المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آراء حول خطاب الضمانفضيلة الشيخ محمد على التسخيرى - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني

- ‌كلمة معالي سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معالي الأمين العام للمجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة معالي الدكتور أحمد محمد علي

- ‌كلمة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف

- ‌كلمة سعادة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌زكاة الديونلفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونفضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسىوفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي

- ‌زكاة المستغلات العمارات والمصانع ونحوهافضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

- ‌زكاة المستغلاتفضيلة الدكتور علي احمد السالوس

- ‌أطفال الأنابيبفضيلة الشيخ رجب التميمى

- ‌وثائق مقدمة للمجمعالحكم الإقناعي في إبطال التلقيح الصناعيوما يسمى بشتل الجنينالشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌بنوك الحليبفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

- ‌بنوك الحليبالدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاشالدكتور محمد على البار

- ‌الإنعاشفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الشيخ رجب التميمى

- ‌خلاصة في التأمينالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌عقود التأمين وإعادة التأمين في الفقه الإسلاميدراسة مقارنة بالفقه الغربيفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌التأمين وَإعادة التأمينالشَيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌وثائق مقدمَة للمؤتَمرالتأمين وَإعادة التأمينالشَيخ عبٌد الله بن زيد آل مَحمُود

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدفضيلة الدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌أحكام التعامل في المصارف الإسلاميةالدكتور وهبة الزحيلي

- ‌أحكام التعامل في المصارف الإسلاميةفضيلة الشيخ محمد على عبد الله

- ‌بداية الشهور العربيةفضيلة الشيخ محمد على التسخيري

- ‌توحيد بدايات الشهور العربيةفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌رسالة بلغة المطالع في بيان الحساب والمطالعفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌بدايات الشهور العربية الإسلاميةلفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌حول اعتماد الحساب الفلكيلتحديد بداية الشهور القمريةهل يجوز شرعا أو لا يجوز؟مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌وثائق مقدمة المجمعاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عاموبيان أمر الهلال وما يترتب عليه من الأحكامفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور بكر أبو زيد

- ‌دراسة حول خطابات الضمانللدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور زكريا البري

- ‌‌‌خطاب الضمَانفضيلة الدكتور عَبد الستار أبو غدة

- ‌خطاب الضمَانفضيلة الدكتور عَبد الستار أبو غدة

- ‌آراء حَول خطاب الضمَانفضيلة الشيخ محمد على التسخيرى

- ‌جواز أخذ الأجر أو العمولةفي مقابل خطاب الضمانلفضيلة الشيخ / أحمد على عبد الله

الفصل: ‌آراء حول خطاب الضمانفضيلة الشيخ محمد على التسخيرى

‌آراء حَول خطاب الضمَان

فضيلة الشيخ محمد على التسخيرى

ما كتبه الشهيد الصدر حول خطابات الضمان

هو تعهد من البنك بقبول دفع مبلغ معين لدى الطلب إلى المستفيد من ذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان عند عدم قيام الطالب بالتزامات معينة قبل المستفيد. وهي ابتدائية ونهائية.

وأما الابتدائية: فهي تعهدات توجه للمستفيد من هيئة حكومية أو غيرها لضمان دفع مبلغ من قيمة العملية التي يتنافس فيها طالب الضمان ويستحق الدفع عند قيام الطالب باتخاذ ما يلزم عند رسو العملية عليه.

وأما النهائية: فهي تعهدات لضمان دفع مبلغ يعادل نسبة أكثر من قيمة العملية المستقرة على عهدة العمل، ويستحق الدفع عند تخلف العميل عن الوفاء بما عليه في العقد النهائى بين العميل والمستفيد.

وهي تستعمل لطمأنة المستفيد.

وتتم الطمأنة تارة بدفع مبلغ من النقود لتصبح من حق المستفيد أن لم يلتزم الشخص بما رست عليه العملية.

وأخرى بخطاب الضمان.

أما خطابات الضمان الابتدائية: يكون هناك عقد بين المستفيد والعميل مشروط بتملك المستفيد نسبة معينة من قيمة العملية عند تخلف العميل وهو شرط ملزم عندما يقع في عقد صحيح كالإيجار ويعتبر خطاب الضمان تعهدًا بوفاء المقاول بالشرط تمامًا كتعهد الدين من قبل ثالث وحينئذ يرجع المستفيد على البنك إذا لم ينفذ الشرط ويضمن المقاول المبلغ الذي خسره البنك لذلك فله مطالبته، وللبنك أخذ عمولة على هذا التعهد وهو عمل محترم يمكن فرض جعالة أو عمولة عليه من قبل الشخص.

ص: 938

حكم الخطاب الابتدائي:

هذا الخطاب يجوز للبنك إصداره إلا أنه غير ملزم لعدم وجود عقد يشترط فيه شيء ليمكن ضمانه فالشروط الابتدائية غير ملزمة عند الكثيرين وهناك من ألزم بها.

تعميق البحث في خطابات الضمان النهائية:

العقد بين المستفيد والمقاول مع شرط دفع مقدار عند التخلف صحيح إذا لم يؤد التخلف إلى بطلان أصل العقد.

ويتصور الشرط بأحد أنحاء: -

1-

أن يكون بنحو شرط النتيجة فتشترط الجهة أن تكون مالكة للمبلغ في ذمته عند التخلف.

