المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زكاة الديونلفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني

- ‌كلمة معالي سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معالي الأمين العام للمجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة معالي الدكتور أحمد محمد علي

- ‌كلمة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف

- ‌كلمة سعادة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌زكاة الديونلفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونفضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسىوفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي

- ‌زكاة المستغلات العمارات والمصانع ونحوهافضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

- ‌زكاة المستغلاتفضيلة الدكتور علي احمد السالوس

- ‌أطفال الأنابيبفضيلة الشيخ رجب التميمى

- ‌وثائق مقدمة للمجمعالحكم الإقناعي في إبطال التلقيح الصناعيوما يسمى بشتل الجنينالشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌بنوك الحليبفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

- ‌بنوك الحليبالدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاشالدكتور محمد على البار

- ‌الإنعاشفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الشيخ رجب التميمى

- ‌خلاصة في التأمينالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌عقود التأمين وإعادة التأمين في الفقه الإسلاميدراسة مقارنة بالفقه الغربيفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌التأمين وَإعادة التأمينالشَيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌وثائق مقدمَة للمؤتَمرالتأمين وَإعادة التأمينالشَيخ عبٌد الله بن زيد آل مَحمُود

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدفضيلة الدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌أحكام التعامل في المصارف الإسلاميةالدكتور وهبة الزحيلي

- ‌أحكام التعامل في المصارف الإسلاميةفضيلة الشيخ محمد على عبد الله

- ‌بداية الشهور العربيةفضيلة الشيخ محمد على التسخيري

- ‌توحيد بدايات الشهور العربيةفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌رسالة بلغة المطالع في بيان الحساب والمطالعفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌بدايات الشهور العربية الإسلاميةلفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌حول اعتماد الحساب الفلكيلتحديد بداية الشهور القمريةهل يجوز شرعا أو لا يجوز؟مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌وثائق مقدمة المجمعاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عاموبيان أمر الهلال وما يترتب عليه من الأحكامفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور بكر أبو زيد

- ‌دراسة حول خطابات الضمانللدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور زكريا البري

- ‌‌‌خطاب الضمَانفضيلة الدكتور عَبد الستار أبو غدة

- ‌خطاب الضمَانفضيلة الدكتور عَبد الستار أبو غدة

- ‌آراء حَول خطاب الضمَانفضيلة الشيخ محمد على التسخيرى

- ‌جواز أخذ الأجر أو العمولةفي مقابل خطاب الضمانلفضيلة الشيخ / أحمد على عبد الله

الفصل: ‌زكاة الديونلفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

القسم الثاني

بحوث المؤتمر وفتاواه

زكاة الديون

فضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى

وفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي

بسم الله الرحمن الرحيم

‌زكاة الديون

لفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

اختلف الفقهاء اختلافًا كثيرًا في زكاة الدين: هل يزكى أم لا يزكى؟ وإذا كان يزكى فمن الذي يزكيه، الدائن أم المدين؟ وكيف يزكى؟

وسبب اختلافهم عدم ورود نص في القرآن أو السنة (1) في زكاة الدين فقال كل فقيه فيه باجتهاده، وسأذكر فيما يلي ما وقفت عليه من آراء فقهاء الصحابة والتابعين وآراء المذاهب الأربعة، ثم تعقيب أبي عبيد القاسم بن سلام وابن حزم على هذه الآراء وما أراه راجحًا منها.

آراء فقهاء الصحابة التابعين:

روى عن فقهاء الصحابة والتابعين أقوال مختلفة عن زكاة الدين أحصيت منها تسعة أقوال.

القول الأول: لا زكاة في الدين:

قال بعض الفقهاء: لا زكاة في الدين مطلقًا، لا على الدائن ولا على المدين، وإن كان على ثقة مليء. وهو قول عكرمة (2) وعطاء (3) وعائشة (4) وإبراهيم، والحكم بن عتيبة (5) وابن عمر. (6)

وروى أبو عبيد وابن حزم عن عكرمة قوله: "ليس في الدين زكاة"(7) وروى أبو عبيد وابن حزم عن عطاء أنه قال: "لا يزكى الذي عليه الدين، ولا يزكيه صاحبه حتى يقبضه (8) وروى أبو عبيد عن عطاء أنه قال لمن سأله: "لا تزكه حتى تقبضه" وقال: "أما نحن أهل مكة فنرى الدين ضمارًا" قال ابن كثير: يعني أنه لا زكاة فيه". (9)

وروى ابن حزم عن عطاء قوله: "ليس على صاحب الدين الذي هو له، ولا على الذي هو عليه زكاة" وقوله: "ليس في الدين زكاة" وقوله لمن سأله: "السلف يسلفه الرجل ليس على سيد المال، ولا على الذي استسلفه زكاة"(10)

وروى ابن حزم عن عائشة قولها: "ليس في الدين زكاة"(11)

وروى عن الحكم بن عتيبة قوله: خالفني إبراهيم في الدين، كنت أقول: لا يزكى، ثم رجع إلى قولي. (12)

وقال ابن قدامة: روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "ليس في الدين زكاة. (13)

ويلحظ في أقوال عطاء أنه ورد في بعضها "لا يزكيه صاحبه حتى يقبضه" وينبغي حملها على أنه يزكيه بعد قبضه لما يستقبل، لا لما مضى، لكي تتفق مع الروايات الأخرى.

