الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التأمين وإعادة التأمين
فضيلة الشيخ رجب التميمى
عقد التأمين – حكمه
بنوعيه التجاري والتامين على الحياة
عقد التأمين من العقود التي لا يوجد لها أحكام خاصة في الشريعة الإسلامية ولم يبحثه الفقهاء المسلمون المتقدمون لأن نظام التأمين نظام حديث نقل إلينا من الغرب مع ما نقل من أنظمة وقوانين.
وأول من كتب عن هذا النظام من الفقهاء المسلمين ابن عابدين رحمه الله فقد ذكر ابن عابدين في كتاب المستأمن من كتاب الجهاد أحكام التجار الأجانب الذين يدخلون دار الإسلام مستأمنين فذكر ما يلي:
جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبا من حربى يدفعون له أجرته ويدفعون له أيضا مالا معلوما لرجل منهم يقيم في بلاده يسمى ذلك مال (سوكره) على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم وله وكيل عنه مستأمن في دارنا يقيم في بلاد السواحل الإسلامية بإذن السلطان يقبض من التجار (مال السوكره) وإذا هلك من مالهم في البحر شيء يؤدي ذلك المستأمن للتجار بدله تماما، ثم قال ابن عابدين: والذي يظهر له انه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله لأن هذا التزام ما لا يلزم.
وابن عابدين بتعليله أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله لأنه التزام ما لا يلزم. أي أن المؤمن الذي أسماه (صاحب السوكرة) وهو المعروف الآن بشركات التأمين قد ألزم نفسه بدفع ماله تعويضا للتاجر الخاسر بأنه التزام لم يلزمه الشرع بذلك وما لا يلزم الشرع به لا يحل أخذه.
وقد اعتبر ابن عابدين مسألة التأمين كالوديع أو المستعير أو المستأجر إذا اشترط عليهم في عقد هذا الإيداع أو الإعارة أو الإجارة ضمان قيمة الوديعة أو العارية أو المأجور إذا هلك قضاء وقدرا دون قصد ولا تقصير فإن هذا الضمان لا يصح كما هو في المذهب الحنفي.
وابن عابدين تحدث عن التأمين البحري لأنه كان أول تأمين ظهر في البلاد الإسلامية بسبب النشاط التجاري بين الغرب والبلاد الإسلامية، وهذا ينطبق تماما على التأمين التجاري والمالي في الوقت الحاضر.
وقد ذكر الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتى الديار المصرية الأسبق المتوفى سنة 1935 رحمه الله في التأمين ما يلى:
إن المقرر شرعا أن ضمان الأموال إما أن يكون بطرق الكفالة أو بطريق التعدى أو الإتلاف، أما الضمان بطريق عقد الكفالة فليس متحققا هنا لأن شرطه أن يكون المكفول به وبنا صحيحا لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء أو عينا مضمونة بنفسها بل يجب على المكفول عنه تسليمها بعينها للمكفول له فإن هلكت ضمن مثلها في المثليات وقيمتها في القيميات والأصل في ذلك قوله تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} أي كفيل.
وعلى ذلك لابد من كفيل يجب عليه الضمان ومن مكفول له يجب تسليم المال المضمون إليه ومكفول عنه يجب تسليم المال عليه ومن مكفول به يجب تسليمه للمكفول له وبدون ذلك لا يتحقق عقد الكفالة والتأمين لا تنطبق عليه شروط الكفالة.
وأما الضمان بطريق التعدي أو لإتلاف فالأصل فيه قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وشركات التأمين لم يتعد واحد منهم على ذلك المال ولم يتلفه ولم يتعرض له بأدنى ضرر بل أن المال الهالك هلك بالقضاء والقدر ولو فرض وجود متعد أو متلف فالضمان عليه دون غيره فلا وجه حينئذ لضمان شركات التأمين من هذا الطريق أيضا.
ويتبين من ذلك أن الضمان لا يجب على أحد إلا عند وجوب سبب يقتضي وجوبه شرعا ولم يوجد هنا سبب يوجب الضمان على شركات التأمين لأن هلاك المال المؤمن عليه لا يكون بتعد من شركة التأمين فلا مجال لإيجاب الضمان عليه إذا هلك المال المؤمن عليه لعدم توفر أسباب الضمان شرعا.
وعلى ذلك فإن عقد التأمين عقد فاسد شرعا وذلك لأنه معلق على حظ تارة يقع وتارة لا يقع فهو قمار فلا يحل للمؤمن شرعا أن يأخذ بدل المال الهالك فهو حرام شرعا.
