الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقود التأمين وإعادة التأمين في الفقه الإسلامي
دراسة مقارنة بالفقه الغربي
فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور
بسم الله الرحمن الرحيم
في صراع الحضارات، واختلاف أنماط الحياة، وتوزع الفكر، وتشوش الرؤية، يقف المسلم في مفترق الطرق حائرا لا يدري أين يتجه، وما هو الذي سيؤدي به لشاطئ الأمن، وفي اختلاف المذاهب والآراء تضيع الخاصة من الناس المثقفين بالثقافة العامة فكيف العامة؟ وهنا تظهر مسؤولية أهل العلم لدرس النوازل والوقائع وبيان حكم الشريعة فيها شأن العلماء السابقين سلفنا الطاهر رضوان الله عليهم.
وصحيح ما ينادى به بعض الأفاضل من ضرورة الاجتهاد الجماعي ولا سيما الآن، ولكن حتى يحصل هذا المطلوب الكبير لا يجوز لنا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يجد من الحوادث، فلكل حادثة حكم شرعي هو حكم الله تعالى فيها علمه من علمه وجهله من جهله.
وأهم ما يقف بوجهنا الآن من شؤون الحضارة الحديثة ومشكلاتها (عقود التأمين وإعادة التأمين) ولقد سئلت عن هذا الأمر من جهات متعددة وإنني الآن أعرض ما ظهر لي بعد الدراسة والتمحيص في مراجع الفقه الإسلامي والفقه الغربي ولا أدعي أن ذلك حكم الله تعالى في الأمر بل هو رأيي ورضى الله تعالى عن الإمام أبي حنيفية القائل "علمنا هذا رأيي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه". وينبغي أن يكون ذلك دستور العلماء
…
والعلماء قد يختلفون وقد يتفقون، ولكن كل واحد منهم يقدر الآخر حق قدره، ويمنحه خالص الود والاحترام، فقديما قالوا:"الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" فالغرض الرئيسي من هذه الكتابة وأمثالها بيان وجه الحق فقط، فمتي ظهرت أمارات الحق وتحققت المصلحة فثم شرع الله
…
وقد عقدت هذه الدراسة على ثلاثة فصول.. كل فصل على حدة
…
وخاتمة في البديل الإسلامي، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.
مدينة دمشق الشام.
الفصل الأول
عقد التأمين بين الفقه الإسلامي والفقه الغربي
(التصور)
مدخل:
أولا: تصور الموضوع وتحرير محل الخلاف فيه.
ثانيا: أقاويل الفقهاء الإسلاميين في عقد التأمين ونقل خلافهم فيه.
مدخل
الأمن في اللغة
المادة الثلاثية (أم ن) هي مادة واحدة، وإن تعددت صور الاشتقاق؛ فالأمن: ضد الخوف ونقيضه في التنزيل {وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} قرآن كريم.
والأمانة؛ ضد الخيانة.
والإيمان ضد الكفر، وهو بمعنى التصديق: ضد التكذيب.
وأمن فلان يأمن أمنا وأمنا وأمانا فهو أمن والأمنة الأمن، ومنه {أَمَنَةً نُعَاسًا} ؛ وتقول (اوتمن فلان) صار مؤتمنا، و (استؤمن إليه) وظل في أمانة، و (استأمنني فلان فأمنته أومنه إيمانا) أي طلب الأمان. وفي الحديث ((المؤذن مؤتمن)) . ومؤتمن القوم الذي يثقونه ويتخذونه أمينا حافظا) ، والأمين هو الحافظ الحارس الذي يتولى رقابة شيء وقالوا:(أعطيت فلانا من أمن مالي) ، أي من خالص مالي.
وقالوا: ما أمن أمنتك وإمنك: أي دينك وخلقك.
وفي التنزيل {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} أي الآمن والمراد مكة المكرمة.
وقوله {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} أي في أمن من الغير.
وقوله {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن المسلم والمجاهد والحاج، ثم سأله عن المؤمن فقال عليه السلام:((المؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم)) .
وفي الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر السوء. والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)) .
وفي حديث جابر مرفوعا ((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع)) .
قال ثعلب: أن معنى الحديث: ما آمن شديد الإيمان
…
وذلك مخافة أن يحمل القول على نفي الإيمان نفيا تاما عنه.
وقال ابن الأثير عند الكلام عن اسم الله تعالى (المؤمن) : هو الذي يصدق عباده وعده؛ فهو من الإيمان والتصديق، أو يؤمنه في القيامة من عذابه فهو من الأمان ضد الخوف.
قلت؛ وفي هذا من الربط بين الإيمان وبين التراحم بين الناس ما يرق فوق كل شيء، فالأمن والائتمان والاستئمان وكل صور الاشتقاق راجعة كما ترى إلي الإيمان.
- لسان العرب ج13 ص 21 وما بعدها.
- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير الجزرى.
- مفردات القرآن لراغب الأصفهاني.
- تاج العروس شرح القاموس؛ للزبيدى.
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا: تصور الموضوع وتحرير محل الخلاف فيه:
تصور موضوع التأمين:
نظام التأمين وفقا لنظريته العامة في نظر الاقتصاد هو (نظام تعاقدى يقوم على أساس المعاوضة، غايته التعاون على ترميم أضرار المخاطر الطارئة بوساطة هيئات منظمة تزاول عقوده بصورة فنية قائمة على أسس وقواعد إحصائية)(1) وجاء في المادة 713 من القانون المدني المصري القديم و747 من القانون المدني المصري الجديد مع بعض تحوير في الصياغة أن عقد التأمين؛ (هو عقد بين طرفين أحدهما يسمى المؤمن والثاني المؤمن له (أو المستأمن) يلتزم فيه المؤمن بأن يؤدي إلي المؤمن لمصلحته مبلغا من المال أو إيرادا مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع حادث أو تحقق خطر مبين في العقد، وذلك في مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له إلي المؤمن) (2) .
وفي العصر الحاضر لا يقوم بالتأمين فرد نحو فرد بل تقوم به شركات مساهمة كبيرة يتعامل معها عدد ضخم من المستأمن، فيجتمع لها مبالغ كبيرة من أقساط التأمين، وتؤدي من هذه الأقساط المجتمعة ما يستحق عليها من تعويضات عند وقوع الحوادث المؤمن منها، ويبقى رأس مالها سندا احتياطيا، ويتكون ربحها من الفرق بين ما تجمعه من أقساط وما تدفعه من تعويضات.
والتأمين بمعناه الحقيقي المتعارف عليه عقد حديث النشأة في العالم فهو لم يظهر إلا في القرن الرابع عشر الميلادي في إيطاليا حيث وجد بعض الأشخاص الذين يتعهدون بتحمل جميع الأخطار البحرية التي تتعرض لها السفن أو حمولتها نظير مبلغ معين (التأمين البحري) ، ثم ظهر بعده التأمين من الحريق ثم التأمين على الحياة، ثم انتشر بعد ذلك التأمين وتنوع حتى شمل جميع نواحى الحياة فأضحت شركات التأمين تؤمن الأفراد من كل خطر يتعرضون له في أشخاصهم وأموالهم ومسؤولياتهم بل أضحت بعض الحكومات تجبر رعاياها على بعض أنواع التأمين (3) .
(1) عقد التأمين: الزرقاء ص12
(2)
عقد التأمين: الزرقاء ص12
(3)
التأمين: د. البدراوي ص30
- أنواع التأمين:
(أ) ينقسم التأمين من حيث شكله إلي تأمين تعاوني، أو تأمين بالاكتتاب، وتأمين بقسط ثابت:
1-
التأمين التعاوني (أو التبادلي)(أو بالاكتتاب) :
في هذا النوع من التأمين يجتمع عدة أشخاص معرضين لأخطار متشابهة فيدفع كل منهم اشتراكا معينا، وتخصص هذه الاشتراكات لأداء التعويض المستحق لمن يصيبه الضرر، وإذا زادت الاشتراكات على ما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استردادها، وإذا نقصت طولب الأعضاء باشتراك إضافي لتغطية العجز، أو أنقصت التعويضات المستحقة بنسبة العجز، وأعضاء شركة التأمين التعاوني لا يسعون إلي تحقيق ربح، بل إلي تخفيف الخسائر التي تلحق بعض الأعضاء، فهم يتعاقدون ليتعاونوا على تحمل مصيبة قد تحل ببعضهم، وتدار الشركة بوساطة أعضائها، فكل واحد منهم يكون مؤمنا ومؤمنا له.
2-
التأمين بقسط ثابت:
في هذا النوع من التأمين: وهو النوع السائد الآن الذي تنصرف إليه كلمة التأمين لدى إطلاقها، يلتزم المؤمن له بدفع قسط محدد إلي المؤمن، وهو الشركة التي يتكون أفرادها من مساهمين آخرين غير المؤمن لهم، وهؤلاء المساهمون هم المستفيدون بأرباح الشركة، ففي التأمين بقسط ثابت يكون المؤمن له غير المؤمن الذي يسعى دائما إلي الربح، بخلاف التأمين التعاوني الذي لا يسعي إلي الربح أبدا، وإنما غاية أفراده التعاون على تحمل المخاطر، وهذا الهدف الإنساني النبيل لا يوجد إلا في التأمين التعاوني ولا يوجد البتة في التأمين بقسط ثابت ولو قال بذلك بعض رجال القانون كالدكتور السنهوري وغيره، فالفكرة الاسترباحية البحتة هي الأساس هنا والفكرة التعاونية غلاف براق لها فقط.
(ب) وينقسم التأمين من حيث موضوعه إلي قسمين رئيسيين:
1-
تأمين الأضرار:
وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في ذمة المؤمن له، والغرض منه تعويض الخسارة التي تلحق المؤمن له بسبب الحادث وهو ينقسم إلي قسمين:
- التأمين على الأشياء؛ ويراد به تعويض المؤمن له من الخسارة التي تلحقه في ماله كالتأمين من الحريق والسرقة.
- والتأمين من المسؤولية؛ ويراد به ضمان المؤمن له ضد الرجوع الذي قد يتعرض له من جانب الغير بسبب ما أصابهم من ضرر يسأل عن التعويض عنه، وأهم صوره تأمين المسؤولية الناشئة من حوادث السيارات أو من حوادث العمل.
وفي تأمين الأضرار يلتزم المؤمن بتعويض المؤمن له عند حدوث الكارثة في حدود مبلغ التأمين، أي أن المؤمن يدفع للمؤمن له أقل المبلغين؛ المبلغ المؤمن به، والمبلغ الذي يغطي الضرر الناشئ عن الحادثة، وليس للمؤمن له أن يجمع بين مبلغ التأمين ودعوى التعويض ضد الآخرين المسؤولين عن الحادث، وإنما يحل المؤمن محل المؤمن له في الدعاوى الكائنة له ضد من تسبب في الضرر.
2-
تأمين الأشخاص:
وهو يتناول كل أنواع التأمين المتعلقة بشخص المؤمن له، ويقصد به دفع مبلغ معين للإنسان في وجوده أو سلامته، يحدده المؤمن باتفاق بينهما، ولا يتأثر بالضرر الذي يصيب المؤمن له، وللمؤمن له الجمع بين مبلغ التأمين من المؤمن والتعويض ممن تسبب في الضرر، فالمؤمن هنا لا يحل محل المؤمن له.
ويشمل تأمين الأشخاص نوعين أساسيين:
1-
التأمين على الحياة، وله صورة متعددة أهمها:
(أ) التأمين لحالة الوفاة وقد يكون عمريا وقد يكون مؤقتا وقد يكون تأمين البقيا حسب الاشتراط.
(ب) التأمين لحال البقاء أو لحال الحياة؛ ومن أمثلته التأمين المضاد.