(1) جاء في البحر الزخار 2/153 "لا يزكى دين لما مضى مطلقًا إذ لا يمكن، ولقوله صلى الله عليه وسلم ((ليس على من أقرض مالًا زكاة)) وقال في الحاشية: حكاه في أصول الأحكام. ولم أقف على هذا الحديث في مرجع آخر.

(2)

الأموال لأبي عبيد 430 و 433 والمحلى لابن حزم 6/133 والمغني لابن قدامه 3/46

(3)

الأموال 433 والمحلي 6/133 و 134

(4)

المحلى 6/133 والمغني 3/46

(5)

6/ المحلى 6م133

(6)

المغني 3/46

(7)

الأموال 433 والمحلى: 6/133

(8)

الأموال 433 والمحلى: 6/133، غير أن في المحلى 134:"ولا يزكيه الذي" هو له بدل "ولا يزكيه صاحبه"

(9)

الأموال 433

(10)

المحلى 6/133

(11)

المحلى 6/133، وجاء مثله في المغني 3/46

(12)

المحلى 6/133، وجاء مثله في المغني 3/46

(13)

المغني 3/46

ص: 29

واستدل لهذا الرأي:

1-

بأنه ناقص الملك. (1)

2-

بأنه غير تام فلم تجب زكاته كعروض القنية. (2)

القول الثاني: يزكيه المدين:

ذكر أبو عبيد في زكاة الدين خمسة أوجه من الفتيا منها: أن تجب زكاته على الذي عليه الدين، وتسقط عن ربه المالك له. ونسبه إلى إبراهيم وعطاء، وروى عنهما قولهما:"في الدين الذي يمطله صاحبه ويحسبه (هكذا) : "زكاته على الذي يأكل مهنأة". (3)

وذكر ابن حزم هذا القول أيضًا منسوبًا إلى إبراهيم وعطاء. وروى عن إبراهيم النخعي في الدين يكون على الرجل فيمطله، قال: زكاته على الذي يأكل مهنأة".

وروى عن عطاء أو غيره نحوه. (4)

ونسب ابن حزم هذا القول إلى عمر والحسن بن حي أيضًا.

وروى عن عمر قوله: "إذا حلت –يعني الزكاة- فاحسب دينك وما عندك، واجمع ذلك جميعًا ثم زكه".

وروى عنه أيضًا أن رجلًا قال له: يجيء إبان صدقتي فأبادر الصدقة فأنفق على أهلي وأقضي ديني، قال عمر:"لا تبادر بها. واحسب دينك، وما عليك، وزك ذلك أجمع". (5)

ولم يرو شيئًا عن الحسن بن حي.

ونسبة هذا القول إلى إبراهيم وعطاء غير دقيقة؟ لأن ما روى عنهما يدل على أنهما يريان أن المدين الذي يزكي الدين هو المدين المماطل، وليس كل مدين.

ونسبته إلى عمر محل نظر: لأن الرواية الأولى التي نقلتها عن ابن حزم أوردها أبو عبيد مستدلًا بها على أن عمر يرى أن زكاة الدين على الدائن، وأورد معها رواية أخرى عن عمر أنه كان إذا خرج العطاء أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد. (6)

(1) بداية المجتهد 1/245

(2)

المغني 3/46

(3)

الأموال 430 - 432

(4)

المحلى 6/132، ومهناه –بفتح الميم والنون وبينهما الهاء ساكنة هو ما يأتي بلا مشقة، وأكل هنيئًا.

(5)

المحلى 6/131

(6)

الأموال 432

ص: 30

وكلمة "دينك" تحتم المعنيين: الدين الذي له، والدين الذي عليه، والخبر الثاني الذي رواه أبو عبيد عن عمر يؤيد المعنى الأول، والخبر الثاني الذي رواه ابن حزم عن عمر يؤيد المعنى الثاني، ولكن يترتب عليه أن عمر يرى أن الدين يزكيه الدائن والمدين معًا، وهذا غير مقبول.

أما رأي الحسن بن حي فقد علق عليه ابن حزم بقوله: "أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ، لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له، (1) وعلى الذي هو عليه، فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد، فحصل في العين نصف العشر، وفي خمس من الإبل شاتان، وكذلك ما زاد". (2)

ولم يذكر من أورد هذا الرأي دليلًا عليه.

والذي يترجح عندي أن هذا الرأي لا تصح نسبته إلى أحد من الصحابة أو التابعين.

القول الثالث: يزكيه المدين المماطل.

هذا الرأي يستفاد من أقوال إبراهيم النخعي، وعطاء، وإن كان من روى أقوالهما، وهما أبو عبيد وابن حزم جعلاهما مع من يرى وجوب زكاة الدين على المدين من غير تقييد بكونه مماطلًا، وقد تقدم ذكر أقوالهما.

ويلحظ أن الروايات عن عطاء وإبراهيم فيها شيء من الاختلاف.

