الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنوك الحليب
الدكتور محمد علي البار
ظهرت في السبعينات من القرن العشرين في أوربا والولايات المتحدة فكرة بنوك الحليب بعد أن انتشرت من قبل مجموعة من البنوك مثل بنوك الدم وبنوك القرنية وبنوك المني وبنوك الأعضاء.
وتتلخص الفكرة: في جمع اللبن من أمهات متبرعات (أو بأجر) يتبرعن بشيء مما في أثدائهن من اللبن إما لكونه فائضًا عن حاجة أطفالهن، وإما لكون الطفل قد توفي وبقي في الثدي اللبن.
يؤخذ هذا اللبن بطريقة معقمة من المتبرعة ويحفظ في قوارير معقمة بعد تعقيمه مرة أخرى في بنوك الحليب.
ولا يجفف هذا اللبن بل يبقى على هيئته السائلة حتى لا يفقد ما به من مضادات الأجسام antibodies التي توجد في اللبن الإنساني ولا يوجد مثيلها في لبن الحيوانات مثل الأبقار والجواميس والأغنام.
وتأتي أهمية هذا اللبن من الآتي:
1-
احتوائه على العناصر المناسبة للطفل الإنساني.
2-
احتوائه على مضادات الأجسام antibodies وأجسام المناعة immunebodies.
3-
عدم وجود حساسية منه للطفل كما قد يحدث في ألبان الأبقار أو الجواميس أو الأغنام أو الماعز.
4-
لبن الأمهات يحمي الأطفال من مختلف أنواع الأخماج infections (الالتهابات) التي تصيب الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي وغيرها من الأجهزة.
5-
لبن الأمهات وخاصة الذي يحتوي على خلايا المناعة بكمية كبيرة كما يحتوي على كمية كبيرة جدًا من أجسام المناعة وخاصة من نوع IJA الذي يلعب دورًا في حماية الجهاز الهضمي والتنفسي للطفل.
6-
لبن الأمهات يحتوي على نسبة من الزنك بينما لبن الأبقار أو الجواميس أو غيرها من الحيوانات لا يحتوي على الكمية الكافية منه.. ولذا فإن الأطفال الذين ينشأون على لبن غير إنساني يتعرضون لاحتمال الإصابة بأعراض نقص الزنك التي تؤدي إلى حدوث أعراض جلدية إما حادة أو مزمنة متمثلة في بثور وطفح جلدي سرعان ما يمتليء بالصديد أو الدم وخاصة في مخارج الجسم: حول الفم والشرج وفي الأطراف، ويصحب ذلك إسهال قد يكون شديدًا.
لهذه الأسباب ولغيرها يدعو الأطباء الأمهات إلى إرضاع أطفالهن لما يشمله ذلك من فوائد عديدة للطفل والأم على السواء.
وبما أن الأم قد لا تستطيع إرضاع طفلها لنضوب لبنها أو لوجود مرض معد أو لأي سبب من الأسباب التي تمنع الإرضاع مثل وجود خراج بالثدي فإن البديل لذلك هو إيجاد مرضعة.
وبما أن المرضعات قد اختفين من الوجود في المجتمعات الغربية (أوربا وأمريكا) وكثير من بقاع العالم، لذا ظهرت إلى السطح فكرة تكوين بنوك الحليب.
وتعتمد هذه الفكرة على تجميع اللبن الفائض أو غير المرغوب فيه من الأمهات المتبرعات وحفظه حفظًا جيدًا في ثلاجات خاصة ثم إعطائه مجموعة من الأطفال هم في أشد الحاجة إليه ومع ذلك فإن أمهات هؤلاء الأطفال لا يستطعن القيام بإرضاعهم.
وهؤلاء الأطفال هم:
1-
الأطفال الحذج Premature babies أي الذين ولدوا قبل الميعاد (أقل من تسعة أشهر) وكلما كان ذلك أقل من التسعة أشهر كلما كانت حاجة الطفل أكبر.
ومن المعلوم أن الأطفال الذين قد جاوزوا ستة أشهر يمكن أن يعيشوا وعلى هذا حكم الشرع وهو الحكم الذي استنبطه الإمام علي رضي الله عنه عندما ولدت امرأة بعد زواجها بستة أشهر فعرضت على عثمان (1) رضي الله عنه فأراد أن يتهمها بالزنا لاتهام زوجها لها بذلك فأبان له الإمام أن حملها وولادتها في ستة أشهر ممكنة وذلك لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وقال تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} كما قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فتبين من ذلك أن أقل الحمل ستة أشهر.