(ج) التأمين المختلط البسيط: وهو أن يلتزم فيه المؤمن بأداء المبلغ المؤمن إما في تاريخ معين للمؤمن له نفسه إذا ظل حيا في هذا التاريخ، وإما إلي المستفيد المعين أو إلي ورثة المؤمن له إذا مات قبل التاريخ، ويكون القسط في هذا النوع اكبر من النوعين السابقين، وهذا النوع هو أكثر شيوعا في التأمين على الحياة.
2-
التأمين من الحوادث الجسمانية: وهو النوع الثاني من نوعي التأمين على الأشخاص، ويلتزم فيه المؤمن بدفع مبلغ من المال إلي المؤمن في حالة ما إذا أصابه في أثناء المدة المؤمن فيها حادث جسماني، أو إلي المستفيد المعين إذا مات المؤمن له.
(ج) التقسيم الثالث: تأمين خاص وتأمين اجتماعي:
1-
فالتأمين الخاص هو ما يعقده المؤمن على نفسه من خطر معين، ويكون الدافع إليه هو الصالح الشخصي.
2-
والتأمين الاجتماعي هو ما كان الغرض منه تأمين الأفراد الذين يعتمدون في معاشهم على كسب عملهم من بعض الأخطار التي يتعرضون لها فتعجزهم عن العمل كالمرض والشيخوخة والبطالة والعجز. وهو يقوم على فكرة (التضامن الاجتماعي) ويشترك في دفع القسط مع المستفيد أصحاب العمل والدولة التي تتحمل هنا العبء الأكبر.
(د) التقسيم الرابع: تأمين إجباري وتأمين اختياري:
1-
فالأول ما ألزمت به الدولة في قطر رعاياها كالتأمين الاجتماعي مار الذكر والتأمين على السيارات.
2-
الثاني ما كان خلاف ذلك (1) .
وبعد: فيظهر مما تقدم كله ما يلي:
1-
أن عقد التأمين عقد معاوضة في غير التأمين التعاوني. لأن كلا من طرفي العقد يحصل على مقابل لما يؤديه مشروط في العقد.
2-
انه عقد احتمالي (2) ، وعقد غرر؛ لأن الغرض منه تحمل خطر غير محقق الوقوع، والاحتمال قد يكون في تاريخ وقوع الحادثة لا في وقوعها أو عدمه؛ أي أن الحادثة قد تكون محققة الوقوع ولكن لا يدري متى تقع كالتأمين على الحياة في حال الوفاة.
وقد ذكر القانون المصري والسوري عقد التأمين في ضمن عقود الغرر.
إلا أن الدكتور السنهوري يرى في عقد التأمين رأيا آخر.
فهو يرى أن تعريف القانون المصري لعقد التأمين الذي أسلفناه قاصر لأنه أهمل جانبا رئيسيا من جوانب العقد الفنية ألا وهو جانب الجماعة المتعاونين (مجموع المؤمن لهم) فيما لم ينظر إلي هذا الجانب بعين العناية من قبل المشرعين يكون العقد كله داخلا في المقامرة والرهان الباطل، هذه نقطة.
والنقطة الأخرى انه لم يجعل في شرحه الوسيط عقد التأمين من عقود الغرر لأنه يقف من هذا العقد موقفين متناقضين معا في الوسيط شرح القانون المدني المصري:
تعريف جامع مانع ولعل أدق التعريفات وأوفرها حظا من التوفيق عند علماء الاقتصاد ذلك التعريف الذي أورده الأستاذ (هيمار) بكتابه في شرح التأمين فقد عرف التأمين على الوجه التالي:
(التأمين عملية يحصل بمقتضاها أحد الطرفين وهو المؤمن له نظير دفع قسط على تعهد لصالحه أو لصالح الغير من الطرف الآخر وهو المؤمن على تعهد بمقتضاه يدفع هذا الأخير أداء معينا عند تحقيق خطر معين وذلك عن طريق تجميع مجموعة من المخاطر وإجراء المعاوضة وفقا لقوانين الإحصاء) .
(1) العقد الاحتمالي (هو العقد الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين أو أحدهما وقت العقد معرفة قدر ما يعطي أو يأخذ من العقد)
(2)
العقد الاحتمالي (هو العقد الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين أو أحدهما وقت العقد معرفة قدر ما يعطي أو يأخذ من العقد)
أركان التأمين: 1- الخطر. 2- القسط. 3- العوض المالي. 4- المصلحة في التأمين.
1-
فالخطر: هو الحادث المستقبل الوقوع ولا يتوقف تحققه على محض إرادة المؤمن، أي يقع دون إرادته.
2-
القسط: هو المبلغ الذي يؤديه المؤمن له شهريا أو سنويا حسب الاتفاق لتقوم الشركة بمقتضاه بتحمل بقية المخاطر المؤمن ضدها، فالقسط في التأمين بمثابة الثمن في البيع أو الأجرة في الإيجار، فالتأمين التجاري يقوم على بيع الأمن، والأمن لا يباع ولا يشري.. ويشمل القسط ما يوازى قيمة الخطر بالإضافة إلي المصاريف التي تتكلفها الشركة وكذا الأرباح، ويسمى القسط في مجموعه بـ (القسط التجاري) .
3-
لعوض المالي وهو إما أن يكون تعويضا يقدر بحسب قيمة الخسارة الناتجة عن تحقق الخطر المؤمن ضده، وإما أن يكون مبلغا محددا نص عليه في عقد التأمين بالعوض يدفع حسبما اتفق عليه بين المؤمن والمؤمن له.
4-
المصلحة في التأمين: يكون محلا للتأمين كل مصلحة اقتصادية مشروعة وجدية تعود على الشخص من عدم وقوع خطر التأمين فقد تعرض لوجود الغرر في عقد التأمين في موضعين من كتابه (الوسيط) فبدا في أحد الموضعين وكأنه يسلم بوجود الغرر في عقد التأمين ولكنه يجوزه للضرورة، أي في الموضع الآخر فقد نفى الغرر عن التأمين ولكن نفيه عنه كان منصبا على الجانب الفني من التأمين لا على الجانب القانوني وسنناقش هذا الرأي والذي قبله فيما بعد إن شاء الله (1) .
(1) الوسيط 7: 1089، و7: 1140
شبهته وردها:
يرى البعض من الفقهاء المعاصرين أن اختلاف مفهوم نظام التأمين لدى علماء الشريعة وعلماء القانون هو السبب الرئيسي في اختلاف حكمهم عليه، فالماثل في أذهان علماء القانون تعاونية العقد وتضامنيته وانضباطه تحت قواعد العدل والحق، وفقهاء الشريعة الإسلامية يرون انه عقد ربوى قائم على الرهان والميسر (1) .
والحق أن هذا غير صحيح لأن مفهوم العقد هذا واحد عند الجميع، حيث لا يتصور فقهاء الشريعة هذا العقد إلا كما يصوره لهم فقهاء القانون لأنه نشأ عندهم وفي ظل تشريعهم الوضعى. لكن فقهاءنا القدامى كابن عابدين ومن جاء بعده تكلموا في بعض أنواع عقود التأمين كالتأمين البحري والسنجة، حيث لم يكن آنئذ وجد من هذه العقود غيرها؛ والواقع أن عقود التأمينات كلها تنبع من مشكاة واحدة وتصور بعضها تصور للجميع والحكم على هذا البعض حكم على الجميع باستثناء التأمين التعاوني كما سيأتي فهو لم يدخل في هذا المسمى إلا تجوزا.
فمن المحتم أن يكون هناك مصلحة واضحة للمستأمن وإلا لزادت نسبة المخاطر التي يمهد لها المستأمن سبل وقوعها غير آبه بانعدام الشيء محل التأمين لانعدام مصلحته في المحافظة عليه.
ومن علماء القانون من اقتصر على ثلاثة: التراضي بين المتعاقدين، ومحل العقد والسبب الذي يقوم عليه العقد.
(1) عقد التأمين للأستاذ الزرقاء ص25 وما بعدها
خصائص عقد التأمين: هو عقد رضائي وملزم للجانبين، ومن عقود المعاوضة، والعقود الاحتمالية (الغرر) ومن العقود الزمنية، ومن عقود الإذعان.
1-
أما انه عقد من عقود التراضي، فباعتبار أن الإيجاب والقبول ضروريان فيه فينعقد بمجرد توافق الإيجاب والقبول، لكنه لا يثبت عادة إلا بوثيقة تأمين (بوليصة) يوقع عليها المؤمن، وأصبح في مشروع الحكومة عقدا شكليا.
2-
وهو عقد ملزم للجانبين؛ حيث إنه ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل طرف من طرفيه قبل الآخر؛ وتنشأ هذه الالتزامات من اللحظة التي يتم فيها العقد بركنيه الإيجاب والقبول.
3-
وهو عقد احتمالي؛ لأنه خسارة أو ربح كل من طرفي العقد غير معروف وقت العقد وهو من المسمى لدى علماء القانون بـ (عقود الغرر) .
4-
وهو عقد زمني (أي مستمر) حيث لا يتم الوفاء بالالتزام المترتب عليه بصفة فورية، وإنما يستغرق الوفاء بهذا الالتزام مدة من الزمن هي مدة نفاذ العقد.
5-
وهو عقد إذعان: حيث يتولى أحد طرفي العقد وضع الشروط التي يريدها ويوضعها على الطرف الآخر فإن قبلها دون مناقشة أو تعديل أبرم العقد وإلا فلا.
6-
وهو عقد معاوضة من حيث أن كل واحد من طرفيه يأخذ مقابلا لما يعطي.
7-
وهو عقد مسمى: والعقود المسماة هي التي تخضع للأحكام العامة من حيث انعقادها، وللقواعد التي تقررها الأحكام القانونية فيما يتعلق بالتفصيل.
8-
وهو عقد من عقود حسن النية: إذ أن حسن النية صفة لازمة لكل عقود التراضي، بمعنى أنه يجب على كلا الطرفين التصرف بأمانة وإخلاص مع وجوب إعطاء البيانات المطلوبة للطرف الآخر حول العقد.
والستة الأولي من الخصائص نص عليها الدكتور السنهوري في الوسيط (1) . والسابعة والثامنة ذكرها بعض الكاتبين من العلماء (2) .
ثانيا: أقاويل الفقهاء الإسلاميين في عقد التأمين ونقل خلافهم فيه:
ذهب فقهاء الشريعة الإسلامية في حكم عقد التأمين مذاهب ثلاثة؛ التحريم مطلقا، والحل مطلقا. والتردد والانتقاء.
(أ) مذهب المحرمين مطلقا:
1-
وعلى رأسهم فقيه الحنفية الكبير العلامة ابن عابدين في كتابين من كتبه؛ حاشية رد المحتار، ومجموع الرسائل.
(أ) فعبارته في حاشية المحتار على الرد المختار (وربما قررناه يظهر جواب ما كثر السؤال عنه في زماننا وهو أنه جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبا من حربي يدفعون له أجرته ويدفعون أيضا مالا معلوما لرجل حربي مقيم في بلاده يسمى ذلك المال (سوكرة) على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم، وله وكيل عنه مستأمن في دارنا يقيم في بلاد السواحل الإسلامية بإذن السلطان يقبض من التجار مال السوكرة (أي قسط التأمين) وإذا هلك من مالهم في البحر شيء يؤدى ذلك المستأمن للتجار بدله تماما، والذي يظهر لي أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله، لأن هذا التزام ما لا يلزم. اهـ.
(1) الوسيط ج7 ص1138 وما بعدها
(2)
العقود الشرعية الحاكمة ص133 وما بعدها
وقصد ابن عابدين في تعليقه (بأن التزام ما لا يلزم) أي الؤمن الذي أسماه (صاحب السوكرة) قد التزم بعقدها أن يوضح للتاجر عند هلاك ماله تعويضا عنه لا يلزمه الشرع بدفعه، فلا يجوز أخذه منه بناء على ما بينه قبلا منه أنه لا يجوز أن يؤخذ من المستأمن في دار الإسلام ما لا يلزمه أداؤه وإن جرت به العادة كالعوائد التي تؤخذ من زوار بيت المقدس آنئذ.