2-

أن يكون بنحو شرط الفعل فتشترط الجهة أن تملك المبلغ.

3-

أن يكون بنحو شرط الفعل فتشترط الجهة أن يملكها ذلك.

والثمرة بين الثاني والثالث تظهر في أي مكان قيام شخص آخر دون أمر أو توكيل بذلك. والشرط في الثاني مقدور لأنه يعنى الجامع بين فعله وفعل غيره.

ص: 939

أما الصورة الأولى فلا تصح لأن اشتغال ذمة المقاول بذلك ليس في نفسه من المضامين المعاملية المشروعة.

فإذا قيل نثبت مشروعيته بدليل (المؤمنون عند شروطهم) .

يقال: إنه لا يشرع أصل المضمون في الشرط وإنما هو يتكفل صلاحية لأن تتشابه المضامين التي هي مشروعة في نفسها.

وأما النحوان الآخران فهما معقولان:

وحينئذ فما حكم خطابات الضمان؟

هذه الخطابات يمكن تخريجها على أساس الضمان- كما يقول السيد الصدر. ولا يقصد هنا الضمان بالمعنى المشهور في الفقه الامامي لأنه ينتج نقل ذمة إلى ذمة لا ضم ذمة إلى جانب أخرى والبنك لا يقصد نقل الدين إلى ذمته عند قبوله للكمبيالة أو في حالتنا هذه ولا نقصد ضم ذمة إلى ذمة ليكون باطلًا وإنما نقصد التعهد بأن الدين سيؤدي فهو ضمان الداء.

ص: 940

ولا يتوهم أنه يرجع إلى ضم ذمة إلى ذمة فإن هذا يعني كون الشخصيتين المدين والضامن مسؤولين عن المبلغ وكلتا المسؤولتين منصبتان على المبلغ المحدد، ولكن في ضمان الأداء ذمة المدين هي المسؤولة والضامن مسؤول عن الأداء وخروج المدين من عهدة مسؤوليته فليس للدائن أن يرجع ابتداء إلى الضامن وإنما يرجع إليه عند امتناع المدين ولما كان الأداء بنفسه ذا قيمة مالية تلفت على الدائن فيصبح مضمونًا على من كان متعهدًا به ونستغل ذمة الضامن حينئذ بقيمة الأداء وهي قيمة الدين وهذا المعنى للضمان صحيح شرعًا بحكم الارتكاز العقلاني أولًا.

وبالتمسك بعموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ثانيًا بشرط أن نثبت عقيدته عند العقلاء أي كون إيجاده متوقعًا على التزام الطرفين وتتم معرفة ذلك بملاحظة أنه هل جعلت تحت سلطان شخص واحد أو شخصين.

وهنا قد يدعى الضمان بهذا المعنى ليس عقدًا باعتبار أنه لا يحتاج في قباله إلى التزام أكثر من التزام الضامن وليس فيه تصرفًا في شؤون المضمون له.

ولكن يجاب بأن ملاك العقيدة لا ينحصر بكونه تصرفًا في ذينك الشخصين بل قد يكون تصرفًا في إحداهما ولكنه يبقى تحت سلطان الشخصين كما في الهبة.

ولا يمكن الاستدلال بالروايات التي تبطل الضمان بمعنى نقل الدين من ذمة إلى ذمة ضد هذا الضمان لأنه هنا ضمان أداء.

فلنرجع إذن إلى خطاب الضمان النهائى. وهو يشبه ضمان الدين غاية الأمر التعهد هنا بالقيام بالشرط.

ص: 941

أما كيف يقتضى استحقاق المطالبة من البنك؟ فهذا يبين بوجهين:

الأول: أن هذا التعهد يجعل أداء الشرط في عهدة البنك على حد كون العين المغصوبة في عهدة الغاصب وإن كان وقوعها في عهدته قهرية ووقوع التعهد في عهدة البنك بسبب العقد وإذا فقدت العين المغصوبة اشتغلت الذمة بالقيمة فإذا تلف أداء الشرط تحولت العهدة الجعلية إلى اشتغال الذمة بقيمة فعل الشرط وهي لازم ذلك.

الثانى: أن يقال أن العهدة الجعلية (المعنى الثالث للضمان) هي عبارة عن تحمل تدارك الشيء بقيمته إذا تلف.

وحينئذ يكون اشتغال الذمة بالقيمة عند التلف هو مدلول هذا التعهد ابتداء.

والفرق أنه على هذا الوجه ليس للمستفيد مطالبة البنك بإقناع المقاول بالأداء وإنما له تغريم البنك وأما على الوجه الأول فله ذلك.

وقد حاول بعض الأعلام إرجاع هذه الخطابات للكفالة ولكنها لا تؤدى إلى رفع القيمة.

ونحن لا داعي لنا في ذلك بعد أن أثبتنا هذا الضمان بالمعنى الثالث وهو بالدقة نظير ضمان الأعيان المغصوبة وهو ما قاله بصحته كثير من الفقهاء (1) فإنها ليست نظير النقل من ذمة إلى ذمة فلا تشتغل الذمة ما دامت العين موجودة وإنما هو تعهد بالأداء وتشتغل الذمة عند التلف.

