المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وثائق مقدمة للمؤتمرالتأمين وإعادة التأمينالشيخ عبد الله بن زيد آل محمود - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني

- ‌كلمة معالي سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معالي الأمين العام للمجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة معالي الدكتور أحمد محمد علي

- ‌كلمة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف

- ‌كلمة سعادة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌زكاة الديونلفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونفضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسىوفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي

- ‌زكاة المستغلات العمارات والمصانع ونحوهافضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

- ‌زكاة المستغلاتفضيلة الدكتور علي احمد السالوس

- ‌أطفال الأنابيبفضيلة الشيخ رجب التميمى

- ‌وثائق مقدمة للمجمعالحكم الإقناعي في إبطال التلقيح الصناعيوما يسمى بشتل الجنينالشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌بنوك الحليبفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

- ‌بنوك الحليبالدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاشالدكتور محمد على البار

- ‌الإنعاشفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الشيخ رجب التميمى

- ‌خلاصة في التأمينالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌عقود التأمين وإعادة التأمين في الفقه الإسلاميدراسة مقارنة بالفقه الغربيفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌التأمين وَإعادة التأمينالشَيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌وثائق مقدمَة للمؤتَمرالتأمين وَإعادة التأمينالشَيخ عبٌد الله بن زيد آل مَحمُود

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدفضيلة الدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌أحكام التعامل في المصارف الإسلاميةالدكتور وهبة الزحيلي

- ‌أحكام التعامل في المصارف الإسلاميةفضيلة الشيخ محمد على عبد الله

- ‌بداية الشهور العربيةفضيلة الشيخ محمد على التسخيري

- ‌توحيد بدايات الشهور العربيةفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌رسالة بلغة المطالع في بيان الحساب والمطالعفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌بدايات الشهور العربية الإسلاميةلفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌حول اعتماد الحساب الفلكيلتحديد بداية الشهور القمريةهل يجوز شرعا أو لا يجوز؟مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌وثائق مقدمة المجمعاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عاموبيان أمر الهلال وما يترتب عليه من الأحكامفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور بكر أبو زيد

- ‌دراسة حول خطابات الضمانللدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور زكريا البري

- ‌‌‌خطاب الضمَانفضيلة الدكتور عَبد الستار أبو غدة

- ‌خطاب الضمَانفضيلة الدكتور عَبد الستار أبو غدة

- ‌آراء حَول خطاب الضمَانفضيلة الشيخ محمد على التسخيرى

- ‌جواز أخذ الأجر أو العمولةفي مقابل خطاب الضمانلفضيلة الشيخ / أحمد على عبد الله

الفصل: ‌وثائق مقدمة للمؤتمرالتأمين وإعادة التأمينالشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

‌وثائق مقدمَة للمؤتَمر

التأمين وَإعادة التأمين

الشَيخ عبٌد الله بن زيد آل مَحمُود

شركات التأمين

اعلم أنها لَما كثرت الخيرات واتسعت التجارات وفاض المال على الناس من جميع الجهات، اخترع الناس لهم فنونًا من المعاملات والشركات لم تكن معروفة في سالف السنين ولم يقع لها ذكر عند الفقهاء المتقدمين.

من ذلك شركات التأمين على اختلاف أنواعها، وهى قضية ذات أهمية وليدة هذا العصر، وقد راجت بين العالم وصارت حديث القوم في سمرهم ومجالسهم، وأخذ بعض الناس يموج في بعض في موضوعها بالتجهيل والتضليل وبالتحريم والتحليل.

وأسبق من رأيناه طرق موضوع الكلام فيها من علماء المسلمين هو الشيخ ابن عابدين المتوفى عام (1252) فقد ذكرها في كتابه "الرد المختار" ونصه:

قال: "إنها جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبًا من حربى يدفعون له أجرته ثم يدفعون أيضا مالًا معلومًا لرجل مقيم فى بلاده يسمى ذلك المال (سوكره) على أنه مهما هلك المال الذي في المركب بغرق أو حرق أو نهب أو غيره، فذلك الرجل ضامن له بثمنه في مقابلة ما يأخذه منهم، فإذا هلك من مالهم شيء يؤدى ذلك المستأمن للتجار بدله تمامًا.. قال: والذى يظهر لى أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك، لأن هذا التزام ما لا يلزم. انتهى".

ص: 437

ويظهر أن مبدأ عملية التأمين هو الخوف من الحوادث والكوارث الشديدة التى تفاجئهم فتجحف بذهاب أنفسهم وأموالهم، فأراد بعض التجار بهذا التأمين التحفظ على ضمان أموالهم كما أراد الآخرون التأمين على بدل حياتهم، وهذا كله لم يكن معروفًا في بلدان المسلمين قبل هذه السنين.

ثم أخذ علماء هذا العصر يتكلمون في موضوعها، حيث دعت الحاجة والضرورة إلى البحث فيها، لأن "لكل حادث حديث ولكل مقام مقال".

فمنهم من قال بتحريم عقد التأمين بكل أنواعه، ومنهم من أباحه بكل أنواعه، ومنهم من توسط فيه فقال بإباحة شيء ومنع شيء منه، ولسنا من المجازفين القائلين بإباحته بكل أنواعه ولا من الجافين القائلين بتحريمه بكل أنواعه.

وإنما موقفنا منه موقف التفصيل لأحكامه، ثم التمييز بين حلاله وحرامه. والذى ترجح عندنا هو أن التأمين على حوادث السيارات والطائرات والسفن والمصانع والمتاجر أنه مباح لا محظور فيه، إذ هو من باب ضمان المجهول وما لا يجب وقد نص الإمام أحمد ومالك وأبو حنيفة على جوازه.

وهذا نوع منه يقاس عليه لإلحاق النظير بنظيره، كما سيأتى بيانه.

أما التأمين على الحياة، فإنه غير صحيح ولا مباح لأننا لم نجد له محملًا من الصحة لأن وسائل البطلان محيطة به من جميع جهاته، فهو نوع من القمار ويدخل في بيع الغرر كبيع الآبق الذي لا يدرى أيقدر على تحصيله أم لا، ويدخل في مسمى الربا الذي هو شراء دراهم بدراهم مؤجلة، ويدخل في بيع الدين بالدين، حيث إن المؤمن يدفع قيمة التأمين مقسطة في سبيل الحصول على دراهم أكثر منها مؤجلة، أضف إلى أنها لا تقتضيه الضرورة ولا توجيه المصلحة، كما سيأتى بيانه قريبًا إن شاء الله.

ص: 438

التأمين على السيارات:

إن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيّه بيّن الحلال والحرام بيانًا واضحًا فقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} ، وقال:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} ، وقال:{أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} .

وفى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:((الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب)) .

فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الحلال المحض بيّن واضح لا مجال للشك فيه وأن الحرام المحض بيّن لا يختلج في القلب الجهل به ولكن بينهما أمور مشتبهات لا يعلم أكثر الناس حقيقة الحكم فيها، هل هى من الحلال أو من الحرام. ومفهوم الحديث أن القليل من الناس وهم أهل العلم والمعرفة يعرفون حكم الله في هذه المشتبهات فيلحقون الحلال بنظيره من الحلال، والحرام بنظيره من الحرام.

فالذين يخاف عليهم من الوقوع في الحرام عند مقاربتهم للمشتبهات هم العوام الذين تخفى عليهم غوامض الأحكام ويتجاسرون على الأشياء المشتبهات بدون سؤال عن الحلال والحرام، كما أن العلماء ينبغى أن يتركوا المشتبهات عندما يخفى عليهم طريق الحكم فيها، لحديث:((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) .

ص: 439

ثم أن هذه المشتبهات تقع في العقود والشروط والمبايعات والأنكحة والأطعمة والرضاع، وقد ترجم لها البخاري في صحيحه، فقال:"باب تفسير المشتبهات"، ثم ساق بسنده عن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت امرأة سوداء فقالت: إنى قد أرضعتكما، فسأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: كيف وقد قيل، ففارقها عقبة ونكحت زوجًا غيره. ثم ذكر حديث عبد الله بن زمعة مع عتبة بن أبي وقاص، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الولد لك يا عبد الله بن زمعة واحتجبى منه يا سودة)) . فأمر سودة أن تحتجب عنه مع أنه محكوم بكونه أخاها، لكن لمّا رأى قرب شبهة بعتبة بن أبي وقاص أمرها أن تحتجب عنه وهو من باب اتقاء الشبهات.

فمن هذه المشتبهات ما يقع مشكلًا مشتبهًا في وقت إلى أن يتصدى له من يخرجه من حيز الاشتباه والغموض إلى حيز التجلى والظهور حتى يصير واضحًا جليًا لا مجال فيه للاشتباه.

فمن هذا النوع قضية التأمين على السيارات، فهى وإن أشكل على الكثير من الناس حكمها من أجل تجدد حدوثها وغموض أمرها وعدم سبق الحكم من الفقهاء فيها باسمها، فإن لها في الفقه الإسلامى أشباها ونظائر ينبغى أن ترد إليها ويؤخذ قياسها منها، كما يرد الفرع إلى أصله والنظير إلى نظيره.

وهذا يعد من القياس الصحيح الذي نزل به الكتاب والسنة وعمل به الصحابة –رضى الله عنهم- فإنهم كانوا يمثلون الوقائع بنظائرها ويشبونها بأمثالها، ويردون بعضها إلى بعض في أحكامها ففتحوا للعلماء باب الاجتهاد ونهجوا لهم طريقة وبينوا لهم سنة تحقيقه وتطبيقه. كما سيأتى بيانه.

ص: 440

الأصل في العقود الإباحة حتى يقوم دليل التحريم

ذهب الإمام أبو حنيفة –رحمه الله إلى أن الأصل في العقود والشروط الحظر إلى أن يقوم دليل الإباحة وهذا هو مذهب الظاهرية وعليه تدل نصوص الإمام الشافعى وأصوله.

وذهب الإمام مالك إلى أن الأصل في العقود الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه وعليه تدل نصوص الإمام أحمد وأصوله وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله.

فقد قال شيخ الإسلام –رحمه الله "إن الأصل في العقود الصحة والجواز ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل الشرع على إبطاله وتحريمه بنص صحيح أو قياس صريح". قال: "وأصول الإمام أحمد المنصوصة عنه تجرى على هذا القول، ومالك قريب منه"(1) انتهى.

وقد نهج هذا المنهج العلامة ابن القيم –رحمة الله- قال في الأعلام:

"الخطأ الرابع: فساد اعتقاد من قال أن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملتهم على البطلان حتى يقوم دليل الصحة، فإذا لم يقم عندهم دليل على صحة عقد أو شرط أو معاملة، استصحبوا بطلانه فأفسدوا بذلك عقودًا كثيرة من معاملات الناس وشروطهم بلا برهان من الله بناء على هذا الأصل وجمهور الفقهاء على خلافه وأن الأصل في العقود والشروط الصحة حتى يقوم الدليل على البطلان، وهذا القول هو الصحيح، فإنه لا حرام إلا ما حرم الله ورسوله، كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله".. انتهى (2) .

إذا ثبت هذا، فإن صفة عقد التأمين على حوادث السيارات، وهو أن يتفق الشخص الذي يريد التأمين على سيارته مع شركة التأمين، سواء كان التأمين كاملًا أو ضد الغير، فيدفع قدرًا يسيرًا من المال على تأمينها مدة معلومة من الزمان، كعام كامل بشروط وقيود والتزامات معروفة عند الجميع. من أهمها: كون السائق يحمل رخصة سياقة، فمهما أصيبت هذه السيارة أو أصابت غيرها بشيء من الأضرار في الأنفس والأموال خلال المدة المحدودة، فإن الشركة ملزمة بضمانه بالغًا ما بلغ.

(1) ج 2 من الفتاوى القديمة ص 326

(2)

ج 2 ص 34

ص: 441

ويستفيد المؤمن على سيارته حصول الأمان والاطمئنان على نفسه وعلى سيارته التى يسوقها بنفسه أو يسوقها رجل فقير لا مال له ولا عاقلة، فيستفيد عدم المطالبة والمخاصمة في سائر الحوادث التى تقع بالسيارة متى كان التأمين كاملًا، وتقوم شركة التأمين بإصلاحها عند حدوث شيء من الأضرار بها. ومثل هذا الأمان والاطمئنان يستحق أن يبذل في حصوله نفيس الأثمان.

وليس فيه المحذور سوى الجهالة بالأضرار التى قد تعظم في بعض الأحوال فتقضى بهلاك بعض النفوس والأموال وقد لا تقع بحال.

وهذه الجهالة مغتفرة فيه كنظائره من سائر الضمانات. فقد ذكر الفقهاء صحة الضمان عن المجهول وعما لا يجب!.

قال في "المغنى": ويصح ضمان الجنايات، سواء كانت نقودًا كقيم المتلفات أو نفوسًا كالديّات، لأن جهل ذلك لا يمنع وجوبه بالإتلاف فلم يمنع جوازه بالالتزام. قال: ولا يشترط معرفة الضامن للمضمون عنه ولا علمه بالمضمون به لصحة ضمان ما لم يجب.. انتهى.

وهذه هى نفس قضية التأمين على ضمان حوادث السيارات، ثم إن هذه الجهالة في عقد التأمين لا تفضى إلى نزاع أبدًا، لتوطين الشركة أمرها في عقدها على التزام الضمان بالغًا ما بلغ، فلا تحس بدفع ما يلزمها من الغرامة في جنب ما تتحصل عليه من الأرباح الهائلة.

وقد دعت إليها الحاجة والضرورة في أكثر البلدان العربية، بحيث لا يمنح السائق رخصة سياقة إلا في سيارة مؤمنة وإلا اعتبروه مخالفًا لنظام سير البلد، وهذه مما يزول بها شبهة الشك في إباحتها وتتمخض للجواز بلا إشكال.

وفى هذا التأمين مصلحة كبيرة أيضا وهى أن المتصرفين بقيادة السيارات هم غالبًا يكونون من الفقراء الذين ليس لهم مال ولا عاقلة، فمتى ذهبت أرواح بعض الناس بسببهم وبسوء تصرفهم فلن تذهب معها دياتهم لورثتهم، بل يجب أن تكون مضمونة بهذه الطريقة.

إذ من المعلوم أن حوادث السيارات تقع دائمًا باستمرار وأن الحادثة الواحدة تجتاح هلاك العدد الكثير من الناس ومن الحزم وفعل أولى العزم ملاحظة حفظ دماء الناس وأموالهم.

وهذا التأمين وإن كان يراه الفقير أنه من الشيء الثقيل في نفسه ويعده غرامة مالية عليه حال دفعه لكنه يتحمل عنه عبئًا ثقيلًا من خطر الحوادث، مما يدخل تحت عهدته ومما يتلاشى معها ما يحس به من الغرامة لكون المضار الجزئية تغتفر في ضمن المصالح العمومية.. والله أعلم.

ص: 442

إزالة الشبهات اللاحقة لتأمين السيارات

إن العقود والشروط والشركات والمبايعات كلها مبنية على جلب المصلحة ودرء المفسدة، بخلاف العبادات، فإنها مبنية على التشريع والاتباع لا على الاستحسان والابتداع.

والفرق بينهما هو أن العبادات حق الله، يؤخذ فيها بنصوص الكتاب والسنة. أما المعاملات، فإنها مبنية على جلب المصلحة ودرء المفسدة، إذ هى من حقوق الآدميين بعضهم مع بعض. بحيث يتعامل بها المسلم مع المسلم والمسلم مع الكافر.

فمتى كان الأمر بهذه الصفة، فإنه ليس عندنا نص صحيح ولا قياس صريح يقتضى تحريم هذا التأمين يعارض به أصل الإباحة أو يعارض به عموم المصلحة المعلومة بالقطع.

إذ العقود والشروط عفو حتى يثبت تحريمها بالنص أو بالقياس الصحيح.

والتحريم هو حكم الله المقتضى للترك اقتضاء جازمًا كما حققه أهل الأصول وهذه الشركة المنعقدة للتأمين أن رأت في نفسها، من مقاصدها أو رآها الناس أنها تجارية استغلالية.

لكن حقيقة الأمر فيها والواقع منها أنه يتحصل منها اجتماع المنتفعين منفعتها في نفسها في حصول الأرباح لها ومنفعة الناس بها، فهى شركة تعاونية محلية اجتماعية تشبه شركة الكهرباء والأسمنت وغيرهما، فكل هذه الشركات تدخل في مسمى التعاون بين الناس، لأن الشخص غنى بإخوانه قوى بأعوانه ويد الله مع الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فهى من جنس المشاركة بالوجوه ومشاركة الأبدان ومشاركة المفاوضة. وقد حصل الخلاف قديمًا بين الفقهاء في جواز هذه المشاركات، فمنهم من قال بجوازها، ومنهم من قال بمنعها، كما حصل الخلاف في شركة التأمين على حد سواء ثم زال الخلاف عن هذه الشركات كلها واستقر الأمر على إباحتها على اختلاف أنواعها.

ووجه الإشكال دعوى دخولها في مسمى الجهالة والغرر الذي نهى عنه الشارع.

كما روى مسلم في صحيحه، قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ".

ص: 443

وفسر هذا الغرر المنهى عنه بثلاثة أمور:

(أحدها) المعدوم: كبيع حبل الحبلة وبيع ما في بطون الأنعام وبيع ما ليس عندك ونحوه.

(الثانى) بيع المعجوز عن تسليمه: كبيع الآبق.

(الثالث) المجهول المطلق: كبعتك عبدًا من عبيدى أو ما في بيتى، ومنه بيع الحصاة وبيع الملامسة والمنابذة وضربة الغائص وبيع الحظ والنصيب المسمى باليانصيب فكل هذه داخلة في بيع الغرر المنهى عنه شرعًا، لكونها يقع فيها النزاع غالبًا نظير ما يقع في القمار، فإن هذا العبد الآبق إنما يبيعه صاحبه بدون ثمن مثله مخاطرة، فإن تحصل عليه قال البائع: غبنتنى، فإن لم يجده قال المشترى: غبنتنى ردّ علىّ ثمنى.

وهذا المعنى منتف في هذه المشاركة التى مبناها على التعاون الاجتماعى الصادر عن طريق الرضا والاختيار بدون غرر ولا خداع.

فجواز المشاركة هذه أشبه بأصول الشريعة وأبعد عن كل محذور، إذ هى مصلحة محضة للناس بلا فساد.

غير أن فيها تسليم شيء من النقود اليسيرة في توطيد تأمين السيارة ومن السهل أن يختصرها الشخص من زائد نفقته كذبيحة يذبحها لأدنى سبب أو بلا سبب، لأن كل عمل كهذا فإنه يحتاج بداعى الضرورة إلى مال ينظمه ويقوم بالتزام لوازمه، وليس عندنا ما يمنع بذل المال في التزام الضمان. كما قالوا بجواز: اقترض لى ألفًا ولك منه مائة، وأنه جائز، ومنه ضمان الحارس بأجرة.

ص: 444

فصحة هذا الضمان والتزام لوازمه يتمشى على نصوص الإمام أحمد وأصوله.

قال في المغنى: "دلت مسألة الخرقى على ضمان المجهول كقوله: ما أعطيته فهو على وهذا مجهول، فمتى قال: أنا ضامن لك ما على فلان، أو ما يقضى به عليه أو ما تقوم به البيّنة أو ما يقّر به لك أو ما يخرجه الحساب، صح الضمان بهذا كله وبهذا قال أبو حنيفة ومالك ".

قال: "وفيه صحة ضمان ما لم يجب وصحة الضمان عن كل من وجب عليه حق وفيه صحة الضمان في كل حق من الحقوق المالية الواجبة أو التى تؤول إلى الوجوب ".. انتهى.

وقال في المغنى أيضًا:

"ويصح ضمان الجنايات، سواء كانت نقودًا كقيم المتلفات أو نفوسًا كالديات، لأن جهل ذلك لا يمنع وجوبه بالإتلاف فلم يمنع جوازه بالالتزام". قال: "ولا يشترط معرفة الضامن للمضمون عنه ولا العلم بالمضمون به".

وهذه هى نفس قضية ضمان التأمين على السيارات، فإن شركة التأمين تلتزم ضمان الديات وأروش الجنايات وقيم المتلفات كما ذكر جوازه صاحب المغنى والشرح الكبير والإقناع. ولا يقدح في صحته جهل الضامن للمضمون به ولا المضمون عنه. فنصوص الإمام أحمد وأصوله تتسع لقبولها كنظائرها من الضمانات، وكذلك الإمام مالك وأبو حنيفة كما ذكرنا موافقتهما على ذلك.

ص: 445

غير أن الإمام أحمد أكثر تصحيحًا للعقود والشروط من سائر الأئمة، ونصوص مذهبه تساير التطور في العقود المستحدثة.

وإنما وقع اللبس فيها على من قال بتحريمها من علماء هذا العصر، كابن عابدين وغيره من جهة أنهم اعتقدوها قمارًا أو جهالة أو غررًا، أو التزام ما لا يلزم أو كونها على عمل مجهول قد يفضى إلى غرامات باهظة.

ويتمسكون بما بلغهم من العمومات اللفظية والقياسات الفقهية التى اعتقدوا شمولها لمثل هذا العقد يظنونها عامة أو مطلقة وهى لا تنطبق في الدلالة والمعنى على ما ذكروا.

أو يعللون بطلان مثل هذا بكونه لم يرد به أثر ولا قياس.

والله سبحانه قد أمر عباده بالوفاء بالعقود في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وهو شامل لكل عقد يتعاقده الناس فما بينهم ويلتزمون الوفاء به، ولم يكن قمارًا ولا ربا ولا خديعة.

إذ الأصل في العقود الصحة والإباحة إلا ما قام الدليل على تحريمه، لكون العقود والشروط والمشاركات من باب الأفعال العادية التى يفعلها المسلم مع الكافر وليست من العبادات الشرعية التى تفتقر إلى دليل التشريع.

فمن أعطى الشركة مالًا على حساب التزام ضمان سيارته بطيب نفس منه والتزمت الشركة لوازمه، فإن مقتضى الشرع يحكم بصحة هذا الضمان، أخذًا من قوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} . ومن قوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ، وفى الحديث ((لا يحل مال أمرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه)) . وهذا العوض قد خرج عن طيب نفس من مالك السيارة ومن الشركة، فثبت بذلك إباحته وقواعد الشرع لا تمنعه لأنه عمل مقصود للناس يحتاجون إليه وربما يجبرون بطريق النظام عليه، إذ لولا حاجتهم إليه لما فعلوه. لأن المال عزيز على النفوس لا تسخو ببذله إلا في سبيل منفعتها، وفى هذا المقام هو في حاجة إلى تأمين سيارته لحصول الاطمئنان والأمان عما عسى أن ينجم عنها من حوادث الزمان.

ص: 446

وبما أن هذه الشركة هى من ضمن العقود التى أمر الله بالوفاء بها، ومن جنس التجارة الواقعة بين الناس بالتراضى، ومن جنس المشاركة بالأبدان والوجوه والمفاوضة، فإنها أيضا من جنس الصلح الجائز بين المسلمين، لما روى أبو داود والدارقطنى من حديث سليمان بن بلال، حدثنا كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة، قال: "قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا والمسلمون على شروطهم)) وكثير بن زيد قال يحيى بن معين: هو ثقة وضعفه في موضع آخر، وروى الترمذى من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزنى عن أبيه عن جده. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا)) قال الترمذى: حديث حسن صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن هذا الحديث يترقى إلى الصحة بتعدد طرقه، مع العمل عليه بإجماع أهل العلم.

فهذا الاشتراك الاجتماعى الأهلى المنعقد للضمان في تأمين حوادث السيارات يعتبر من التعاون المباح وما ينتج عنه من الأرباح فحلال لا شبهة فيه، أشبه بشركات الكهرباء والأسمنت ونحوها، ويدخل في عموم الصلح الجائز بين المسلمين وإباحته تتمشى على ظاهر نصوص مذهب الإمام أحمد.

قال في الإقناع (1) : ويصح ضمان أروش الجنايات نقودًا كانت كقيم المتلفات أو حيوانًا كالديّات، لأنها واجبة أو تؤول إلى الوجوب.. انتهى. وسبق قول صاحب المغنى.

(1) هو من الكتب المعتمدة عند الحنابلة لمؤلفه موسى الحجاوى

ص: 447

وهذه تشبه قضية ضمان التأمين على السيارات، حيث تلتزم الشركة ضمان الديات وأروش الجنايات وقيم المتلفات، كأضرار السيارات ونحوها من كل ما هو واجب بالضمان أو يؤول إلى الوجوب ولا يشترط معرفة المضمون عنه ولا المضمون به.

ولا يقدح في صحة هذا الضمان كون المؤمن على سيارته يدفع شيئًا من المال، فإن هذا لا يقدح في صحته الضمان والحالة هذه، إذ ليس عندنا ما يمنعه.

ولا يقدح في صحة هذا الضمان تبرع الشركة بدفع الديّات وقيم الأضرار والمتلفات بدون رجوع فيه إلى أحد، فإن هذا كله جائز على قواعد المذهب، إذ من المعلوم شرعًا وعرفًا أن الجناية تتعلق بالجانى المباشر لها في خاصة العمد وعلى العاقلة في قتل الخطأ فيما زاد على الثلث من الديّة، غير أن التزام الشركة بضمان هذه الجنايات وإن عظم أمرها وعدم الرجوع منها على أحد في غرمها أنه صحيح جائز، وهو مما يجعل الجانى الذي لم يتعمد وكذا عاقلته في راحة عن المطالبة والغرامة وهو خير من كونهم يتكففون الناس في سؤال هذه الغرامة أعطوهم أو منعوهم.

وغاية ما يدركون عليها هو الجهالة عن قدر الغرامة، وهى مغتفرة فيها كسائر أمثالها من الضمانات والشركات التى لا تخلو من الجهالة كشركة الأبدان والوجوه والمفاوضة، فإن فيها كلها شيئًا من الجهالة. وقد تكلم بعض الفقهاء المتقدمين بعدم جوازها من أجله ثم استقر الأمر على أن مثل هذه الحالة مغتفرة.

قال في الإقناع: "ويصح ضمان ما لم يجب وضمان المجهول كضمان السوق، وهو أن يضمن ما يجب على التاجر للناس من الديون وهو جائز عند أكثر أهل العلم كمالك وأبى حنيفة وأحمد " انتهى.

وقال في الاختيارات: "ويصح ضمان المجهول ومنه ضمان السوق وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقبضه من عين مضمونة وتجوز كتابته والشهادة به لمن لم ير جوازه، لأن ذلك محل اجتهاد" انتهى.

فهذه المشاركات وما يترتب عليها من الالتزامات التى هى بمعنى الضمانات كلها من الأشباه والأمثال والنظائر التى يجب أن يقاس بعضها على بعض في الإباحة كشركة الأبدان وشركة الوجوه وشركة المفاوضة، ومثله شركة الكهرباء والأسمنت، ولأن حمل معاملة الناس وعقودهم وشروطهم على الصحة حسب الإمكان أولى من حملها على البطلان بدون دليل ولا برهان.. والله أعلم.

ص: 448

تسامح مذهب الحنابلة في تقبل التأمين على السيارات

وكثير من العقود والشروط والمعاملات

إن كل مختص في فهم فقه الأئمة الأربعة، فإنه سيعرف تمام المعرفة أن نصوص الإمام أحمد وأصوله تستصحب الحكم بصحة عقد التأمين على السيارات وأن جوازها يتمشى على مذهبه، كما يوافقه مذهب الإمام مالك وأبى حنيفة.

ولا نعنى بذلك أن الحنابلة ذكروا هذا العقد باسمه وصفته في كتبهم، بل ولا غيرهم من سائر المذاهب لكونها حديثة الاختراع ولكل حادث حديث.

وإنما نعنى أن نصوص الإمام أحمد، تتسع لقبولها كسائر نظائرها من الشركات والضمانات وبيع أسهم الشركات.

لكون الإمام أحمد أكثر تصحيحًا للعقود والشروط من سائر الأئمة، ونصوص مذهبه تساير التطّور في العقود المستحدثة.

لأن نصوصه وإن لم تنص على كل عقد أو شرط باسمه لكنها كافية لحل جميع مشاكل العقود والشروط والشركات بالنص أو الاقتضاء أو التضمن، غير أنها تحتاج إلى فهم ثاقب وتطبيق سليم وتبحر في فقه النصوص والعقود.

ص: 449

وقد اشَتهر عند المتأخرين تسامح مذهب الإمام أبي حنيفة في مسايرة التطّور في العقود المستحدثة، من أجل أن أصحابه نشروا عنه ذلك وهو صحيح. غير أن مذهب الإمام أحمد يمتاز عليه في كثير من المسائل التى تقتضيها الحاجة وتوجبها المصلحة، من ذلك أن نصوص الإمام أحمد وأصوله تدل على أن الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما دل الدليل على التحريم خلاف ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة من أن الأصل في العقود والشروط الحظر إلا ما دل على الإباحة وهو قول الظاهرية. وهو مذهب الشافعى.

ومنها عقد المساقاة على النخل والشجر بالثلث أو النصف أو بشيء مما يخرج منها أو من غيرها أو بالنقود.

فقد أنكرها الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعى وقالا: إنها بيع ما لم يخلق وأنها من الإجارة المجهولة وتفضى إلى الغرر.

أما الإمام أحمد فقد أجازها عملًا بحديث خيبر وكما أن الضرورة والحاجة وعموم المصلحة تقتضى ذلك وعليه العمل في هذا الزمان.

ومنها شركة المفاوضة، وهى أن يفّوض كل واحد منهما إلى شريكه التصرف في ماله مع حضور صاحبه وغيبته، فقد قال الإمام الشافعى لا يجوز. واتفق الإمام أحمد ومالك وأبو حنيفة على جوازها.

ومنها شركة الأبدان، فقد قال الإمام الشافعى بمنعها، واشترط الإمام مالك لصحتها اتحاد الصنعة بين الشريكين.

أمام الإمام أحمد، فقد أجازها مع اختلاف الصنعة واتفاقها، كما أجاز الاشتراك على الدابة له نصف وللدابة النصف الثانى.

ومنها شركة الوجوه. فقد قال الإمام مالك والشافعى ببطلانها لكون الاشتراك الصحيح يتعلق على المال وعلى العمل وكلاهما معدومان في هذه المشاركة مع ما فيه من الغرر، لأن كل واحد منهما عاوض صاحبه بكسب غير محدود لا بصناعة ولا بعمل مخصوص. هذا حجة من قال بمنعها كمالك والشافعى.

ص: 450

أما الإمام أحمد، فقد قال بجوازها لأنها عمل من الإعمال فجاز انعقاد الاشر عليها.

وهذا هو الظاهر من مذهب الإمام أبي حنيفة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

ومنها شرط الخيار في البيع، فقد قال الإمام مالك والشافعى وأبو حنيفة: لا يجوز الخيار فوق ثلاثة أيام إلا أن الإمام مالكًا قال لا يزاد الخيار على ثلاثة أيام إلا بقدر الحاجة، كأن يصل إلى البلد وهو لا يصل إليها إلا فوق ثلاثة أيام.

أمام الإمام أحمد، فإنه قال بجواز شرط الخيار على ما يتفقان عليه زادت المدة أو قصرت حتى ولو زاد على الشهر، لأنه حق ثابت بالشرع فرجع في تقديره إلى مشترطه كالأجل ويحكم بالملك في مدة الخيار للمشترى له غنمه وعليه غرمه.

ومنها إذا باع شيئًا واستثنى نفعه المباح مدة معلومة غير الوطء، ودواعيه، كما لو باع بيتًا واستثنى سكناه حولًا أو أكثر.

فقد قال الإمام أبو حنيفة والشافعى: لا يصح هذا الشرط، لأنه ينافى مقتضى البيع، أشبه ما لو اشترط أن لا يسلمه إليه.

أمام الإمام أحمد، فقد قال بصحة هذا الشرط ولزوم ما يترتب عليه، لقصة جابر حين باع بعيره على النبى صلى الله عليه وسلم واستثنى حملانه إلى المدينة.

وتأخير تسليم المبيع إلى المدة المحدودة لا ينفى صحة البيع كالدار المؤجرة فإنه يصح البيع فيها مع تأخير تسليمها.

ومنها بيع التلجئة وهى إذا خشى إنسان سلطانًا أو ظالمًا أن ينتزع ملكه منه قهرًا فاتفق مع إنسان بأن يظهر للناس أنه اشتراه منه ليحتمى بذلك من هذا الظالم ولا يريد بيعه على الحقيقة، فإن هذا يسمى بيع تلجئة.

وقد قال الإمام أبو حنيفة والشافعى هو بيع صحيح، تم بأركانه وشروطه فلزم العقد فيه.

ص: 451

أما الإمام أحمد، فقد قال بعدم لزوم البيع لأنهما لم يقصدا البيع الحقيقى الذي هو انتقال المبيع إلى المشترى فلم يصح بناء على ما اتفقا عليه قبل العقد، لكون العقود محمولة على القصود.

ومنها بيع العربون وهو أن يشترى شيئًا فيسلم بعض ثمنه ويقول أن جئتك ببقية الثمن وإلا فالعربون لك.

فقد قال مالك والشافعى وأبو حنيفة: هذا لا يصلح لأنه بمثابة الخيار المجهول.

أما الإمام أحمد، فقد قال: لا بأس به وفعله عمر وأجازه ابن عمر، وضعّف حديث النهى عن بيع العربون.

ومنها لو اشترطت الزوجة في صلب العقد بأن لا يتزوج عليها أو أن لا يتسرى عليها أو أن لا يخرجها من دار أهلها أو بلدها ونحو ذلك.

فقد قال أبو حنيفة ومالك والشافعى: هذا شرط باطل لحديث ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط)) . وحديث ((إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا)) ، وهذا الشرط يقتضى تحريم الحلال من التزوج بغيرها أو التسرى أو السفر.

أما الإمام أحمد، فقد قال بصحة هذا الشرط ولزومه، وأنه أن لم يف به فلها الخيار بين البقاء أو فسخ النكاح، لما روى البخاري أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:((إن أحق الشروط أن توافوا به ما استحللتم به الفروج)) ، وحديث ((المسلمون على شروطهم)) .

والقول بصحة هذا الشرط لزومه يروى عن عمر وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعًا.

وتزوج رجل بامرأة واشترطت عليه دارها فأراد نقلها بغير اختيارها، فخاصموه إلى عمر، فقال: لها شرطها. فقال الرجل: إذا يطلقننا يا أمير المؤمنين. فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط.

ص: 452

فهذه العقود والمشاركات والشروط وما يترتب عليها من الالتزامات والضمانات كلها من الأشباه والأمثال والنظائر التى يقاس بعضها على بعض في الإباحة لملاءمتها للمعاملات المستحدثة في هذا العصر والتى لا توجد عند غيره من الأئمة.

وكل ما يصححه من العقود والشروط، فإن لديه دليلًا خاصًا من أثر أو قياس لكونه يستنبط دلائل مذهبه من مسنده وقد بلغه في العقود والشروط من الآثار عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة ما لم يبلغ غيره من الأئمة فقال به.

فهذا الاشتراك الاجتماعى الأهلى المنعقد لضمان تأمين السيارات والطائرات والسفن ونحوها، يعتبر من التعاون المباح ويدخل في حدود التعامل الجائز، وما ينتج عنه من الأرباح فحلال لا شبهة فيه، أشبه شركة الكهرباء والأسمنت ونحوهما.

لأن حمل معاملة الناس على الصحة، حسب الإمكان أولى من حملها على البطلان بدون دليل ولا برهان لكون العقد الصحيح عند أهل الأصول هو ما يتعلق به النفوذ من بلوغ المقصود ويعتد به. والباطل بخلافه وهو ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به، وهذا الاشتراك وما يترتب عليه مستكمل لشروط الصحة شرعًا.

ص: 453

ومن تأمل هذا تبين له أن جواز هذا الاشتراك وإباحة ما يترتب عليه من الربح أنه أشبه بأصول الشريعة وأبعد عن كل محذور.