وهذا هو المبني الذي علل به ابن عابدين بعدم جواز تعويض التأمين من المؤمن بناء على أن المؤمن قد التزم بهذا العقد ما لا يلزمه، فهو كالوديع أو المستعير أو المستأجر إذا اشترط عليهما في العقد ضمان قيمة الوديعة أو العارية أو العين المأجورة إذا هلكت بلا تعد ولا تقصير فمثل هذا الشرط في قواعد المذهب الحنفي لا يلزمهم بشيء فلا يجوز أخذ هذا الضمان منهم.
ثم أورد (1) ابن عابدين رحمه الله على عدم الجواز مسألتين منصوصا عليهما في المذهب قد يشعر قياس كل منهما بالجواز وهما:
1-
مسألة الوديع بأجر حيث يضمن الوديعة إذا هلكت.
2-
مسألة ضمان خطر الطريق التي ينص عليها فقهاء الحنفية في كتاب الكفالة:
(وهى ما لو قال لآخر "اسلك هذا الطريق فإنه آمن، وإن أخذ فيه مالك فأنا ضامن" حيث يضمن القائل ما يصيب مال السالك في هذا الطريق) .
ويعلل فقهاء المذهب بأن هذا القول تغرير من القائل مع التعهد فيضمن للمغرر به. وكذلك أجاب ابن عابدين عن دلالة هذه المسألة الثانية (مسألة ضمان خطر الطريق) بأن بينها وبين قضية السوكرة فرقا لا يصح من قياسها عليها.
(1) حاشية المختار على الدر المختار للعلامة ابن عابدين ج3 ص249 وما بعدها
ويميز ابن عابدين رحمه الله بين أن يكون عقد التأمين معقودا في دار الحرب مع المؤمن الذي يسميه (صاحب السوكرة) وأن يكون معقودا في دار الإسلام؛ فعدم جواز اخذ التعويض مقصور على الحالة الثانية التي يعقد فيها السوكرة في دار الإسلام حيث تطبق عليه أحكام الإسلام، أما إذا كان التأمين معقودا في دار الحرب وأرسل صاحب السوكرة بعد هلاك البضاعة مبلغ التعويض إلي صاحبها التاجر الذي في دار الإسلام فإن أخذه عندئذ حلال لأنه أخذ لمال حربى برضاه دون غدر ولا خيانة وليس بعقد فاسد معقود في دار الإسلام حتى يكون خاضعا لأحكام ديننا.
وقال ابن عابدين أيضا "إن كان العقد في بلادنا والقبض في بلادهم، فالظاهر أنه لا يحل أخذه ولو برضا الحربي لابتنائه على العقد الفاسد الصادر في بلاد الإسلام، فيعتبر حكمه".
فابن عابدين يرى أن عقد التأمين البحري الذي كثر السؤال عنه في زمانه لا حكم له إذا عقد في بلد غير إسلامي عقده مسلم أو غيره. وإذا عقد في بلد إسلامي كان عقد معاوضة فاسدا لا يلزم الضمان به لأنه التزام ما لا يلزم شرعا، وفساد العقد كان للفساد في أحد بدليه لأنه لا سبب للضمان شرعا، وله في حل أخذ مال البدل بمقتضي هذا العقد التفصيل السابق، وإذا كان ابن عابدين لم يكن له رأي إلا في التأمين البحري. فان مذهبه فيه يقضى حتما بأن يكون هذا حكم سائر أنواع التأمين لأنه لا يوجد فيها سبب شرعي للضمان فيكون التزام ما لا يلزم، ويكون العقد في هذه الأنواع عقدا فاسدا إذا عقد في دار الإسلام بين مستأمنين، أو ذميين أو مسلمين، أو اختلط طرفاه. ولا يحل لمسلم أخذ البدل بمقتضاه، وإذا عقد في بلد غير إسلامي لم يكن له حكم، ويحل للمسلم اخذ البدل بالرضا لا بالتقاضي.
(ب) في مجموع الرسائل؛ في رسالة (أجوبة محققة عن اسئلة مفرقة) للعلامة محمد ابن عابدين صاحب الحاشية، جاء في هذه الرسالة (1) ما نصه: (وسئلت؛ في رمضان سنة أربعين ومائتين وألف عما إذا جرت العادة بين التجار أنهم يستأجرون مركبا من مراكب أهل الحرب لحمل بضائعهم وتجارتهم ويدفعون للمراكبي الحربي الأجرة المشروطة وتارة يدفعون له مبلغا زائدا على الأجرة لحفظ البضائع بشرط ضمان ما يأخذه أهل الحرب منها، وانه أن اخذوا منه شيئا فهو ضامن لصاحبها جميع قيمة ذلك، فاستأجر رجل من التجار رجلا حربيا كذلك ودفع له مبلغا تراضيا عليه على انه أن أخذ أهل الحرب منه شيئا من تلك البضاعة يكون ضامن من الجميع ما يأخذونه، فسافر بمركبه فأخذه منه بعض القطاع في البحر من أهل الحرب فهل يلزمه ضمان ما التزم حفظه وضمانه بالعوض؟ أم لا؛ فأجبت، الذي يظهر من كلامهم عدم لزوم الضمان.. الخ وذكر ما ذكر في حاشية المختار في قرابة صفحتين وبعض الثالثة فلا حاجة إلي التكرار.
(1) مجموع الرسائل ج2ص177 وما بعدها، وابن عابدين وأثره في الفقه الدكتور الفرفور ك. تب البحث ج2 ص250 وما بعدها
2-
والفقيه الثاني من رؤوس المحرمين العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي، فقيه عصره ومفتى الديار المصرية:
أصدر هذا العالم رسالة سماها (أحكام السكورتاه) من استنباطه تقع في قرابة ثلاث عشرة صفحة من القطع المتوسط طبعت في مطبعة النيل سنة 1906 ثم طبعت بعد ذلك مرة أخرى؛ وخلاصة القول فيها؛ أن بعض علماء سلانيك كتب إليه يسأله:
(عن المسلم يضع ماله تحت ضمانة أهل "قومبانية" تسمى "قومبانية السوكورتاه" أصحابها مسلمون أو ذميون أو مستأمنون. ويدفع لهم في نظير ذلك مبلغا معينا من الدراهم. حتى إذا هلك ماله الذي وضعه تحت ضمانهم يضمنونه له بمبلغ مقرر بينهم من الدراهم. فهل له أن يضمنهم ماله المذكور إذا هلك؟ وهل يحل له أخذ دارهمهم إذا ضمنوا؟ وهل يشترط كل أخذه تلك الدراهم أن يكون العقد والأخذ في غير دار الإسلام؟ أو يكفى أن يكون العقد في غير دار الإسلام؟ وإن كان الأخذ في دار الإسلام؟ وهل يحل لأحد الشركاء أن يباشر العقد عن الجميع ويأخذ البدل بغير دار الإسلام ثم يعطي الباقين حصصهم؟ وقال المستفتي: وإن هذا مما عمت به البلوى في دياره. وانه راجع كتب المذهب فلم يجد بها شيئا يطمئن به) ..
فأجاب المفتى المطيعي رحمه الله؛ بما خلاصته:
(إن هذا العقد ليس بملزم لأحد طرفيه، فالمال الملتزم بدفعه للقومبانية دفعه غير لازم، ولمن دفعه أن يسترده، لأنه دفع ما لا يلزمه على ظن انه يلزمه؛ ولا يلزم أهل القومبانية الضمانة، لأنه التزام معلق على هلاك المال، وتارة يهلك وتارة لا يهلك ولا نعرف متى يهلك لو سلمنا بالهلاك، فهو عقد معلق على الخطر وما فيه من معاني القمار) . واستدل إليه بأن ضمان الأموال إما بطريق الكفالة أو بطريق التعدي أو الإتلاف: وليس عقد التأمين بواحد من هذه الثلاثة وليس بمفاد بمضاربة أيضا ثم قال:
1-
(إن كان العقد وأخذ البدل في دار الإسلام: لا يحل الأخذ ويكون المأخوذ مالا خبيثا.
2-
وإن كان العقد والأخذ في غير دار الإسلام؛ حل الأخذ وكان المأخوذ مالا طيبا لمن أخذه.
3-
وإن كان العقد في غير دار الإسلام والأخذ فيها لا يحل أخذ البدل.
4-
وإن كان العقد في دار الإسلام والأخذ في غيرها حرم إجراء العقد ومباشرته، ولكن مع ذلك يحل أخذ بدل المال الهالك متى كان الأخذ في غير دار الإسلام وبرضاهم) .
وقال (إنه لا يضر متي كان الأخذ حلالا لا يضر بعد ذلك أن يعود به إلي دار الإسلام أو يبعث إليها)(1) .
(1) رسالة أحكام السيكورتاه؛ مواضع متعددة
…
ويلاحظ انه هو وابن عابدين كان كل منهما يستنبط الحكم مما قرره فقهاء الحنفية، وأن ابن عابدين لم يذكر سببا لفساد العقد إذا عقد في دار الإسلام إلا انه التزام ما لا يلزم، ولكن المطيعي لم يعتمد في فساده على ذلك بل اعتمد على قيلته على الخطر وما فيه من معنى القمار. وهما متفقان في الأحكام إلا في حل أخذ البدل في دار الإسلام بغير مخاصمة إذا كان العقد في غير دار الإسلام، فابن عابدين يرى حله؛ لأن العقد في غير دار الإسلام لا حكم له، والأخذ كان بالرضا، والمطيعي يرى: أن الأخذ في دار الإسلام لا يحل مطلقا. لأن المسلم لا يحل له أن يأخذ في دار الإسلام من المستأمن إلا ما يلزمه شرعا. ومال البدل لم يلزمه شرعا.
3-
الفقيه الشيخ عبد الرحمن قراعة: مفتى الديار المصرية:
وفتواه سنة 1925 ليست إلا ترديدا لما جاء في رسالة (السكورتاه) للشيخ المطيعي، فهو مثله رأيه: أن التأمين لا يجوز في الحريق نصا ولا يجوز في سائر أنواع التأمين اقتضاء يشبه الصريح.
ومن العلماء المحرمين المعاصرين أو قبل المعاصرين بقليل، 1- الشيخ محمد علي الساير 2- الشيخ طه الديناري 3- الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي 4- المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم إبراهيم؛ الفقيه أستاذ الفقه بمدرسة القضاء الشرعي وكلية الحقوق بجامعة القاهرة، في مقال بمجلة الشباب المسلمين سنة 1941م 5- الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، رئيس قسم الشريعة الإسلامية بجامعة الخرطوم في كتابه (الغرر وأثره في العقود) 6- الشيخ عبد الله التعلقيلي؛ مفتي الأدرن في تقولة له في أسبوع الفقه الإسلامي سنة 1964. 7- الشيخ محمد علي البولاقي، عضو هيئة التحرير في موسوعة الفقه الإسلامي في الكويت والمدرس في معهد الدراسات العليا في مصر في رسالة خاصة نشرها بعض الكاتبين. 8- المرحوم الدكتور محمد أبو اليسر عابدين المفتي العام للجمهورية العربية السورية سابقا، وأستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة دمشق سابقا.
فقد سألته (وإني أحد تلاميذه) في مجلس خاص عن حكم هذا العقد فقال؛ الكراهة التحريمية كما قال ابن عابدين الجد.
وذلك عام 1970م قبيل وفاته بحوالى عشر سنين رحمه الله تعالى، وممن أخذ بالتحريم المطلق من المعاصرين الدكتور عيسى عبده في كتابين له
…
والمرحوم عارف الجوي الدمشقي في رسالة له والأستاذ عبد الله علوان من سوريا والاستاذ الشيخ عبد الستار السيد والشيخ فخر الدين الحسني:
هذا ومن أراد التوسع فليرجع إلي مبحث في التأمينات للشيخ محمد أحمد فرج السنهوري عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية العدد السابع ج2.
