء حكمة، ولذا فإن العلماء المنصفين والذين لم يسيطر على عقولهم الغرور صرحوا بأن العلم يدعو للإيمان وأنه كلما ازداد علم الإنسان بالكون وطبائعه كلما ازداد إيمانه ورسخ يقينه.
واستشهد منهم بقول الأستاذ (يوسف مروه) وهو من علماء الكيمياء والفيزياء المتخصصين.
قال: وإنني كعالم فيزياء استطاع أن يجمع إلى جانب ثقافته العلمية ثقافة دينية لا بأس بها أستطيع القول بعد غربة أكثر من عشر سنين قضيتها في معاهد الغرب ومؤسساته أنني عدت إلى وطني – بيروت - وأنا من أشد المؤمنين بالله وملائكته وأنبيائه وأحداث القصص القرآني.
وإيماني ليس عاطفة هوجاء بل يرتكز على معطيات العلم الحديث في أدق مباحثه من ذرة وفضاء ونسبية، وأرى في الآيات القرآنية ما يؤثر ويدعم مواضيع العلم الحديث، وإني كلما فهمت قانونًا من هذه القوانين كلما ازددت إيمانًا بقدرة الله وعظمته وحمدته ووقرته فالإنسان لم يصنع قوانين الطبيعة بأنواعها، إن العلماء لم يفعلوا أكثر من كشف الغطاء عن هذه الأنظمة الإلهية ومحاولة فهمها وتفسيرها واستعمالها، وهذه القوانين قائمة سواء كان الإنسان موجودًا أو معدومًا فهي قد وجدت منذ خلق الكون) اهـ.
ونعود إلى النطفة التي تركنا البحث وهي (نطفة الأمشاج التي تكونت من ماء الرجل وهو –الحوين- الذي قدر له من بين ملايين الحيوانات السابحة في الماء المهين فينفذ بقدرة الله تعالى إلى (بويضة) المرأة التي تترقبه لينفذ فيها فيلقحها وبعد التلاقي والتلقيح تنتقل إلى ما وصفه الله تعالى بأدق وصف وأحكمه فقال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} فالقرار المكين هو رحم المرأة ذلك الوعاء المحروس من جميع جوانبه بوضعه في الحوض الحقيقي لهيكل المرأة الذي يحمي الرحم من أي عدوان خارجي بما جعل في الحوض من عظام مشدود بعضها إلى بعض ومحكمة إحكامًا دقيقًا، ثم إن الرحم موثق بأربطة مختلفة تمسكه من التموج والاضطراب فيبقى الجنين في هذا القرار المكين إلى قدر معلوم ينمو بنموه وعاؤه، حتى يأتي القدر الذي قدره الله تعالى لخروج هذا الجنين ليخرج إلى أول دور من أدوار الحياة وهي الطفولة، وهذا هوالتلاقح الطبيعي بين الرجل والمرأة في النظام الرباني في –خلق الإنسان- وهو النظام السائد الذي جعله الله طريقًا طبيعيًا في التناسل.
التلقيح الطبيعي:
هذا هو الأصل الذي جعل الله تبارك وتعالى بحكمة الطريق الأصلي للإنجاب والتناسل وبقاء النوع البشري والحيواني والنباتي.
وكما أنه الأصل شرعًا وقدرًا فإنه الأفضل حالًا ومآلا.
وله من الفوائد والمنافع ما يفوت العد والحصر ولكننا نشير هنا إلى بعض ما استقدمناه من المطالعات العامة في كتب الطب وكتب علم النفس وكتب الفقه في العشرة الزوجية:
أولًا: إن الجماع هو من المقاصد الرئيسية في الزواج لما فيه المتعة واللذة التي أوجدها الله تعالى في الصنفين من الرجال والنساء، ولما فيها من تحصين الفرج وحفظه عن الوقوع في الفواحش، وغض البصر وصون الجوارح عن المحرم فإن لكل حاسة وعضو زنا ويصدق ذلك أو يكذبه الفرج، ولما فيه من العشرة الشرعية بين الزوجين.
الثاني: أن الحالة الجنسية بين الزوجين هي الطريق الطبيعي التي هيأها الله تعالى وهدى خلقه إليها للتناسل والتوالد وبقاء النوع وعمار الكون وصنع الله الذي أتقن كل شيء هو الذي يجب استعماله وترويجه وهو مقتضى الشريعة البشرية والرغبة الإنسانية المحببة وما حاد عنها فإنه معاكس لتلك الطبيعة فلا يحقق الرغبات والطلبات النفسية والغرائز الطبيعية.
الثالث: أن الوقاع بين الزوجين بالحالة الجنسية الطبيعية أستر وأصون للزوج ولا شك أن كشف العورة لغير الزوجين أمر تحرمه الشريعة وتنهى عنه وتمقت عليه وتنفر منه الطباع الشريفة.
الرابع: إن الله تبارك وتعالى شدد في حفظ النسب ولعن من انتسب إلى غير أبيه وهي أن يسقي الرجل بمائه زرع غيره.
ولاشك أن الإنجاب من الوقاع الطبيعي بين الزوجين أمر مضمون العاقبة وسليم النتيجة لصحة النسب بخلاف التلقيح الصناعي فمهما عمل له من الاحتياطات فإن الشكوك تكتنفه وتحوم حوله.
الخامس: تقدمت الإشارة إلى أن الجماع هو من المقاصد الرئيسية في النكاح وأنه من أهم مقاصده، وأن العشرة الزوجية شرعًا لا تتم إلا به، وأن الشارع حدد للمولى حدًا فيه إما أن يفيء فيجامع زوجته التي آلى منها وإما أن يطلق، وأن المجاهدين في ميادين الحرب يعودون إلى زوجاتهم في مدة معلومة محدودة، وأن للرجل أن يفسخ نكاحه من الرتقاء وأن للمرأة أن تفسخ نكاحها من العنين والمجبوب كل هذا مراعاة للقيام بالواجب الجنسي بين الزوجين.
السادس: يقول الأطباء إن الجوع نوعان:
أحدهما: جوع البطن وهذا باعثه الرغبة في البقاء على الحياة في الأجسام.
الثاني: الجوع الجنسي وباعثه الرغبة في استمرار الحياة وبقاء الفرع.
غريزة الشعور بالجوعين سامية لأنها تحمل في طياتها النفحة الإلهية والإرادة الربانية في حفظ النوع واستمراره.
وإشباع الجوع الجنسي هذا لا يتحقق إلا عن طريق الجماع وبدونه تبقى الرغبة مهملة وتبقى معاناة الجوع الجنسي على تلهفه.
السابع: نداء الجنس نداء طبيعي يتطلب إجابة ندائه وإشباع نهمته، أما كبته وصم الآذان عن ندائه فهو خرق للقوانين الطبيعية التي وضعها الله تعالى وحكمته كما أن هذا الكبت والحرمان يورث صاحبه الأمراض والعلل والأسقام ويوقف نشاطه وعقله عن الإبداع والإنتاج.
الثامن: أنه لا يمكن أن يوجد رابطة تعوض انعدام الجاذبية الجنسية بن الزوجين، فهي العلاقة الوحيدة التي تجمع القلبين وتوحد الاتجاهين وترسخ التفاهم والتعاون فإذا انعدمت هذه الرابطة انحل معها رباط الزوجية وانفصمت عراها إذ لا يوجد ما يقوم مقامها من أنواع العشرة الكلامية أو المالية.
التاسع: الاتصال الجنسي بين الزوجين وهو التعبير الفعلي المتبادل عن الحب بينهما، وهو الدليل العملي على الميل الروحي والاتجاه النفسي من أحدهما للآخر، وهو الرائد الذي لا يكذب على أهله وقد فسر العلماء قوله تعالى {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} بهذا المعني فمتى كان الزوج أميل إلى إحدى زوجتيه أو زوجاته كان إلى مسيسها أرغب وبهذا نفهم أن رغبة كل منهما بصاحبه بهذه العملية دليل على تماما الانسجام بينهما وتبادل مشاعر الود والمحبة بينهما.
العاشر: السعادة الزوجية لا تتحقق إلا إذا وجد الاتصال الجنسي، ولذا قال الأطباء وعلماء النفس: متى وجدت الزوجين سعيدين فتأكد أن سعادتهما مبنية على تمام الانسجام في الحياة الجنسية ومتى وجدت التعاسة والشقاء بينهما فتأكد من عدم انسجام الحياة الجنسية بينهما فهما أمران متلازمان.
والطبيب الذي يهتم بنفسيات مرضاه يركز اهتمامه على السعادة أو ضدها بين الزوجين في الناحية الجنسية إذ هي أساس الراحة والطمأنينة.
ولذا فإن بريطانيا لما أرادت تحديد النسل عن الطريق ما يعرف –بالزواج الأبيض- وهو الزواج الذي لا يحصل فيه اتصال جنسي بين الزوجين عادت هذه المحاولة وذلك الزواج بالفشل الذريع لديهم فتقرر إلغاؤه.
وبما تقدم من الأحوال التي تتطلب بقاء التلقيح عن طريقه الطبيعي والتي تحتم هذه الحالة قدرًا وشرعًا وعقلًا وعرفًا وكذلك الأحوال التي سقناها تنفر من التلقيح الصناعي، لذا فإننا ندخل في بحث إمكان إباحة شي من أنواعه للضرورة القصوى، وقبل الحكم على التلقيح الصناعي بشيء فإنه يجب علينا أن نستعرضه ونبينه ونأتي على بيان أقسامه وأنواعه ليكون الحكم عليه بعد تصوره وبيانه فإن القاعدة الشرعية تقول: الحكم على الشيء فرع من تصوره.
التلقيح الصناعي في التاريخ:
بحث العلماء –قديمًا- في إمكان حمل المرأة بغير ملامسة من الرجال إذا وصل المني بطريقة ما إلى أعضائها التناسلية فكان هذا مستبعدًا جدًا عند الأقدمين، وأثر هذا الحمل والوضع عن الزعيم الديني الهندي-بوذا- فنسجت حول الحمل به ووضعه الأساطير والقصص الخيالية.
أما العلامة ابن خلدون وفلاسفة الإسلام قبله كابن سينا والفارابي وغيرهما أشاروا إلى تخلقات تشابه ما نحن بصدده، فهذا ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أشار إلى هذا الموضوع وهو يتحدث عن –الكيمياء- عند الأقدمين.
فقال: (واعتمادًا على ما ذكر ابن سينا والفارابي والطغراني أنه يمكن تخليق إنسان من المني في بيئته الطبيعية) يريد البيئة الطبيعية الرحم.
ثم يقول (وإذا سلمنا له بالإحاطة بأجزائه ونسبته وأطواره وكيفية تخليقه في رحمه وعلم ذلك علمًا محصلًا بتفاصيله حتى لا يشذ منه شيء عن علمه سلمنا له تخليق هذا الإنسان) .
فابن خلدون العالم العربي المسلم يسلم بتخليق الكائن الحي من المني وذلك بعد الإحاطة الدقيقة التامة بأجزاء ونسبة جزئيات البيئة التي تم فيها التخليق ثم يقول: (وأنى له ذلك) وهذا الاستبعاد من ابن خلدون بناء على ما توصل إليه العلم في زمنه، ولذا قال:(لقصور العلوم البشرية) .
وطبعًا إن ابن خلدون وهو يتحدث عن العلوم البشرية في عصره التي هي قاصرة عن التوصل لمعرفة نسب هذه الأجزاء الدقيقة، ولهذا قال:(وليست الاستحالة فيه من جهة الفصول ولا من الطبيعة إنما هو من تعذر الإحاطة وقصور البشر عنها) هـ.
فابن خلدون يقرر أن تخليق الإنسان أو أي حيوان من المني ليس هو أمرًا متعذرًا ومستحيلًا في حد ذاته وإنما المتعذر أن علوم البشر قاصرة عن إيجاد البيئة المناسبة لتخليقه ونموه ومن تهيئة المناخ والبيئة ومن معرفة نسب الجزئيات لتخليق الإنسان من المني خارج الرحم، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.
فابن خلدون لا ينسب استحالة تخليق الإنسان من المني إلى الطبيعة التي ركبها الله تعالى فيه وإنما يسلم بنظرية تخليق الإنسان من المني ولكن متى؟ إذا توفرت الدقة في معرفة نسب الجزيئات الصحيحة، تلك الدقة التي توصل إليها العلم الحديث الآن.
وهو يشير بهذا إلى ما نسميه الآن (أطفال الأنابيب) تلك النظرية بل تلك –الحقيقة- التي أصبح في مقدور العلم الحديث أن يهيء البيئة والمناخ الملائم لتخلق الإنسان من المني بعد أن توفرت في هذا العصر الإحاطة والدقة في معرفة نسب الجزيئات الصحيحة.
والقصور ملازم لبشر في كل زمان ومكان، فمرد العلم كله إلى الله تعالى: ذلك أن المادة المستعدة للتخلق والاستحالة من حالة إلى حالة ليست من صنعهم وإنما هي من صنع الله الذي أتقن كل شيء.
ونهاية ما وصلوا العثور على المفردات والجزيئات والمولدات المناسبة ومزج بعضها بنسب مقدرة اقتداء واحتذاء لما أجراه الله في طبائع الأشياء.
كما أن هذه العلوم هي من تعليم الله تعالى وهدايته لخلقه فهذا الذي: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} وهو الذي {عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} وهو بكل شيء عليم.
العلم الحديث:
ثم جاء دور العلم الحديث فروت لنا الصحف قصة (أطفال الأنابيب) فقالت تجربة علمية جديدة قام بها أطباء أمريكيون وشدت إليها انتباه الشعب الأمريكي بأسره وتمثلت هذه لتجربة في نقل جنين عمره خمسة أيام من رحم أمه إلى رحم امرأة ثانية حملته تسعة أشهر ثم وضعته، ولأول مرة في التاريخ تلد امرأة استرالية مولود، لقح انطلاقًا من بويضة امرأة ثانية، والقصة الكاملة لهذه التجربة روتها صحيفة (دي باري) الفرنسية فقالت:
قدمت امرأة لم يكشف عن هويتها إلى المركز الطبي في (لونج بيتش) فاستقبلها أحد الأطباء وأعلمها أن كل شيء جاهز للقيام بعملية اللقاح الاصطناعي وفعلًا تمت العملية بسهولة متناهية وبعد خمسة أيام أدرك الأطباء أن اللقاح قد ثبت في رحم المرأة، ومنذ تلك اللحظة أصبحت القصة رائعة وأخذت أبعادًا خيالية فالأطباء المذكورون ينتمون في الواقع إلى مؤسسة أمريكية تسمى (شركة الخصوبة والبحث في علم الوراثة) ومهمتها مكافحة عقم النساء.
أما المرأة التي قدمت لتحمل الجنين فقد كانت أبرمت عقدًا مع هذه الشركة تستلم بمقتضاه مبلغًا شهريًا قدرة (250) دولارًا منذ أن اهتم بها الأطباء ومنذ أن بدأوا يفحصونها لمعرفة ما إذا كانت ستصبح امرأة الأنبوب الأولى في العالم.
ثم جاءت المرحلة النهائية من العقد حين جهز الدكتور (جون بوستر) كل أدواته الخاصة وأدخل مسمارًا إلى رحم المرأة وشفط الجنين حيًا وأحاطه بكل عناية ليعرف هذا الجنين شيئًا لم يعشه أي جنين آخر ألا وهو رحم ثان غير رحم أمه الأولى، وفي الواقع فإن العملية كانت تهدف إلى تمكين امرأة ثانية محرومة من الحمل الذي طالما تمنته وهكذا تمت إعادة زرع الجنين في رحمها وبعد (28) أسبوعًا بالضبط تمت الولادة المنتظرة بواسطة عملية قيصرية.
وكانت المرأة التي تبلغ الثلاثين من عمرها سعيدة بمولودها الذي لن يعرف مطلقًا هوية أمه الأولى.
وكان المولود تامًا جميلًا لا يختلف عن غيره من المواليد، ومنذ ذلك الوقت عرفت هذه التجربة انتشارًا واسعًا في أنحاء العالم وأتاحت الفرصة لمكافحة العقم المنتشر والذي يرجع سببه إلى انسداد القنوات المؤدية إلى الرحم، أما إذا كان المبيض لا يؤدي مهمته فإنه ليس بالإمكان حتمًا أخذ البويضة لتلقيحها خارج الرحم ولابد إذًا من إيجاد طريقة جديدة"وهكذا برزت ممارسات لاقت احتجاجات عديدة وسميت –بمؤاجرات البطون- وتتمثل هذه الطريقة في إجراء تلقيح صناعي لامرأة تؤجر رحمها من زوج المرأة العاقر فتحمل الأولى ثم تضع مولودًا تدفعه إلى أمه بموجب عقد تم إبرامه من قبل، وبهذه الطريقة يباع الطفل إلى الزوجة العاقر لينسب إليها بالتبني، وحقق الأستراليون اكتشافًا جديدًا جنبهم مشاكل العقود حين قاموا بأخذ –بيضة- من امرأة ولقحوها داخل أنبوب بواسطة منويات زوج امرأة عاقر ثم أعادوا زرعها في رحم الزوجة العاقر.
وجاء الأمريكيون أخيرًا فنهجوا طريقة لا تختلف كثيرًا عن طريقة الأستراليين إلا أنه بدلًا من أن يجرى التلقيح داخل الأنبوب قاموا به في رحم الأم الأولى ثم أعادوا زرعه في رحم الأم الثانية وفي الحالتين تمثل هذه الاكتشافات ثورة في عالم الوراثات وذلك أن الأم صاحبة البيضة لم تعد هي الأم الوارثة بل أصبحت التي تحمل الطفل وتلده فقط هي أمه الوارثة.
المقابلة العالمية لهذا الاكتشاف:
أقيمت ضجة كبرى في جميع صحف العالم ووسائل الإعلام عند مولد الطفلة (لويزا براون) التي أسموها طفلة الأنبوب والتي قد ولدت في 25 يونيه 1978م.
وقد خصص لها كثير من الصحف والمجلات العلمية أعدادًا خاصة.
واستهواهم هذا الاكتشاف إلى أن أخذوا يضربون في متاهات الخيال والأوهام البعيدة حتى كتب بعضهم مقالًا في إحدى المجلات العربية تحت عنوان: (هل تختفي أسطورة الأم)
وقد بعث مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي بباريس رسالة إلى الأمين العام للرابطة يقول فيها:
لقد استطاعت تطبيقات العلوم الحديثة تنويع الطرق الجديدة في التناسل والتكاثر من هذه الطرق نقل ماء زوج إلى رحم امرأة لم يمسها لكنها رضيت أن يتكون في رحمها جنين هو والده وقد وقع هذا الأمر أخيرًا في فرنسا وانقسم الناس إلى طائفتين في قضية استجار الأرحام، فمنهم من يرى في هذه الطريقة وسيلة لإرضاء الألوف من الأزواج والزوجات الذين عجزوا لسبب ما عن التناسل والسعادة بالأولاد، وبعض هذه الطائفة يجد في هذه الطريقة تجارة رائجة لفئات عدة من الناس.
القسم الثاني: استهجن الأمر وثار عليه ورآه منقصة لكرامة الإنسان ولاسيما للمرأة التي تصبح آلة تستأجر وطالبوا الحكومة الفرنسية التدخل في الأمر.
وإزاء هذا الوضع ألفت الحكومة لحنة من العلماء ورجال الدين والأخلاقيين والزعماء الشعبين وطلبت منهم بيان الرأي الصريح في هذا الموضوع من الناحية الأخلاقية، وقد نشرت الصحف تقرير هذه اللجنة في 31/ 10 / 1984م وخلاصة التقرير ما يلي:
1-
لا شك أن طرق التوليد الحديثة في الأنابيب أو في استئجار الأرحام أمر جديد على المجتمع ولابد للمجتمع أن يكون له رأي مدروس مقبول من الأكثرية.
2-
تعود المجتمع استقبال اليتامى واللقطاء فأوجد لهم المؤسسات الخاصة لرعايتهم أما طريقة تأجير الأرحام فإنها ستجر المجتمع على تقبل عدد كبير من الأطفال من نوع جديد لا هم يتامى ولاهم لقطاء وقد يعترف بهم الوالد ولا تعترف بهم الأم.
3-
القابلون لهذه الطريقة الجديدة في توليد الذراري يعرفون جميعًا أن المرأة التي أجرت رحمها مقابل مقدار معين من المال قد تعهدت بعد حمله وولادته التخلي عنه وتسليمه للأسرة أو لرجل دفع لها المال ومن المحتمل كثيرًا أن تغير المرأة المستأجرة رأيها فتحتفظ بالطفل وليس هناك في الوقت الحاضر قانون يجبرها على تسليم جنينها لغيرها.
4-
أما هذه المواقف التي ظهرت للمجتمع فجأة ولم تتهيأ له دراسة نتائجها الأخلاقية طلبت اللجنة الحكومية مهلة كافية من الزمان لدراسة الموضوع واستشارة الناس قبل بيان الرأي وقد سئلنا رأينا فيه بعد ظهور قرارا الجنة الحكومية.