لكون الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه وأصول الإمام أحمد ونصوصه وقواعد مذهبه تقبل مثل هذا العقد وتنافى تحريمه.

لكن بعض العلماء في هذا العصر القائلين بمنعه إنما أخذوه من العموميات اللفظية والقياسات الفقهية التى اعتقدوا شمولها لمثل هذا العقد ظنًا منهم أنه جهالة أو غرر، وما عارضوا به لم يصح عن الشارع القول بموجبه ولم يدخل في عموم المنهى عنه في أصل الشرع ولا في نصوص أحمد وأصوله، لكون الجهالة فيه مغتفرة وليست من الغرر المنهى عنه، بل هى من النوع الجائز كسائر أمثاله من الضمانات والشركات.

وبهذا تندفع الاعتراضات وتبقى الأدلة الشرعية كافية للإقناع العلمى الذي تزول به الشكوك والشبهات.

لهذا يجوز للقاضى الشرعى أن يحكم بصحة هذا العقد ولزوم ما يترتب عليه من الضمان.

ومتى صدر الأمر به من الحكومة يتمحض للحتم والإلزام.

وهو يدخل في ضمن عقد الضمان الذي ذكره الفقهاء من الحنابلة والمالكية والأحناف، حيث قالوا بصحة ضمان ما لم يجب وضمان المجهول وضمان أروش الجنايات، سواء كانت نقودًا أو ديات وكونه لا يشترط لصحة مثل هذا الضمان معرفة الضامن للمضمون عنه ولا قدر المضمون به فمتى قابل العاقل بين هذا الضمان الموصوف بما ذكر وبين ضمان التأمين على السيارات وجده منطبقًا عليه بجميع صفاته وإن اختلفت مسمياته وقواعد الشرع تعطى الشيء حكم نظيره. والله أعلم.

ص: 454

التأمين على الحياة

وبيان بطلانه بالبراهين والبيّنات

أن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيّه نصب أعلامًا وحدودًا للحلال يعرف بها الحلال، وأعلامًا وحدودا للحرام يعرف بها الحرام، فقال:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} وحدود الله محرماته، وقال:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} .

وقد أنزل الله الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، فالكتاب هو الهادى إلى الحق، والميزان هو الذي توزن به أعمال الخلق فيعرف عدلها من عائلها، وصحيحها من فاسدها، فترد الفروع إلى أصولها ويلحق النظير بنظيره ويعطى حكمه في الجواز والمنع كما في رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعرى –رضى الله عنهما- حيث قال:"ثم الفهم الفهم فيما أدلى إليك مما ورد عليك مما لم يكن في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال والنظائر وقس الأمور عند ذلك، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق" انتهى.

ص: 455

لهذا يعتبر من الجور وعدم العدل إلحاق الحرام بالحلال، وكذا عكسه بحجة رواجه بين الناس أو مسايرته للتطور الجديد أو حكم الأنظمة بموجبه {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} .

لأن كل تعامل أو اشتراك أو اشتراط ينافيه الشرع فهو باطل وإن كان مائة شرط.

إن التأمين على اختلاف أنواعه لا ينبغى أن ينظر إليه بنظرات سلبية سطحية ليس لها غرض إلا في المادة والحصول على المادة والتشجيع على كسب المادة بشتى الطرق الملتوية والحيل المنحرفة عن المكاسب الصحيحة إلى المكاسب الخبيثة.

وربما تحاملوا بالملام والإنحاء بالمذام على ما قال في الحرام هو حرام، كأنهم يريدون توسيع الطرق لكسب المال من حلال أو من حرام، كما في البخاري أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:((يأتى على الناس زمان لا يبالى الرجل من أين أخذ المال أمن حلال أو من حرام)) .

ص: 456

صفة عقد التأمين على الحياة

هو أن يأتى من يريد التأمين على حياته إلى شركة التأمين، فيتفق معها على تأمين حياته عشرين عامًا أو أقل أو أكثر، في مقابلة شيء معلوم من النقود، كأربعة آلاف أو أقل أو أكثر، يدفعها مقسطة بين عشر سنين كل سنة يدفع مثلًا أربعمائة ريال، على أنه أن مات في خلال هذه المدة المحدودة، فإن شركة التأمين ملزمة بدفع أربعين ألفًا أو خمسين ألفًا، على حساب ما يتفقان عليه، حتى ولو لم يكمل دفع الأقساط كلها.

فإن دفع بعض الأقساط ثم عجز عن دفع الباقى ذهب عليه كل ما دفعه. وفيه شروط ومصطلحات بينهما، منها كون الشركة تشترط على نفسها أن تدفع ربحًا خمسة في المائة في حالة استمرار عقد التأمين.

ولا شك أن هذا العقد بهذه الصفة باطل قطعًا، ولن تجد له محملًا من الصحة وإن حذلقة من يحتال لإباحته فإن وسائل البطلان محيطة به من جميع جهاته.

ص: 457

منها أنها تسليم دراهم مقسطة في دراهم أكثر منها مؤجلة قد يتحصل عليها وقد تفوت عليه في حالة عجزه عن بعض الأقساط فحقيقتها أنها شراء دين بدين وشراء دراهم بدراهم أكثر منها وتشبه بيع الآبق المنهى عنه في حالة جهالة الحصول على العوض المشروط وقد يفوت عليه مع رأس ماله ومع ما فيه من الربا وسائر وسائل البطلان، فإنها لا تقضيه الحاجة ولا توجبه المصلحة ويمجه العقل فضلًا عن المشرع.

والحاصل أن قضية التأمين على الحياة هى من المعاملات المستحدثة الفاسدة لمشابهتها لعقد الميسر حقيقة ومعنى من باب اجتماع الفرع بالأصل ومساواته له في المعنى والحكم، لأن الصحابة –رضى الله عنهم- كانوا يمثلون الوقائع بنظائرها ويشبهونها بأمثالها ويردون بعضها إلى بعض في أحكامها.

لأنه بمقتضى تحقيق النظر في حكم هذا العقد. ثم في تطبيقه على ما يشاكله من نظائره، ثم الحكم فيه بالميزان العادل غير العائل على ضوء النصوص الصحيحة المبنية على حفظ الدين والنفس والمال.

ص: 458

بدراسة عميقة سليمة من الأهواء النفسية والأغراض الشخصية دراسة تبين الأحكام وعللها وشمول مصالحها وترد الأشياء إلى أصولها بدون اطراد عرفى ولا اقتضاء عقلى، فإنه حينئذ يتبين بذلك فساد هذا العقد وخروجه عن حدود ميزان العدل والحق.

لأن الحلال هو ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} ، وإنما حرم الله الميسر من أجل أنه أكل للمال بغير حق، مع كونه يورث العداوة والبغضاء على أثر سلب المال بغير حق. والله يقول:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

والنبى صلى الله عليه وسلم قد فصّل ما أجمله الله في كتابه من شئون تحريم بعض العقود والمعاملات صيانة للأموال عن التلاعب بها بغير حق، فنهى عن بيع الغرر وهو المجهول العاقبة وغير الموثوق بالحصول عليه، كبيع الآبق، وبيع ما في بطون الأنعام، وبيع حبل الحبلة، وبيع الحصاة والملامسة والمنابذة وضربة الغائص، وبيع ما ليس عندك، كما حرم الربا والميسر وهو القمار، وكما حرم الخمر شربه وبيعه وأكل ثمنه، كما حرم الخداع والغش والكذب.

كل هذه حرمها الشاعر في أجل أنها تفضى إلى مفسدة الميسر الذي يثير العداوة والبغضاء بين الناس والذى هو أكل أموال الناس بالباطل.

ص: 459

وقد أخذ الناس تتجارى بهم الأهواء في تأمين الحياة حتى أخذوا يؤمنون على أعضاء الإنسان، فبعضهم يؤمن على يده، وبعضهم يؤمن على رجله، وبعضهم يؤمن على صوته (1) وحيث قلنا ببطلان التأمين على الحياة من أصله، فإنه مفض للبطلان في أبعاضه من باب الأولى والأحرى، كما قلنا ببطلان الميسر بكل أنواعه.

وقضية عقد التأمين على الحياة هى من نوع ذلك بمقتضى المطابقة والتضمن. فإن المؤمن على حياته يدفع نقودًا قليلة مقسطة في نقود كثيرة مؤجلة وغير موثوق بالحصول عليها، فقد تفوت عليه بعجزه عن دفع بقية الأقساط، وقد يفوت عليه معظمها ببقائه حيًا إلى نهاية المدة المحدودة.

والفرق بينه وبين التأمين على السيارات والطائرات ونحوهما واضح جدًا، فإن المؤمن على سيارته لا يريد بتأمينها الحصول على نقود أكثر مما دفع ولا أقل لا في حياته ولا بعد مماته، وإنما يريد الأمان والاطمئنان عن الحوادث منها أو عليها، بحيث تتكفل الشركة بضمان ما وقع عليها فقط وهذا الأمان والاطمئنان هو مما يستوجب أن يدفع فيه نفيس الأثمان والضامن غارم كما ثبت بذلك الحديث بقوله:((الزعيم غارم والعارية مؤداة)) .

(1) إن شركة التأمين على الحياة في حالة إبرام العقد مع من يريد تأمين حياته تقوم بعملية الفحص على صحته وسلامته، فإن كان جسمه غير سليم امتنعوا عن التعاقد معه، أو على تأمين حياته، لعلمهم أن إدمان السكر يقصم العمر قبل انتهاء العمر المعتاد، ومن صفة الخمر أنها لقصر الأعمار وتولد في الجسم أنواع المضار

ص: 460

فدعوى المبيحين له بأن عقد التأمين على الحياة يقع بالتراضى وأن شركة التأمين تدفع العوض المتفق عليه بحالة الاختيار بدون إجبار وأنه لن يثير العداوة والبغضاء كما يثيرها القمار وأنه قد يخلف هذا المال لأولاده الضعاف الذين قد تحيط بهم الحاجة والفقر بعد موته. فهذا ليس على إطلاقه ولا يبرر انعقاده.

فدعوى انعقاده بالتراضى يبطله كون العقود المحرمة كلها تقع بالتراضى ولا يحللها رضى المتعاقدين، وقد سبق حكم الله بتحريمها وبطلانها.

وأما دفع الشركة للعوض بمقتضى الرضا بدون أن يقع فيه عداوة ولا بغضاء فهذا ليس على إطلاقة، فمتى أردت أن تعرف عدم صحته فافرض أن رجلًا اتفق مع شخص آخر على تأمين حياته لكون عقد التأمين على الحياة يصح من الفرد مع الفرد كما يصح مع الشركة، إذ الحكم واحد. فاتفق معه على أن يدفع المؤمّن على حياته قدر أربعة آلاف أو أقل أو أكثر مقسطة، بحيث يدفع في كل سنة جزءًا منها على حساب تأمين حياته عشرين سنة أو عشر سنين. أن مات في خلال هذه المدة المضروبة لزم الملتزم للضمان خمسون ألفًا أو أربعون على حسب ما يتفقان عليه، بحيث يدفعها إلى ورثة المؤمّن لحياته، فبعد إبرام العقد ودفع أول الأقساط توفى المؤمّن لحياته أفتراه يدفع هذا القدر الذي التزمه أي أربعين أو خمسين ألفًا إلى الورثة بطريق الرضى والاختيار، أم تراه يتهرب عن الدفع ويعمل ألف حيلة في الامتناع وعدم السماح بالدفع وعلى أثره يقع النزاع بينه وبين خصمه في حالة امتناعه، ثم تنعقد بينهما العداوة والبغضاء أعظم مما يقع بين أهل القمار؟!.

وفى حالة الاصرار على الامتناع تستدعيهما الحاجة والضرورة إلى الترافع إلى قاضى الشرع ليقطع عنهما النزاع ويريحهم من مشقة الخصام بالحكم بالعدل. أفترى هذا القاضى يحكم بالتزام الملتزم بدفع ما التزم به على نفسه، سواء كان أربعين أو خمسين ألفًا إلى ورثة المؤمّن على حياته، أم تراه يرد الأشياء إلى أصولها والفروع إلى نصوصها، فيحكم بإرجاع ما قبضه كل واحد منهما، ثم التحاسب فيما لكل واحد منهما أو عليه لا وكس ولا شطط، عملًا بقوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} .

ص: 461

وكيف ننسى في مثل هذه القضية حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاءه في وجوب رد المال على صاحبه عند تعذر أخذ عوضه.

كما روى مسلم في صحيحه عن جابر، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:((لو بعت على أخيك ثمرًا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا بم تأخذ مال أخيك بغير حق)) .

فهذا حكم رسول الله في مثل هذا العقد الواقع صحيحًا في بداية الأمر وبطريق الرضى والاختيار من كل منهما، ولكنه لمّا لم يقبض عوض ما اشتراه القبض التام الذي يحصل به الانتفاع حكم رسول الله برد الثمن على صاحبه، وكونه لا يحل للبائع أن يأكل مال أخيه بغير حق والذى لا يحل هو الحرام لكون الأموال محترمة لا يحل أخذها إلا عن طريق الحق.

أفترى شرع الإسلام المبنى على مصالح الخاص والعام وعلى حفظ الدماء والأموال، أفتراه يحكم بفسخ هذا العقد ووجوب رد الثمن على المشترى كاملًا لمّا لم يتحصل على قبض ما اشتراه، ثم يبيح أخذ هذا المال الكثير بدون مقابل من العوض ما عدا الالتزام على نفسه به فلا يقول بصحة هذا العقد وإباحة ما يترتب عليه من العوض إلا من يقول بصحة عقد الميسر، أي القمار وإباحة ما يترتب عليه من المال، إذ هما في الحكم سواء والكل واقع بالتراضى بينهما.

ص: 462

ثم أن العقود المحرمة مقرون بها الشؤم والفشل ومحق الرزق وانتزاع البركة يقود بعضها إلى بعض في الشر كما قيل من أن المعاصى بريد الكفر.

لهذا يظهر من مساوئ مثل هذا العقد أن الورثة من الأولاد والزوجة متى عرفوا من موروثهم تأمين حياته بهذا المال العظيم، أي قدر خمسين ألفًا أو أربعين وخشوا فوات هذا المال بطول حياته وتجاوزه للمدة المحدودة، فإنهم سيعملون عملهم مباشرة أو بالتسبب بالقضاء على حياته حرصًا على الحصول على هذا المال وحذرًا من فواته بطول حياته، لكون المال مغناطيس النفوس يسيل لعابها على حبه والتحيل على فنون كسبه، مع العلم أن الناس قد ساءت طباعهم وفسدت أوضاعهم وضعف إيمانهم وفاض الغدر والخيانة بينهم.

وقد قص الله علينا خبر من كان قبلنا ليكون لنا بمثابة العظة والعبرة، وخير الناس من وعظ بغيره.

فقال تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) } ، فمعنى ادَّارأتم، أي: تدافعتم في الخصام.

وذكر ابن كثير في التفسير عن ابن أبي حاتم، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلمانى، قال: كان رجل من بنى إسرائيل عقيمًا لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه هو وارثه فاستبطأ موته فقتله ثم حمله فوضعه ليلًا على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم ويقول: أنتم قتلتم عمى حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض، فقال عقلاؤهم وذوو الرأى منهم: علام يقتل بعضكم بعضًا وهذا نبى الله موسى فيكم فاسألوه، قال: فأتوا نبى الله موسى –عليه السلام فذكروا ذلك له فأمرهم أن يذبحوا بقرة وأن يضربوه ببعضها ففعلوا ذلك فبعثه الله حيًا سويًا، فقال: قتلنى ابن أخى فلان فلم يورث قاتل من قتله بعد ذلك. ورواه ابن جرير بنحوه.

ص: 463

وتاريخ هذا العصر يحكى عن مثله، وهو أن رجلًا أمَّن حياة والدته لدى شركة التأمين، فبعد إبرام العقد وتسليم بعض الأقساط صنع له قنبلة ووضعها تحت كرسى ثم أمر والدته أن تجلس على الكرسى فثارث بها القنبلة حتى جعلتها قطعًا فذهب إلى شركة التأمين يطالبهم بعوض حياة والدته، فبعد إجراء البحث والتفتيش عرفوا تمام المعرفة أنها خيانة ومكيدة من الولد على والدته حرصًا منه على الحصول على عوض حياتها، وقد اعترف لهم بذلك بعد تحديه بالأمارات والدلائل. وأما قولهم: إنه قد يخلف هذا المال لأولاده الضعاف فإن حسن المقاصد لا يبيح المحرمات {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فكم من غنى خلف أموالًا كثيرة فاجتاحتها أيدى الظلمة وأجلسوهم على حصير الفقر أو صار هذا المال سببًا في فسقهم وفسادهم. وكم من رجل نشأ فقيرًا فرزقه الله مالًا كثيرًا، وفى الحديث ((من أحب أن يحفظ في عقبه وعقب عقبه فليتق الله)) فاحفظ الله يحفظك أي في دينك ودنياك وفى أهلك وعيالك.

ثم أن القائلين بإباحة التأمين على الحياة لّما لم يجدوا نصًا يعتمدون عليه ولا قياسًا يستندون إليه، أخذوا يركبون التعاسيف في الصدر والورود ويستدلون بما يعد بعيدًا عن المقصود، شأن العاجز المبهوت يتمسك في استدلاله بما هو أوهى من سلك العنكبوت، اشبه من يحاول اقتباس ضوئه من نار الحباحب والتماس ريه من السراب الكاذب، من ذلك استدلالهم ببيع الوفاء، وهو أجنبى عن البحث في الحقيقة والمعنى فلا يمت إليه بصفة ولا صلة.

ص: 464

وصفته عند الأحناف هو أن يضع الرجل عقاره الذي تساوى قيمته ألفًا أو ألفين فيضعه عند رجل في خمسمائة أو أكثر ويكتب عليه بيع وفاء يريدون من هذه التسمية أن يستحل المرتهن غلته هذا لعقار ما دام باقيًا في يده بدون أن يرجع عليه مالكه في شيء من قيمة غلته في مقابلة ما ينتفع صاحبه بالدراهم، وإذا تحصل صاحب العقار على النقود استرجع عقاره بدون منازعة لاعتقاد الجميع بأنه باق على ملك صاحبه.

وقد حدث هذا التعامل بهذه الصفة في بلدان فارس. قبل في القرن الخامس وأفتى الكثير من الفقهاء بكونه رهنًا لا ينصرف إلى غيره وإن سموه بيعًا لكون الاعتبار في العقود بالمقاصد وهما لم يقصدا التبايع الحقيقى وهذا هو الصحيح، لأنهما إنما قصدا بهذه التسمية محض التوثقة واستباحة الغلة فقط. والأسماء لا تغير الأشياء عن حقائقها.

ثم إنه على فرض صحة ما ذكروا من أنه بيع مستقل بحالته وعلى صفته، فإنه مخالف للقياس في صيغ البيوع الصحيحة وما خالف القياس لا يقاس عليه عند أهل الأصول. مع كونه بعيدًا في القياس عن مشابهة التأمين على الحياة (1) .

(1) نقل مصطفى الزرقاء في كتاب "التأمين" عن محمد يوسف موسى، ص 29، قال ولا أجد في تاريخ الفقه الإسلامى واقعة أشبه بواقعة التأمين من بيع الوفاء في أول ظهوره وقال أيضا ص 22: أن التأمين بكل أنواعه ضرب من ضروب التعاون التى تفيد المجتمع. قال: والتأمين على الحياة يفيد المؤمّن كما يفيد الشركة. قال: وأرى شرعًا أنه لا بأس به إذا خلا من الربا. انتهى. وأخذ الشيخ مصطفى الزرقاء يصوب استجادة هذا الاستنباط وكأنه رآه عين الصواب والسداد وجعله بمثابة العدة والعمدة في القياس والاستناد ولا شك أن مشابهة التأمين على الحياة ببيع الوفاء أنه بعيد جدًا فلا مداناة فضلًا عن المساواة وكيف يقول إنه لا بأس بالتأمين على الحياة إذا خلا من الربا وهو غارق في الربا إلى الآذان لكون وسائل الربا والبطلان محيطة به من جميع جهاته

ص: 465

ثم استشهدوا أيضا على جوازه بقضية عقد الموالاة عند الأحناف.

وصفته.. أن يقول رجل لآخر: أنت مولاى ترثنى إذا مت وتعقل عنى فيصح ذلك عندهم ويرثه أن لم يوجد من يرثه بفرض أو تعصيب أو ذى رحم ويستدلون عليه بما روى عن تميم الداري، قال: سألت رسول الله عمن أسلم على يد رجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هو أحق الناس به محياه ومماته)) وفسروا محياه بالعقل ومماته بالميراث ينسبون القول به عن على وابن عمر وابن مسعود، وهذا الحديث ضعيف جدًا، قال في المغنى: إنه ضعيف لا يصح، وقال الشافعى: الموالاة ليست بشيء.

والإمام أبو حنيفة يعترف على نفسه بأنه مزجى البضاعة من الحديث وقد ظنه صحيحًا فبنى على ظنه القول به وأخذه عنه أصحابه كما في الهداية وبدائع الصنائع وغيرهما، وكان أصل الحديث صحيحًا في بداية الأمر ثم نسخ الحكم به وانقطع العمل بموجبه.

ص: 466

وأصل الموالاة في بدء الإسلام هو أن النبى صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار وكانوا تسعين رجلًا نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار فآخى النبى صلى الله عليه وسلم بينهم على المؤاساة ويتوارثون بعد الموت دون ذوى أرحامهم إلى حين وقعة بدر، قال ابن عباس: كان المهاجرى يرث الأنصاري دون قرابته وذوى رحمه للأخوّة التى آخى بينهما رسول الله.

ولهذا يقول الزبير بن العوام: إنا معشر قريش لمّا قدمنا المدينة قدمناها ولا مال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فواخيناهم ووارثناهم فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخى عمر فلانًا وآخى عثمان رجلًا من بنى زريق بن سعد، قال الزبير: وآخيت أنا كعب بن مالك فوالله يا بنى لو مات عن الدنيا ما ورثه غيرى حتى أنزل الله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} فرجعنا إلى مواريثنا وبقيت المناصرة الدينية. ذكره ابن كثير في التفسير عن أبي حاتم.

فما ينسب عن عمر وعلى وابن مسعود فمحمول على ذلك في بداية الإسلام والا فقد أجمع الصحابة على نسخه، فلم يحفظ عن أحد منهم القول به ولا الحكم بموجبه.

والوصية بماله كله ممن لا وارث له جائز في ظاهر مذهب الإمام أحمد، ولهذا قالوا: وتجوز الوصية بماله كله ممن لا وارث له.

والحكم في الموالاة على العقل هو الحكم في الإرث، على حسب ما ذكرنا وأنه منسوخ، وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإيجاب دية الخطأ على العاقلة كما في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله فقضى رسول الله أن دية الجنين غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقام حمل بن النابغة الهذلى، فقال: يا رسول الله، كيف نغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنما هذا من اخوان الكهان)) من أجل سجعه الذي سجعه. فمضى الأمر على هذا وانعقد عليه الإجماع.

ص: 467

فكانت القبيلة تجلس لتوزيع الدية بينهم فيحمّلون كل شخص ما يستحقه على حسب مقدرته وقربه، وهذا من التعاون الواجب بحكم الشرع.

ومن محاسن الشريعة وقيامها بمصالح العباد في المعاش والمعاد أن أوجب الله دية الخطأ على من عليه موالاة القاتل ونصرته، بحيث أن هذا القاتل هو قريبهم ورحمهم، ولم يتعمد القتل وإنما وقع بغير اختياره وقصده فوجب عليه في خاصة نفسه عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله كما أوجب الدية على العاقلة.

ومن المعلوم أن الجناية في الأصل تتعلق بالجانى، فلا يجنى جان إلا على نفسه ولا تزر وازرة وزر أخرى. أي لا يحمل أحد ذنب الآخر وكانت الدية في الأصل مائة من الإبل وفى الغالب أن القاتل لا يستطيع حملها بجملتها فإيجاب الدية مع الكفارة عليه في ماله فيها ضرر عليه لعدم قدرته عليها، وإهدار دم القتيل من غير ضمان فيه ضرر على ورثته.

فكان من محاسن الشريعة أو أوجبت دية الخطأ على أقارب القاتل، أي عاقلته، كما أوجب الله النفقة على الأقارب، فإيجاب الدية على العاقلة من جنس ما أوجب الشارع من النفقة على المضطرين ونحوهم والأقربون هم أحق بالمعروف.

ص: 468

لأن المؤمن كثير بإخوانه غنى بأعوانه {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .

وهذه هى حقيقة التعاون بين الأرحام الواجبة في دين الإسلام.

ولا تحمل العاقلة العمد المحض ولا المال من قيمة عبد ونحوه ولا ما دون ثلث الدية.

والحاصل هو أن الأمة التى يبذل أغنياؤها المال وتقوم بفريضة التعاون على الأعمال فيكفل أغنياؤهم فقراءهم ويعول أقوياؤهم ضعفاءهم ويعودوا بفضل ما أتوا إلى إخوانهم المعوزين ويعطفوا على البائسين والمنكوبين أنها لابد أن تتسع تجارتها وأن تتوفر سعادتها وأن تدوم على أفرادها النعمة ما استقاموا على هذه الفضيلة ثم يكونون مستحقين لسعادة الدنيا والآخرة.

ص: 469

قرار المجمع الفقهى بمكة المكرمة

القرار الخامس

التأمين بشتى صوره وأشكاله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله واصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فإن مجمع الفقه الإسلامى قد نظر في موضوع التأمين بأنواعه المختلفة بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك وبعد ما اطلع أيضا على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة المنعقدة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/1397هـ. من التحريم للتأمين بأنواعه.

وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأى في ذلك قرر المجلس بالأكثرية تحريم التأمين بجميع أنواعه سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك من الأموال.

كما قرر مجلس المجمع بالاجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء من جواز التأمين التعاونى بدلًا من التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفًا وعهد بصياغة القرار إلى لجنة خاصة.

تقرير اللجنة المكلفة بإعداد قرار مجلس المجمع حول التأمين:

بناء على قرار مجلس المجمع المتخذ بجلسة الأربعاء 14 شعبان 1398هـ المتضمن تكليف كل من أصحاب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد محمود الصواف والشيخ محمد بن عبد الله السبيل بصياغة قرار مجلس المجمع حول التأمين بشتى أنواعه وأشكاله.

وعليه فقد حضرت اللجنة المشار إليها وبعد المداولة أقرت ما يلى:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

ص: 470

أما بعد:

فان مجمع الفقه الإسلامى في دورته الأولى المنعقدة في 10 شعبان 1398هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم الإسلامى قد نظر في موضوع التأمين بأنواعه المختلفة بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضا على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/97هـ. بقراره رقم (55) من التحريم للتأمين التجاري بأنواعه.

وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأى في ذلك قرر مجلس المجمع الفقهى بالاجماع عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك للأدلة الآتية:

الأول: عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش، لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطى أو يأخذ فقد يدفع قسطًا أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمن، وقد لا تقع الكارثة أصلًا فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئًا وكذلك المؤمن لا يستطيع أن يحدد ما يعطى ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم النهى عن بيع الغرر.

ص: 471

الثانى: عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ فإن المستأمن قد يدفع قسطًا من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارا ودخل في عموم النهى عن الميسر في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والآية بعدها.

الثالث: عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسأ فان الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة فيكون ربا نسأ وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما. دفعه لها يكون ربا نسأ فقط وكلاهما محرم بالنص والإجماع.

ص: 472

الرابع: عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم لأن كلا منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة ولم يبح الشرع من الرهان الا ما فيه نصرة للإسلام وظهور لإعلامه بالحجة والسنان وقد حصر النبى صلى الله عليه وسلم رخصة الرهان بعوض في ثلاثة بقوله صلى الله عليه وسلم ((لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل)) وليس التأمين من ذلك ولا شبيهًا به فكان محرمًا.

الخامس: عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، وأخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم لدخوله في عموم النهى في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} .

السادس: في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعًا فإن المؤمن لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له والمؤمن لم يبذل عملًا للمستأمن فكان حرامًا.

وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقًا أو في بعض أنواعه فالجواب عنه ما يلى:

(أ) الاستدلال بالاستطلاح غير صحيح فان المصالح في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام: قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة. وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد له بإلغاء ولا اعتبار فهو مصلحة مرسلة وهذا محل اجتهاد المجتهدين، والقسم الثالث ما شهد الشرع بإلغائه. وعقود التأمين التجاري فيها جهالة وغرر وقمار وربا فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب المصلحة.

ص: 473

(ب) الإباحة الاصلية لا تصلح دليلًا هنا لأن عقود التأمين التجاري قامت الأدلة على مناقضتها لأدلة الكتاب والسنة. والعمل بالاباحة الأصلية مشروط بعدم المناقل عنها وقد وجد فبطل الاستدلال بها.

(ج) الضرورات تبيح المحظورات لا يصح الاستدلال به هنا، فان ما اباحه الله من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافا مضاعفة مما حرمه عليهم فليس هناك ضرورة معتبرة شرعًا تلجئ إلى ما حرمته الشريعة من التأمين.

(د) لا يصح الاستدلال بالعرف فإن العرف ليس من أدلة تشريع الأحكام وإنما يبنى عليه في تطبيق الأحكام وفهم المراد من ألفاظ النصوص ومن عبارات الناس في إيمانهم وتداعيهم وأخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه من الأفعال والأقوال فلا تأثير له فيما تبين أمره وتعين المقصود منه وقد دلت الأدلة دلالة واضحة على منع التأمين فلا اعتبار به معها.

(هـ) الاستدلال بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة أو في معناه غير صحيح؛ فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه وما يدفعه المستأمن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة حسبما يقضى به نظام التأمين، وأن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته، وفى التأمين قد يستحق الورثة نظاما مبلغ التأمين ولو لم يدفع مورثهم إلا قسطا واحدًا، وقد لا يستحقون شيئًا إذا جعل المستفيد سوى المستأمن وورثته، وأن الربح في المضاربة يكون بين الشريكين نسبًا مئوية مثلًا بخلاف التأمين فربح رأس المال وخسارته للشركة وليس للمستأمن الا مبلغ التأمين أو مبلغ غير محدد.

ص: 474

(و) قياس عقود التأمين على ولاء الموالاة عند من يقول به غير صحيح، فإنه قياس مع الفارق ومن الفروق بينهما أن عقود التأمين هدفها الربح المادى المشوب بالغرر والقمار وفاحش الجهالة بخلاف عقد ولاء الموالاة فالقصد الأول فيه التآخى في الإسلام والتناصر والتعاون في الشدة والرخاء وسائر الأحوال وما يكون من كسب مادى فالقصد إليه بالتبع.

(ز) قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزم عند من يقول به لا يصح لأنه قياس مع الفارق ومن الفروق أو الوعد بقرض أو إعارة أو تحمل خسارة مثلًا من باب المعروف المحض فكان الوفاء به واجبًا أو من مكارم الأخلاق بخلاف عقود التأمين فإنها معاوضة تجارية باعثها الربح المادى فلا يغتفر فيها ما يغتفر في التبرعات من الجهالة والغرر.

(ح) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب قياس غير صحيح لأنه قياس مع الفارق أيضًا، ومن الفروق أن الضمان نوع من التبرع يقصد به الإحسان المحض بخلاف التأمين فإنه عقد معاوضة تجارية يقصد منها أولًا الكسب المادى فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود إليه والأحكام يراعى فيها الأصل لا التابع ما دام تابعًا غير مقصود إليه.

(ط) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق لا يصح فإنه قياس مع الفارق كما سبق في الدليل قبله.

(ى) قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح فإنه قياس مع الفارق أيضا لأن ما يعطى من التقاعد حق التزم به ولى الأمر باعتباره مسئولًا عن رعيته وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة ووضع له نظامًا راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف، ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين الذى هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التى يقصد بها استغلال الشركات للمستأمنين والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة. لأن ما يعطى في حالة التقاعد يعتبر حقًا التزم به من حكومات مسئولة عن رعيتها وتصرفها لمن قام بخدمة الأمة كفاء لمعروفه وتعاونًا معه جزاء تعاونه ببدنه وفكره وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها بالأمة.

ص: 475

(ك) قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة لا يصح فإنه قياس مع الفارق ومن الفروق أن الأصل في تحمل العاقلة لدية الخطأ وشبه العمد ما بينهما وبين المقاتل خطأ أو شبه العمد من الرحم والقرابة التى تدعو إلى النصرة والتواصل والتعاون وإسداء المعروف ولو دون مقابل وعقود التأمين التجارية استغلالية تقوم على معاوضات مالية محضة لا تمت إلى عاطفة الإحسان وبواعث المعروف بصلة.

(ل) قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة غير صحيح لأنه قياس مع الفارق أيضًا. ومن الفروق أن الأمان ليس محلًا للعقد في المسألتين وإنما محله في التأمين الأقساط ومبلغ التأمين، وفى الحراسة الأجرة وعمل الحارس، أما الأمان فغاية ونتيجة والا لما استحق الحارس الأجرة عند ضياع المحروس.

(م) قياس التأمين على الإيداع لا يصح لأنه قياس مع الفارق أيضا فإن الأجرة في الايداع عوض عن قيام الأمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه بخلاف التأمين فان ما يدفعه المستأمن لا يقابله عمل من المؤمن ويعود إلى المستأمن بمنفعة إنما هو ضمان الأمن والطمأنينة وشرط العوض عن الضمان لا يصح بل هو مفسد للعقد وان جعل مبلغ التأمين في مقابلة الأقساط كان معاوضة تجارية جعل فيها مبلغ التأمين أو زمنه فاختلف في عقد الإيداع بأجر.

(ن) قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البزمع الحاكة لا يصح. والفرق بينهما أن المقيس عليه من التأمين التعاونى وهو تعاون محض والمقيس تأمين تجاري وهو معاوضات تجارية فلا يصح القياس.

كما قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (51) وتاريخ 4/4/1397هـ. من جواز التأمين التعاونى بدلًا عن التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفًا للأدلة الآتية:

الأول: أن التأمين التعاونى من عقود التبرع التى يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار والاشتراك في تحمل المسئولية عند نزول الكوارث وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر فجماعة التأمين التعاونى لا يستهدفون تجارة ولا ربحًا من أموال غيرهم وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر.

ص: 476

الثانى: خلو التأمين التعاونى من الربا بنوعيه: ربا الفضل وربا النسأ فليس عقود المساهمين ربوية ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية.

الثالث: أنه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاونى بتحديد ما يعود عليهم من النفع لأنهم متبرعون فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة بخلاف التأمين التجاري فإنه عقد معاوضة مالية تجارية.

الرابع: قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذى من أجله أنشئ هذا التعاون سواء كان القيام بذلك تبرعًا أو مقابل أجر معين. ورأى المجلس أن يكون التأمين التعاونى على شكل شركة تأمين تعاونية مختلطة للأمور الآتية:

أولًا الالتزام بالفكر الاقتصادى الإسلامى الذى يترك للأفراد مسئولية القيام بمختلف المشروعات الاقتصادية ولا يأتى دور الدولة الا كعنصر مكمل لما عجز الأفراد عن القيام به وكدور موجه ورقيب لضمان نجاح هذه المشروعات وسلامة عملياتها.

ثانيًا الالتزام بالفكر التعاونى التأمينى الذى بمقتضاه يستقل المتعاونون بالمشروع كله من حيث تشغيله ومن حيث الجهاز التنفيذى ومسئولية إدارة المشروع.

ثالثًا تدريب الأهالى على مباشرة التأمين التعاونى وإيجاد المبادرات الفردية والاستفادة من البواعث الشخصية فلا شك أن مشاركة الأهالى في الإدارة تجعلهم أكثر حرصًا ويقظة على تجنب وقوع المخاطر التى يدفعون مجتمعين تكلفة تعويضها مما يحقق بالتالى مصلحة لهم في إنجاح التأمين التعاونى إذ أن تجنب المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل، كما أن وقوعها قد يحملهم أقساطا أكبر في المستقبل.