(ب) مذهب المحللين مطلقا:
وقد كانوا قلة فأصبحوا كثرا اليوم ويقف على رأس هؤلاء جميعا:
1-
الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء، أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة دمشق وأستاذ في كلية الشريعة بها سابقا ووزير سابق، في المقال الذي كتبه في أسبوع الفقه الإسلامي بمهرجان ابن تيمية بدمشق 1961 ثم جرده وطبعه بكتاب سماه (عقد التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه)(السوكرة) في حوالى مائة صفحة وتزيد.
2-
الأستاذ علي الخفيف؛ أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة في بحثه الذي يقدمه للجنة الخبراء فقد ذهب إلي إباحة أنواع التأمين جميعها ولكن الأستاذ محمد أحمد فرج السنهوري فهم منه شفويا أنه يميل إلي منع التأمين على الحياة.
3-
الدكتور محمد سلام مدكور أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة ببحث مستقل (1) نشره في مجلة العربي.
4-
الأستاذ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي؛ أستاذ العلوم العالية بالقرويين؛ في ذلك كتابه الفكر السامي.
5-
المرحوم الدكتور يوسف موسى: أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بجامعة القاهرة ثم بكلية الحقوق بجامعة عين شمس: قال أن التأمين بكل أنواعه ضرب من ضروب التعاون شرعا لا باس به إذا خلا من الربا.
6-
المرحوم الشيخ عبد الرحمن عيسى؛ مدير تفتيش العلوم الدينية والوثنية بالأزهر: ذهب لجواز التأمين بجميع أنواعه.
7-
المرحوم الشيخ الطيب حسن النجار عضو جماعة كبار العلماء.
8-
المرحوم الشيخ عيسوى أحمد عيسوى، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة عين شمس، في مقال نشرته مجلة العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة عين شمس يوليو سنة 1962 ذهب فيه إلي إباحته بكل أنواعه.
9-
الدكتور محمد البهي، عضو مجمع البحوث ووزير الأوقاف وشؤون الأزهر سابقا: في كتابه (نظام التأمين في هدى أحكام الإسلام وضرورات المجتمع المعاصر) ذهب فيه إلي جواز عقد التأمين بجميع أنواعه بل أوجب على الدولة حمل الناس عليه إلزاميا أخذا من كلام ابن خلدون.
10-
المرحوم الشيخ عبد الله صيام من العلماء الأزهريين المتخصصين كتب كلمة في مجلة المحاماة الشرعية مايو 1932 فكان صوته أول صوت شرعي جري بمصر ذهب إلي إلحاق التأمين بالموالاة فهو جائز مثله.
(ج) مذهب المترددين أصحاب فكرة الانتقاء والتخير لكنهم إلي المنع أقرب:
1-
وعلى رأسهم يقف أستاذنا العلامة المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة وعضو لجنة الخبراء وذلك فيما كتب في الاهرام الاقتصادي سنة 1961 وممن شهدوا مؤتمر الفقه الثاني بدمشق سنة 1961، وكانت له تعليقات على المحاضرات التي ألقيت في مسألة التأمين، ورأيه في كل ما أبدى في تلك الأوقات تجمعه مذكرته باللجنة على وجه منسق مرتب انتهى فيه إلي أن هذا العقد غير جائز في الفقه الإسلامي بل فاسد يكرهه الإسلام لكنه أباح في مقال آخر له التأمين على السيارات (2) فقط من أنواع التأمين ولا ندري وجه الفرق؟!
2-
المرحوم الشيخ عبد الوهاب خلاف أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة: في مقال له في صحيفة لواء الإسلام فذهب فيه إلي جواز عقد التأمين على الحياة فقط من أنواع التأمين ولم يتطرق لغيره.
(1) مجلة العربي الكويتية عدد 192 و195 – ولغير الكتاب المذكور حول التأمين على الحياة
(2)
عقد التأمين؛ الزرقا ص 21 نقلا عن الاهرام الاقتصادي لعدد 132/15 شباط 1961
3-
الأستاذ أحمد السنوسى
في مقالين له في مجلة الأزهر أكتوبر ونوفمبر سنة 1953 نشرت بحثا له في التأمين من المسؤولية ذهب إلي جواز هذا النوع قياسا له على عقد الموالاة الذي ذهب إلي مشروعيتة عدد من كبار فقهاء الصحابة والأمصار وبقائه مشروعا. ولم يتجاوز تأمين المسؤولية إلي غيره من أنواع التأمينات لأنه استند إلي عقد الموالاة. وهو لا يكاد ينفيه على طريقته في الأنواع الأخرى.
4-
الشيخ الشرباصي الرائد العام لجمعية الشبان المسلمين
يستفاد من جوابه على السؤال المذكور في الاهرام الاقتصادى أن نظام التأمين إذا قام على أساس ربوى فهو محرم ولا سيما في التأمين من عنصر الجهالة والفوضى بحيث يكون غبنا للفرد غالبا وغنما متضخما متكررا لشركات التأمين، وإذا لم يكن التخلص من النظام الربوي ومنه في نظرة التأمين) اعتبر ضرورة فيعمل به مؤقتا مع وجوب العمل على التخلص منه.
5-
محمد أحمد فرج السنهوري؛ عضو مجمع البحوث الإسلامية ولجنة الخبراء
يرى إباحة أنواع التأمين عدا التأمين على الحياة من أجل مستفيد غيره وعدا ما يسمونه تأمينا ادخاريا فهو في حقيقته معاملة ربوية وفي تسميته تأمينا كثير التجوز.
6-
الشيخ محمد مبروك؛ خبير اللجنة المالكي
افتي بفساد عقد التأمين على الحياة لاشتماله على الربا والمقامرة والمخاطرة، وأما عقد التأمين على الأضرار فهو عقد سليم خال من الربا والغرر والجهالة.
وهنالك من علماء القانون من ذهب إلي جواز عقد التأمين في الشريعة الإسلامية وعلى رأسهم الدكتور السنهوري في كتابه الوسيط ج7 ص1089 ومن أراد التوسع في معرفة آراء الفقهاء فليرجع إلي:
1-
أسبوع الفقه الإسلامي – مهرجان ابن تيمية (عقد التأمين) .
2-
مؤتمر البحوث الإسلامية العدد السابع.
3-
الوسيط للدكتور السنهوري.
4-
عقد التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه للأستاذ الزرقاء.
خاتمة: قصة تاريخ فتوى الشيخ محمد عبده "مفتي الديار المصرية":
المستردهور رسلى، مدير شركة ميوتوال ليف الأمريكية استفتي دار الافتاء بمصر:(في رجل يريد أن يتعاقد مع جماعة (قومبانية) مثلا على أن يدفع لهم مالا من ماله الخاص على أقساط معينة ليعملوا فيها بالتجارة، واشترط عليهم؛ أنه إذا قام بما ذكر وانتهى الاتفاق المعين بانتهاء الأقساط المعينة، وكانوا قد عملوا في ذلك المال، وكان حيا؛ أخذ ما يكون له من المال مع ما يخصه من الأرباح، وإذا مات في أثناء تلك المدة يكون لورثته، أو لمن له حق الولاية في ماله، أن يأخذوا المبلغ. تعلق مورثهم مع الأرباح، فهل مثل هذا التعاقد – الذي يكون مفيدا لأربابه، بما ينتجه لهم من الربح – جائز شرعا. نرجو التكرم بالإفادة) .
فأجاب الأستاذ الشيخ محمد عبده في شهر صفر سنة 1321 هـ ابريل 1903م بقوله:
"لو صدر مثل هذا التعاقد بين ذلك الرجل وهؤلاء الجماعة على الصفة المذكورة كان ذلك جائزا شرعا، ويجوز لذلك الرجل بعد انتهاء الأقساط، والعمل في المال وحصول الربح أن يأخذ لو كان حيا – ما يكون له من المال، مع ما خصه من الربح، وكذا يجوز لمن يوجد بعد موته من ورثته أو من له ولاية التصرف في ماله بعد موته أن يأخذ ما يكون له من المال، مع ما أنتجه من الربح والله أعلم".
قلت: استفتى – رحمه الله عن صورة مضاربة صميمة متفق على صحتها فأفتي فيها بالجواز، في هذا؟ وما صلته بالتأمين على الحياة؟
ولكن الدعاية المضللة للتأمين على الحياة أشاعت وأذاعت أن الأستاذ المفتي الشيخ محمد عبده أفتى بجواز التأمين على الحياة، كما استغل ذلك في الترويج للإيداع بصندوق التوفير للبريد بفائدة معينة وكثرت الأكاذيب في هذه الدعايات حتى علقت بأذهان العالم والجاهل وعرض بعض معاصريه من العلماء بفتواه. وإن يعلم أن الشيخ لبرئ مما يفترون، ولكن ماذا عليه لو امتنع عن إفتاء هذا الرجل وهو يعلم أنه مدير شركة تأمين على الحياة وحمى نفسه من هذا الافتراء، ووقانا شر هذا الصداع الدائم حتى اليوم (1) .
وبعد فالأستاذ المفتى الشيخ محمد عبده ليست له فتوى ولا رأى معروف في أي نوع من أنواع التأمين، يؤيد ذلك موقف الشيوخ الكبار في مجلس الأوقاف الأعلى الذين كان المفتي واحدا منهم وهم المغفور لهم العلماء سليم البشري شيخ الأزهر، حسونة النواوي شيخ الأزهر، محمد عبده المفتي، بكرى عاشور الصرفي المفتي، محمد بخلق مفتى.
(1) مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية العدد السابع ص 156 وما بعدها
الفصل الثاني
عقد التأمين بين الفقه الإسلامي والفقه الغربي
(التصديق)
أولا: وجوه استدلال الفقهاء ومناقشتهم.
ثانيا: الموازنة.
ثالثا: رأينا في عقود التأمين.
أولا: وجوه استدلال الفقهاء ومناقشتهم
(أ) أدلة المحرمين مطلقا:
1-
أولا: أن عقود التأمين الحالية نوع من الميسر (القمار) الذي حرمه الإسلام لصدق تعريفه عليه، والميسر كما عرفه الفقهاء (هو كل عقد يكون فيه أحد العاقدين عرضة للخسارة بلا مقابل يناله من العاقد الآخر الرابح) . قال صاحب الكليات (الميسر، كل شيء فيه خطر فهو من الميسر)(1) وقال صاحب المغرب (الميسر: قمار العرب بالأزلام)(2) وقال مثله صاحب التعريفات.
ولو ذهبنا ننظر فيما دفعه المؤمن إلي شركة التأمين على حياته أو تجارته لوجدنا أنه لم يستفد شيئا إذا لم يصب فيهما أو في أحدهما، وقد يمر العمر كله ولم يمسه سوء ولم ينزل به ضرر، فلا يحل هذا المدفوع إلي الشركة لمنوط عن عوض مالي مقابل، كما لا وجه لحل ما يأخذه هو أو ورثته من الشركة بتقدير ضرره، إذ ليس للشركة أي يد في إيذائه، على أن طمع بعض الورثة بمورثهم قد يحملهم على قتله من غير مباشرة لسبب القتل استعجالا للحصول على المال من شركة التأمين، وقد يبقى الائتمان على المورث المقتول مستورا عن الناس
…
(1) الكليات للكفوي ج4 ص182
(2)
المغرب للمطرزي ج2 ص397
2-
ثانيا: أن عقود التأمين الحالية نوع من (عقود الغرر) .