القول الرابع: يزكيه الدائن من ماله الحاضر:

روى هذا القول عن عمرو وجابر بن عبد الله (3) وابن عمر والحسن، ومجاهد. (4)

فقد روي أبو عبيد عن عمر أنه كان إذا خرج العطاء أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد. (5)

وروى عن جابر بن عبد الله أنه قيل له في دين لرجل على آخر: أيعطى زكاته؟ قال: نعم. (6)

هذان الخبران يدلان على أن الدائن يزكي ما له من دين من ماله الحاضر، ولكن أبو عبيد ذكرهما مع الرأي القائل بأن الدائن يعجل زكاة الدين مع المال الحاضر إذا كان على الأملياء. (7)

وليس في الخبرين تقييد.

(1) ذكر ابن حزم الحسن بن حي مع من يوجبون زكاة الدين على الدائن. المحلى 6/136، 137.

(2)

المحلى 6/138

(3)

الأموال 430، 431

(4)

المحلى 6/132

(5)

الأموال 430

(6)

الأموال 431

(7)

الأموال 430

ص: 31

وروى ابن حزم عن ابن عمر أنه ولى مال يتيم فكان يستلف منه، يرى أن ذلك أحرز له، ويؤدي زكاته من مال اليتيم. (1)

وروى عن الحسن قوله: إذا كان للرجل على الرجل الدين فالزكاة على الذي هو له) (2)

وروى عن مجاهد قوله: "إذا كان عليك دين فلا زكاة عليك، إنما زكاته على الذي هو له"(3)

القول الخامس: يزكيه الدائن إذا كان على مليء من ماله الحاضر.

هذا قول عثمان، وابن عمر، وجابر بن زيد، والحسن وميمون بن مهران (4) وإبراهيم النخعي (5) ومجاهد (6) وسفيان (7) ووكيع (8) وطاوس والزهري وقتادة وحماد بن أبي سليمان وإسحاق. (9)

وروى أبو عبيد عن عثمان أنه كان يقول: إن الصدقة تجب في الدين الذي لو شئت تقاضيته من صاحبه، والذي هو على ملئ، تدعه حياء أو مصانعة، ففيه الصدقة. (10)

وروى عن ابن عمر أنه قال: كل دين لك ترجو أخذه فإن عليك زكاته كلما حال الحول. (11)

وروى عن جابر بن زيد أنه قال: أي دين ترجوه فإنه تؤدى زكاته وروى عن مجاهد أنه قال: زك ما ترى أنه يخرج.

وروى عن الحسن وإبراهيم أنهما كانا يقولان: يزكى من الدين ما كان في ملاءة.

وروى عن ميمون بن مهران قوله: إذا حلت عليك الزكاة فانظر إلى كل مال لك، وكل دين في ملاءة فاحسبه، ثم ألق منه ما عليك من الدين، ثم زك ما بقي.

(1) المحلى 6/132

(2)

الأموال 430 – 431 والمغني 3/46

(3)

الأموال 430 – 431 والمغني 3/46، والمحلى 6/133

(4)

الأموال 431

(5)

المحلى 6/133 والمغنى 3/46

(6)

المحلى 6/133

(7)

المغني 3/46

(8)

الأموال 430 و 431

(9)

المغني 3/46

(10)

الأموال 430 و 431

(11)

الأموال 430 و 431

ص: 32

وروى ابن حزم عن إبراهيم النخعي أنه قال: زك ما في يديك من مالك، وما لك على المليء، ولا تزك ما للناس عليك. (1)

واستدل ابن قدامة لهذا الرأي بأن الدائن قادر على أخذه والتصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة. (2)

ويلحظ أن ابن قدامة يعبر بأن الدين على معترف به، باذل له.

القول السادس: يزكيه الدائن إذا كان على معترف به، باذل له إذا قبضه لما مضى من السنين.

نسب ابن قدامة هذا الرأي إلى علي، والثوري، وابن ثور.

ولم يرو شيئًا عمن نسبه إليهم، وهو مذهب الحنابلة. (3)

القول السابع: يزكيه الدائن إذا كان على معترف به باذل له إذا قبضه لسنة واحدة.

نسب ابن قدامة هذا الرأي إلى سعيد بن المسيب، وعطاء الخراساني، وأبي الزناد.

(1) المحلى 6/133

(2)

المغني 3/46

(3)

المغني 3/46

ص: 33

ولم يرو عمن نسبه إليهم شيئًا. (1)

القول الثامن: يزكيه الدائن إذا كان على غير ملئ عند قبضه لما مضى من السنين.

وهو قول علي، وابن عباس، (2) والثوري. (3)

روى أبو عبيد عن علي في الدين الظنون، قال: إن كان صادقًا فليزكه إذا قبضه لما مضى. (4)

وروى عن ابن عباس قوله في الدين: إذا لم ترج أخذه فلا تزكه حتى تأخذه، فإذا أخذته فزك عنه ما عليه. (5)

يفهم من هذا مع ما تقدم في القول السادس أن عليًا والثوري لا يفرقان بين الدين الذي على ملئ، أو على غير ملئ، ففي الحالين يزكيه الدائن عند قبضه لما مضى من السنين.