قال أحد الأطباء أمام هذه الضجة الإعلامية، والقائل هو الدكتور السعودي: محمد علي البار:
الفكرة في حد ذاتها سهلة ميسورة وتعتمد على أخذ البييضة من المرأة عند خروج البييضة من المبيض ووضعها في أنبوب خاص به وسائل (فسيولوجية) مناسبة ثم يؤخذ مني الرجل فيلقح أحد الحيوانات المنوية البويضة فإذا ما تم تلقيحها انقسمت البييضة الملقحة انقساماتها المعروفة حتى تبلغ مرحلة (التوتة) وذلك في اليوم الرابع من هذا التلقيح ويكون الرحم عندئذ قد استعد لاستقبال البييضة الملقحة فيعاد إدخالها عندئذ إلى الرحم فتعلق به وتثبت بجداره إذ ما نجح العلماء في ذلك فقد انتهت مهمتهم عندئذ وتركوا (النطفة الأمشاج) تعلق بجدار الرحم وتصبح علقة عالقة ثم تنمو بعد ذلك نموًا طبيعيًا إلى مضغة ومن مضغة إلى عظام يكسوها اللحم ثم ينشئه الله خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين. هـ.
قال الشيخ مصطفى الزرقاء:
تداولت الصحف هذا العنوان في هذه السنوات العشر الماضية، ودرج استعماله للدلالة على الحدث المفاجئ العجيب من منجزات العلم في العالم وهو نجاح تجربة التلقيح الصناعي بين نطفتي الذكورة والأنوثة ضمن أنابيب الاختبار في المختبرات الطبية، ثم نقل الجنين البدائي المتكون من هذا التلقيح وزرعه في رحم المرأة حيث يعلق فيه ويحضن وينمو ويتخلق مدة الحمل المعتادة، ثم يولد ولادة طبيعية كما لو كان حملًا متكونًا من اتصال جنس مباشر بين رجل وامرأة.
وكان قد نشر وشاع في أواخر الستينات الماضية أن طبيبين انكليزيين، هما روبرت إدواردز عالم (الفسيولوجيا) وباتريك ستبتو وجراح أمراض النساء، قد توصلا إلى تكوين جنين إنساني في وعاء اختبار، وأنه قامت حول هذا العمل ضجة استنكار عظيمة في الأواسط الدينية الكنسية تمنع متابعة هذا العمل وتراه محرمًا، وفي الوقت نفسه قامت ضجة فرح في الأوساط الإلحادية، إذ رأت في هذا لنبأ العظيم برهانًا على إمكان خلق الإنسان بطريق علمي تركيبي دون حاجة إلى تقدير وجود إله خالق، وزاد الموضوع غرابة ما ذكر من إمكان نقل هذا الجنين المخبري إلى رحم امرأة حيث يعلق وينمو ككل جنين مدة الحمل الكاملة، ثم تلده ولادة طبيعية.
وبين هاتين الضجتين اعترى كثير من القراء أو السامعين حيرة ودهشة، ولجأ بعض أهل الدين من المسلمين إلى التكذيب، ولجأ بعض الناس إلى الاستفتاء حول جواز تصديق النبأ، أو حول جواز الإقدام على هذا العمل إن كان النبأ صحيحًا" كما وجهت بعض الجرائد والمجلات أسئلة إلى بعض الأطباء، وإلى بعض علماء الشريعة أو المفتين، تطلب إليهم أن يبينوا آراءهم حول هذا الحدث والإنجاز العلمي والتقني الذي تم فيه، وما يقال في ذلك إذ أصبح في مقدور كل امرأة عقيم أن تحمل وتلد فتروي ظمأها إلى الأمومة، وظمأ زوجها إلى الأبوة بل أصبح في مقدور كل فتاة غير متزوجة أن تصبح أمًا دون أن تتزوج وتتصل جنسيًا بأي رجل، حيث صار من الممكن بل مما يدور في أفكار العلماء إنشاء بنك لنطف تحفظ بطريقة فنية تصونها من الفساد، فإذا أردت امرأة عقيم أو فتاة غير متزوجة إنجاب ولد فما عليها الآن إلا أن تأتي إلى الطبيب الأخصائي ليزرع بعملية تقنية خاصة في رحمها منيًا مهيأ في وعاء خاص مخبري، لتحمله ثم تلده في نهاية مدة الحمل فتصبح أمًا.
وإن كانت العقيم متزوجة، وتحرص هي وزوجها على أن تكون بزرة الجنين منهما شخصيًا يستطيع الطبيب أن يأخذ النطفة التي فيها (الحوين) المنوي من زوجها، ويأخذ البويضة من مبيضها هي في الموعد الذي تتولد فيه البويضة (وهو اليوم الرابع عشر من بدء كل دورة طمثية) فيلقحها في الوعاء المخبري والوسط المناسب، ثم ينلقها ملقحة آخذة في النمو، وفي الوقت المناسب إلى رحمها لتعلق وتتطور فيه إلى جنين كامل تلده في نهاية مدة الحمل فيكون ولدًا لهما من أصلابهما كما لو أنجباه بالاتصال الزوجي الطبيعي.
بل كتب وقرأنا أكثر من ذلك عن الإمكانات المستقبلة المتوقعة لثمرات هذا الإنجاز العلمي وفوائده، أنه قد يلجأ إلى هذه الطريقة المخبرية في إنتاج الأطفال لتحسين النسل في الأسر ليكون النسل أصح وأقوى بنية وصفات ومميزات، إذ يمكن تلقي بويضات شتى مأخوذة من نساء مختبرات عديدات، بنطفة من رجل قوي سوى جسمًا وذكاء، فيعمل قانون الوراثة الطبيعي عمله في أن يكون الأولاد الذين يتكونون بهذه الطريقة كلهم أصحاء جسمًا وعقلًا.
والمزية المدعاة لتلقيح عدد من البويضات مخبريًا أن ذلك يتيح للطبيب فرصة اختيار أجنة أفضل خلال وجودها في الوعاء المخبري بعد تلقيح البويضات وبدء نموها قبل اخذها للزرع في الأرحام، لأن من الممكن في هذه المرحلة تمييز اللقائح الجنينية الأحسن والأصح نموًا وتكونًا في مراحل التطور الجنيني، فتختار اللقيحة أو اللقائح الفضلى لتزرع في الرحم ويتلف الطبيب ما سواها.
وما يقال في الزوجة العقيم يقال كذلك في الزوج العقيم إذا أراد أن تنجب زوجته ولدًا حيث يمكن تلقيحها مباشرة –دون حاجة إلى الطريقة المخبرية المشروحة- بالنطفة المأخوذة منه إذا كان عقمه لغير سبب فقدان الحوينات المنوية أو ضعفها في مائة وذلك بحقن نطفته ذاتها في نهاية مهبل زوجته في الموعد الشهري المناسب (الآنف الذكر) الذي فيه يقذف مبيضها بويضتها المتولدة منه إلى القناة المسماة (قناة فالوب) حيث تلتقي بالحوين المنوي الآتي من ماء الرجل، فيخترق جدارها ويندمج فيها ذلك الاندماج الذي يسمى التلقيح، ثم تأخذ اللقيحة (البويضة الملقحة) طريقها إلى الرحم، لتعلق بجداره جنينًا، كما يحمل تمامًا في الحمل الطبيعي الناشئ عن الاتصال الجنسي بينهما، وليس في هذه الطريقة أي شيء جديد.
ولكن إذا كان عقم الزوج لفقدان الحيوانات المنوية من مائه أو ضعفها فلا سبيل عندئذ للحصول على ولد من زوجته إلا باللجوء إلى طريقة تلقيح بويضة منها في وعاء مخبري بنطفة مأخوذة من رجل آخر، ثم زرعها في رحمها بالطريقة التي حققها الإنجاز العلمي الجديد الآنف الشرح.
وقد كانت أصعب العقد حلًا في مراحل هذا الإنجاز العلمي عقدتان تطلب حلهما كثيرًا من الجلد والصبر والدأب وتغيير الشروط بين تجربة وأخرى من التجارب الخائبة الكثيرة قبل النجاح، وهاتان العقدتان هما:
1-
تركيب الوسط الكيمياوي السائل الخاص، والمعقد كثيرًا في عناصره ومقاديرها فهذا المحلول الخاص يجب أن تحفظ فيه البويضة من فور استخراجها من مبيض المرأة قبل تلقيحها، ثم تعديله مرات بعد تلقيحها بحسب مراحل نمو اللقيحة، ودون ذلك لا يمكن حفظ حياة البويضة ولا اللقيحة حتى تبلغ مرحلة من النمو والتكاثر في خلاياها بطريق الانقسام المعروف في الخلايا الحية، ولتصبح قابلة للشتل في الرحم.
وقد قام بتهيئة هذا المحلول الكيمياوي ثم تعديلاته عالم الغريزة (الفسيولوجيا) الدكتور ادواردز.
2-
توقيت (الشتل) في الوقت المناسب من مراحل نمو اللقيحة في المختبر، وهذا قد اقتضى أكبر الجلد والصبر على إخفاق التجارب وتكرارها، فقد كان الدكتور سنبنو يعتقد متأثرًا برأي الطبيب الإيطالي المشار إليه آنفًا، أنه إذا تأخر وقت (الشتل) في الرحم حتى يزداد نمو اللقيحة في وعاء الاختبار، وتتكاثر خلاياها بالانقسام، كان ذلك أقرب إلى النجاح.
ثم تبين له، بعد فشل التجارب الخائبة، وتغيير الشروط، أن الصواب هو العكس، فنجحت تجربة الشتل أخيرًا، في الوقت الذي تنقسم فيه اللقيحة ثلاث انقسامات، حتى تصبح ثماني خلايا فقط.
الصور المختلفة للتلقيح الاصطناعي
نريد بتعبير (التلقيح الاصطناعي) كل طريقة أو صورة يتم فيها التلقيح والإنجاب بغير الاتصال الجنسي الطبيعي بين الرجل والمرأة، أي بغير عملية الجماع.
إن التلقيح الاصطناعي في نطاق ما تحقق فعلًا من الإنجاز العلمي في أوعية الاختبار وما كان معروفًا قبله بالطريقة شبه الطبيعية، يمكن أن يجرى على سبعة أشكال وأحوال ذكرها الباحثون في هذا الموضوع واحتمالاته ونتائجه.
والأحوال جميعًا بعضها يتم داخليًا، أي في باطن جسم المرأة وبعضها يتم خارجيًا أي في وعاء الاختبار في المختبر الذي تجمع فيه بويضة المرأة بالحيوان المنوي، من نطفة الرجل في وسط مختبري ملائم، فيلقحها، ويتكون منهما بداية الجنين البشري، وهذه الأحوال السبع هي كما يلي:
أ- التلقيح في الداخل:
1-
تلقيح بين زوجين، أي بماء يؤخذ من الزوج ويحقن في مهبل زوجته، وهذه حالة يلجأ إليها عندما لا يكون الزوج قادرًا على إيصال مائه إلى نهاية المهبل في المباشرة الطبيعية لسبب ما.
2-
تلقيح بين زوجة ومتبرع، وذلك عندما يكون الزوج عقيمًا لخلو مائه من الحوينات أو لضعفها فيه، فيؤخذ الماء من متبرع به وتحقن به الزوجة.
ب- التلقيح يلف الخارج:
3-
تلقيح بين بزرتي الزوجين في وعاء مختبري، وهذا هو الإنجاز العلمي في التلقيح التكنولوجي الذي نتج به ما يسمي: أطفال الأنابيب ويلجأ إليه في حالة عقم الزوجة عندما يكون عقمها بسبب انسداد قناتي فالوب اللتين تصلان ما بين المبيض والرحم، ونحو ذلك من أسباب يكون معها الرحم والمبيض سليمين.
4-
تليقح بين بزرة زوج وبويضة امرأة متبرعة، ويلجأ إلى ذلك عندما تكون الزوجة قد استؤصل مبيضها لسبب مرض، أو كان معطلًا لا يقوم بوظيفته، فيؤخذ عندئذ بويضة من امرأة أجنبية عن الزوج (سميت: متبرعة) وتلقح مخبريًا بماء من زوج المرأة العقيم بفقدان مبيضها أو تعطله، لتزرع اللقيحة المتحصلة من هذا التلقيح في رحم الزوجة.
5-
تلقيح بين بزرتي رجل وامرأة متبرعين، أي ليست إحدى البزرتين من أحد زوجين ويلجأ إلى هذه الحالة عندما تريد امرأة أن تحمل لكن زوجها عقيم ومبيضها معطل فتلجأ إلى طبيب يأخذ لهما الحوين المنوي من مصرف للمني، ويأخذ البويضة من امرأة أخرى، ويجري التلقيح بين البزرتين مخبريًا، ثم (يشتل) اللقيحة في رحم المرأة الراغبة في الحمل بالطريقة السالفة الشرح في واقعة طفل الأنبوب لتحملها جنينًا طبيعيًا، ثم تلده ولادة عادية.
6-
حالة امرأة تتطوع بحمل لقيحة تكونت في وعاء الاختبار بمن بزرتي زوجين،.
وسنوضح هذه الصورة في موقعها المناسب عند بيان موقف الشريعة من مختلف الحالات.
7-
أما الحالة السابعة فإنها لم تقع بعد، ولكنها ممكنة الوقوع في نطاق المنجزات العلمية التي تمت، وأشار إليها الباحثون بين الاحتمالات الممكنة التي تتطلب حلًا حقوقيًا في ظل القانون المدني، وقانون الأحوال شخصية هي:
تلقيح الزوجة داخليًا، أو تلقيح بويضتها خارجيًا، بماء زوجها المتوفى الذي حفظ ماؤه قبل وفاته في مصرف المني في حسابه الخاص.
مقابلة هذا الاكتشاف من علماء المسلمين:
قال الشيخ محمود شلتوت ما خلاصته:
من المعلوم أن تخلق الولد إنما هو من السائل المنوي الذي يخرج فيصل إلى رحم المرأة المستعد للتفاعل {خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} يتخلق الولد من هذا السائل متى وصل إلى الرحم المستعد للتفاعل وإن لم يكن وصوله عن طريق الاتصال الجسماني المعروف وهذا قد عرفه الناس جميعًا، وعرفه فقهاؤنا وجاء في كلامهم: (أن الحمل قد يكون بإدخال الماء للمحل دون اتصال عرفوه ورتبوا عليه وجوب العدة، وهو يتضمن تقرير المبدأ المعروف في تكوين الطفل من الماء الحيوي دون حاجة إلى العملية الجنسية وما الاتصال الجسماني إلا وسيلة معتادة لا يتوقف عليها تكون الولد الذى هو من الماء المستكمل مؤهلاته الطبيعية.
والتلقيح الصناعي البشري اتخذ سبيلًا لتحقيق رغبة الولد بالنسبة للزوجين اللذين ليس لهما ولد وذلك كحد يقف عندهما الإحساس بالعقم أو يزول وبذلك يشعران في هذه الحياة بزينة الأبوة والأمومة للأولاد، وإن كان لا يخرج عن حد التعلل النفسي بصورة الأبوة والبنوة ثم اتخذ سبيلًا لتكثير سواد الأمة وعدد أفرادها لمجرد الرغبة في التوسع البشري أو تحصيلًا ليعوض عمن تهلكهم الحروب.
وبهاتين الرغبتين اللتين بعثتهما (الفلسفة المادية) كان التلقيح الصناعي في الإنسان أمرًا مشروعًا عند أرباب تلك الفلسفة الجافة وبها ساوى التلقيح الصناعي في الحيوان والنبات وليس من ريب في أنهم إذا رجعوا إلى أنفسهم أدركوا أن للإنسان حياة هي أرقى من حياة الفرد نفسه وهي حياة تخضع لتلك المجتمعات التي تخضع لقوانين بشرية وشرائع سماوية تلبي داعي الفطرة الإنسانية في ذلك ويرتبط بها الإنسان في تصرفاته وسلوكه وانتظامه في مجتمعاته.
ولعل الزواج وإعلانه كان أنعم الشؤون التي تخضع المجتمعات لحكمها وترتب عليه آثار معينة فيما يتعلق بحياة الأسرة ونسب الأبناء.
ومن هنا نستطيع أن نقرر بالنسبة لحكم الشريعة في التلقيح الصناعي الإنساني –أنه إذ كان بماء الرجل لزوجه كان تصرفًا واقعًا في دائرة القانون والشرائع التي تخضع لحكمها المجتمعات الإنسانية الفاضلة وكان عملًا مشروعًا لا إثم فيه ولا حرج وهو بعد هذا قد يكون في تلك الحالة سبيلًا للحصول على ولد شرعي يذكر به الوالدان وبه تمتد حياتهما وتكتمل سعادتهما النفسية والاجتماعية ويطمئنان على دوام العشرة وبقاء المودة بينهما.
أما إذا كان التلقيح بماء رجل أجنبي عن المرأة لا يربط بينهما عقد زواج فإنه يزج بالإنسان في دائرتي الحيوان والنبات ويخرجه عن المستوى الإنساني.
ولعل هذه الحالة هي أكثر ما يراد من التلقيح الصناعي عندما يتحدث الناس عنه.
وهو في هذه الحالة يكون في نظر الشريعة الإسلامية جريمة منكرة وإثمًا عظيمًا يلتقي مع الزنا في إطار واحد جوهرهما واحد ونتيجتهما واحدة وهي وضع ماء رجل أجنبي قصدًا في حدث ليس بينه وبين ذلك الرجل عقد ارتباط بزوجية شرعية يظلها القانون الطبيعي والشريعة السماوية ولولا قصور في صورة الجريمة لكان حكم التلقيح في تلك الحالة هو حكم الزنا الذي حددته الشرائع الإلهية، وينبو عنه المستوى الإنساني الفاضل وينزلق به إلى المستوى الحيواني الذي لا شعور فيه للأفراد برباط المجتمعات الكريمة وحسب من يدعون إلى هذا التلقيح ويشيرون به على أرباب العقم تلك النتيجة المزدوجة التي تجمع بين الخستين داخل النسب وعار مستمر إلى الأبد.
حفظ الله على المسلمين أنسابهم ومستواهم الإنساني الفاضل.
وقال أمين الفتوى بالأزهر الشيخ أحمد الشرباصي:
إن الشريعة تجيز التلقيح الصناعي بين المرأة وزوجها ولكنها لا تجيزه بين المرأة وأجنبي، هـ.
وقال المحامي العام الأستاذ محمد عبد الله:
إن التلقيح الصناعي يعتبر مخالفًا للنظام العام والآداب وهما يرتكزان على الدين.
والدين لا يسمح بأن يوضع في رحم امرأة بذرة غير بذرة زوجها ولكن المولود الناجم عن التلقيح الصناعي يعتبر ولدًا شرعيًا طبقًا لقاعدة "الولد للفراش" ولكن هذا التلقيح لا يعد زنا من الناحية الجنائية حيث ينقصه الاتصال الجنسي وهو ركن أساسي في جريمة الزنا وإن جاز اعتباره هتك عرض.
وقال الشيخ محمد حسنين مخلوف: سئلت منذ عدة سنين بالآتي:
(أخذت مادة رجل وهي منيه ثم وضعت في رحم زوجته الشرعية بطريقة ما لا بطريقة الجماع ثم بعد فترة شعرت الزوجة بوجود جنين في بطنها واستمر ذلك مدة تسعة أشهر وأيام فوضعته غلامًا تامًا الخلقة والحركة فهل ينسب إلى هذا الزوج بالبنوة منه شرعًا كما نسب إليه سائر أولاده منها؟
فكان الجواب:
هذا الجنين إن تكون من مني زوجها الشرعي وخلق في رحمها حتى وضعته غلامًا حيًا فينسب شرعًا إلى أبيه بالبنوة الشرعية وهو زوجها المذكور كما ينسب إليها بالأمومة بلا فرق بينه وبين الغلام الذي يتكون مما يضعه زوجها في رحمها أثناء الوقاع ويبقى رحمها إلى وقت الوضع المقرر شرعًا.
هذا هو السؤال والجواب اللذان أشارت إليهما صحف مصرية منذ سنتين عند الحديث عن طفل الأنابيب ولم يعتن في الجواب عن حقيقة (طفل الأنابيب) وما يحوم حوله من بحوث واختبار وإنما الأساس في بيان الحكم الشرعي في النسب وهو تخلق هذا الطفل من مني الزوج الشرعي وتكونه في رحم أمه الزوجة الشرعية لأبيه وذلك هو الذي عناني في الأمر والله أعلم.