الإمام يقول في مسألة الكمبيالة: مسالة 3 ص 744 من تحرير الوسيلة بعد ما كان المتعارف في عمل البنوك ونحوها الرجوع إلى بائع الكمبيالة وإلى كل من كان توقيعه عليها لدى عدم أداء دافعها لأجل القوانين الجارية عرفًا وكان هذا أمرًا معهودًا عند جميعهم كان ذلك التزامًا ضمنيًا منهم بعهدة الأداء عند المطالبة وهذا أيضا شرط من ضمن القرار وهو لازم المراعاة نعم مع عدم العلم بذلك وعدم معهوديته لم يكن قرارًا ولم يلزم بشيء.

(1) لم يرضه الإمام (تحرير الوسيلة، ج2، ص 29)

ص: 942

ويقول أيضا عن خطاب الضمان ص 744: من أعمال البنوك ونحوها الكفالة بأن يتعهد شخص لآخر بالقيام بعمل كبناء قنطرة مثلًا، ويتعهد البنك وغيره للمتعهد له بكفالة الطرف، أي المتعهد، وضمانه بأن يدفع عنه مبلغًا لو فرض عدم قيامه بما تعهد للمتعهد له، ويتقاضى الكفيل ممن يكفله عمولة بإزاء كفالته والظاهر صحة هذه الكفالة الراجعة إلى عهدة الأداء عند عدم قيام المتعهد بما تعهد وجواز أخذ العمولة بإزاء كفالته أو بإزاء أعمال أخرى من تسجيل الكفالة ونحوها إذا كانت الكفالة بإذن المتعهد جاز له الرجوع والسيد الخوئى يدخله في عقد الكفالة:

ويصح عقد الكفالة هذا والبنك يدفع وبما تعهد البنك وضمانه كأن يطلب من المتعهد والمقاول فهو ضامن لما يخسره البنك وللبنك أن يأخذ عمولة على ذلك بنحو الجعالة وكذلك يمكن الإجارة.

ص: 943

وَثائق مقدمَة للمَجمَع

خطاب الضمان

فضيلة الدكتور رفيق المصري

1-

المعلوم فقهيًا أن الأجر (المشروط) على الضمان لا يجوز. غير أن بعض الفقهاء (الحنفية. الحنابلة. الزيدية) أجازوا الربح بالضمان. إذا أجازوا شركة الوجوه ويتخرج على مذهبهم أن وجيها لو أشترك مع آخر (خامل) على الضمان والربح مناصفة، ولم يشتر ولم يبع، جاز لمجرد الضمان.

وهذا مثل المال لا يجوز إقراضه بأجر، لكن يجوز إقراضه بربح. غير أن الذين أجازوا ربح المال هذا هم كل الفقهاء. بخلاف ربح الضمان، فقد أجازه بعضهم فقط كما قدمنا.

أما العمل فيجوز فيه الأجر أو الربح بلا خلاف بين أحد من الفقهاء.

2-

وهذا الأجر المحرم على الضمان لا ريب فيه إذا كان الضمان لا يكلف الضامن أية متاعب أو مشقة أو مالًا أو جهدا أو وقتا، إنما هو فقط ضمان لا يقترن بأية سمة أخرى. حتى أن الفقهاء أجازوا في هذه الحالة للضامن أن يسترد ما أنفق أو أن يأخذ أجر مثله.

ص: 944

3-

لكن المشاهد أن الضامن لو بقي يقدم طوعا وتبرعا بدون أجر ولا التزام لتعسر على كثير من الناس في أيامنا هذه الحصول عليه، وإن أمكنهم فقد لا يتم لهم ذلك في الوقت المطلوب. أو بالحجم المطلوب. كما أن الناس يتفاوتون في إقدامهم على طلب الضمان، فهناك الفقير، وهناك الغني، وهناك التاجر الذي يحتاج إلى عدد غير قليل من الكفالات لتسهيل أعماله في الوقت المطلوب. وبالحجم المنشود، دون عناء، ولا طلب إحسان أو معروف.

4-

فيا ترى لو قامت خدمة منظمة لهذا الضمان، قام أناس متفرغون لها، فتكبدوا الجهود والأموال والأوقات في سبيل إدارتها وتنظيمها، ولم تكن لهم موارد اخرى للعيش، فهل يمكنهم أن يأخذوا من الأجور ما يسمح لهم باسترداد ما أنفقوه. وزيادة ربح يليق بعملهم وعمل أمثالهم؟

علمًا بأن هذا الأجر ليس أجرا على الضمان، لأن ذلك حرام شرعًا. إنما هو أجر يتقاضاه الضامن من المستفيد، لقاء أعمال تنظيم هذا الضمان وإدارته بما يليق بمستوى العصر، ،بما يلبى حاجات الناس والتجار المتزايدة إليه، وربما يكفل لصاحبه الاستمرار في حرفته، في ظل المنافسات الداخلية والخارجية، القائمة على استخدام أحدث الأساليب الفنية والتنظيمية، وأحدث الأدوات والآلات لتوفير متطلبات الدقة والسرعة المطلوبتين في عالمنا المتطور بسرعة مذهلة.