ص: 477

رابعًا أن صورة الشركة المختلطة لا يجعل التأمين كما لو كان هبة أو منحة من الدولة للمستفيدين منه بل بمشاركة منها معهم فقط لحمايتهم ومساندتهم باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية وهذا موقف أكثر إيجابية ليشعر معه المتعاونون بدور الدولة ولا يعفيهم في نفس الوقت من المسئولية.

ويرى المجلس أن يراعى في وضع المواد التفصيلية للعمل بالتأمين التعاونى على الأسس الآتية:

الأول: أن يكون لمنظمة التأمين التعاونى مركز له فروع في كافة المدن وأن يكون بالمنظمة أقسام تتوزع بحسب الأخطار المراد تغطيتها وبحسب مختلف فئات ومهن المتعاونين كأن يكون هناك قسم للتأمين الصحى وثان للتأمين ضد العجز والشيخوخة..الخ.

أو يكون هناك قسم لتأمين الباعة المتجولين وآخر للتجار وثالث للطلبة ورابع لأصحاب المهن الحرة كالمهندسين والأطباء المحامين..الخ.

الثانى: أن تكون منظمة التأمين التعاونى على درجة كبيرة من المرونة والبعد عن الأساليب المعقدة.

الثالث: أن يكون للمنظمة مجلس أعلى يقرر خطط العمل ويقترح ما يلزمها من لوائح وقرارات تكون نافذة إذا اتفقت مع قواعد الشريعة.

ص: 478

الرابع: يمثل الحكومة في هذا المجلس من تختاره من الأعضاء ويمثل المساهمين من يختارونه ليكونوا أعضاء في المجلس ليساعد ذلك على إشراف الحكومة عليها أو اطمئنانها على سلامة سيرها وحفظها من التلاعب والفشل.

الخامس: إذا تجاوزت المخاطر موارد الصندوق بما قد يستلزم زيادة الأقساط فتقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة.

ويؤيد مجلس المجمع الفقهى ما اقترحه مجلس هيئة كبار العلماء في قراره المذكور بأن يتولى وضع المواد التفصيلية لهذه الشركة التعاونية جماعة من الخبراء المختصين في هذا الشأن.

والله ولى التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ص: 479

[توقيع]

نائب الرئيس

محمد على الحركان

الأمين العام

لرابطة العالم الإسلامى

[توقيع]

الرئيس

عبد الله بن حميد

رئيس مجلس القضاء الأعلى

فى المملكة العربية السعودية

الأعضاء

[توقيع]

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الرئيس العام لإدارات البحوث

العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

فى المملكة العربية السعودية

[توقيع]

محمد محمود الصوّاف

[توقيع]

صالح بن عثيمين

[توقيع]

محمد بن عبد الله السبيل

[توقيع]

محمد رشيد قبانى

[توقيع]

مصطفى الزرقاء

[توقيع]

محمد رشيدى

[توقيع]

عبد القدوس الهاشمى الندوى

[سافر قبل التوقيع]

أبو بكر جومى

ص: 480

المجمع الفقهى الإسلامى بمكة المكرمة

ب- د/6/2 – 1406/3

مخالفة الأستاذ الدكتور مصطفى الزرقاء

اخوانى الأستاذة الفضلاء أعضاء المجمع الفقهى..

إنى أخالف ما ذهبتم إليه من اعتبار التأمين الذى أسميتموه تجاريًا بمختلف أنواعه وصوره حراما. وميزتم بينه وبين ما أسميتموه تعاونيًا، وأرى أن التأمين من حيث إنه طريق تعاونى منظم لترميم الأضرار التى تقع على رؤوس أصحابها من المخاطر التى يتعرضون لها هو في ذاته جائز شرعًا بجميع صوره الثلاث وهى: التأمين على الأشياء والتأمين من المسئولية المسمى (تأمين ضد الغير) ، والتأمين المسمى خطأ بالتأمين على الحياة جائز شرعًا.

وان أدلتى الشرعية من الكتاب العزيز والسنة النبوية وقواعد الشريعة ومقاصدها العامة والشواهد الفقهية بالقياس السليم عليها ودفع توهم أنه يدخل في نطاق القمار أو الرهان المحرمين، ودفع شبهة أنه ربا، كل ذلك موضح تمام الإيضاح في كتابى المنشور بعنوان (عقد التأمين، وموقف الشريعة الإسلامية منه) وأنتم مطلعون عليه مع بيان حاجة الناس في العالم كله إليه.

ص: 481

وقد بينت لكم في هذه الجلسة أيضا أن التمييز بين تأمين تعاونى وتجاري لا سند له، فكل التأمين قائم على فكرة التعاون على تفتيت الأضرار وترميمها ونقلها عن رأس المصاب وتوزيعها على أكبر عدد ممكن بين عدد قليل من الأشخاص الذين تجمعهم حرفة صغيرة –أو سوق- ويتعرضون لنوع من الأخطار فيساهمون في تكوين صندوق مشترك حتى إذا أصاب أحدهم الخطر والضرر عوضوه عنه من الصندوق الذى هو أيضا مساهم فيه هذا النوع الذى يسمى في الاصطلاح تبادليًا وسميتموه (تعاونيًا) لا تحتاج إدارته إلى متفرغين لها ولا إلى نفقات إدارة وتنظيم وحساب الخ..

فإذا كثرت الرغبات في التأمين وأصبح يدخل فيه الألوف –عشراتها أو مئاتها أو آلافها- من الراغبين وأصبح يتناول عددًا كبيرًا من أنواع الأخطار المختلفة فإنه عندئذ يحتاج إلى إدارة متفرغة وتنظيم ونفقات كبيرة من أجور محلات وموظفين ووسائل آلية وغير آلية الخ.. وعندئذ لابد لمن يتفرغون لإدارته وتنظيمه من أن يعيشوا على حساب هذه الإدارة الواسعة كما يعيش أي تاجر أو صانع أو محترف أو موظف على حساب عمله.

وعندئذ لابد من أن يوجد فرق بين الأقساط التى تجبى من المستأمنين وبين ما يؤدى من نفقات وتعويضات للمصابين عن أضرارهم لتربح الإدارة المتفرغة هذا الفرق وتعيش منه كما يعيش التاجر من فرق السعر بين ما يشترى ويبيع.

ولتحقيق هذا الربح يبنى التأمين الذى أسميتموه تجاريًا على حساب إحصاء دقيق لتحديد القسط الذى يجب أن يدفعه المستأمن في أنواع من الأخطار. هذا هو الفرق الحقيقى بين النوعين. أما المعنى التعاونى فلا فرق فيه بينهما أصلًا من حيث الموضوع.

ص: 482

كما أنى أحب أن أضيف إلى ذلك أن هذه الدورة الأولى لهذا المجمع الفقهى الميمون الذى لم يجتمع فيها الا نصف أعضائه فقط والباقون تخلفوا أو اعتذروا عن العضوية لظروفهم الخاصة لا ينبغى أن يتخذ فيها قرار بهذه السرعة بتحريم موضوع كالتأمين من أكبر الموضوعات المهمة اليوم خطورة وشأنًا لارتباط مصالح جميع الناس به في جميع أنحاء المعمورة والدول كلها تفرضه إلزاميًا في حالات كالتأمين على السيارات ضد الغير صيانة لدماء المصابين في حوادث السيارات من أفئدة تذهب هدرًا إذا كان قائد السيارة أو مالكها مفلسًا.

فإذا أريد اتخاذ قرار خطير كهذا وفى موضوع اختلفت فيه آراء علماء العصر اختلافا كبيرًا في حله أو حرمته يجب في نظرى أن يكون في دورة يجتمع فيها أعضاء المجمع كلهم أو إلا قليلًا منهم وعلى أن يكتب لغير أعضاء المجمع من علماء العالم الإسلامى الذين لهم وزنهم العلمى ثم يبت في مثل هذا الموضوع الخطير في ضوء أجوبتهم على أساس الميل إلى التيسير على الناس عند اختلاف آراء العلماء لا إلى التعسير عليهم.

ولابد لى ختامًا من القول بأنه إذا كانت شركات التأمين تفرض في عقودها مع المستأمنين أمورًا لا يقرها الشرع، أو تفرض أسعارًا للأقساط في أنوع الأخطار غالية بغية الربح الفاحش فهذا يجب أن تتدخل فيه السلطات المسئولة لفرض رقابة وتسعير لمنع الاستغلال، كما توجب المذاهب الفقهية، وجوب التسعير والضرب على أيدى المحتكرين لحاجات الناس الضرورية وليس علاجه تحريم التأمين. لذلك أرجو تسجيل مخالفتى هذه مع مزيد الاحترام لآرائكم.

دكتور مصطفى الزرقاء

ص: 483

العَرض وَالمناقشَة

12/4/1406 = 24/12/1985

الساعة: 17.45 – 20.15

13/4/1406 – 25/12/1985

الساعة: 9.30 – 13.20

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،

فى هذه الجلسة المسائية المباركة على جدول أعمالنا بحث "مسألة التأمين وإعادة التأمين" وقد تسلمتم مسبقا البحوث التى أعدت في هذا الموضوع وهى في ثلاثة أطر:

الإطار الأول: بحوث معدة من المشايخ الزحيلى، التميمى، والشيخ عبد اللطيف صالح،

والثانى بحث معد من الشيخ مصطفى الزرقاء.

والإطار الثالث: في بحث البديل للتأمين، وفيه بحث تبعى وهو بحث الأستاذ محمد عبد اللطيف الفرفور، وبحث مستقل للشيخ عبد اللطيف جناحى المدير العام لبنك البحرين الإسلامى. ونبتدئ بالرغبة من الشيخ مصطفى ليتفضل بإعطاء ملخص عما حرره في التأمين، ونظرا لكثرة البحوث والمشايخ المطلوبة كلماتهم ورغبة في أن يستوعب الوقت هذه القضية، فأرجو أن يكون الزمن المحدد لكل واحد من أصحاب الفضيلة لا يتجاوز ما قرر سابقا، عشرين دقيقة.

ص: 484

الشيخ مصطفى الزرقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم.. سيادة الرئيس، إخوانى الأستاذة الكرام. إننى لم أقدم بحثا في ورقة في هذه الدورة وإنما أجبت فضيلة الأستاذ الأمين العام بأن رأيى مدون في كتاب جديد ظهر لى في العام الماضى وفيه خلاصة كتابى السابق القديم والذى بينت فيه أن رأيى في التأمين بجميع أنواعه الثلاثة وهى، التأمين على الأشياء، والتأمين من المسؤولية والذى يسمى خطأ تأمينا على الحياة، هذه التسمية الموهمة لغير موضوعه. ولى أدلة مبسوطة في السابق معروفة وقد ظهر في كتابى الجديد الذى تناول السابق وأضاف له أمورا كثيرة في البحث الجديد وعالج جميع الشبهات والآراء التى أثيرت في موضوع التأمين خلال ربع القرن الماضى. وإن كل شيء حرصت على أن ينضج بحثا ولا يترك منه أي شيء لم يعالج، الشيء الذى وفقنى الله إليه وارتضيته، وكان بحثى الجديد مؤكدا فيما تراءى لى، خلاصة رأيى السابق المعروف فيه لم يتغير. وبما أن كل ما يمكن أن أقوله موجود في هذا الكتاب الجديد فلا حاجة لأن أكتب أوراقا جديدة وإنما قدمت نسخة لفضيلة الأمين العام رجوت أن يصورها ويوزعها على أعضاء المجمع عند الاجتماع وتكون هى بحثى، ولكنى لخصت مضمون الكتاب في أقسامه وما تضمنه والإحالة في كل نقطة من النقاط التى يثار حولها النقاش، مكان وجودها في الكتاب وقلت أيضا إنه تضمن فهرسا هجائيا مرتبا على الحروف لكل نقطة ولكل موضوع محالا بها على موطنها من الكتاب. هذه خلاصة ما قدمته لفضيلة الأمين العام.

الأمين العام:

بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بودى أن سماحة الشيخ مصطفى الزرقاء يتكرم بإعطائنا خلاصة لرأيه مع التعليل. أما قصة الكتاب وما يتصل به فهو يعلم بأننا اتصلنا به واتصلنا بدار النشر حتى يبعثوا الينا بنسخ نوزعها على الأعضاء ومع ذلك لم تصلنا حتى الآن. فمثل هذه القصة لا أريد أن أتحدث عنها لكن المهم نحن الآن، ولو حتى الذين كتبوا ولهم دراسات مطبوعة موجودة بين أيدينا، يحتاج المجمع للاستماع اليهم. فنحن نرجو من سماحة الشيخ أن يقدم لنا رأيه من جديد ملخصا مع الاستدلال أن شاء وذلك في الوقت المحدد.

وشكرا لكم.

ص: 485

الشيخ مصطفى الزرقاء:

سيدى أنا أقول إنكم طلبتم إرسال نسخ من الكتاب وأنا اتصلت بدار النشر قالوا إنهم أرسلوا مائة نسخة.

الأمين العام:

ولكن لم تصل حتى الآن ولسنا ملومين في هذا، ولكن كلمة منكم لبيان الرأى لأن كل عضو من الأعضاء يريد أن يستفيد من وجهة نظركم، فنحن في حاجة للاستنارة بهذا الرأى.

الشيخ مصطفى الزرقاء:

حسب رأى أستاذنا الأمين العام الكريم، فأنا أبين ولكن في عشرة دقائق هل يمكن عرض الأدلة في كل الموضوع، أنا استوفيت في الكتاب الأدلة بالتفصيل وناقشت وعرضت رأى الآخرين. فأنا إذا أردتم أن ألخص لكم رأيى وهو معروف فيما أعتقد ولا يوجد من يجهله.

رأيى أن نظام التأمين في ذاته هو نظام تعاونى في أساسه وأنه لا يوجد في الشرعية ما يوجب منعه بل بالعكس أنا أعتقد أن مبادئ الشريعة وقواعدها تتقبله بل تستحسنه، ذلك لأن فيه تفتيتا للمصائب التى قد تقع على رأس المؤمن لولا التأمين أو المستأمن لولا التأمين فتحطمه، ولكن طريقة التأمين تؤدى إلى تفتيت المصيبة وتوزيعها بدلا ما تحطم رأس صاحبها، توزيعها على أكبر عدد من الرؤوس وهم عدد المستأمنين الآخرين الذين دفعوا أقساط التأمين، فعندئذ ترمم مصيبته أو يعوض عنها من هذه الأقساط، وبذلك تكون مصيبته وزعت، بقيت ذرات على مجموعة كبيرة من الرؤوس لا تثقل أحدا. هذا نظام التأمين يقوم على هذا الأساس وهو لا يقبل نظام التأمين الا في الحوادث غير المصطنعة وغير العمد، في أنواعه الثلاثة: التأمين على الأشياء، كالتأمين على السيارة ذاتها، والتأمين من المسؤولية وهو ما يلحق من الشخص من ضرر لغيره غير متعمد، الضرر الخطأ، والثالث التأمين على الحياة. وأن التأمين على الحياة تسميته خاطئة نتيجة ترجمة حرفية من اللغة الأجنبية، فإنها توهم كثيرين وقد وقع هذا فعلا. ونوقشت فيه، توهم كثيرين أن شركة التأمين لما تؤمن على الحياة إنما تتكفل للإنسان بأن يعيش المدة المحددة في العقد، وهذا وهم وخطأ وإن كان قد وقع فعلا سببه التسمية الموهمة في عقد التأمين. ثم بينت الأدلة الشرعية التى لا يتسع المقام لبسطها وشبهت التأمين بأنه ليس افتياتا على قدر الله وليس ربا وليس قمارا وليس رهانا وليس كما يثار حوله، وكل واحد من هذه الشبهات فندتها وحللت أمرها وبينت الفرق العظيم بينها وبين التأمين.

ص: 486

وبينت أن شأن التأمين أشبه ما يكون. "قضيب الصاعقة" السافود الحديدى الذي ينصب دقيق الرأس في أعلى البنايات الثمينة حتى إذا الصاعقة قذف بها السحاب بدلا من أن تنزل على البناية فتحرقها، وقضيب الصاعقة لا يمنع السحب أن تقذف بشرارتها الكهربائية الصاعقة وإنما إذا قذفت هذه الشرارة فإن القضيب يسحبها ويجذبها وتأخذها إلى مدفنها في باطن الأرض بدلا من أن تنزل فتضر تلك الأضرار المعرفة.. هذا شأن التأمين، فهو في ذاته نظام صالح. وأما ما يشاع من أنه عقد جديد لا يجوز إحداثه أو أنه ربا أو أنه قمار كله مبين ومردود عليه ومبين له الأمثلة المماثلة من فقه الشريعة المسلم به، وكذلك في الدراسة الجديدة التى تضمنها الكتاب الجديد بين فيه من زاوية جديدة أخرى تناولتها من النواحى الاقتصادية وآثارها العامة وبينت أن التأمين أصبح يعتبر من عصب الأعمال بدونه تكون المصائب كبيرة، فهو نظام توق واجتناب ولا يوجد في الشريعة ما يمنع الإنسان من التوقى. ثم عالجت الشبهات التى تكررت أو اجترت أو استجدت لدى كثيرين خلال ربع القرن الأخير وكلها أيضا عولجت معالجة جديدة وبينت أن هذه الشبهات شبهات داحضة ولي لها ثبات وبينت الردود عليها. وكذلك تعرضت لرأى المجمع الفقهى الكريم في مكة المكرمة وقراره بالتمييز بين تأمين تجاري وهو ما تمارسه الشركات وبين تأمين تعاونى أنه يجوز وأما ذاك فممنوع، وبينت ذلك، وبينت مخالفتى إذ ذاك لقرار المجمع التى سجلت وطبعت معه فنشرتها أيضا في هذا الكتاب الجديد وبينت أن التمييز بين تأمين تجاري هو ما تمارسه الشركات وتأمين تعاونى لا ربح فيه، هذا كله تمييز غير صحيح، وأن معنى التعاون موجود في كلا النوعين ما يسمونه تعاونيا وما يسمونه تجاريا، ولكن الفرق الوحيد بينهما أن التأمين لما بدأ في أصل ما بدا قبل أربعة قرون إنما بدأ بالشكل الذى سمى تبادليا أو تعاونيا وذلك لأن أهل سوق معينة تجمعهم اخطار مشتركة في بضائعهم وتجارتهم كالحريق مثلا أو الغرق فيضعون صندوقا يمول بما يدفعه كل منهم ويحفظ حتى إذا طرأ على أحدهم مصيبة فانها تعوض من هذا الصندوق.

ص: 487

فلما ظهر نفع هذا الترتيب التعاونى، الناس أقبلت عليه ثم شمل أخطارا متنوعة كثيرة لما ظهر من فائدته والمصلحة فيه. فلما كثرت الأعداد الكبيرة الراغبة في التأمين أصبح لا يمكن أن يديره أشخاص مع أعمالهم كأهل سوق معينة، بل لابد له من إدارة متفرغة تنصرف إليه كما ينصرف التاجر إلى تجارته فيسهر عليها صباح مساء ويتابعها ويريح منها ويعيش. فلابد من جهاز إداري أصبح ينظم عمليات التأمين الواسعة التى أصبحت تتناول الآلاف المؤلفة وأحيانا الملايين من الناس وفى مختلف الأنواع من الأخطار. هذا إذا حصل ووجدت هيئة متفرغة فلابد لها أن تعيش من هذا العمل كما يعيش التاجر من تجارته وكيف تعيش؟ عندئذ ظهر ما يسمى الحساب قوانين الأعداد الكبيرة التى تبنى على الإحصاء، الإحصاء الذى هو إحصاء الأعداد الكبيرة وهو معروف في عالم الرياضيات وهذا القانون، قانون الأعداد الكبيرة يعطى نتائج ثابتة تقريبا إلا الكوارث الطارئة كالزلازل والفيضانات.. الخ، وإنما يعطى نسبة ثابتة في الأخطار في كل أنواع الأخطار، لأنه كلما كثر العدد الكبير من الداخلين تحت الخطر عنئذ تنضبط نسبة الخطر فيهن وهذا شى، قانون رياضى، يعنى ليس عائدا إلى التقويم والتقدير، وبناء عليه يستخدمون قانون الاعداد الكبيرة ليضبطوا ويحصوا الأخطار في كل نوع، وبناء على ذلك يحسبون تكاليف ما سيلحقهم من تعويضات ويضعون أقساطا تتناسب مع هذه التكاليف، وزيادة، هذه الزيادة هى ما يربحونه كما يربح كل تاجر من تجارته ربحا مشروعا. بينت أن الشريعة الإسلامية لا تمانع في أن يكون لكل من يتفرغ لعمل نافع أن يعيش منه وأن يربح منه، هذا شيء طبيعي ولذلك شركات التأمين لا تبدل طبيعة التأمين من تعاونى إلى تجاري، التأمين يبقى تعاونيا في جميع الأحوال ولكن الفرق بين ما يسمونه تجاريا أن الهيئة المتفرغة والتى تربح من فرق الأقساط بين ما تأخذ وبين ما تدفع من تعويضات، هذا الربح يريدون أن يسموه التأمين به تأمينا تجاريا، وهو تعاونى، نفس الشيء، وضربت أمثلة بالضمان الاجتماعى والتأمينات التى تحصل للموظفين والحكومة، ومنها تأمينات على الحياة وكلها مقبولة لدى المعارضين أنفسهم، فما الفرق بينهما؟ وانتهيت إلى أن هذا التأمين لا يوجد في الشرع ما يمنعه وعالجت بشكل خاص شبهة الغرر وهى من أهم وأقوى الشبهات لدى الذين يعارضون وبينت أن هذا الغرر نقلت آراء الفقهاء من مختلف المذاهب فيه وبينت كيف أن الغرر يغتفر بأقوال فحول علمائنا الأقدمين يغتفر حتى الفاحش منه إذا كان فيه مصلحة تقتضيها الحاجة، ونقلت كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في هذا الموضوع وفيه كلام شبه حاسم، كل هذا بينته بما يدحض فكرة الغرر وأنها هذه تجعله عملا محرما، وبينت كيف أن كبار الفقهاء اغتفروا الغرر الفاحش وعللوه بأنه للمصلحة والحاجة، والأمثلة كثيرة في الكتاب. وهذا خلاصة ما أراه ولا أزال على هذا الرأى، ولإخواننا الكرام أن يناقشوه، ومتى جاء الكتاب الذى أمر فضيلة الأستاذ الأمين العام، متى وصل مع أن دار النشر تقول إنها شحنته منذ شهر تقريبا وعندها الإيصال وكيف لم يصل؟ لا أدرى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 488

الأمين العام:

سيدى جزاكم الله كل خير ونحن قد اتصلنا بالبريد وأخذنا معنا الورقة التى فيها رقم إرسال هذه المجموعة من الكتب، ومع ذلك قالوا حتى الآن لم يصلنا، فالقضية هى قضية البريد، أرجو إذا وصل أن يوزع على كل الأعضاء هذا الذى نقدر عليه.

الشيخ مصطفى الزرقاء:

على كل، في ختام بيان رأيى بهذا الشكل الموجز الذى لا يتسع المقام لأكثر منه أقترح أن موضوع التأمين هذا، موضوع بالشكل والإطار الذى شرحته وأهميته وكثرة اختلاف الآراء فيه، أنه لا يجوز أن يبت فيه في هذه الدورة، بل أقترح تأجيله حتى يأتى كتابى وأقول وأصرح غير متباه ولا مدع، ولكن هذا أعده من فضل الله. أقول أن كل بحث يبنى عليه قرار في هذا الموضوع قبل الاطلاع على كتابى الجديد سيكون ناقصا مبتورا، ولذلك اقترح أن يؤجل النظر فيه وبحثه والقرار فيه إلى دورة قادمة لأنه لم يعد في الإمكان احتمال مجيء الكتاب وأن يوزع وأن يقرأ في هذين اليومين الباقيين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرئيس:

شكرا لفضيلة الشيخ، والآن انتهينا من بيان فضيلته للرأى الذى ليس لدينا أي بحث إلا من قبل فضيلتة، أما المجموعة الثانية، والتى تمثلها البحوث الموجودة لدينا من الشيخ الزحيلى والشيخ التميمى والشيخ عبد اللطيف وعدد من المشايخ فإن شاء الله تعالى نستأنف ذلك بعد صلاة المغرب مباشرة، وبالله التوفيق.

ص: 489

بعد الصلاة

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم نستأنف الجلسة وأرجو من فضيلة الشيخ وهبة الزحيلى أن يتفضل مختصرا للبحث الموجود بين أيدينا وشكرا.

الشيخ وهبة الزحيلى:

بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلى وأسلم على نبى الرحمة وإمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد،

فبعد أن تحدث فضيلة أستاذنا الجليل علامة العصر الأستاذ مصطفى الزرقاء عن هذا الموضوع، يكاد يقف الإنسان مترددا، هيوبا أمام علمه وقدره وجلالته كما نعهده في كل مجلس وفى كل منبر وفى كل مكان. ولكن عذرى وعذر غيرى أن كثير من أئمة الفقهاء خالفوا مشايخهم أحيانا، فربما يكون هذا مجرئا لى أن أتكلم في هذا الموضوع وقد يكون لى رأى مخالف لرأيه لأنه بالرغم من تقديرى الكبير لما فتحه من آفاق علمية دقيقة في موضوع التأمين منذ عام 56 في جامعة دمشق وإلى الآن لا أكاد بالرغم من قراءتى المتكررة لكتابه القديم والحديث لم أر تغيرا في هذا الرأى، تغيرا يذكر ولكن لم أجد طمأنة نفسية للأخذ بكل ما قاله فضيلة أستاذنا، ولذلك عندما صممت على الكتابة في هذا الموضوع وجدت نفسى بينى وبين الله جل جلاله واستخرت الله على أن يهدينى إلى الحق والصواب، لذلك كتبت هذا الموضوع ولا أقول كما أشار فضيلته أن كلامى وكلام غيرى اجترار لما مضى فأنزه الفقه والفقهاء من هذا المعنى، ولعله لا يقصدها بالمعنى الواسع الذى فهمناه.

ص: 490

فالاجترار يحدث شيئًا في النفس ولكن يمكن أن تكون هذه مرادفة بالمعنى الضيق لمعنى التكرار. فحقيقة كما أن كتابه الجديد تكرار لما مضى، الكتابات الحديثة التى تعارض رأيه لا مانع من أن تكون تكرارا، لأن رأيه في الحقيقة إذا أخذنا به يكاد ينسف كل ما نعرفه من قواعد الفقه الإسلامى في باب المعاملات كما نعهدها بالمفهوم الذى عرفناه عن العقود وعن قواعدها وعن شروط الفقهاء فيها، المتمثلة في النهى عن الجهالة والغرر والقمار والمخاطرة. فإذا نظرنا إلى هذا العقد بالمعنى الضيق الفردى وليس بالمعنى الجماعى الذى يعتمد على الإحصاءات الدقيقة كما يقول القانونيون إنه أي التأمين لا ينافى الأخلاق لاعتماده على إحصاءات دقيقة لا تكاد تخطئ، هذا في الحقيقة إحصاء نظرة إلى المعنى العام بالنسبة لشركات التأمين، لا بالنسبة إلى المستأمن نفسه، فشركات التأمين هى في الحقيقة دائمًا تستهدف من وراء هذه الإحصاءات أن تحقق ربحًا أكبر من هذه العملية، وأن تفيد نفسها ولا تفيد المستأمن، فالمستأمن إذا طبقنا الفقه الإسلامى هو في الحقيقة عندما يعتمد عقد التأمين مع شركات التأمين التجارية ذات القسط الثابت هو في الحقيقة أولًا عقد معاوضة وهو عقد غرر بدليل أن القانونيين يدرجون هذا العقد ضمن عقود الغرر، والغرر هو الاحتمال المتردد بين أمرين الوجود والعدم، وهو أيضا فيه قمار وهو أيضا بالرغم من رأيه الجليل وأنا أعرف ذلك من سنة 56 من فضيلته، بالرغم من كل هذا فهو يقول بغض النظر عما تتعاطى به شركات التأمين من ربا، الحقيقة شركات التأمين التجارية كلها تقوم على الاسترباح والاستغلال والاتجار وما هى وكل البنوك إلا تنفيذ للمخططات الصهيونية لأن بيوت رؤوس المال في العام هى وراء شركات التأمين، كما أن أيضا الأهداف التى تقصدها من وراء إساءة ما بحثناه من أحوال بنوك الحليب وأنابيب الأطفال كل ذلك وراءه الصهيونية العالمية لتدمير القيم الإسلامية والأحكام الشرعية. فمن المعروف حتى بنص القرآن الكريم أن اليهود والصهاينة موغلون منذ القديم بأكلهم الربا وأكلهم السحت وقد نهوا عنه ويمثلون ذلك بذكائهم ومخططاتهم واعتمدوا على علوم دقيقة ونشروا هذه المؤسسات في البلاد الإسلامية.

ص: 491

فينبغى أن نعرف جميعا أن كل أغلب ما يدور حول هذه القضايا الجديدة وراءه الدماغ الصهيونى. لذلك هذا العقد الذى هو عقد التأمين ذو القسط الثابت الذى تمثله شركات التأمين التجارية لا يمكن أن نعفيه من المفاسد التى نعرفها عند فقهائنا الأجلاء والعظام والذين ندرس كتبهم وندرس قواعدهم، فإذا طبقنا هذا العقد على هذه القواعد المعروفة لا يطمئن المسلم إلى أن يجد في التأمين إباحة بالشكل المطلق الذى عليه شركات التأمين في الوقت الحاضر.

هناك تأمين تعاونى، هناك التأمينات الاجتماعية وهناك التأمين الإجباري هذه الأصناف الثلاثة لاشك في جوازها وقد أكد ذلك الجواز مؤتمر علماء المسلمين الثانى في القاهرة سنة 85/65 ومؤتمر علماء المسملين سنة 92/72 ثم جاء مجمع الفقه الإسلامى في مكة المكرمة وأكد هذا القرار وقرأت بالتفصيل مستندات هذا القرار في قرار مجمع الفقه في مكة المكرمة، وتحفظات أستاذنا فضيلة الأخ مصطفى الزرقاء، ولكن مازلت أقول: لم أطمئن إلا إلى الرأى الذي يقول بالتحريم نظرا لأن هذا العقد يشتمل أولًا وهو عقد معاوضة بالمعنى الضيق، هو عقد يراد به من شركات التأمين الاسترباح والاستغلال والاتجار، هو عقد فيه ربا لأن المستأمن يدفع بعض الأقساط وهو يقصد أحيانا أن يحصل على فائض من التعويضات الكبرى عند حدوث الحادث، وهو أيضا عقد يشتمل على غرر كثير وليس على غرر يسير، لأن الغرر اليسير مغتفر. وأما الغرر الكثير فهو واضح في هذا العقد إذ لا يدرى كل من المستأمن والمؤمن مقدار التعويض الذى يدفعه وأيضا المستأمن في هذا يدفع قسطا واحدا ويقع الحادث وقد يدفع كل الأقساط ومع ذلك يسلم من الحوادث وتضيع عليه كل الأقساط التى دفعها. وكذلك في هذا العقد جهالة إذا قيس هذا الموضوع على قضية ضمان الطريق وعقد موالاة.

ص: 492

الحقيقة أن من هنا نبدأ، عقد التأمين التجاري هو عقد معاوضة وأما التأمين التعاونى وقياس التأمين التجارى على ما هو معروف من أن جمهور الفقهاء يجيزون ضمان المجهول غير الشافعية وأن ضمان الطريق مقرر أيضا وعقد الموالاة، الحقيقة كل هذه الأمور الهدف والباعث والشكل قائم على أساس من التبرع، ولذلك أجيز عقد التأمين لأنه تبرع وأما عقد التأمين ذو القسط الثابت التأمين التجاري فهو عقد معاوضة، بالمعنى الدقيق الكامل لذلك يصعب القول بجوازه. أما ما يقال بأنه لا غرر فيه ولا احتمال بالنسبة للمستأمن وهو ما يريده فضيلة أستاذنا، فالحقيقة هذا كلام محل نظر لأن محل العقد في التأمين هو الأمان كما يقولون دون توقف على الخطر، هذا الكلام غير سديد لأن الأمان هو الباعث على عقد التأمين وليس هو محل العقد. وإنما محل العقد هو ما يدفعه كل من العاقدين، المؤمن والمستأمن، وعنصر الخطر جاثم وقائم ولذلك لا يمكننا أن نتهاون في هذا الموضوع. لهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيوع الغرر ويقاس عليها كل العقود الأخرى وكما قال الإمام النووى: "الغرر النهى عن الغرر أصل من أصول الإسلام، أما النواحى الإنسانية التى يسترحم بها شركات التأمين الناس ويحاولون الدعاية، وإننا جماعة أنصار الإنسان وأنصار الرحمة وأنصار الضعف وأنصار هذا الشخص إذا تعرض لحادث أو حريق أو موت أو ما شاكل ذلك وهددت الأسرة بالمجاعة، أولًا الدولة هى المسئولة عن كفالة هؤلاء المحتاجين هذا شيء معروف في الإسلام،

ص: 493

الشيء الثانى هذه الحاجة للتأمين، نحن مع فضيلته في أنه إذا تعينت الحاجة وليس كل حاجة تجيز الخروج على قواعد الشرع وإنما الحاجة العامة أو الخاصة التى تكون متعينة. وحيث أن هذه الحاجة لم تعد متعينة بقيام ونجاح. ونحن أظن فضيلته يريد أن يدعم أولًا البنوك الإسلامية التى لا تقوم على الربا. وأظن أنه يفضلها مائة بالمائة على البنوك الربوية، وكذلك شركات التأمين الإسلامية التى نجحت نجاحا باهرا ونافست حتى أننى زرت إحدى هذه المؤسسات في السودان فقال لى بالحرف الواحد، ومدير الشركة كان باكستانيا قال لى أصيبت شركات التأمين الأخرى بالذعر لنجاح شركات التأمين الإسلامية. فحيث وجد البديل ونجح ولله الحمد فلماذا نصر على تأمين مشبوه ومنغمس إلى الأذقان في الربا وأموالنا ودخلنا وثروتنا تعود كلها في النهاية إلى مؤسسات وبيوت المال الصهيونية. لذلك حيث نجح هذا النظام، نظام التأمين التعاونى لماذا لا ندعمه ونقول إنه هو الحل الأفضل المتعين؟ وليس نظريا أو بدائيا. القانونييون درسوا هذا العقد. عند علماء القانون يصفون التأمين التعاونى بأنه عملية بدائية، هذه العملية البدائية نحن نرحب بها وقد نجحت في العصر الحديث نجاحا منقطع النظير، وأكرر أن مدير هذه الشركة في السودان قال لى أصيبت شركات التأمين الأخرى بالذعر حينما نجحت شركات التأمين الإسلامية.

ص: 494

فلذلك نظرا لكل هذه العيوب التى اشتمل عليها عقد التأمين من ربا وغرر ومخاطر وقمار وشبهات كثيرة وقصد استرباح، ثم اتصال هذه المؤسسات ببيوت أخرى هى في الحقيقة تعارض ما عليه عقيدتنا وما عليه ديننا وما عليه مبادئنا، فلذلك أؤكد بضرورة القول والإصرار على تحريم شركات التأمين ذات القسط الثابت والتأكيد على ضرورة إقامة هذه الشركات على أسس إسلامية وهى التبرع {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} فهو تعاون محض، والتعاون هو الذى يحبذه ويفضله الإسلام، فهو تعاون محض وليس فيه قصد الاسترباح ولا الاتجار، وهو عمل إنسانى وملطف ويشعر كل إنسان أنه فعلا يقصد بعمله هذا وجه الله يريد ثواب الدار الآخرة عندما يشارك في عمليات التأمين التعاونى، أما ذلك فهو لا يهدف إلا إلى ربح مادى، والعملية مادية إذا كنا نعيش في تيار الاتجاهات المادية في العالم الحاضر، فالحقيقة هو أن مادة العصر أحرقتنا، فهلا عدنا إلى نظام شرعنا القائم على أسس من التكافل والتضامن التى تقوم على الرحمة والتعاون وإشعار الإنسان بسمو ارتباطه إلى الجماعة الإسلامية وإلى أخوة الإسلام.