وقال الشيخ يوسف القرضاوي:
وإذا كان الإسلام قد حمى الإنسان بتحريم الزنا والتبني وبذلك تصفو الأسرة من العناصر الغريبة عنها فإنه يحرم ما يعرف بالتلقيح الصناعي إذا كان التلقيح بغير نطفة الزوج بل يكون في هذه الحالة جريمة منكرة وإثمًا عظيمًا يلتقي مع الزنا في إطار واحد جوهرهما واحد ونتيجتهما واحدة هي وضع ماء رجل أجنبي قصدًا في حرث ليس بينه وبين ذلك الرجل عقد ارتباط بزوجية شرعية يظلها القانون الطبيعي والشريعة السماوية ولولا قصور في صورة الجريمة لكان حكم التلقيح في تلك الحالة هو حكم الزنا الذي حددته الشرائع الإلهية ونزلت بكتب السماء.
وإذا كان التلقيح البشري بغير ماء الزوج على هذا الوضع وبتلك المنزلة كان دون شك أفظع جرمًا وأشد نكرًا من التبني فإن ولد التلقيح يجمع بين نتيجة التبنى المذكور وهي إدخال عنصر غريب في النسب وبين خسة أخرى وهي التقاؤه مع الزنا في إطار واحد تنبو عنه الشرائع والقوانين وينبو عنه المستوى الإنساني الفاضل وسينزلق به إلى المستوى الحيواني الذي لا شعور فيه برباط المجتمعات الكريمة للأفراد.
قال الشيخ مصطفى الزرقا:
الرأي الشرعي في كل من حالات التلقيح الاصطناعي:
يجب أن يلاحظ قبل البدء ببيان الحكم الشرعي في كل حالة على حدة ملاحظتان مهمتان:
الملاحظة الأولى: حول صلة هذا الإنجاز العلمي الخطير بالإيمان والإلحاد.
ففي أواخر الستينات الماضية، لما نشرت الأنباء الأولى نجاح الطبيبين الإنكليزيين في تلقيح بويضة امرأة بحوين منوي من رجل في وعاء اختبار في المختبرة وإن هذه البويضة الملقحة (اللقيحة) أخذت في التكاثر والنمو الجنيني بطريق الانقسام المعتاد في تكاثر الخلايا الحية، وغمرت الملاحدة في كل مكان نشوة ظفر، وظنوا أن هذا هو النصر المؤزر للإلحاد على الإيمان بالبرهان المشهود والتجربة العملية وقد كنت أنا إذ ذاك في الكويت خبيرًا قائمًا على مشروع الموسوعة الفقهية في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ولم يكن إذ ذاك موضوع التلقيح المخبري هذا قد بلغ مرحلة زرع اللقيحة في رحم امرأة، ولكن كان التنبؤ ببلوغ هذه المرحلة الأخيرة قد شاع في الأوساط العلمية بعد نجاح التلقيح في وعاء الاختبار.
فقال لي أحد الملاحدة متبجحًا: أرأيت لقد أصبح الآن من الممكن عمليًا إنشاء الحياة من مواد غير حية بصنع الإنسان.
فقلت له: إن ما حصل ليس فيه إنجاز عجيب تقوم به حجة الإلحاد والمادية على نفي وجود الله الخالق تعالى الذي خلق الموت والحياة، فهو يشبه إلى أبعد الحدود قضية بيضة الدجاجة التي كانت تحتضنها تحت جناحيها فتفرخ، فأصبح الإنسان يهيء لها وسطًا آخر ملائمًا للتفريخ، والفارق الرئيسي بين الحالتين هو أن بيضة الدجاجة قد لقحها الديك بالصورة الطبيعية للتلقيح في جوف الدجاجة قبل أن تبيضها، أما في هذا الإنجاز العلمي الجديد فإن تلقيح بويضة المرأة بحوين الرجل يتم خارج جسم المرأة في وسط صناعي ملائم يقع فيه التلقيح، ويبدأ فيه النمو، وفرق عظيم بين بدء نمو الخلق وبدء الحياة، فبدء الحياة سيبقى من صنع واهب الحياة، عز وجل، رغم أنف المادية والماديين.
الملاحظة الثانية:
يجب أن يلاحظ سلفًا أن حالات التلقيح الاصطناعي السبع الداخلية والخارجية، جميعها يستلزم تطبيقها انكشاف عورة المرأة على شخص أجنبي، سواء كان هذا الشخص رجلًا أو امرأة (طبيبًا أو طبيبة) .
وهذا يثير في الذهن تساؤلًا: هل تبيح معالجة العقم في المرأة هذا الانكشاف؟
إن من القواعد الشرعية المتفق عليها بين أئمة الفقه والدين أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، ومن تطبيقاتها أن مداواة المرض في مكان العورة تبيح كشفها بقدر حاجة المداواة، وقد صرح فقهاء المذاهب بذلك.
والمراد بالمرض هنا –فيما يظهر- ما كان مؤذيًا لصاحبه بألم أو أثر مزعج، أو كان له عواقب مؤذية أو مزعجة لراحة الإنسان في المستقبل لو أهمل علاجه، كانتشاره إلى أجزاء أخرى من البدن، أو إمكان تطوره إلى حالات مزعجة، فكل ذلك لا يوجب الشرع تحمله والصبر على المرض دون علاج تفاديًا لكشف العورة، في الرجال والنساء على سواء.
يبدو لي أن الغرض المشروع في الحصول على الولد، سواء في ذلك رغبة الزوج أو الزوجة، يمكن أن يعتبر مبيحًا لانكشاف الزوجة في سبيل معالجة العقم أو التلقيح الصناعي إن لم تكن طريقة التلقيح نفسها تنطوي على محظورات أخرى.
ففي ضوء ذلك نستعرض الآن فيما يلي الحالات السبع في التلقيح الاصطناعي، على التعاقب، لنرى ما ينبغي أن يكون موقف الشريعة منها، غير معتبرين انكشاف المرأة في شيء منها مانعًا، بل ننظر إلى ما سوى ذلك من موجبات الحظر والإباحة في الطريقة نفسها التي تسلك للتلقيح.
(أ) التلقيح الاصطناعي داخليًا
1-
الحالة أو الطريقة الأولى:
الحالة الأولى، كما رأينا في موضعها من هذا البحث، تتم داخليًا في جسم الزوجة ولا يدخل فيها عنصر أجنبي، بل تؤخذ نطفة الزوج خارجيًا بطريق الاستمناء، وتزرق في مهبل الزوجة، ثم تسلك النطفة بنسفها طريقها الطبيعي إلى الرحم، ثم إلى القناة التي تصل بينه وبين المبيض وتسمى قناة فالوب (نسبة إلى عالم التشريح الإيطالي الذي اكتشفها) حيث تكون البويضة التي قذفها المبيض إلى هذه القناة بانتظار الحويني المنوي الذي يسعده الحظ بأن يكون هو الفائز بالسبق إلى تلقيح البويضة من بين الملايين من زملائه التي تحملها نطفة الرجل، فمن سبق من هذه الملايين المتسابقة إلى البويضة اخترق جدارها، واندمج فيها فكونا منهما معًا خلية واحدة تسمى في اصطلاح الأطباء:(البويضة الملقحة) وقد فضلت أن أسميها: (اللقيحة) ثم تأخذ هذه اللقيحة طريقها في قناة فالوب إلى رحم المرأة لتعلق في جداره وتنمو بالانقسام إلى ملايين الخلايا، التي تتجمع كل مجموعة منها في ناحية فيتكون منها بعض أعضائه وهذا هو التخلق، يتضح من هذا التصوير الواقعي لما يتم في الحالة الأولى من التلقيح الاصطناعي أن الذي يحصل فيها هو الذي يحصل في حالة المباشرة الطبيعية بين الزوجين، لا فرق سوى الاستعاضة عن عضو الذكورة بمزرقة تزرق بها نطفة الزوج في الموقع المناسب من مهبل الزوجة أمام عنق الرحم.
فإذا استبعدنا من الاعتبار محظور انكشاف المرأة لمصلحة (الولادة) المشروعة على ما سلف بيانه، لم يكن في هذه الطريقة الأولى من التلقيح الاصطناعي أي مانع شرعي يوجب حظرها، فيمكن إعلان جوازها شرعًا عندما يحتاج إليها لتحمل الزوجة من زوجها.
والشيء الوحيد الذي يجب أن يلحظ وينبه إليه هنا، وفي كل مقام علاجي آخر هو أنه كلما وجدت في المكان امرأة عالمة مختصة كطبيبة أو قابلة مأذونة، قادرة على تنفيذ المعالجة التي تحتاج إلى انكشاف المرأة على من يعالجها تنفيذًا صحيحًا سلميًا بالنظر الطبي، لم يجز شرعًا أن يعهد إلى طبيب من الرجال ليقوم بهذه المعالجة.
هذا ما يقرره فقهاء الشريعة بوجه عام ويعللونه بأن انكشاف الجنس على نظيره أهون وأقل محذورًا، وهذا أمر معقول جدًا في نظام يقوم على فكرة الحلال والحرام كالإسلام ومن القواعد الفقهية في حكم الضرورات أن "الضرورة تقدر بقدرها".
وهذا أمر ذو بال يجب التنبه إليه، ومعظم الناس عنه غافلون اليوم لاسيما في الولادة بالمستشفيات.
2 -
الحالة الثانية: بين زوجة ومتبرع بنطفة:
هذه الحالة تمارسها اليوم المصارف المنوية في العالم الغربي على أوسع نطاق إذ يرون فيها حلًا لمشكلة الأمومة حينما يكون الزوج عقيمًا، وقد أقرها النظام في العديد من الولايات المتحدة الأمريكية، كما أقرتها فرنسا، واعتبروا الأطفال الذين يتولدون منها أولادًا شرعيين للزوجين.
أما ألمانيا فيعتبرون أولادًا شرعيين أيضًا ما لم يطعن في شرعيتهم ذو مصلحة في نفيها، فتسلب عنهم الشرعية، وقد يكون هذا الطاعن في الشرعية الولد نفسه حينما يكبر ويعلم أن المتبرع لأمه بالنطفة ذو غنى أو جاه ونفوذ، فيطلب إلحاق نسبه به.
وأما في بريطانيا فهذا التلقيح بنطفة متبرع لزوجة مسموح به قانونًا، ولكنها لا تعتبر الأطفال منه شرعيين، وهناك من دول أوروبية من تحرمه وتعتبره ضربًا من الزنى كسويسرا.
أما بالنظر الإسلامي فلاشك في تحريمه قطعًا، ففي شريعة الإسلام يعتبر نسب الولد لأبيه، ويستدل الفقهاء على ذلك بأدلة منها قوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: آية 233] .
وقوله تعالى في إبطال التبني: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب آية 4، 5] .
فقد اعتبر الأب هو المولود له – فهو صاحب حق النسب الذي يدعى الولد إليه، أي ينسب.
ففي هذه الحالة الثانية من التلقيح الداخلي خلط بين الأنساب إذ تكون البزرة الذكرية من رجل، والزوجية التي سيتبعها النسب هي لآخر.
(ب) التلقيح خارجيًا
3-
الحالة الثالثة من التلقيح الاصطناعي، وهي التي تتم خارجيًا بين بزرتي زوجين في وعاء مختبري وتزرع في رحم الزوجة صاحبة البويضة نفسها، وهي التي جاءت إلى العالم البشري بأول طفلة أنبوب (لويزا براون) .
معظم من بحثوا أو أجابوا من علماء الإسلام المعاصرين في موضوع التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب من أساتذة في كليات الشريعة أو مفتيين أو قضاة شرعيين –فيما علمت- قد اتفقت كلمتهم على أن هذه الحالة جائزة بلا تحفظ، وأما المحظور شرعًا فهو الحالات التي تكون فيها البزرتان أو إحداهما من مصدر متبرع.
وقليل منهم من تحفظ وتردد في الجواز.
وإنني كنت في سابق أجوبتي في هذه القضية ترددت في جواز هذه الصورة الثالثة التي تبدو مبدئيا جائزة شرعا. وكان ترددي فيها من ثلاث نواح:
1-
من ناحية غموض نتائج التجربة في مستقبل حياة الولد المنتوج فيها من حيث احتمال الارتفاع في نسبة التشوه في هذا الطريق الاصطناعي عن المعتاد في الحمل بالطريقة الطبيعية لعدم إمكان كشف ذلك قبل التكرار الكثير، ومن حيث احتمال تأديتها إلى أضرار أخرى مرضية لا يمكن الجزم بالأمان منها في هذه الطريقة قبل مضي زمن طويل من عمر الوليد.
2-
من جهة كونها صالحة لأن تتخذ ذريعة إلى الفساد والشك في الأنساب التي يقوم عليها الإسلام كيان الأسرة والحقوق الشرعية بين أفرادها، وحرمات القرابة والمصاهرة. ذلك لأن سلوك هذا الطريق الاصطناعي الخارجي لإنتاج الولد سيجعل أمر نسبة تابعا لقول الطبيب الذي سيقرر أنه أجرى التلقيح بين بزرتي الزوجين، وهذا يفسح مجالا للشك بأن الطبيب قد غلط بين وعاء وآخر أو أنه قد ساير رغبة المرأة الراغبة في الأمومة لأمر ما، فيهيأ لها الجنين المطلوب في المختبر من بويضة سواها، ولم يكن في مبيضها هي بويضة. إلى غير ذلك من احتمالات وتكون في صدق الطبيب لأسباب شتى.
3-
من حيث ما سبقت الإشارة إليه وهو أن كل تلقيح اصطناعي يستلزم انكشاف عورة المرأة
على أنني قد انتهيت فيما سلف بيانه عن انكشاف العورة إلى أن هذا المحظور الشرعي يمكن صرف النظر عنه باعتبار أن حاجة المرأة إلى الأمومة ومصلحتها المشروعة فيها وصحتها تبيع هذا المحظور.
ولكن إذا اسقطنا من الاعتبار هذا المحظور الثالث بقي السببان السابقان كافيين للتحفظ والتردد الكبير في جواز هذه الطريقة من التلقيح الصناعي لذلك يترجح في نظري جانب الحظر فيها مبدئيا، فلا تمارس إلا في أٌقصى درجات الأضرار أو الحاجة الشديدة حين لا يكون للزوجين ولد، والطبيب عدل ثقة
4-
الحالة الرابعة من التلقيح الصناعي، وهي التي تتم خارجيا بين بزرة زوج وبويضة متبرعة ثم تزرع في رحم الزوجة.
هذه الحالة واضح فيها سبب التحريم لأن اللقيحة متكونة من مصدرين غير زوجين، فهي تؤدي إلى نسب منتحل غير مبني على زوجية.
ومثل هذا يقال في حالة العكس، وهي ما لو كانت البويضة من زوجة والنطفة الذكرية من متبرع ثم زرعت اللقيحة في الزوجة صاحبة البويضة.
5-
الحالة الخامسة وهي حالة زوج عقيم وزوجته معطلة المبيض يتبرع لهما رجل بنطفة، وامرأة ببويضة، ويجري التلقيح بينهما خارجيا في المختبر وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة المتبرع لها.
يبدو واضحا في هذه الصورة أن اللقيحة لا صلة لها بالزوج ولا بالزوجة المتبرع لهما وهذا ما يميزها في الحالة الرابعة. ولا شك في تحريم هذه الصورة أيضا، إذ لا مجال لأن يترتب فيها نسب.
6-
الحالة السادسة: وهي حالة امرأة تتطوع بحمل لقيحة تكونت في وعاء الاختبار من بزرتي زوجين. ويلجأ إلى هذا الأسلوب حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها لكن مبيضها سليم منتج، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفها.
والفارق بين هذه الحالة والحالة السابقة أن البزرتين هنا من زوجين، وإنما تبرعت امرأة أخرى بحمل اللقيحة المتكونة منهما – أما في الحالة السابقة فإن البزرتين ليستا من زوجين، بل متبرع بهما لراغبين في الولد ولكنهما عقيمان، وتزرع اللقيحة في الزوجة لأن رحمها صالح للحمل.
وكما تفترق هذه الحالة عن سابقتها الخامسة من هذه الناحية الأساسية، فهيا شبه بالحالة الثالثة السابقة في ناحية أساسية أيضا هي أن البزرتين من زوجين والفارق بينهما أن هذه السادسة تزرع لقيحتها في رحم امرأة غير الزوجة التي أخذت منها البويضة.
وقد رأينا في الحالة الثالثة أن فيها ثلاثة محاذير (هي: المخاطرة بغموض النتائج بالنسبة للجنين، وفتحها باب الشك في النسب حيث تربطه بقول الطبيب وتأديتها إلى انكشاف العورة.
ففي الصورة السادسة التي نحن بصددها تجتمع هذه المحاذير الثلاثة مضافا إليها كشف عورة المتطوعة بالحمل (إذ لا يمكن زرع اللقيحة في رحمها دون ذلك) وإذا كنا قد انتهينا في تلك الحالة الثالثة إلى ترجيح الحظر ففي هذه الحالة السادسة يكون الحظر أظهر للأسباب ذاتها. وإذا أمكن اعتبار كشف عورة الزوجة هناك لأجل الحمل جائز، كما أسلفنا بيانه، فانه هنا غير جائز للمتطوعة بالحمل لأنها ليست هي الزوجة المحتاجة إلى الأمومة.
على أنه لو وقعت هذه الحالة فعلا رغم حظرها الشرعي فماذا عن نسب الولد، وعن علاقته بالأطراف الثلاثة: الزوجين والمتطوعة بالحمل (الأم المستعارة) ؟ والذي يظهر لي في الجواب أن نسب الولد يكون للزوجين مصدر اللقيحة بلا شك. أما المتطوعة بالحمل فإنها لا تعتبر أما نسبية قطعة، ولكنها تعتبر كالأم الرضاعية بطريق الأولوية لأن الجنين قد اكتسب نموا من جسمها أكثر مما يكتسب الرضيع من لبن المرضع.
وقد اصدر المجمع الفقهي الإٍسلامي قرارا شرعيا هذا نصه:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السابعة المعقدة بمكة المكرمة في الفترة بين 11- 17 من ربيع الآخر 1404 هـ-1984/1/19قد نظر في الدراسة التي قدمها عضو المجلس مصطفى الزرقاء حول التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب، الأمر الذي شغل الناس وكان من أبرز قضايا الساعة في العالم. واستعرض المجلس ما تحقق في هذا المجال من إنجازات طبية توصل إليها العلم والثقافة في العصر الحاضر لإنجاب الأطفال من بني الإنسان والتغلب على أسباب العقم المختلفة المانعة من الاستيلاد.
وقد تبين للمجلس من تلك الدراسة الوافية المشار إليها أن التلقيح الاصطناعي بغية الاستيلاد (بغير الطريق الطبيعي وهو الاتصال الجنسي المباشر بين الرجل والمرأة) يتم بأحد طريقين أساسين:
- طريق التلقيح الداخلي. وذلك بحقن نطفة الرجل في الموقع المناسب من باطن المرأة.
- وطريق التلقيح الخارجي بين نطفة الرجل وبويضة المرأة في أنبوب اختبار، في المختبرات الطبية، ثم زرع البويضة الملقحة (اللقيحة) في رحم المرأة.
ولا بد في الطريقين من انكشاف المرأة على من يقوم بتنفيذ العملية وقد تبين لمجلس المجمع في تلك الدراسة المقدمة إليه في الموضوع ومما أظهرته المذاكرة والمناقشة أن الأساليب والوسائل التي يجري بها التلقيح الاصطناعي بطريقيه الداخلي والخارجي لأجل الاستيلاء هي سبعة أساليب بحسب الأحوال المختلفة، للتلقيح الداخلي فيها أسلوبان، وللخارجي خمسة من الناحية الواقعية بقطع النظر عن حلها أو حرمتها شرعا، وهي الأساليب التالية:
في التلقيح الاصطناعي الداخلي:
الأسلوب الأول:
أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج وتحقن في الموقع المناسب داخل مهبل زوجته أو رحمها حتى تلتقي النطفة التقاء طبيعيا بالبويضة التي يفرزها مبيض زوجته، ويقع التلقيح بينهما ثم العلوق في جدار الرحم بإذن الله، كما في حالة الجماع. وهذا الأسلوب يلجأ إليه إذا كان في الزوج قصور لسبب ما عن إيصال مائة في المواقعة إلى الموضع المناسب.
الأسلوب الثاني:
أن نؤخذ نطفة رجل وتحقن في الموقع المناسب من زوجة رجل آخر حتى يقع التلقيح داخليا ثم العلوق في الرحم كما في الأسلوب الأول. ويلجأ إلى هذا الأسلوب حين يكون الزوج عقيما لا بزرة في مائة، فيأخذون النطفة الذكرية من غيره.
في طريق التلقيح الخارجي:
الأسلوب الثالث:
أن تؤخذ نطفة من زوج وبويضة من مبيض زوجته فتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته في وعاء الاختبار ثم بعد أن تأخذ اللقيحة الانقسام والتكاثر تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة لتعلق في جداره وتنمو تتخلق ككل جنين، ثم في نهاية مدة الحمل الطبيعية تلده الزوجة طفلا أو طفلة. وهذا هو طفل الأنبوب الذي حققه الإنجاز العلمي الذي يسره الله. وولد به إلى اليوم عدد من الأولاد ذكورا وإناثا وتوائم تناقلت أخبارها الصحف العالمية ووسائل الأعلام المختلفة.