(1) ذكر ابن قدامة في المغني ج ر/ أن هذه الواقعة قد حدثت في خلافة عمر رضي الله عنه، وذكر غيره، أنها حدثت في خلافة عثمان، وسواء كان ذلك في خلافة عمر أو عثمان فإن الحادثة تدل على عظيم فقه الإمام علي رضي الله عنهم أجمعين
2-
الأطفال الناقصو الوزن عند الولادة Small for date
رغم أنهم قد أكملوا مدة الحمل الطبيعية تسعة أشهر (280 يومًا من آخر حيضة حاضتها المرأة أو 266 يومًا منذ التلقيح، قد تزيد أو تنقص) .
3-
الالتهابات الحادة التي قد تصيب الطفل والإثنانات تجعله في حاجة شديدة للبن إنساني لما يحتويه من مضادات الأجسام.
لهذه الأسباب قامت فكرة بنوك اللبن.. والقصد منها إنقاذ مجموعة من الأطفال الذين يحتاجون بصورة خاصة للبن الإنساني في الوقت الذي لا تستطيع فيه أمهاتهم أن يقمن بالرضاعة.. ولا يوجد في هذه المجتمعات مرضعات بأجر أو بغير أجر يقمن بهذا العمل الإنساني النبيل.
هذه الفكرة قامت ونفذت بالفعل في أوربا والولايات المتحدة.. وهي فكرة لها ما يبررها من الناحية العملية وخاصة في أوربا وأمريكا.. ومع هذا فإن بنوك اللبن قد انكمشت بصورة خاصة في الولايات المتحدة.
يقول الدكتور ماهر حتحوت (رئيس قسم الأمراض الباطنية بأحد المستشفيات الجامعية بالولايات المتحدة) :
"إن حجم المشكلة أصغر مما قد تم تصوره ابتداء: لأن الألبان الصناعية (الحيوانية) تكفي وانحصر الاستعمال لمن لهم حساسية خاصة للألبان الصناعية أو لمن لا يستطيعون هضمه.. ونسبة الأطفال الحذج حوالي 7 % من المواليد.. من هؤلاء أقل من 1 % من الـ 7 % (الذين يحتاجون للبن الإنساني) وقد قمت بالاتصال ببنوك الألبان، فلقد انكمش إلى ثلثه في الولايات المتحدة ثم اتصلت بمستشفى الأطفال في لوس أنجلوس للسؤال عن عدد المرات التي استخدموا فيها بنوك اللبن في العامين الأخيرين فكان العدد صفرًا، ولذلك فإن المشكلة صغيرة ومنكمشة، ولكن الاحتمال موجود ومطروح، وقد تختفي المشكلة ثم تظهر بعد ذلك"(1)
(1) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام (سلسلة مطبوعات منظمة الطب الإسلامي) المنعقدة بالكويت 11/ 8/ 1403 هـ (24/ 5/ 1983م) بإشراف وتقديم د. عبد الرحمن العوضي وزير الصحة العامة والتخطيط ورئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية الكويتي صفحة 35 - 36
وكنت قد قمت بسؤال مجموعة من أطباء الأطفال العاملين في الولايات المتحدة عندما كنت في زيارة لها في يناير 1983 فذكروا لي أن بنوك الأطفال في الولايات المتحدة في مرحلة الاحتضار وذلك للأسباب التالية:
1-
الحاجة إليها نادرة.
2-
تكلفتها عالية جدًا.
3-
ندرة الأمهات المتبرعات باللبن.
4-
يتعرض اللبن المتجمع للفساد مع الزمن رغم حفظه في البنك فهو معرض لإصابته بالميكروبات كما أنه معرض لتحلل بعض المواد الموجودة فيه فيفقد بذلك بعض مزاياه وفوائده.
ما هي محاذير استعمال بنوك اللبن؟
1-
أن أول هذه المحاذير التي ينبغي أن نركز عليها في المجتمعات الإسلامية هو المحذور الديني وذلك أن جمع اللبن من أمهات متعددات وخلطه ثم إعطاءه الأطفال يؤدي إلى عدم معرفة مَن من النساء أرضعن مَن من الأطفال، فإذا حدثت الجهالة قد يؤدي ذلك إلى أن يتزوج الأخ أخته من الرضاع أو خالته أو عمته والرسول صلوات الله عليه يقول ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) وسنناقش فيما بعد بإيجاز أقوال الفقهاء المحدثين والسابقين في هذا الموضوع الحساس.
2-
أن بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة تقنيًا مثل الولايات المتحدة محفوفة بمجموعة من المحاذير التي سبق الإشارة إليها وهي أن كلفتها عالية جدًا، وأن اللبن المتجمع يتعرض إما لإصابته بالميكروبات وإما لفقدان بعض خصائصه وميزاته نتيجة تحلل المواد الموجودة فيه مع تقادم الزمن، ولندرة الحاجة إليه.