ص: 495

بقى شيء واحد وهى قضية إعادة التأمين. شركات التأمين التعاونية اصطدمت في الوقت الحاضر بأنها مضطرة إلى إعادة التأمين سوكرة وإعادة السوكرة.. يعنى مع شركات كبرى في العالم تدعمها لأنه ربما حدثت أضرار كثيرة، حدثت مثلا زلازل، أشياء من توقعات وتقديرات هذه الشركة في بلد من البلدان كما حدث من زلازل وبراكين وانفجارات ومجاعات، ففى هذه الحالة تريد هذه الشركة أن تضمن وجودها وبقاءها ولذلك تؤمن مع شركات تأمين أخرى كبرى عالمية. لابد أن أؤيد ما جنحت إليه لجنة الرقابة الشرعية في السودان وأخونا الدكتور الصديق الضرير هو من عمد هذه اللجنة، أؤيد ما قررته اللجنة بأنه من الضرورى أن ننشيء شركات تعاونية إسلامية كبرى تدعم وتحتضن هذه الشركات الصغيرة في البلاد الإسلامية، وإلى أن توجد مثل هذه الشركات وكانت بحاجة متعينة برأينا نحن دائما في قراراتنا الشرعية نعتمد على رأى أهل الخبرة، فإذا قالوا أن الحاجة متعينة، وقد قرروا أن الحاجة متعينة إلى إعادة التأمين، فالحاجة تقدر بقدرها كما أن الضرورة تقدر بقدرها، فلا مانع من إعادة التأمين مع شركات التأمين الكبرى ريثما يتم وجود شركات تأمين تعاونية إسلامية كبرى تحتضن هذه الشركات في البلاد الإسلامية بشروط مذكورة هنا في البحث. ولذلك لا مانع من الأخذ بهذه الفتوى وربما أكون مخطئا فيما تصورت ويكون الصواب في جانب فضيلة أستاذنا الجليل ولكن هذا ما اجتهدت فيه وما اطمأنت إليه نفسى. والله الموفق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 496

الشيخ رجب التميمى:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الأخوة.. عقود التأمين لا يوجد لها أي أحكام خاصة في الشريعة الإسلامية. ولم يبحثه الفقهاء المتقدمون، ذلك لأن نظام التأمين نظام حديث جلب من الغرب مع ما جلب إلينا ونقل إلينا من أنظمة الغرب المادية.. أول من كتب عن نظام التأمين من الفقهاء المسلمين ابن عابدين رحمه الله سبحانه وتعالى، فقد ذكر ابن عابدين في كتاب الجهاد أحكام التجار الأجانب الذين يدخلون دار الإسلام مستأمنين، فذكر ما يلى قال "جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبا من حربى يدفعون له أجرة المركب ثم يدفعون له أيضا مالا معلوما لرجل منهم يقيم في بلادهم حتى إذا حصل أي شيء للمال، للمركب من حرق أو غيره يدفع لهم تعويضًا" ويسمى ذلك الرجل سوكرة، الذى يعرف في هذا الزمن بشركات التأمين، يقول ابن عابدين: أن هذا المال الذى يدفعه هذا الحربى لمن استأجر المركب ودفع له مالا معلوما، هذا العقد هو عقد فاسد، ذلك لأنه التزام ما لا يلزم والتزام ما لا يلزم هو عقد فاسد ولا يجوز للمسلم أن يأخذ بدل الهالك أن غرقت البضاعة أو حرقت بدلا عن ذلك لأنه أخذه بعقد لا يلزم الأخذ، والأخذ هنا حرام شرعا، كما ذكره ابن عابدين أول من تكلم عن موضوع التأمين. وابن عابدين يقول لا يحل للتاجر أن يأخذ بدل هالك لأن صاحب السوكرة لن يتعدى ولن يتلف هذه البضائع وأنه دفعه التزام ما لا يلزم كما ذكرنا. واعتبر ابن عابدين مسألة التأمين كالوديعة والمستعيض والمستأجر. الوديعة لا تضمن إذا هلكت قضاء وقدرا وكذلك المستعار لا يضمن إذا هلك قضاء وقدرا، وكذلك المأجور لا يضمن إذا هلك قضاء وقدرا.

ص: 497

وإنما يضن بالتعدى. وهنا بدل التأمين حرام لأنه كالوديعة وكالمستعاض. فابن عابدين تحدث عن التأمين البحرى وهو الذى كان معروفا في ذلك الوقت. وقد ذكر الشيخ بخيث المطيعى مفتى الديار المصرية الأسبق المتوفى سنة 1935 عن موضوع التأمين فقال "أن من المقرر شرعا أن الأموال لا تضمن إلا بثلاثة أشياء: بالكفالة أو التعدى أو الإتلاف"، وعقد التأمين ليس من تلك العقود التى قرر الشارع الضمان فيها. وقال أيضا "إن الضمان الذى قررته الشريعة الإسلامية له أسباب وليس من أسبابه هذا العقد الذى هو عقد فاسد، ذلك لأنه معلق على حظ تارة يقع وتارة لا يقع، فهو قمار، لأنه لا يحل للمسلم أن يأخذ بدل المال الهالك بسبب هذا التأمين الذى هو يكون مبنيا على احتمال أن يقع أو لا يقع فهو مبنى على الحظ أي مبنى على القمار". ولذلك الشيخ بخيت رحمه الله، أيضا والفقهاء المسلمون الذين تكلموا في هذا الموضوع في العصور الماضية حرموا موضوع التأمين. طبعا التأمين التجاري الموجود الآن هو ما ذكره ابن عابدين لأنه مثل التأمين البحرى الذى كان معروفا في عصره من الجماعة الذين كانوا يقومون بعمل شركات التأمين الذين يسمونهم السوكرة الذين هم للآن. أيضا التأمين على الحياة هو أيضا عقد فاسد كالتأمين التجاري لأن التأمين على الحياة هو عقد مجهول فيه احتمالات وفيه مخاطرة وفيه قمار وفيه ربا، لأن الإنسان إذا أمن نفسه على الحياة مقابل أقساط قد يموت بعد القسط الأول ويكون المبلغ المؤمن عظيما، فإذا مات بعد القسط الأول استحق أن يأخذ بدل التأمين وهو مبلغ عظيم، كبير، قد يكون مبلغا كبيرا اتفق عليه وهذا مقدر بين العاقدين هذا المؤمن لماذا يأخذ هذا المبلغ؟ بأى حق حتى يأخذ بعد القسط الأول هذا المبلغ العظيم؟ أليس هذا مقامرة؟ أو ماذا يسمى أن لم نسمه مقامرة؟ فماذا نسميه؟ ثم إذا دفع جميع الأقساط ولم يمت يأخذ ما دفعه مضافا إليه الفوائد الربوية. فهو إما قمار وإما ربا، وهو من العقود الاحتمالية المجهولة، متى يقع؟ وبأى تاريخ يقع؟ وبأى أمر يمكن أن يكون معروفا؟ فهو من العقود الاحتمالية المجهولة حرمها الإسلام. وكتب القواعد الفقهية الكلية تخالف ما عليه التأمين، لأن كلا من المتعاقدين لا يدرى أحدهما وقت إبرام عقد التأمين مدى ما يأخذ أو ما يدفع ولا يعرف إلا في المستقبل نتيجة هذا العقد لأمر غير محقق الحصول ولا معروف وقت حصوله.

ص: 498

إذن عقد فاسد لأنه لم بين على القواعد الفقهية الصحيحة المستنبطة من كتاب الله وسنة ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أيضا عقد فيه غرر، وغرر فاحش والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، فكيف نجيز الغرر الفاحش. الغرر اليسير أجازه بعض الفقهاء، لكن الغرر الفاحش لم يجيزوه وجعلوه سببا في فساد العقود. هذا الأصل في عقود التأمين، عقود ليست مبنية على أسس من الشرع، قمار، مخاطرة، ربا، ابدا تؤدى إلى المقامرة، يدفع الإنسان شيئا ويأخذ أكثر، وإن دفع كل شيء ولم يحصل شيء يأخذ ربا، هذا أمر واقع لاشك فيه. بقى شيء، أن شركات التأمين، وهذا معروف لدى الجميع ولم أثبته في كلمتى، أن شركات التأمين هى شركات ربوية تتعامل بالربا وجل مالها من التعامل بالربا أو بالأعمال التى لا يقبلها الإسلام أساسا للعمل. تتعامل في كل شيء لأجل الحصول على المال والأرباح، وأساس الأموال عندها هى ما تأخذه من المؤمن له. تأخذ هذه الأموال ثم تستغلها في الربا أو في الأعمال المحرمة عند المسلمين أو في أمور لا يقبلها المسلم. ثم تدفع له عندما يحصل ما يحصل له، على أن هذا فيه مخاطرة أخرى من نوع آخر أن عقود التأمين كثيرا ما تؤدى إلى المنازعات بين شركات التأمين وبين المؤمن له لأن ما نراه في المجتمع من الحوادث التى تحصل والمنازعات التى تحصل بين شركات التأمين والمؤمن له كثيرة. ومن أراد أن يتحقق من ذلك فليرجع إلى سجلات المحاكم. واحد مؤمن على تجارته وهو مشرف على الإفلاس يفتعل حادثا ليأخذ مالا وهذا كثيرا ما حصل. واحد مؤمن على سيارته يفتعل شيئا ليأخذ بدل التأمين، على أن أيضا التأمين على الحياة هى أيضا هذا النزاع، فقد نشرت جريدة الجمهورية بالقاهرة بتاريخ 24 يناير 1960م أن أحد الأطباء أمن على حياته 47 ألف دولار تقريبا. هذا الرجل عمل حادثة شنيعة من أجل أن يحصل على التأمين إذ قطع تذكرة طائرة ليسافر وأعلن انه سيسافر بالطائرة وفي الموعد الذي سيسافر فيه اتفق مع صديق له وأقنعه أن يسافر بدله واختفى.

وسافر الصديق في الطائرة وفى الطريق طبعا تحطمت الطائرة لأنه وضع فيها ما ينسفها ليحصل على التأمين واختفى، وجهات التحقيق توصلت إلى الرجل قد ظهر بعد شهرين، الذى اختفى وسافر. وتبين أنه عمل على نسف الطائرة وفيها كذا من الناس أربعين أو خمسين ليحصل على بدل التأمين، وهذه حادثة من جملة الحوادث التى تحصل كثيرا بين شركات التأمين والمؤمن له. لذلك فإن التأمين هو عقد فاسد وفيه غرر فاحش والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، والله نسأل أن يوفقنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 499

الشيخ محمد على التسخيرى:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد النبيين وآله وصحبه الطاهرين.. بكل اختصار أود أن نحذف من بحوثنا الفهقية ما يؤثر عليها من تأثيرات عاطفية كربط قضية معينة أو مورد معين بجانب سياسى مع احترامى الشديد لكل الإخوة الذين ربطوا بين عقد التأمين مثلا وبين التخطيطات الصهيونية لتحطيم العالم، أو عقد التأمين وما نتج عنه من نزاع وتفجير طائرة وما إلى ذلك، فيمكن أن يجرى هذا أو ذاك في عقود نسلم جميعا بصحتها وإنما يجب أن نبحث بحثا علميا متجردا نرضى به الله تعالى، ومعنى إرضاء الله يعنى إرضاء الحقيقة والوصول على صخرة الواقع. الحقيقة يجب أولا أن نخرج عقد التأمين، ما هو هذا العقد؟ هل هو هبة معوضة؟ هل هو ضمان معوض أن قلنا بصحته ولم نقل بأنه ضمان ما لم يجب؟ هل هو صلح؟ هل هو عقد من العقود الجديدة التى يعترف بها العرف ويطلق عليها لفظ عقد فيحقق موضوع {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ؟ وهذا ما قال به الكثير من الفقهاء والحنفية أيضا قالوا به، موضوع اشتغال شركات التأمين بالربا وإعطائنا مما اشتغلت فيه بالربا، هذا أمر ثانوى وجانبى ونحن نستطيع أن نتعامل مع هذه الشركات ونعمل فيها قواعد اليد وما إلى ذلك، يقال أن مثلا عقد التأمين ينفى بعض موارد مصرفية الزكاة وهنا نشكره على أنه وفر للموارد الأخرى الزكاة دون أن نعارضه. يجب أن نركز إذن على هذه النقطة، إذا أردنا أن نخرج، الواقع يحتاج الأمر إلى وقت طويل وإلى بحث فقهى، هناك تخريجات تطرح لعقد التأمين، وإذا طرحت هذه التخريجات حينئذ يجب أن نبحث هذه الإشكالات الواردة، هل هى تتناول شروط ذلك التخريج؟ مثلا إذا جلعناه صلحا بين هذا الشخص وذاك، فهل يرد على الصلح إشكال غرر؟ أم أن الصلح المفروض به التغاضى عن الغرر؟ فالتخريجات المذكورة هنا أذكرها بشكل سريع جدا. هناك تخريج كما قلت على أنه عقد مستقل عقلانى مشمول لقوله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ويلزم الوفاء به فالآية القرآنية تشمل كل عقد عرفى ما لم يتناف مع الحدود التى منع الشرع من الاقتراب منها. فكل شرط ليس في كتاب الله باطل. الناس غير محصورين هم أيضا في العقود المعروفة.

ص: 500

الأسلوب الثانى أن نخرجه على أساس أنه هبة معوضة ولا يرد على هذا التخريج تخريج إشكال، إلا أن المتعارف اليوم الذى هو في ذهن المتعاملين في عقد التأمين ليس هو الهبة المعوضة. هناك مسألة الصلح، مصالحة بين هذا الإنسان الذى يريد أن يؤمن على تجارته وبين شركة التأمين على هذا المعنى. هذا العقد أيضا عقد صحيح معاوضى، وآتى للإشكالات إن شاء الله.

الأسلوب الرابع، الضمان المعوض، عقد ضمان يلتزم فيه أحد الطرفين بجبران الخسارة لقاء التزام الآخر بعوض، قد يقال كما قال شيخنا الجليل المرحوم الشيخ بخيت المطيعى قال: إن المعروف من الشريعة أن الضمان له أسبابه، الكفالة، والتعدى، والإتلاف. فمن أين جئتم لنا بهذا الشكل وليس هنا كفالة ولا تعد ولا إتلاف. الواقع بنفس دليل {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} الذى قلنا إنه يشمل حتى العقود الجديدة، اليوم مثل هذا الضمان عرفى بلا ريب، لنتغاض عن شرعيته، عرفى لا ريب، هذا الضمان العرفى يعنى العقد، عقد ينتج الضمان، عرفى ويمكن أن تشمله الآية الكريمة أو المقطع الشريف {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .

النقطة الأخرى طبعا هناك اشكالات.

ص: 501

الرئيس:

ممكن يا شيخ تذكر لنا حقيقة الصلح شرعا عند الفقهاء؟

الشيخ محمد على التسخيرى:

الصلح هو عقد يجرى بين طرفين يتصالحان على شيء فيه عوض ومعوض وطبيعة هذا الصلح غررية، يعنى يدخلها الغرر، طبيعته يدخلها الغرر وأنا سوف أشير إلى الغرر يا سماحة الشيخ، طبعا هناك من لا يجيز ضمان الأجنبى هناك من لا يجيز ضمان من لا يجب، يعنى ضمان ما لا يلزم وما إلى ذلك، الشيء الآخر الذى أود أن أشير إليه هو الإشكالات، إذن هناك أساليب ويجب أن نحرر هذه الأساليب لا نترك الأمر عائما ثم نشكل.

الرئيس:

كلمة بسيطة بس عارضة.. في حقيقة الصلح، المعروف أن الصلح أنه لا ينشأ إلا في حق بين الطرفين أصلا.

الشيخ محمد على التسخيرى:

فى حق بين الطرفين، لا لا، إن هذا لا نقول به، أي صلح عندنا جائز والصلح جائز بين المسلمين، على أي حال إن هذا اختلاف مبدئى قد يكون.

ص: 502

نعود إلى الإشكالات، الإشكالات المطروحة، الإشكالات التى طرحت هنا. أول إشكال هو الغرر وأهم إشكال هو الغرر كإمامى أجد أن الغرر إنما ورد في البيع فقط، يعنى النص الوارد في الغرر وارد في البيع، ثم نحن نعمل على تعميمه إلى شتى العقود الأخرى. كما قلت كإمامى القياس عندى غير معمول به لكن لنفترض القياس ألا يمكن أن نسأل أنفسنا؟.

الرئيس:

يعنى أمران الآن متوفرة عندنا: أن القياس غير معمول به، إضافة إلى حقيقة الصلح.

الشيخ محمد على التسخيرى:

لا هذا أمر ندعه الآن.. كاختلاف في المبدأ.

الرئيس:

لا هذا أمر ندعه الآن.. كاختلاف في المبنى وكما تفضلتم في التفريع عليه أنتم تفترضون القياس في بحثكم هذا الموجود عندى على فرض التسليم بالقياس هذه قضية، القضية الاختلاف الحاصل في حقيقة الصلح.

الشيخ محمد على التسخيرى:

نعم ومعذرة سيدى الرئيس، مسألة القياس لنفترض أنه يجرى ولكن ألا لاحظنا الفوارق بين العقود الأخرى ولها شروطها وللبيع شروط. ثم توسعة دائرة الغرر هل تشمل كل العقود؟ أو لها حدود معينة؟ هذا أمر متروك للعلماء الأجلاء. مسألة الغرر، لنفترض أن الغرر شرط في كل العقود الأخرى مسألة الغرر يجب أن نلاحظ أن العقد تارة يكون مبهما إبهاما كاملا أو كما يسمى جهالة فاحشة. تارة هكذا نفترض وأخرى نفترض لا. المؤمن والمستأمن كلاهما يعرف الشروط بكاملها، الإمام القائد حفظه الله يقول هكذا ويشترط هذا المعنى. يقول "يجب تعيين المؤمن عليه من شخص أو مال أو مرض، تعيين طرفى العقد، تعيين المبلغ المدفوع، تعيين الخطر الموجب للخسارة، تعيين المبلغ الذى يدفعه المستأمن، تعيين زمان التأمين ابتداء وانتهاء" يمكن أن نضيف إلى هذه الشروط كل ما يدخل في الدقة في معرفة كل خطوات هذا العقد بشكل كامل، حينئذ هنا هذا العقد واضح المعالم. لكن تقولون قد تحدث وفاة، وقد تأتى صاعقة، في كل العقود الأخرى أيضا يوجد غرر من هذا القبيل يا سيدى، في المضاربة لا أعلم أنا كم أربح، في المزارعة، في المساقاة لا أعلم هل تصل المسألة إلى مستويات عالية أو لا ينتج هذا الزرع، لا يأتى مطر أو لا يكون كذلك، هناك نسبة من الغرر هناك إذا لوحظت الحوادث التى تحدث هناك نسبة من الغرر، وإذا لوحظ وضوح العقد، هنا العقد واضح. واضح لدى شركة التأمين. وواضح لدي أنا المستأمن، هذه نقطة، النقطة الأخرى مسألة الربا، لا أعتقد أن هذا الإشكال وارد هنا أبدا خصوصا إذا أخرجنا المسألة من شكل قرض، يعنى لا نعتبر المسألة مسألة قرض يعطى حتى يقال هنا ربا يأتي في البيع. هناك مسألة المقامرة والرهان يعتمد على الحظ والمصادفات، الرهان ليس فيه ترميم للأضرار وما إلى ذلك، وجواب الدكتور جواب واف، قيل إنه أخذ مال الغير بلا مقابل وهذا وجه غريب، قيل إنه إلزام بما لا يلزم شرعا مسألة الضمان، قلنا أن الضمان يمكن تصحيحها على أساس أنها عقد مستقل، قيل إنه صرف باطل وما أبعده عن الصرف، قيل إنه يؤدي إلى تعطيل سهم الغارمين ويجب أن نشكره على ذلك لأنه يوفر للسهام الأخرى الزكاة، وهكذا هناك إشكالات أهم إشكال هو الغرر. وأرجو أن نركز على الغرر حتى نعرف واقعا عقود غررية أم لا هذا ثانيًا طبعًا، أولا التخريج الفقهى المهم. أعتذر كثيرا وهى جسارة منى على أساتذتى.

ص: 503

فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأزواجه وصحبه أجمعين.

كم نود أن نجد مخرجا للمسلمين وسندا صالحا من كتاب الله وسنة رسوله أو من القياس، أو من أقوال الفقهاء، ليبيح هذه المعاملة. ولكننى مع الأسف لم نجد هذا السند. أن كل ما قدم في هذا الموضوع لم ينقع الغليل ولم يشف العليل. فكأنه حوار الصم كما يقولون:

تقول هذا لُعاب النحل تمدحه وإن ذممت فقل قييء الزنانير

هذا يقول هذا تعاون من باب {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وهذا يقول هذه شركات تجارية تشكل لأغراض التجارة ويدخلها المساهم ولا يدرى ما هى نتيجة العقد، وما هى النتيجة التى سيحصل عليها بعد دخوله في هذا العمل يدخلها تارة طائعا ويدخلها تارة مجبرا. لأن كثيرا من الحكومات تجبر الإنسان على أن يؤمن السيارة وإذا لم يؤمنها فإن سيارته توقف وتسحب منه الرخصة. إذن في الحقيقة.

ص: 504

والوفق في الحكم لدى الخصمين شرط جواز القيس دون مين نحن لم نتفق أساسا في الماهية فكيف نقيس على هذه الماهية، إنها مسألة في غاية الصعوبة، التحليل والتحريم مسألة كبيرة، حذر الله سبحانه وتعالى منها في أكثر من آية ويجب أن نتذكر ذلك دائما هنا ونحن نتحدث عن هذه المسائل فالكلام الذى نقوله ولما نقدمه للمسلمين من حلول. يقول الله سبحانه وتعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} فهذا تحذير شديد ويقول الله سبحانه وتعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} هذا تحذير آخر شديد. إذن أمام هذا الوضع ليس لنا إلا أن نلجأ إلى النصوص الشرعية، لاستقرائها والاستنباط منها وأن نحاول عن طريق هذه النصوص أن نفهم طبيعة القضية التى نعالجها اليوم. لأن هذه النصوص لم تذكر هذه القضية باسمها، وهذا ليس عيبا، وإنما ذكرت كثيرا من القضايا التى تشبه هذه القضية شبها شديدا، بل أن الله سبحانه وتعالى أشار إشارة واضحة إلى أن المنافع لا تكفى للتحليل في قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} ما هو الميسر؟ هى العرب كانوا ينحرون الناقة ويضعون جملة من السهام منها السهم الظافر ومنها المنبج وجملة من السهام لكل سهم اسمه، يضعون عليها الاسم، فمن ربح بالسهم الأعلى قمر، أي أخذ الناقة كلها ولا يقضى شيئا، لا يبذل مالا، ومن فاز بالوغد، أو كان من حظه الوغد وهو من آخر السهام فإنه لا يفوز بشيء ويدفع المال المترتب. العرب كانوا ينتفعون بهذا في زمن الشتاء إذا لم يجدوا من ينحر لهم. تعلمون أن العرب كانوا ينحرون في الشتاء ويتمدحون بذلك فكانوا ينتفعون بذلك، والله سبحانه وتعالى قال نعم، هذا فيه منافع ولكن الإثم أكبر من النفع فانتهوا، توقفوا عن هذه المعاملة السيئة لأنها ليست مقبولة شرعا لما فيها من الغرر، حينئذ يبقى أن نتكلم عن الغرر.

ص: 505

لقد قلت أولا إنه يجب تحديد مفهومنا للتأمين، أنا لست من المختصين في عقود التأمين، ولكنى أراه هكذا، لقد كنت في بعض البلاد الإسلامية في مسئوليات معينة ومتطلع على بعض الملفات وأيضا أعرف إلى حد ما بعض القوانين الغربية واللغات الغربية. فالتأمين تابع لأى من الوزارات؟ هل هو تابع لوزارة الشئون الاجتماعية أو وزارة الأوقاف؟ لا هو تابع لوزارة المالية ووزارة التجارة. إذن تأمين الشركة التجارية إذا كان للدولة فالدولة تجنى من ورائه أرباحا وإذا كان للأفراد فالأفراد يجنون من ورائه أرباحا. وهذه هى المهمة الكبرى وهى الباعث. هذا الذى أراه والله سبحانه وتعالى أعلم. قلت: إنه يمكن للبلاغة أن يقول الواحد هذا لعاب النحل والآخر يقول هذا قيء الزنانير، للتنفير، فالذى نعرفه أن التأمين هو من الأعمال التجارية المحضة الواضحة جدًا وأن الشخص قد يدخل فيه مجبرا، كما ذكرت في السيارات التى يجب تأمينها في البلاد التى يطبق فيها عقد التأمين ولا يمكن أن تسير بسيارة بدون أن تكون مؤمنة وإلا فإن الشرطة توقفك وتطلب منك ورقة التأمين. هل هذا الشخص مجبر أم مختار؟ إذا كان مختارا لقال أنا أريد أن أذهب بسيارتى بدون تأمين واتركونى لأتحمل أخطائى، فيقولون له: لا، لابد أن تأخذ عقد التأمين. هو مجبر إذن وليس مختارا وليس عقدا والعقد فاسد من هذه الناحية لأن الاختيار شرط لابد أن يكون الطرف الآخر راضيا بهذا العقد، فإذا لم يكن راضيا فإن هذا العقد من باب الجبر فهو مجبر عليه والمكره لا يلزمه عقد كما جاء في الحديث "وما استكرهوا عليه" وكما قال إمامنا مالك رحمه الله تعالى: طلاق المكره. وتعرفون ما وقع لمالك رحمه الله في المسألة. التأمين ليس فيه غرر هذا صحيح. التأمين عقد ليس فيه غرر بيع الغائب، يثبت بيع الغائب بالوصف، هذا عقد فيه غر، عقود المساقاة عقود فيها غرر، عقد الغرر لا يجوز مطلقا، حتى عند من يقول بأن النهى لا يبطل العقد وبعضهم قال أن النبى لا يبطله وإنما يفسده وفرق بين الفساد والبطلان. فالبطلان هو تدمير الماهية تدميرا تاما، والفساد يمكن انجباره بالخيار في البيع مثلا بثبوت حق الخيار في البيع أو بثبوت حق الخيار في النكاح أو بثبوت الصداق في نحو نكاح الشغار مثلا بالنسبة لمن يعلل الخلاف لإمامنا مالك رحمه الله تعالى الذى لم يعلل في قضية الشغار.

ص: 506

النهى إذن، ما هو النهى الذى يوجب البطلان؟ بالتتبع لمذاهب العلماء نجد أن النهى الذى يوجب البطلان هو النهى الذى ينصب على الماهية، بمعنى يفقد الماهية ركنا أساسيا من أركانها، أو النهى الذى ينصب على الصيغة بأن تكون صيغة غير شرعية، هذا هو النهى الذى يؤدى إلى البطلان. وهذا واقع في العقد الذى نتحدث عنه اليوم. النهى الذى يفقد الماهية ركنا من أركانها، معلوم أن الركن العاقد والثمن والمعقود عليه ومتعاقدين هذه هى أركان البيع. شرط البيع الذى لا تنفك عنه الماهية هو القدرة على التسليم، الصيغة أيضا هى دليل الماهية وليست من الماهية على خلاف بين العلماء، يقول صاحب القواعد:

الشرط عن ماهية قد خرج والركن لها قد ولج وصيغة دليلها والعدل لها من الأركان في بعدها إذن الصيغة إذا كان البيع معيبا من ناحية الصيغة فإنه يكون باطلا، ولنخرج من هذه العمومات المقدمة أدلة: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر في الجملة ومع ذلك نجد بيوعا فيها غرر قبلها العلماء وليست بيوع غرر. نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع المضامين والملاقيح.

ص: 507

هذا ما أسميه بيع الغرر. لأن ذات المعقود عليه لا يمكن تسليمها وبالتالى يفقد البيع شرطا كبيرا من شروطه وهو القدرة على التسليم والحكمة في البيوع وهى القدرة على التسليم. إذن هذا من بيوع الغرر التى نهى عنها النبى صلى الله عليه وسلم والتى أجمعت الأمة على أن النهى فيها دليل على البطلان، وليس دليلا على الفساد، لا يمكن انجباره فعقد التأمين الذى نتحدث عنه هو شبيه جدا ببيع المضامين والملاقيح فألا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها، قريبا جدا منها كأنه هى. إذن إذا كان البيع منصبا على ركن من الماهية كبيع الميتة فهذا البيع باطل قطعا. إذا كان البيع منصبا على صيغة كبيوع الربا فهذا البيع باطل قطعا ولا يمكن انجباره. إذا احترمت الماهية واحترمت الصيغة فإن البيع حينئذ يمكن انجباره كتلقى السلع إذا كان البيع منهيا عنه كتلقى الركبان واشتراء السلع قبل وصولها إلى السوق. وكبيع النجش الذى يزيد الغرر فإن هذا البيع منجبر بعد ذلك صحيح عند الجمهور إذا كان فيه غبن فاحش يؤدى إلى الخيار عند الإمام أحمد ورواية عن مالك مشى عليها ابن عاصم رحمه الله تعالى، أما خليل فقال: أن الغبن الفاحش لا يرد به، لا بغبن ولو خالف العادة، أما ابن عاصم فذهب إلى أن الغبن يؤدى إلى وجوب الخيار في البيع. الحقيقة أننا في وضع إذا تباحثنا فيه لا نصير في الحقيقة إلى كبير فائدة إلا أن كلا من الناس يعرب عن وجهة نظره عندما يقول هذا التأمين الذي ترونه أمامكم ليس عقدا نحن نقول له: هو ليس يصح في الأذهان شيء يحتاج النهار إلى دليل، ليس عقدا تجاريا وإنما هو تعاون كقول النبى صلى الله عليه وسلم:((إن الاشعريين يجمعون أزواجهم)) هذا يجعل التأمين من هذا النوع، هذا في الحقيقة نصبح أمام وضع صعب جدا في نقطة الانطلاق ونقطة البداية، وتصحيح البدايات شرط في تصحيح النهايات.

ص: 508

لابد من تصحيح هذه البداية التى ننطلق منها، أن نعترف بالحقيقة ماثلة أمامنا، نحن لا نعرف شيئا عن أصول التأمين وعن تاريخ التأمين، يمكن أن يكون تاريخ التأمين كان طبيبا ولكن التأمين الذى نشاهده الآن وفى البلاد التى تؤمن والتى تؤمن على الحياة وعلى السفن وعلى البضائع هو يدخل فيما ذكرته آنفا وأنه عقد غرر وليس فيه غرر. وعقد مجهول لأن الشخص لا يدرى هل يعود إليه شيء من هذه الأقساط أو لا يعود له مطلقا وهو حريص جدا على أن يجد ما فقد أو لا يعمل شيئا مطلقا ولا يصير له شيء من هذا المال الذى قدمه. فبعد ما ذكرته الآن وأحترم رأى بعض الإخوان الذى يقول إنه يجب أن نتجنب الأمور العاطفية، أعتقد أننى لم أذكر أمورًا عاطفية، الذي أذكره أننى حاولت التركيز جدا على هذه النقطة وأن التأمين عقد غرر وأن النهي إذا كان يتعلق بذات العقد فإنه يؤدي إلى البطلان والرد الذي جاء بالحديث ((من اعتدى بأمرنا على أعمالنا ليس منا، فهو رد)) ، يدل على بطلان النهى كما وعند جمهور العلماء وحتى من لا يقول بالبطلان كأبي حنيفة رحمه الله تعالى الذي يقول أن النبي يدل على وجود الماهية فإنه في هذه العقود بالذات يقول بالبطلان وهو فناء الماهية فناء مطلقا. والحمد لله رب العالمين.

وإذا لم تر الهلال فسلم لأناس رأوه بالأبصار

الرئيس:

شكرا أثابكم الله، أيها المشايخ، نحن أمامنا البحث ذو جهتين أما الجهة الاولى فهو البحث في التأمين حلا وحرمة. وأما الجهة الثانية فهي في البديل الإسلامى والذي تقدم به الأستاذ عبد اللطيف جناحي ولدى الشيخ عبد اللطيف صالح الذى يشتغل في إحدى اللجان الآن بحث كذلك وهو بين أيديكم. ولهذا فإنه قد ترون مناسبا أن البحث في البديل الإسلامى نؤجله إلى جلسة غير الصباحية باذن الله تعالى ونطلب من أصحاب البحوث أن يتفضلوا بإعطاء مختصرات عن بحوثهم كما جرى عليه العمل. وأما الآن فنسمع القسط من المداولات حول ما سمعتموه من ملخصات لهذه البحوث وأعطي الكلمة للشيخ أحمد الخليلى.

ص: 509

الشيخ أحمد الخليلى:

بسم الله الرحمن الرحيم، شكرا معالي الرئيس، في الواقع أنا لست من أهل الخبرة في موضوع التأمين لأننى لم أدرسه من مصادره ومن مظانه وينبغى أن يكون الإنسان دائما متوقفا أمام الشيء الذى يجهله، وإنما تكونت عندى فكرة الآن مما سمعته من هذه البحوث القيمة التى تليت على مسامعنا، وبقي عندي شيء من الإشكال وأريد أن استفسر عما أشكل علي، الموضوع الذي أشكل علي والذي لم أعرف حقيقته هو موضوع التأمين الاجتماعي أو التأمين غير التجاري كيف طريقته حتى أستطيع أن أتحدث عن هذا الموضوع بعدما نتصوره، أنا حسب ما سمعت من هذه البحوث الآن. وحسب ما تبين لي أيضا بعض الشيء من أحاديث الناس حول التأمين، وجدت الدخول في التأمين أمرًا فيه حرج كبير، لأن التأمين كما تفضل أصحاب الفضيلة المشايخ الذين تحدثوا عن حرمة التأمين، هو عقد بين متعاقدين، عقد فيه غرر بحيث لا يدري هذا المستأمن هل يسترد شيئا مما أعطى أو لا يسترد شيئا قط، وهل يبقى مستمرا في عقده هذا وقتا طويلا أو يمل آخر شيء بعدما يرى الخسائر تتتابع ويحاول أن ينسحب، وفى نفس الوقت تكونت عندي صورة من بعض ما سمعته من الناس، منذ سنين سمعت أحدا ممن استأمن على سيارته يقول بأن ريحا شديدة أو إعصارا حل وكانت سيارته تحت شجرة فكان يتمنى أن تسقط هذه الشجرة على سيارته حتى يدفع له العوض، وفى الأيام القريبة أيضا نفس الشيء سمعت أحدا يذكر عن ابنه بأنه اتفق مع الشباب بأن يعملوا صداما مصطنعا ما بين سياراتهم حتى ينالوا تعويضا من شركة التأمين عن طريق هذا الصدام المصطنع. وقد تم ذلك فعلا، فلو كان هذا الإنسان الذي شارك في هذه الشركة "شركة التأمين" حريصا على ما لها لما كان ذلك، ولو كان يراعي أن هذا المال هو شريك فيه لما حدث مثل ذلك، وإنما هذا يدل على أنه يريد أن يسترد بعض ما أخذه، لأن أن كان هذا التأمين مفروضا بالقهر فهو يريد أن يستنصر لنفسه باسترداد بعض مما أعطى، وأن لم يكن مفروضا فهو يريد من وراء هذا ربحا، لعله يعوض سيارة جديدة بدلا من تلك السيارة القديمة. وبجانب هذا، كما تفضل فضيلة الشيخ رجب، نحن لا نأمن من شركات التأمين أن تكون تعنى بتنمية ثروتها أو رأس مالها من طريق الربا وهذا واقع طبعا لأن المعاملة إنما تكون مع البنوك وعن طريق بيع المحرمات كالخمر وغيرها، وعن طريق الاشتراك في الملاهي والمراقص إلى ما وراء ذلك، وعلى كل حال مما جاء في الأثر: أمر بان لك رشده فاتبعه، وأمر بان لك غيه فاجتنبه، وأمر أشكل عليك فقف عنه. على الأقل في القضية شبهة أن لم تكن حرمة ظاهرة صريحة فهناك شبهة، والشبهة يجب علينا أن لا نتخطاها. فمن هذه الناحية أنا أضم صوتي إلى أصحاب الفضيلة المشايخ الذين قالوا بمنع التأمين وبجانب ذلك أيضا أنا أضم صوت إلى الذين يرون البديل الإسلامى، فماذا عسى أن يضيرنا إذا نحن كونا شركة إسلامية، هذه الشركة الإسلامية عليها أمناء يراقبونها تجمع تبرعات، هذه التبرعات تنمى بطريقة مقبولة شرعا يبقى رأس مالها ومن الربح يعطى الذين يرزأون بحوادث وقضايا، في هذا البديل ما يغني عن اتباع المناهج والنظم التى عند غيرنا وعلى كل حال أصحاب الرأى الحصيف كل منهم يدلي إن شاء الله برأيه ورأي الجماعة لا تشغل بلاد به.