ويلجأ إلى هذا الأسلوب الثالث عندما تكون الزوجة عقيما بسبب انسداد القناة التي تصل بين مبيضها ورحمها (قناة فالوب) .
الأسلوب الرابع:
أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين نطفة مأخوذة من زوج، وبويضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته (يسمونها متبرعة) ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته.
ويلجئون إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلا أو معطلا، ولكن رحمها سليم قابل لعلوق اللقيحة فيه.
الأسلوب الخامس:
أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب اختبار بين نطفة رجل وبويضة من امرأة ليست زوجة له (يسمونهما متبرعين) ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى متزوجة.
ويلجؤون إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة التي زرعت اللقيحة فيها عقيما بسبب تعطل مبيضا لكن رحمها سليم وزوجها أيضا عقيم ويريدان ولدا.
الأسلوب السادس:
أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بزرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها.
ويلجؤون إلى ذلك حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها، ولكن مبيضها سليم منتج، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفها، فتتطوع لها امرأة أخرى بالحمل عنها.
الأسلوب السابع:
هو السادس نفسه إذا كانت المتطوعة بالحمل هي زوجة ثانية للزوج صاحب النطفة فتتطوع لها ضرتها لحمل اللقيحة عنها.
وهذا الأسلوب لا يجري في البلاد الأجنبية التي يمنع نظامها تعدد الزوجات، بل في البلاد التي تبيح هذا التعدد.
هذه هي أساليب التلقيح الاصطناعي الذي حققه العلم لمعالجة أسباب عدم الحمل.
وقد نظر مجلس المجمع فيما نشر وأذيع أنه يتم فعلا تطبيقه في أوروبا وأمريكا من استخدام هذه الإنجازات لأغراض مختلفة منها تجاري ومنها ما يجري تحت عنوان (تحسين النوع البشري) ومنها ما يتم لتلبية الرغبة في الأمومة لدى نساء غير متزوجات أو نساء متزوجات لا يحملن لسبب فيهن، أو في أزواجهن، وما انشئ لتلك الأغراض المختلفة من مصارف النطف الإنسانية التي تحفظ فيها نطف الرجال بصورة تقانية تجعلها قابلة للتلقيح بها إلى مدة طويلة، وتؤخذ من رجال معينين أو غير معينين تبرعا أو لقاء عوض، إلى آخر ما يقال أنه واقع اليوم في بعض بلاد العالم المتمدن.
النظر الشرعي بمنظار الشريعة الإسلامية:
هذا وأن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بعد النظر فيما تجمع لديه من معلومات موثقة مما كتب ونشر في هذا الشأن، وتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها لمعرفة حكم هذه الأساليب المعروضة وما تستلزمه، قد انتهى إلى القرار التفصيلي التالي:
أولا: أحكام عامة:
(أ) أن انكشاف المرأة المسلمة على غير من يحل شرعا بينها وبينه الاتصال الجنسي لا يجور بحال من الأحوال إلا لغرض مشروع يعتبره الشرع مبيحا لهذا الانكشاف.
(ب) أن احتياج المرأة إلى العلاج من مرض يؤذيها، أو من حالة غير طبيعية في جسمها تسبب لها إزعاجا ـ يعتبر ذلك فرضا مشروعا يبيح لها الانكشاف على غير زوجها لهذا العلاج. وعندئذ يتقيد ذلك الانكشاف بقدر الضرورة.
(ج) كلما كان انكشاف المرأة على غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي مباحا لغرض مشروع يجب أن يكون المعالج امرأة مسلمة أن أمكن ذلك، وإلا فامرأة غير مسلمة وإلا فطبيب مسلم ثقة، وإلا فغير مسلم بهذا الترتيب.
ولا تجوز الخلوة بين المعالج والمرأة التي يعالجها إلا بحضور زوجها أو امرأة أخرى.
ثانيا: حكم التقليح الاصطناعي:
1-
أن حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل وحاجة زوجها إلى الولد تعتبر غرضا مشروعا يبيح معالجتها بالطريقة المباحة من طرق التلقيح الاصطناعي.
2-
أن الأسلوب الأول (الذي تؤخذ فيه النطفة الذكرية من رجل متزوج ثم تحقن في رحم زوجته في طرقة التلقيح الداخلي) هو أسلوب جائز شرعا بالشروط العامة الآنفة الذكر وذلك بعد أن تثبت حاجة المرأة إلى هذه العملية لأجل الحمل.
3-
أن الأسلوب الثالث (الذي تؤخذ فيه البزرتان الذكرية والأنثوية من رجل وامرأة زوجين أحدهما للآخر، ويتم تلقيحها خارجيا في أنبوب اختبار، ثم تزرع اللقيحة في رحم لكنه غير سليم تماما من موجبات الشك فيما يستلزمه ويحيط به من ملابسات. فينبغي أن لا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى وبعد أن تتوفر الشرائط العامة الآنفة الذكر.
4-
أن الأسلوب السابع الذي تؤخذ فيه النطفة والبويضة من زوجين وبعد تلقيحهما في وعاء الاختبار تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى للزوج نفسه، حيث تتطوع بمحض اختيارها بهذا الحمل عن ضرتها المنزوعة الرحم يظهر لمجلس المجمع أنه جائز عند الحاجة وبالشروط العامة المذكورة.
5-
وفي حالات الجواز الثلاث يقرر المجمع أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدر البزرتين ويتبع الميراث والحقوق الأخرى ثبوت النسب فحين يثبت نسب المولود من الرجل أو المرأة يثبت الإرث وغيره من الأحكام بين الولد وبمن التحق نسبه به.
أما الزوجة المتطوعة بالحمل عن ضرتها (في الأسلوب السابع المذكور) فتكون في حكم الأم الرضاعية للمولود لأنه اكتسب من جسمها وعضويتها أكثر مما يكتسب الرضيع من مرضعته في نصاب الرضاع الذي يحرم به ما يحرم من النسب.
6-
أما الأساليب الأربعة الأخرى من أساليب التلقيح الاصطناعي في الطريقين الداخلي والخارجي بما سبق بيانه فجميعها محرمة بالنظر الإسلامي لا مجال لإباحة شيء منها لأن البزرتين الذكرية والأنثوية فيها ليستا من زوجين أو لأن المتطوعة بالحمل هي أجنبية عن الزوجين مصدر البزرتين.
هذا، ونظرا لما في التلقيح الاصطناعي بوجه عام من ملابسات في الصور الجائزة شرعا ومن احتمال اختلاط النطف واللقائح في أوعية الاختبار ولاسيما إذا كثرت ممارسته وشاعت فان مجلس المجمع ينصح الحريصين على دينهم أن لا يلجأوا إلى ممارسته إلا في حالة الضرورة القصوى وبمنتهى الاحتياط والحذر من اختلاط النطف أو اللقائح.
هذا ما ظهر لمجلس المجمع في هذه القضية ذات الحساسية الدينية القوية من قضايا الساعة ويرجو من الله أن يكون صوابا.
والله سبحانه أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل وولي التوفيق.
هذا القرار صدر بالأكثرية من أعضاء المجلس والذي له مخالفة واضحة هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس المجمع المذكور فان سماحته توقف في كل الصور الثلاث التي أجازها المجمع بالأكثرية. وكاتب هذا البحث – عبد الله بن عبد الرحمن البسام – أحد أعضاء مجلس المجمع الفقهي الإسلامي – ممن وافق على إجازة الأحوال الثلاث المذكورة في القرار المذكور وإلى هذا المجمع الموقر ما يراه حيال هذه المشكلة التي شغلت أذهان الناس وأقلامهم.
وأرجو أن يخرج من ذلك بنتائج مرضية.
سدد الله خطي الجميع ووفقنا لما يحبه ويرضاه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مراجع البحث
1-
القرآن الكريم
2-
الصحيحان
3-
كشاف القناع البهوتي
4-
فتاوى حسنين مخلوف
5-
فتاوى محمود شلتوت
6-
الحلال والحرام للقرضاوي
7-
مقدمة ابن خلدون
8-
العلوم الطبيعية في القرآن يوسف مروه
9-
الإعجاز العلمي في القرآن محمد إسماعيل
10-
خلق الإنسان بين الطب والقرآن محمد علي البار
11-
الوجيز في علم الأجنة في القرآن محمد علي البار
12-
منع الحمل صلاح عدس
13-
تحديد النسل فائق الجوهري
14-
الحياة وعجائبها إسماعيل خليل
15-
حياتنا الجنسية القباني
16-
بحث مصطفى الزرقاء
17-
بحث عبد الله باسلامة
18-
خطاب مكتب الرابطة بباريس
التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب
الدكتور محمد علي البار
مقدمة:
منذ أن نجح الدكتور استبتو والدكتور ادواردز في تلقيح بويضة السيدة ليزلي براون بمنى زوجها جون براون في 10 نوفمبر 1977 وأدى ذلك إلى نجاح أول حمل وولادة أول طفلة أنبوب (لويزا براون) في 25 يوليه 1978، قامت حملات إعلامية منظمة شغلت الناس صباح مساء ثم خفقت الضجة وانضم إلى نادي أطفال الأنابيب عشرات الأطفال حتى جاوز الرقم بضع مئات في أنحاء العالم منهم مجموعة من التوائم.
وتحول الأطباء والصحفيون وأجهزة الإعلام إلى مواضيع أكثر إثارة
…
مثل تجميد الأجنة المخصبة
…
ونقل البويضة الملقحة من امرأة إلى أخرى وهو ما عرف باسم الرحم الظئر. وبدأت المشاكل الأخلاقية والدينية تظهر على السطح.
وصرح الدكتور ادواردز العالم الفسيولوجي الرائد في أطفال الأنابيب بقوله " إن هناك حاجة صارخة إلى وضع إطار لآداب وأخلاقيات هذا الميدان. وإن كل مؤسسة تجري العملية المذكورة يجب أن يكون لديها لجنة آداب خاصة "(1) .
ولقد تم بالفعل ولادة أو طفلة من الرحم الظئر. ودخلت القضية إلى المحاكم الإنجليزية ذلك لأن الأم بالوكالة أو الرحم الظئر رفضت تسليم الطفل لصاحبه البويضة بعد ولادته رغم أنها وقعت عقدا بتسليم الطفل بعد أن تلده (2) .
وتحولت القضية إلى مشكلة إعلامية ومادة للإثارة كما انشغل بها القضاء الإنجليزي لعدم وجود سابقة.
وقضية أخرى
…
أن إجراء محاولة إيجاد أطفال أنابيب تتم بإعطاء المرأة أدوية وعقارات مثل الكلوميد تزيد من إفراز البويضات فيأخذ الطبيب عدة بويضات ويلقحها
…
ويزرع عددا منها في اليوم الثالث إلى الخامس في رحم المرأة. ولذا كثرت ولادات التوائم في أطفال الأنابيب في الآونة الأخيرة. وذلك تحسبا للفشل كما أن الطبيب يحتفظ بمجموعة من البويضات الملقحة مثلجة ومجمدة فإذا فشلت المحاولة الأولى أعاد الكرة
…
وإذا نجحت المحاولة
…
ماذا يتم في الأجنة المجمدة؟
(1) ندوة الإنجاب، المنطقة الإسلامية للعلوم الطبية ص 468
(2)
المصدر السابق ص 469
سؤال أثار ضجة كبرى في الإعلام الغربي ومناقشات حامية. هل يسمح بإجراء التجارب على هذه الأجنة وذلك قد يفيد الإنسانية في معرفة الأمراض الوراثية والمتعلقة بالصبغيات وغيرها أم ترمى الأجنة. وإلى أي يوم يمكن تنمية هذه الأجنة واستخدامها في المختبر؟
قضية أخلاقية ودينية شائكة. وفي بريطانيا تكونت لجنة من البرلمان وبعض المختصين ورجال الدين عرفت باسم وارنك Wamock وأنيط بها دراسة هذه المشكلة. واقترحت هذه اللجنة بعد خلاف طويل حاد بين أعضائها أن استخدام الأجنة يسمح به لمدة أسبوعين فقط. وذلك قبل أن تتشكل أول بداية للجهاز العصبي الذي يناط به تكوين الدماغ والنخاع الشوكي والإحساس.
وتفرعت مشاكل عديدة، كلها جديدة مثيرة تستحق الدرس والبحث
…
وإذا كانت هذه المشاكل لا تزال في الغرب فإنها ستفد إلينا في القريب العاجل بل إن بعضها قد وفد بالفعل. وأعلنت إحدى المستشفيات الخاصة في جدة قيامها بمشروع طفل الأنابيب حسب الشريعة الإسلامية!! كما تم توليد أول امرأة سعودية تحمل بواسطة الأنابيب في جدة في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز وذلك بعد أن تم التلقيح في بريطانيا. وأما بالنسبة للتلقيح الاصطناعي فليست هناك مشكلة في الغرب. يتبرع المانح بمائه فيحفظ في بنك المنى
…
ثم تأخذه امرأة ما. طبعا غير زوجته
…
وقد تكون غير متزوجه أصلا
…
وهناك موجة من نكاح الاستبضاع الذي كان معروفا في الجاهلية والذي وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها في حديثها عن أنواع النكاح والذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه. ونكاح الاستبضاع هو أن يعتزل الرجل زوجته ويرسلها إلى شخص أشتهر بالذكاء والقوة فينام معها عدة أيام وليال حتى يتبين حملها فإذا تبين حملها منه أتاها زوجها إن شاء
…
وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد
…
وهذا ما تقوم به شركات متخصصة في الولايات المتحدة الآن .... تأخذ منى العباقرة والحائزين على جوائز نوبل وغيرهم، وتحتفظ به في ثلاجاتها. وتعطيه لمن تطلب وتدفع الثمن
…
وقد يذهب الزوج إلى الحرب كما حصل في فيتنام وهو يريد الولد فيدفع بمنيه إلى البنك لتلقح به زوجته في الوقت المناسب فتحبل منه وهو في فيتنام أو بعد وفاته وانتقاله إلى العالم الآخر.
وتقول النيوزويك (18 مارس 1985) أن هناك ما لا يقل عن ربع مليون طفل ولدوا نتيجة التلقيح الصناعي بماء غير ماء آبائهم (1) .
ولا غضاضة عند هؤلاء القوم في كل هذا فالفوضى الجنسية ضاربة أطنابها ونادرا ما يستطيع الشخص هناك أن يجزم بأن فلانا أبوه
…
لشيوع الزنى .... فأكثر من 8 % من الزوجات اعترفن بخيانة أزواجهن .... ومثل هذا العدد من الرجال يخون زوجته (2) .
والتبني نظام شائع معترف به، ولا غضاضة فيه. والأم تبيع طفلها في المحكمة وتتنازل عنه لأسرة تدفع لها ثمنا وتأخذ منها وليدها
…
فلا ينسب بعد ذلك إلا لمن تبناه ورباه.
طفل الأنبوب: ما هو؟ ولماذا؟ وكيف يتم؟ وما هي محاذيره؟
فكرة طفل الأنبوب:
إن فكرة طفل الأنبوب في حد ذاتها سهلة ميسورة، وتعتمد الفكرة على أخذ البويضة (الأصح البييضة) من المرأة عند خروجها من المبيض وذلك بواسطة مسبار خاص يدخله الطبيب في تجويف البطن عند موعد خروج البييضة من المبيض فيلتقطها ثم يضعها في طبق بيتري Petri dish وليس أنبوبا كما شائع. وفي هذا الطبق سائل فسيوليجي مناسب لبقاء البييضة ونموها.
ثم يؤخذ منى الرجل ويوضع في الطبق مع البييضة
…
فإذا ما تم تلقيح البويضة بأحد الحيوانات المنوية Spermatozoa وذلك يمكن مشاهدته تحت الميكروسكوب تركت هذه البييضة الملقحة لتنقسم انقساماتها المعروفة المتتالية. الخلية الأمشاج (الزيجوت) المكونة من التحام نواة البييضة ونواة الحيوان المنوي تنقسم فتصبح الخلية خليتان .... والخليتان أربع .... والأربع ثمان وتدخل فيما يعرف باسم مرحلة التوتة Morula لأنها تشبه ثمرة التوتة المعروفة.
عند ذاك تأخذ هذه التوتة التي سرعان ما تتحول إلى ما يعرف بالكرة الجرثومية Blastula ويحدث في داخلها تجويف كما هو موجود في الكرة ويمتلأ التجويف بسائل وتوضع هذه الكرة في جدار الرحم حيث تتغرز فيه وتنمو نمو الحمل الطبيعي حتى الولادة.
والمدة التي تبقى فيها البييضة في الطبق لا تعدو يومين أو ثلاثة ففي أول حالة طفل أنبوب أخذ الدكتور باتريك استبتو بويضة الأم ليزلي براون في 10 نوفمبر 1977 ووضعها في الطبق الذي حضر محلوله الدكتور روبرت ادواردز وبعد أن قاما بتلقيح البويضة أعادها الدكتور استبتو إلى رحم الأم ليزلي براون في 12 نوفمبر 1977 وفي 25 يوليه 1978 ولدت لويزا براون أول طفلة أنبوب في العالم والتي أثارت ضجة كبرى في جميع أجهزة الإعلام وفتحت صفحة جديدة في تاريخ التناسل البشري.
(1) النيوزويك 18 مارس 1985
(2)
صحيفة الشرق الأوسط نقلا عن وكالات الأنباء في 29/5/1980
هذه هي الفكرة ببساطة: أخذ البويضة من الأم في الوقت المناسب وتلقيحها في الطبق وإعادتها إلى الرحم بعد يومين أو ثلاثة لتنمو نموا طبيعيا وتلد ولادة طبيعية أو بالعملية القيصرية كما يولد ملايين الأطفال في كل عام.
الفكرة بسيطة سهلة ميسورة. ولكن التنفيذ هو العسير ويحتاج إلى دقة ومهارة ومع هذا فإن 90 % من محاولات الاستيلاد بطريق طفل الأنبوب تفشل (1) . (2) هذه الصعوبات تتلخص في الآتي:
1-
معرفة موعد خروج البويضة أو البويضات من المبيض
…
وهذا يستدعى أولا إعطاء المرأة مجموعة من العقاقير أشهرها الكلوميد Clomide التي تجعل المبيض يفرز عددا من البويضات في الشهر الواحد بدلا من بيضة واحدة.
ويستدعى ثانية دراسة كاملة للأم ومعرفة موعد الأبياض
…
حتى يتم إدخالها المستشفى في الموعد المناسب وإدخال منظار البطن ورؤية المبيض ثم التقاط البييضات وهي عملية فنية قد تكتنفها صعوبات نتيجة التهابات القناة الرحمية وما حولها أو التهاب سابق بالمبيض أو وجود تليف إلى آخر قائمة الصعوبات الفنية.
(1) Lancet ، Feb 2 ، 1985: 255 – 266 (editorial)
(2)
Crosignani pa، Rubin BL in vitro Fertilization ، New york ، Academic press ، 1983
2-
بعد أن يتم شفط البييضات ينبغي أن توضع في محلول فسيوليجي مناسب لنموها وبقائها فيه
…
وتركيب هذا المحلول ليس يسيرا بل يحتاج إلى تقنية عالية
…
ومهارة فائقة.
3-
تلقيح البييضات وملاحظة مرورهن بمراحل النمو حتى يصلن إلى مرحلة التوتة Morula أو الكرة الجرثومية Blastula.
4-
إعادة غرز البييضات في الرحم. وعادة ما توضع أكثر من بييضة ملقحة في الرحم لأن الرحم عادة يلفظ هذه البويضات
…
كلما زاد عدد البييضات المغروزة في الرحم كلما زاد الاحتمال بنجاح نمو واحد منهن إلى مرحلة الجنين والحمل والوليد.
ولكن هذا في حد ذاته يعتبر أحد العوائق إذ يتم فجأة ما ليس في الحسبان حيث تنمو أربع أو ست بويضات ملقحات إلى أجنة كاملة فتحمل المرأة حمل توائم متعددة وتلد أربعة أو ستة من الأطفال وحمل التوائم المتعددة له مخاطره على الأم وعلى الأجنة.
5-
وعادة ما يترك الطبيب مجموعة البييضات ملقحة بحيث إذا فشل نمو البييضات الموضوعة في الرحم يعاود الكرة مرة أخرى دون الحاجة إلى إدخال المنظار مرة أخرى إلى رطن المرأة وأخذ البويضات وشفطها.