والغرر: بفتحتين لغة الخطر، واصطلاحا (ما يكون مستور العاقبة)(1) ، ومعناه بيع الأشياء الاحتمالية الذي لا تدري عاقبته هل تحصل أم لا، وقد جاء تحريم الغرر في أحاديث كثيرة منها حديث مسلم مرفوعا (ونهي عن بيع الغرر) .
3-
أن عقود التأمين في حقيقتها تقوم على الرهان والمجازفة:
لأن التزام الشركة معلق على خطر قد يقع وقد لا يقع، فإن وقع التزمت الشركة بأداء مبلغ التأمين أو بالتعويض، وإن لم يقع لم تلتزم الشركة بشيء من ذلك، ولا يقصد من ذلك إلا تحقيق الربح الاحتكاري والاثراء الفاحش بلا سبب. وتضخم المال بلا جهد. وهذا قول بعض رجال الاقتصاد في الغرب والشرق:
(أ) يقول (اللورد ما نسفيله) ؛ " عقد التأمين قائم على المجازفة، ولذلك يصعب في بعض الحالات أن نفرق بينه وبين عملية المراهنة على مبالغ نقدية من حيث الأصل الذي عليه العقد"، ولقد استشهد بهذا القول بعض شراح القانون التجاري في انكلترا في كتاب (ستيفنس) الصادر سنة 1920 عن الناشر (باتروث) وشركاه في لندن.
(ب) يقول (سلوتر) شارح القانون التجاري في انجلترا (التأمين هو شراء الأمن
…
ذلك أن المستأمن – مدفوعا بالرغبة في حماية نفسه ضد خطر ما – فإنه يشترى من المؤمن (الشركة) حق التعويض أن وقع الضرر بسبب ذلك الخطر، ويقال لثمن الشراء (جعل) أو (قسط) ، وغالبا ما يكون دفعة سنوية، ويندرج وعد المؤمن بالتعويض "في حالة وقوع الحادثة المؤمن ضدها فيما يقال له (البوليصة) وهل البوليصة إلا المجازفة والإثراء الفاحش بلا سبب.
(1) المبسوط 13: 194 والغرر ص27 و34
(ج) يقول الدكتور عيسى عبده في كتابه (التأمين.... الأصيل والبديل)(1)(إن بعض الشركات المتواضعة والناشطة في ميدان التأمين قد حققت في عام 1968 وحده ربحا صافيا يقرب من ربع رأس المال، وهذا الربح الصافى وفقا للقانون يذهب إلي المساهمين أصحاب الشركة ولا يذهب إلي المستأمنين) .
4-
أن عقود التأمين في واقعها تقوم على التعامل الربوى الذي حرمه الإسلام، وهب أن القائلين بالحل قالوا لنا: إننا نشترط عدم وجود الربا في عقد التأمين نقول لهم: وهل الواقع يصدقكم؟ فهاتوا لنا حالة واحدة في العالم خلا عقد التأمين فيها عن الربا والفائدة؟
5-
أن عقود التأمين قائمة في المبدأ والغاية على بيع الأمن نظير ثمن يتفق عليه ويقال له وسط. ولكن هذا الأمن المباع هو خدمة اجتماعية يجب أن تقوم بها الدولة وهي محاسبة ومسؤولة أن قصرت في تحقيقها، فلا يجوز لفرد أو شركة أن تستغل هذه الخدمة لابتزاز الأموال والربح الذاتي، لأن هذه الخدمة تدخل في مضمون الخدمات التي هي من اختصاص الدولة كإقامة العدل ودفع الظلم وتحقيق الأمن وتأمين الحق لكل مواطن في العيش الضروري كتأمين المواد التموينية، فهي من اختصاصات الدولة فقط وهي مسؤولة عن تأمينها أولا وآخرا فإذا قصرت في تأمينها أو غضت الطرف عنها فإنها محاسبة أمام الله، ومسؤولة أمام الأمة.
(1) ص 41
تلكم أحد أدلة من ذهب إلي أن عقود التأمين محرمة في الشريعة الإسلامية وأنها تتنافي في نظرهم مع مقاصدها العامة وقواعدها الأساسية.
(ب) أدلة المبيحين لعقود التأمين:
الأدلة التي أوردها كل من هؤلاء العلماء المبيحين للتأمين مطلقا متداخلة متشابهة، وسأقتصر في تبيان هذه الأدلة على ما ذكره الأستاذ الزرقاء باعتبارها الأكثر شمولا والأقوى حجة ودلالة من حجج ودلالة الآخرين الذاهبين معه إلي الجواز، وذلك ملخص من كتابه (عقد التأمين) .
المستندات القياسية التي استند إليها الأستاذ حفظه الله في جواز عقد التأمين،
1-
عقد الموالاة
ويتلخص هذا العقد في أن يقول شخص مجهول النسب للعربي "أنت وليي تعقل (1) عنى إذا جنيت، وترثني إذا مت" وهذا العقد اخذ به كبار فقهاء الصحابة كعمر وابن مسعود وأخذ به من فقهاء الأمصار الإمام أبو حنيفة وأصحابه.
فعقد المولاة هذا صورة حية من صور عقد التأمين حيث الولي يتحمل مسؤولية مجهول النسب من لا عاقلة له. في كل ما يصدر منه من أضرار، فوجه المشابهة بين عقد الموالاة وعقد التأمين هو تحمل المسؤولية من غير تبعة لا غير.
2-
ضمان خطر الطريق عند الحنفية
وخلاصته: انه إذا قال شخص لآخر (اسلك هذا الطريق فإنه آمن، وإن أصابك شيء فأنا ضامن) فسلكه فأصابه شيء فعوضه ما خسره لأنه ضامن فهو نص استثنائي قوى في جواز التأمين على الأموال من الأخطار.
3-
قاعدة الالتزامات والوعد الملزم عند المالكية
وخلاصته: (أنه إذا وعد شخص غيره عدة بقرض أو بتحمل وضيعة (خسارة) أو إعارة أو نحو ذلك مما ليس بواجب عليه في الأصل، فهل يصبح بالوعد ملزما؟ ويقضي عليه بموجبه إن لم يف به أو لا يكون ملزما به) .
اختلف المالكية في ذلك على أربعة آراء: من جملتها (يقضي بالعدة "أي الموعد" مطلقا، أي أنها ملزمة له.
فإذا أخذنا بالمذهب الأوسع في هذه القضية فإننا نجد في قاعدة الالتزامات هذه متسعا لتخريج عقد التأمين على أساس انه التزام من المؤمن للمستأمنين. ولو بلا مقابل على سبيل الوعد بأن يتحمل عنهم أضرار الحادث الخطر الذي يتعرض له احدهم؛ أي أن يعوض عنه الخسائر.
4-
نظام العواقل في الإسلام
ويتلخص في انه إذا جنى أحد جناية قتل غير عمد بحيث يكون موجبها الأصلي الدية لا القصاص، فإن دية النفس توزع على أفراد عاقلة الذين يحصل بينه وبينهم التناصر عادة، وهم الرجال البالغون من أهله وعشيرته، وكل من يتناصر بهم ويعد هو واحدا منهم، كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام لما فيها من معنى التعاون على البر والتقوى.
فما المانع من أن يفتح باب لتنظيم هذا التعاون على ترميم الكوارث المالية بجعله مكونا بطريقة التعاقد والإرادة الحرة كما جعله الشرع إلزاميا دون تعاقد في نظام العواقل.
(1) العقل؛ هو دفع التعويض المالي في جناية القتل الخطأ، وهو ما يسمى بدية القتل الخطأ
5-
التأمين الاجتماعي الجائز شرعا
فما الفرق بين نظام التقاعد والمعاش لموظفي الدولة وهو تأمين اجتماعي أجازه علماء الشريعة كافة بلا نكير وبين التأمين على الحياة؟
والخلاصة أن نظام التأمين بوجه عام عند هؤلاء تشهد لجوازه جميع الدلائل الشرعية في الشريعة الإسلامية وفقهها ولا ينهض في وجهه دليل شرعي على التحريم – لديهم – ولا شبهة من شبهة القائلين بالتحريم.
هذا ملخص الأدلة التي أوردها زعيم القائلين بالحل الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء في جواز التأمين في مؤتمر أسبوع الفقه الإسلامي الذي أقيم في دمشق سنة 1961 ثم أفرده بكتاب (عقد التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه) .
وقد استدل بعض الذاهبين (1) إلي التحليل بدليلين آخرين: (الأستاذ الخفيف)
1-
الأول أن الغرر المسلم في عقد التأمين غير مؤشر فلا يمنع من صحته، فهنالك عقود جوزها كثير من الفقهاء مع أن ما فيها من الغرر أكثر من الغرر الذي في عقد التأمين كبيع ما في الصندوق وعلم المشتري ما فيه وبيع الثمر قبل بدء صلاحه
…
الخ.
2-
واستشهد هؤلاء الأفاضل على جواز التأمين برأى بعض المالكية في البيع بالنفقة على المشتري مدة حياته فقد قال الأستاذ الخفيف ما نصه (وعلى هذا يرى أن منع التأمين لما فيه من الغرر أو الجهالة لا يقوم على أساس ويؤيد، أننا قد وجدنا من فقهاء المالكية من يجيز اتفاقا يشبه عقد التأمين تمام الشبه ويحوى كثيرا من الغرر لا يحويه عقد التأمين، فقد جاء في شرح المنتقي على موطأ مالك للباجى (42: 5)"وقد دفع إلي جل داره علما أن ينفق عليه حياته. روى ابن المواز عن أشهب قال: لا أحب ذلك ولا أفسخه أن وقع، وقال أصبغ: هو حرام؛ لأن حياته مجهولة ويفسخ. وقال ابن القاسم عن مالك؛ لا يجوز إذا قال: على أن ينفق عليه حياته" فنرى أن أشهب أجاز هذا الاتفاق مع الكراهة، وأن مالكا قيد عدم جوازه بجهالة مدة الإنفاق وهي مدة الحياة، ومقتضى ذلك انه إذا تم الاتفاق على أن ينفق عليه مدة معينة صح عنده مع ما في ذلك من الغرر، وعليه فلو عرض عقد التأمين على مالك لذهب إلي تجويزه بناء على ذلك) ، واستدل الأستاذ الزرقاء كذلك بعقد جائز شرعا:
(1) الأستاذ الخفيف في كتاب الغرر ص658 للصديق محمد الأمين (الدكتور)
في كتابه (مصادر الحق في الفقه الإسلامي) يرى الدكتور السنهورى أن هنالك تطورا ملحوظا في الفقه الإسلامي في هذه المسألة وأن أكثر المذاهب تطورا فيها هو مذهب مالك، وقد بين ابن رشد في عبارة جليلة الأصل عند مالك فقال؛ [والأصل عنده – أي مالك – أن من الغرر ما يجوز لموضع الضرورة](1) .
هذا هو أظهر ما استدل به زعماء الذاهبين إلي إباحة عقد التأمين ومن اتبعهم. هذا؛ ولقد رجعت إلي ما كتبه الدكتور محمد سلام مدكور (2) في مقال نشره بمجلة العربي الكويتية في عددين اثنين، فرايته في ما كتب لم يخرج عن دائرة المبيحين لعقود التأمين كلها في الفقه الإسلامي مبتدئيا شريطة خلوها من عنصر الربا، وأن يطوعها فقهاء الشريعة الإسلامية ليتلافوا ما يصاحبها من مفسدات العقود وموجبات ذلك الفساد الطارئ عليها (3) ، وقد جعل من مقاله الأول شبه مدخل للمقصد الذي أراده في مقاله الثاني، كما تطرق إلي هذه العقود التأمينية لدى فقهاء القانون بما لا يخرج عما ذكرنا، وإن كان في ما كتب في هذه النقطة بالذات يحتاج إلي مزيد من التثبت والرجوع للمصادر القانونية لأنه فرق بين التأمين التبادلي والتعاوني وهذا تفريق لا يعرفه فقهاء القانون، وارجع إلي الوسيط للدكتور السنهوري تجد بعدا بينما ذكره واضع القانون وشارحه وبينما ذكره الأستاذ كاتب المقال!!