ص: 510

الرئيس:

شكرا أثابكم الله، أرجو من الشيخ الضرير أن يتفضل بإعطاء لمحة عن التأمين التعاونى وإن كان موجودا لدى أصحاب الفضيلة وهو في قرار مجمع مكة وهو موجود لديكم في آخر البحث، عن التأمين التعاونى.

الشيخ الصديق الضرير:

بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا الموضوع "التأمين" بدأ البحث فيه منذ سنين عديدة ولعل أول مؤتمر بحث فيه هذا الموضوع كان في أسبوع الفقه الإسلامى الثاني وكان فيه أستاذنا الزرقاء وكان لي شرف الحضور بهذا المؤتمر وقد عرضت فيه الآراء وأوردت شبه كثيرة في هذا وكان رأيي ورأي الأستاذ الزرقاء يكاد يكون واحدا إلا في مسألة واحدة اختلفنا فيها وهي موضوع الغرر. وكان رأي الأستاذ الزرقاء في ذلك الوقت أن الغرر غير موجود في عقد التأمين، أو أنه ليس عقد غرر، إذا أن الغرر فيه يسير بحيث يكون مغتفرا. وكان رأيي ولا يزال أن الغرر هو السبب الأساسى في منع عقد التأمين التجاري. ونظرية الغرر قد كتبت فيها كتابا وتعرضت فيه لعقد التأمين وأصل هذا العقد وانتهيت إلى أن الغرر الذي يؤثر في العقد وهو قد قاله بعض الإخوان، هو الغرر في عقود المعاوضات المالية وبشرط أن يكون كثيرا وفي المعقود عليه أصالة وألا تدعو إلى العقد حاجة، وهذه مسائل استنبطها من أقوال الفقهاء، وارتضيتها لأنها محل خلاف، فان يكون في عقود المعاوضات المالية، وهذا هو الشاهد الذي أريد أن أقف فيه قليلا هذا الشرط محل خلاف. أما بقية الشروط الثلاثة فلا خوف فيها، الغرر اليسير لا يؤثر في العقود مطلقا عند جميع الفقهاء. وكذلك كونه في المعقود عليه. أصالة لا يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل، وإذا دعت إلى الأصل حاجة، الفقهاء يكاد يتفقون على أن الغرر هنا لا يؤثر ولو كان كثيرا. ولو كان في عقد المعاوضات. لكن الخلاف حصل في عقود المعاوضات، فبعض أو أكثر الفقهاء عمموا، وقالوا الغرر يؤثر في جميع العقود، وإن كان النص ورد في البيع خاصة، وخالف المالكية في هذا ولهم فيه رأي صريح ومبدأ ثابت، وهو أن الغرر لا يؤثر في عقود التبرعات. قالوها صريحة، وإن كان بعض الفقهاء لهم آراء أيضا بالنسبة لعقود التبرعات، الهبة هل يؤثر فيها العقد كما يؤثر في البيع؟ لكن لم يصرحوا كما صرح المالكية بهذا المبدأ، وهو أن عقود التبرعات يؤثر فيها الغرر، فيجوز في الهبة، لا يجوز أن تبيع ما تثمر الحديقة في العام القادم ولكن يجوز أن تهب ما تثمره الحديقة في العام القادم. والسبب واضح في هذا، وجهة نظر المالكية في هذا سليمة وقد أخذت بها، ولذلك اشترطت في الغرر المؤثر أن يكون في عقود المعاوضات. ومن أجل هذا رأيت أن عقد التأمين التعاوني وهو عقد تعاوضي يؤثر فيه الغرر إلا إذا دعت إليه حاجة. وأن عقد التأمين التعاوني إذا كان قائما على أساس غير معاوضة، على أساس التبرع، فهو عقد جائز، بناء على هذه القاعدة، وأن كان فيه غرر، الغرر موجود في الحالتين سواء كان عقد تأمين تعاوني أو عقد تأمين تجاري، الغرر واحد، لكن الفارق هو أن في العقود التجارية هناك جهة تسعى إلى التجارة في هذا العمل، في التأمين، إلى التجارة في التأمين وهي التى تغنم وقد تغرم. أما في التأمين التعاونى فالمؤمن والمؤمن له واحد، وليست هناك جهة تتاجر في التأمين. المشتركون هم أصحاب الشركة وهم الذين يستفيدون من أرباحها إذا فاضت أو من أموال الاشتراكات إذا فاضت عن التعويضات وتعود إليهم هذا الفائض، وهم الذين يغرمون إذا زادت التعويضات عن الاشتراكات. والمبالغ التى يدفعونها كما قلت هى تبرع منهم. لمن تقع عليه كارثة يحتاج إلى أخذ المال منها.

ص: 511

الرئيس:

فضيلة الشيخ هنا أود أن تسمح لى بكلمة بسيطة. طالما أن التأمين التعاونى هو عقد تبرع ممكن أن نصفه بهذا أو لا؟ هل نصفه بأنه عقد تبرع؟.

الشيخ الصديق الضرير:

نعم.

الرئيس:

نصفه بهذا، طالما أنه عقد تبرع، والتبرعات الأصل فيها الارفاق والإحسان وحب الخير والتعاون على البر والتقوى، فكيف نصف أن التأمين التعاوني يستوى مع التأمين التجاري في الغرر؟ وكيف يرد الغرر والحالة هذه؟ لأن عنصر الاحتساب وطلب الثواب هو الأصل الذي قام عليه التأمين التعاوني.

الشيخ الصديق الضرير:

الغرر هو يرجع إلى طبيعة العقد. فكما وجد الغرر في المثال الذى ذكرته في عقد البيع، بيع ما تثمره الشجرة في العام القادم، هذا عقد غرر لأننا لا ندرى هل ستثمر هذه الشجرة في العام القادم أو لا تثمر، وإذا أثمرت هل ستثمر كثيرا أو قليلا. ففى عقد المعاوضة المشتري دفع مبلغا، إذ لم تثمر الشجرة فيضيع عليه هذا المبلغ، وكذلك إذا أثمرت أقل مما كان يتوقع، وقد تثمر أكثر مما كان يتوقع البائع فيأخذ المشتري أكثر مما دفعه، وهبة ما تثمره الشجرة في العام القادم فيه نفس هذا الغرر وهو عقد تبرع، فالغرر موجود في عقود التبرعات كما هو موجود في عقود المعاوضات، لكن في عقود التبرعات لا يؤثر، لأن هذا الشخص الذي وهبت له ثمرة هذه الشجرة في العام القادم لم يدفع شيئا، فإذا أثمرت يستفيد وإذا لم تثمر لا ضرر عليه، وهذه وجهة نظر المالكية في التفرقة بين تأثير الغرر في عقود المعاوضات وفي عقود التبرعات، أيضا عقد التأمين هو عقد التأمين. إذا أنا دفعت مائة جنيه قسطا عن سيارتى لشركة تجارية في هذا العقد غرر لأن السيارة قد لا يصيبها شيء فالشركة تأخذ كل المائة جنيه وأنا لا آخذ شيئا، هذا في الشركات التجارية. إذا دفعتها اجتمعنا عشرة أو مائة شخص ودفع كل منا مائة جنيه قسطا على أن من يحصل لسيارته يأخذ من هذا المبلغ وإذا فضل شيء يعاد إلينا ودخلنا من أول الأمر على أننا جميعا متبرعون بهذه المبالغ لمن تصيب سيارته مصيبة، فالغرر موجود وبنفس القدر لا يختلف.

الرئيس:

لكن هل الفقهاء أو العلماء أطلقوا عليه غررا؟

ص: 512

الشيخ الصديق الضرير:

نعم، أطلقوا عليه غررا ولذلك قلت أن المالكية نصوا..

الرئيس:

لا، قصدي أنا على عقود التبرع يا شيخ،

ولكن هل يطلقون على ما أصله الإرفاق والإحسان من التبرعات غررا؟ هذا هو السؤال، أما أنا فحسب التتبعات، وفوق كل ذي علم علم الله، أعرف أنهم يطلقون على هذا غررا.

الشيخ الصديق الضرير:

هذا موجود في كل كتب الفقه التى اطلعت عليها وفي كل المذاهب عندما يتحدثون عن أثر الغرر يذكرون العقود التى يؤثر فيها الغرر والتى لا يؤثر فيها. فهم بإجماع اتفقوا على أن عقود المعاوضات تقاس على عقد البيع إذا كان فيها غرر، ثم تحدثوا عن بقية العقود ومنها عقود التبرعات هذه، فتحدثوا عن الغرر في الهبة وهي من عقود التبرعات بنصوص صريحة في كل المذاهب، وهي موجودة عندي. فما من شك أن العقد من حيث هو سواء كان معاوضة أو تبرعا أو حتى عقود الزواج، عقد الزواج تحدثوا عن الغرر فيه، فكلها يدخلها الغرر لكن هل يؤثر فيها جميعا أو لا يؤثر؟ هب هو الفارق، والواقع أننا نحن في السودان بدأنا، ولعل شركة التأمين في السودان والتى أشار إليها الأخ الزحيلى هى أول شركة تأمين تعاوني هي قامت على هذا الأساس ولها نظام مكتوب ووضع فيه كل ما يجنبها المسائل العرضية التي تدخل على عقد التأمين، مثل موضوع الربا، هذا ليس من أصل العقد، فمسألة عرضية قد توجد وقد لا توجد، ولكن الذي يدخل في أصل العقد هو الغرر ولم نجد مخرجا من هذا إلا بتحويل عقد التأمين من عقد معاوضة إلى عقد تبرع، ولذلك عندما أنشئت شركة التأمين التعاونى بهذا الأساس وقلنا أن رأس مال هذه الشركة هو الاشتراكات ولا نريد رأس مال من الخارج، ما فيه مؤسسين لهذه الشركة، لكن اصطدمنا بالواقع القانونى الذى يشترط في كل شركة أن يكون لها رأس مال ومؤسسون. فوافقت الهيئة على أن تقوم الشركة بحيث تتفق مع المتطلبات القانونية وجعل لها رأس مال دفعه البنك ومعه شخص أو شخصان لكى تتم العملية من الناحية القانونية. لكن اشترطنا على رأس المال هذا ألا يستفيد مطلقا من عمليات التأمين، بل استفادت الشركة من رأس المال هذا، بأن أصحاب رأس المال قبلوا أن يوضع نص بأنه إذا حصل عجز ونقصت الاشتراكات عن التعويضات، الشركة تأخذ من رأس المال هذا بصفة قرض لتسدد به العجز لأننا اصطدمنا بمشكلة عملية أنه حسب القاعدة في التأمين التعاونى أنه إذا حصل عجز نرجع على المشتركين، والمشتركون آلاف فكيف نرجع عليهم؟ حلت هذه المشكلة بأن وافق أصحاب رأس المال على أن يكون رأس المال هذا أيضا بمثابة تأمين لهذه الشركة في حالة إذا ما حصلت خسارة والحمد لله لم تحصل خسارة في هذه السنوات الثمانية. فالشركة ماشية الآن ووزعت أرباحا على المشتركين في العام الماضى بمقدار 8 % لأن هذا فاض، الأموال تستثمر وتدفع التعويضات، فحصل ربح زيادة على الاحتياطات الموجودة.

ص: 513

ثم وضعنا في نظام الشركة هذه ما يميزها عن الشركات الأخرى، فيها جمعية للمشتركين لأنهم أصحاب الشركة، وهذا لا يوجد في أي شركة تجارية أخرى، المشترك ليس له غرض ولا يسأل عن أخيه في الشركات التجارية لأنه يتعاقد مع أصحاب رأس المال، لكن هنا، المشتركون يعرفون بعض ويجتمعون كل سنة وتصدر منهم توصيات فيما يتعلق بسير هذه العملية، فسار العمل والحمد لله في كل هذه السنوات، والعقبة التى اصطدمنا بها هي موضوع إعادة التأمين وهنا طبقنا أيضا نفس القاعدة، والتى هى قاعدة الغرر، لإعادة التأمين لم نجد في ذلك الوقت شركة إعادة تأمين إسلامية، فليس هناك إلا الشركات التجارية، شركات إعادة التأمين، أيضا صدرت فتوى بجواز إعادة التأمين في الشركات التجارية عملًا بمبدأ الحاجة، ومبدأ الحاجة التى تجعل الغرر غير مؤثر لأنه ليست هناك شركة إسلامية يمكن أن يعاد فيها التأمين، وتبين لنا من أقوال المتخصصين في التأمين أنه لا يمكن قيام شركة تأمين من غير أن تعيد التأمين في شركات أخرى لأنه سيكون مصيرها الفشل والخسارة، وناقشنا هذا الموضوع طويلا ثم أصدرنا هذه الفتوى بقيود وهى مدونة في كتابى "فتاوى" وسوف أعطيكم نسخة منه، هذا فيما يتعلق بإعادة التأمين. وأنا في رأيي أن هذا الموضوع أصبح الآن موضوعا عمليا، شركات التأمين التعاونية انتشرت الآن في أكثر من بلد، وأصبح الآن موضوعا عمليا، شركات التأمين التعاونية انتشرت الآن في أكثر من بلد، وأصبح المطلوب هو تنمية هذه الشركات وتقويتها والخروج من الحرج الذى نحن فيه بإعادة التأمين في شركات أجنبية. في الواقع أننا عندما أصدرنا هذه الفتوى اشترطنا على البنك أن يسعى لإقامة شركة إعادة تأمين، والآن والحمد لله بدأت هذه الشركات، توجد شركات إعادة التأمين إسلامية، بعض شركات التكافل، وتوجد شركات يمكن الاخ الذي تكلم عن البديل، يتحدثون عنها في البحرين أيضا شركة إعادة تأمين، لكنها لا تكفي. وأنا في رأيى أن المطلوب من هذا المؤتمر أن يوصي بالإكثار من إنشاء شركات التأمين التعاونية، والتعاون فيما بينها للخلاص من إعادة التأمين في الشركات التجارية، والنظر فيما تقوم به هذه الشركات، قد يكون فيها بعض المسائل التى تحتاج إلى تعديل هذا هو المطلوب الآن في رأيي، أما البحث في جواز التأمين التجاري أو عدم جوازه، في رأي أن هذا الموضوع تخطاه الزمن وما دام وجدت الآن الشركات الإسلامية، وهي من غير شك، على أقل تقدير، أقرب إلى القبول من الشركات التجارية، فلا معنى للبحث في جواز التأمين في الشركات التجارية بعد أن وجد هذا الآن ونجح والحمد لله، فمهمتنا ينبغي أن تنحصر في تحسين ما بدأنا فيه، وأكتفي بهذا. وشكرًا.

الرئيس:

الشيخ أحمد لديه استفسار بسيط.

ص: 514

الشيخ أحمد حمد الخليلى:

أستفسر عن المشتركين في هذا التأمين التعاونى. هؤلاء المشتركون هل يعتبرون ملاكا يملكون هذه الشركة أو يعتبرون متبرعين، أخرجوا ما دفعوه من ملكهم تبرعا واحتسابا؟

الشيخ الصديق الضرير:

هم متبرعون، وهم في نفس الوقت كما قلت أصحاب الشركة، لأنه لهم جمعيتهم، جمعية للمشتركين تستطيع أن توصى بكل ما تراه فيه المصلحة لهذه الشركة، والذين يديرون الشركة لا يملكون الشركة، هم موظفون يتقاضون مرتبات، فالأصحاب الحقيقيون للشركة هم المشتركون، وهذا هو الأساس في التأمين التعاونى، حتى يعبر عنه بأنه المؤمن والمؤمن له واحد.

الرئيس:

شكرًا، ونحن إن شاء الله تعالى غدا سنستكمل البحث ولكن قبل أن نستكمل البحث أعطي الكلمة للشيخ معروف مع أملي بمراعاة الزمن لأننا ملتزمون أولا بأداء الصلاة ثم وراءنا التزام وبقية البحث والمداولة إن شاء الله سنكملها غدا بإذن الله تعالى.

ص: 515

الشيخ معروف الدواليبى:

شكرا سيادة الرئيس.. وأنا كعادتى سأتكلم كلمات برقية سريعة. كنت أريد أن أقصر كلامي على التعاون الذي جرى حوله البحث أولا في التجاري ولكن سؤال فضيلة استاذنا الجليل الشيخ أحمد الخليلى طلب معلومات عن التأمين الاجتماعي، ولما كان التأمين الاجتماعي قد جرى في المملكة هنا وطبقناه وكنت مشرفا على وضع قانونه وقد حدث في الأول خلاف حوله ما بين إخواننا السادة العلماء من خمس عشرة سنة ولكن كلفت بشكل رسمي وبقينا مع المرحوم الشيخ عبد الله بن حميد وسماحة الأستاذ الشيخ عبد الله بن باز نحو ستة أشهر حتى اتضحت لهم الأمور وخرجنا بالتأمين الاجتماعي.

الرئيس:

الذى هو تعاونى.

الشيخ معروف الدواليبى:

الذى هو قائم الآن في المملكة العربية السعودية، التأمين التعاوني للعمال طال عمرك، يعني هو القائم الآن، وصدر كتاب من المرحوم الشيخ عبد الله بن حميد والشيخ عبد العزيز بن باز إلى الملك وأشرفنا على المواد كلها وصدر. وسوف أتكلم أيضا عنه بسرعة، وكما أتكلم عن البقية، فأولا هناك أيها السادة تنوير لمن لم يقرأ شيئا أو قليلا عن التأمين. التأمين الآن بشكل عام هو حاجة في العالم ولا يمكن لأحد أن يبيع تجارة أو يركب سيارة في أوربا إلا وهناك القانون إجباري وأصبح العرف به قائما ويؤمن حاجة حتى راكب السيارة لو قلت ما فيه سائل هو لا يرغب لأنه قد تحدث حادثة ويذهب فيها هو والآخرون ولذلك يجد أن من مصلحته أن يؤمن والدولة تجبره.. الخ، فالتأمين في العرف الدولى في العالم أصبح حاجة ضرورية.

فأبدأ بالتأمين الاجتماعي الذي قام في المملكة وبموافقة السادة العلماء فإذا كان التأمين المعروف دوليا هو التأمين التجاري ثم التأمين التعاوني ثم التأمين أيضا الاجتماعي الذي تفرضه الدولة بدون الشركات، التأمين التعاوني يجري ما بين أصحاب العلاقة بشكل رضائى ويضعون دستوره، ولعل من أكبر شركات التأمين في الغرب الآن هى الشركات، بعض الشركات التعاونية، هى شركة تضع دستورها ومنها شركة "نيويورك لايف" ومعها "مشوال" كذلك هذه من أكبر الشركات وهي تعاونية ولكن هم شركة فيما بينهم أصحاب العلاقة، بمعنى أنهم ما يجمعونه من أقساط سنوية حسب الحاجة قد يرفعونه فيما بينهم بالاتفاق إذا أدت الحاجة، وقد يهبطون بالحصص عندما يجدون عندهم وفرا. أما الشركات التجارية فهى أيضا، ولكن هنا في التعاونية ليس فيه ربح لأحد، وإنما في الشركات التجارية فيه ربح. أما فيما يتعلق بالتأمين الاجتماعي فهو ما تفرضه الدولة على أصحاب العلاقة ويدار من قبل موظفين والدولة تزيد أو تنقص عن طريق الفرض على أصحاب العلاقة ليتأملوا الحاجة التى تدعو إليها لأصحاب العلاقة، ونحن هنا في المملكة العربية الواقع خرجنا بنوع جديد في التأمين الاجتماعي، فأوجدنا تأمينا اجتماعيا ما بين أصحاب العمل والعمال بفرض من ولي الأمر.

الرئيس:

تقصد مؤسسة التأمينات الاجتماعية، هكذا اتضحت الصورة.

ص: 516

الشيخ معروف الدواليبى:

نعم يا سيدى، ولكننى أحب أن أعطي صورة عنها للإخوان ولن أزيد أكثر من ذلك، فهو نوع جديد من التأمين الاجتماعى في المملكة وأدى الغرض، إلا إن الشيء الجديد فيها أن الدولة قالت عندما تعجز المخصصات التى فرضها ولى الأمر جزء من راتبه وجزء من أرباح الشركة لمصلحة العامل وما يصيبه من أحداث في حياته أو مرضه أو في عطله، فالدولة هي التى تتبرع عندئذ إذا عجز. وأقول لكم عندما وضعنا هذا القانون وأعطينا للعمال ما لم يعط الموظف في أي دولة من الدول، فوضع العمال عندنا الآن هو خير من وضع الموظفين، وتجنبنا كل حركة عمالية وشيوعية يمكن أن تدخل إلى قلب العمال بل جاءني مندوب الشرق الأوسط في الشئون الاجتماعية للحكومة بالولايات الامريكية ويقول إننا دهشنا كيف استطاعت المملكة أن تصدر مثل هذا القانون أو النظام في التأمين الاجتماعي الذي أعطت فيه للعمال ما لم تستطع أن تعطيه اياه الدول اليسارية في المنطقة، وأذكر أن مظاهرة قامت من العمال اليساريين في لبنان في ذلك الوقت وقالت تتطالب الحكومة اعطونا ما أعطته الدولة الرجعية المملكة السعودية لعمالها، والمرحوم الملك فيصل لما جاءته أنباء المظاهرة فيها الخبر تبسم من قلبه، الواقع أننا عملنا عملا كان فيه الخير لهذه البلاد وفيه مصلحة، شيء واحد الذين وقفوا أمام التأمينات الاجتماعية بعد أن عملناه هى شركات الأجانب التى تعمل هنا وكانت بصورة خاصة شركة التابلاين، لأنه ما كان منه عندنا بعض مصانع منذ خمس عشرة سنة كانوا العمال المؤمنون هم فقط الذين يدخلون شركة التابلاين وحسب القوانين لا تستطيع شركة التابلاين أن تقبل عاملا بدون أن تؤمنه في أمريكا، لا تقبل موظفا حتى لا تكون مسئولة، وفى السنة التى أعلنا وجدنا أنها تدفع عشرة ملايين دولار في السنة عن العمال فقط السعوديين ولكن تذهب إلى شركة أجنبية. طبعا ونحن بصورة عامة أيضا لا نشتري من الدبوس إلى الطيارة ولا أحد يبيعنا لنأتي بها من الخارج وندفع بها التأمين شئنا أو أبينا، فالتاجر لا يبعنا، الطيارة الآن لا يبيعونها قبل ما تؤمن وقبل نقلها ولا الدبوس التاجر لا يبيعه قبل أن يؤمن ما دام سينقل. فنحن إذن في كل الأحوال ندفع التأمين وعمليا تذهب إلى الشركات الأجنبية. فلما أصررنا على الإخوان بضرورة إقامة التأمين ونبدأ بالتامين الاجتماعي لأننا ننقل عمالنا السعوديين الذين يدفع عنهم عشرة ملايين دولار إلى شركات أجنبية صهيونية كما قال الأخ ونريد أن نجعلها هنا من أجل العمال وتبقى في أراضينا.

ص: 517

وأجبرنا عندئذ أيضا المهندسين الأمريكان لأنهم يدفعون هناك وقلنا إنه عندما يكون لدينا شركة تأمين اجتماعية فكنتم تأخذون من عمالنا وتضعونها في أمريكا أما وقد أقمنا مؤسسة هنا، ولذلك فالمؤسسة تأمين اجتماعي أصبحتم ملزمين أن تمشوا مع العمال فاحتجوا ومن مهازل الدهر أنهم تمكنوا، لأنه وضعنا وقلنا أن الأجنبي ينال نفس الحقوق لأنه في ذلك لما ضمنا أيضا التأمينات الاجتماعية التى يأخذها المهندسون غير العمال السعوديين الذين رواتبهم بسيطة المهندسون والاخصائيون ضماناتهم الاجتماعية أكثر بكثير. ولما أصررنا على أن المؤسسة هنا وطنية والشركة التابلاين وطنية إذن كلهم يجب أن يجروا التأمين هنا وإلا لن نسمح بها، فعندئذ خضعوا ولكن ذهبوا وأثاروا علينا رجال الأعمال قبل أن يكون عندهم مصانع وتقدموا إلى جلالة الملك رحمه الله وقالوا لماذا تدخلون الأجانب وتلزموننا نحن أن ندفع لهم تقاعدًا، فاجتمعنا بهم وبعدها فهمنا أن شركة "التابلاين" هى التى حاولت أن ترسل رجال الأعمال أن أخرجوا الأجانب على الأقل ولكن أجبرناهم، واليوم عندكم شركة التأمين الاجتماعية في هذه السنة كما نشر فقط عن التعويضات التى دفعتها، أولا أغنى مؤسسة عندنا هنا جمعت المليارات وأصبح عندها أملاك وخيراتها تعود على العمال ويمكن أن تزيد دائما في مصالحه وربما سوف تبني لهم مساكن وسوف تبني لهم مستشفيات، لكن في هذه السنة الأخيرة، كما نشر قريبا في الصحف ما دفعته من تعويضات أو تأمينات صحية أو عمالية أو إصابية وأيضا من أجل الوفاة ومن أجل أيضا البدل العائلى.. الخ، التأمين الاجتماعي في جميع نواحيه وجدناه بلغ خمسمائة مليون، هذه كان العامل السعودى ممنوعا عنها وما كان يدفع من تأمين عن عمله فقط فيما إذا أصابته مصيبة دون أن يكون له تأمين عائلى كلها كانت تذهب إلى أوربا. ولذلك هذه المؤسسة أدت خدمات كبيرة جدا والحمد لله أن إخواننا العلماء وافقوا عليها.

ص: 518

ننتقل الآن بعد هذه الفكرة الموجزة إلى كلمات لن تكون إلا أقصر منها فأقول أن التأمين أولا واقع شئنا أو أبينا، والأصل في المعاملات المدنية في الشريعة الإسلامية كما تعلمون أيها السادة الجواز ما لم يكن هناك نص. وكل شرط كان مزيلا للنزاع لأن الشروط القصد منها إزالة النزاع من العقود فكل شرط كان سببا من الأسباب التى تزول فيه أسباب النزاع كان مقبولا. ولذلك العقود عندما تعقد بشكل عام الآن (أنا لا أقول بالشركة التجارية ولا بالتعاونية) العقود تلزم أصحابها وإذا كان هناك شروط قد لا تكون معروفة من قبل ولكنها وجدت لتزيل النزاع فهي لا شك أنها مقبولة. ولذلك هنالك الغرر الذى تفضل به بعض الإخوان بشكل عام وإن كنت أرجح أن نقول بالتأمين التجاري ندخله في التأمين الاجتماعي إضافة إلى التأمين الاجتماعي ولكن عن طريق مؤسسة عامة كما جعلناها في التأمين الاجتماعي وتفرضه الدولة ولي الأمر على أن يدفع فليست عندئذ تجارية وليست اجتماعية ولكن ولى الأمر وجد من المصلحة أن يوزع المصيبة عند الاقتضاء من فرض ضريبة من قبل ولى الأمر حتى إذا أصابت أحدا في تجارته مصيبة يجد هناك تعويضا وفي هذا الشكل نكون تجنبنا التجارة وتجنبنا أيضا الموضوع التعاوني الذى يخضع للزيادة والنقص وفتحنا مجالا بأن تكون شركة التأمين التى توجدها الدولة كما أوجدت مؤسسة التأمينات الاجتماعية توجد مؤسسة التأمين التجارية من قبل ولي الأمر تفرض على كل من يشتري أو يبيع أن يؤدى جزءا دون ما تدفعه في الحقيقة إلى شركات أجنبية لأننا إذا بعنا أيضا من عندنا أشياء فالشركات الأجنبية لا تقبل إذا أرسلنا سمادا إلا أن يكون مدفوع التأمين خشية أنه في الطريق أن يفقد. ولذلك أن بعنا من عندنا مضطرين إلى أن نؤمن وإذا اشترينا مضطرين إلى أن نؤمن، فأتمنى لو نطلب إقامة مؤسسة من قبل الدولة أيضا تجارية وهي نوع من الأنواع. لذلك كل ما أبدى من ملاحظات حول الغرر، الغرر له تأثير على العقود عندما يؤدى إلى النزاع.

وأما ما ذكره فضيلة أستاذنا الجليل التميمى ما ذكره من منازعات تنشأ، الواقع، نشأت في الواقع من الاحتيال من أحد المؤمنين ولم تنشأ بسبب العقود مع أن العقود إذا جرى فيها غرر، وجرى عليه العرف كما إذا استأجر أرضا لأجل الزراعة ولكن لم يشأ الله أن تنبت تلك السنة، فيكون دفع الإيجار فالغرر موجود ولكن هذا جرى عليه العرف ولم يعد مكانا للنزاع ولكن الغرر الأصل في العقود يؤثر على العقد إذا كان يؤدى إلى النزاع أما إذا جرى العرف على أنه لم يعد فيه مجال للنزاع فلا بأس به وأكتفى بهذا القدر تنويرا للموضوع.. وشكرًا.

ص: 519

الرئيس:

شكرًا فضيلة الشيخ، والذى أحب أن التأمينات الاجتماعية في الذى يظهر لي أنه لا دخل لها في موضوعنا هذا لا من قرب ولا من بعد. وهذا طيب أيدتمونى على هذا على كل حال فيه إنارة وإحاطة للذي حصل وعلى كل أحب أن يفهم الإخوان أنه لا دخل لها في موضوعنا لا من قرب ولا من بعد هذا رقم واحد.

رقم اثنين: يظهر لي أن لدي فضيلتكم ضمنيا بأن التأمين غير مقبول شرعا نظرا لاقتراحكم بالبديل، هو تأمين تجاري حكومي في كل دولة فهذا قد يكون فيه تأييد ضمني للقول بالمنع شرعا. وعلى كل ما تفضلتم به هو وجهة نظر وأرى أن ما يتعلق بالبديل سنعقد له جلسة خاصة بإذن الله. وأشكر لمعالي الشيخ ولجميع الإخوة وفى الجلسة الصباحية إن شاء الله تعالى نستأنف البحث عن بقية هذا الموضوع ومن بعده يأتي البحث في البديل.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. ومعالي الأمين.

الأمين العام:

أريد قبل أن نفارق هذه القاعة أن أشير إلى أن قضية إعادة التأمين والتفكير فيها لنتوقى التعاون مع شركات إعادة التأمين الأجنبية لعل البت فيها يتم بحول الله في مؤتمر وزراء الخارجية الذي سينعقد بفاس في الأيام القريبة القادمة. وشكرًا لكم.

ص: 520

الجلسة الصباحية

13/4/1406 = 25/12/1985

الساعة: 9.30 – 13.20

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فإن جلستنا هذه تعتبر استئناف عمل امتدادا للجلسة المسائية في بحث التأمين وقد صار استعراض البحوث المعدة في التأمين وسماع بعض المداولات وفى هذه الجلسة نود أن نسمع من الشيخ عبد اللطيف صالح الفرفور مختصرا لبحثه في التأمين دون البديل، لأن البديل سيكون له مناقشة مستقلة، فسواء البحث المقدم من قبل الشيخ عبد اللطيف جناحى أو البحث المقدم من قبل الشيخ عبد اللطيف الفرفور أو وجهة النظر المقدمة من بعض الإخوة فإن البديل سيكون له جزء من الوقت مستقل بنفسه، ولهذا أرجو من الشيخ عبد اللطيف أن يقتصر على ما يتعلق بالتأمين فقط.

ص: 521

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

بسم الله الرحمن الرحيم.. شكرًا معالي

الرئيس.. الذى يبدو من ظواهر الأدلة التى احتج بها الفريقان، أن أدلة من ذهبوا إلى تحريم عقود التأمين هى أقوى استنباطا وأتم دلالة وأمتن احتجاجا وأرسخ ارتباطا بنصوص الشريعة ومقاصدها وقواعدها العامة وذلك للأمور التالية:

أولًا: المجوزون للتأمين اعتمدوا في أدلتهم استنادات قياسية استنبطوها من استنتاج الفقهاء المجتهدين، بينما القائلون بحرمته استندوا على نصوص تشريعية وقواعد أساسية أجمع المجتهدون على الأخذ بها والعمل بمقتضاها والفرق واضح بين الاستدلالين.

ثانيًا: المجوزون للتأمين اعتمدوا على تعليلات وتأويلات في الجواز أقل ما يقال فيها أن فيها معنى الغرر المحرم، بينما اعتمد القائلون بالحرمة نصوصا قطعية تحرم الغرر، وفرق كبير بين الأمرين.

ثالثًا: من القواعد المقررة شرعا، إذا تعارض المحرم والمبيح قدم المحرم وكذا تعارض المانع والمقتضى قدم المانع، لذا نأخذ بجانب الحرمة بعقود التأمين باعتبار أنه يتعارض مع الجانب المبيح على افتراض وجود التعارض، ولا تعارض لظهور أدلة المحرمين.

رابعًا: رد القائلون بالتحريم على المبيحين في مسألة القياس على نظام العواقل ونظام التقاعد والمعاش وعقد الموالاة بأنها عقود تعتمد التبرع والدافع الذاتى والمساهمة في أوجه الخير، ولا كذلك نظام التأمين التجاري القائم على الاسترباح والاستغلال وابتزاز الأموال، وكذلك رد القائلون في التحريم على المبيحين في استدلاهم بالاتفاق بمرتب عمري عند المالكية بأن أشهب قال: أكره ذلك، وهو عند المالكية اصطلاح في المنع لا في الإباحة كما قالوا، لذا فإنه يصبح دليلا للمحرمين لا عليهم.

خامسًا: واستدلالهم بقول مالك رضى الله عنه لا يفيدهم لأن مدة الاتفاق معينة هناك وفي عقد التأمين مجهولة فلا يصح.

سادسًا: وكذلك ردوا على المبيحين في استدلالهم بضمانهم لخطر الطريق عند الحنفية بأن هذا تغرير لا غرر، وفي التغرير يضمن.

سابعًا: وردوا على قاعدة الالتزامات عند المالكية بأن ذلك المتحمل معلوم وهذا المتحمل في عقد التأمين غير معلوم فحصل الغدر فبطل القياس.

ثامنًا: وكذلك ردوا على المبيحين بأن الغرر غير مؤثر بقولهم أن الغرر هنا مؤثر في صحة العقد لأنه ينبنى عليه أكل مال كثير بالباطل في جمهور غفير من الناس ليربح أناس ربحا فاحشا على أكتاف الآخرين بلا سبب مشروع.

تاسعًا: وأما عقد الاستئجار على الحراسة فلا يجوز القياس عليه هنا لأنه قياس مع الفارق، فهناك العقد قائم على عمل وهو الحراسة وبذل الجهد واليقظة وليس في عقد التأمين أي عمل تقوم به الشركة لقاء دفع الخطر عن المؤمنين المساكين.

عاشرًا: أما قول الدكتور السنهورى أن الضرورة تبيح التأمين للضرورة مع الغرر كما ذهب إليه مالك، فإن المحرمين قالوا لا نسلم بالضرورة هنا ولا بالحاجة مطلقا لأن الأمة الإسلامية تستطيع أن تتخلص من هذا النظام الاستغلالي إلى تأمين من صنع الشريعة الإسلامية ومن قواعدها وليس في ذلك أي حرج ولا مشقة فيما إذا أراد المسلمون بصدق أن يحكموا شريعة ربهم.