6-
إذا نجحت جميع هذه الخطوات السابقة وتم الحمل
…
تظهر مشكلة جديدة وهو ماذا يصنع بهذه البويضات الملقحة المجمدة
…
هل ترمى؟ هل تستخدم لامرأة أخرى؟ هل تجرى عليها التجارب لمعرفة التكوينات المبكرة في النطفة الأمشاج (الزيجوت) ومرحلة التوتة ومرحلة الكرة الجرثومية وما بعدها؟ وإلى متى يسمح للأطباء بإجراء تجاربهم وبحوثهم على هذه الأجنة وإلى أي مرحلة من مراحل النمو تنمو
…
ثم بعد ذلك تقتل؟
أليست حياة إنسانية ولو كانت في مهدها؟ أيحق للأطباء والعلماء أن يعبثوا بالحياة الإنسانية حتى في مهدها وحتى لو كان الغرض شريفا وهو العلم ومعرفة الأمراض والأسرار الوراثية.
وتكونت لجان وقامت دراسات وندوات وجلسات صاخبة في أوروبا والولايات المتحدة وفي بريطانيا تكونت لجنة وارنك Wamock مكونة من أطباء مختصين وقانونيين وأعضاء برلمان ورجال دين
…
وأصدرت اللجنة قراراتها وكان من بين هذه القرارات أن التلقيح خارج الجسم ln Vitro Fertilization أمر تدعو إليه الحاجة ويحل مشكلات بعض الأسر التي تعاني من العقم
…
وعليه فينبغي تشجيع هذه الأبحاث في هذا المجال. وبخصوص الأجنة الفائضة فقد سمحت اللجنة (بالأغلبية خمسة ضد صوتين) بإجراء التجارب على الأجنة الناتجة عن البويضات الملقحة الفائضة حتى اليوم الرابع عشر لنمو الجنين (1)(2) ولكن النائب البرلماني اينك باول Enoch powell جمع أنصارا عديدين لإصدار قرار من البرلمان بمنع التجارب على الأجنة الإنسانية مطلقا (3) .
وقد حددت اللجنة اليوم الرابع عشر وذلك لأن الجنين يظهر فيه بعد ذلك الميزان العصبي Neural groove وهو البداية الأولى لتكون الجهاز العصبي .... ورغم أن الجهاز العصبي يبدأ العمل المبكر في اليوم الثاني والأربعين. وقد اختارت اللجنة اليوم الرابع عشر حتى تكون قد ابتعدت تماما عن بداية تكون الجهاز العصبي.
والغريب حقا أن نجد علماء الإسلام القدماء قد بحثوا هذه النقطة الهامة والخطيرة قبل عدة قرون من ظهور المشكلة إلى السطح
…
يقول ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن: (4) .
" فإن قيل الجنين قبل نفخ الروح فيه هل كان فيه حركة وإحساس أم لا؟ قيل كان فيه حركة النمو والاغتذاء كالنبات. ولم تكن حركة نموه واغتذائه بالإرادة. فلما نفخت (الروح) انضمت حركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه ".
وبذلك أعاد ابن القيم علامات نفخ الروح إلى وجود الإحساس وإلى وجود الحركة الإرادية وكلاهما لا يتم إلا بتكوين الجهاز العصبي.
(1) Lancet: Editorial ، Feb 2 ، 1985: 255 – 266 Report of the Committee of inquiry into Human Fertilization and Embryology
(2)
(Chairman ، Dome Mary Warmock) London HMSO، 1984
(3)
Newsweek March 18،1985 p.45
(4)
ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن ص 255
ويقول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وهو يتحدث عن أول ما يتشكل من أعضاء الجنين: " ولا حاجة له (أي الجنين) حينئذ إلى حس ولا حركة إرادية لأنه حينئذ بمنزلة النبات، وإنما يكون له قوة الحس والإرادة عند تعلق النفس (أي الروح) به "(1) .
وهكذا ميز علماء الإسلام الأجلاء بين الحياة النباتية Vegetative life التي ليس فيها إلا النمو والاغتذاء والحياة الإنسانية Human life التي تتميز بوجود الحس والإرادة أي بتكون الجهاز العصبي.
ورغم أن الحياة النباتية مقدمة للحياة الإنسانية ولها نوع احترام إلا أنها ليست كالحياة الإنسانية ولا تأخذ حكمها
…
فهي أقل منها درجة، وهذا ما نبه إليه الفقهاء حتى الإمام الغزالي الذي كان متشددا في موضوع الإجهاض قال ما يلي في الأحياء (2) :" وليس هذا (رأي العزل) كالإجهاض والوأد، لأن ذلك جناية على موجود حاصل، والوجود له مراتب، وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة. وتستعد لقبول الحياة. وإفساد ذلك جناية. فإن صارت نطفة فعلقة كانت الجناية أفحش، وأن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا .... ومنتهى التفاحش في الجناية هي بعد الانفصال حيا ".
وهذه نظرة عميقة تدل على سعة فهم
…
والشيء الجديد الذي حدث الآن بعد ظهور طفل الأنبوب هو أن أول مراتب الوجود أن تلقح البييضة بماء الرجل في طبق (أنبوب) وليس كما ذكر الإمام الغزالي أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة.
(1) ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب القدر 11/ 482 المطبعة السلفية
(2)
الأمام الغزالي: إحياء علوم الدين ج 2/ 65
ورأي الإمام الغزالي أن إفساد ذلك جناية، وإن هذه الجناية تزداد تفاحشا كلما نمت النطفة وتحولت إلى علقة ومضغة فإذا نفخ فيها الروح فذلك منتهى الفحش. وافحش منه وأفظع قتل الجنين بعد انفصاله حيا من أمه.
لماذا طفل الأنبوب؟
سؤال قد يطرأ لماذا هذا العناء والتكلفة الباهظة والمشروع الذي لا تبلغ نسبة نجاحه في أحسن المراكز العالمية أكثر من 10 إلى 15 % كما تقول مجلة اللانست الطبية في عددها 2 فبراير 1985 (ص 255- 266) .... لماذا تصرف مبالغ طائلة من أجل بضع نسوه يعانين من العقم.
إن المشكلة عويصة حقا فعدد النساء العواقر في أوروبا والولايات المتحدة والبلاد المتقدمة في ازدياد مطرد، وكما تقول النيوزويك فإن واحدا من كل سبعة يعانون من العقم وهم في زمن الإنجاب (18/3/1985) ويقول كتاب الزوجين العقيمين: إصدار شركة سيبا أن 10 % من الأزواج في سن الإنجاب يعانون من العقم في الولايات المتحدة (مجلد 28/ رقم 5/1976) .
في الولايات المتحدة هناك اكثر من نصف مليون امرأة عاقر (في سن الحمل بسبب انسداد أو غياب القناة الرحمية (قناة فالوب)(1) . هذا عدا مئات الآلاف من النساء اللائي يعانين من العقم لأسباب أخرى.
ولكن لندرس ما هي أسباب العقم الرئيسية في الغرب؟
إن أهم الأسباب كما تذكر المصادر الطبية العديدة ما يلي:
1-
انتشار الأمراض الجنسية نتيجة الولوغ في الزنا
…
وأهم مرض يسبب انسداد الأنابيب والتهاب حوض الرحم ناتج عن الكلاميديا (ميكروبات صغيرة من أصغر أنواع البكتريا) والمايكو بلازما
…
وفي الولايات المتحدة يقدر مركز اتلانتا لمكافحة الأمراض المعدية عدد المصابين بالكلاميديا في الولايات المتحدة سنويا بستة ملايين شخص (2)(3)(4)
وفي الدول الاسكندنافية وجد أن 5 إلى 10 % من جميع الفتيات اللاتي تقل أعمارهن عن عشرين سنة ويذهبن إلى عبادات تنظيم النسل يعانين من الكلاميديا (5) .
وفي المملكة المتحدة يعتبر التهاب مجرى البول الجنسي من غير السيلان الذي تسببه الكلاميديا أخطر بكثير من حالات السيلان حيث تبلغ عدد حالات الكلاميديا ضعف حالات السيلان (6)
وفي معظم الدول المتقدمة تقنيا والمنحطة أخلاقيا فأن الزنى ينتشر انتشارا ذريعا (انظر تفصيل ذلك في كتابنا الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها 1985 دار المنارة) كذلك ينتشر مرض السيلان انتشارا هائلا
…
فعدد حالات السيلان في العالم تقدر بـ 25 مليون حالة سنويا (7) .
2-
اللولب لمنع الحمل L.U.D يعتبر إدخال اللولب السبب الثاني لالتهاب الأنابيب والتهاب الحوض Relvic lnflammatory disease الذي انتشر بصورة خاصة في الغرب. وبما أن هناك ملايين النساء يستخدمن اللولب كأحد موانع الحمل فإن هناك الآلاف منهن اللاتي يعانين من التهاب الحوض وبالتالي انسداد الأنابيب والعقم نتيجة استخدام اللولب (8) .
3-
تأخير سن الزواج إلى ما بعد سن الخامسة والعشرين وهو سن الخصوبة الأمثل يعتبر من الأسباب الهامة لانتشار العقم (الزوجين العقيمين إصدار شركة سيبا مجلد 28 رقم 5 عام 1985) .
4-
أن الإجهاض منتشر في العالم بصورة مرعبة
…
ويعتبر الإجهاض ثالث سبب في التهاب الأنابيب (القناة الرحمية) وانسدادها.
(1) ندوة الإنجاب ص 419
(2)
Merk Manual
(3)
Mandell ، Douglass & Bennet: Principals & Practice of infection diseases 1979
(4)
Proceedings of First Scand Symp. on chlamydia ، 1981
(5)
المؤتمر السكندافي عن الكلاميدياعام 1981
(6)
Wilcox ، Medicine Digest ، Aprill 1980
(7)
منظمة الصحة العالمية نقلا عن مرجع مراك الطبي العلمي طبعة 1977
(8)
الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها د. محمد علي البار ص 194- 195 دار المنارة 1985
وقد ذكرت مجلة التايم الأمريكية في عددها الصادر 6 أغسطس 1984 أن عدد حالات الإجهاض الجنائي في العالم تزيد عن خمسين مليونا، أكثر من نصفها في البلاد النامية.
وذكرت مجلة ميدسين دايجست Medicine Digest (1) أن 13.700.000 حالة إجهاض جنائي (غير تلقائي) تتم سنويا في البلاد النامية
…
وفي شبه الجزيرة الايبرية (أسبانيا والبرتغال) أكثر من مليون حالة إجهاض غير تلقائي سنويا. وفي أوروبا الغربية أكثر من مليون
…
ومنذ أباحت المحكمة العليا عام 1973 في الولايات المتحدة الإجهاض فقد تم إجهاض أكثر من 15 مليون حالة إجهاض حتى عام 1983 مما حدا بالرئيس الأمريكي ريجان بالقيام بحملة بالمطالبة بإلغاء هذا القانون (2) .
ويعتبر الاتحاد السوفيتي أول دولة في العالم أباحت الإجهاض بمجرد الطلب وذلك في عام 1920 ولكن ستالين تراجع في هذا القرار عام 1936 ثم أعيد من جديد عام 1955، وتبلغ حالات الإجهاض ثلاثة ملايين حالة سنويا في الاتحاد السوفيتي (3) .
وفي اليابان ثلاثة ملايين حالة إجهاض سنويا (4) .
5-
هناك أمراض أخرى تعتبر نادرة في الغرب ولكنها غير نادرة في البلاد النامية مثل الدرن (السل) الذي يصيب الجهاز التناسلي
…
وميكروبات البكترويدز والتهاب الزائدة الدودية إذا أهمل وتحول إلى خراج. وهذه جميعا قد تسبب التهاب الحوض وانسداد القناة الرحمية (قناة فالوب) .
6-
الجماع أثناء المحيض: قال تعالي {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة 222- 223]
(1) Medicin Digest March 1981
(2)
كتاب مشكلة الإجهاض للدكتور محمد علي البار ص 5 –7 الدار السعودية للنشر
(3)
كتاب مشكلة الإجهاض للدكتور محمد علي البار ص 5- 7 الدار السعودية للنشر
(4)
كتاب مشكلة الإجهاض للدكتور محمد علي البار ص 5- 7 الدار السعودية للنشر
وللجماع أثناء المحيض أنواع من الأذى ذكرنا نبذا وافيه منها في كتابنا " دورة الأرحام "(1) . ومن هذه الأضرار التهاب الحوض وقناتي الرحم وانسدادهم وحصول العقم وانتباذ غشاء الرحم Endometeriosis (د. برساد في بحثه المقدم إلى المؤتمر الطبي السعودي الثامن المنعقد بالرياض 24 – 28 محرم 1404 هـ) .
7-
التعقيم بقطع الأنابيب وربطها: قد يبدو هذا السبب غريبا وهو كذلك إلا أنه الواقع فهناك عدد من النساء اللاتي يطلبن من الطبيب تعقيمهن أو أن سياسة الدولة تسير علىنشر التعقيم (الهند – مصر – الصين)
…
وبعد أن يتم قطع الأنابيب وربطها تأتي المرأة فيما يستقبل من الأيام الطبيب وتقول له: لقد ندمت في قراري ذاك السابق. فهل تستطيع أن تعيد فتح الأنابيب فيقوم الطبيب لقاء أجر ضخم (عشرة آلاف دولار في الولايات المتحدة) بإجراء هذه العملية التي لا تزيد نسبة النجاح فيها لدى أمهر الجراحين عن 30 إلى 40 % (2) .
لهذه الأسباب مجتمعة ولغيرها من الأسباب ازدادت حالات العقم الناتجة عن انسداد الأنابيب وأهم هذه الأسباب ثلاثة:
1-
انتشار الزنا.
2-
استعمال اللولب.
3-
الإجهاض.
وللأسف لم يهتم الأطباء بمعالجة الأسباب وإنما اهتموا بمعالجة النتيجة فكان عاقبة أمرهم خسرا .... فالعلاج لدى الأطباء يتلخص في الآتي:
1-
سرعة معالجة الأمراض الجنسية.
2-
إجراء الإجهاض في بيئة معقمة أي في المستشفيات وهذا يستدعى السماح به قانونا.
3-
إجراء عملية فتح الأنابيب المغلقة .... وهذه عملية عسيرة ودقيقة ولا يجريها إلا أفراد معدودون من متخصصي الأطباء
…
مع هذا فنسبة نجاحها كما اسلفنا لا تزيد عن الثلث .... وتكلف العملية الواحدة للمرأة الواحدة عشرة آلاف دولار.
(1) د. محمد علي البار: دورة الأرحام فصل المحيض ص 60 الطبعة الرابعة الدار السعودية للنشر
(2)
ندوة الإنجاب بالكويت ص 169
4-
طفل الأنبوب: وهو إجراء فاشل رغم الدعاية الضخمة له. إذ لم يتم سوى علاج عدد ضئيل من السيدات بهذه الطريقة .... ونسبة الفشل في هذه العملية كما اسلفنا تصل إلى 90 % في أمهر المراكز العلمية المتخصصة (مجلة اللانست 2 فبراير 1985) وتكلف مبالغ باهظة تفوق بكثير تكاليف عملية فتح الأنابيب المحدودة النجاح.
وطفل الأنبوب لن يحل مشكلة ملايين النساء اللاتي يعانين من انسداد الأنابيب وإذا استطاع هذا الأجراء التقني البارع أن يجعل مائة أو مائتين من النساء (خلال سبع سنوات) يحملن ويلدن بهذه الطريقة فإن هذا الحل لا يزال بعيدا عن ملايين النساء العاقرات.
إن العالم أصيب بلوثة في تفكيره ففي الوقت الذي يجهض ويقتل فيه كل عام 50 مليون طفل في أنحاء العالم تنفق ملايين الدولارات لعلاج مائتي امرأة على أكثر تقدير في العالم بواسطة طفل الأنابيب.
وفي الوقت الذي تستخدم فيه مئات الملايين من النساء وسائل منع الحمل بتشجيع ودفع من كثير من الدول وبالإكراه في بعض الأحيان (الصين – الهند – مصر) يتحدث الأطباء عن مجهوداتهم البارعة في عمليات فتح الأنابيب أو عمليات طفل الأنبوب.
إن ذلك يشبه العمليات الفنية البارعة في نقل القلوب الميتة أو المطاطية إلى أفراد شارفوا على النهاية، إنها عمليات تكلف الملايين بل مئات الملايين من الدولارات في الوقت الذي يموت فيه أكثر من عشرة ملايين طفل كل عام من الجوع والإسهال!! إن إنفاق هذه المبالغ في إنقاذ هؤلاء الأطفال سيجعل من الممكن بإذن الله إبعاد شبح الموت عن ملايين الأطفال كل عام
…
والذين أمامهم أيام طفولة ومستقبل .... ويمكن أن يكونوا أداة إنتاج.
إن علاج مشكلة العقم في رأينا يتلخص في علاج أسبابه الحقيقية وهي:
1-
الزنا وانتشار الإباحية الجنسية.
2-
الإجهاض.
3-
استخدام اللولب كوسيلة من وسائل منع الحمل.
4-
منع الجماع أثناء المحيض.
5-
علاج الأمراض المستوطنة والمعدية مثل الدرن وتوفير المستشفيات والأطباء لتشخيص وعلاج الالتهابات مثل الزائدة الدودية وخلافها.
وقد وضعنا فصلا أو فصولا في العلاج الحقيقي لأمراض الزنا والإباحية وهي في كتابنا " الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها " ويتلخص ذلك في الإحصان بمعنى العفة والإحصان بمعنى الزواج والإحصان بمعنى الحرية والإحصان بمعنى الإيمان.
وعلاج الإجهاض بمنعه وتوضيح حرمته وخاصة في محيط المسلمين وغيرهم من ذوي الأديان الذين يرون حرمة الإجهاض. كما أن منع الزنا أو التقليل منه يقلل أيضا من حدوث الإجهاض. ولا يسمح بالإجهاض. كما أن منع الزنا أو التقليل منه يقلل أيضا من حدوث الإجهاض. ولا يسمح بالإجهاض إلا بضرورة طبية وذلك قبل نفخ الروح .... أما بعد نفخ الروح فلا يسمح به إلا إذا تعرضت حياة الأم للخطر المؤكد (1) .
أما استخدام اللولب فينبغي أن لا يشجع على استخدامه، وكذلك يوضح للمسلمين خاصته ولغيرهم بصورة عامة أضرار الوطء في المحيض.
ولا يسمح بالتعقيم أبدا إلا لظروف طبية قاهرة تحتم منع الحمل منعا باتا وهذا أمر نادر الحدوث جدا.
وبعلاج الأسباب نستطيع أن نخفض عدد النساء العواقر اللاتي يعانين من انسداد أنابيبهن من عشرات الملايين في العالم إلى آلاف أو مئات الآلاف.. وهؤلاء يمكن علاجهن بطريقة من الطرق بشرط أن تخفض تكاليف هذه العمليات الباهظة.
ومع هذا فلا بد أن يبقى العقيم إذ يستحيل منع العقم كليا من العالم
…
والعالم يشكو من كثرة السكان
…
ويقتل خمسين مليون طفل سنويا إجهاضا
…
كما تستخدم مئات الملايين من النساء وسائل منع الحمل المتعددة.. فإزالة العقم من الوجود غير ممكنة عمليا ومنافية للقوانين الطبيعية وضارة بالتكوين الديموجرافي .... وخير أن يبقى أفراد مصابون بالعقم من أن نقوم بوأد الأبناء أو اجهاضهم حتى لا ينافسوننا في الرزق.
قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) } [الشورى 49- 50] .
وفي اختلاف الناس ما بين عقيم وولود .... وما بين إناث وذكور وما بين أفراد وتوائم تتجلى قدرة الخالق العظيم، وعلمه المحيط بكل صغيرة وكبيرة
…
فيجعل الحياة متوازنة.
(1) دكتور محمد علي البار: مشكلة الإجهاض (ص 37- 45) الدار السعودية 1985
والعلاج مطلوب لحالات العقم كما هو مطلوب لحالات المرض .... ولكن مع العلم بأن الشفاء كله من الله .... وأنه هو يعطي ويمنع ويبسط ويقبض
…
لا راد لحكمه ولا مغير لقضاه
…
فإذا علم المؤمن ذلك ارتاحت نفسه واطمأنت إلى قدر الله بعد بذلك الجهد والوسع والطاقة.. فلا يعيش كما يعيش أولئك المناكيد الذين حرموا نور الإيمان وبرد اليقين فتراهم يتلوعون لأقل نقص يصيبهم.... ويرتعبون من كل ما يقلل من متاعهم الدنيوي الرخيص .... فإن حالت الظروف دون تحقيق ما يريدون ارتكبوا تلك الحماقة الكبرى
…
واقدموا على الانتحار.
والانتحار شائع في الغرب شيوعا كبيرا رغم توفر الأسباب المادية لحياة الرخاء .... ولكن طلبات الإنسان لا يمكن أن تجاب جميعا فمتى صدم الكافر بغياب ما يريد تحقيقه ويصبوا إلى الوصول إليه انتكس ورجع القهقري .... وربما أنهى حياته تلك التعيسة برصاصة أو ببضع حبات من الباربيتورات ..... وهي حياة تمثل الغرب في صورته العامة .... تكالب على المتاع الدنيوي بكل أشكاله وألوانه فان نقص منه شيء ويئس من العثور عليه يئس من الحياة بأكملها فانهاها. وصدق الله تعالى حيث يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} .