القول التاسع: يزكيه الدائن إذا كان على غير ملئ إذا قبضه لسنة واحدة.

وهو قول الحسن وعمر بن عبد العزيز (6) وميمون بن مهران (7) والليث، فليؤد زكاته سنة واحدة.

وروى عن ميمون بن مهران قال: كتب إلى عمر بن عبد العزيز في مال رده على رجل فأمرني أن آخذ منه زكاة ما مضى من السنين. ثم أردفني كتابًا: إنه كان مالًا ضمارًا فخذ منه زكاة عامة. (8)

(1) الأموال 430 والمغني 3/46

(2)

المغني 3/46

(3)

الأموال 431 و 432 والظنون هو الذي لا يدري صاحبه أيصل إليه أم لا.

(4)

الأموال 432 والمغني 3/47

(5)

الأموال 432

(6)

المغني 3/47

(7)

الأموال 432

(8)

الأموال 432

ص: 34

مذهب الحنفية:

أقسام الدين:

قسم أبو حنيفة الدين إلى ثلاثة أقسام: قوي، ووسط، وضعيف. (1)

فالدين القوي هو الذي ملكه الدائن بدلًا عما هو مال الزكاة كالدراهم والدنانير وأموال التجارة، كما يقول السمرقندي، أو هو بدل القرض ومال التجارة كما يقول الكمال بن الهمام. (2)

والدين الوسط هو الذي وجب بدل مال لو بقي عند الدائن حولًا لم تجب فيه الزكاة، كثياب البذلة كما يقول السمرقندي، أو هو بدل ما ليس للتجارة كثمن ثياب البذلة، ودار السكنى، كما يقول الكمال. (3)

والدين الضعيف هو ما وجب وملك لا بدلًا عن شيء، كالميراث، أو وجب بدلًا عما ليس بمال كالدية على العاقلة، والمهر، وبدل الخلع، والصلح عن دم العمد. (4) وزاد الكمال: الوصية، وبدل الكتابة والسعاية. (5)

وقسم الصاحبان الديون قسمين: ديون مطلقة وديون ناقصة، فالناقصة هي بدل الكتابة، والدية على العاقلة، وما سواهما فديون مطلقة. (6)

فالدين المطلق عند الصاحبين يقابل الدين القوي والوسط وأكثر أفراد الدين الضعيف.

(1) تحفة الفقهاء 1/456 وفتح القدير 1/491

(2)

تحفة الفقهاء 1/456 وفتح القدير 1/491

(3)

تحفة الفقهاء 1/456 وفتح القدير 1/491

(4)

تحفة الفقهاء 1/457ن وذكر الكمال جميع الأمثلة ما عدا الميراث فقد قال عنه: ولو ورث دينا على رجل فهو كالدين الوسط ويروى عنه أن كالضعيف 1/491

(5)

فتح القدير 1/491

(6)

فتح القدير 1/491 تحفة الفقهاء 1/458

ص: 35

حكم الدين الضعيف، والدين الناقص:

الدين الضعيف لا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض الدائن منه نصابًا، ويحول عليه الحول بعد القبض. (1)

هذا عند أبي حنيفة وعند الصاحبين لا تجب الزكاة في الدين الناقص، وهو بدل الكتابة والدية على العاقلة فقط، ما لم يقبض النصاب ويحول عليه الحول. (2)

حكم الدين الوسط:

في الدين الوسط روايتان عن أبي حنيفة: رواية أنه كالدين الضعيف، ورواية أنه تجب فيه الزكاة، ولكن لا يخاطب بالأداء ما لم يقبض مائتي درهم، فإذا قبضها يزكي لما قبض. (3)

حكم الدين القوي:

الدين القوي تجب فيه الزكاة إذا كان نصابًا وتم الحول، لكن لا يخاطب بالأداء ما لم يقبض أربعين درهمًا، فيؤدي درهمًا، وكذلك يؤدي من كل أربعين عند القبض درهمًا، وإذا قبض أقل من أربعين لا يزكي. عند أبي حنيفة، وعند الصاحبين تجب الزكاة في الكسور فيزكي الدائن ما قبضه من الدين قل أو كثر.

قال السمرقندي: والصحيح قول أبي حنيفة لأن في اعتبار الكسور حرجًا بالناس، والحرج موضوع. (4)

الدين مقر به والمدين موسر:

وجوب الزكاة في الأحوال السابقة مقيد بما إذا كان الدين مقرًا به والمدين موسرًا، لأن الوصول إلى الدين ممكن في هذه الحالة. (5)

أما إذا كان الدين مقرًا به، والمدين معسرًا، أو كان الدين مجحودًا به، ففيه تفصيل.

(1) تحفة الفقهاء 1/458

(2)

تحفة الفقهاء 1/458

(3)

تحفة الفقهاء 1/458

(4)

تحفة الفقهاء 1/457، 417 وانظر أيضًا فتح القدير 1/520

(5)

تحفة الفقهاء 1/460

ص: 36

الدين مقر به، والمدين معسر:

إذا كان الدين مقرًا به، ولكن المدين معسر، ومضى عليه أحوال ثم أيسر فقبض الدائن دينه فإنه يزكي لما مضى عند أئمة الحنفية الثلاثة، وقال الحسن بن زياد: إنه لا زكاة فيه.