أما التأمين على الحياة أيضا فهو حرام شرعا وهو عقد فاسد فيه مخاطرة ومقامرة وربا لأن المؤمن له قد يموت قبل إيفاء جميع الأقساط وقد يموت بعد دفع بعض الأقساط أو قسط واحد منها، وقد يكون المبلغ الباقي عظيما جدا لأن مبلغ التأمين موكل تقديره إلي طرفى العقد على ما هو معلوم فإذا أدت شركة التأمين المبلغ المتفق عليه كاملا لورثته أو لمن جعل له المؤمن له ولاية قبض ما التزمت به الشركة بعد موته ففي مقابل أي شيء دفعت الشركة هذا المبلغ؟ أليس هذا مخاطرة وقمارا؟ وإذا لم يكن هذا مقامرة ففي أي شيء تكون المقامرة. على أن المقامرة حاصلة من ناحية أخرى فإن المؤمن له بعد أن يوفى جميع ما التزمه من الأقساط فإنه يأخذ المبلغ الذي دفعه كاملا مع الأرباح الربوية أليس هذا مقامرة وربا؟ وإذا مات قبل أن يوفيها كلها يكون لورثته المبلغ المتفق عليه بين الشركة والمؤمن له. أليس هذا قمارا ومخاطرة؟ حيث لا علم له ولا للشركة بما سيكون من الأمرين على التعيين.
فعقد التأمين على الحياة أيضا عقد فاسد شرعا لأنه كما ذكرت عن مقامرة وربا ومخاطرة لأن تعاملها على مجهول فالمؤمن يدفع المبلغ المتفق عليه بعد موت المؤمن له لورثته والمؤمن له يكون له ما دفعه من الأرباح الربوية أن أدى جميع الأقساط وإن مات قبل أن يوفيها تدفع الشركة المبلغ المؤمن عليه لورثته. فالأمر الأول مخاطرة وقمار وربا، والأمر الثاني مخاطرة وقمار.
فعقد التأمين بنوعيه: التأمين المالي التجاري والتأمين على الحياة من العقود الاحتمالية لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين أو أحدهما وقت إبرام عقد التأمين معرفة مدى ما يأخذ أو ما يعطي ولا يعرف إلا في المستقبل نتيجة لأمر غير محقق الحصول أصلا ولا يعرف وقت حصوله أن حصل.
فعقد التأمين عقد غرر والمصادفة تلعب دورها في التزام كل من المؤمن والمؤمن له لجهالة وقوع الخطر وتاريخه فكلا الطرفين معرض للربح والخسارة على أساس احتمالي وعلى غير نسبة معقولة فهو عقد غرر. وهذا الغرر كثير وفاحش والغرر الكثير يكون مفسدا للعقد.
على أن عقد التأمين كثيرا ما يؤدي إلي النزاع لأن الغالب عندما تحصل الحادثة فإن المؤمن يتهم المؤمن له عن أسبابها وافتعالها لكي يحصل على المبلغ المؤمن له ومن الحوادث التي أدت إلي النزاع ما ذكرته جريدة الجمهورية القاهرية في عددها الصادر يوم الأحد 24 من يناير 1960 من أن البوليس الأمريكي قبض على الدكتور روبرت سيرص 65 سنة وكان الاعتقاد السائد أنه قتل منذ شهرين في حادث طائرة. كان الطبيب قد حجر لنفسه مكانا في هذه الطائرة ولكنه أقنع في آخر لحظة صديقا له بالسفر بدلا منه.
واختفى وسقطت الطائرة وقتل ركابها جميعا وعددهم 42 وتبين أنه كان قد أمن على حياته بمبلغ 37700 دولار لصالح أولاده قبل سقوط الطائرة بعشرة أسابيع اتهمه البوليس بنسف الطائرة للحصول على التأمين. كيف رأيت أن عقد التأمين يؤدي إلي ارتكاب الجرائم في بعض الأحيان وأي ضرر أشد على المجتمع من هذه الضرر وسد الذرائع مقدم على جلب المصالح، على أن النزاع مستمر بين شركات التأمين والمؤمن له ومن أراد أن يتأكد من آثار هذا العقد الفاسد في النزاعات والخلاف فليطلع على سجلات المحاكم في كل مكان.
لذلك كان عقد التأمين عقدا فاسدا بنوعيه والمال المأخوذ مال حرام لا يجوز أخذه شرعا. والله أسال أن يهدينا سبيل الرشاد ويوفقنا لمرضاته إنه سميع الدعاء.