الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاصة في التأمين
الشيخ محمد علي التسخيري
أنواع التأمين:
للتأمين أنواع:
فمنه التأمين التجاري المتداول حيث تقوم شركات التأمين بالتأمين على الحياة والمال وأمثال ذلك.
ومنه التأمين التعاوني حيث تتفق مجموعة على وضع رؤوس أموالها في صندوق تعاوني مشترك لجبران الخسارة الواردة عليها.
والذي وقع مورد الاعتراض هو التأمين التجاري دون التعاوني، وكذلك دون التأمين التجاري الذي تقوم به الدولة باعتبار أنه يعود بالتالي لمصلحة المجتمع.
الاعتراضات التي تذكر على عقد التأمين التجاري:
أولا – الغرر:
إذا المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطى أو يأخذ فقد يدفع قسطا أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمن، وقد لا تقع الكارثة.
وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر (رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة) .
ويقاس على البيع عقود المعاوضات المالية فيؤثر الغرر فيها وقد صنفه علماء القانون في (عقود الغرر) .
والخطر حادث محتمل لا يتوقف على إرادة العاقدين.
والغرر المفسد للعقد يشترط فيه أن يكون المعقود عليه أصالة وهذا متحقق في عقد التأمين التجاري.
ويفهم من الغرر اشتماله على الجهالة في البدلين ولا قيمة لرضا أي من الطرفين لأنه مخالف لقواعد الشرع.
وقد قيل أن الغرر هنا فاحش مؤد إلي النزاع.
والجواب:
تارة على مبنى الشيعة بعدم التعميم لاعتبار عدم الغرر لعدم صحة القياس وحينئذ فلا تبقى مشكلة مستعصية.
وأخرى على مبنى التعميم من خلال القياس أو من خلال ما روي عن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الغرر مطلقا وحينئذ أجاب عنه.
1-
الدكتور الزرقاء بما ملخصه:
"الغرر هو الخطر والمراد به أن يكون البيع قائما على مخاطرة أشبه بالقمار والرهان بحيث تكون نتائجه ليست معاوضة محققه للطرفين بل ربحا لواحد وخسارة لآخر بحسب المصادفة وإذا نظرنا لتطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم للغرر من النهي عن بيع الملاقيح (ما ستنتجه إناث الإبل الأصلية) وضربة القانص (ما ستخرجه شبكة الصياد من سمك أو حيوان) وبيع الثمار على الأشجار في بداية انعقادها.
كما قدر الفقهاء عدم صحة بيع الأشياء غير مقدورة التسليم كبيع طائر في الهواء هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن عنصر المقامرة والاحتمال حالة طبيعية مشروعة في التجارة والزراعة والكفالة، وهناك عقد الإحالة على المعاش قبله الفقهاء مع اشتماله على الغرر وحينئذ نستنتج أن الغرر المنهي عنه هو نوع فاحش متجاوز للحدود الطبيعية بحيث يجعل العقد كالقمار المحض وهذا لا ينطبق على التأمين. فهو عقد له غاية محدودة محققة النتيجة فور عقده.
والتامين فيه عنصر احتمالي بالنسبة للمؤمن من حيث وقوع الخطر ثم أن هذا العنصر يزول بملاحظة مجموع عقود التأمين، أما المستأمن فلا خطر محتمل لديه إذ لو لم يقع الخطر واضح وإلا فالتعويض فالمعاوضة قائمة بن الأمان والأقساط ثم راح يوضح أن عنصر الاحتمال قد قبله فقهاؤنا في الكفالة فلو قال (تعامل مع فلان وما يثبت لك عليه من حقوق فأنا كفيل به "صحت الكفالة ولو صرح بالخطر" أن فلس مدينك فلان فأنا كفيله) .
وعليه فمع وقوع الغرر فهو غرر غير ممنوع شرعا.
وأيده في أن الغرر هنا لا يمنع الشيخ على الخفيف لأنه لا يؤدي إلي النزاع ورد عليه البعض بأنه أدى في بعض الحالات إلا أن الجواب واضح فإن المراد الحديث عن نوع الغرر هنا.
ثم أكد أنه على فرض وجود الغرر الكثير فإن الحاجة قائمة فيه وأجابهم الآخر بأن التأمين التعاوني بديل لرفع الحاجة.
وأجابه الآخرون! فماذا تقولون في البلاد التي ليس فيها تأمين تعاوني وذكرت هنا بعض النصوص لذلك.
وأجاب البعض بأن الغرر هو الجهالة والممنوع منها هو جهالة المعاملة كعدم معلومية العوض لا مطلق الجهل وإلا لشمل المزارعة والمساقاة والشركة وكذلك استئجار الأجير للخدمة في البيت مع عدم معلوميتها إذ قد لا يرد الضيف ثم قد يندفع الغرر بالمشاهدة كبيع الصوف على ظهر الغنم ويقول الإمام: أن الظاهر من النهي عن بيع الغرر هو ما كان الغرر في نفس ما تقع المبادلة عليه أي ذات الثمن وذات المبيع. (البيع ص351 ج3)
وهنا يقال: إننا نشترط شروط الإمام في ذلك.