5-

وقد سبق لفقائهنا أن أجازوا مثل ذلك الأجر للإمام والخطيب والمؤذن والشاهد والمعلم إذا احترفوا ذلك، ولم تكن لهم موارد أخرى يعيشون منها، ولم يقم بها أحد تبرعا وتطوعا، فإذا ما أخذوا عليها أجرا أو رزقا توجب عليهم القيام بها، فصارت واجبا ووظيفة، بعد أن كانت ندبا واستحبابا، وصارت فرض عين بعد أن كانت فرض كفاية.

6-

وبعبارة أخرى، ترى هل من فرق في الحكم الشرعى على القربات بينما إذا كانت موضع اكتساب مدنى عارض، أو موضع احتراف تجاري منظم؟

لو اتفقت مع حمال أن يحمل لك متاعك إلى السيارة بمبلغ معين، فأمر هذا الحمال حمالا آخر. صبيا مثلا، أن يقوم بهذه المهمة بنصف المبلغ، واقتطع النصف الآخر لنفسه، ألا ترى أنك تجد في نفسك، حيث لا ترى أن هذا "المعلم" قدم مالا ولا عملا حتى يستحق هذا الربح ويطيب له؟

لكن لو أتخذ هذا المعلم دكانًا. واستأجر عقارًا، وجمع عنده الأجراء، أو أسس شركة صنائع، أو اشترى العدد والآلات للقيام بعمله، فزادت بذلك مخاطرته، ووضح نشاطه الأداري والتنظيمي والإشرافي، ألا تشعر بأنك تسخو له بهذا الفرق وأكثر منه؟ بل إنك لا تعود تحس بهذا الفرق أبدًا، لأنه لا يأخذ منك ليعطي آخر بهذه الصورة البدائية التي يكسب فيها على الفور وعلى المضمون وبلا مخاطر معتبرة ولا عمل محترم ولا مال مقدم.

ص: 945

كذلك لو أعطاه فأسا للإحتطاب، أو شبكة للإصطياد، لقلنا: أن الحطب للمحتطب، والصيد للصائد، ولصاحب الفأس أو الشبكة أجر أداته، لكن لو قامت مؤسسة منظمة لهذا العمل، لها رأس مالها ومديروها وعمالها وآلاتها، هل يمكن أن نستمر فنقول: أن الصيد للصائد (المباشر) . وإن الحطب للحاطب. وأن النفط للعامل؟ أم هو لرب العمل، وللعامل أجره؟

كذلك الأمر في عقد الاستصناع الذي أجاز فيه الحنفية، بالمقارنة مع السلم، عدم تحديد أجل المبيع، وعدم تعجيل الثمن (انظر على سبيل المثال المادة 389 و 391 من مجلة الأحكام العدلية) ، بل عدم تحديد الثمن (انظر شرح المجلة لعلى حيدر 1/395) .

ألا ترى أنهم لم يجيزوه إلا فيما جرى عليه العرف والتعامل، نعم إنهم لم يجيزواالاستصناع إلا بعد عموم الحاجة إليه واحترافه في بعض البلدان، في بعض السلع المصنوعة.

هذا والمجلة تعتبر تقنينا، أخرج الفقه من حيز النظرية والالتزام الفردى إلى حيز التطبيق والالتزام العام، إذ ليس كل فقه نظرى يكون قابلًا للعمل به.

هل يعنى هذا أن الاحتراف المنظم قد يغير الحكم أحيانًا عما لو بقى الأمر في حدود الاكتساب البدائي، لأن أهله قد انتقلوا إلى أهل الخبرة والبصيرة بتقديم خدمات تجارية منتجة ومفيدة، لمجتمع تطلبها وتعارف عليها؟

7-

لعل هذا التخريج للضمان يكون أفضل مما ذهب إليه البعض من تجويز أجر الضمان المصرفي من طريق الوكالة التي يضمنها هذا الضمان، أو من طريق القول بجواز ثمن الجاه أو أجره.

8-

وهذا لا يعفي طبعا من قيام الأفراد من تلقاء أنفسهم ببذل خدمات الكفالة لمن يحتاج إليها من أقربائهم أو جيرانهم أو أصدقائهم أو إخوانهم، في حدود الطاقة، كما لا يمنع من قيام تنظيمات خيرية أو تعاونية (بلا أرباح) أو حكومية (ضمن قطاع المرافق العامة) تنافس تلك التنظيمات التجارية، وتؤدى خدماتها لمن يلجأ إليها (مع ملاحظة اختلاف درجة الكفاءة بين التجاري والحكومي والتعاوني والخيري) ، حتى إذا ما أثبتت كفاءتها وجدراتها وقدرتها على إشباع حاجات الناس، أمكن لها أن تحل بالتدريج محل الأولى، في تلبية هذه الحاجات والمصالح. والله أعلم بالصواب.

ص: 946

خطاب الضمَان

فضيلة الدكتور سَامى حَمّود

1-

الوضع القانونى بشكل عام:

يعرف القانون المدنى الكفالة بأنها: "عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام، بأن يتعهد الدائن بأن يفى بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين "(مادة 772 من القانون المدنى المصرى) . أما خطاب الضمان فهو: "تعهد نهائى يصدر من البنك بناء على طلب عميله بدفع مبلغ نقدى معين، أو قابل للتعيين بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك من البنك خلال مدة محددة".