التلقيح الاصطناعي:
يطلق لفظ التلقيح الاصطناعي على عدة عمليات مختلفة يتم بموجبها تلقيح البويضة بحيوان منوي وذلك بغير طريق الاتصال الطبيعي الجنسي.
ويشمل هذا التلقيح ما يسمى التلقيح خارج الجسم In Vitro Fertilization
ويحدث فيه أحد الأمور التالية:
1-
أخذ منى الزوج وبويضة زوجته وتلقيحهما في طبق كما حدث في الطفلة لويزا براون وبضع مئات من حالات طفل الأنبوب، ثم تعاد اللقيحة إلى رحم الأم فتنمو فيها نموا طبيعيا وتولد الطفلة ولادة عادية أو قيصرية.
وهذه الحالة أجمع الفقهاء المحدثون على جوازها إذا تمت للضرورة وهي علاج عقم بانسداد الأنابيب ولم يعد هناك علاج ينفع غير هذه الطريقة
…
مع أخذ الاحتياطات اللازمة لعدم اختلاط النطف كما قد يحدث في المختبرات (1) .
2-
أخذ منى الزوج وبويضة زوجته وتلقيحها في طبق
…
ولكن بعد أن تنمو اللقيحة لا تعاد إلى الأم بل إلى امرأة أخرى تسمى متبرعة .... وقد أطلق عليها اسم الأم المستعارة Surrogatemother أو الرحم الظئر (2) .
وقد أجمع الفقهاء المحدثون على حرمة هذا النوع من التلقيح لما قد يحدثه من اضطراب وفوضى في الأنساب ....والشك فيمن تكون أمه صاحبه البييضة أم التي حملته وولدت (3) . ويلجأ إلى هذه الطريقة حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل أو تكون غير راغبة في الحمل ترفها.
3-
نفس الحالة السابقة ولكن تعاد اللقيحة إلى زوجه أخرى للزوج متبرعة بذلك وهذه الحالة هي التي أباحها المجمع الفقهي في دورته السابعة المنعقدة في مكة المكرمة في الفترة من 11 إلى 16 ربيع الآخر سنة 1404هـ. وبما أن الزواج بأكثر من واحدة ممنوع عند غير المسلمين فان هذه الطريقة لا يمكن أن تتم إلا عند المسلمين.
(1) المجمع الفقهي في دورته السابعة 1404هـ
(2)
المرجعين السابقين
(3)
المرجعين السابقين
وقد ذهب الشيخ مصطفى الزرقاء إلى أن الأم التي ترث والتي ينسب إليها الولد هي صاحبة البييضة وخالفه في ذلك مجموعة كبيرة من الفقهاء حيث قالوا إن الأم هي التي ولدت واحتجوا بالأدلة التالية:
(أ) قوله تعالى {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} فنفي الله تعالى الأمومة عن التي لم تلد.
(ب) قوله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} .... والوالدة الحقيقية هي التي ولدت.
(ج){لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ} فالذي يرث المرأة هو الطفل الذي ولدته المرأة.
(د) قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} والوالدة هي التي ولدت.
(هـ){حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} فالتي تحمل وتضع هي الأم.
هذه خلاصة اعتراضات فضيلة الشيخ علي طنطاوي التي نشرتها الشرق الأوسط وأعادت نشرها لجنة كتاب الإنجاب في ضوء الإٍسلام الصادر من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدولة الكويت (1) .
وأما فضيلة الشيخ بدر المتولي عبد الباسط (2) فقد قال:
" ما لا شك فيه أن هذا الطفل ينسب إلى زوج صاحبه البييضة وضرتها التي حملت هذه البييضة الملقحة. وهذا أمر واضح لقيام الفراش وهو الزوجية. أما إلى من ينسب هذا الطفل من ناحية الأم: صاحبة البييضة أم التي حملته "؟
"إن الذي بينه الله أن هذا الطفل ابن أو بنت التي حملته لا صاحبه البييضة لقوله تعالى: {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} . وهذا نص قطعي الثبوت والدلالة. ولا سيما أنه جاء على صيغة الحصر "
ثم قال: " والله سبحانه وتعالى يقول: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} فهل صاحبة البييضة حملته وهنا على وهن؟ وكذلك يقول تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} فهل صاحبة البييضة كذلك؟
" هذا من ناحية النص ومن ناحية المعنى أن البييضة الملقحة إنما نمت وتغذت بدم التي حملتها وتحملت آلام الحمل وآلام المخاض. فهل يعقل أن ينسب الولد لغيرها! وعليه فهذا الولد ابن لهذه التي حملته وولدته. ويأخذ كل أحكام الولد بالنسبة لأمة والأم بالنسبة لولدها من حيث الميراث ووجوب النفقة والحضانة وامتداد الحل والحرمة إلى أصولها وفروعها وحواشيها وغير ذلك.
(1) ندوة الإنجاب ص 488-490
(2)
المصدر السابق ص 484- 485
بقي الكلام على علاقة صاحبة البييضة كالأم المرضعة. وذلك لأن الحنفية اعتبروا عله التحريم في الرضاع هي الجزئية أو شبهتها فأقل ما يقال إن هذا الطفل فيه جزئية من صاحبة البييضة. على أنى لا أستريح لهذا التخريج وأرى أن عملها هدر لا تترتب عليه أحكام.
وفي موضوع آخر (1) . ذكر فضيلة الشيخ بدر متولي أن صاحبه البييضة ليست أما واحتج بقصةابن وليدة زمعة فقد جعله الرسول ابنا لزمعة مع ظهور أنه ليس ابنا لزمعة وجعل الحكم ((الولد للفراش)) فالحقيقة الواقعية (العلمية) ليست بالضرورة هي الحقيقة الشرعية فالشرع يحكم بالظاهر والحقيقة علمها عند الله. وقد أمر الرسول صلوات الله عليه وعلى آله زوجته سودة أن تحتجب من أخيها لظهور الشبهة القوية أخذا بالاحتياط.
وينتهي إلى القول " ليس هناك قيمة أبدا لصاحب البذرة أو صاحب الحيوان المنوي في كثير من الحالات لأنه لا بد أن يكون فراشا شرعيا صحيحا ".
وقال الدكتور زكريا البري والدكتور نعيم ياسين وغيرهم ممن اشتركوا في الندوة أن زرع الجنين (طفل الأنبوب) في رحم امرأة غريبة عن صاحب المنى وصاحبه البويضة حرام .... ولو تمت هذه العملية فيجب التعزير لا الحد في كل من شارك في اجرائها بما في ذلك الأطباء.
وأما حكم الوليد الجنين الذي تلده صاحبه الرحم الظئر فهو للتي حملت وولدت وذكر بعض من ناقش في الندوة أن الأم هي صاحبة البييضة ومنهم الأستاذ الدكتور نعيم يسن، والدكتور عبد الحافظ حلمي ومالت آراء الأغلبية إلى اعتبار ان الأم هي التي حملت وولدت. وقد أضاف الدكتور احمد شوقي تعليقا نري أن نثبته (2) وخلاصته أن كل أطوار خلق الإنسان في رحم أمه من النطفة الأمشاج إلى الولادة تحدث في الرحم .... ومن يحدث لها ذلك سماها القرآن أما. قال تعالى:{يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر 6] ويقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل 78] ، والأمومة تعتمد على خلق الجنين في بطن أمه طورا بعد طور
…
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقه مثل ذلك)
…
الحديث رواه ابن مسعود وأخرجه الشيخان.
(1) ندوة الإنجاب ص 210 - 213
(2)
ندوة الإنجاب ص 220
فالأمومة ليست معتمدة على العوامل الوراثية وحدها وإن كانت لتلك العوامل أهمية كبرى في صفات الخلق إلا أن الأمومة أوسع من ذلك وأشمل علميا وشرعيا.
4-
تؤخذ نطفة رجل وبويضة امرأة ليست زوجته يسمونها متبرعة وتلقح في أنبوب الاختبار .....ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته.
ويلجأ إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلا أو متعطلا ولكن رحمها سليم وقابل للعلوق .... وزوجها أيضا سليم ولا يعاني من العقم
…
وهذه الطريقة أيضا ذكر المجمع الفقهي المنعقد في مكة المكرمة في دورته السابعة سنة 1404هـ حرمتها. وكذلك ندوة الإنجاب بالكويت (1403هـ) .
5-
يجري تلقيح خارجي في طبق اختبار بين نطفة رجل وبويضة من امرأة ليست زوجته ويسمونهما متبرعين ، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متزوجة.
ويلجأون إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة التي زرعت فيها اللقيحة عقيما بسبب تعطل مبيضها لكن رحمها سليم وزوجها أيضا عقيم ويريدان ولدا.
وقد كانت الطريقة السابقة هي أن يقوما بتبني طفل. ولكن بعض النساء يرغبن في الحمل والولادة والشعور بالأمومة ....
وهذه الطريقة ذكر المجمع الفقهي (1404هـ) حرمتها كذلك. وقد افتى المجمع بجواز ثلاث طرق هي:
1-
أخذ نطفة الزوج ووضعها في رحم زوجته.
2-
أخذ نطفة الزوج وبييضة الزوجة وتلقيحها في طبق ثم إعادة اللقيحة إلى رحم الزوجة.
3-
أخذ نطفة الزوج وبييضة الزوجة العقيم وتلقيحها في طبق ثم إعادة اللقيحة إلى زوجة أخرى للرجل متبرعة بحمل الجنين.
وفي هذه الحالات الثلاث قرر المجمع أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدر البذرتين ويتبع الميراث والحقوق الأخرى بثبوت النسب
…
ويثبت الارث وغيره من الأحكام بين الولد ومن التحق نسبه به. أما الزوجة المتطوعة فتكون في حكم الأم المرضعة لأنه اكتسب من جسمها وعضويتها أكثر مما يكتسب الرضيع من مرضعته في نصاب الرضاع الذي يحرم به ما يحرم من النسب ولكن لا توارث بينهم. (وهذه نقطة خلاف مع الفقهاء وقد ذكرنا أوجه الخلاف) .
كما حذر المجمع الفقهي كذلك المشاركون في ندوة الإنجاب من جميع وسائل التلقيح الاصطناعي حتى المباحة منها شرعا لما يعتبر بها من احتمال الخطأ والشك واختلاف النطفة .... والتجارة الجنينية التي يقوم بها من لا دين لهم فيتاجرون في النطف والأبضاع .... ولهذا ينبغي على المسلمين البعد عن هذه المزالق وأخذ منتهى الحيطة والحذر وعدم الولوج في هذا الميدان إلا في حالة الضرورة القصوى.
التلقيح داخل الجسم In Vivo Ferilization
إن هذه الطريقة الطبيعية التي تحدث في الإنسان والثدييات وذلك بإدخال العضو التناسلي في مهبل المرأة (أو الأنثى) .
وإذا تركنا هذه الطريقة الطبيعية فإن هناك طرقا أخرى غير طبيعية .... ويدخل بموجبها ماء الذكر إلى الأنثى.
وهذه الطريقة تستخدم بكثرة في الحيوانات .... ويكفي ثور واحد أو أثنين يجمع ماؤهما لتلقيح مئات أو آلاف الأبقار.
وقد عرفت هذه الطريقة بالنسبة للإنسان باسم " الاستدخال " وهو استدخال ماء الرجل إلى فرج المرأة. وقد وصفها الفقهاء المسلمون وتحدثوا عنها بشيء من التفصيل في كتب الفقه.
واستخدمت هذه الطريقة حديثا في الإنسان .... وذلك في الأغراض التالية:
1-
إذا كان عدد الحيوانات المنوية لدى الزوج قليلا فتجمع حصيلة عدة دفعات من المني وتركز ثم تدخل إلى رحم الزوجة.
2-
إذا كانت حموضة المهبل تقتل الحيوانات المنوية بصورة غير اعتيادية.
3-
إذا كان هناك تضاد بين خلايا المهبل والحيوانات المنوية مما يؤدي إلى موتها.
4-
إذا كانت إفرازات عنق الرحم تعيق ولوج الحيوانات المنوية.
5-
إذا أصيب الزوج بمرض أدى إلى إصابته بالعنة وهو عدم القدرة على الإيلاج أو (الإنزال السريع جدًا) مع وجود قدرته على إفراز حيوانات منوية سليمة.
في هذه الأغراض جميعا إذا تم التلقيح بين الزوج والزوجة فلا حرج
…
وإذا أمكن أن لا تنكشف عورة المرأة إلا لطبيبة مسلمة فإن لم يكن فغير مسلمة فإن لم يكن فلطبيب مسلم ثقة فإن لم يتيسر فلطبيب غير مسلم ثقة في عمله.
وقد ذكر الفقهاء السابقون واللاحقون أن إجراء مثل هذا التلقيح الصناعي جائز إذ ما تم بين زوج وزوجته أثناء قيام عقد الزوجية
…
وقد أفتى بذلك مفتي مصر ومفتي تونس والمجمع الفقهي الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في دورته السابعة 1404هـ وندوة الإنجاب المنعقدة بالكويت والتي ضمنت مجموعة من فقهاء العالم الإسلامي المشهورين وبعض الأطباء (11 شعبان 1403هـ / 24 مايو 1983) .
وهناك عدة أغراض أخرى تستخدم فيها طريقة التلقيح الاصطناعي الداخلي أعلن هؤلاء الفقهاء حرمتها وعدم جوازها وهي:
1-
إدخال ماء رجل غريب عن المرأة: وهذه الطريقة قد استخدمت قديما باسم الصدفة
…
ومعروفة في أرياف مصر وأهل البلد .... وقد وقعت حادثة وصلت فيها إلى القضاء المصري.
وخلاصة هذه الطريقة القديمة أن الزوجة تشكو من العقم فتقوم إحدى النسوة بتحضير صدفة فيها منى قريب لها وتدخله في فرج المرأة فتحمل إذا كان العيب من الزوج.
وفي القصة التي وصلت إلى القضاء المصري كان الزوج قد فحص نفسه فوجد أنه لا يحتوي على حيوانات منوية فلما حملت زوجته بهذه الطريقة أنكر الولد ووصلت القضية إلى المحكمة واعترفت الزوجة بقصة الصدفة كما اعترفت بذلك المرأة التي قدمت لها الصدفة.
أما الآن فتستخدم هذه الطريقة في الغرب في الأغراض التالية:
(أ) زوج عقيم وامرأته غير عقيمة: ومع ذلك فقدرته الجنسية للجماع طبيعية ولا يوجد في ماء هذا الزوج حيوانات منوية
…
فآنذاك تؤخذ الحيوانات المنوية من بنك المني وتعطي للزوجة.
وهذه الطريقة لا شك في حرمتها بالنسبة للمسلمين .... وإذا حدثت وجب التعزير على كل من شارك فيها. ولا حد على الزوجة لأن ذلك ليس بزنا
…
فإذا حملت الزوجة ورضي الزوج ولم ينكر الولد ألحق الولد به " فالولد للفراش ".أما إذا أنكر الولد فيفرق بين الزوج والزوجة كما يحدث في اللعان وينسب الولد لأمه فقط.
(ب) نكاح الاستبضاع: وقد كان هذا النكاح شائعا في الجاهلية عند العرب قبل الإسلام. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: " وإن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء .... فنكاح منها نكاح الناس اليوم
…
يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها. والنكاح الآخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه. ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه. فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب. وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. فكان هذا نكاح الاستبضاع. ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها. تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان. تسمى من أحبت باسمه فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن الرايات تكون علما فمن أرادهن دخل عليهن. فإذا حملت احداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لها القافة (وهو خبير الوراثة عند العرب) ثم الحقوا ولدها بالذي يرون خالطته ودعى ابنه لا يمتنع عن ذلك. (كتاب – النكاح – صحيح البخاري) .
ولو عرف دعاة حقوق المرأة ومؤتمرات المرأة ما وصلت إليه المرأة في الجاهلية قبل الإسلام لطالبوا بالوصول إليه وتحقيقه واعتباره قمة الحرية والإنصاف للمرأة!!
على كل حال نكاح الاستبضاع الآن أخذ شكلا جديدا .... يجمع المني من العباقرة والأذكياء والأقوياء ويكتب على كل قارورة منى اسم مانحها وتحفظ في بنوك المنى
…
وتقدم كالتوجات للنساء وللأسر
…
هل تريدون منى الرجل العبقري فلان؟ إنه حصل على جائزة نوبل في الآداب؟ أم تريدون منى الرجل القوي الجبار فلان فقد كان قائدا عسكريا بارعا، أم أن المكتشف والمخترع فلان هو الذي يناسبكم؟ أتريدون ولدا أبيض أم اسمر إلى أخر قائمة الطلبات .... الكتالوج يوضح خصائص مانح المنى
…
والثمن خمسمائة جنية فقط ....
تجارة رابحة في نكاح الاستبضاع تقوم الآن في الغرب
…
الدكتور جراهام من ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة اختار حوالي خمسين امرأة وأجرى معهن هذه التجربة .... وذلك بتلقيحهن بماء رجال مشهورين ....
ومن هؤلاء النسوة الدكتور بليك دكتوراه بالفلسفة، غير متزوجة في الأربعين من عمرها .... اختارت من كتالوج بنوك المنى منى أستاذ جامعي مشهور .... وأنجبت بالفعل طفلا
…
وهي سعيدة بهذا الطفل .... وقد أعلنت أنها ستخبر طفلها عندما يكبر بالحقيقة!! (1) .
2-
إدخال ماء الزوج بعد انفصام عقد الزوجية:
يحتفظ الزوج بمائه في بنك المنى ويسافر إلى فيتنام مثلا كما حدث في أمريكا ويقتل هناك .... فتقوم زوجته بأخذ مائه من بنك المنى ويتم تلقيحها به. وقد حدثت مئات الحالات من هذا القبيل
…
وفي المجتمع الغربي لم يعتبر ذلك شيئا مشينا بل على العكس اعتبر عملا مجيدا يستحق الثناء.
أما في الإسلام فان الموت يعتبر نهاية عقد الزوجية ولا يمكن أن يأخذ منى هذا الزوج لتلقيح زوجته بعد وفاته
…
وتعتبر هذه الطريقة محرمة كما أفتى بذلك المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في دورته السابعة عام 1404هـ
…
والعلماء الذين حضروا ندوة الإنجاب في الكويت تحت إشراف وزير الصحة الدكتور عبد الرحمن العوضي (11 شعبان 1403هـ)
…
ومفتي مصر كما نشرته الصحافة. وكذلك مفتي تونس.
أما إذا انفصم عقد الزوجية بطلاق بائن فكذلك لا يجوز استخدام المنى. وكذلك لا يجوز استخدام المنى في الطلاق الرجعي إلا إذا أرجعها الزوج وصارت بذلك زوجته مرة أخرى وقام بينهما عقد الزوجية من جديد.
وحصول النسب مرتبط بقيام عقد الزوجية فإذا انفسخ هذا العقد بموت أو طلاق ولم يكن هناك حمل قبل الموت أو الطلاق فإن الحمل بعد وفاة الزوج أو بعد الطلاق يلغي النسب.
(1) ندوة الإنجاب ص 473- 474 نقلا عن مجلة أسرتي في 8/5/1982
وهناك خلاف بين الفقهاء وفي المدة التي يختفي فيها الحمل وأغلب المذاهب على جعلها سنتين
…
وأما ابن حزم والظاهرية فقد أنكروا أن يكون الحمل أكثر من تسعة أشهر (1) .
بعض أضرار التلقيح الصناعي:
1-
كثيرا ما يكون المانح (المتبرع) مجهولا
…
وقد يكون مصابا بأحد الأمراض التناسلية فينقل ذلك إلى المرأة التي تلقح بمائه. وقد نشرت الشرق الأوسط نقلا عن وكالات الأنباء في 1405/11/9هـ – 1985/7/26 م هذا الخبر: التخصيب الصناعي ينقل المرض القاتل إيدز: اعترف أحدث مستشفيات استراليا بأن أربعا من النساء اللاتي خصبن صناعيا بحيوانات منوية من مانحين ربما تلقين فيروس مرض الإيدز عندما تم تخصيبهن بماء مانح واحد عام 1982 وقد حملت ثلاثة من النسوة ووضعن ثلاثة أطفال أصحاء .... وقد ظهر أن الرجل كان مصابا بمرض الإيدز.
2-
أن تتحول النساء إلى مجموعة من الأبقار يلقحن بماء ثور واحد
…
وتستخدم معظم بنوك المنى، منى رجل واحد لتلقيح مائه امرأة (النيوزويك 18/3/1985 ص 44) .
3-
الفوضى العارمة في الأنساب
…
وجهالة النسب.
4-
هناك ربع مليون طفل على الأقل كما تقول النيوزويك (1985/3/18) لا يعرف لهم أب أصلا لأنهم ولدوا نتيجة التلقيح بماء متبرع أو مانح.