(1) مصادر الحق في الفقه الإسلامي ج3 ص32-33
(2)
في مجلة العربي الكويتية مقالات ثلاث عن عقود التأمين، مقال في العدد 66 وعنوان (عقد التأمين على الحياة ليس حراما..) وهو خاص بالتأمين على الحياة لذا لم أتعرض له بل لما هو أعم وأشمل، ومقالان اثنان للدكتور محمد سلام مدكور رئيسا قسم الشريعة الإسلامية بكلية حقوق جامعة القاهرة وأستاذ الفقه والأصول بجامعة الكويت آنئذ الأول منهما كالمدخل الثاني، وعنوانه (عقود التأمين وموقف الفقه منها) العدد 192 من ص20 إلي ص25، والثاني عنوانه (عقود التأمين ما حكهما في الفقه الإسلامي) العدد 195 من ص 24، وهو بيت القصد لخص فيه ما ذهب إليه الفقهاء الإسلاميون القدامي والمعاصرون باختصار شديد ثم تكلم في أدلته وعقب ذلك برد شبه الخصم، ثم ختم بحثه بمنافع التأمين واقتراح بالاجتهاد الجماعي في هذا الموضوع وحاجة المسلمين إليه
(3)
العربي العدد 195 ص24 حيث قال (والذي نراه بعد ذلك أن عقد التأمين في جوهره وأصل فكرته مساير لمصالح الناس الذين اقبلوا عليه دون ترتب نزاع بسبب وأصل العقد كما انه لم يرد في التشريع الإسلامي نص يمنعه ويبطله، كما أنه لا يتنافي مع قواعد الشرع العامة، ثم قال في ذات الصفحة (ونقترح أخيرا أن يجتمع فريق من كبار المسلمين المخلصين لدينا ويتدارسوا عقود التأمين بجميع أنواعها وما يتصل بها من شروط ويطوعوا الناشز منها ليكون متمشيا مع قواعد ديننا الإسلامي) آهـ
ولقد ذهب في قضية فتح باب التعاقد بعقود مستحدثة في الفقه الإسلامي شأن الأستاذ الزرقاء والفقهاء المبيحين للعقود التأمينية بإطلاق لا ينافي ذلك الفقه الحنبلي بعامة والشيخ ابن تيمية بخاصته (1) .
أما أدلته التي استند إليها في ما ذهب إليه فترجع في مجموعها إلي ما ذهب إليه الأستاذ الزرقاء ومن تبعه فجعل كلا من الغرر والجهالة التي في عقود التأمين مفتخرًا فسلم بوجود الغرر والجهالة ولكن لم يجعل منهما مفسدا للعقد أو مانعا من إباحته استنادا إلي أن كتب الفقه الإسلامي تكاد تكون ممتلئة من العقود التي أقرها الفقهاء مع أن فيها من الغرر ما لا تقل عن نظيره في عقود التأمين مثل دية القتل الخطأ والقسامة، والعمرى، والوصية بمرتب مدى الحياة وعقد الموالاة الذي أجازه كبار الصحابة والمذهب الحنفي.
ثم أردف ذلك بتنفيذ أدلة الخصم الذاهبين إلي المنع والتحريم وسمى أدلتهم تلك (شبها) ولخص تلك الشبه!! بست:
1-
أنها تقوم على الجهالة والغرر وهما يمنعان من صحة العقد شرعا، لنهي الشارع عن الغرر.
2-
وأن الضمان فيه من قبيل البر والخير ولا يجوز أخذ العوض عنه.
3-
وأنه ضمان لشيء معدوم وقت العقد وإن كان على خطر الوجود.
4-
وهذا قمار ممنوع شرعا أيضا.
(1) كتاب (العقود) للشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى ص226 حيث قال (وقد بينا في غير موضع أن الأصل في العقود الإباحة، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله) . أ. هـ. قلت: وقد طبع هذا الكتاب تحت اسم (نظرية العقد) سنة 1949م فلينظر!!
5-
وأنها أكل لأموال الناس بالباطل.
6-
وأنها لا تخلو بحال عن الربا.
ورد على هذه الشبه الست ردا تجد مضمونه في ثنايا ما ذكرت وما سأذكر من تفنيد الأدلة ومناقشتها. إلا أني أتوقف عند الشبهة الأولي في زعم صاحب المقال ورده عليها وهي قضية الجهالة والغرر لأنها أهم نقطة في البحث كله وأجدر شيء في هذا المقال بالاهتمام، فجعل الغرر والجهالة في عقود التأمين مما لا يمنع من صحة العقد وإباحة للأمور التالية:
1-
لأن عقودًا كثيرة فيها غرر أجازها الفقهاء كما ذكر آنفا وضرب لذلك أمثلة أخرى لكنه استشهد على ما ذهب إليه بمقولة لابن تيمية الفقيه الحنبلي رحمه الله تعالى؛ "إنه يرضى فيما تدعو إليه الحاجة مما أفسده الغرر، وكان مذهب مالك أوسع المذاهب في هذا، إذ تجوز مع الغرر في كل ما تدعو إليه الحاجة، وما كان الغرر فيه محتملا لا يؤدي إلي نزاع" ثم بقوله "لا يصح أن يقاس كل عقد فيه غرر على بيع الغرر في عدم الجواز".
لم يذكر كاتب المقال أين قال ابن تيمية هذا القول: سوى أن عزا ذلك إليه أقول: ولعله في كتابه (العقود) الذي طبع تحت اسم (نظرية العقد) ومثل هذا يحتاج إلي مزيد توقف ونظر؛ فهل يقبل الدكتور المذكور مثل هذا العزو إلي مؤلف دون ذكر كتاب ولا صفحة ولا مجلد من أحد تلاميذه الذين يناقشهم في رحاب الجامعة في رسالة جامعية كالماجستير أو الدكتوراة!!
2-
ثم عقب ذلك بقوله: (فما ألفه الناس تعارفوا عليه دون ترتب نزاع يكون غير منهى عنه) .
ولا يفسد العقد كعقد الموالاة
…
برغم وضوح الغرر والجهالة فيه.
وضرب لذلك مثلا بصحة الصلح على جميع الحقوق المجهولة لشخص على آخر نظير عوض مالي معين، دون صحة الصلح على بعضها دون الآخر مع جهالة المصالح عليه، وجواز الكفالة بمجهول القدر ثم قال (فجهالة مقدار ما يرتفع به الغرر الناجم عن وقوع الخطر عند إنشاء عقد التأمين جهالة لا تمنع من التنفيذ ولا تنتج نزاعا بسبب هذه الجهالة) .
أقول:
لقد سلم الدكتور بوجه الغرر والجهالة في عقود التأمين وبأنه غرر معتبر لدى الفقهاء غير يسير، لكنه دفع هذا التعليل لمنع عقود التأمين بأمرين اثنين:
1-
بأنهما مما تدعو إليه الحاجة مما فيه غرر مفسد إذا كان محتملا لا يؤدي إلي نزاع، مستندا إلي قول الشيخ ابن تيمية سابق الذكر.
أقول:
أما الحاجة هنا فليست معتبرة شرعا لأنها حاجة عامة لكنها غير متعينة إذ لا يمكن وجود البديل عن هذه العقود الفاسدة كما ذكر علماء أصول الفقه في كتبهم وهو مقرر لديهم، هذه واحدة.
والثانية انه غرر غير مفض إلي نزاع، ومن قال هذا؟ هب أن حربا عالمية اشتعل أوارها أو محلية لكنها حرب خطيرة شاملة فهل تؤدي شركات التأمين تعهداتها وتفي بعقودها؟ أم تسحب أذيالها راجعة القهقرى معلنة (ظروف طارئة) متسترة بهذه العبارة المطاطة للهرب والتملص من كل ما سبق أن تعهدت به؟! أليس هذا يفضى إلي نزاع بين شركات التأمين وعملائها؟ اللهم نعم، ولدى كل العقلاء؛ نعم.
2-
وقوله (فما ألفه الناس وتعارفوا عليه) وإني أتساءل؛ متى كان العرف يعارض النهى فيلغيه؟ وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر....؟
أما استدلاله بعقد الموالاة وقياسه هذه العقود عليه فهو قياس مع الفارق واستدلال في غيره محله
…
فأين عقد الموالاة وما ذكر من الصلح من جميع الحقوق والكفالة لما في الذمة وغير ذلك مما نحن فيه. تلك عقود يغلب عليها معنى التبرع والإيثار وحب الخير وهذه عقود يغلب عليها معنى الاسترباح والاستغلال وعلى الأقل معنى المعاوضة، فهل يصح هذا القياس؟ اللهم لا
…
وبعد فهذه مناقشة وجيزة أحببت أن أختم بها هذا الحديث لم أوف فيها على الغاية، ولكنها أضواء على الموضوع وعسى أن يكون في قادمات الأيام إن شاء الله تعالى لنا لقاء علمى مع الكاتب المذكور.
ثانيا: الموازنة
الذي يبدو من ظواهر الأدلة التي احتج بها الفريقان أن أدلة من ذهبوا إلي تحريم عقود التأمين هي أقوى استنباطا وأتم دلالة وأمتن احتجاجا وأرسخ ارتباطا بنصوص الشريعة ومقاصدها وقواعدها العامة وذلك للأمور التالية:
1-
المجوزون للتأمين اعتمدوا في أدلتهم استنادات قياسية استنبطوها من استنتاج الفقهاء المجتهدين بينما القائلون بحرمته استندوا على نصوص تشريعية وقواعد أساسية أجمع المجتهدون على الأخذ بها والعمل بمقتضاها والفرق واضح بين الاستدلالين.
2-
المجوزون للتأمين اعتمدوا على تعليلات وتأويلات في الجواز أقل ما يقال فيها أن فيها معنى الغرر المحرم، بينما اعتمد القائلون بالحرمة نصوصا مطبعية تحرم الغرر وفرق كبير بين الأمرين.
3-
من القواعد المقررة شرعا (إذا تعارض المحرم والمبيح قدم المحرم، وإذا تعارض المانع والمقتضى قدم المانع)(1) لذا نأخذ بجانب الحرمة بعقود التأمين باعتبار أنه يتعارض مع الجانب المبيح على افتراض وجود التعارض ولا تعارض لظهور أدلة المحرمين.
4-
رد القائلون بالتحريم على المبيحين في مسألة القياس على نظام العواقل ونظام التقاعد والمعاش وعقد الموالاة بأنها عقود تعتمد على التبرع والدافع الذاتي والمساهمة في أوجه الخير ولا كذلك نظام التأمين التجاري القائم على الاسترباح والاستغلال وابتزاز الأموال.
(1) ج2 المعارضة والترجيح
5-
وكذلك رد القائلون بالتحريم على المبيحين في استدلالهم (بالاتفاق بمرتب عمري) عند المالكية بأن أشهب قال (أكره ذلك) وهو عند المالكية اصطلاح في المنع لا في الإباحة كما قالوا؛ لذا فإنه يصلح دليلا للمحرمين لا عليهم. واستدلالهم بقول مالك رضي الله عنه لا يفيدهم لأن مدة الإنفاق معينة هناك وفي عقد التأمين مجهولة فلا يصح.
6-
وكذلك ردوا على المبيحين في استدلالهم بضمان خطر الطريق عند الحنفية بأن هذا تغرير لا غرر، وفي التغرير يضمن.
7-
وردوا على قاعدة الالتزامات عند المالكية بأن ذلك المحتمل معلوم وهذا المحتمل في عقد التأمين غير معلوم فحصل الغرر فبطل القياس.