وحجة الحنفية أنه دين مؤجل شرعًا فصار كما لو كان مؤجلًا بتأجيل صاحبه، والتأجيل لا يمنع وجوب الزكاة؛ لأن الوصول إلى الدين ممكن بتحصيله (1)

هذا إذا كان معسرًا لم يقبض عليه بالإفلاس.

المدين المفلس:

المدين الذي قضى عليه بإفلاس إذا أيسر وقبض الدائن منه دينه يزكيه لما مضى عند أبي حنيفة، كما هو الحال في المدين المعسر، لأن الإفلاس لا يتحقق في حال الحياة عند أبي حنيفة، والحكم به باطل عنده.

وقال محمد: لا تجب على الدائن زكاة، لأن القضاء بالإفلاس صحيح عنده، ويصير الدين تاويا به، وقال أبو حنيفة: لا يتوى الدين لأن المال غاد ورائح ويبقى الدين في ذمة المفلس مثله في المليء.

وأما أبو يوسف فإنه مع موافقته لمحمد في صحة الإفلاس بتفليس القاضي، فإنه وافق أبا حنيفة في وجوب الزكاة، رعاية لجانب الفقراء، كما يقول المرغيناتي، ولم يرتض الكمال تعليل المرغيناتي، وقال: الأولى ما قيل إن التفليس وإن تحقق لكن محل الدين المذمة وهي والمطالب باقيان حتى كان لصاحب الدين حق الملازمة، فبقاء الملازمة دليل بقاء الدين على حاله، فإذا قبضه زكاه لما مضى. (2)

(1) تحفة الفقهاء 1/162 وفتح القدير 1/490

(2)

تحفة الفقهاء 1/462 وفتح القدير 1/492

ص: 37

الدين المجحود:

الدين إذا كان مجحودًا به ومضى عليه أحوال، ثم أقر به المدين وقبضه الدائن فلا تجب زكاته للسنين الماضية عند الحنفية، وقال زفر: تجب. (1) وهذا هو المال الضمار، والدليل على عدم وجوب زكاته قول علي رضي الله عنه: لا زكاة في المال الضمار؛ ولأن السبب هو المال النامي، ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف، ولا قدرة عليه. (2)

واختلف الفقهاء المشايخ في الدين المجحود إذا كان للدائن بينة، فقال بعضهم لا تجب فيه الزكاة كالمال الضمار، لأن البينة قد تقبل وقد لا تقبل، وقال بعضهم: تجب فيه الزكاة؛ لإمكان الوصول إليه. (3)

وأما إذا كان القاضي عالمًا بالدين فإنه تجب الزكاة؛ لأن القاضي يقضي بعلمه في الأموال، فصاحبه يكون مقصرًا في الاسترداد، فلا يعذر. (4)

الدائن الذي يملك نصابًا غير الدين:

الأحكام السابقة خاصة بالدائن الذي لا يملك شيئًا غير الدين، أو يملك أقل من النصاب، أما الدائن إذا كان يملك نصابًا غير الدين، وقبض شيئًا من الدين فإنه يضمه إلى ما عنده إذا كان من جنسه ويخرج زكاة الجميع، لأن المقبوض من الدين في هذه الحالة يكون مالًا مستفادًا فيضم إلى الأصل. (5)

مذهب المالكية:

يقول ابن رشد: قال مالك: إذا قبض الدائن الدين يزكيه لحول واحد، وإن أقام عند المدين سنين إذا كان أصله عن عوض، وأما إذا كان عن غير عوض، مثل الميراث، فإنه يستقبل به الحول، وفي المذهب تفصيل في ذلك. (6)

وفيما يلي تفصيل المذهب مستخلصًا من الشرح الكبير وحاشية الدسوقي:

الدين كما يستفاد من عبارة ابن رشد قد يكون أصله عن عوض، وقد يكون أصله عن غير عوض، الدين الذي أصله عن عوض هو دين القرض، ودين البيع، مثل أن يكون عنده مال فيسلفه لرجل، أو يشتري به سلعة ثم يبيعها بدين، والدين الذي أصله عن غير عوض هو ما كان عن ميراث، بيد الوصي على تفرقة التركة أو هبة بيد واهبها، أو صدقة بيد متصدقها، أو أرش جناية بيد جانيه، أو مهر بيد الزوج، أو خلع بيد دافعه، أو صلح عن دم خطأ أو عمد بيد المصالح، ولكل من هذين النوعين من الدين حكمه.

حكم الدين الذي أصله عن غير عوض:

هذا الدين لا زكاة فيه على الدائن حتى يقبضه ويحول عليه حول من قبضه، ولو أخر الدائن قبضه فرارًا من الزكاة. (7)

(1) تحفة الفقهاء 1/460 والهداية مع فتح القدير 1/489

(2)

الهداية مع فتح القدير 1/490

(3)

تحفة الفقهاء 1/461 والهداية مع فتح القدير 1/491

(4)

تحفة الفقهاء 1/461

(5)

تحفة الفقهاء 1/432 – 434 وفتح القدير 1/510، 511

(6)

بداية المجتهد 1/247

(7)

الدسوقي على الشرح الكبير 1/466

ص: 38

حكم الدين الذي أصله عن عوض:

هذا الدين قد يكون أصله قرضًا وقد يكون أصله ثمن عرض تجارة، أو ثمن عرض قنية، وعرض التجارة قد يكون بائعه محتكرًا (1) وقد يكون مديرًا (2) ولكل حكمه.