5-
التلقيح بماء الزوج الذي مات منذ فترة: وقد حصلت هذه القضية في الولايات المتحدة وخاصة أثناء حرب فيتنام كما حصلت عام 1984 في فرنسا في قضية السيدة الأرمل كورين بارباليكس التي رفعت أمرها إلى القضاء ليحكم لها بحقها في أن تلقح بماء زوجها الذي توفي منذ أمد.
6-
استنبات الأجنة المجمدة: وفي استراليا وافقت المحكمة العليا في نوفمبر 1984 على استنبات الجنينين المجمدين اللذين خلفهما زوجان ثريان من كاليفورنيا في الولايات المتحدة ماتا في حادثة طائرة .... وكان الزوجان قد حاولا عملية طفل الأنبوب وفشلت العملية ....واحتفظ بجنينين مبكرين (لقيحتين .... واللقيحة مكونة من بييضة المرأة ملقحة بنطفة الرجل) في الثلاجة لحين عودتهما مرة أخرى إلى استراليا. ولكن القدر عاجلهما
…
فبقيت اللقيحتان مجمدتين تنتظران الإذن باستنباتهما والرحم الظئر لحملهما وقد صدر أمر المحكمة بالموافقة على استنباتهما وزرعهما في رحم متبرعة.
7-
حمل طبيعي للام المستعارة: وفي ألمانيا وافقت امرأة على حمل لقيحة من شخصين عقيمين. لتكون أما مستعارة.. أو رحما ظئرا كما يدعيها الفقهاء Surrogate Mother وبالفعل تم وضع اللقيحة في رحمها وحملت المرأة .... ولكن أثناء الحمل تبين بالفحوصات أنها حملت من ماء زوجها أن اللقيحة التي وضعت فيها لم تعلق بالرحم!!
وبما أنها استلمتم 8000 (ثمانية آلاف دولار في مقابل أن تكون أما مستعارة فقد وافقت على أن تعطيهم ابنها عند الولادة ليتبنوه.
إنها حضارة القرن العشرين حيث يبيع المرء ولده مقابل مبلغ من المال!
8-
الرحم المستعار ترفض تسليم الجنين بعد ولادته: وفي بريطانيا عندما قامت كيم كوتون بدور الرحم المستعارة (الرحم الظئر) لزوجين ثريين من الولايات المتحدة مقابل مبلغ من المال أمرتها المحكمة البريطانية في يناير 1958 عند ولادة الطفل بالاحتفاظ به واستأنف الزوجان الثريان من الولايات المتحدة القضية في المحكمة العليا وحصلا على أمر بأخذ الطفل
…
فأخذاه مقابل زيادة المبلغ المدفوع لكيم كرتون
…
ولكن مجلس العموم البريطاني انزعج لهذه القضية وخاصة بعد أن تحدث ضدها مجموعة من الأعضاء .... وتكونت لجنة ديم ماري وارنك من مجموعة من الأطباء والقانونيين ورجال الدين وأصدرت توصياتها بمنع كل أنواع الرحم المستعارة التجارية.
(1) انظر تفاصيل مدة اكثر الحمل في كتابنا خلق الإنسان بين الطب والقرآن ص 452 الطبعة الخامسة
9-
شركات تجارية لبنوك المنى: في الولايات المتحدة وفي أوروبا تكونت شركات تجارية ضخمة للتجارة في بنوك المنى .... وكما تقول النيوزويك (18/3/1985) بأن بنوك المنى تشهد زحاما كبيرا هذه الأيام وتحقق أرباحا خيالية.
10-
تكونت في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا شركات تجارية لبيع الأرحام المستعارة ويتراوح ثمن الرحم المستأجرة ما بين خمسة آلاف وعشرة آلاف دولار .... وتعتبر شركة ستوركس Storkes من الشركات الناجحة في مجال التجارة بالأرحام وتتحدث الفتاة دومنيكو جيرورو Dominique Guerrers البالغة 25 ربيعا والتي تعمل كرحم ظئر لشركة ستوركس Storkes بأنها تعتقد أن أم الطفل هي التي تحمله وتلده لا تلك التي تدفع النقود فقط.
11-
ذكرت النيوزويك (1985/3/18) أن بنوك المنى تستخدم منى رجل واحد لتلقيح مائة امرأة .... وهناك احتمال كما يقول الدكتور جورجيس دافيد رئيس أكبر بنك للمني في فرنسا: " كلما زاد عدد الذين يلقحون من النساء بماء رجل واحد كلما زاد الاحتمال بأن تلقح أمه أو أخته أو عمته أو خالته أو ابنته بمائه ".
ولهذا فقد اتخذ هذا البنك إجراء للحد من هذا الاحتمال وذلك بحصر النساء اللاتي يلقحن بماء رجل واحد بخمس نسوة فقط
…
ولكن هذا لا ينفي كما يقول الدكتور جورجيس دافيد من احتمال تلقيح الرجل لأمه أو أبنته أو أخته أو غيرهن من المحارم.
على كل حال نكاح المحارم في الغرب غير غريب وقد بدأ في الانتشار وكتبنا عنه فصلا في كتابنا الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها فليرجع إليه.
ويفتخر الدكتور جورجيس دافيد بأن البنك ساهم بمنى لإيجاد عشرة آلاف طفل ولدوا في فرنسا منذ إنشائه عام 1972.
12-
تم تلقيح آلاف النساء الغير متزوجات بمنى حصلن عليه من البنوك.
13-
في معظم هذه البنوك لا تعلم المرأة الملقحة شيئا عن الرجل الذي منحها منيه
…
وتسمح بعض البنوك بإعطاء فصيلة الدم ولون الجلد والشعر لكن دون الاسم.
والمضحك هنا أن امرأة بيضاء أخذت منى رجل أبيض فاتضح عند الولادة أنها أعطيت من رجل أسود.
14-
احتمال الإصابة بالأمراض الوراثية كبير
…
خاصة أن الذين يبيعون منيهم للبنوك قد يكذبون في إعطاء التاريخ الطبي والوراثي للبنك
…
وبهذا يزداد عدد الذين سيصابون بأمراض وراثية.
15-
الأمراض التي تنتقل عبر المني إلى امرأة أو إلى الجنين كثيرة
…
من أهمها التهاب الكبد الفيروسي من فصيلة B المسبب لسرطان الكبد
…
والسيلان والكلاميديا الزهري.. وغيرها من الأمراض الجنسية وغير الجنسية.
16-
التحكم في جنس الجنين: يفتح التلقيح الصناعي الباب لاختبار الطفل المطلوب ذكر أم أنثي
…
وذلك مبنى على أن ماء الرجل يحتوي على حيوانات منوية مذكرة (أي تحمل كروموسوم الذكورة X) وحيوانات منوية مؤنثة (أي تحمل كرومسومات الأنوثة) بنسبة 50 % مذكرة و 50 % مؤنثة. فإذا استمنى الرجل خارج مهبل زوجته وأخذ المني أمكن فصل الحيوانات المنوية المذكرة عن المؤنثة فصلا غير تام وذلك بناء على معرفة خصائص الحيوان المنوي المذكر التي تختلف عن الحيوان المنوي المؤنث. حيث يكون الحيوان المنوي الذي يحمل شارة الذكورة أسرع
…
وله صفات أخرى تميزه عن الحيوان المنوي الذي يحمل شارة الأنوثة مثل الكتلة والقدرة على اختراق المخاط اللزج في قناة عن الرحم
…
والبقاء في سائل قاعدي Alkdine وسنتعرض بإنجاز شديد إلى الوسائل التي تؤدي إلى الفصل (غير التام) بين الحيوانات المنوية المذكرة والحيوانات المنوية المؤنثة (1) والتي تستخدم حاليا في الحيوانات في التلقيح الصناعي كما أن استخدامها في الإنسان قد أخذ طريقة مع ظهور وشيوع التلقيح الصناعي.
(أ) استخدام سائل قاعدي أو حامضي: توضع الحيوانات المنوية لمدة ساعتين إلى ست ساعات في محلول حامضي أو قلوي ويسمح لها بأن تسبح في أنبوب رفيع تحت ظروف مماثلة لما يحدث في المهبل. وتترك الحيوانات المنوية ثم تفصل
…
ونجد ان الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة تميل إلى المحلول القاعدي بينما تميل الحيوانات التي تحمل شارة الأنوثة إلى المحلول الحامضي (تستخدم درجة حرارة تتراوح بين 5.4 إلى 9.6) وبهذه الطريقة يمكن فصل الحيوانات المنوية المذكرة عن الحيوانات المنوية المؤنثة بحيث تصل نسبة 70 % حيوانات منوية تحمل شارة الذكورة و 30 % حيوانات منوية تحمل شارة الأنوثة.
(1) البروفسور سعد حافظ: ذكر أم أنثى بحث مقدم إلى المؤتمر الطبي السعودي الثامن الرياض (30 أكتوبر 1987)
(ب) إذا أضيف هرمون الاسترادبول (هرمون الأنوثة) إلى الحيوانات المنوية فان حركة الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكور Y تزداد ازديادا كبيرا بالمقارنة مع الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الأنوثة X.
(ج) الفصل بواسطة الترسيب والطرد من المركز: لقد استخدمت أساليب كثيرة في الفيزياء الحيوية لفصل الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة Y عن الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الأنوثة X وذلك على أساس الاختلافات من ناحية الفيزياء الحيوية
…
وتستخدم المحاليل الزلالية ومحتويات السكروز لفصل الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة Y عن تلك التي تحمل شارة الأنوثة X بواسطة الترسيب والطرد المركزي.
وبما أن الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة Y لا تحتوي على كمية كبيرة من المواد الزلالية فإنها تتسرب بسهولة في المواد الزلالية ذات التركيز العالي.
وكذلك بما أن الكروموزم (الصبغ) Y أقصر وأخف من الكروموسوم X فإن حركات الحيوانات المنوية التي تحمل الكرموسوم Y (أي الحيوانات المذكرة) تكون أسرع من تلك التي تحمل الكرموسوم X وخاصة في محلول المواد الزلالية.
وهناك طريقة أخرى لترسيب الحيوانات المنوية المذكرة بصورة أكبر من ترسيب الحيوانات المنوية المؤنثة التي تحمل الكروموزوم X وذلك باستخدام وسيلة الطرد المركزي على مكونات مادة السكروز لفصل الحيوانات المنوية التي تحمل الكروموزوم Y عن تلك التي تحمل الكروموزوم X
…
فقد وجد أن التي تحمل Y تترسب، بينما تطفو على السطح تلك التي تحمل الكروموزوم X.
وبهذه الطريقة أيضا أمكن زيادة الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة Y إلى 70 % وخفض التي تحمل شارة الأنوثة إلى 30 %.
ولعل القارئ الكريم قد لاحظ أن التحكم في جنس الجنين ليس تاما .... بل هو في زيادة احتمال الاستيلاء ذكور بنسبة 70 % بدلا من النسبة الطبيعية 53 % وذلك أن نسبة المواليد الذكورية إلى الإناث في الحالات الطبيعية هي 106 إلى 100 وهي زيادة محدودة لتعويض ما يفقد من الذكور في الحياة حيث أن وفيات الذكور أكثر من وفيات الإناث في مراحل العمر المختلفة
…
وفي الشيخوخة نجد أن النساء أكثر من الرجال.
وهناك طرق متعددة تستخدم حتى بدون التلقيح الصناعي لزيادة احتمال استيلاد ذكور وهي مبنية على الحقائق التالية:
1-
أن خروج البييضة من المبيض يعقبه ارتفاع في درجة حرارة جسم المرأة بدرجة مئوية كاملة.
2-
يصحب خروج البييضة تغييرات في سائل المهبل (أقل حامضية) وفي المادة المخاطية على عنق الرحم (أقل لزوجة) وزيادة في هرمون الاستروجين والبروجستروك. وهذه العوامل كلها تساعد على ولوج الحيوانات المنوية المذكرة أكثر مما تساعد على ولوج الحيوانات المنوية المؤنثة التي تحمل الكروموزوم X.
لهذا فإن الجماع إذا حصل بعد خروج البييضة (والبييضة لا تعيش في الغالب أكثر من 12 ساعة) فإن الولد سيكون بإذن الله ذكرا. أما إذا حصل الجماع قبيل خروج البييضة من المبيض فإن الاحتمال بأن الولد سيكون أنثى احتمال كبير.
وكذلك إذا وضعت المرأة في فرجها سائلا حامضيا فإن الحيوانات المذكرة تهلك فيه بسرعة على عكس السائل القلوي مثل بيكربونات الصوديوم Sodium dicarbonate الذي تنشط فيه الحيوانات المذكرة أكثر.
هذه هي الاحتمالات
…
وإذا قلنا إن جنس الجنين ذكر أم أنثى يتحكم فيه الإنسان فهو أمر غير صحيح
…
وأجهزة الإعلام لا توضح الحقائق العلمية بل تهول الأمور وتدعى ما لا يدعيه العلماء.
صحيح أن استخدام التلقيح الصناعي قد يزيد من نسبة الذكور 70 % بدلا من 53 % وهذا في حد ذاته أمر خطير قد يسبب اضطرابا في التكوين الديموجرافي السكاني.
ولكن ليس كل الأباء يرغبون في ذرية من البنين فقط
…
فهناك من يرغب في البنين وهناك من يرغب في الإناث .... وهناك قطعا من يرغب الجمع بينهما.
17-
زيادة احتمال ولادة المشوهين بالعيوب الخلقية: ومن المحاذير أيضا أن فصل الحيوانات المنوية المذكرة مثلا ثم حقنها في رحم الزوجة يزيد من احتمال وصول الحيوانات المنوية الشاذة في تكوينها
…
حيث إن الجماع الطبيعي فيه عوازل كثيرة تجعل الحيوانات الشاذة والمريضة (وهي لا تقل عن 20 % من مجموع الحيوانات المنوية) تموت في الطريق ولا تصل إلى البويضة. بينما إذا حقنا هذه الحيوانات المنوية مباشرة إلى الرحم فإن عددا لا يستهان به من الحيوانات المريضة والمشوهة والشاذة يصل إلى البييضة وقد ينجح أحدها في تلقيح البويضة فتكثر العيوب الخلقية مما يؤدي إلى الإجهاض أو إلى ولادة نسل مشوه.
وكذلك إذا فصلت الحيوانات المنوية المذكرة عن المؤنثة مثلا فإن نسبة الحيوانات المنوية الشاذة في تكوينها ترتفع وبذلك تزيد احتمالات ولادة أطفال مشوهين أو حدوث إجهاض إذا كان التشويه الصبغي (الكروموزومي) كبيرا. ذلك لأن معظم حالات الإجهاض التلقائي بها خلل كروموزمي. فإذا زاد الخلل الكروموزمي في الأجنة فإن ذلك يعني زيادة في الإجهاض.
18-
زرع المبيض: إن التلقيح الصناعي والتحكم في الإنجاب فتح أبوابا جديدة في الممارسات الطبية. ومنها زرع مبيض امرأة في محل مبيض تالف لامرأة أخرى.
وقد نشرت (المدينة) في العدد 6696 في 1405/11/23هـ (9 أغسطس 1985) أن البروفسور شرمان سيلبر الذي يعمل في مستشفى سانت لوك في مدينة سانت لوى بالولايات المتحدة تمكن لأول مرة في التاريخ من نقل أحد المبيضين مع أنبوب قناة فالوب التابع له من امرأة وزرعها في أختها التوأم
…
وقد صرح الطبيب المذكور بأن هذه العمليات (نقل وزرع المبيض وقناة فالوب) ستبقى في الوقت الحاضر منحصرة في التوائم الحقيقية والتي تكونت نتيجة انقسام بويضة واحدة ملقحة
…
وذلك لتجنب مشكلة رفض الجسم للانسجة.
وتعتبر هذه العملية دقيقة جدا حيث إن زرع الأنبوب في الرحم عملية بالغة الصعوبة
…
وكذلك يحتاج الأمر إلى زرع أو تحويل بعض الشرايين لتغذية المبيض والأنبوب المزروعين.
وقد صرح الجراح الأمريكي بقوله: رغم أن هذا النوع من الجراحة لن يكون له قيمة في حل مشكلة العقم عند المرأة فإنه يعتبر خطوة مهمة جدا في عملية الجراحة المجهرية..
والمشكلة تأتي عندما يعمل المبيض المزروع وتحمل هذه المرأة فلمن تكون البويضة بتكوينها الوراثي؟ أليست للمتبرعة
…
ويكون بذلك الطفل مكونا وراثيا من أم أخرى وهذا يعيد المشكلة السابقة وهي مشكلة الرحم الظئر بصورة أخرى.
19-
زرع الخصية: وهي مشكلة مشابهة لزرع المبيض
…
وإذا تم زرع الخصية في شخص عقيم فإن حيواناته المنوية ستكون من رجل آخر
…
وهو نوع من النكاح فيه شبه زنا. إذ تكون النطفة لرجل آخر في الحقيقة .... وذلك يشبه التلقيح الصناعي بماء رجل آخر
…
وقد أفتى الفقهاء (المجمع الفقهي بمكة المكرمة وندوة الإنجاب بالكويت – مفتي مصر – مفتي تونس) بحرمة هذا النوع من التلقيح لوجود شبهة الزنا، وقد أوجبوا التعزير لكل من يشترك في مثل هذا الفعل.
20-
زرع الرحم: إذا كان الرحم مصابا إصابة تجعل الجراح يستأصله ومع ذلك فإن المبيض لهذه المرأة سليم .... وقد ترغب هذه المرأة في الإنجاب، ومع شيوع زرع الأعضاء وتقدمها فإن زرع رحم امرأة أخرى (أما بعد وفاتها مباشرة أو متبرعة) سيفتح الباب لمعالجة عقم مثل هذه المرأة .... فهل يسمح بمثل هذا الأجراء؟
إن الضرر هنا قد يلحق بالمرأة المتبرعة برحمها إذا كانت حية .... وقد تكون في سن الإنجاب وقد تفقد أولادها بحادثة فترغب في الحمل أو تتزوج رجلا آخر وترغب في الحمل فلا تستطيع ذلك لعدم وجود رحم بها.
ومن هذه الناحية يبدو أن هناك مانعا من هذه العملية، أما إذا تم ذلك من امرأة توفيت في حادثة مثلا وبقى الرحم حيا بواسطة ترويته بالدورة الدموية بأجهزة الانعاش (كما أوضحناه في بحث موت القلب أو موت الدماغ) وكانت هذه المرأة قد تبرعت بأعضائها قبل وفاتها، فإن مثل هذه العملية إذا نجحت من الناحية التقنية فلا يبدو ما يمنعها من الناحية الشرعية.
حيث إن المبيض مبيضها
…
والبويضة عائدة لها
…
والنطفة من زوجها باتصال طبيعي أو غير طبيعي (بواسطة التلقيح الصناعي)
…
ولا تحدث أشكالا في النسب.
الرحم الظئر (الأم المستعارة) Surrogate Mother
إن الرحم الظئر يمكن أن تكون على أشكال متعددة نوجزها فيما يلي:
1-
تؤخذ البويضة من الزوجة وتلقح بماء زوجها في الطبق (الأنبوب) ثم تعاد اللقيحة إلى رحم امرأة أخرى تستأجر لذلك ....
وقد خرجت هذه الحالة من الافتراض إلى الواقع عندما وافقت " ريتا باركر " على أن تكون أما بديلة ورحما مستعارا لزوجين هما " بولين وهاري تايلر ". وذلك مقابل أجر
…
حملت الأم المستعارة اللقيحة المكونة من بييضة " بولين تايلر " والملقحة بحيوان منوي من ماء زوجها " هاري تايلر "
…
وبدأ هاري تايلر يتردد على المرأة التي حملت له والده
…
ووقع في غرامها ووقعت في غرامة
…
وزني بها وزنت به!!
الزوجة الأصيلة شعرت بالغيرة
…
وبدأ الشقاق في الأسرة التي كانت حتى ذلك الوقت تتمتع بقدر من السعادة والاستقرار.
الأم المستعارة " ريتا باركر " رفضت تسليم الوليد الذي حملته إلى صاحبه البويضة
…
إن مشاعرها تغيرت بالحمل والولادة .... إنها تشعر أنها أم ذلك الطفل ولا تستطيع التفريط فيه
…
ورفع الأمر إلى القضاء! والقضاء في حيرة من أمره!
في مدينة لوس انجلوس في الولايات المتحدة تكونت جمعية تسمى جمعية الأمهات البديلات أو الأمهات المستعارات Surrogate Mothers يتوافد عليها عدد من الأزواج المصابين بنوع من العقم والباحثين عن رحم مستعار.
تكونت في الولايات المتحدة شركات تجارية لبيع الأرحام .... امتد النشاط إلى بريطانيا .... وقف القضاء والرأي العام البريطاني ضد هذه التجارة.
