المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الدكتور وهبة الزحيلي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني

- ‌كلمة معالي سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معالي الأمين العام للمجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة معالي الدكتور أحمد محمد علي

- ‌كلمة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف

- ‌كلمة سعادة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌زكاة الديونلفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونفضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسىوفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي

- ‌زكاة المستغلات العمارات والمصانع ونحوهافضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

- ‌زكاة المستغلاتفضيلة الدكتور علي احمد السالوس

- ‌أطفال الأنابيبفضيلة الشيخ رجب التميمى

- ‌وثائق مقدمة للمجمعالحكم الإقناعي في إبطال التلقيح الصناعيوما يسمى بشتل الجنينالشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌بنوك الحليبفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

- ‌بنوك الحليبالدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاشالدكتور محمد على البار

- ‌الإنعاشفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الشيخ رجب التميمى

- ‌خلاصة في التأمينالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌عقود التأمين وإعادة التأمين في الفقه الإسلاميدراسة مقارنة بالفقه الغربيفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌التأمين وَإعادة التأمينالشَيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌وثائق مقدمَة للمؤتَمرالتأمين وَإعادة التأمينالشَيخ عبٌد الله بن زيد آل مَحمُود

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدفضيلة الدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌أحكام التعامل في المصارف الإسلاميةالدكتور وهبة الزحيلي

- ‌أحكام التعامل في المصارف الإسلاميةفضيلة الشيخ محمد على عبد الله

- ‌بداية الشهور العربيةفضيلة الشيخ محمد على التسخيري

- ‌توحيد بدايات الشهور العربيةفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌رسالة بلغة المطالع في بيان الحساب والمطالعفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌بدايات الشهور العربية الإسلاميةلفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌حول اعتماد الحساب الفلكيلتحديد بداية الشهور القمريةهل يجوز شرعا أو لا يجوز؟مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌وثائق مقدمة المجمعاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عاموبيان أمر الهلال وما يترتب عليه من الأحكامفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور بكر أبو زيد

- ‌دراسة حول خطابات الضمانللدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور زكريا البري

- ‌‌‌خطاب الضمَانفضيلة الدكتور عَبد الستار أبو غدة

- ‌خطاب الضمَانفضيلة الدكتور عَبد الستار أبو غدة

- ‌آراء حَول خطاب الضمَانفضيلة الشيخ محمد على التسخيرى

- ‌جواز أخذ الأجر أو العمولةفي مقابل خطاب الضمانلفضيلة الشيخ / أحمد على عبد الله

الفصل: ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الدكتور وهبة الزحيلي

‌التأمين وإعادة التأمين

فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي

تعريف عقد التأمين:

عرف القانون المصري (م747) والقانون السورى (م713) وغيرهما التأمين بأنه "عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلي المؤمن له المستأمن أو إلي المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال، أو إيرادا مرتبا، أو أي عوض مالى آخر في حالة وقوع الحادث، أو تحقق خطر مبين في العقد، وذلك في مقابل قسط، أو أية دفعة أخرى يؤديها المؤمن له إلي المؤمن".

يظهر من هذا التعريف اتجاهه إلي بيان عقد التأمين التجاري التبادلي الذي يقوم به عاقدين: المؤمن وهو شركة التأمين. والمستأمن وهو المتعامل مع الشركة، مقابل قسط ثابت هو قسط التأمين، وأخذ عوض هو عوض التأمين عند حصول الخطر أو الحادث المؤمن عليه، وهو من العقود الاحتمالية وعقود المعاوضات المالية، لكن لا يلزم في العقد الاحتمالي الحصول على العوض أحيانا، وليس العوض تبرعا من المؤمن.

ويتبين من التعريف أيضا أن التأمين من عقود الغرر، إذ لا يعرف وقت العقد مقدار ما يعطى كل واحد من العاقدين أو يأخذ، فقد يدفع المستأمن قسطا واحدا من الأقساط، ثم يقع الحادث، وقد يدفع جميع الأقساط، ولا يقع الحادث.

وهو كذلك عقد من عقود التراضي، وملزم للطرفين، ومن عقود المدة، فلا بد من زمن لتنفيذ التزامات الطرفين، وعقد من عقود الاذعان، لأن المستأمن يخضع لشروط وقيود محددة سلفا من قبل شركات التأمين.