الدين الذي أصله قرض:

هذا الدين يزكى الدائن المقبوض منه لسنة فقط، ولو أقام عند المدين سنين بشرط أن يكون المقبوض نصابًا بنفسه، أو مع مال عند الدائن جمعهما حول، وكأن يقبض عشرين دينارًا جملة، أو عشرة ثم عشرة، فيزكيها عند قبض العشرة الثانية، أو يكون عنده عشرة دنانير حال عليها الحول، واقتضى من دينه الذي حال عليه الحول عشرة دنانير، فإنه يزكيهما.

وتبدأ السنة من يوم زكى أصل الدين إن كان قد زكاه، ومن يوم ملك أصله إن لم تجب فيه، بأن لم يقم عنده حولًا.

ومحل زكاة هذا الدين لعام واحد، إذا لم يؤخر الدائن قبضه فرارًا من الزكاة، وإلا زكاه لكل عام مضى.

الدين الذي أصله ثمن عرض قنية:

إذا كان أصل الدين عرضًا من عروض القنية لم يقصد به التجارة باعه صاحبه بدين، فلا زكاة في الدين إلا بعد حول من قبضه، مثل الدين الذي أصله عن غير عوض. (3)

الدين الذي أصله ثمن عرض تجارة لمحتكر:

هذا الدين حكمه كحكم الدين الذي أصله قرض، أي لا يزكيه الدائن إلا بعد قبضه لعام واحد على النحو الذي ذكرناه.

ولا ينظر في هذه الحالة إلى سبب ملك المحتكر لعروض التجارة، فلا فرق بين ملكها بالشراء، أو الهبة، أو الميراث ما دام قصد بها التجارة.

(1) المحتكر هو الذي يرصد لعرض التجارة السوق، أي ينتظر ارتفاع الأثمان، الشرح الكبير مع الدسوقي 1/474

(2)

المدير هو الذي يبيع بالسعر الواقع ولو كان فيه خسر، ويخلفه بغيره. الدسوقي 1/474

(3)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/466 - 468

ص: 39

وإذا قبض المحتكر عرضًا عوضًا عن دينه فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يبيعه، فإذا باعه زكى ثمنه لحول من يوم قبض العرض، لا من حول الأصل. (1)

الدين الذي أصله ثمن عرض تجارة لمدير:

هذا الدين يزكى زكاة عروض التجارة، فيزكى عدده إذا كان نقدًا حالًا ومرجوًا، فإن لم يكن نقدًا حالًا، بأن كان عرضًا، أو نقدًا مؤجلًا مرجوين، قوم بما يباع به على المفلس، العرض بنقد، والنقد بعرض ثم بنقد، وتزكى القيمة.

وأما إذا كان الدين غير مرجو، بأن كان على معدم أو ظالم، فلا يقومه صاحبه ليزكيه حتى يقبضه، فإن قبضه زكاه لعام واحد. (2)

مذهب الشافعية:

الدين الحال على مقر مليء:

الدين إذا كان حالًا، وكان المدين مقرًا به ومليئًا تجب زكاته على الدائن في الحال، ولو لم يقبضه لأنه مقدور على قبضه، فهو كالوديعة. (3)

وفي القديم لا زكاة في الدين لعدم الملك فيه حقيقة. (4)

الدين الحال على ملئ جاحد:

الدين إذا كان حالًا، وكان المدين مليئًا، ولكنه جاحد للدين، فإن كان للدائن بينة وجبت عليه زكاته في الحال، وإن لم يقبضه لقدرته على قبضه فأشبه المودع.

وفي حكم البينة علم القاضي بالدين في الحالة التي يقضي فيها بعلمه. (5)

وإن لم تكن للدائن بينة ففيه قولان: قال في القديم: لا تجب فيه الزكاة، لأنه خرج عن يده وتصرفه فكان ملكه فيه ناقصًا، وقال في الجديد: تجب عليه، لأنه مال له، يملك المطالبة به، ويجبر على التسليم إليه، فوجبت فيه الزكاة كالمال الذي في يد وكيله، وقال في المنهاج: إنه الأظهر.