ويتبين من المقارنة بين كل من الكفالة وخطاب الضمان المصرفي أن الغاية في الحالين –بالنسبة لكل منهما- هي غاية تأمينية هدفها مساعدة العميل في تقوية مركزه الأتمانى تجاه المكفول له أو الشخص المستفيد في خطاب الضمان.

وخطاب الضمان المصرفي –في حقيقته العملية- صورة من صور الكفالة بوجه عام. ولكنها صورة متحررة من أسر التعريف القانونى، خاصة فيما يتعلق بالتزام المصرف الذي أصدر خطاب الضمان تجاه المستفيد منه. باعتبار أن العلاقة بين المصرف والمستفيد علاقة محكومة بخطاب الضمان وحده من ناحية. كما أن هذه العلاقة تعتبر مستقلة تماما عن العلاقة القائمة بين الآمر (طالب إصدار خطاب الضمان) والمستفيد.

ص: 947

وهذا هو أهم ما يبعد خطاب الضمان المصرفي عن "الكفالة التي ينظمها القانون المدني والتي يعتبر فيها التزام الكفيل تابعا لالتزام المدين المكفول من حيث صحته وبطلانه، لأن البنك يلتزم دائمًا بالخطاب أن يدفع أيا كان مركز المضمون وأيا كان مصير العقد بين البنك وعميلة ومصير العلاقة بين العميل والمستفيد من الخطاب.

والواقع أن خطاب الضمان المصرفي هو البديل المقبول في العمل للتأمين النقدى فبدلًا من قيام المتعاقد أو الملتزم مع الجهة الحكومية مثلا بدفع المبلغ نقدًا كتأمين للوفاء بالتزامه، فإنه يقدم خطاب ضمان مصرفي بالقيمة المطلوبة، فيكسب بذلك عدم تجميد مبلغ التأمين من ناحيته، ويطمئن الجهة ذات العلاقة إلى أنها قادرة على الحصول على المبلغ المطلوب في أي وقت تشاء خلال مدة سريان الخطاب الصادر لها من المصرف.

ولخطاب الضمان المصرفي استعمالًا ومجالات متعددة منها: حالة تقديم الخطاب كتأمين لدخول المناقصات أو المزايدات الحكومية وما يتشابه معها، وكذلك تقديمه كتأمين لحسن تنفيذ العطاء بعد الإحالة النهائية، كما يمكن تقديم الخطاب للدوائر الجمركية والضرائبية تأمينًا لما هو مستحق أو ما قد يتحقق في بعض الحالات من رسوم أو ضرائب. ويستعمل الخطاب أيضا لتقديمه كوثيقة يمكن بموجبها استلام البضائع المشحونة في ميناء الوصول مما قد تكون السفينة الشاحنة قد بلغته قبل ورود المستندات الممثلة لتلك البضائع.

ص: 948

وأما العلاقة التي توجد في خطاب الضمان المصرفي فإنها تتمثل في ثلاث علاقات متجاورة جنبا إلى جنب هي: " علاقة العميل الآمر بالمستفيد،.. وعلاقة العميل الآمر بالبنك

وعلاقة البنك بالمستفيد

"

ويحكم علاقة الآمر بالمستفيد، العقد أو الالتزام القائم بينهما والتي من أجلها قدم خطاب الضمان. أما علاقة المستفيد بالمصرف، فيحكمها التعهد غير المعلق على أي شرط من جانب الأخير إلا في حدود ما هو مبين في الخطاب من حيث الغاية التي قدم من أجلها. وأما علاقة الآمر بالمصرف فيحكمها العقد أو الطلب الذي يقدمه العميل الآمر إلى المصرف لإصدار الخطاب على أساسه.

وإن ما يهمنا من هذه العلاقات الثلاث هي العلاقة الخاصة بالعميل الآمر والمصرف لأنها هي التي يدور عليها الكلام بالنسبة لما نبحث فيه.

وهذه العلاقة تبدأ من الآمر بالطلب الذي يتقدم فيه إلى المصرف المعين لإصدار خطاب ضمان بالشروط التي يحددها بحسب الغاية المعينة وعلى أن يكون ذلك –بطبيعة الحال- غير قابل للنقص من جهة الآمر. وإذا كان الأمر كذلك، فإن أقرب تكييف قانوني يمكن أن ينطبق عليه هذا الوضع هو علاقة الوكيل بموكله. وإن منع الموكل (الذي هو الآمر) من الرجوع فما وكل به، إنما يبنى على أساس تعلق حق الغير (الذي هو المستفيد) بما ورد في الخطاب ويؤيد ذلك أمران:

الأول- هو أن الأمر إذا عدل عن طلب الخطاب قبل إصداره، أو بعد إصداره ولكن قبل تسليمه للمستفيد منه. فإنه يجاب إلى طلبه طالما لم يتعلق حق المستفيد بالخطاب.

ص: 949

الثانى- أن قيام المصرف بدفع المعين في خطاب الضمان لا يعتبر أكثر من مجرد دفع مبلغ من المال- بناء على طلب الآمر ولحسابه- وهذا المبلغ المدفوع قابل للمحاسبة عليه بين الآمر والمستفيد وديا أو قضائيا، إذا لم يكن للمستفيد حق فيه- كله أو بعضه.