8-
وكذلك ردوا على المبيحين بأن الغرر غير مؤثر بقولهم أن الغرر هنا مؤثر في صحة العقد لأنه ينبني عليه أكل مال كثير بالباطل في جمهور غفير من الناس ليربح أناس ربحا فائضا على أكتاف الآخرين بلا سبب مشروع..
9-
وأما عقد الاستئجار على الحراسة فلا يجوز القياس عليه هنا لأنه قياس مع الفارق، فهناك العقد القائم على عمل وهو الحراسة وبذل الجهد واليقظة، وليس في عقد التأمين أي عمل تقوم به الشركة لقاء دفع الخطر عن المؤمنين المساكين.
10-
أما قول الدكتور السنهوري أن الضرورة تبيح التأمين للضرورة مع الغرر كما ذهب إليه مالك فإن المحرمين قالوا؛ لا نسلم بالضرورة هنا ولا بالحاجة مطلقا.
لأن الأمة الإسلامية تستطيع أن تتخلص من هذا النظام الاستغلالي إلي تأمين من صنع الشريعة الإسلامية ومن قواعدها وليس في ذلك أي حرج ولا مشقة فيما إذا أراد المسلمون بصدق أن يحكموا شريعة ربهم (1) .
(1) الغرر ص661
ثالثا: رأينا في عقود التأمين
"نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر "(1)
هل في عقد التأمين غرر؟
الجواب: نعم، وليس غير الغرر في نظرى دليلا ظاهرا يناطح الخصم ويظهر عليه، ويشهد لذلك علماء القانون الذين عدوا بالإجماع هذا العقد من عقود الغرر، وقدر أنه من العقود الاحتمالية في خصائصه.
والغرر إذا استطاع المبيحون أن ينفوه عن أحد طرفي العقد (المؤمن) فلا بد من أن ينتفي الغرر بالنسبة للمستأمن أيضا وهو ما لم يستطع المبيحون (2) أن يثبتوه بوجه؛ ثم هل الغرر في التأمين كثير مانع أم لا؟
ضابط الغرر الكثير لدي الفقهاء (هو ما غلب على العقد حتى صار العقد يوصف به) وأري مع الأخ الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير في كتابه القيم (الغرر وأثره في الفقه الإسلامي) أن هذا الضابط ينطبق على عقد التأمين، فإن من أركان عقد التأمين التي لا يوجد دونها (الخطر) والخطر هو حادثة محتملة لا تتوقف على إرادة أحد الطرفين، ولذا لا يجوز قانونا التأمين إلا من حادث مستقبل غير محقق الوقوع، فالغرر عنصر لازم لعقد التأمين ومن الخصائص التي تتميز بها، ومما يدل على أن الغرر تمكن من عقد التأمين وأصبح صفة لازمة له أن كثيرا من القوانين تذكره تحت عنوان (عقود الغرر) ثم هل هناك حاجة أو ضرورة لعقد التأمين تجعل الغرر الذي في عقد التأمين غير مؤثر.
(1) رواه مسلم في كتاب البيوع وأبو داود في كتاب البيوع والترمذي في كتاب البيوع والنسائي كذلك في كتاب البيوع وابن ماجة في التجارات والدارمي في البيوع وأحمد في مواضع متعددة
(2)
أسبوع الفقه الإسلامي 403 انظر الغرر ص651 وما بعدها
من المعلوم أن الحاجة أدني من الضرورة منزلة إذ يلزم بلزومها الحرج والضيق، ويشترط أن تكون الحاجة لاعتبار الغرر غير مؤثر أن تكون عامة أو خاصة، وأن يكون ذلك العقد متعينا لسد تلك الحاجة بحيث لو أمكن سد الحاجة عن طريق عقد لا غرر فيه فلا يصح اللجوء إلي العقد الذي فيه غرر.
والذي يبدو لي أن الحاجة عامة لعموم البلوى، ولكن عقود التأمين بقسط ثابت ليست متعينة لسد تلك الحاجة.
فالذي تقتضيه قواعد الفقه الإسلامي منع هذا العقد بما فيه من غرر كثير من غير حاجة ملجئة إذ من الممكن أن يحتفظ بعقد التأمين في جوهره ونستفيد بكل مزاياه مع التمسك بقواعد الفقه الإسلامي وذلك بإبعاد الوسيط الذي يوالي الربح وجعل التأمين كله تأمينا تعاونيا خيريا بحتا تتولاه الحكومات في البلاد الإسلامية بكافة أنواعه فتجعل له منظمة تشرف عليه على أن يكون المعنى التعاوني بارزا فيه بروزا واضحا وذلك بالنص صراحة في عقد التأمين حينئذ على أن المبالغ التي يدفعها المشترك تكون تبرعا منه للشركة يعان منها من يحتاج إلي المعونة من المشتركين حسب النظام المتفق عليه.
فالخلاصة (إني أكره تحريما كل عقود التأمين التبادلي والتجاري لما فيها من الغرر ولعدم الحاجة إليها) .
(وحكم التأمين التجاري كعقد، الفساد لتمكن الغرر منه وفكرة الاسترباح "ولزوم ما لا يلزم شرعا"، وحكم عقد التأمين التبادلي الجواز مع الإثم)(علما بأن كل عقد فاسد شرعا عقد ربوي) هذا كله في التأمين التجاري والتعاوني (التبادلي) فقط.
أما التأمين الاجتماعي الذي تقوم به الحكومات فهو جائز شريطة خلوه من الربا نهائيا.
وأما صور التأمين الأخرى الجديدة التي ابتدعها الغرب ولم نصل إلي معرفة حقيقتها بعد بشكل مفصل فهي تحت مجهر البحث العلمي، ولكل عقد منها حكمه الشرعي حسبما تقتضيه طبيعته وخصائصه.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل..
الفصل الثالث
إعادة التأمين
بين الفقه الغربي والفقه الإسلامي
أولًا: إعادة التأمين في الفقه الغربي.
ثانيًا: إعادة التأمين في الفقه الإسلامي كما توصلنا إليه.
أولًا: إعادة التأمين في الفقه الغربي
(أ) فكرة عامة
تقوم عملية التأمين على تقدير الاحتمالات طبقًا لقوانين الإحصاء وعلى قانون الكثرة، وشركة التأمين تعمل كل ما في وسعها حتى يأتى حسابها مضبوطًا. ولكن الشركة لا تستطيع أن تطمئن إلى هذا التقدير اطمئنانًا كاملًا في مواجهة التزاماتها. فيجب عليها أن تدخل في حسابها أن هذا التقدير إنما هو تقريبى قد يخطئ، وهذا الخطأ يقل كلما كثر عدد المؤمَّن لهم طبقًا لقانون الكثرة، ولكن احتمال الخطأ مهما قلّ يبقى قائمًا. فيجب على الشركة إذن أن تواجه احتمال الخطأ هذا وما ينجم عنه من فروق في الحساب حتى تطمئن اطمئنانًا معقولًا إلى قدرتها على مواجهة التزاماتها للمؤمَّن لهم، وحتى يطمئن هؤلاء هم أيضا إلى ملاءة الشركة وإلى أن حقوقهم في ذمتها مكفولة، وذلك عن طريق إعادة التأمين، وهنالك صور أخرى كالتأمين المجزأ أو التأمين بالاكتتاب إلا أن المؤمِّن يفضل طريقة إعادة التأمين لكونها أضمن له في عمله التجاري من منافسة زملائه له في عملائه، وإعادة التأمين هى العملية الأساسية في الموضوع.
وقد تكون إعادة التأمين إجبارية بموجب القانون، وقد تكون اختيارية وهى منتشرة في التأمين البحرى بوجه خاص وأهم صورها أربع؛ 1- إعادة التأمين بالمحاصة. 2- وإعادة التأمين فيما جاوز حد الطاقة. 3- وإعادة التأمين فيما جاوز حدًا معينًا من الكوارث. 4- وإعادة التأمين فيما جاوز حدًا معينًا من الخسارة، وهى أحدث الصور ظهورًا وأكثرها انتشارًا، ومزيتها التبسيط الشديد في إجراءات المحاسبات والمراسلات.
وهكذا نرى أن المؤمن يكون طرفًا مع المؤمَّن له في عقد التأمين، وطرفًا مع المؤمِّن المعين في عقد إعادة التأمين.
وإعادة التأمين تزاول عادة على صعيد دولى فتكون المقاصة في المخاطر لا فحسب بين الفروع المتعددة في البلد الواحد بل أيضا بين البلاد المتعددة، وانتشار إعادة التأمين على هذا الصعيد الدولى هو الذي يمكن لهذه العملية ويقيمها على أسس ثابتة مستقرة لدى فقهاء القانون، فكلما اتسعت دائرة المقاصة في المخاطر كلما كان تقدير احتمالات وقوع المخاطر أقرب للحقيقة.
وحظ إعادة التأمين من الدراسة القانونية غير كبير فهى حديثة النشأة، ولم تبدأ إلا بعد انتشار التأمين انتشارًا واسعًا في العالم، وهى لا تعنى جمهور عملاء التأمين، إذ تقتصر العلاقة فيما بين المؤمّن والمؤمن المعيد، ومن هنا بقيت مجهولةً من الجمهور، والكثرة الغالبة من قضاياها تحل عن طريق التحكيم، وليس من السهل العثور على وثائق التحكيم لأنها لا تنشر.
التكييف القانونى لإعادة التأمين:
اختلف فقهاء القانون في هذا الشأن والذى استقر عليه القضاء والفقه في فرنسا على أن عقد إعادة التأمين ما بين المؤمّن والمؤمن المعيد ليس إلاّ عقد تأمين، يصبح فيه المؤمن مؤمنًا له، ويصبح فيه المؤمن المعيد مومِّنا، فهو في جميع الأحوال عقد تأمين تسرى عليه المبادئ العامة لعقود التأمين. ولا يجوز فيه أن يلتزم المؤمن المعيد نحو المؤمن بأكثر مما يلتزم نحو المؤمن له. ويجب أن يلاحظ أن إعادة التأمين عقد تأمين بين المؤمن والمؤمن المعيد، ولا شأن للمؤمن له به فهو أجنبى عنه لا يكسب منه حقًا ولا يحتمل التزامًا، ويبقى المؤمن وحده هو المسؤول نحو المؤمن له بموجب عقد التأمين الأصلى المبرم بينهما.
وإذا كان شأن إعادة التأمين كذلك إلا أنه عقد يتميز بقواعد خاصة به فيما يتعلق بالآثار المترتبة عليه، وقد استمدت هذه القواعد من اتفاقات إعادة التأمين المألوفة، واستقرت الشروط التى تتضمنها هذه الاتفاقات حتى أصبحت عرفًا ثابتًا، فهو عقد ملزم للجانبين وعقد رضائى ومن عقود المعاوضة، وهو كسائر عقود التأمين عقد زمنى وعقد احتمالى ومن عقود حسن النية، ويختلف عن عقد التأمين المباشر في أنه لا يعدُّ من عقود الإذعان، إذ كل من طرفيه – المؤمن والمؤمن المفيد محترف ذو خبرة ولا تفاوت بينهما من ناحية المركز الاقتصادى ويستطيع كل منهما أن يناقش في حرية وعن خبرة مهنية شروط الاتفاق. وأما المبدآن الرئيسيان اللذان يخضع لهما عقد إعادة التأمين فهما؛ مبدأ حسن النية ومبدأ وحدة المصير، فالطرفان أقرب إلى أن يكونا شريكين، ومن مقتضيات ذلك وجوب تقديم البيانات الصادقة ممن يجب عليه ذلك للطرف الآخر (1) .