(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/467

(2)

الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/474

(3)

المهذب 1/158 ونهاية المحتاج 3/130

(4)

نهاية المحتاج 3/130

(5)

نهاية المحتاج 3/130

ص: 40

ولا يجب دفع الزكاة حتى يعود الدين المجحود لقدم التمكن قبله، فإذا عاد زكاه للأحوال الماضية، ولو تلف قبل التمكن سقطت الزكاة. (1)

الدين الحال على مقر معسر:

الدين إذا كان حالًا والمدين مقر ولكنه معسر، فإن حكمه كحكم الدين الحال على المدين الجاحد الذي لا بينة عليه، لا تلزم الدائن زكاته قبل أن يرجع الدين إليه، فإن رجع إليه ففيه قولان، قول بعدم وجوب الزكاة، وقول بالوجوب عن الأعوام الماضية. (2)

وذكر الرملي أن المطل والغيبة حكمها حكم الإعسار. (3)

الدين المؤجل:

الدين إذا كان مؤجلًا على مليء حكمه كحكم الدين على المدين المعسر على الأصح. (4) وقال النووي: إنه المذهب. (5) وقيل: دفع الزكاة عند حلول الأجل ولو لم يقبض الدين. (6)

مذهب الحنابلة:

الدين على المليء:

إذا كان الدين على مليء كما يعبر الخرقي، وابن قدامة في المقنع، أو على معترف به باذل له، كما يعبر ابن قدامة في المغني، فعلى صاحبه زكاته، إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه، فإذا قبضه زكاه لما مضى من السنين. (7)

واستدل له ابن قدامة في المغني بأنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه، كما لو كان على معسر، ولأن الزكاة تجب على طريق المواساة، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به، وفرق بينه وبين الوديعة، بأن الوديعة بمنزلة ما في يده، لأن المستودع نائب عنه في حفظه ويده كيده، وإنما يزكيه لما مضى، لأنه مملوك له يقدر على الانتفاع به، فلزمته كسائر أمواله. (8)

وذكر محشي المقنع رواية عن الإمام أحمد أنه يجب إخراج الزكاة في الحال قبل قبض الدين. (9)

(1) المهذب 1/142، 158، ونهاية المحتاج 3/128، 130

(2)

المهذب 1/142، 158، ونهاية المحتاج 3/128، 130

(3)

نهاية المحتاج 3/130

(4)

المهذب 1/158

(5)

نهاية المحتاج 3/130

(6)

نهاية المحتاج 3/130

(7)

المغني 3/46 المقنع 1/292

(8)

المغني 3/46، 47

(9)

المقنع 1/292

ص: 41

الدين على غير مليء:

إذا كان الدين على غير ملئ أو كان مجحودًا كما يعبر ابن قدامة في المغني ففيه روايتان: إحداهما: يزكيه الدائن إذا قبضه لما مضى، أي لا فرق بينه وبين الدين على المليء المعترف به الباذل له، وهو المذهب، كما يقول محشي المقنع.

واستدل له ابن قدامة في المغني بما رواه أبو عبيد عن علي وابن عباس في الدين الظنون، قال: إن كان صادقًا فليزكه إذا قبضه لما مضى، ولأنه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء.

والرواية الثانية: لا تجب فيه الزكاة، واستدل له في المغني بأنه غير مقدور على الانتفاع به، واستدل له محشي المقنع بأنه غير تام، وهو خارج عن يده وتصرفه. (1)

الدين المؤجل:

يذكر ابن قدامة في المقنع الدين المؤجل مع الدين على غير الملئ والدين المجحود، ويعطيه حكمهما، ويقول في المغني:"وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لأن البراءة تصح من المؤجل، ولولا أنه مملوك لم تصح البراءة منه لكن يكون في حكم الدين على المعسر، لأنه يمكن قبضه في الحال". (2)

(1) المغني 1/46، 47 والمقنع 1/292

(2)

المغني 1/46، 47 والمقنع 1/292

ص: 42

تعقيب أبي عبيد القاسم بن سلام:

أورد أبو عبيد آراء عدد من فقهاء الصحابة والتابعين ذكرتها كلها في هذا البحث ثم عقب عليها بقوله:

"وأما الذي أختاره من هذا فالأخذ بالأحاديث العالية التي ذكرناها عن عمر وعثمان، وجابر، وابن عمر، ثم قول التابعين بعد ذلك: الحسن، وإبراهيم، وجابر بن زيد ومجاهد، وميمون بن مهران أنه يزكيه في كل عام مع ماله الحاضر إذا كان الدين على الأملياء المأمونين، لأن هذا حينئذ بمنزلة ما بيده وفي بيته.

وإنما اختاروا –أو من اختار منهم- تزكية الدين مع عين المال، لأن من ترك ذلك حتى يصير إلى القبض لم يكد يقف من زكاة دينه على حد، ولم يقم بأدائها، وذلك أن الدين ربما اقتضاه ربه مقتطعًا كالدراهم الخمسة والعشرة، وأكثر من ذلك وأقل، فهو يحتاج في كل درهم يقبضه فما فوق ذلك إلى معرفة ما غاب عنه من السنين والشهور والأيام ثم يخرج من زكاته بحساب ما يصيبه، وفي أقل من هذا ما تكون الملالة والتفريط، فلهذا أخذوا له بالاحتياط فقالوا: يزكيه مع جملة ماله في رأس الحول، وهو عندي وجه الأمر، فإن أطاق ذلك الوجه الآخر مطيق حتى لا يشذ عليه منه شيء فهو واسع له، إن شاء الله، وهذا كله في الدين المرجو الذي يكون على الثقات.