ص: 522

رأينا في عقود التأمين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر، هل في عقد التأمين غرر؟ الجواب نعم، وليس غير الغرر في نظرى دليلا ظاهرا يناطح الخصم ويظهر عليه ويشهد لذلك علماء القانون الذين عدوا بالإجماع هذا العقد من عقود الغرر. وقد مر أنه من العقود الاحتمالية في خصائصه، والغرر إذا استطاع المبيحون أن ينفوه عن أحد طرفي العقد المؤمن فلابد في أن ينتفي الغرر بالنسبة للمستأمن أيضًا، وهو ما لم يستطع المبيحون أن يثبتوه بوجه ما، ثم هل الغرر في التأمين كثيرا مانع أم لا؟ ضابط الغرر الكثير لدى الفقهاء هو ما غلب على العقد حتى صار العقد يوصف به. وأرى مع أخي الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير حفظه الله في كتابه القيم الغرر وأثره في الفقه الإسلامى أن هذا الضابط ينطبق على عقد التأمين، فإن من أركان عقد التأمين التى لا يوجد دونها الخطر والخطر هو حادثة محتملة لا تتوقف على إرادة أحد الطرفين، ولذا لا يجوز قانونا التأمين إلا من حادث مستقبل غير متحقق الوقوع، فالغرر عنصر لازم لعقد التأمين ومن الخصائص التى يتميز بها ومما يدل على أن الغرر تمكن من عقد التأمين وأصبح صفة لازمة له، أن كثيرا من القوانين تذكره تحت عنوان "عقود الغرر". ثم هل هناك حاجة أو ضرورة لعقد التأمين تجعل الغرر الذي في عقد التأمين غير مؤثر، من المعلوم أن الحاجة أدنى من الضرورة منزلة إذ يلزم بلزومها الحرج والضيق ويشترط أن تكون الحاجة لاعتبار الغرر غير مؤثر أن تكون عامة أو خاصة وأن يكون ذلك العقد متعينا لسد تلك الحاجة بحيث لو أمكن سد الحاجة عن طريق عقد لا غرر فيه فلا يصح اللجوء إلى العقد الذي فيه غرر، والذي يبدو لى أن الحاجة عامة لعموم البلوى ولكن عقود التأمين بقسط ثابت ليست متعينة لسد تلك الحاجة، وهذه ناحية مهمة جدًا، فالذي تقتضيه قواعد الفقه الإسلامى منع هذا العقد لما فيه من غرر كثير من غير حاجة ملجئة، إذ من الممكن أن نحتفظ بعقد التأمين في جوهره ونستفيد بكل مزاياه مع التمسك بقواعد الفقه الإسلامي وذلك بإبعاد الوسيط الذي يسعى إلى الربح وجعل التأمين كله تأمينا تعاونيا خيريا بحتا تتولاه الحكومات في البلاد الإسلامية بكافة أنواعه فتجعل له منظمة تشرف عليه على أن يكون المعنى التعاوني بارزا فيه بروزا واضحا وذلك بالنص صراحة في عقد التأمين حينئذ على أن المبالغ التى يدفعها المشترك تكون تبرعا منه للشركة يعان منها من يحتاج للمعاونة من المشتركين حسب النظام المتفق عليه.

ص: 523

فالخلاصة: انى أكره تحريما كل عقود التامين التبادلى والتجاري لما فيها من الغرر ولزوم ما لا يلزم شرعا ولعدم الحاجة إليها عينا. وحكم التأمين التجاري كعقد، الفساد، لتمكن الغرر منه وفكرة الاسترباح ولزوم ما لا يلزم شرعا. وحكم عقد التأمين التبادلى الجواز مع الإثم، هذا كله في التأمين التجاري والتعاوني أي التبادلي فقط، علما بأن كل عقد فاسد شرعا عقد ربوي. أما التأمين الاجتماعي الذي تقوم به الحكومات فهو جائز شريطة خلوه من الربا نهائيا. وأما صور التأمين الأخرى الجديدة التى ابتدعها الغرب ولم نصل إلى معرفة حقيقتها بعد بشكل مفصل فهي تحت مجهر البحث العلمى ولكل عقد منها حكمه الشرعي حسب ما تقتضيه طبيعته وخصائصه.

ثانيًا: إعادة التأمين في الفقه الإسلامى كما توصلنا إليه. رأينا من تعرض لعقد التأمين المباشر من الفقهاء الإسلاميين وأدلى بدلوه في هذه القضية ولكنا لم نر من تكلم في هذه المسألة المتفرعة عن عقد التأمين المباشر فيما رأيته أنا شخصيا إلا وهي عقد إعادة التأمين من الفقهاء المسلمين القدامى ولا المعاصرين، والذي يبدو لنظري والله تعالى أعلم أن هذا العقد الفرعي هو كعقد التأمين المباشر يسرى عليه ما يسرى على الأصل من الأحكام الرئيسية كما ذكر علماء القانون في التكييف الفقهى لهم. لذا فإنه يأخذ الحكم الشرعى الذى يتناول عقد التأمين المباشر بقسط ثابت كما مر آنفا ولا يتصور هنا في إعادة التأمين وجود عقد تعاوني ذى هدف إنسانى محض حتى نقول بجوازه، فلا عقد إعادة التأمين تعاونى في القانون، لذا فلا حكم له في الشرع.

وعلى هذا فالقائلون بالإباحة المطلقة لعقد التأمين المباشر يقولون بمثل ذلك لعقد إعادة التأمين، والقائلون بالمنع المطلق للأصل يقولون بمثل ذلك العقد المتفرع عنه، والقائلون بالانتفاء يقولون بمثل ذلك لكل ما يشمل التأمين المباشر وإعادة التأمين، والقائلون بالكراهة للتأمين المباشر يقولون بمثل ذلك لعقد إعادة التأمين. أما ما يبدو لنا فهو ما ذكرناه من القول بالكراهة لكل عقد تأمين مباشر بقسطه الثابت وما يتفرع عنه من عقد إعادة التأمين في جميع صوره واشكاله تبعا للأصل، والكراهة هنا تحريمية وقد قلنا بها تأدبا مع الشريعة المطهرة بألا يقال حرام إلا لما جاء تحريمه بالنص القطعي فقط وما عدا ذلك فقد اعتادالعلماء من قبل أن يقولوا نكره كذا بما يرون تحريمه ونحن نقول: نكره العقد الأصلى أو نكره العقد الأصلى التعاوضى وما يتفرع عنه من عقد إعادة التأمين، قلت هذا ما ظهر للعبد الفقير لله تعالى والله تعالى أعلم، وكتبه خادم العلم الشريف. أخوكم.

الرئيس:

شكرًا وبهذا انتهى استعراض البحوث المعدة في التأمين وحصل طرف من المداولات حولها بالأمس ولعله من خلال جميع ذلك يمكن لى أن أعلن ما اتجهت إليه الأنظار بعد مستخلص للآراء في ذلك.

ص: 524

الشيخ محمد على التسخيرى:

بسم الله الرحمن الرحيم.. أرجو أن يركز الإخوة وطبعا الإخوة ركزوا ولا ريب لكنه جانب أرجو التركيز عليه وهو أن الغرر لو وقع على ما وقعت المعاوضة عليه فيمكن التسليم بأنه مضر أما ما وقعت المعاوضة عليه في هذا العقد فهو واضح لدى الطرفين بشكل كامل. نعم هناك لواحق فيها غرر، نتصور أن الغرر فيها لا يؤثر على الإبطال. هنا لو شخصنا الطرفين في المعاوضة لما رأينا أيا منهما لا المتعاقدين ولا العوضين يتطرق إليه الغرر. الشيء الآخر، الغرر هنا المطروح في التأمين التجاري موجود في التأمين التعاونى والتأمين الحكومى وهو أشد قربا من مسألة التأمين التعاونى ورأيت أن الكثير من العلماء قبلوا هذا التأمين الحكومى، يعنى أن تكون الحكومة هى المنشئة لشركة التأمين وحينئذ فما يعود يعود على المجتمع وروح التبرع المذكور في التأمين التعاونى.

الرئيس:

كلمة بسيطة يا شيخ.. وإذا قبلت أحد الجهات يكون حجة على الشرع.

ص: 525

الشيخ محمد على التسخيرى:

لا أنا لا أريد أن أقول ذلك، أنا أريد أن أنبه على وجود هذه الأمور ولا أريد أن أحتج وربما الالتفات إلى وجود هذه الأمور يؤثر في الوصول إلى النتيجة. الملحوظ هنا أن نفس عقد التأمين بطبيعته تعاوني وهذه نقطة مهمة حتى لو صدرت من محتكر، حتى لو صدرت من إنسان منحرف، نفس عقد التأمين كما أشار الأستاذ الزرقاء هي نفسها تعاونية بحيث تقسم الضربة.

النقطة الأخرى التى أود أن نركز عليها أن الغرر قد يندفع بالمشاهدة قد يندفع بالعلم بالتفصيلات، أن الغرر قد يندفع بالمشاهدة بالعلم بالتفصيلات، وعندما نسأل العرف نقول أن العرف هو الذى يشخص لنا المقدار، نقول له هل تحس غررا في هذا المجال عندما تشرح له تفصيلات الأمر بشكل كامل فهو إما لا يحس غررا فاحشا أو يبقى يشك، وإذا شك العرف فقد تخلص الفقيه باعتبار أن المراد إبطال هذا العقد بعموم أكل المال بالباطل، ولا يمكن التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية للعرف، يعنى إذا قال أكرم العلماء ثم شك العرف في عالمية شخص لا يمكن التمسك بالعموم في تطبيقه على هذا المصداق. إذن العرف عندما يشك، وهناك احتمال قوي في شك العرف في هذه المسألة، لا يمكننا أن نتمسك بعموم حرمة أكل المال بالباطل لإثبات الحرمة لهذا المورد.

ص: 526

وهذا المعنى يجب أن يفرق بينه وبين ضربة القانص وما إلى ذلك. الذى أرجو في ختام هذه الملاحظة ألا نصدر هنا قرارا بعد أن نجد الأمر عاما بين المسلمين جميعا اليوم. وإصدار هذا القرار فيه هذه الآثار الكبرى ربما يأثم الكثيرون في هذا المعنى، لا أريد أقول أن هذا يؤثر على قرارنا، لكن أقول يجب أن نترك الأمر لتشخيص مصداق، هل هنا ضرر أم لا؟ اتركوا الأمر في الفتيا للمفتين ليشخصوا ذلك، لكن إذا أصدرنا هنا قرارًا فقد أغلقنا عليهم الباب، وشكرًا جزيلًا ومعذرة.

الرئيس:

شكرًا لكن هنا كلمة بسيطة هى من باب التعليق الجانبى فقط، إذا كنتم تقولون بأنه لا يصدر قرار، فلو لم تصدروا رأيكم من الأصل لأنكم صرحتم برأيكم بالأمس في هذه القضية. هذا واحد.

الشيء الثانى أن قضية التأمين ليست جديدة على المجامع ولا على دور العلم ولا على مدارس الاقتصاد ولا على محافل الدراسات الإسلامية. فهى قضية لها عمر مديد من الزمن من مجمع إلى مجمع ومن محفل إلى محفل ومن دار علم إلى أخرى ومن مؤسسة اقتصادية إلى أخرى. فنحن لم نأت إذا أصدرنا قرارا بما ندين الله به لم نأت من الأمر نكرا ولم نستعمل أمرا لنا في أناة لأن الذى يظهر، قضية التوجهات الحاصلة فيها وضوح. وأعطى الكلمة للشيخ أحمد.

ص: 527

الشيخ أحمد بزيغ ياسين:

بسم الله الرحمن الرحيم، أحمده وأستعينه وأصلى وأسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد، أقول: عقود التأمين الموجودة عقود أصلها ووضع قواعدها أناس ماديون من غير المسلمين، فهذا يكفى بأن يقول فيها العلماء ما قال مالك في الخمر. إنما أود أن أضيف إلى ما قالوا نقطتين في الحقيقة، ما أدرى غفلوا عنها مشايخنا أو أن ما قالوه يشملها وهي فيها استغلال وابتزاز. هذه العقود فيها استغلال وفيها استغلال وفيها ابتزاز لأموال المسلمين. ثم أود أن أبين لأنكم كلكم ما شاء الله علماء ولا أستطيع أن أتجرأ بحضوركم أن أقول، بأن الشريعة الإسلامية لا نريد أن نلوى عنقها لواقعنا. نريد أن نصحح واقعنا إلى الشريعة الإسلامية إذا نحن مسلمين. وهذا شيء آخر، ثم أريد أن أبين أيضا، اليهود يجرون في الأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين الأمم مجري الشيطان في الدم، يري أثره ولا يري شخصه، فلا نقبل هذه الناحية ويجب أن نكون على مستوي من الوعي والإدراك لما يكيد لنا أعداؤنا، إنما أن أبين نقطة في الحقيقة، وهى نقطة فيها إشكال. إذا قامت هذه البدائل الإسلامية ويجب أن تقوم ويجب أن نوصى بها وأن نشجعها وأن نعممها في ديار الإسلام وجوبا، لكن في البلاد التى لا يوجد بها هذه البدائل، إذا علم وكلاء الشحن أصحاب البواخر والعمال في الأرصفة للبضائع إذا علموا أن بضائع المسلمين غير مؤمن عليها يتجرؤون عليها بالسرقة. وأنا أعلم كثيرا من الأمور في الحقيقة تأتى الطرود خالية من البضاعة لأن رجلا جزاه الله خيرا لا يؤمن وعمل حسابا له فوجد نفسه رابحا على مدار السنة من ذلك يؤمن عند نفسه وجد نفسه رابحا في نهاية السنة إنما عندما علم أحد عملائه بذلك جاءته بضاعة وفى الكرتين كانت خلوا من البضائع، هذا إشكال أود أن أطرقه في الحقيقة لأنه قد حدث، ثم أن بضاعة من البضائع لمعلومكم التصدير والإستيراد هو مبنى على الثقة والمصارف تتعامل في المستندات والمفروض في التعامل بالمستندات بين أناس ثقات – حصلت حوادث كثيرة بأن تأتى المستندات وتصل الباخرة ولا بضاعة. المستندات مزورة. هذه أمور ليست حجة بأن نجيز التأمين، أبدا، إنما هذه حجة يحب علينا أن يكون عندنا رجال أن نملك أساطيل تحمل بضائعنا وأن يكون عندنا رجال يستلمون بضائعنا في الخارج وتكون بضائعنا في أيدينا، هذه في الحقيقة وددت أن أبين، وحتى يقوم البديل ما هو الرأي في التأمين التجاري، هل ممكن للضرورة القصوي وحتى لا يكون ابتزاز لأموال المسلمين نعمل به أو لا؟، وشكرا.

الرئيس:

أحب أن أضيف كلمة بسيطة لكلام الشيخ أحمد، وهو أن الابتزاز والاستغلال والسلب وما جرى مجرى ذلك وهو أن لم يكن منصوصا عليه فهو أثر المغامرة والمقامرة وأثر الغرر، هو هذه آثارها هو المنصوص عليه ضمنا.

ص: 528

الشيخ عبد الحليم الجندى:

شكرا سيادة الرئيس، لدي كلمات قليلة جدا من أحرف قليلة كتبتها الآن فنستمع إلى البدائل بقلب مفتوح. وإذا وفقنا إلى البديل فنحن نستقبله بكل إخلاص ونعمل به. إنما أريد أن أضيف أشياء، إننا أجزنا أمس تأمينا كثيرا جدا وفيه خير كثير جدا وضمنته حكومة من حكومات الأمة الإسلامية. الكلام عن عيوب التأمين في الحقيقة تنحصر في تصرفات شركات التأمين بأموال المودعين. ونستطيع أن نضع هنا تصحيحا وأن نقول لها إنها لا تتصرف في أموالنا إلا تصرفا إسلاميا، استفتاء المسلمين، حدث أن المسلمين جميعا استفتوا على مدار عشر سنين في موضوع التأمين، استفتى علماء المسلمين جميعا في السنوات العشر من أربع سنوات في موضوع التأمين بقرار من جهة أخرى فجاءت أغلبية أصوات العلماء من كل الأقطار، أغلبية كانت تبيح ولخص هذا لجهة رئيسية وهى مجمع بحوث الأزهر في تقرير طويل من علماء كبار جدا في عصرهم بأن أبيح التأمين، أما التأمين على النفس ففى نفس الملخص منه أشياء ولم يصدر القرار بعد. ابن رشد عد ثلاثين نوعا من الغرر وهو رجل لاشك متحرر الفكر واسع النظر، ولكن بعد أن عد ابن رشد ثلاثين نوعا من الغرر تقلصت ومازالت تتقلص وأصبح المسلمون أعلم بالتصرفات من أن يقولوا أن هنالك غررا مادامت تكتب في أشياء يرونها، هنالك شيء يسمى في المنطق قاعدة أصبحت منطقية تدرس في جميع المعاهد وهى تسمى "بالمنطق الوضعي" المنطق الوضعي لا يتنافى أبدا مع النظرية الإسلامية في المنهج، لأن المنهج الإسلامي كله يميل إلى الواقع، هذه النظرية في القانون الوضعى تسمى "قانون الاحتمالات" هى أصبحت قانونا يتعاملون عليه ويصدرون المنطق على أساسه.

أخيرا أقول أن المعاملات تلقن حتى يحدث المنهج، أي أن الإباحة أصل وأرجو ألا نتعجل أمرا لنا فيه أناة أيضا لأن المجامع مختلفة وأرجو أيضا أن لا يسبقنا مجمع برأي فنسير وراءه، بل نحن ما زلنا لنا حرية الاختيار وحرية إبداء الرأي.. وأشكركم يا سيادة الرئيس لأنك أعطيتنى الكلمة وقد أردت أن ترخصها على أساس أننا أمس بلغنا مرحلة في المسألة وأشك أننا بلغناه، وشكرا.

ص: 529

الشيخ المختار السلامى:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.

أريد أن أعلق على قضية التأمين أولا ببيان ما هو هذا العقد. فقد جعله بعضهم عقدا فيه غرر وجعله آخرون هو الغرر نفسه. ولكن العقود معلومة مبوبة فليس الغرر عقدا، ولا قولنا هذا فيه غرر، هو عقد، عقد التأمين، عقد معلوم من قبل، هو عقد ضمان. لأن الشركة التى تحملت هى ضامنة وكان الضمان يقع على أنحاء، فكان رئيس القبيلة يضمن سلامة القافلة إذا مرت على قبيلته في مقابل فلا تسرق ولا تنتهب وهو ما قال فيه ابن عاصم:

وسُمى الضامن بالحميل كذاك بالزعيم والكفيل

ثم أدخله في بابه فقال وهو من المعروف. فالضمان في الإسلام هو عقد من عقود المعروف. وهذا الكلام الذى قاله فقيه الشريعة إنما جاءت لإصلاح البشر فكل شيء له مفهومه في العقود، والعقود كلها معللة وواضحة. فهناك نظرة عامة في تربية الأمة الإسلامية. حتى لا تربى الأمة الإسلامية على الامتصاص تكون فيها جماعة تكون ثرواتها من الامتصاص المساوي للسرقة، فلذلك حرمت عقد الربا لأنه فيه امتصاص بدون بذل مجهود، وحرمة الضمان باعتبار أن فيه امتصاصها، لأنه امتصاص بدون بذل مجهود.

ص: 530

ثانيًا، أن بعد هذا حرمت الشريعة أيضا على أن تكون اللحمة بين الأمة الإسلامية لا يدخل ما يوجب نزاعا، وكل عقد أوجب نزاعا فهو محرم. ومن هنا جاء تحريم الغرر. ففي عقد الضامن هذا، أولا تعويض جماعة على امتصاص بدون بذل مجهود ثم فيه ما يمكن أن يكون منه تنازع بين الضامن والمضمون وعدم رضا المضمون على الضامن لأنه أخذ ماله ولم يعطه شيئا. فهذه بعد تأملي في القضية هو مفهوم عقد الضمان أو عقد التأمين. هذا هو مفهوم جرت عليه الأمة الإسلامية، واضح وما وجد فيه خلاف ولا يمكن لفقيه أن يخالف فيه. ثم نمنا على أثقالنا وخرجت التجارة العالمية من أيدينا وفرض علينا واقع. فاليوم الحذاء الذى ألبسه والقميص الذى ألبسه كله قد دفع فيه الضمان لشركات التأمين شئت أو أبيت. وأن هذا التأمين سيتواصل شئنا أم أبينا. فالحاجة إذن هو أنه لا يمكن لو فرضنا أن مؤتمرنا الموقر هذا قال: التأمين حرام، أبطلوا التأمين يا عباد الله، فهل يبطل التأمين ولو استمع الينا الناس ولو استعمت الينا الحكومات ولو استمع الينا رجال الاقتصاد، لما استطاعوا أن يمونوا الأسواق ولو بمليم واحد. فإذن هناك حاجة أساسية اليوم هو وضع العالم الإسلامى لا يمكنه أن يجرى اقتصاده إلا بإعطاء طريقة لهذه الحاجة أولًا، ثانيًا هو النظر في الأمرين اللذين ابتدأت منهما، كيف نجعل تأمينا يكون هذا التأمين من ناحية لا يوجب خصاما وليس فيه امتصاص. وفقت الشركات التعاونية وقامت بالتجربة فعلا، فما علينا إلا أن نشجع هذه الشركات، ثم أن في البلدان التى لا يوجد فيها ندعو إلى ايجاد هذا. ولابد من إعطاء حل للواقع، وإلا نكون قد أغمضنا عيوننا عن الواقع ولم نعط للبشر حلا. وأيسر الحلول، وهو أن هذا المعروف القديم حرام فهو حرام، هذا ليس حلا، وما جمعنا لهذا، ولو كان الغرض من اجتماعنا هو هذا الأمر لو كان هذا الغرض لكان نفقات زائدة ولكان مؤتمرا زائدا ولكانت أتعابنا زائدة. لأن كل واحد منا إذا أخذ الأحكام الأصلية ونظر فيها يعطى حكمه واضحا، فتقدير المصلحة وتقدير الحاجة الاجتماعية أعتقدها ضرورية. وشكرًا.

ص: 531

الشيخ تقى العثمانى:

بسم الله الرحمن الرحيم، شكرًا سيدى الرئيس، إنى لا أريد أن أقع في تكرار لما قيل من قبلى في موضوع التأمين، فإن موضوع التأمين فيما أظن قد غربل غربلة ونخل نخلًا في عدة مؤتمرات واجتماعات. ولكنى أريد في كلمتى الموجزة أن أعلق على بعض النقاط التى آثارها أخونا الفاضل فضيلة الشيخ التسخيرى حفظه الله. فإنه طرح لدينا بعض النقاط الجديدة وطرح لدينا عدة تخريجات فقهية للتأمين التجاري، فلابد أن ننظر فيها.

أما التخريج الأول الذى أشار إليه أخونا الشيخ التسخيرى حفظه الله فهو أننا يمكن لنا أن نخرجه عن طريق الصلح. ولكن الصلح كما يعرف الفقهاء وكما أشار إليه فضيلة سيدنا الرئيس، أنه لابد أن يكون في حق متنازع بين طرفين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الصلح لا يحل حراما ولا يحرم حلالا إلا صلحا أحل حراما وحرم حلالا)) استثنى الصلح الذى يحل حراما أو يحرم حلالا وإلا لجاز كل منكر وكل إثم باسم الصلح وجاز أخذ الرشوة وقلنا إنه يجوز من طريق الصلح.

والتخريج الثانى الذى أشار إليه فضيلة الشيخ التسخيرى، هو أن نعتبر التأمين كالهبة المعوضة. ولكن الهبة المعوضة أولا يجب أن يكون فيها عوض، وها هنا ليس شيء يعتبر عوضا، والعوض وإن كان فهو على خطر. ثم ثانية، الهبة المعوضة كما صرح به الفقهاء تكون في حكم البيع في سائر الأحكام، فهل يجوز بيع النقود بنقود أكثر منها نسيئة وعلى خطر. تكون الهبة المعوضة في حكم بيع النقود بالنقود المؤجلة وهى على خطر فلا يصلح أن نقول إنها هبة معوضة. أما ما تفضل به أن العوض هو الأمان، فإن الأمان هو شيء عدمي لا يصلح أن يكون عوضا ولا يصلح أن نعتبره عوضا ماليا. أما إذا كان العوض هو المبلغ الذي يحصل عليه في المستقبل عند وقوع الخطر فهذا شيء لا نستيقن به فهو على خطر وهو غرر.

والشيء الثالث الذى أشار إليه الشيخ التسخيرى حفظه الله، هو أن بعض الغرر يكون في المضاربة. ولكن المعروف في كتب الفقه وعند الفقهاء أن الغرر إنما يحدث إذا استوفى فريق واحد كل ما يستحقه بالعقد، ويكون حق الآخر على خطر، كبيع الطير في الهواء، فإن البائع يحصل على ثمن والمشترى على خطر لا يدرى أيحصل على الطير أم لا؟ وأن في المضاربة لا يحصل ذلك، فإنه إذا ربحت المضاربة ربح كلا الطرفين، وإذا خسرت المضاربة خسر كلا الفريقين، فليس هناك غرر في المضاربة.

هذه التخريجات التى ذكرها أخونا الشيخ التسخيرى حفظه الله لا أرى أنها تبرر عقد التأمين من وجهة نظر الشريعة والفقه الإسلامى، والسلام عليكم ورحمة الله.

ص: 532

الشيخ عبد الله إبراهيم:

بسم الله الرحمن الرحيم، شكرا لفضيلة الرئيس على إتاحة الفرصة لى فإننى هنا أؤيد كل ما قاله فضيلة الشيخ تقي قبلى وكذلك القرارات التى سبق أن اتخذت في عدة مؤتمرات واجتماعات وكذلك الاتجاه الذى سنتجه إليه أو اتجه إليه رأي الأغلبية في مجمعنا هذا. إلا أننى هنا أريد أن أستفسر أولا على ما ورد في كلام فضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور، وكذلك عما ورد في كلام فضيلة الدكتور الضرير أمس بشأن المساهمة أو الاشتراك بهذا التأمين وذلك كما يقولون عن طريق التبرع. فقد صرح فضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور أن هذا التبرع للشركة، مع أنه دعا إلى عدم تأسيس هذا التأمين عن طريق الشركات وإنما عن طريق الحكومات أو المؤسسة التى تقيمها الحكومة. فاستفسر لماذا التبرع إلى شركة؟ ما هو المقصود بهذه الشركة؟ ثم لفضيلة الدكتور الضرير أيضا عن طريق التبرع، ثم لا أفهم كيف يكون التبرع؟ ثم يشترك المتبرعون في الأرباح وملكية الأسهم، أو يعتبر المتبرعون حملة الأسهم أو البوليصة؟ كيف يكون متبرعون كذلك مع أنهم متبرعون بما دفعوا؟ ثم هنا أريد أن أوجه سؤالا آخر لفضيلته، وكذلك لأصحاب الفضيلة أعضاء المجمع جميعا، أليس من الأصح أو الأنسب أن يتبرع المشتركون على أساس المضاربة بنسبة معينة معلومة على أن يتبرع المضاربون بأرباحهم لأغراض التأمين، وعلى أن يكون لهم إذا فضل شيء من الأرباح في آخر السنة يرد عليهم بمقدار نسبة معلومة؟ وشكرا.

ص: 533

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

شكرا سيدي الرئيس {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . إخوتي الأعزاء شعرت بشيء من التجني غير المقصود من زميلي وجاري الذي ورائي، ولعل هذا من حسن الجوار أنه كان معي كمن يقول: الله تعالى يقول: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} ، وهنا أخونا الكريم أولا نسب إلي أني قلت: الشركة، قضية الشركة ما قلتها أصلا، وإنما قلت: تجعل له منظمة. وكلمة تجعل يعود على الحكومات الإسلامية، فاعل جعل، هو الحكومات الإسلامية، وإذا قامت الحكومات الإسلامية، كل حكومة في بلدها، وأقصد بالإسلامية الحكومات حين تطبق الشريعة الإسلامية. فإذا قامت منظمات وأناطت بهذه المنظمات المعنى التعاوني التبرعي الذي ذكرت، وكانت مثل جمعيات خيرية كان هذا المعنى واضحا لا ضرر فيه، لا على المجتمع ولا على الفرد ولا على الجماعة. قلت: هذا ليس هو النظرية التي سقتها في هذا الموضوع؛ لأن نظريتي لم يسمح لي السيد الرئيس بما فطر عليه من الحكمة أن أعرضها؛ لأنه أرجأ عرض النظريات البدائل إلى وقت آخر. لكن زميلي لو قرأ البحث إلى نهايته وأوفى فيه على الغاية وقرأ البديل الذي اقترحته لما تسرع في قوله هذا. وغفر الله لي وله، وشكرا.

الشيخ علي السالوس:

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.. في الواقع ما كنت أحب أن أتحدث في موضوع التأمين بعد هذه المناقشات الحادة ووجود أساتذتنا الأفاضل الأجلاء، ولكن أكتفي بالتعقيب على ثلاث نقاط:

النقطة الأولى، القول بأن أكثر فقهاء العصر أباحوا التأمين، أنا في الحقيقة ما أعرفه هو خلاف هذا؛ لأن منذ أن تحدث ابن عابدين وتوفي سنة 1252.

الرئيس:

يا شيخ علي.. هذه النقطة أرجو من فضيلتكم عدم التعليق عليها؛ لأنها واضحة كالشمس؛ للاختصار، قصدي أنه كون أكثر علماء العصر في أحد المحافل أفتوا بالجواز.

ص: 534

الشيخ علي السالوس:

ليس في أحد المحافل، أنا أتحدث هنا منذ ابن عابدين.

الأمر الثاني: النظر إلى التأمين على أنه عقد ضمان، التأمين لا يجوز كعقد ضمان؛ لأن التأمين التجاري يخضع للقوانين الوضعية، والقوانين الوضعية تنص على أنه عقد معاوضة، وأن شركة التأمين ملتزمة بأن تدفع التعويضات مقابل ما تأخذه من أقساط ولا تملك الامتناع، ولكن في الضمان، الضامن غير المتبرع له أن يعود على المضمون بما يغرم، شركة التأمين ليس لها أن تعود بهذه الأقساط على من يصاب، ولذلك لا يمكن أن يكون عقد ضمان إلا إذا كانت شركات التأمين شركات متبرعة، والذي نعرفه أنها شركات مستغلة لا متبرعة.

الأمر الثالث: إلغاء شركات التأمين، ما قلنا بإلغاء شركات التأمين، وإنما البحث عن البديل الإسلامي، فإن كانت شركات التأمين الآن مسيطرة هذه السيطرة، ونريد أن نخرج بحكم شرعي، فإذا كان نظام شركات التأمين حراما، فليس معنى هذا أن نقول: حلال؛ لأنها تسيطر، وإنما نقول: إننا نبحث عن البديل الإسلامي، وتبقى القاعدة العامة: الضرورات تبيح المحظورات. وشكرا.

الشيخ محمد شريف أحمد:

شكرا سيدي الرئيس، في الحقيقة تكونت لدي بضع ملاحظات منذ آن وقد طلبت الحديث عدة مرات ولكن لم يؤذن لي، أو لم يسع الوقت على الأكثر لتدخلي في الموضوع. وأود أن أعود بالمناقشة التي طالت، إلى أفكار أصولية؛ لأننا إذا تعمقنا في الفروع لا بد وأننا سنخوض لجة لا نصل فيها إلى غاية.

ص: 535

أولا، تكون هذا المجمع وأريد منه أن يتوصل إلى حلول نوحد بها تشريعات الأمة. أريد لهذا المجمع أن يكون وسيلة فقهية لتوحيد الأمة، فلا يجوز لهذا المجمع أن يتوصل إلى قرار نختلف فيه؛ لأننا بذلك نضيف خلافا جديدا وهذا الخلاف لا يحقق لا مقاصد الأمة ولا المقاصد الأساسية لتكوين هذا المجمع الفقهي الإسلامي الأصيل. ولكي يمكن لنا أن نتوصل إلى حلول موحدة إسلامية بنظر إجماعي نستطيع بها أن نوحد، أنا بدون شك أدعو بالبديل الإسلامي لا لأن كل ما هو كائن هو مخالف للشرع الإسلامي أبدا، وإنني في ذلك أصرح بأنني مع الأستاذ الزرقاء تماما، مع تقديري للمشاعر الصادقة وللعمل الغزير الذي تفضل به الأستاذ الدكتور وهبة، ومع العقلية الفقهية الكبيرة لأستاذنا السلامي الذي تكلم أخيرا بعقلية المفتي الواقعي، لكني مع ذلك أطالب بالبديل الإسلامي؛ لأن أمتنا يجب أن تتميز وهي أمة متميزة.

أما كيف نتوصل إلى حلول أو منهج موحد، الحقيقة كلنا متفقون على الكتاب والسنة لا يمكن أن يختلف فقيه أو غير فقيه في قضية أن الكتاب هو المصدر الأول للشريعة الإسلامية. ولكننا قد نختلف في التفسير، علينا أيضا أن نتفق، أن نضع خطة موحدة ومنهجا واحدا للتفسير، كيف نفسر القرآن الكريم أو الآيات والأحكام؟ وتعلمون أن أول الأصوليين من الفقهاء المسلمين قد نبغوا في هذا الميدان حتى أن الغربيين فقهاء القانون الغربي، مع تعمقهم ومع تقدم قوانينهم لحد الآن هم عالة على أصولنا في كثير من أفكارهم. وإني درست مدارس التفسير الغربي، تفسير القوانين، فرأيتهم كأنهم تلاميذ مبتدئون في مسألة التفسير، وفي مسألة الاستنباط لا بأس أن نقف عند الكتاب والسنة. وفي هذا أيضا نشير إلى قانون عريق في القانون الغربي، وهو القانون المدني الفرنسي. القانون المدني الفرنسي وضعه أناس بشر، ومع ذلك قدس هذا القانون ومعظم القانونيين الغربيين الفرنسسين بالذات والذين يمثلون القانون الروماني العريق بدون شك في تنظيمه للمسائل القانونية، نظروا إلى هذا القانون على أنه مقدس، ولم يسمحوا للقضاة بالخروج على نصوص القانون المدني الفرنسي، رغم أن القانون المدني الفرنسي معلوم أنه صدر في أواخر القرن الثامن عشر، والتطورات الاقتصادية والتطورات التجارية والتطورات الصناعية كلها حدثت بعد صدور هذا القانون، مع ذلك استطاع هذا القانون أن يواجه هذه القضايا المستجدة بفضل فقه الفقهاء الفرنسسين الذين استطاعوا أن يفسروا وأن يتعمقوا في التفسير، وبدون شك أنهم استفادوا من نظرة الأصوليين كثيرا، حتى أحدهم يقول: أن منهج البحث العلمي الحر الموجود في فرنسا هو مستنبط من منهج فقه أبي حنيفة.

ص: 536

على أي حال، لا نطيل في هذا البحث وفي أصولنا وفي منهجنا كل ما نستطيع أن نعالج به قضايانا واستنباطنا في الكتاب والسنة. وأعتقد بأن بعضا منا قد لا يأخذ بالاستحسان ولكنه يعمل بالاستحسان أو يعمل بالمصالح المرسلة أو يعمل بالقياس، وكل هذه الأصول التبعية هي كلها مناقشات لفظية، وكلها تعود أساسا إلى الكتاب والسنة حتى أن الذي لا يأخذ بالقياس يأخذ بالعقل وما يؤدي إليه العقل هو ما يؤدي إليه القياس.