(1) الوسيط للدكتور السنهورى ج 7 مواضع متعددة
ثانيًا: إعادة التأمين في الفقه الإسلامى
كما توصلنا إليه
رأينا من تعرض لعقد التأمين المباشر من الفقهاء الإسلاميين وأدلى بدلوه في هذه القضية، ولكنا لم نر من تكلم في هذه المسألة المتفرعة عن عقد التأمين المباشر. ألا وهى عقد إعادة التأمين من الفقهاء الإسلاميين القدامى ولا المعاصرين. والذى يبدو لنظرى والله تعالى أعلم أن هذا العقد الفرعى هو كعقد التأمين المباشر يسرى عليه ما يسرى على الأصل من الأحكام الرئيسية كما ذكر علماء القانون في التكييف الفقهى له. لذا فإنه يأخذ الحكم الشرعى الذي يتناول عقد التأمين المباشر بقسط ثابت كما مر آنفًا.
ولا يتصوَّر هنا في إعادة التأمين وجود عقدٍ تعاونى ذى هدف إنسانى محض حتى نقول بجوازه، فلا عقد إعادة تأمين تعاونيًا في القانون، لذا فلا حكم له في الشرع.
وعلى هذا؛ فالقائلون بالإباحة المطلقة لعقد التأمين المباشر يقولون بمثل ذلك لعقد إعادة التأمين.
والقائلون بالمنع المطلق للأصل يقولون بمثل ذلك للعقد المتفرع عنه.
والقائلون بالانتقاء يقولون بمثل ذلك لكل ما يشمل التأمين المباشر وإعادة التأمين.
والقائلون بالكراهة للتأمين المباشر يقولون بمثل ذلك لعقد إعادة التأمين.
أمَّا ما يبدو لنا فهو ما ذكرناه من القول بالكراهة لكل عقد تأمين مباشر بقسط ثابت وما يتفرع عنه من عقد إعادة التأمين في جميع صوره وأشكاله تبعًا للأصل.
والكراهة هنا تحريمية؛ وقد قلنا بها تأدبًا مع الشريعة المطهَّرة بأن لا يقال حرام إلا لما جاء تحريمه بالنص القطعي فقها وما عدا ذلك فقد اعتاد العلماء من قبل أن يقولوا (نكره كذا) لما يرون تحريمه، ونحن نقول نكره العقد الأصلى التعاوضى، وما يتفرع عنه من عقد إعادة التأمين.
…
قلت: هذا ما ظهر للعبد الفقير إليه تعالى، والله تعالى أعلم..
الفصل الرابع
الطريق إلى تأمين يبيحه الفقه الإسلامى
بمذاهبه الكبرى
(1)
الحلول التى ارتآها الآخرون
1-
اقتراح الدكتور عيسى عبده في كتيّب أصدره بعنوان (التأمين: الأصيل والبديل) حلًا لمشكلة التأمين ينبع من جوهر الشريعة الإسلامية يرجع إلى مبادئ التكافل الاجتماعى في الشريعة الإسلامية فليرجع إليه.
2-
وكذلك اقترح الأستاذ عبد الله علوان حلًا شبيهًا بالمذكور في كتيب أصدره بعنوان (حكم الإسلام في التأمين السوكرة) لا يخرج عما ذكره الدكتور عبده في أغلب نقاطه.
ولكن صاحبى كلا الاقتراحين تصوّرا وجود الدولة الإسلامية وقيامها قبل كتابة اقتراحهما وأن هذه الدولة الإسلامية الوليدة قد جاءت إليهما بمسئوليها تطالبهم بالحل الذي يرونه ليطبقه القائمون على الأمر من الإسلاميين المخلصين.
ولكن الأمر غير ذلك كليَّا.
فنحن في ظل وضع غاب عنه الإسلام غيابًا كاملًا في الأمة العربية جمعاء. اللهم إلا ما بقى منه من ظلال العقيدة والعبادة، أما الفقه الإسلامى فلا وجود له في المجتمع لا في الأفراد ولا في الجماعة، إلا في القليل النادر. وفى هذا الوضع وجب أن نبحث الأمر على غير ما بحثه الفقيهان السابقان.
وجب أن نضع مؤقتًا تأمينًا عمليًا تسمح الدول والحكومات بالعمل به ثم حين تقوم الدولة الإسلامية بنظامها الإسلامى الجديد يُزداد على هذا التأمين ما اقترحه الفاضلان ويعدَّل حسب الظروف آنذاك.
أقول: إننا الآن أمام تأمين إسلامى مؤقَّت فلننظر.
(2)
نظام التأمين الإسلامى الذي نراه
نرى أن يكون هذا النظام المقترح على ثلاث درجات:
1-
الدرجة الأولى: إنشاء مصرف تنمية إسلامى على الوجه الذي اقترحه على المسلمين المعاصرون ولا سيما الدكتور رفيق المصرى في كتابه القيِّم تجتمع فيه أموال المسلمين فقط وتُشغّل بالأسلوب المذكور مع اشتراط المصرف على المشترك بتعهد خطى أن تكون زكاة ماله عائدة إلى صندوق الزكاة وعمل الخير في المصرف المذكور.
2-
الدرجة الثانية: إنشاء صندوق الزكاة من أموال المصرف المذكور، وبدلًا من إعطائها للفقراء مباشرة كما هى العادة يتكون منها رأس مال تجاري يقوم عليها موظفون يعملون بأجر معتدل، وهنا تأتى الدرجة الثالثة وهى النتيجة.
3-
الدرجة الثالثة: أن يكتتب طالبو التأمين بمبالغ خيرية تبرعًا منهم لصندوق الزكاة وعمل الخير في المصرف المذكور وليس لهم حق إعادتها، ثم إذا جاءت الأرباح بعد عشر سنين أو خمسة وفينا الفقراء حقهم من رأس مال الصندوق وأبقينا الأرباح مع التبرعات الخيرية للاستثمار ويتكون من هذا الصندوق الجديد المنبثق عن صندوق الزكاة وعمل الخير.
"صندوق عمل الخير" وهو التأمين الإسلامى الذي نراه صالحًا لإنقاذ حياة الفقراء والمساكين والمعوزين والمتضررين من المكتتبين وغيرهم وإن كانت الأفضلية في رأينا للمكتتبين في صندوق عمل الخير فقط دون المكتتبين في مصرف التنمية الأساسى لأن أرباحهم كافية لهم.
ولا بأس بأن نشترط هنا ما اشترطه الفقيه الدكتور عيسى عبده على المؤسسات التعاونية التكافلية وهى:
1-
أن يدفع الفرد المساهم نصيبه المفروض عليه في ماله على وجه التبرع قياما بحق الأخوة.
2-
إذا أريد استغلال هذا المال المدَّخر فبالوسائل المشروعة وحدها.
3-
لا يجوز لفرد أن يتبرع بشيء على أساس أن يعوَّض بمبلغ معين إذا حلَّ به حادث. ولكن يعطى من مال الجماعة بقدر ما يعوّض في خسارته أو بعضها على حسب ما تسمح به حال الجماعة.
4-
التبرع هبة، والرجوع فيها ممنوع شرعًا كراهةً أو تحريمًا (1) .
وبعد؛
فالذى دعانى إلى إقامة صندوق عمل الخير (التأمين الخيرى) على أساس الزكاة ثم على أساس مصرف التنمية، ما نراه ونعلمه من استبعاد فكرة إقامة التأمين الخيرى هذا فورًا على أساس خيرى بحت، وهب أنه قام وتنادى إليه موسروا المسلمين فكيف يتم صرفه وتشغيل أمواله ومن هم أولئك المستفيدون منه وهل نضمن سلامة قيام هذه المؤسسة دون استغلال؟.
أما فيما ذكرت فلو أن الناس لم يتبرعوا لصندوق عمل الخير، وبقيت أموال الزكاة فقط فاستثمرت بيد أناس عاملين عليها ثم رُدّ رأس مال الصندوق وهو محض الزكاة للفقراء وأخذت الأرباح لصندوق عمل الخير لكان كافيًا. ولا ضرر في تأخير إعطاء الفقير الزكاة ولا في استثمارها على أساس الضمان لا الأمانة كى لا يضيع حق الفقير في رأس المال.
والذى يجلب لنا فائضًا من الزكاة هذه صندوق التنمية الأساسى الذي يستثمر أموال الناس بما يشبه شركة المضاربة في الفقه الإسلامى، فكلما كثرت أموال الناس في مصرف التنمية كثرت الزكاة، ومن ثم كثرت أرباح الزكاة ثم وجدت ذلك كله في صندوق عمل الخير.
وهذه نظريتنا وهذا تعليلها فيما نرى والله تعالى أعلم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
(1) أنظر كتاب (التأمين الأصيل والبديل) للدكتور عيسى عبده
مسرد المراجع
(أ) المراجع القديمة:
ابن الأثير (الجزرى) : النهاية في غريب الحديث
الأتاسى (خالد) : شرح المجلة. ط حمص
ابن تيمية (أحمد بن عبد الحليم) : العقود باسم (نظرية العقد) ط القاهرة سنة1949م
الباجى (أبو الوليد المالكى) : المنتقى شرح الموطأ
الرافعى (عبد القادر) : تقريرات على رد المحتار ط بولاق
الراغب الأصفهانى: مفردات غريب القرآن
الشريف (على الجرجانى) : التعريفات
الزَّبيدى (محمد مرتضى) : تاج العروس شرح القاموس
السرخسى (شمس الأئمة) : المبسوط شرح الكافى
الطحاوى (أحمد) : حاشية على الدر المختار في أربع مجلدات
ابن عابدين (محمد أمين) : حاشية رد المحتار على الدر المختار ط بولاق سنة1272هـ
مجموع الرسائل العابدينية ط الآستانة سنة325هـ
عبيد الله بن مسعود (صدر الشريعة) : التوضيح لحل غوامض التنقيح بحاشية التلويح
للسعد ط البابى الحلبى
الفيومى (محمد بن أحمد) : المصباح المنير
الكفوى (أبو البقاء) : الكليات
المطرّزى (الخوارزمى الحنفى) : المُغرب (محققًا في سورية)
ابن منظور (أبو المكرّم) : لسان العرب
محمد بن الحسن (الإمام) شرح السِّير الكبير
المطيعى (محمد بخيت) رسالة (أحكام السيوكورتاه)
النسفى (أبو جعفر عمر بن محمد المتوفى سنة 587هـ) طِلَبَةُ الطَّلَبَةِ
(ب) المراجع الحديثة:
البدراوى (د. عبد المنعم) : عقد البيع – القاهرة 1958
الحجوى (محمد الحسن الثعالبى) : الفكر السامى في تاريخ الفقه الإسلامى
الجويجاتى (عارف) : كلمة حق في عقد التأمين (رسالة)
الزرقاء (مصطفى أحمد) : (عقد التأمين وموقف الشريعة منه) كتاب ط مطبعة جامعة دمشق
السنهورى (الدكتور عبد الرزاق) : الوسيط شرح القانون المدنى مصادر الحق في الفقه الإسلامى عقد الإيجار
السنهورى (محمد أحمد فرج) : مؤتمر البحوث الإسلامية العدد السابع (التأمينات)
الصديق (الدكتور محمد الأمين الضرير) : الغرر وأثره في الفقه الإسلامى رسالة دكتوراه (عقد التأمين) بحث في أسبوع الفقه الإسلامى
عبده (الدكتور عيسى) التأمين بين الحل والتحريم (كتاب) بسلسلة (من مكتبة الاقتصاد الإسلامى) ط دار الاعتصام التأمين الأصيل والبديل (رسالة) العقود الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية المعاصرة (كتاب)
علوان (عبد الله) : عقد التأمين في الشريعة الإسلامية (رسالة)
الفرفور (الدكتور محمد عبد اللطيف) : ابن عابدين وأثره في الفقه رسالة دكتوراه
المجلس الأعلى للعلوم: أسبوع الفقه الإسلامى مهرجان ابن تيمية سنة1961
مرسى (محمد كامل) : (العقود المسماة) الجزء السادس عقد البيع والمتابعة
المصرى (د. رفيق) : مصرف التنمية الإسلامى رسالة دكتوراه