فأما إذا كان الأمر على خلاف ذلك، وكان صاحب الدين يائسًا منه، أو كاليائس فالعمل فيه عندي على قول علي في الدين الظنون وعلى قول ابن عباس في الدين لا يرجوه: أنه لا زكاة عليه في العاجل، فإذا قبضه زكاه لما مضى من السنين. (1)

(1) الأموال 432

ص: 43

قال أبو عبيد: وهذا أحب إلى من قول من لا يرى عليه شيئًا، ومن قول من يرى عليه زكاة عامة، وذلك لأن هذا المال وإن كان صاحبه غير راج له، ولا طامع فإنه ماله وملك يمينه، متى ما ثبته على غريمه بالبينة، أو أيسر بعد إعدام، كان حقه جديدًا عليه، فإذا أخطأه ذلك في الدنيا فهو له في الآخرة، وكذلك إن وجده بعد الضياع كان له دون الناس، فلا أرى ملكه زال عنه الوجدان، فكيف يسقط حق الله عنه في هذا المال، وملكه لم يزل عنه؟ أم كيف يكون أحق به إن كان غير مالك له؟ فهذا القول عندي داخل على من رآه مالًا مستفادًا.

وأما الداخل على من رأى عليه زكاة عام واحد فأن يقال له: ليس يخلو هذا المال من أن يكون كالمال يفيده تلك الساعة على مذهب أهل العراق فيلزمك من ذلك ما لزمهم من القول، أو أن يكون كسائر ماله الذي لم يزل فعليه الزكاة لما مضى من السنين، كقول علي وابن عباس.

فأما زكاة عام واحد فلا نعرف لها وجهًا، وليس القول عندي إلا على ما قالا، يزكيه لما مضى، وإنما يسقط عنه تعجيل إخراجها من ماله في كل عام، لأنه كان يائسًا منه، فأما وجوبها في الأصل فلا يسقطه شيء ما دام لذلك المال ربا. (1)

رأى ابن حزم وتعقيبه على الآراء المخالفة:

يرى ابن حزم أن الدين يزكيه المدين إذا كان حاضرًا عنده منه ما يبلغ النصاب، وأتم عنده حولًا، ولا تجب في غير الحاضر، ولو أقام عليه سنين.

ويعلل هذا بقوله:

إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه فهو معدوم عنده، ومن الباطل المتيقن أن يزكى عن لا شيء، وعما لا يملك، وعن شيء لو سرقه قطعت يده، لأنه في ملك غيره. (2)

أما الدائن فلا زكاة عليه حتى يقبض الدين ويتم عنده حولًا:

يقول ابن حزم:

ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالًا أو مؤجلًا عند ملئ مقر يمكنه قبضه أو منكر، أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء، ولا زكاة فيه على صاحبه، ولو أقام عنه سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولًا كسائر الفوائد ولا فرق، فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه، لا حينئذ ولا بعد ذلك، الماشية والذهب والفضة في ذلك سواء. (3)

وأيد مذهبه بما روي عن عائشة وعطاء وابن عمر: "ليس في الدين زكاة"، وبأن لصاحب الدين عند غريمه عدد في الذمة وصفة فقط، وليس عنده عليه مال أصلًا، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد، والفضة تراب بعد، ولعل المواشي التي له عليه لم تخلق بعد، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته؟ (4)

(1) الأموال 429 - 435

(2)

المحلى 6/131 و 134

(3)

المحلى 6/131 و 134

(4)

المحلى 6/131 و 138 و 140

ص: 44

وذكر ابن حزم آراء القائلين بأن الدائن يزكي الدين وعقب عليها بقوله:

"أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ، لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له، وعلى الذي هو عليه، فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد، فحصل في العين العشر، وفي خمس من الإبل شاتان".

"وأما تقسيم مالك فما نعلمه عن أحد، إلا عن عمر بن عبد العزيز، وقد صح عنه خلاف ذلك ومثل قولنا.

وأما أبو حنيفة فإنه قسم ذلك تقاسيم في غاية الفساد، وقوله تخليط لا خفاء به".

وقال في موضع آخر: "إن تقسيم أبي حنيفة ومالك لا يعرف عن أحد قبلهما، لأن الرواية عن عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين". (1)

ولم يعلق ابن حزم على ما أورده من آراء الصحابة والتابعين القائلين بأن الدائن يزكي الدين.

الرأي الراجح عندي:

الرأي الراجح عندي بعد عرض ما تقدم من آراء الفقهاء هو أن زكاة الدين تجب على الدائن، ولكن لا يطالب بإخراجها مع زكاة ماله الحاضر إلا إذا كان متمكنًا من قبض الدين، كأن يكون الدين حالًا على ملئ معترف به باذل له، لأنه يكون في هذه الحالة بمنزلة المال الذي في يده، أو بمنزلة الوديعة.

أما إذا لم يكن الدائن متمكنًا من قبض دينه، كأن يكون الدين على المعسر، أو جاحد، أو مماطل، أو يكون الدين مؤجلًا، فإن الدائن يطالب بإخراج زكاته عند قبضه أو التمكن من قبضه بحلول أجله، فإذا قبضه أو حل أجله زكاه لما مضى من السنين، لأنه ماله عاد إليه فيجب عليه إخراج زكاته.

والله أعلم

3/1/1406هـ

18/9/1985م

(1) المحلى 6/138 و 140

ص: 45