يضاف إلي ذلك. أنكم جميعا قبلتم التأمين في الشركة التعاونية والتأمين الحكومى وهو مشتمل بلا ريب على الغرر فما الفرق بينهما؟
وهذا ما قرره الدكتور الزرقاء وهو صحيح. فأما أن نقول بتحريم التعاوني أو نسوى بينه وبين التجاري.
ثانيا – الربا:
ويبدو أن التركيز فيه على التأمين على الحياة بافتراض أنه يدفع للشركة مالا على أن تدفع للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه فهو ربا الفضل والنسيئة وإذا دفعت المساوى فهو من ربا النسيئة أو يقال أن شركات التأمين تستثمر احتياطي أموالها بطريق الربا وأن المستأمن في التأمين على الحياة إذا بقى حيا بعد انقضاء المدة يسترد الأقساط مع فائدتها، وهذا حرام. أما الشبهة الأولي فقد دفعت من قبل الدكتور الزرقاء؛ بأن التأمين على الحياة لو كان بنحو أقساط يدفعها أحدهم على انه إذا توفى خلال مدة معينة التزمت الشركة بدفع مبلغ المعونة وإلا انتهي العقد ولا ترد الأقساط فلا شبهة ربا فيه.
وهناك صورة التأمين الادخاري المختلط.
ويداخل معظم صوره الربا كأن يدفع المستأمن مبلغا شهريا أو سنويا محددا فيدخر له فإن ظل حيا أخذه وفوائده، وإذا توفى تدفع الشركة لأسرته جميع ما كانت ستعيده إليه خلال مجموع المدة والشركة تربح الفرق بين الفوائد المدفوعة للأسرة والفوائد التي تقرض بها ذلك المال وهذا حرام.
إلا أن كل هذا مبنى على جعل التأمين عملية إقراض ولا يأتي في الهبة المعوضة أو الضمان بعوض.
ثالثا – المقامرة:
وذلك لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمار ودخل في عموم النهى عن الميسر المنهي عنهم أجاب عنه الزرقاء: أن القمار آفة خلقية وشل للقدرة المنتجة ولا يقاس بالتأمين وهو عملية تجارية تعطى للمستأمن طمأنينة من نتائج الأخطار وهو معاوضة مفيدة وليس في القمار معاوضة.
رابعا – الرهان:
وهو رهان مرفوض شرعا. إلا أن الجواب أن الرهان يعتمد على الحظ والمصادفات وليس في الرهان ترميم للأضرار.
خامسا:
أخذ مال الغير بلا مقابل، وهذا أمر غريب فكيف ينظر فيه إلي عدم العوضية مع أن العوضية فيه واضحة، ثم أن كونه بلا مقابل على الأقل مشكوك فلا يشمله عموم أكل المال بالباطل لأنه من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.
سادسا:
الإلزام بما لا يلزم شرعا، أو بتعبير آخر يعبر عن ضمان ما لم يجب. فالمؤمن لم يحدث الخطر ولم يتسبب في حدوثه. وأجيب عنه: بأن الأمور الاعتبارية قوامها باعتبار العقلاء وقد جرى بناؤهم على صحة الضمان.
وقد أفتوا بضمان الدرك ونفوذه في ضمن المعاملة لو ظهر أحد العوضين مستحقا للغير ولو كان الضامن للدرك غير المتعاملين تبرعا أو بأجرة وإن رفض البعض ذلك ومنهم الإمام.
قد يقال إنه تعهد ابتدائي غير ملزم. ولكن يجاب بأنه تعهد معامل مستقل.
سابعا:
وهو ما أضافه الأستاذ أبو زهرة:
الصرف الباطل: لأنه بيع دين بدين إذ هو شراء ألف مقسطة بألف غير مقسطة والصرف لا بد فيه من التقابض. ويرد الدكتور الزرقاء بأنه ليس من عقود الصرف الذي موضوع مبادلة نقود بنقود. والواقع انه من الخطأ أن يقال إنه عقد صرف أو بيع دين بدين.
ثامنا:
إن التأمين يؤدي إلي تعطيل سهم الغارمين، وهذا غريب، ذلك أن وجود هذا السهم لا يعني تشجيع الناس على ترك الاعتماد على أنفسهم وإنما يعني التخفيف عن كاهل الزكاة التي يؤخذ بها في الدرجة الأولي لسد حاجة الفقراء.