ما زالت شركات بيع الأرحام تغري أجهزة الأعلام بتبني قضيتها الإنسانية!! بدأ الرأي العام يستمع إلى الحجج التي ينمقها بعض المنتفعين من الكتاب والصحفيين في أجهزة الأعلام..البندول يتأرجح
…
والأنصار يزدادون يوما بعد يوم
…
اقتراح رجال القانون وضع عقود موثقة بين الأم المستعارة (الرحم الظئر) بتسليم وليدها عند ولادته مقابل مبلغ من المال يدفعه الزوجان صاحبا اللقيحة.
المعارك مستمرة والقضاء في حيرة
…
2-
الصورة الثانية: يجرى تلقيح خارجي في أنبوب اختبار بين نطفة رجل وبويضة من امرأة ليست زوجه له. يسمونهما متبرعين أو مانحين
…
ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متزوجة .... وتحمل المرأة وتلد
…
وهذه الصورة لم تسبب مشاكل في المجتمعات الغربية لأن المتبرعين بمائهما قد يكونا مجهولين
…
ويستلمان الثمن عادة من بنك المنى وقد يكونا معروفين
…
ولا غضاضة عندهم في هذا كله.
3-
الصورة الثالثة: يجري تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين نطفة مأخوذة من زوج، وبويضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته تدعى متبرعة أو مانحة ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته..
وهذه أيضا لم تحدث مشاكل في الغرب لأن صاحبه البويضة أما أن تكون متبرعة بالبويضة أو تكون قد استلمت ثمن بويضتها .... وقد تكون معروفة للزوجين أو غير معروفة
…
وهو الأغلب.
4-
الصورة الرابعة: وهي صورة نظرية لم تحدث حتى الآن
…
وقد تصورها الشيخ الدكتور مصطفى الزرقاء، وهو أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين
…
ثم تعاد اللقيحة في رحم زوجة أخرى للرجل متبرعة بذلك لأن ضرتها لا تستطيع الحمل لمرض في رحمها.
وهذه الصورة لم تحدث حتى الآن
…
ففي الغرب حيث موجه التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب والأم المستعارة لا توجد مسألة الزواج بأكثر من واحدة وتحرمها جميع القوانين الغربية وينظر لها المجتمع شزرا وتعتبر لديهم صورة للهمجية والتخلف
…
في الوقت الذي يتسافدون فيه تسافد الكلاب.
وفي العالم الإسلامي حيث تسمح الشريعة الإسلامية بالزواج بأربعة فإن التلقيح الصناعي ورحم الظئر وطفل الأنبوب كلها أمور جديدة لم تظهر بعد
…
وإن كانت في طريقها إلى الظهور، ففي جدة أقام مستشفى خاص حملة دعايته بأنه سينفذ مشروع طفل الأنابيب حسب الشريعة الإسلامية!!
على أية حال أثارت هذه الصورة
…
وهي استعارة رحم الضرة لتحمل لقيحة ضرتها نقاشا طويلا بين الفقهاء
…
لا من حيث الحرمة
…
فقد اتفقوا على الإباحة بشروط عديدة منها الحيطة الكاملة في عدم اختلاط النطف. وأن لم يتم ذلك إلا للضرورة القصوى
…
وأن لا تنكشف عورات النساء إلا لطبيبات مسلمات فإن لم يتيسر فلطبيبات غير مسلمات فإن لم يكن ذلك فلطبيب مسلم عدل فإن لم يكن فلطبيب غير مسلم مأمون في صنعته.
وكان النقاش حادا وطويلا فيمن تكون الأم التي ينسب لها الطفل، الأم صاحبة البييضة أم تلك التي حملت وولدت؟ قال الدكتور الشيخ مصطفى الزرقاء إن الأم صاحبة البييضة وشايعة في ذلك قليل من الفقهاء ومال الأغلبية إلى أن الأم التي ينسب لها الطفل التي حملت وولدت. وقد سبق أن ذكرنا طرفا من ذلك النقاش فيما تقدم.
واشتط الشيخ بدر المتولي فجعل صاحبه البييضة مهدورة من كل حق. ومال الباقون إلى أن تكون مثل أم الرضاع.
وان الذين قالوا بأن الأم هي صاحبة البييضة فقد جعلوا صاحبة الرحم الظئر أما مثل أم الرضاع في المحرمين.. ولكن لا نسب ولا توارث، ولا حقوق ولا واجبات مثل حقوق وواجبات الأم الحقيقية.
الأجنة المجمدة:
ما هي الأجنة المجمدة؟ ومن أين تأتي؟ وماذا يصنعون بها؟ وما فائدتها؟ أسئلة عديدة تتبادر إلى ذهن القارئ وهو يقرأ في الصحافة من حين إلى أخر أنباء عن الأجنة المجمدة.
أولا: ما هي الأجنة المجمدة؟ Frozen Embryoes
هي أجنة في مراحلها المبكرة الأولى يحتفظ بها في ثلاجات خاصة في درجة حرارة معينة وفي سوائل خاصة تحفظ حياتها بحيث تبقى دون أن تنمو لحين الطلب فإذا جاء الطلب عليها أخرجت من الثلاجات الحافظة وسمح لها بالنمو!
من أين يحصلون عليها؟
يحصل الأطباء المختصون في المراكز الطبية المتقدمة على هذه الأجنة من مشاريع أطفال الأنابيب .... ففي هذه المشاريع تعطي المرأة عقاقير مثل الكلوميد تجعلها تفرز العديد من البييضات في المرة الواحدة. وعندما يقوم الطبيب المختص بإدخال منظار البطن ومسبارة في الموعد المحدد للابياض (خروج البويضات) يشفط الطبيب بآلاته مجموعة من البييضات من المبيض
…
ثم يقوم الطبيب بوضع بوضع كل بيضة في طبق بترى Petri Dish في سائل خاص وتلقح هذه البويضات (البييضات) بحيوانات منوية من الزوج أو غيره على حسب الحالة كما تقدم شرحه.
وبذلك تتكون مجموعة من البييضات الملقحة (Zygotes) أو النطفة الأمشاج المكونة من بييضة المرأة وحيوان (أو حيوانين) منوي للرجل، ويسمح لها بالنمو والانقسام .... الخلية تصبح خليتين
…
والخليتان أربع وهكذا حتى تصل إلى مرحلة التوتة Morula فتغرز آنذاك في الرحم.
وتبقى مجموعة فائضة من البييضات Lftover تجمد ويحتفظ بها لأن احتمال نجاح عملية الانغراز وإتمام الحمل لا تزيد عن 10 إلى 15 %
…
وهناك أيضا من يتبرع بمنية كما أن هناك من تتبرع ببويضاتها. فتؤخذ الحيوانات المنوية من الذكور المانحين وتؤخذ البييضات من النساء المانحات، وقد يكون ذلك بأجر أو بغير أجر.
ماذا يصنعون بالأجنة؟
يحتفظ الأطباء بهذه الأجنة المجمدة المثلجة Frozen Embryoes في ثلاجات خاصة
…
وتستخدم في الأغراض التالية:
1-
إذا فشلت عملية زرع اللقيحة في الرحم (نسبة الفشل تصل إلى 90 %) .... تعطى المرأة الراغبة جنينا آخر (لقيحة) في موعد آخر مناسب
…
وتعاد العملية عدة مرات حتى يحصل الحمل المرغوب فيه.
2-
تنمي هذه الأجنة المبكرة وتدرس فيها عمليات الانقسام والتكاثر والوراثة والأمراض الوراثية والأمراض الكروموزمية (الصبغيات) .... وقد اقترحت لجنة وارنك Wamack البريطانية المكونة من قانونيين وأطباء ورجال دين السماح بتنمية هذه الأجنة إلى اليوم الرابع عشر. وذلك قبل ظهور الشريط الأولى والمزاب العصبي في الجنين .... وذلك لأن الجهاز العصبي هي البداية الإنسانية الواضحة المعالم للإنسان. وقد اسلفنا القول في ذلك وما ذكره ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن وابن حجر العسقلاني في فتح الباري من أن علامة نفخ الروح في الجنين هو ظهور الإحساس والحركات العضلية الإرادية .... ذلك لا يتم إلا بتكوين الجهاز العصبي ولا تظهر بوادر ذلك إلا في اليوم الأربعين أو الثاني والأربعين من عمر الجنين.
وقد اتخذت اللجنة اليوم الرابع عشر احتياطا وذلك لأن الجهاز العصبي لا يبدأ تكونه في أي صورة من صوره البدائية إلا بعد اليوم الرابع عشر.
3-
حصلت قضية في استراليا أفاضت أجهزة الإعلام في نشر تفاصيلها في العام الماضي حيث قام اثنان من الأثرياء زوج وزوجة بإجراء تجربة طفل الأنبوب
…
وفشلت التجربة فلم تحمل المرأة ولكن الأطباء كانوا قد احتفظوا بمجموعة من اللقائح (الأجنة) مثلجة مجمدة منهما. على أساس أنهما سيعودان يعد بضعة أشهر وسيعيد الأطباء الكرة والمحاولة بإدخال لقيحة في رحم المرأة وزرعها فيها.
ولكن الزوجين الثريين قتلا في حادثة طائرة سقطت وتحطمت، وليس لهما من وارث.
هل يقوم الأطباء بتنمية الأجنة التي حصلوا عليها من هذين الزوجين ويزرعونهما في متبرعات بحيث تقوي احتمالات نجاح واحدة من هذه المحاولات على الأقل؟
فإذا نجحت المحاولة نسب الوليد أي أبوية اللذين لقيا حتفهما قبل أن تحمله أي رحم وقبل أن تظله وتغذيه وتنمية أي بطن.
وأما الأم المستعارة أو الرحم الظئر Surrogate Mother التي حملت وولدت فستأخذ أجرها المادي كاملا من ثروة الأبوين الضخمة .... فهي لا تعدو رحما مستأجرة .... تؤدي وظيفتها وتمضي .... واشتبكت أجهزة الإعلام والقضاء والأطباء في جدل طويل لم تظهر نهايته.
أيجوز مثل هذا العمل؟ أيسمح به أم لا؟ أيأتي وليد بعد وفاة أمه وأبيه بسنين؟ ما هي المشاكل والمحاذير التي ستقوم عندما تتقدم الوسائل الطبية بدرجة كافية بحيث تنتشر هذه الطريقة ويمكن الاحتفاظ بالأجنة لعشرات السنين
…
أبعد وفاة الأبوين بنصف قرن أو قرن من الزمن يرزقان بطفل؟ مشاكل تضحك الثكلي
…
وتبكي الجذل الطروب
…
وتجعل الولدان شيبا. وسببها التقدم التقني الذي لم يصحبه إلا انهيار أخلاقي.
المراجع لبحث التلقيح الصناعي وطفل الأنبوب
1-
ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
…
بإشراف وتقديم د. عبد الرحمن العوضي وزير الصحة الكويتي (11 شعبان 1403 الموافق 24 مايو 1983 م) الكويت ص 169.
2-
المصدر السابق ص 169.
3-
النيوزويك 18/3/1985م
4-
الشرق الأوسط 29 / 5 / 1980 م.
5-
Lancet Feb 2،1982: 255 – 266 (Editorial)
6-
Crosignani P.A. ، Rubin B،L. In vitro Fertilization new york Academic press 1983
7-
Lancet ، Editorial ،Feb 2 ، 1985: 255 – 266
8-
Report of the committee of Inquiy into Human Fertilization and Embryology (Chairman D.M. Warnock) ، London HMSO ، 1984
9-
Nesweek ، March 18.1985 p. 45
10-
ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن ص 255
11-
ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب القدر ج 11 / 482 لمطبعة السلفية.
12-
الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين ج 2 / 65
13-
ندوة الإنجاب ص 469
14-
مرجع مرك الطبي العمل الطبعة (13) 1977 Merk Manual ،13 th Edition
15-
مندل، ودوجلاس وبينيت: أسس ومبادئ ومعالجة الأمراض المعدية 1979
Mandell ، Douglas and Bennet: Principals and practice of infections Diseses 1979 ، Wiley med ، Publications New yorl ، 1977
16-
المؤتمر السكندنافي عن الكلاميديا
Mardh ، Maller ; proceedings of first scand ، symposium on chiamydia 1981
17-
مجلة ميد سيزد اليجست إبريل 1980 Wilcox ، medicine Digest ، April 1980.
أنواع الاستيلاء غير الطبيعي
يمكن تلخيص الطرق المتبعة حاليا في أنواع الاستيلاء غير الطبيعي بما يلي:
(أ) بواسطة التلقيح الصناعي:
وفي هذه الطريقة يؤخذ السائل المنوي من شخص ما (يسمى مانحا أو متبرعا ويحقن في رحم امرأة كالأتي:
1-
منى الزوج يحقن في رحم زوجته. وهذه لا غبار عليها في الشرع إذا استوثق الشخص من عدم اختلاط المنى بمنى رجل آخر كما يحصل في بعض المختبرات التجارية.
2-
يحقن ماء رجل غريب في الزوجة فتحمل الزوجة. وهذا محرم في الإسلام ومباح في الغرب.
3-
يحقن ماء الزوج في امرأة أخرى غير الزوجة فتحمل وتلد. وبعد الولادة تتنازل عن الطفل لمن يدفع الثمن وهو الزوج
…
وهذه الطريقة أيضا محرمة في الإسلام
…
وتتم في الغرب دون أي حرج.
4-
يتم تلقيح امرأة ما بمني رجل غريب عنها وفي اليوم الخامس يجري غسيل للرحم Lavage وإذا تم العثور على البويضة الملقحة (الزيجوت) يغرز في رحم الزوجة العاقر. ويستخدم هذا الإجراء عندما يكون الرجل وزوجته عقيمين ولكن رحم الزوجة سليم. ويمكن أن يتقبل اللقيحة. وهذه الطريقة لا شك في حرمتها أيضا في الإسلام
…
وهي أيضا مباحة في الغرب.
5-
يتم تلقيح امرأة بمنى الرجل الذي يريد الإنجاب (زوج عاقر) وفي اليوم الخامس يجري غسيل للرحم Lavage فإذا تم العثور على اللقيحة (الزيجوت) أخذت وغرزت في رحم الزوجة العاقر.. وهذه تشبه الطريقة السابقة إلا أن المنى هنا لزوج عاقر
…
وهذه الطريقة محرمة في الإسلام.
6-
مثل الأولى بعد انتهاء عقد الزوجية.
(ب) التلقيح خارج الرحم (في أنبوب الاختبار) :
وفي هذه الطريقة يتم تلقيح بويضة بمنى الرجل في طبق ثم تأخذ اللقيحة (البويضة الملقحة أو الزيجوت) وتعاد إلى رحم امرأة ما لينمو فيها بالطرق التالية:
1-
تؤخذ بويضة المرأة وتلقح بمني زوجها في طبق ثم تعاد إلى رحمها حيث تعلق فيه البويضة الملقحة وهذا ما حدث بالنسبة للسيدة ليزلي براون حيث أخذت بويضتها ولقحت في طبق بماء زوجها جون براون وأنجبت أول طفل أنبوب وهي لويزا براون. وهذه الطريقة مباحة شرعا إذا أمنت المحاذير وكان عقد الزوجية قائما ولم ينفصم بموت أو طلاق.
2-
تؤخذ بويضة المرأة وتلقح بمني مانح غير زوجها في طبق ثم تعاد إلى رحمها لتنمو فيه.. وتستخدم هذه الطريقة عندما تكون الزوجة عقيما بسبب انسداد قناتي الرحم بينما مبيضها سليم. ولكن زوجها عقيم وليس لديه حيوانات منوية أو أنها قليلة العدد جدا .... وهذه الطريقة محرمة في الإسلام تحريما كاملا
…
وهي مع هذا مباحة في الغرب.
3-
تؤخذ بويضة امرأة يسمونها مانحة Donner (بأجر أو بغير أجر) وتلقح بماء رجل متزوج بامرأة مصابة بالعقم بسبب مرض في المبايض. وتلقح البويضة في طبق ثم تأخذ اللقيحة (الزيجوت) وتوضع في رحم المرأة العقيم المتزوجة
…
فإذا أراد الله علقت اللقيحة (النطفة الأمشاج = الزيجوت) في رحمها وتم الحمل
…
وهذه الطريقة مرفوضة ومحرمة في الإسلام
…
وهي للأسف مباحة في الغرب.
4-
عندما يكون كلا الزوجين عقيما
…
ولكن رحم الزوجة سليم بينما مبايضها مريضة ولا تفرز بويضات
…
في هذه الحالة تؤخذ بويضة امرأة ما يسمونها مانحة (Donner) وتوضع في طبق بتري
…
وتلقح بماء رجل ما يسمونه مانح (Donner) ثم توضع اللقيحة في رحم الزوجة العقيم ذات الرحم السليم فتنمو اللقيحة وتنجب طفلا
…
وهذه الطريقة أيضا لا شك في حرمتها في الإسلام وهي مباحة في الغرب.
5-
يكون الرجل (الزوج) سليما تعاني زوجته من العقم بسبب مرض شديد في مبايضها ورحمها بحيث أنها لا يمكن أن تفرز بويضات ولا يمكن لرحمها أن يستقبل اللقيحة لتنمو فيه
…
فيؤخذ منى الرجل (الزوج) ليلقح بويضة من امرأة ما غير زوجته. وبعد تلقيح البويضة تعاد اللقيحة إلى رحم المتبرعة بالبويضة فتحمله فتكون بذلك أمة الطبيعية من جهتين: فهي صاحبة البويضة وهي التي حملت وولدت. ومع هذا تقوم بتسليم وليدها إلى المرأة العاقر ليدعى ابنها حسب القوانين الغربية الغريبة الشاذة. وذلك مقابل أجر تدفعه لها المرأة الثرية
…
وهذا في الواقع يشبه نظام التبني المسموح به في الغرب حيث يبيع الأبوان طفلهما لمن يدفع الثمن.
وفي بعض الأحيان تؤخذ اللقيحة (البويضة الملقحة أو الزيجوت) وتوضع في رحم امرأة أخرى مستأجرة فيكون للطفل بذلك ثلاث أمهات: الأم صاحبة البويضة
…
والأم صاحبة الرحم
…
والأم التي دفعت الثمن لهذه العملية
…
وهذه الطريقة أيضا محرمة في الإسلام
…
وهي مباحة في الغرب.
6-
مثل الحالة السابقة إلا أن الزوج أيضا عقيم فتؤخذ بويضة ما (مانحة) وتوضع في طبق وتلقح بماء رجل آخر مانح .... ثم توضع البويضة الملقحة (الزيجوت أو اللقيحة) في رحم امرأة أخرى
…
وعند الولادة يسلم الطفل للزوجين العقيمين اللذين دفعا ثمن هذه العمليات كلها .... وفي هذه الحالة يكون للطفل ثلاث أمهات وأبوان كالأتي:
- الأم صاحبة البييضة.
- الأم صاحبة الرحم المستأجر.
- الأم العاقر التي دفعت الثمن واستلمت الطفل.
- الأب المانح صاحب المنى.
- الأب الذي دفع الثمن واستلم الطفل.
وهذه الطريقة أشد إيغالا في الحرمة
…
وهي متبعة في الغرب.
7-
الزوجة لها مبيض سليم ولكن رحمها قد أزيل بعملية أو به عيوب خلقية شديدة بحيث لا يمكن أن تحمل
…
وزوجها سليم. وفي هذه الحالة تؤخذ بويضة الزوجة وتوضع في طبق وتلقح بماء زوجها. وتوضع اللقيحة في رحم امرأة أخرى يسمونها الرحم الظئر أو الأم المستعارة Suirogate mother وعندما تلد الطفل تسلمه للزوجين مقابل أجر معلوم. هذه الطريقة أيضا محرمة في الإسلام.
وقد افترض الشيخ الزرقاء أن التي تحمل اللقيحة في رحمها تكون زوجة ثانية للرجل وتتبرع بحمله في رحمها
…
ولكن هذه الطريقة فيها نزاع بين الفقهاء المعاصرين فمنهم من ذهب إلى أن أم الطفل التي يرثها وترثه هي صاحبة البويضة ومن هؤلاء الشيخ الزرقاء ومنهم من ذهب إلى أن أم الطفل هي التي حملت وولدت لا صاحبة البويضة
…
وقد رجع عنها المجمع في دورته 1405 هـ لاحتمال أن تكون البويضة من الزوجة الضرة الظئر.. واتفقوا على أن تكون الأخرى بمثابة الأم من الرضاع
…
وسنناقش ذلك فيما بعد.
8-
الزوجة لها مبيض سليم ورحمها قد أزيل بعملية وزوجها عقيم. فتؤخذ بويضتها وتوضع في طبق. وتلقح بماء رجل غريب يسمى مانحا ثم توضع اللقيحة في رحم امرأة متبرعة يسمونها الرحم الظئر أو الأم المستعارة فإذا تم الحمل وولدت تنازلت عن الطفل لصاحبة البويضة لقاء مبلغ من المال
…
وهذه الطريقة أيضا محرمة في الإسلام.