ص: 375

أنواع التأمين:

التأمين من حيث الشكل نوعان:

1-

تأمين تعاوني: وهو أن يشترك مجموعة من الأشخاص بدفع مبلغ معين، ثم يؤدى من الاشتراكات تعويض لمن يصيبه ضرر.

2-

تأمين تجاري أو التأمين ذو القسط الثابت، وهو المراد عادة عند إطلاق كلمة التأمين، وفيه يلتزم المستأمن بدفع قسط معين إلي شركة التأمين القائمة على المساهمة، على أن يتحمل المؤمن (الشركة) تعويض الضرر الذي يصيب المؤمن له أو المستأمن. فإن لم يقع الحادث فقد المستأمن حقه في الأقساط، وصارت حقا للمؤمن.

وهذا النوع ينقسم من حيث موضوعه إلي:

1-

تأمين الأضرار: وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في ذمة المؤمن له، لتعويضه عن الخسارة التي تلحقه. وهذا يشمل:

التأمين من المسؤولية: وهو ضمان المؤمن له ضد مسؤوليته عن الغير الذي أصيب بضرر، مثل حوادث السير، والعمل.

والتأمين على الأشياء: وهو تعويض المؤمن له عن الخسارة التي تلحقه في ماله، بسبب السرقة أو الحريق، أو الفيضان، أو الآفات الزراعية ونحو ذلك.

2-

وتأمين الأشخاص: وهو يشمل:

التأمين على الحياة: وهو أن يلتزم المؤمن بدفع مبلغ لشخص المتسأمن أو للورثة عند الوفاة، أو الشيخوخة، أو المرض أو العاهة، حسب مقدار الإصابة.

والتأمين من الحوادث الجسمانية: وهو أن يلتزم المؤمن بدفع مبلغ معين إلي المؤمن له في حالة إصابته أثناء المدة المؤمن فيها بحادث جسماني، أو إلي مستفيد آخر إذا مات المستأمن.

والتأمين من حيث العموم والخصوص ينقسم إلي قسمين:

1-

تأمين خاص أو فردي: وهو التأمين الخاص بشخص المستأمن من خطر معين.

2-

تأمين اجتماعي أو عام: وهو الذي يشمل مجموعة من الأفراد يعتمدون على كسب عملهم، من أخطار معينة كالمرض والشيخوخة والبطالة والعجز.

وهذا في الغالب يكون اجباريا، ومنه التأمينات الاجتماعية، والصحية والتقاعدية.

ص: 376

موقف الفقه الإسلامي من التأمي:

لا شك في جواز التأمين التعاوني في منظار الفقهاء المسلمين المعاصرين، لأنه يدخل في عقود التبرعات، ومن قبيل التعاون والمطلوب شرعا على البر والخير لتفتيت الأخطار، والاشتراك في تخفيض الضرر عند وقوع الحوادث، لأن كل مشترك يدفع اشتراكه بطيب النفس، لتخفيف آثار المخاطر، وترميم الأضرار التي تصيب أحد المشتركين، أيا كان نوع الضرر، سواء في التأمين على الحياة، أو الحوادث الجسمانية، أو على الأشياء بسبب الحريق أو السرقة أو موت الحيوان، أو ضد المسؤولية من حوادث السيارات، أو حوادث العمل، ولأنه لا يستهدف تحقيق الأرباح، وإنما المراد توزيع الأخطار والمساهمة في تحمل الضرر.

وعلى هذا الأساس نشأت شركات التأمين التعاوني في السودان وغيره، ونجحت في مهامها وأعمالها، بالرغم من وصف القانونيين لها بأنها بدائية محضة.

كذلك يجوز التأمين الإجباري أو الألزامى الذي تفرضه الدولة، لأنه بمثابة دفع ضريبة للدولة، كالتأمين المفروض على السيارات ضد الغير.

ولا مانع من جواز التأمين الاجتماعي ضد الطوارئ: العجز والشيخوخة والمرض والبطالة والتقاعد عن العمل الوظيفي، لأن الدولة مطالبة برعاية رعاياها، ومسؤولة عنهم في مثل هذه الأحوال، ولخلوه من الربا، والغرر، والمقامرة.

وقد أجاز مؤتمر علماء المسلمين الثاني في القاهرة عام 1385 هـ /1965م، ومؤتمر علماء المسلمين السابع عام 1392هـ/1972م كلا من التأمين الاجتماعي والتأمين التعاوني، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة عام 1398هـ/1978م.