هذا هو الوضع الحقيقى للخطاب من ناحية كونه قد أخذه المستفيد بدلا من التأمين النقدى الذي كان بوسعه أن يصر على الاحتفاظ به ليخصم منه ما قد يترتب له تجاه الآمر (في خطاب الضمان) من حقوق بحكم العلاقة بين الطرفين.

وتكييف العلاقة بين الآمر والمصرف مصدر الخطاب على أساس الوكالة، لا يتنافي مع حق الأخير في الرجوع على الآمر بما دفع، وذلك لأن الوكيل يرجع على موكله بما دفع عنه طبقا للقواعد العامة، باعتبار الموكل ملزما بأن يرد للوكيل ما أنفقه في تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد (المواد 710- 711 مدنى) .

فما هو موقف الفقه الإسلامي من هذه المعاملة الجديدة في ضوء ذلك التكييف؟

2-

تكييف المسألة في ضوء الفقه الإسلامي

بحث الفقهاء الكفالة، وفرقوا بين أنواعها حسب الموضوع الذي تتعلق به، من كفالة بالمال وكفالة بالنفس. وميزوا في الكفالة بالمال بين الكفالة التي يكون موضوعها الالتزام بأداء دين أو الالتزام بتسليم عين أو ضمان خلوص المال المباع من كل حق فيه للغير، وهي ما تعرف بكفالة الدرك (بفتح الدال والراء) .

ويبدو للنظرة الأولى، أن معظم الحالات التي يتسعمل فيها خطاب الضمان المصرفي تعتبر في الغالب من نوع كفالة الدين، وذلك باستثناء الخطاب الذي يقدم للشاحنين أو وكلائهم –بالنسبة لحالة تأخر وصول المستندات الممثلة للبضاعة- حيث يكون موضوع خطاب الضمان في هذه الحالة هو من نوع الالتزام بتسليم عين (هي بوالص الشحن) أو من نوع ضمان الدرك من حيث إنه يتضمن أيضا مسؤولية ما قد ينتج عن تسليم البضاعة إذا تبين أن الحق فيها يعود لشخص أخر غير المتسلم.

ص: 950

والكفالة في نظر الفقه الإسلامي هي: " ضم ذمة إلى ذمة"، إلا أن هناك خلافا في اعتبار هذا الضم من حيث كونه يقتصر على المطالبة فقط أم أن الضم يشمل الدين أيضًا.

فقد قال صاحب الهداية في ذلك: (.... قيل هي ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة، وقيل في الدين والأول أصح....) . وجاء في شرح فتح القدير كتعقيب على ما قاله صاحب الهداية: (

فلا يثبت الدين في ذمة الكفيل، خلافا للشافعي ومالك وأحمد في رواية

) ثم قال بعد استعراض الآراء مقررا (

ولكن المختار ما ذكرنا أنه في مجرد المطالبة لا الدين، لأن اعتباره في الذمتين –وإن أمكن شرعًا- لا يجب الحكم بوقوع كل ممكن إلا بموجب ولا موجب، لأن التوثيق يحصل بالمطالبة..".

وبمقارنة هذه النقطة بالنسبة لاعتبار الكفالة (ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة لأجل حصول التوثيق بذلك) بما هو الحال عليه في الغاية المقصودة من خطاب الضمان، فإنه يبدو جليا أن ما أوضحه صاحب فتح القدير هو الأقرب لمقصود خطاب الضمان وحقيقته.

ص: 951

وهناك نقطة أخرى يتوافق فيها الرأي الفقهي مع الوضع القائم بالنسبة لعلاقة المصرف مصدر الخطاب بالمستفيد من حيث اعتبار التزام المصرف قائمًا بالإيجاب وحده من جانب الأخير ودون حصول القبول من جانب المستفيد. ويتمثل ذلك فيما نقله الشلبي في حاشية تبيين الحقائق بقوله:

(.... ولم يجعل أبو يوسف في قوله الأخير القبول ركنا، فجعل الكفالة تتم بالكفيل وحده في الكفالة بالنفس والمال، وهو قول مالك وأحمد وقول للشافعي، واختلفوا على قول أبي يوسف، فقيل أن الكفالة تصح من الواحد وحده موقوفا على إجازة الطالب أو تصح نافذا وللطالب حق الرد ....) .

أما مسألة رجوع الكفيل على المكفول عنه فإنه من المقرر أن الكفالة إذا كانت بأمر الأخير، فإن للكفيل الحق بالرجوع عليه، حتى أن بعض الآراء قررت هذا الحق في الرجوع بدلالة العادة والمعاملة الجارية بين الطرفين.

قال السرخسى في المبسوط (

وإذا قال رجل لآخر: اضمن لفلان ألف درهم التي له علىَّ، أو قال أحلت لفلان عليك ألف درهم له علىَّ، أو قال: اضمن لفلان ألف درهم على أنها لك علىّ، أو قال: على أنى ضامن لها، أو قال على أنى كفيل بها، أو قال: على أن أؤديها إليك، أو قال على أن أؤديها عنه، فضمن، فهو جائز ويرجع به الكفيل على الأمر إذا أداه، لأن في كلام الآمر تصريحا بوجوب المال عليه للطالب، فيكون هذا أمرا منه للمأمور في ذمته مما يؤديه من ماله أو التزاما له ضمان ما يؤديه إلى الطالب، وذلك يثبت حق الرجوع له عليه إذا أدى..) .