فإذن المهم بالنسبة لمجمعنا حسب اعتقادي، حتى نصل في المستقبل إلى حلول موحدة، وحتى نستطيع أن نقدم لأمتنا، أي لدولنا التي تمثل الأمة الإسلامية، وأشير هنا في جملة معترضة، قد يكون هنالك فرق بين، أو بون شاسع أو غير شاسع، بين ما يجب أن يكون في دولنا وبين ما هو كائن، ولكننا علينا أن ندفع بما هو كائن إلى ما يجب أن يكون، ولذلك فإنه لا يجوز لنا أن نعطل مصالح الأمة إطلاقا، وإلا سنصبح مسئولين أمام الله، ونصبح مسئولين أمام شعوبنا أيضا التي إذا عطلنا مصالحهم، أنهم دون شك سيمضون في مصالحهم وسيتجاوزوننا، وأخشى أن أكون قد أطلت، ولكني أضيف نقطة أخرى أيضا، هذه النقطة لها علاقة بالمنهجية، هل يجوز لنا ونحن نعالج المشاكل المستجدة أن نجعل من عبارات الفقهاء المتأخرين منهم بالذات والفقيه الكبير ابن عابدين مع تقديرنا وإجلالنا له، أن نجعله أصلا نستمد ونستنبط منه أحكامنا، هل يجوز لنا؟

الرئيس:

هل هناك أحد يقول هذا يا شيخ؟ سؤال فقط.

ص: 537

الشيخ محمد شريف أحمد:

لا لا!

الرئيس:

إذن ما فيه داع لإيراد هذا يا شيخ.

الشيخ محمد شريف أحمد:

على كل سؤال ربما، ثم أن هناك مسألة مبحوثة في كتب الفقه ومبحوثة لدى القانونيين وفي الفقه أكثر، هل لنا أن نحدث عقودا جديدة ونكيفها على أنها عقود جديدة؟ هل نحن مكلفون أن نكيف أي عقد كفالة أو وكالة أو مضاربة أو مرابحة أو أي عقد من العقود المعروفة، من المسميات القديمة كما تفضل، أم يجوز لنا أن نحدث عقودا جديدة؟ وكيف يكون تكييفنا لهذه العقود الجديدة؟ يعني مجرد ملاحظات.

الرئيس:

يا شيخ انتهيت أم لا؟

الشيخ محمد شريف أحمد:

إذا كان عندكم الرغبة أن أنهي فقد أنهيت.

الرئيس:

لا، يعني قضية التخريج عندما، إذا ضاقت بالفقيه المخارج على أن يكون هذا العقد شرعيا، فإنه قد يبحث عن تخريجه حتى يتكيف شرعيا هذا في الغالب، وإلا فالأصل في العقود الإباحة، وهنا لا إشكال فيه، لكن لو استصحب الأصل ثم استصحب ما حف بهذا العقد وجد أنه لا يتلاقى مع الأصل وهو الإباحة في نظره لما يعتبره، لكن ربما يكون عنده ميل إلى الجواز فيحاول أن يخرجه على أصل متفق عليه أو على عقد متفق عليه حتى يكون أدعى للقبول، ومع الإيمان في نفسه أن يعتريه ما يعتريه مما أثاره صاحب القول المقابل.

ص: 538

الشيخ عبد اللطيف جناحي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

أنا في الواقع دائما شديد الاختصار، وهذه طبيعة عملنا؛ لأننا نرسل البرقيات الآن ولا نكتب الكتب. أحببت أن أتعرض لنقطة واحدة بالنسبة لأولئك الذين يبررون حل التأمين بأن هناك حساب احتمال، وغيرها من العمليات الإحصائية. طبيعة عمل التأمين يحتاج إلى نقد سريع في اليد؛ لأننا لا نعلم متى يقع الحدث. وأنا لي ما يقارب من ربع قرن في هذا العمل، ووضعت عددا من القوانين والحمد لله في النواحي الإسلامية، مثل ذلك في النواحي الوضعية. التأمين بطبيعته يحتاج إلى نقد سريع في اليد لعدم معرفتنا متى سيقع الحدث، فإذن لا بد أن تستثمر هذه الأموال استثمارا سريعا، وأفضل الاستثمارات السريعة هي أن نضعها في بنوك ربوية نحصل على العائد الفوري. هذه نقطة. والنقطة الأخرى بالنسبة لحساب الاحتمال، في أواخر السبعينات كما تعلمون راجت التجارة في المنطقة وأصبحت الاستيرادات كثيرة فاسقطنا من حسابنا حساب الاحتمال، وقلنا لنجمع أكبر مبلغ من رسوم التأمين بأي سعر كان ونستثمرة استثمارا ربويا؛ لأن الدولار نسبة الربا عليه 21 % في ذلك الوقت. فإذن معظم التعويضات التي دفعناها في أواخر السبعينات هي تعويضات ربوية أعطينا المؤمن لهم أموالا عن الخسائر التي وقعت لهم من ناتج الربا وإذا أردنا أن نتحقق من ذلك تعالوا بنا لننظر إلى سوق التأمين العالمية اليوم، سوق التأمين العالمي اليوم يعاني مشكلة كبيرة من نتائج أعماله الربوية في أواخر السبعينات، بحيث الآن بدأوا يعيدون حساباتهم؛ لأن نسبة الفائدة على حسابنا من جديد ونرفع أسعار التأمين 50 % و100 %. هذه هي طبيعة عمل التأمين أردت أن أوضحه حتى لا يلتبس الأمر، وأشكركم.

ص: 539

الشيخ وهبة الزحيلي:

أرجو ألا يكون قد فهم من كلامي بالأمس عندما قلت بتحريم التأمين التجاري ذي القسط الثابت، ثم عقبت عليه بأن إعادة التأمين على هذا التأمين يجوز إذا كانت هناك حاجة متعينة وذلك لظروف اقتضتها طبيعة نشوء شركات التأمين التعاونية الإسلامية؛ لأني إذا قلت بجواز إعادة التأمين، فكأني أقول أنسف المبدأ الذي بنيت عليه حرمة التأمين في الأصل، وهو ما لم يكن في قصدي أصلا، والحقيقة الحاجة التي تجيز إعادة التأمين مقيدة بشروط كثيرة ينبغي أن أشير إليها، وهي أن تكون هذه الحاجة أولا حقيقية لا وهمية، وأن تكون عامة، وأن تكون متعينة لا فردية، ولذلك إذا كانت الحاجة فردية فكثير من الناس يدعي أنه بحاجة إلى التأمين، وعندئذ النتيجة التي أريد أن أصل إليها، وهي الحرمة أكون قد نقضتها من جانب آخر، هذا طبعا لا يجوز بأي حال من الأحوال، بداية التأمين وهي أن تكون لحاجة فردية، هذا لا يجوز تمشيا مع الأصل الذي أريده، وأما تلك الحالة الضرورية الخاصة التي هي إعادة التأمين هي حاجة أو ضرورة، والضرورة والحاجة تقدران بقدرهما. فلذلك لا يمكن أن أجيز ناحية وأمنع ناحية إلا ضمن القيود الشرعية الضيقة جدا للجانب الذي أجزته ولفترة محدودة ولفترة زمينة ولظروف ضيقة جدا، هذا شيء.

والشيء الثاني، الحقيقة نحن غيورون على هذا المجتمع وعلى حرمته وكرامته والحب في ديمومته واستمراره ودعمه للمجامع الفقهية الأخرى في العالم الإسلامي، فلذلك فنحن في الحصاد ثلاثة أيام وأربعة كان حصادنا ضعيفا أو نتاجنا محدودا قليلا، فأرجو ألا يكون اتجاهنا فيما عدا بعض هذه الأمور التي غلب فيها الاتجاه نحو تحريم التأمين مثلا أن يكون اتجاهنا في قضايا كثيرة فنميل إلى الهدم وإلى السلبية ولا نميل إلى البناء والإيجابية. فأنا أؤكد وأقدر ما تفضل به فضيلة الشيخ السلامي والأخ الدكتور الشريف من أننا إذا مشينا في الاتجاه نحو تحريم شيء أن نؤكد على البديل؛ لأننا نريد أن نبني ولا نريد أن نهدم فقط. فالبناء هو هدفنا، وهي المهمة الأساسية التي من أجلها وجدت المجامع لأن يكون هناك عقلية متفتحة تضيف جديدا وتعطي بدائل، وهذا هو هدفنا في الحقيقة وينبغي أن نحرص على الوصول إلى هذا الهدف لا أن تكون حصيلة عملنا في النهاية استصدار قرارات أكثرها قد يكون مشابها لما مضى، ونريد أن تكون لنا خطوة إيجابية جديدة في الموضوع، وشكرا سيادة الرئيس.

ص: 540

الشيخ عبد الله البسام:

بسم الله الرحمن الرحيم، أما موضوع التأمين فأنا لن أدخل في تفاصيله من نواح: الناحية الأولى أن أصحاب الفضيلة بحثوه وبحث قبلهم وقد كثر فيه البحث وأعتقد الآن وضح، ولكني أوافق الإخوان على البديل حتى لا نهدم ولا نبني وموضوع البديل سواء بحث في هذه الجلسة.

الرئيس:

لكن لو أوضحت عن الشيء الذي ظهر.

الشيخ عبد الله البسام:

الشيء الذي ظهر أنا أعتقد أن التأمين في معناه المعروف الآن أنه منصوص على تحريمه في كتاب الله، وأن قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} أنه هو أول ما يدخل في الميسر. وأنا ما أردت أن أدخل في باب التأمين وإنما لفت نظري كلمة سمعتها من فضيلة الشيخ المختار وهي أنه يجب أن يكون لدينا مرونة وإن هذه المرونة مثل فيها أن التأمين هو واقع شئنا أو أبينا وأنه مادام أمرا واقعا في المسلمين وفي العالم كله يجب أن نساير هذا. أنا أرى أن هذا مبدأ خطير جدا؛ لأننا إذا أردنا أن كل عقد أو كل عمل موجود في المجتمع أننا نسايره، معنى أولا أن الاجتماعات والبحوث ليس لها قيمة، الناحية الأخرى أننا بهذا نهدم الشريعة. فأنا أرى أن الشريعة كما قال بعض الإخوان وهو الشيخ الشريف متبوعة لا تابعة، لكن متبوعة أيضا ولا تقف حجر عثرة أمام المسلمين وأمام المتعاملين وإنما يجب على علماء المسلمين وعلى مفكري المسلمين وعلى قادة المسلمين أن يجدوا للناس حلولا وأنا أعتقد اعتقادا تاما وكلهم يعتقدون هذا، أن الشرعية الإسلامية لله الحمد شريعة العقل والنقل، إنها كفيلة لحل جميع الإشكالات وكفيلة لتلبية جميع المتطلبات، ولكن يجب علينا الجد والاجتهاد فيها وأن نعطي الأمر حقه وأن ندرس الأمور ونبحثها على حقيقتها ونخرج منها بما يسير المجتمع. فكان كلكم تعلمون أن الإسلام لا تغيب الشمس عنه، ومع هذا حكمته الشريعة الإسلامية وسار والحمد لله فيه، فهذا ما أردت أن أنبه عليه لاأن هذا من المخاطر أننا نجاري العادات ونجاري العقود وما يجري في المجتمع ونتلمس لذلك أشياء ورخصا ونفتي بما يمكن به وصف الشريعة بالمرونة.

الرئيس:

بعد هذا إتماما لبحث التأمين فإن أمامنا بحثين في البديل، أحدهما للشيخ عبد اللطيف جناحي، ولهذا أرجو من فضيلته إعطاء صورة ملخصة عن هذا البديل المقترح.

ص: 541

الشيخ عبد اللطيف جناحي:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد،

لا بد من بسط الموضوع بصورة موجزة فجزى الله الأمانة كل خير فقد طبعت البحث ووزعته وأنا أشكرها على همتها واهتمامها بما قدم لها وما أنيط إليها من أعمال.

البحث الذي بين أيديكم استعرضت فيه التأمين بشكل موجز، بينت نشأته وشرحت طبيعة العقد مستخلصا ذلك من القوانين الوضعية، القانون الإنجليزي والقانون البلجيكي والقانون المصري. ثم تطرقت لعناصر العقد ومبادئ العقد وخصائص العقد، وأيضا تناولت نظريات الباحثين الذين تناولوا موضوع التأمين، ثم انتقلت إلى أنواع الأخطار المغطاة. هناك أخطار الأشخاص حيث يعوض الشخص عند بتر يد له أو رجل له لا قدر الله، أو عند فقد دخل متوقع أو دخل كان مصدر رزقه. وأيضا من أنواع الأخطار، أخطار الممتلكات، كتأمين عمارة أو تأمين سيارة أو تأمين مسكن. وأخيرا أخطار المسئوليات المدنية. وكلنا يعلم أننا نستخدم مركبات، وهذه المركبات معرضة للحوادث وهذه الحوادث قد تؤذي الآخرين في أموالهم وفي أجسادهم، فلا بد من تعويضهم، أو هناك مهنيون كالأطباء والمهندسين فلو أخطأوافي عملهم، طبيب الأسنان لو طلب منه خلع السن فجرح الشفة مثلا طلب منه التعويض، ومسألة التعويض المدني مسألة واسعة جدا ومنتشرة في أمريكا الآن بشكل فظيع حتى أن أرقام هذه التعويضات وصلت إلى الملايين ووصلت إلى أرقام خيالية. في الصفحات الأخيرة من البحث شرحت أهم أنواع هيئات التأمين القائمة في العالم، لذا لن أتعرض بشرح تفصيلي لما ذكرته حفاظا على وقتكم الثمين. وممكن من الحوار أن نجيب على الاستفسارات التي لدى حضراتكم. ولكن أود أن أشير إلى بعض النقاط التي أرى أنها تستحق أن يلقى الضوء عليها. نحن لا نختلف أبدا على أن التأمين ضرورة من ضروريات الحياة، وضرورة ملحة، وما التأمين إلا حماية منشودة لحفظ المال من الهلاك أو حفظ الخلف من الضياغ عند وفاة رب العمل. فهل الإنسان عندما يحتاج إلى شيء أول ما ينظر ينظر ما حوله في بيته؟ هل يوجد ما يغطي حاجته في بيته؟ سؤالنا هنا: هل يوجد في ديننا الحنيف ما يغنينا عن التأمين بصيغته القائمة في العالم الغربي والشرقي؟ هذا سؤال نضع عليه علامة استفهام. ليس كل النظريات التي تطبق في الشرق والغرب صالحة أن تطبق عندنا. ومشكلتنا وعلتنا أننا نأتي بالنظريات الغربية والشرقية ونطبقها في بلادنا، وقد تكون تلك النظريات ناجحة لديهم ولكنها تفشل عندنا. قضية كبيرة، قضية ظروف يجب أن ندرسها يجب ألا نكون مقلدين، فلا بد إذن أن ننطلق منطلقا فكريا إسلاميا، نغير المنطلق الفكري، وألا نقوم باستيراد أفكار أجنبية ونؤسلمها، نلبس هذه النظريات ونلبس هذه الأفكار العمة الإسلامية ونقول الآن أسلمت. هذا في الواقع محظور يجب أن نتجنبه. وإذا اتبعنا هذا الأسلوب، أسلوب أن نأتي بالنظريات الغربية، هذا الأسلوب سيبعدنا عن تاريخنا الإسلامي الغني، تاريخنا الإسلامي غني بالخيرات، فلابد أن نبحث فيه ونبحث عن كنوزه الثرية لكي نستنبط. إنني أدعو علماءنا الأفاضل إلى أن يدلوا وأن يكثروا نشاطهم وأن يكثفوا نشاطهم في فريضة عظيمة هي فريضة الزكاة. ليبحثوا لنا هل في هذه الفريضة ما يغنينا عن استيراد التأمين بهذا الشكل.

ص: 542

أنا في الواقع لست بفقيه ولكن كمسلم علي واجب أن أتفقه في ديني قدر الإمكان حتى لا أخطئ، سأسرد على مسامعكم بعض الفقرات التي أوصلت لدي قناعة بأن هذا الدين دين عظيم، وأن فريضة الزكاة قاعدة أمنية عظيمة جدا، لذلك أنا من أنصار أولئك الذين يريدون أن يوسعوا هذه القاعدة الأمنية. فيما رواه الطبراني عن مجاهد في تفسير كلمة الغارمين حيث يقول:" من احترق بيته أو يصيبه سيل فيذهب متاعه ويدان على عياله فهذا من الغارمين ". الحريق والسيل موضوعان من مواضيع التأمين، ويقول عمر بن عبد العزيز،عندما كتب الى رجاله في الأمصار اقضوا عن الغارمين فكتب إليه بعضهم يقول: إنا نجد للرجل مسكنا وفرسا وأثاثا، فكتب إليهم: اقضوا عنه فإنه غارم. والرسول صلى الله عليه وسلم كما روى أحمد ومسلم أباح لمن أصابته حائجة اجتاحت ماله أن يسأل ولي الأمر حقه من الزكاة حتى يصيب قظاما من عيش، هذه الفريضة العظيمة لا يظهر قيمتها ولا يظهر نفعها إلا إذا سعينا سعيا لنشر الدين الإسلامي في العالم، وأنا الآن بصدد جمع الإحصائيات، وقد جمعت إحصائيات لعشر دول، أخذت الزكاة التي يجب أن تدفعها هذه الدول كما يقره الإسلام، وأخذت التأمينات الاجتماعية التي تدفعها هذه الدول، وأخذت إحصائيات تعويضات التأمين، فوجدت هناك تكافؤا، أي أن الزكاة لو طبقت التطبيق الصحيح ستغطي هذه الكوارث، وستغطي ما يدفع من التأمينات الاجتماعية. فإذا أضفنا إلى ذلك التكافل الاجتماعي الذي ينص عليه الإسلام لوجدنا أن الأمر يحتاج منا إلى تنظيم فقط. لننظم بيت المال الذي يغني المسلمين عن حاجة التأمين.

إذن ما أود أن أقوله بأن التكريس يجب أن يكون على تطوير ما لدينا من تراث تاريخي، لا على الاستيراد؛ لأن تاريخنا الإسلامي تاريخ عظيم، حتى البنوك الإسلامية، الشيكات التي تصدر عرفها تاريخنا الإسلامي. ويكفي أن أذكر لكم بيتين من الشعر عندما كتب وال من ولاة العراق صكا، هذا الصك وهو الشيك المعروف لكي يصرفه فلم يصرفه لأنه ليس له رصيد. عملية مصرفية قبل أربعة عشر قرنا أو قبل عشرة قرون، فكتب ذلك الشاعر خلف الصك يقول:

تحرر بالأنامل والأكف إذا كانت صلاتكم رقاعا

فها خطي خذوه بألف ألف ولم تكن الرقاع تجر نفعا

عرفنا الشيكات المصرفية وخدعونا عندما درسونا بأن الغرب هو الذي عرف الشيكات. عرفنا التأمين في ثوبه الإسلامي البراق، وخدعونا قالوا: أن شركات التأمين أو فكرة التأمين بدأت من الغرب، لا الفكرة ممكن أن تنبع. ولكن عزلنا أنفسنا عن تاريخنا، وهذه هي المشكلة أن هناك محاولات من الأعداء تبذل لكي نعزل عن خلفية عظيمة؛ لأننا أقوياء بخلفيتنا. من حوار الأمس تبين لي أن هناك حاجة لكي أتعرض لهيئات التأمين القائمة، وهيئات التأمين في العالم متعددة ولكني سأتعرض لأهمها فقط. لن أتعرض لهيئات اللوج ووهيئات الاكتتاب وغيره. لكن سأتعرض لبعض الهيئات التي أرى أن لها صلة بموضوعنا.

ص: 543

هناك هيئات التأمين التبادلي، أصحاب صنعة يجتمعون فيما بينهم ويقررون تعويض من يقع عليه الضرر. بهذا الشكل لها عيوب؛ لأنه في بعض الأوقات يكون الضرر كبيرا، فعندما يوزع الضرر على المجموعة قد يكون هناك شخص لا يمتلك ما يدفع، فإما أن يصفي قسما من أصوله وإما أن لا يدفع، فالتعويض لا يدفع كاملا للشخص.

هناك شركات التأمين، شركات التأمين تأخذ قسطا ثابتا ومقصدها في ذلك الربح، والربح فقط، لم تأت شركات التأمين لتقوم بالتعاون أو لتقوم بالحماية. أتت لتحقق ربحا لها، فالمقصود في الأساس الربح، ثم وثائقها التي تصدرها كلها مستندة على قوانين وضعية. وفيها ما فيها من الأضرار في كثير من الأوقات بالمؤمن له. وهناك دفوع تدفع عند التعويض حتى لا يدفع التعويض للمتضرر، بل صيغة الشركات تنمي الحقد، يحس المؤمن له أنه في آخر المدة أو في آخر السنة خسر مبلغا، فتكون هناك حوادث مفتعلة، وسجلات التأمين ترى أن هناك حوادث قتل، أناس قتلوا زوجاتهم ليحصلوا على التعويض، لماذا؟ لأن الضابط الداخلي فقد، الفكرة أتت بقصد الربح ولا تتورع هذه الشركات أن تستثمر هذه الأموال في الأمور الربوية. بل كما قلت لكم في السبعينات عندما زاد سعر الفائدة لجأنا جميعا إلى الاستثمار الربوي، وبدأنا نكسر الأسعار، الشيء الذي كان يجب أن يأخذ عليه 2 % نأخذ عليه 1 % على أساس أننا نحصل على قدر من المبلغ ونستثمره في الأمور الربوية ونقول بأننا سنخسر فنيا ولكننا سنربح من جانب الاستثمار، وسوق العالم اليوم يعاني من هذه المشكلة. هذه الشركات إما أن تكون شركات مساهمة وإما أن تكون ذات مسئولية محدودة لها رأسمال لها أشخاص يديرونها، تجمع الأقساط وعندما يقع الحادث تدفع التعويض. وإذا تحقق ربح الربح يذهب لأصحاب هذه الشركات. ثم هناك الهيئات الحكومية، نظرا لأهمية التأمين ونظرا لما يحققه التأمين من دخل كبير، لجأت بعض الحكومات إلى تأميمه كليا ومنهم من أممه جزئيا، فتقوم هذه الهيئات الحكومية مقام شركات التأمين.

ص: 544

نأتي إلى التعاونيات: التعاونيات مجموعة يبدأون العمل ليس من الضروري أن يكونوا أصحاب صنعة واحدة، فلذلك نجد أن التعاونيات في التركيبة تقوم بأكثر من عمل تأمين، تقوم بالحريق، تقوم بتأمين السيارات ولكن الفرق أن المؤمن له هو مؤمن في نفس الوقت. أي أنني عندما أدفع ألف ريال تأمين سيارتي، أنا أدفع هذا الألف بنية التعاون مع غيري لكي أجبر ضررا وقع لي أو لغيري. فإذا وقع الضرر أخذنا من هذا الصندوق الذي فيه مجموعة المبالغ والأقساط وعوضنا الضرر. لهذه النظرية سلبية أنها تبدأ ضعيفة، لأننا لو بدأنا التعاونيات بعشرة أشخاص، وأمنوا عشر سيارات، وسيارة واحدة منهم غالية مرتفعة الثمن، ووقع الحادث لها من أول يوم، من أين يدفع لها والصندوق ضعيف، ولكن تجدون بأنني في البديل الذي طرحته عالجت هذه المشكلة. إذن في العالم هناك تأمين تبادلي وتأمين تعاوني، شركات تأمين. ما أتى إلينا إلى مجتمعنا هو الشركات فقط، فلم يأتوا لسواد عيوننا، لم تأت التعاونيات وهي موجودة في الغرب، إنما أتت شركات التأمين، لماذا؟ لكي تمتص أرباحا من هذا البلد، وما أكثر ما امتص من أرباحنا. تصوروا أيها الإخوة أنه في السبعينات وفي الستينات استفادت الدول الأوربية 200 بليون دولار من الدول النامية، على هيئة تأمين وعلى هيئة مواد وطعام. في سنة 1975 ميزان المدفوعات في بريطانيا كان خاسرا. وما عدل الميزانية؟ أهم عامل عدل الميزانية هو إيرادات التأمين. ولم تكن إيرادات التأمين تلك من بريطانيا، إنما كانت من دولنا نحن. إذن نحن نفرط إذا كنا نهمل قضية التأمين. ثم عملية التأمين عندما قال البعض: أن وراءها الصهيونية العالمية، يجب ألا ننكر ذلك؛ لأن هدفا من أهداف الصهيونية العالمية هو التربع على عرش السيولة، التربع على عرش السيولة. ويتحقق هذا بعمليتين؛ عملية الربا، وعملية التأمين، عملية التأمين جمع أقساط، وعملية الربا أيضا هو إقراض وبحكم. فالصهيونية العالمية عندما يقول البعض بأنها وراء هذه العملية نقول: نعم؛ لأن هذه هي استهدافاتها وهي هدف من أهدافها الأساسية أن تكون السيولة دائما محتكرة لديها.

ص: 545

التأمين فطرة الإنسان السليم ساقته إليه. التأمين التعاوني وليس التأمين التجاري، أنا أعتبر التأمين التجاري قضية، لا يجوز التأمين، أن التأمين التجاري محاولة استغلال، تلك الفطرة السليمة. وإذا رجعنا إلى سنة 2250 قبل الميلاد في قانون حامورابي نجد أن هناك نصا تعاونيا: من احترق بيته يجب على المجموعة التي حواليه أن تجبر ضرره. وفي تلمود بابل ورد ما يفيد تعاون البحارة على أن يجبروا الضرر الذي يقع على أحدهم إذا تعرض لقوة قاهرة، وقبل أكثر من سبعة قرون ظهر تجار في المغرب العربي بنوع من التأمين التعاوني لكن قضية الشركات أخرجت هذه التعاونية عن رسالتها.

هناك نقطة في الحقيقة يجب أن نركز عليها، وهي في خصائص العقد. النقطة تقول بأن التأمين عقد احتمالي، والبعض يقول: نعم عقد احتمالي لا نعرف كم ندفع آخر النهار ولكن هناك إحصائية، قولوا لي: أين الإحصائيات عندما طار أول قمر إلى الفضاء، قمر صناعي وأمن. أين الإحصائيات عندما طير أول مكوك فضاء وأمن؟ أين الإحصائيات عندما أمنوا على حياة رواد الفضاء؟ ما كان فيه إحصائيات القضية قضية عشوائية وقضية أرقام، وهناك الآن تدفع تعويضات، فإذن موضوع نوع هذا من المقامرة قائم وموجود ونعاني منه.

نحن نبحث شيئا، التأمين قد يكون قديما، التأمين حلال أو حرام، ما هو نحن الآن وصلنا إلى البدائل. وصلنا إلى البدائل. والتأمينات التعاونية الآن قائمة وفي أول البحث ذكرت لكم بعضها في العالم الإسلامي وناجحة نجاحا باهرا بل لديها حقائب من أرقام الأقساط كبيرة جدا. ولا أخفيكم القول بأننا عندما وضعنا نظام تأمين تعاوني وعرضناه على دولة من الدول قامت قائمة الشركات هناك. قلنا لهم: لماذا هذه المحاربة؟ قالوا: أن قمتم بهذه الشركات سوف تسحبون البساط من تحت أقدامنا. بينما في نفس الوقت تغطي تراخيص لشركات تجارية عادية ولا تقوم على مثل هذه القاعدة عملية التأمين، عندما أقيمت مؤسسات التأمين التعاونية رفع الحرج عن المسلمين. تأتي شركة التأمين أو مؤسسة التأمين الإسلامية فتؤمن سيارتك، نحن رفعنا الحرج عنك. ولكن هناك مشكلة أخرى، في عالمنا اليوم نحن دخلنا متأخرين، في عالمنا اليوم أخطار غير متوازنة، عمارات بالملايين ثم فلل صغيرة. هل نتجه ونقول لأصحاب الفلل الصغيرة نؤمن لكم وأصحاب العمارات نقول لهم لا؟ إذن نحن أمام مشكلة لا بد أن نفتت هذا الخطر. ولا يمكن أن نفتت هذا الخطر إلا عن طريق إعادة التأمين فصدرت الفتوى أن نلجأ إلى إعادة التأمين بمقدرا الضرورة. وأود أن أبشركم بأننا أسسنا الآن أول شركة إعادة تأمين إسلامية. فإذن خففنا الآن العبء من على إخواننا الذي يريدون مؤسسات التأمين التعاونية فهم يعيدون التأمين الآن إما كليا أوجزئيا لدى هذه الشركة. ولكن هذا لا يكفي يجب أن تكون هناك سلسلة من هذه الشركات، حتى نستطيع أن نغطي احتياج المجتمع الإسلامي.

ص: 546

البديل المطروح أمامكم هو بديل تعاوني، وفي التعاونيات سلبية في البداية حيث لا توجد حقيبة مالية كبيرة وقوية يمكن أن تدفع التعويض الذي يقع في الغد مثلا. من أول يوم قد تصدر وثيقة التأمين ويكون هناك تعويض، قلنا: أن البنوك الإسلامية عندما نشأت استبشر المسلمون بها ودعموها دعما قويا والحمد لله هي الآن ناجحة ووصلت أعدادها إلى ما يقارب الستين تقريبا مع شركات ومؤسسات الاستثمار. هذه المؤسسات مع هذا الدعم الذي لاقته من المسلمين ألا يجب عليها أن تقوم ببعض التضحيات والتبرعات لترفع الحرج عن المسلمين في التأمين؟ أنا أرجو من مجلسكم الموقر أن ينظر في هذا الموضوع على أنه فرض كفاية على البنوك القائمة بتأسيس المؤسسات التعاونية. سوعدوا من قبل المسلمين ولم يطلب منهم أن يقوموا بالعمل المصرفي ، طلب منهم أن يطبقوا الاقتصاد الإسلامي ككل، وما داموا نجحوا وحققوا أرباحا، وهذه الأرباح التي حققت بفضل تعاون هذا الجمهور، فإذن فلينظر هذا المجمع في هذا الموضوع على أن على البنوك الإسلامية القائمة أن تؤسس مؤسسات إسلامية تعاونية وأن هذه من باب فرض الكفاية، وأنا لا أفتي بذلك إنما أترك الموضوع لتبحثوه أنتم.

المشكلة الوحيدة في المؤسسات التعاونية أن رأس المال يبدأ صغيرا فلجأنا إلى البنوك القائمة في المنطفة، وطلبنا منها قرضا، سميناه الاحتياطي المدفوع حسابيا وموجود طبعا في النظام، احتياطي مدفوع مسبق، هذا الاحتياطي نوعان، فيه احتياطي مكتسب ينتج من ناتج العمل، فنحن قلنا: على هذه البنوك أن تضع في صندوق هذه المؤسسة نصف مليون دينار كاحتياطي مدفوع، هذا الاحتياطي المدفوع يستثمر لصالح الصندوق التعاوني.

ص: 547

ولو حصل لا قدر الله ضرر في بدء العمليات فهذه مخدة واقية يؤخذ منها الجبر. ولدفع التعويضات تبرعا من البنوك الإسلامية، لكن عملنا إحصائية في مدة خمس سنوات، ممكن أن نرجع إلى هذه البنوك النصف مليون دينار عن طريق تعويض الاحتياطي المدفوع بالاحتياطي المكتسب، سنويا نحن نربح نأخذ قسما من الربح ونعطي البنوك، في أول سنة مثلا لو ربحنا ثلاثمائة ألف دينار نأخذ منه مائة ألف دينار وندفعه للبنوك فيبقى لهم في ذمة الصندوق كقرض أربعمائة ألف دينار، وهكذا، عملنا دراسة وقدمناها إلى الجهات المسئولة خلال خمس سنوات نتيجة للإحصائيات الموجودة في السوق، ممكن أن نعيد الخمسمائة ألف دينار إلى البنوك الإسلامية ويبقى الاحتياطي المكتسب لصالح المؤمنين جميعا في هذا الصندوق. أنت عندما تشترك في هذا الصندوق تحصل على شيئين، تحصل على الحماية التي تريدها وأنت تسوق السيارة هذه من ناحية ثم أنت شريك في الأرباح، آخر العام نجلس فنحسب كم دفعنا من التعويضات. وكم دفعنا من مصاريف إدارية وكم نريد أن نقتطع احتياطيات ثم الباقي نوزعه على جميع المشتركين في هذا الصندوق، بصرف النظر أنا في نظامي لم أميز، في بعض الأنظمة الأخرى التعاونيات ميزوا بين ما تسبب في حادث وما لم يتسبب في حادث، قالوا من يتسبب في حادث لا يدفع له ناتج الربح، أنا عندي من يتسبب في حادث ندفع له حقه، لماذا؟ لأنه عندما أتى لكي يؤمن أتى بحسن نية. وأتى مسلما مؤمنا بهذه القضية فبالتالي وقع له حادث قضاء وقدرا ولا يجب أن نحرمه من نصيبه في الأرباح، وكذلك راعينا في النظام سماحة الإسلام. فقلنان حتى غير المسلم ممكن يأتي ليؤمن وله نصيبه من الأرباح، ولكن ليس له حق أن يصوت في الجمعية العمومية وليس له حق أن يكون عضوا في مجلس الإدارة؛ لأن هذه الإدارة إدارة إسلامية ويجب أن تلتزم بالشرع الحنيف. وغير المسلم لا يمكن أن يتأتى له ذلك. ولكن ما دام يعيش بيننا ومادام يتعرض لأخطار كما نتعرض نحن، مادام يقبل بالنظام الإسلامي فأهلا وسهلا به لكي نذيقه حلاوة الإسلام. وعندما عالجنا قضية العضوية بمجلس الإدارة جعلناهم كلهم سواسية سواء دفعت دينارا أم دفعت مليون دينار، فالعبرة ليست بما تدفع إنما العبرة بشخصك المسلم.

هذه بعض الملامح التي أردت أن ألقي الضوء عليها ولا شك أنكم قرأتم البحث وقرأتم الموضوع. فيه ورقة سؤال جاءتني سيدي الرئيس هل أجاوب عليها أو فيه نقطة نظام؟

الرئيس:

هو، إذا تفضلت هل انتهيت؟

ص: 548

الشيخ عبد اللطيف جناحي:

نعم أنا في الحقيقة أكتفي بهذا التلخيص.

الرئيس:

إذن ربما أن رغبة الإخوان تكون مع الرغبة عندنا في أن تعطينا ملخصا للبديل ثانية.

الشيخ عبد اللطيف جناحي:

نعم

البديل كما قلت هو بديل تعاوني، والتعاونية عندما تبدأ بفرد أو فردين أو ثلاثة. ويكون هؤلاء الجماعة يأتون بدفع مائة ريال أو ألف ريال في هذا الصندوق تبرعا منهم وإيمانا منهم بجبر ضرر غيرهم، لكن طبعا المشكلة عندما تأتي وأنت عندك سيارة تساوي 20 ألف ريال أو ثلاثين ألف ريال قد يقع الحادث غدا ولا يوجد في الصندوق ما يكفي لتغطية خسارتك فلجأنا نحن إلى البنوك الإسلامية وطلبنا منهم أن يدفعوا في هذا الصندوق قرضا حسنا سميناه " الاحتياطي المدفوع " هذا القرض الحسن قدرنا قيمته بنصف مليون دينار، أي تقريبا بخمسة ملايين ريال سعودي حتى نجبر الضرر العاجل، هذا المبلغ بالإحصائيات التي لدينا ممكن أن نعيده مرة أخرى إلى البنوك الإسلامية عن طريق الاحتياطي المكتسب. مؤسسات التأمين التعاونية تربح نقطع كل عام نسبة من الأرباح لكي تخرج البنوك الإسلامية من الصورة وتكون الحقيبة كاملة للمؤمن له. هذا من حيث الميكانيكة المالية. هناك موجود في البحث عن ميكانيكية التطبيق في عضوية مجلس الإدارة في دفع التعويضات كلها هذه موجودة، وطبعا من الصعب أن نأتي عليها جميعا، إنما هذا هو الملخص. وشكرا سيادة الرئيس.

الرئيس:

نرجو هذا الملخص أن تزودنا به محررا بهذه الصيغة مع وضوح معالمه كما تفضلتم.

ص: 549

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. أيها السيد الرئيس، شكرا لكم، أولا أعترف أن هناك حلولا في البدائل كان من الأوائل فيها الدكتور عيسى عبده، ما أدري رحمه الله أم لا، ذهب إلى رحمة الله.

الشيخ عبد اللطيف الجناحي:

لا غريب الجمال قبله الله يرحمه ويغفر له.