ص: 377

أما التأمين التجاري أو التأمين ذو القسط الثابت: فهو غير جائز شرعا، وهو رأى أكثر الفقهاء في العصر الحاضر، وهو ما قرره المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي في مكة المكرمة عام 1396هـ/1976م، والسبب في عدم الجواز يكاد ينحصر في أمرين: هما الغرر والربا.

أما الربا: فلا يستطيع أحد إنكاره، لأن عوض التأمين ناشيء عن مصدر مشبوه قطعا، لأن كل شركات التأمين تستثمر أموالها في الربا، وقد تعطي المستأمن (المؤمن له) في التأمين على الحياة جزءا من الفائدة، والربا حرام قطعا في الإسلام.

والقائلون بجواز عقد التأمين يرفضون صراحة استثمار شركات التأمين في معاملات ربوية، ولا يقرون للمستأمن أن يقبض شيئا من الفوائد التي تدفعها شركة التأمين.

والربا واضح بين العاقدين: المؤمن والمستأمن، لأنه لا تعادل ولا مساواة بين أقساط التأمين وعوض التأمين، فما تدفعه الشركة قد يكون أقل أو أكثر، أو مساويا للاقساط، وهذا نادر. والدفع متأخر في المستقبل، فإن كان التعويض أكثر من الأقساط، كان فيه ربا فضل وربا نسيئة، وإن كان مساويا ففيه ربا نسيئة، وكلاهما حرام.

فإن قيل: أن التأمين التعاقدى قائم على أساس التعاون لجبر الضرر، وترميم الأضرار والمصائب، فلا يكون فيه ربا أو شبهة ربا، أجيب: بأن المستأمن يستهدف أحيانا المراباة، ويبقى الربا قائما في عوض التأمين، لأنه حصيلة الفوائد والمعاملات الربوية.

أما الغرر: فواضح في التأمين، لأنه من عقود الغرر: وهي العقود الاحتمالية المترددة بين وجود المعقود عليه وعدمه، وقد ثبت في السنة حديث صحيح، رواه الثقات عن جمع من الصحابة:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر "(1) .

(1) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه

ص: 378

ويقاس على البيع عقود المعاوضات المالية، فيؤثر الغرر فيها، كما يؤثر في عقد البيع.

وعقد التأمين مع الشركات من عقود المعاوضات المالية، لا التبرعات، فيؤثر فيه الغرر، كما يؤثر في سائر عقود المعاوضات المالية، وقد وضعه رجال القانون تحت عنوان "عقود الغرر" لأن التأمين لا يكون إلا من حادث مستقبل غير محقق الوقوع، أو غير معروف وقوعه، فالغرر عنصر لازم لعقد التأمين.

والغرر في التأمين في الواقع كثير، لا يسير، ولا متوسط، لأن من أركان التأمين: الخطر، والخطر حادث محتمل لا يتوقف على إرادة العاقدين، والمؤمن له لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ، فقد يدفع قسطا واحد ويقع الخطر، فيستحق جميع ما التزم به المؤمن، وقد يدفع جميع الأقساط، ولا يقع الخطر، فلا يأخذ شيئا.

وكذلك حال المؤمن، لا يعرف عند العقد مقدار ما يأخذ، أو ما يعطي، وإن كان يستطيع إلي حد كبير معرفة كل ذلك بالنسبة لجميع المؤمن لهم، بالاستعانة بقواعد الإحصاء الدقيقة، وبحث الأحوال الاجتماعية لشخص المستأمن وظروفه وأوضاعه.

وما قد يقال من اعتماد شركة التأمين على حسابات دقيقة تنتفي معها صفة الاحتمال والغرر والغبن في الظروف العادية، لا يبيح التأمين، لأن انتفاء الغرر بالنسبة للمؤمن وحده لا يكفى لانتفاء الغرر من عقد التأمين، فلا بد من انتفائه بالنسبة للمستأمن أيضا، والفقه الإسلامي لا ينظر إلي مجموع العقود التي تبرمها شركات التأمين، وإنما ينظر في الحكم على العقد صحة وفسادا إلي كل عقد على حدة.