ص: 952

وأورد صاحب البحر الزخار –بالنسبة للرجوع بدلالة العادة –ما نصه:

(.. أن قال: اضمن عنى، أو ادفع عنى رجع، وإلا فلا. إلا حيث يكون بينهما معاملة متكررة أو قرابة فيرجع استحسانا لا قياسا

) .

أما بالنسبة لتوقيت الكفالة فقد قال السمرقندي في تحفة الفقهاء: (

ولا خلاف في جواز الكفالة إلى أجل معلوم من الشهر والسنة ونحوها..)

كما أشار ابن جزى لمسألة الضمان قبل وجوب الحق أو بعد وجوبه فقال: (.. ويجوز الضمان بعد وجوب الحق اتفاقا وقبل وجوبه، خلافا لشريح القاضى وسحنون والشافعي) .

ويتبين من هذه الباقة من الآراء المختارة –اختصارا- من مذاهب الفقه الإسلامي المختلفة، أن خطاب الضمان المصرفي بعلاقاته المتعددة وغاياته المختلفة يستطيع أن يجد له مكانا في إطار الفقه الإسلامي الخصيب.

وإن تكييف خطاب الضمان المصرفي على أنه وكالة لا يبدو متباينا مع نظرة الفقه الإسلامي للموضع في نطاق الكفالة بالأمر التي يرجع فيها الكفيل بما يدفع على من أمره بذلك تمام كما يرجع الوكيل، لأن الكفالة بالأمر ما هي إلا وكالة بالأداء.

وهذا التكييف على أساس الوكالة هو الذي يمكن أن يفتح المجال للقول باستحقاق المصرف الأجر على قيامه بما وكل به، حيث أن الوكالة يمكن أن تكون بأجر فتأخذ أحكام الإجارة، وذلك على عكس ما لو بقيت كفالة بمعنى الضمان، حيث لا توجد آراء فقهية تؤيد حق الضامن بأخذ الأجر، إلا ما قال به الإمامية من جواز أخذ الأجر فيها على أساس الجعالة.

ص: 953

ثانيًا: القبول المصرفي:

1-

الوصف والتعريف:

يعتبر القبول المصرفي صورة أخرى من صور اقراض الثقة التي تقوم بها المصارف –في معرض التوسط – بين العميل وطرف آخر.

وكان منشأ هذا النوع من العمل المصرفي في انجلترا، وبقي على صيغته الإقليمية، حيث وجدت بيوت مالية متخصصة للقيام بهذا النوع من العمليات تسمى بيوت القبول. وقد أخذت هذه العملية إطارها التنظيمي في عهد سيطرة انجلترا على التجارة العالمية وما رافق ذلك من ذيوع شهرة التجار الإنجليز الكبار. فكان من نتيجة ذلك أن أخذ صغار التجار يلجأون لذوي الأسماء الشهيرة لكى يستفيد الأولون من وجود الاسم المعروف على السند المحرر منهم لصالح المصدر الخارجي. وهكذا أصبح هؤلاء التجار من ذوي الأسماء اللامعة يقومون بأعمال القبول هذه لقاء عمولة معينة، ثم تطور عملهم إلى مهنة مخصصة لمنح ما يعرف باعتمادات القبول.

ص: 954

وتقوم بهذا النوع من العمل في انجلترا –بصفة رئيسية- المصارف المعروفة باسم مصارف التجار (MERCHANT BANKS) . والتي يقوم عملها الأساسي على تمويل التجارة الخارجية عن طريق قبول السحوبات التجارية لصالح عملائها.

فالقبول المصرفي – اذن – هو عبارة عن قيام البنك بدور المسحوب عليه، (فيقبل بهذه الصفة الكمبيالة التي يسحبها عليه عميلة أو الطرف الآخر الذي يتعامل مع العميل) .

والغاية من هذا التوقيع بالقبول هي إعطاء الكمبيالة المقبولة من المصرف قوة ائتمانية تجعل من السهل تداولها أو خصمها لدى بنك آخر. ومتى قام المصرف القابل بدفع قيمة الكمبيالة المقبولة منه فإنه يقيد قيمتها في الجانب المدين من حساب العميل لديه حيث يرجع عليه بما أدى عنه من قيمة الاعتماد.

2-

تكييف العلاقة:

ويتبين من هذا أن دور المصرف في القبول هو القيام بدور الوسيط، وهو ينفذ هذا الدور بناء على طلب المعتمد له (عميل المصرف القابل) ولصالح هذا العميل وعلى مسؤوليته. ولذا فإن أقرب تكييف ممكن التطبيق على هذه العملية هو أنها توكيل مأمور به لقبول الكمبيالة المسحوبة نيابة عن العميل ذي العلاقة وعلى مسؤليته وبذلك يكون القبول المصرفي متشابها مع حالة خطاب الضمان بالنسبة لعلاقة العميل بالمصرف.