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

نعم، لكن أنا قلت من الأوائل، ما قلت أولا في كتيب أصدره بعنوان " التأمين والبديل حلا لمشكلة التأمين " ينبع من جوهر الشريعة الإسلامية ويرجع إلى مبادئ التكافل الاجتماعي في الشريعة الإسلامية. وكذلك اقترح من سوريا باحث اسمه عبد الله علوان حلا شبيها بالمذكور في كتيب أصدره بعنوان " حكم الإسلام في التأمين، السوكرة " لا يخرج عما ذكره الدكتور عبده في أغلب نقاطه وها نحن الآن استمعنا إلى البديل الذي تفضل به الأستاذ عبد اللطيف جناحي حفظه الله. ولكن جميع الاقتراحات تعطينا تصورا عن وجود الدولة الإسلامية وقيامها وأن هذه الدولة الإسلامية الوليدة قد جاءت بمسئوليها تطالبهم بالحل الذي يرونه ليطبقه القائمون على الأمر من الإسلاميين المخلصين، ولكن الأمر غير ذلك كليا. فنحن في ظل وضع غاب عنه الإسلام غيابا كاملا في الأمة الإسلامية جمعاء من الناحية الشرعية، اللهم إلا ما بقي منه من ظلال العقيدة والعبادة، أما الفقه الإسلامي فلا وجود له في المجتمع ولا في الأفراد، لا في الأفراد ولا في الجماعة إلا في القليل النادر، وفي هذا الوضع وجب أن نبحث الأمر على غير ما بحثه الأساتذة السابقون.

الرئيس:

لو قلتم إلا ما شاء الله كان أحسن من كلمة القليل النادر؛ لأن أمة محمد عليه السلام إلى خير، والخير موجود في هذه الأمة، ولا يزال يوجد من يحكم الشريعة، ولا يزال يوجد تطلعات واتجاهات ولله الحمد جيدة جدا حول تحكيم الشريعة ونحن نشاهد.

ص: 550

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

أضم صوتي على صوتكم وأقول إلا ما شاء الله، ووجب أن نضع إذن تأمينا عمليا تسمح الدول والحكومات بالعمل به، ثم حين تقوم الدولة الإسلامية بنظامها الإسلامي الجديد يزاد على هذا التأمين ما اقترحه المحررون الأفاضل ويعدل حسب الظروف آنذاك.

أقول: إننا الآن أمام تأمين إسلامي مؤقت، فلننظر! أرى أن يكون هذا التأمين المقترح على ثلاث درجات:

الدرجة الأولى: إنشاء مصرف تنمية إسلامي- أظنه قد نشأ الآن – على الوجه الذي اقترحه علماء المسلمين وتجتمع فيه أموال المسلمين فقط وتشغل بالأسلوب المذكور مع اشتراط المصرف على المشترك بتعهد خطي أن تكون زكاة ماله عائدة إلى صندوق الزكاة وعمل الخير في المصرف المذكور.

الدرجة الثانية: إنشاء صندوق الزكاة من أموال المصرف المذكور وبدلا من إعطائها للفقراء مباشرة كما هي العادة، يتكون منها أو من أكثرها رأس مال تجاري يقوم عليه موظفون يعملون بأجر معقول. وهنا تأتي الدرجة الثالثة وهي النتيجة.

الدرجة الثالثة: أن يكتتب طالبو التأمين بمبالغ خيرية تبرعا منهم لصندوق الزكاة وعمل الخير في المصرف المذكور وليس لهم حق إعادتها، ثم إذا جاءت الأرباح بعد سنين وفينا الفقراء حقهم من رأس مال الصندوق وأبقينا الأرباح مع التبرعات الخيرية للاستثمار، ويتكون من هذا الصندوق الجديد المنبثق من صندوق الزكاة وعمل الخير " صندوق عمل الخير " أو ما سماه زميلي الموقر "مؤسسة التأمين الإسلامي" وهو التأمين الإسلامي الذي نراه صالحا لإنقاذ حياة الفقراء والمساكين والمعوزين والمتضررين من المكتتبين في مصرف التنمية الأساسي لأن أرباحهم كافية لهم وهذه أولوية فقط. ولا بأس من أن نشترط هنا ما اشترطه المحررون السابقون على المؤسسات التعاونية التكافلية وهي:

أولا: أن يدفع الفرد المساهم نصيبه المفروض عليه في ماله على وجه التبرع قياما بحق الأخوة الإسلامية.

ثانيا: إذا أريد استغلال هذا المال المدخر فبالوسائل المشروعة وحدها وبإعلامهم.

ثالثا: لا يجوز لفرد أن يتبرع بشيء على أساس أن يعوض بمبلغ معين إذا حل به حادث ولكن يعطي من مال الجماعة بقدر ما يعوض خسارته أو بعضها على حسب ما تسمح به حال الجماعة.

رابعا: التبرع هبة والرجوع فيها ممنوع شرعا كراهة أو تحريما على خلاف.

ص: 551

وبعد، فالذي دعاني إلى إقامة الصندوق عمل الخير "التأمين الخيري" زميلي سماه "التأمين التعاوني" وأنا أسميه "التأمين الخيري"، على أساس الزكاة ثم على أساس مصرف التنمية يعني الينبوع هو مصرف التنمية الإسلامي، ما نراه ونعلمه من استبعاد فكرة إقامة التأمين الخيري هذا فورا على أساس خيري بحت، وهب أنه قام وتنادى إليه موسرو المسلمين، فكيف يتم صرف وتشغيل أمواله؟ ومن هم أولئك المستفيدون منه؟ وهل نضمن قيام هذه المؤسسة دون استغلال؟ أما فيما ذكرت، فلو أن الناس لم يتبرعوا افتراضا لصندوق عمل الخير وبقيت أموال الزكاة فقط، فاستثمرت بيد أناس عاملين عليها ثم رد رأس مال الصندوق وهو محض الزكاة للفقراء وأخذت الأرباح لصندوق عمل الخير لكان كافيا ولا ضرر في تأخير إعطاء الفقير الزكاة ولا في استثمارها على أساس الضمان لا الأمانة، كي لا يضيع حق الفقير في رأس المال. والذي يجلب لنا فائضا من الزكاة هذه صندوق التنمية الأساسي الذي يستثمر أموال الناس بما يشبه شركة المضاربة في الفقه الإسلامي. فكلما كثرت أموال الناس في مصرف التنمية، كثرت الزكاة ومن ثم كثرت أرباح الزكاة؛ لأن المال يجر المال، ثم وجدت ذلك كله في صندوق عمل الخير.

بقيت مسألة واحدة هي: هل نستطيع

؟ هذا مبدأ لا علاقة له مباشرة بهذا البحث ولكن هو أساسي يمكن أن يبني عليه هذا البحث هل يصح أن يرابي الإنسان مع كافر في دار الحرب مباشرة؟ الذي أعرفه في مذهبنا الحنفي وحرره العلامة ابن عابدين في حاشية " رد المحتار " أن أموال الحربيين في بلادهم تجوز لنا بربا أو ميسر أو قمار بشروط:

أولها أن يكون التسلم والتسليم هناك في بلادهم، وأن يكون ذلك بمحض رضاهم وألا يؤدي ذلك إلى ضرر بمال المسلم أو دينه أو كرامته. وأن غلب الظن على النفع، لا أن تكون المسألة مراهنة.

هذا الذي ذكره علماء مذهبنا وعلى هذا الأساس نستطيع أن نوظف بعض أعمال صندوق التأمين الخيري هذا، في بلاد ذات نسبة فائدة عالية كأمريكا. لا أدري بقية المذاهب ما تقول في هذا الأمر، يكفي أن مذهبا معتبرا من المذاهب الكبرى يفتي بهذا ولدي النص مع رقم الصفحة ورقم الجزء، وحينما تريدون أن أدلكم فأنا أستطيع أن أدلكم على ذلك لمن لا يعلم ذلك. وفي اعتقادي أن الجميع يعلمون هذا أو الأكثر، على كل، إذا استطعنا أن نؤسس على هذا جواز وضع هذه الأموال هناك في استرباحها عن طريق الفائدة مع الحربيين في بلادهم بشروطها، نمت هذه الأموال وازدادت وحصل لدينا مؤسسة تأمينية خيرية إسلامية، والله تعالى الموفق، اللهم هذا رأيي فيما وصلت إليه لا أزعم أنه الحق فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان غير ذلك فمني، وأستغفر الله تعالى، وشكرا.

ص: 552

الرئيس:

يا شيخ عبد اللطيف، أحب أن أشير إلى قضية الربا بين المسلم والحربي يعني هذه قضية معلومة، لكن ما وجه ذكر الحنفية أو غيرهم لحالة تجويز الربا بين المسلم والحربي. لأن الحنفية أنفسهم يقولون بقوله صلى الله عليه وسلم:((لا ربا بين مسلم وحربي)) وهذا الحديث لا أصل له فضلا عن أن يكون موضوعا. فطالما أن الدليل الذي بني عليه بهذا هو ليس دليلا شرعيا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك كالرواية الثانية أنه لا ربا بين حر ورقيقه، فهاتان الراويتان غير صحيحيتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا تأسس هذا القول، فطالما أن الأساس الذي بني عليه هذا القول غير سليم، فيبقى هذا القول مهجورا في مكانه.

أنا قصدي أردت الإيضاح حتى من جهة لفظ النبوة وإن كنتم لم تذكروه حتى لا يلتبس الأمر على الإخوان، أن المنزع في قوله صلى الله عليه وسلم:((لا ربا بين مسلم وحربي)) .

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

معلوم لديكم ولدى الجميع من العلماء الأفاضل أن الحديث إذا لم يثبت في قواعد المذهب لم يثبته بعض المحدثين وأكثرهم من علماء السنة، إذا لم يثبت الحديث على قواعد المذهب فهل رأيتم ما أخرجه الزيلعي في "نصب الراية" في تخريج هذا الحديث وحكمتم به؟ أم رأيتم ما قاله الحافظ الذهبي مثلا أو غيره من المتشددين، فكم حديث وضعه الحافظ الذهبي وهو عند الزيلعي من الحسان، نحن لا نستطيع أن نأخذ دائما بأقوال المتشددين في التوضيع وغيره. وإنما نأخذ تخريج الحديث. الحنفية من كتب المذهب، من كتب حديث المذهب، فلدينا " نصب الراية" للزيلعي، أنا الآن يغيب عن بالي تخريج هذا الحديث هناك، ونحتكم إليه، فإن قال الزيلعي إنه لا أصل له نرجع عن هذا الحكم، وإذا قال الزيلعي: له أصل، إذن فهذا من المختلف فيه ويبقى الحكم المذهبي محفوظا، وشكرا.

ص: 553

الشيخ علي السالوس:

الزيلعي ذكر الحديث في "نصب الراية" وضعفه. الزيلعي نفسه ذكر هذا وقال: قلت: غريب، وهو يأتي، حديث الحنفية بدلا من أن يقول ضعيف فالاصطلاح الذي يتبع أن يقول غريب، فهو إذن نفس الزيلعي رفض الأخذ بهذا الحديث، والحنفية أنفسهم رفضوا الأخذ بهذا الحديث، وهذا ليس رأي الحنفية ولكنه رأي الإمام أبي حنيفة فقط.

الرئيس:

أحب أن أنبه إلى مسألة أخرى جانبية وهي اصطلاح الزيلعي في نصب الراية إذا قال في هذا الحديث إنه غريب، فهو لا يريد الغرابة الاصطلاحية عند المحدثين، وإنما يريد أنه لم يجده.

الشيخ علي السالوسي:

يريد الضعف.

الرئيس:

لا، يريد أنه لم يجده، وهذه النكتة نبه عليها العلامة قاسم بن قطلبغا في كتابه " منية الألمعي فيما فات تخريجه على نصب الراية للزيلعي " وهو أخذها من بعض تعليقات الزيلعي نفسه في بعض سياقات الحديث.

ص: 554

الشيخ محمد الزبير:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

بالنسبة للنقطة الأخيرة أيضا أريد أن أذكر قضية دار الحرب، فالواقع العلاقات الدولية الآن والاتفاقات بين الدول قد تعطينا مفهوما آخر غير مفهوم دار الحرب الذي ذكر في كتب الفقه. فلذلك من المستبعد جدا أن نأخذ بهذا الراي حتى ولو كان صحيحا في ظروف الأوضاع الحالية والعلاقات الدولية، هذه نقطة أريد أن أذكرها.

النقطة الثانية في الواقع أن التأمين التعاوني يجب أن نحدد مفهومه تحديدا دقيقا حتى نستطيع أن نخرجه تخريجا فقهيا شرعيا. فهل هو عقد تبرع محض أو هو عقد يشتمل على تبرع ومعاوضة. في الواقع الطريقة أو الأسلوب المتبع في وقتنا الحاضر هو عقد يشتمل على النقطتين. هناك أشكال عديدة في الواقع للتأمين التعاوني. ولكن أذكر الشكل السائد في الوقت الحاضر الممارس الذي أشار إليه الأخ عبد اللطيف. تبدأ الفكرة على أساس عقد بين المستأمن وبين المؤمن، على شروط. فهذه الشروط، أول شرط أن يدفع قسطا محددا معينا على حسب القيمة المؤمن لها، فتختلف باختلاف الحالة وباختلاف القيمة، قيمة السيارة إذا كانت سيارة عادية أو سيارة كاديلاك أو سيارة روزرويس، حسب قيمة الشيء المؤمن له، ثم هذه المبالغ حيثما تجمع تستثمر، وممكن هناك عدد من الطرق للاستثمار ولكن لا تهمنا قضية الاستثمار لأنه نستطيع أن نستخرج أو نستصفيها نستنقذها من شوائب الربا ونستطيع أن نستثمر هذه الأموال بعيدا عن أشكال الربا وحتى في التأمين التجاري ممكن أن نأخذ بنفس الفكرة ولكي نستنقذ شوائب الربا ويصبح تجاريا محضا. إلا أن العلاقة بين الشكلين، الشكل التجاري والشكل التعاوني في شكله الحاضر أنه في أول الأمر يبدأ عقدا تبرعيا وفي مفهومي والله أعلم، أن المؤتمرات السابقة قد أقرت الشكل التعاوني الذي يعتمد على التبرع المحض بحيث يضع المؤمنون أقساطهم وتنتهي ملكيتهم لهذه الأموال وتصبح وقفا يخفف الضرر حسب الحالات الموجودة ولا يمكن أن يلتزم الصندوق بدفع مبالغ معينة في حالة الضرر بحيث إنه يضمن أن يسدد هذه المبالغ فهنا لا بد للإخوة الفقهاء في حالة التكيف أن يعتبروا هذه النقاط:

ص: 555

أولا: أنه ليس تبرعا محضا وإنما تبرع مع معاوضة؛ لأنه هناك شرط في ذلك أن يعوض في حالة الضرر، والخسارة بالمبالغ المتفق عليها أيضا، ثم من الناحية الفنية البحتة في اعتقادي أن التأمين بالشكل التعاوني يستلزم إعادة تأمين، وإعادة التأمين تستلزم إعادة تأمين أيضا، إذا التزمنا بقضية دفع المبالغ حسب الاتفاق. أما إذا كانت قضية تبرع وتخفيف المضار وتوزيعها حسب حالات الصندوق فهذا لا غبار عليه. فإذن لا بد أن نناقش هذا الموضوع من هذه الجوانب المختلفة؛ لأنه قد لا تختلف الصورة كلية بين التعاوني كما قال الدكتور الزرقاء أن التعاوني قد يكون شبيها تماما بالتجاري، إلا أن قضية استخدام رؤوس الأموال في الربا، وهذه قضية جانبية، أنا أعتقد نركز قضايانا في قضية التأمين والعقد هذا على شيء احتمالي مقدر وفيه التزام وفيه ضمان من جانب المؤمن للمستأمن.

الشيخ إبراهيم الغويل:

الحقيقة عندي ثلاث نقاط. أولا نقطة بصفة عامة علي، وليعذرني إخوتي، على روح المناقشات، ثم تلخيص فيما يبدو لي في هذا الموضوع الذي نراه. ثم ملحوظة ثالثة نحو نظرة مستقبلية في هذه المواضيع.

النقطة الأولى فيما يتعلق بجو المناقشات – يبدو أننا بهذا الشكل سنظل باستمرار نناقش كل موضوع ثم نختلف حوله ثم نحيله إلى لجنة وتنتهي بهذه المقررات، هذه المناقشات فيما يبدو لي – وأذكر نفسي قبل أن أذكر إخوتي – تحتاج أن تسودها روح الشورى، والشورى هي بحث عن الحقيقة في مختلف الآراء كما يشور الإنسان العسل من مختلف خلايا النحل، الإنسان في الشورى يبحث عن الحق في قول أخيه، فإذا سمع قولا يغير به رايه، إنما أن جئنا كل منا برأيه وأراد أن يدلي به بغض النظر عما قيل قبله أو ما سيقال بعده لا شك أننا سننتهي في كل مسألة إلى خلاف وإحالة إلى لجنة وتختلف هذه اللجنة أن لم تسدها نفس الروح وهكذا. هذه الملحوظة الأولى، وأعتذر لإخوتي لا أخفيكم القول أنني حزنت خلال كل هذه المناقشات، يقال رأي ونشعر أننا نحن نقترب نحو خطوات عملية لمعالجة مشكلة تهم المسلمين وهي ضرورة، فإن لم تكن ضرورة فهي من الحاجيات الأساسية عند المسلمين، ثم نختلف من حيث لا ندري وننتهي إلى لا شيء.

ص: 556

فيما يبدو لي في موضوع التأمين، بدت هناك في كلمة الدكتور الجناحي الحقيقة نقطتان أساسيتان، حتى أنا سميت أن إحداهما ستكون النقطة المستقبلية التي أقترحها عليكم، معالجة لما هو قائم مع إبقاء الطريق نحو معالجة مستقبلية. الرجل بدأ يقول أن موضوع الزكاة من الممكن أن ننظر له نظرة مستقبلية ونظرة تنظر إلى روح معنى الزكاة، سيؤكد بالإضافة إلى جوانب أخرى سيؤكد معنى تحقيق ضمان اجتماعي شامل للمجتمع المسلم. ومن الممكن أن يغنينا عن كافة البدائل. إذن هذا سأرجئه بالنسبة للنظرة المستقبلية، في واقع الحال الأمر الآن أوضح أمرا واضحا، ويبدو أننا خلال المناقشات ننتهي إليه أن أردنا أن نبحث عن الحقيقة في أقوالنا.

أولا: نحن جميعا فيما يبدو لي مجمعون على إنهاء شركات التأمين الخاصة التي تستهدف الربح، فقط، وتتاجر بأمور الناس بغض النظر عن إمكانية تخريجها أو ما إلى ذلك. هناك أمامنا نوعان آخران أو ثلاثة أنواع أخرى من التأمينات السائدة، قال البعض وهو أمر سلكته ومن الممكن أن تسلكه الحكومات أيضا، ويجب أن نكون نحن عمليين وندفع بأمور الناس نحو التدرج السليم أن تكون هناك تأمينات كهيئات حكومية، وأنا لا أعتقد أن هناك حكومة مسلمة اليوم تمتنع عن هذا أن عرفت أنه من الممكن أن تقوم بهذه الخدمة للمسلمين في ذلك البلد، في نفس الوقت يسير مع هذا المعنى إمكانية هيئات التأمين التبادلي مدعومة بهيئات التأمين التعاوني، هناك خطوات متدرجة، هذا كله ليس الحل الأمثل، نحن نقول أن هناك أولا خطوات يجب أن تتخذ، أولا يجب أن تنهى المتاجرة والمرابحة والاستغلال في مجال الأمور المتعلقة بدفع الأخطار عن المسلمين.

ثانيا: أن نقول نحن نحض على تشجيع التأمين التعاوني والتبادلي بين مختلف الجماعات الإسلامية، ومن ذلك أن تقوم الحكومات الإسلامية بهذه المسئولية أيضا.

ثالثا: هذه خطوات نحو تأكيد معنى التأمين الحقيقي الذي يقوم على أساس إسلامي ويجد أساسه في الزكاة وفي بند الغارمين.

يبدو لي أننا يجب أن نفكر بأمور كمواجهة لضرورات وحاجات المسلمين وندفع بها نحو مزيد من التطبيق الإسلامي الذي يقدم جديدا للإنسانية. إنما أن بقينا نبحث عن نقاط الخلاف، فسنجد نقاط خلاف في كل قول وسنختلف جميعا وسنحيل إلى لجان وتختلف اللجان وتنتهي إلى لا شيء. واقع المسلمين اليوم أن هناك ضرورات، واقع المسلمين هناك حاجات ليست أمورا تكميلية. المسلمون اليوم إما أن نقدم لهم حلا وندفع به نحو المستقبل ومزيد من التطبيق الإسلامي وإما سيستغنون عن أي كلام يسمعونه في هذا الموضوع.

ص: 557

فيه ملاحظة أخرى وهي كما قلت نحو المستقبل دائما، أود أن يكون روح الإسلام وجهة الإسلام أنه نظام العالم الجديد للإنسانية كلها هو الذي يسود. ونظام عالمي جديد يقوم على أساس الإسلام يذكر أول ما يذكر أن ربي قبل أن يحرم الربا تحريما كاملا على مراحل نزول الآيات {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} الأصل ألا آكله، فالأصل أن المنع يبدأ المسلم أن يقدم القدوة من نفسه فكيف ننقلب كأننا بني إسرائيل، نقول: تعامل مع أخيك لا تتعامل بربا ولكن مع الآخرين استغلهم كما تريد.

سيدي أنا أود نفكر بروح البحث عن الحقيقة، البحث على أن هذا الإسلام يقدم نظاما عالميا جديدا وإنا نحن حين نعالج واقع اليوم نعالجه لكي ندفعه نحو هذه الوجهة.

إذن نمنع هذا الشركات المستغلة الآتية إلينا من الخارج التي تدفع بأموالنا إلى الخارج، ولكن أيضا ندفع نحو التأمين التعاوني والتبادلي ونؤكد على الحكومات بأن تقوم بهذه المسئولية في طريق تأكيد الضمان الاجتماعي الشامل الذي تقدمه الزكاة. ولقد استمعنا إلى الأخ المحاضر وهو يقول: إنه بصدد دراسة وتقديم إحصائيات تبين كيف أن بند الزكاة من الممكن أن يغطي أغلب الالتزاماتت الاجتماعية والضمانات الاجتماعية. فإذا كنا نستمع فنتتبع أحسن ما قيل ذلك سيؤدي بنا إلى حلول. أن كنا نستمع لكي نختلف فأعتقد أننا سننتهي بكل مشكلة إلى خلافات لا حد لها وإحالتها إلى لجنة ولا ندري أين ننتهي وشكرا، وآسف.

الرئيس:

هناك كلمات لثلاثة من المشايخ، فإذا سمحوا لنا وتنازلوا عنها لأن هذا الموضوع استهلك فيه من الوقت الشيء الكثير.

ص: 558

الشيخ حسن عبد الله الأمين:

لقد أعطيتني الفرصة سيادة الرئيس.

الرئيس:

تفضل.

الشيخ حسن عبد الله الأمين:

أريد أن أتحدث في ثلاث نقاط، حديث سريعا. النقطتان الأوليان أثارهما الأخ مقدم الموضوع الأستاذ عبد اللطيف الجناحي. والنقطة الثالثة أثارها الأخ عبد الله إبراهيم ممثل ماليزيا فيما أعتقد في وقت سابق قبل فترة الاستراحة، وتحدث حولها شيئا ما الدكتور الزبير. أما ما أثاره الاخ عبد اللطيف فالنقطة الأولى فيه هي أن التأمين التعاوني يبدأ ضعيفا لقلة عدد المشتركين فيه، وقلة المال الذي يؤمن المخاطر التي قد تحدث لبعضهم. وأقترح لذلك أن تاخذ شركات التأمين التعاوني قروضا من البنوك الإسلامية كاحتياطي مدفوع تؤمن به هذه المخاطر العاجلة. وفي الحقيقة، منذ ثمان سنوات في السودان شركة تأمين إسلامية تعاونية على المبادئ التي ذكرها الأخر عبد اللطيف الجناحي. وفرت لهذا المحظور أو لهذا الخطر المتوقع شيئا بطريقة أخرى في أنه قانون الشركات في السودان وقد تكون كثير من الدول النامية لديها هذا الاتجاه في قوانين الشركات أنه لا يسمح بقيام أية شركة كانت إلا بمجلس إدارة ومبالغ معينة مقدرة سلفا كرأس مال لهذه الشركة من ضمنها شركة التأمين الإسلامية. فلم تستثن من هذا. فكان من الضرورة أن يكون هناك مجلس إدارة ومؤسسون ورأس مال لهذه الشركة، فاتخذت هذه حيلة ومخرجا، بل كان والحمد لله دعما لشركة التأمين الإسلامية. فأسست شركة تأمين الإسلامية برأس مال محدد وبأسماء أشخاص معينين ثم فصلت حقيبة المشتركين في التأمين التعاوني عن الشركة الأم ورأس مالها وأصبح التأمين التعاوني يدور في هذا الصندوق وأصحاب الحقائب المشتركين فيه إلى أن توسع إلى حد كبير والحمد لله واستغنى عن التأمين الذي كان موفورا له من خلال الصندوق ملك المؤسسين، فشخصية الشركة لدى المؤسسين منفصلة عن شخصية صندوق التأمين التعاوني، وأصحاب الحقائب المشتركين فيه منفصلون كاملا، وبذلك توفر هذا التأمين والحمد لله الذي أشار إليه الأخ عبد اللطيف الجناحي.

الثانية، أن الأخ عبد اللطيف أشار إلى أنه من يصيبه خطر من المؤمنين تأمينا تعاونيا جرت العادة لدى بعض شركات التأمين التعاوني أن يحرم من الأرباح وأن لا يعود عليه شيء من الفائض في نهاية السنة الحسابية لشركة التأمين. وهذا لم يجر في شركة التأمين الإسلامي في السودان فيما أعلم التي أسسها بنك فيصل الإسلامي. وهم يدخلون صاحب المخاطر مع من لم يصبه خطر في عائد الأرباح. هذا فيما يبدو لي اتجاه سليم؛ لأننا نحن تعاقدنا على التعاون جميعا ونتحمل الخطر جميعا فإذا فصلنا صاحب الخطر وحملناه الخطر وحده كأننا نقضنا مبدأنا من أساسه. ولا أدري ما هي الشركات التي تقوم بهذه الطريقة الأخرى التي أشار إليها الأستاذ.

ص: 559

النقطة الثالثة التي أثارها الأستاذ عبد الله إبراهيم، هو طرح سؤالا: كيف يكون المؤمن تأمينا تعاونيا صاحب ملك فيما يتبرع به. وهي أساسا تقوم على أساس التبرع؟ كيف يعود إليه الفائض ويكون ملكا له؟ والحقيقة أنا أشكر الأخ على إثارة هذا الموضوع؛ لأنه منذ أن أنشئت شركة التأمين الإسلامية في السودان منذ ثمان سنين كان من حين لآخر يخطر ببالي هذا السؤال، وبكل أسف تجنبت التعمق فيه والتفكير الطويل والإجابة عليه دهرا طويلا، وأنا أشكره على إثارته الآن. ويبدو لي أن الطريق التي يجري به تحصيل أقساط شركات التأمين التعاونية، هي من الناحية الفنية نفس الطريقة التي تقدر بها أقساط التأمين على السيارة أو على الطائرة أو على السفينة بنفس الأسس الفنية التي تقدر بها حصص التأمين وأقساطه في شركات التأمين العادية، فيجري هذا في شركات التأمين التعاوني وتؤخذ هذه الحصص وتوضع في صندوق التأمين التعاوني، ثم بعد ذلك يقابل المخاطر التي تحدث من هذه الحصص يكون هو المتعاقد عليه تبرعا ويسقط وما يتبقى بعد ذلك يظل في ملكية صاحبه كما هو ويعود إليه في نهاية الوقت. يبدو لي أن الفكرة تسير على هذا الأساس وأنا أطرحها هكذا، كرأي فطير ليس مختمرا وأعتبره مؤشرا في التفكير لدى الإخوة الزملاء. وشكرا.

ص: 560

الشيخ أحمد البزيع ياسين:

بسم الله الرحمن الرحيم، الأخ عبد اللطيف أولا أنا مستبشر جدا بالمجمع الفقهي الذي قامت به الدول الإسلامية وهذه بشارة خير إن شاء الله تعالى استنادا إلى قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} تعهد الله بحفظ ذكره، وأنتم من أهل العلم، والعلماء ورثة الأنبياء وبإذن الله نصل إلى نتيجة مرضية بإذنه تعالى ومجمع الفقه هذا مجمع فقهي وليس مجمعا سياسيا.

الأخ أنابني أن أجاوب فضيلة الشيخ محمد عن سؤال يقول: هل يستطيع الفرد العادي الذي لم يشترك في رأس مال الشركة هل يجب أن يكون عضوا حتى يمكن أن يؤمن؟ طبعا لا، يستطيع أي فرد عادي أن يؤمن عند هذه الشركة. ثم أحب أن أبين عندما ثبت لدينا ثبوتا يقينيا بحرمة شركات التأمين الربوية بدأنا وعملنا البديل يعني نحن لم ننتظر المجمع الفقهي أن يبحث ويعطينا القرار بدأنا في البديل ولله الحمد الآن عندنا عدة شركات تأمين وبدأنا بشركة تأمين الآن إعادة تأمين بخمسين مليون دولا مدفوع منها الآن تحت الطلب 25 مليون دولار، فالآن التوصية التي أود أن نبينها أن نوصي البلاد الإسلامية في تشجيع هذه الشركات وتكون هي البديل، في الحقيقة وصيتنا أن نشجع الشركات البديلة القائمة الآن ونشجعها بالانتشار وأن تسهل الحكومات الإسلامية مهمتها حتى تقوم برسالتها وتكون البديل. ثم بالنسبة للزكاة في الحقيقة الزكاة لها علاقة وثيقة جدا في التعويض ومن بنودها الغارمين وأنا صار بيني وبين رئيس أكبر بنك عالمي أمريكي عن بنود الزكاة وأبواب الزكاة تشمل الغارمين فقال: لو كنا نعلم هذا أنتم مقصرون في الإعلام عن دينكم. لو أننا نعلم فيه تعويضا. ثم توصية الأخ عبد اللطيف في الحقيقة أثني عليها لأن على المصارف الإسلامية حتى لما تقوم البلاد الإسلامية بإنشاء هيئات تعاونية، نوصي وصية بأن تكون هذه المصارف الإسلامية بما أنها قامت ونجحت من الجماهير الإسلامية المسلمة المؤمنة وبتأييد شعبي إسلامي منقطع النظير، في الحقيقة يا إخوان عندما بدأنا بيت التمويل الكويتي وجدت الناس على الباب كالإبل العطشى الظمآنة التي تريد أن تشرب لأن المسلم عندما تتاح له الفرصة في ممارسة عقيدته يأتي إليها راغبا، فالذي يحول في الحقيقة بين المسلمين وبين تطبيق عقيدتهم الإسلامية ذلك رجل ظالم لنفسه مبين. فنرجو أن نوصي أن على المصارف الإسلامية بما أنها حصلت على هذا التأييد، أن تقوم بتأسيس الجمعيات التعاونية أو التبادلية حتى تحل محل الشركات الربوية، هي في الحقيقة ليست شركات تأمين بل هي شركات ربوية حقيقة مثل ما وضح الأخ عبد اللطيف. وشكرا لكم.

ص: 561

الرئيس:

شكرا، بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها المشايخ إنه من خلال البحوث العميقة في مسألة التأمين وإعادة التأمين سواء كان التأمين التعاوني أو التأمين التجاري ومن خلال هذه المداولات ومن خلال السماع لوجهات النظر في البديل الإسلامي فإننا نستطيع أن نكيف اتجاه أنظار، أن لم نقل الكل يكاد أن يكون الكل. وهو أن التأمين التعاوني لا شبهة فيه شرعا على الصفة المقررة لدينا، والتي سبق تقريرها من عدة مجامع ومحافل علمية.

ثانيا: أن التأمين التجاري قال الشيخ الضرير كلمة، أن هذا موضوع تخطاه الزمن، وقال الشيخ عبد السلام أن هذا موضوع أفتى به جموع من العلماء والذي تحرر أن هذا الموضوع الذي هو التأمين التجاري مر بعدد من المجامع العلمية ودور الدراسات الاقتصادية والدراسات الإسلامية وأن الذي اتجهت إليه أنظار أهل العلم ربما في بعضها يتجهون بالإجماع كما في هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وقد استحضروا الشيخ مصطفى الزرقاء وهذا يدل على وجود خير في نفوسهم ليستنيروا بما لديه فانتهوا بالإجماع على تحريم التأمين التجاري بصوره الحاضرة بجميع دروبه وأشكالة الحاضرة، ثم أنه درس في مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة وكان فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء أحد أعضائه، فانتهى المجمع بالإجماع كما أجمع على التأمين التعاوني إباحة فإنه انتهى بالإجماع عدا الشيخ مصطفى الزرقاء إلى تحريم التأمين التجاري. ثم إنه كما تعلمون من قبل درس في دمشق ودرس في القاهرة ودرس في عدد من البلدان الإسلامية وكانت لرؤية الكثرة الكاثرة هي على القول بالمنع، وهذا القول الذي يقول بالجواز أو يحدد وجوها منه فإنه بقي طريدا ليس له من ينصره نصرا جماعيا. وذلك أن عقد التأمين التجاري هو عقد معاوضة مشتملة على الغرر والمخاطرة وعلى أسلوب الابتزاز والاستغلال والامتصاص لأن فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، إضافة إلى عنصر ربا الفضل أو النسأ فيه وإلى أنه عقد رهان والرهان لا يكون إلا على ما تحققت فيه مصلحة شرعية على ما هو منصوص عليه شرعا إلى غير ذلك من الوجوه التي تحف بهذا العقد. ثم إنني أريد أن أوضح مسألة مهمة في القرار الذي سيكون صدوره بإذن الله تعالى وهو أننا – الجواب على قدر السؤال – ما حكم إنشاء التأمين التجاري؟ أما قضية الضرورة، قضية الحاجة فهذه الأمور ليست محل سؤال وهذه يفتي بها الفقيه من ابتلي بها لأن الضرورة والحاجة تقدر بقدرها ولكل حالة ظروفها وملابساتها، لكن العبرة بالأصل وهو إنشاء عقود التأمين أو شركات ومؤسسات التأمين التجاري، تحرر كالآتي:

أولا: القول بإباحة التأمين التعاوني وأنه لا غبار عليه شرعا على ما هو موصوف هنا.

ثانيا: اتجاه الأكثرية في مجمعكم هذا إلى القول بحرمة التأمين التجاري.

ثالثا: مناشدة الدول بتكثيف إيجاد شركات التأمين التعاوني بصفتها المعتبرة شرعا، ثم تجسيد ذلكم البديل، شركات التأمين التعاوني على ما هو مقرر لدى المجامع السابقة في هذا.

وبهذا نكون انتهينا من بحثنا في هذا الموضوع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

ص: 562

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم 2

بشأن

التأمين وإعادة التأمين

أما بعد:

فإن مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 – 16 ربيع الثاني 1406 هـ/22 – 28 ديسمبر 1985م.

بعد أن تابع العروض المقدمة من العلماء والمشاركين في الدورة حول موضوع "التأمين وإعادة التأمين".

وبعد أن ناقش الدراسات المقدمة.

وبعد تعمق البحث في سائر صوره وأنواعه، والمبادئ التي يقوم عليها والغايات التي يهدف إليها.

وبعد النظر فيما صدر عن المجامع الفقهية والهيئات العلمية بهذا الشأن.

قرر:

1 – أن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد. ولذا فهو حرام شرعا.

2 – أن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون. وكذلك الحال بالنسبة لإعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني.

3 – دعوة الدول الإسلامية للعمل على إقامة مؤسسات التأمين التعاوني، وكذلك مؤسسات تعاونية لإعادة التأمين، حتى يتحرر الاقتصاد الإسلامي من الاستغلال ومن مخالفة النظام الذي يرضاه الله لهذه الأمة.

والله أعلم.

ص: 563