والقول بأنه لا غرر ولا احتمال بالنسبة للمستأمن، لأن محل العقد في التأمين هو الأمان دون توقف على الخطر، وقد حصل عليه عند دفع القسط الأول، هو قول باطل، لأن الأمان هو الباعث على عقد التأمين، وليس هو محل العقد، ومحل العقد: هو ما يدفعه كل من العاقدين: المؤمن والمستأمن، أو ما يدفعه أحدهما. وقلنا: أن الأمان هو المحل، لكان عقد التأمين باطلا، لأن المحل يلزم أن يكون ممكنا غير مستحيل، والأمان يستحيل الالتزام به، ومحل عقد المعاوضة، كما تدل الأحاديث الناهية عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وتأمن العاهة، يجب أن يكون موجودا وقت التعاقد، وأن يكون في حال يمكن معها الانتفاع منه على وجه المقصود في العقد أو المعتاد، فإن لم يكن كذلك ،أو كان معدوما ،ولو محتمل الوجود في المستقبل، فلا يجوز شرعا، ومحل التأمين احتمالي الوجود، إذ هو ما يدفعه كلا العاقدين، أو ما يدفعه أحدهما كالتعويض الذي يدفعه المؤمن (شركات التأمين) حين وقوع الضرر أو الموت حسب شروط العقد.

والحاجة التي من أجلها يجوز العقد المشتمل على الغرر، ولو كان كثيرا: (وهي أن يشترط فيها أن تكون عامة أو خاصة، وأن تكون متعينة.

ص: 379

أما الحاجة العامة: فهي ما يكون الاحتياج فيها شاملا لجميع الناس. وأما الحاجة الخاصة: فهي ما يكون الاحتياج فيها خاصا بطائفة من الناس كأهل بلد أو حرفة، ومعنى كون الحاجة متعينة: أن تنسد جميع الطرق المشروعة للوصول إلي الغرض، سوى ذلك العقد الذي فيه الغرر.

ولو سلمنا بوجود الحاجة للتأمين في الوقت الحاضر، فإن الحاجة إليه غير متعينة، إذ يمكن تحقيق الهدف منه بطريق التأمين التعاوني القائم على التبرع، وإلغاء الوسيط المستغل لحاجة الناس، والذي يسعي إلي الربح، وهو شركة الضمان، فيكون التأمين عقد معاوضة مشتملا على غرر كثير من غير حاجة متعينة في الإسلام، فيمنع.

وإذا سلمنا بكون الحاجة متعينة، جاز التأمين بالقدر الذي يزيل الحاجة فقط، عملا بالقاعدة الشرعية: الحاجة تقدر بقدرها.

ومما يدل على فساد التأمين: أن الغرر المفسد للعقد يشترط فيه أن يكون المعقود عليه أصالة وهذا متحقق في عقد التأمين التجاري.

ويفهم من اشتمال التأمين على الغرر اشتماله أيضا على الجهالة، والجهالة في البدلين بارزة في التأمين، وهي جهالة مقدار ما يدفعه كل من طرفي العقد (المؤمن والمستأمن) للآخر، وهو قابل للكثرة والقلة، بل أن ما يدفعه المؤمن بدلا أو عوضا عن الضرر أو الهلاك على خطر الوجود، والخطر الذي هو مسوغ العقد قد يقع وقد لا يقع، وكل هذا يجعل الجهالة فاحشة كثيرة تؤدي إلي إبطال العقد.

ويكون عقد التأمين ممنوعا شرعا لاشتماله على فاحش الغرر والجهالة، ولا يؤبه بالعلم بمبلغ كل قسط عند حلول ميعاده، فهو صحيح انه مبلغ معلوم، لكن كمية الأقساط هي التي فيها الجهالة، ورضا المؤمن بدفع التعويض عند وفاة المستأمن أو حدوث حادث له، ضمن مدة محددة بالعقد، مهما بلغ عدد الأقساط قلة وكثرة، لا قيمة له، لأنه رضا مخالف لقواعد الشرع ونصوصه المانعة من الغرر، كالرضا في القمار أو الزنا، لا يحل واحد منهما، لأن الحرام لا ينقلب مباحا باتفاق الناس عليه أو رضاهم به.

وكون الجهالة فاحشة فإنها تؤثر في العقد وتبطله، ولو لم تفض إلي المنازعة، أما الجهالة اليسيرة غير المفضية إلي النزاع عادة فهي المغتفرة، والجهالة في التأمين أفحش مما صوره الفقهاء للجهالة الفاحشة المفضية إلي النزاع وإفساد عقد البيع مثلا، كبيع الفجل والجزر في الأرض، فهذان موجودان في الأرض، لكنهما مجهولان على طريق الظهور والعلم، أما في التأمين فبدل الهلاك أو عوض التأمين مرجوح الوجود، قد يحدث وقد لا يحدث، وهذا احتمال يضعف مشروعية العقد.