ص: 955

ثالثًا: الاعتماد المستندي:

1-

دوره وتعريفه:

يمثل الاعتماد المستند الوسيلة الحديثة للتعامل التجاري الدولي التي يمكن عن طريقها حفظ مصلحة كل من المستورد والمصدر، على حد سواء. وقد ساعدت المصارف – بحكم علاقاتها الدولية وفروعها المنتشرة في مختلف البلاد – على ترسيخ قواعد التعامل العالمي بهذا الأسلوب الذي بات ميسرا وشبه مستقر من الناحية العرفية على الأقل، حيث لا يوجد للاعتماد المستندي تنظيم تشريعي إلا القواعد التي وضعتها غرفة التجارة الدولية، والتي يجري التعامل على أساسها بالنص عليها في كتب فتح الاعتمادات المستندية المتبادلة بين المصارف.

ويعرف الاعتماد المستندى –بحسب ما اختاره الأستاذ الدكتور على جمال الدين كما هو وارد في المادة (1) من المشروع الفرنسى –بأنه: (الاعتماد الذي يفتحه البنك بناء على طلب شخص يسمى الآمر، أيا كانت طريقة تنفيذه –أي سواء كان بقبول الكمبيالة أو بالوفاء- لصالح عميل لهذا الآمر، ومضمون بحيازة المستندات الممثلة لبضاعة في الطريق أو معدة للإرسال) .

وقيل في تعريف الاعتماد المستندى أيضا بأنه: (تعهد يلتزم فيه المصرف بالوفاء (أو بالقبول) بالنسبة للسحوبات التي يقدمها المستفيد في الاعتماد المستندي طبقا للشروط الواردة فيه) .

وإن ما يكشف عنه هذان التعريفان أو ما يشابههما من هذه الناحية، هو أن الاعتماد المستندى يمثل حلقة وصل مثلثة العلاقات، يقوم فيها المصرف بدور الوسيط الموثوق منفذا تعليمات عميله، وملتزما – عن طريق المصرف المراسل- تجاه المستفيد الذي يكون أيضا له علاقة بفاتح الاعتماد من البداية، وإن كانت علاقتهما خارجة عن نطاق دور المصرف في الاعتماد المفتوح بواسطته.

وما يهمنا بحثه من هذه العلاقات الثلاث هو التكييف القانوني لعلاقة فاتح الاعتماد بمصرفه على نحو ما سرنا عليه فيما سبق من أعمال من هذا القبيل في هذا النوع.

ص: 956

2-

تكييف العلاقة:

طرح القانونيون – وهم بصدد البحث عن طبيعة عقد الاعتماد المستندي – عدة نظريات حاولوا تطبيقها على الاعتماد المستندي، فكانت النتيجة ظهور عجز كل نظرية عن الإحاطة بمفردها بجوانب العلاقات المتشعبة في هذا التعاقد الفريد.

فقيل بأن العقد يقوم على نظرية الوكالة، وقيل بل الاشتراط لمصلحة الغير. وذهبت بعض القرارات القضائية إلى تفسير الاعتماد المستندي بنظرية الكفالة. كما اقترح أيضا تفسير العملية وفقا لفكرة الإنابة أو تقابل الإرادات بطريق التوسط أو فكرة الإرادة المنفردة.

ويلاحظ أن سبب القصور في كل نظرية أو فكرة من الأفكار المطروحة إنما يكمن في محاولة جعل هذه النظرية أو تلك صالحة للتوفيق بين العلاقات المختلفة التي تتلاقى في العلاقات مختلفة الهوية والألوان والغايات.

فالاعتماد المستندي يأخذ من كل نظرية بطرف، فهو –كما يقول الأستاذ الدكتور رزق الله أنطاكي – في بيان ذلك:

(أ) يأخذ من الوكالة مبدأ التزام الموكل –طلب الاعتماد – بتسديد ما دفعه الوكيل، المصرف، بناء على طلبه، مع العمولة المتفق عليها.

ص: 957

(ب) ويأخذ من الاشتراط لمصلحة الغير، نشوء الحق المباشر لصالح المستفيد من تاريخ الاتفاق الجاري بين طالب الاعتماد والمصرف.

(ج) ويأخذ من الإنابة عدم الاحتجاج بالدفوع التي كان يتمتع بها المناب لديه تجاه المنيب.

(د) وهو يأخذ أخيرًا من نظرية الالتزام المجرد استقلال التزام المصرف عن عقد البيع الذي كان سببا له.

وإن ما يهمنا من ذلك كله هو الجانب الذي يصلح لتكييف علاقة فاتح الاعتماد مع مصرفه –باعتبار أن هذه العلاقة هي مدار الكلام المتعلق بالبحث – ومن الواضح أن أقرب النظريات والأفكار المطروحة لحكم هذه العلاقة هي نظرية الوكالة.

فالمصرف بالنسبة لفاتح الاعتماد هو كالوكيل بالنسبة لموكله –فيما يقوم به ويرجع فيه، وإن كانت هذه الوكالة –نظرا لتعلقها بحق الغير (وهو المستفيد) تصبح غير قابلة للنقض إلا بموافقة المستفيد.

وهكذا يتبين أن نظرية الوكالة تصلح –في حدود علاقة العميل بالمصرف- أن تكون حاكمة للعلاقة القائمة بين الطرفين، سواء في خطاب الضمان أو القبول أو الاعتماد المستندي، وأن المصرف – بتقاضيه الأجر على ما يقوم به – إنما هو في حكم الأجير.

ولكن ما سنبينه عند الكلام عن الربا في عوائد الإقراض المصرفي العرضى في المطلب التالى.

ص: 958