أساليب التصحيح
الأسلوب الأول:
أنه عقد مستقل عقلاني مشمول لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} يلزم الوفاء به. فإن الآية القرآنية تشمل كل عقد عرفي ما لم يتناف مع الحدود التي منع الشرع من الاقتراب إليها فكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل. وهو مبنى الإمام وغيره من الفقهاء وهذا الأسلوب أكد عليه الدكتور الزرقاء.
وليس الناس محصورين في العقود المعروفة. وقد قدر المذهب الحنفي على أن الأصل الإباحة شرعا في العقود الجديدة وقد مر أن الشبهات التي ذكرت كلها باطلة.
الأسلوب الثاني:
الهبة المعوضة، فهو أسلوب صحيح وتكون الهبة حينئذ لازمة لا يمكن الرجوع فيها إلا أن المتعارف غير هذا الأسلوب.
الأسلوب الثالث:
الصلح، ولا يرد عليه مسألة الغرر بكل وضوح إلا انه أيضا غير متعارف.
الأسلوب الرابع:
الضمان المعوض فهو عقد ضمان يلتزم فيه أحد الطرفين بجبران الخسارة لقاء التزام الآخر بعوض.
وهذا الأسلوب محتمل، إلا انه يلزم منه القول بجواز ضمان الأجنبي وهو جائز في رأى بعض العلماء وغير جائز في رأى آخرين.
كما يجب الالتزام بأنه لا يشترط في الضمان أن يضمن الدين في الذمة بل يمكن ضمان الأعيان حتى لو كانت عند أصحابها.
ويستشكل عليه بأنه من قبيل ضمان ما لا يجب، وقد أجبنا عليه من قبل. هذا وقد أفتى بعض الفقهاء بجواز ضمان الدرك ونفوذه في المعاملة لو ظهر أن أحد العوضين مستحق للغير ولو كان الضامن غير المتعاملين وقد تردد صاحب جواهر الكلام في ذلك من جهة عدم ورود النص ولم ينجزه الإمام.
وعلى فرض عدم صحة الضمان فما المانع من أن يقدم المؤمن تعهدا فعليا لأداء مال على تقدير التلف فإن اشتراط الفعل في الماليات يوجب تعلق حق للمشروط له على المشروط عليه بحيث لو مات يتعلق بتركته.
ويختلف هذا الضمان بأنه تعهد بالنتيجة وهذا تعهد بالفعل قد يعترض على هذا فيقال: بأنه شرط ابتدائي لا تشمله قاعدة المؤمنون عند شروطهم؛ ولكن يجاب بأن التأمين تعهد معاملى مستقل، وحتى لو كان ابتدائيا فإنه يمكن اشتراطه في ضمن مصالحة بمال ورغم أن القياس مرفوض عندنا؛ إلا أن البعض حاول أن يستأنس لصحة هذا العقد بضمان الجريرة في الإرث بعد حذف الفارق الجوهري بينهما.
وفرق البعض بينهما بأن الهدف هنا الاسترباح وهناك التعاون ولكنه غير جوهري.
هذا وقد حول الكثيرون قياس هذا العقد على ضمان الجريرة، والوعد الملزم، وضمان المجهول، وضمان ما لم يجب، وضمان خطر الطريق، ونظام التقاعد، ونظام العاقلة، وعقود الحراسة.
ورغم عدم إيماننا بالقياس فإنها تصح نقضا على الإشكالات التي أوردها على التأمين من الغرر والجهالة وغير ذلك، حاول البعض الاستدلال بالضرورة وغير ذلك إلا أنها ليست بحجة، وكذا الاستدلال بالعرف فليس هو من الأدلة وإنما يبني عليه من فهم صاحبه، وبالنسبة للربح تكون هناك نسبة مئوية.
شروط صحة عقد الضمان بنظر الإمام:
1-
يشترط في الموجب والقابل كل ما يشترط فيهما في سائر العقود.
2-
يشترط:
- تعيين المؤمن عليه من شخص أو مال أو مرض.
- تعيين طرفي العقد المؤمن والمستأمن.
- تعيين المبلغ المدفوع من قبل المؤمن.
- تعيين الخط الموجب للخسارة.
- تعيين المبلغ الذي يدفعه المستأمن.
- تعيين زمان التأمين ابتداء وانتهاء.
تصحيح التأمين التعاوني:
وهذا العقد يمكن تصحيحه بالطرق المذكورة ومنها جعله عقد ضمان "بأن يضمن كل خسارة شركائه بالنسبة في مقابل ضمانهم لخسارته ويكون الأداء من المال المشترك".
ولكن الإمام يستظهر فيه الالتزام بجبر الخسارة في مقابل جبرهم للخسارة بنسبة ماله في المال المشترك وهو عقد لازم.
ويحتمل أن يكون عقد شركة التزم كل في ضمنه خسارة كل واحد منهم وحينئذ يكون جائزا.