لكل ما سبق وغيره من الموانع لا يحل للتاجر وغيره من المستأمنين أخذ بدل الهالك من مال "السوكرة" أو التأمين، لأنه مال لا يلزم من التزم به، كما ذكر ابن عابدين، ولأن اشتراط الضمان عل الأمين باطل كما قرر فقهاء الحنفية.

ص: 380

إعادة التأمين أو التأمين المركب:

إن مبدأ التعاون في التأمين يحقق بتحزئة المصائب وتوزيع نتائجها على اكبر عدد ممكن، فبقدر ما يزداد عدد المستأمنين تزداد تجزئة الأضرار وتوزيعها، فهى عملية تفتيت وتشتيت للأضرار المؤمن منها، ولهذا التشتيت وسائل كثيرة، منها ما يسمى بإعادة التأمين أو التأمين المركب، حيث تلجأ شركة التأمين نفسها إلي التأمين مما يلحقها من تعويضات لدى الشركات عالمية كبرى.

وإعادة التأمين له حكم أصل التأمين، فيجوز لشركات التأمين التعاوني التأمين لدى شركات تعاونية أخرى. أما إعادة التأمين التجاري فتطبق عليه أحكام التأمين التجاري ذاته؛ فهو عقد تأمين تجاري يكون المستأمن فيه شركات التأمين بدلا من الأفراد.

وضوابط الغرر المؤثر والمفسد للعقد (وهي كون الغرر في عقد معاوضة، وكونه كثيرا، وكون المعقود عليه أصالة، وألا تدعو إلي العقد حاجة) تقتضى بمنع إعادة التأمين، إلا إذا دعت إليه الحاجة المتعينة، كما ذكرت هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي في السودان في الفتوى رقم 16و17، أي هل تكون شركات التأمين في مشقة وحرج إذا لم تتعامل مع شركات إعادة التأمين؟

ترى هذه الهيئة وأؤيدها في فتواها جواز إعادة التأمين، لوجود الحاجة المتعينة كما قدر خبراء البنك، بالشروط التالية التي سموها بالملحوظات والتحفظات:

1-

أن يقلل ما يدفع لشركة اعادة التأمين إلي أدني حد ممكن (وهو القدر الذي يزيل الحاجة) عملا بقاعدة الحاجة تقدر بقدرها. وتقدير ما يزيل الحاجة متروك لخبراء البنك.

2-

ألا تتقاضي شركة التأمين التعاوني عمولة أرباح، ولا أية عمولة أخرى من شركة إعادة التأمين.

3-

ألا تحتفظ شركة التأمين التعاوني بأي احتياطات عن الأخطار السماوية، لأن حفظها يترتب عليه دفع فائدة ربوية لشركة إعادة التأمين.

4-

ألا تدخل شركة التأمين التعاوني في طريقة استثمار شركة إعادة التأمين لأقساط إعادة التأمين المدفوعة لها، وألا تطالب بنصيب في عائد استثماراتها، وألا تسأل عن الخسارة التي تتعرض لها.

ص: 381

5-

أن يكون الاتفاق مع شركة إعادة التأمين لأقصر مدة ممكنة.

6-

أن تعمل شركة التأمين التعاوني على إنشاء شركة إعادة تأمين تعاوني، تغنيه عن التعامل مع شركات إعادة التأمين التجاري.

هذا ما أدين الله عليه، وما أزال أستغرب وأستهجن كلام القائلين بمشروعية التأمين التجاري، ولم أجد حاجة لتفنيد أدلتهم، فقد كثر الرد عليها في المجالات والمؤلفات والبحوث والمؤتمرات، بدءا من أسبوع الفقه الإسلامي بدمشق من 1 إلي 6 نيسان 1961، وانتهاء بقرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأولي المنعقدة في 10 شعبان 1398 هـ بمكة المكرمة، بمقر رابطة العالم الإسلامي، ومن أراد الطمأنينة القلبية لحرمة التأمين، وإبطال حجج القائلين بالجواز، فليرجع إلي بحوث الأسبوع المذكور في دمشق، وإلى قرار مجمع الفقه بمكة المكرمة، والله يهدينا سواء السبيل.

ص: 382