3-
أن بنوك اللبن في البلاد النامية تتعرض لهذه المصاعب بصورة أشد وأعتى لأن درجة التقنية والنظافة أقل بكثير مما هي عليه في الغرب، وذلك فإنها بالإضافة إلى كونها باهظة التكاليف جدًا بالنسبة للبلاد الفقيرة تعتبر غير ذات فائدة كبيرة لتعرض اللبن إلى الإصابة بالميكروبات.. ولتحلل مواده الهامة بالتخزين الطويل.
يقول الدكتور ممدوح جبر وزير الصحة السابق في مصر وأستاذ طب الأطفال ورئيس نقابة الأطباء: "إن الفكرة تطرح في مصر قليلًا جدًا، ولدى فئة متخصصة قليلة وهي المهتمة بشئون الأطفال المبتسرين (أي الحذج) لأنهم يحتاجون بشدة إلى الرضاعة الطبيعية، ولا يمكن للطفل من الحصول المباشر عليه، ولكن رغم أن الفكرة (أي فكرة بنوك الحليب) تم تنفيذها في بعض البلدان الأوربية وفي أميركا وتحقق نجاح كبير هناك (سبق أن قلنا إن بنوك الحليب في الولايات المتحدة تحتضر) إلا أنه يصعب تنفيذها هنا داخل مصر أولًا، لأن الرضاعة الطبيعية ليس فيها مشكلة في مصر لأن نسبة 85 % من الأمهات المصريات يرضعن أبناءهن رضاعة طبيعية والباقي توفر له الحكومة الألبان الطبيعية (أي المرضع) والباقي توفر له الحكومة الألبان الصناعية المناسبة وبعض البدائل الأخرى (من) الرضاعة.
ثانيًا: تنفيذ المشروع يحتاج إلى تكاليف مرتفعة جدًا إذا أردنا توفيره للأطفال العاديين لأن طريقة جمع اللبن نفسها سوف تحتاج إلى كثير من الجهد والوقت كما أن عمليات التعقيم والتبخير والحفظ تحتاج إلى كثير من العمليات وكثير من التكلفة حتى تصل إلى الطفل الثاني الذي سوف يحصل على هذا اللبن إلى جانب أن طريقة إعطاء اللبن للطفل أيضًا سوف تعرضه إلى التلوث، أما عن طريق الرضاعة التي سيتناول بها أو عن طريق الماء وغيره" (1)
(1) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص 460 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 حتى 29/ 8/ 1983
ويقول الدكتور مصطفى حمامي وكيل وزارة الصحة للرعاية الأساسية: "إن الفكرة تطبق في الخارج على اعتبار أن لبن الأم هو أعلى قيمة غذائية يمكن أن تعطى للطفل وأنه إذا أمكن توفيره لدى أم أخرى لا تحتاج إليه في إرضاع طفلها يأخذه طفل آخر.. ولكن في مصر يصعب جدًا تنفيذ الفكرة على أساس أن أقصى قيمة يمكن أن تجمع من الأم الجيدة الإدرار يوميًا لا تزيد عن لتر واحد من اللبن.. فهل تكفي هذه القيمة لإرضاع طفل آخر أو حتى طفلين.
ثانيًا: أن من أهم أغراض الإرضاع هو تحقيق الارتباط بين أم وطفل وتوفير جو من الحنان له.. وهذا طبعًا لا يمكن تحقيقه عن طريق البنك، وأيضًا كيف توفر الأم التي ستعطينا اللبن، هل ستكون متبرعة إذا مات طفلها أو فطم، وهل ستولى طفلًا إن كان صحيًا يحتاج بشدة إلى هذا اللبن عن طفلها.. كل هذه الأسئلة مطروحة أمام فكرة التنفيذ وكيف سيودع هذا الحليب؟ هل سيودع في المستشفيات للحالات الخاصة والمحتاجة بشدة له أم سيمنح للقادرين ماديًا والذين يستطيعون الحصول عليه" (1)
ويقول الدكتور عبد الصادق حامد الاعرج المدرس بطب بنها بعد أن ذكر فوائد الرضاعة الطبيعية: فهل تستطيع الأم مشاركة طفلها مع آخر يوفر لها الحماية الضرورية عن طريق البنك؟ أم أنه سوف يتحول إلى نوع من التجارة واستغلال إمكانيات الفقيرات وتوجيهها إلى الأغنياء مما يضعف هؤلاء الأمهات ويؤثر تأثيرًا مباشرًا على صحتهن وصحة من يرضعهن من أطفالهن إلى جانب أنه ثبت علميًا أن نسبة حدوث النزلات المعوية في الرضاعة الصناعية خمسة أضعاف الرضاعة الطبيعية فهل تحقق الفكرة القضاء على النزلات المعوية كعلاج" (2)
ويقول الدكتور علي فهمي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة: (3) "إنه لو دخل هذا المشروع نطاق التنفيذ فسيكون فاشلًا وسيخلق جيلًا فاشلًا اجتماعيًا لا يمكن أن يتكيف مع المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، وبالتالي سيخلق جيلًا ضعيفًا مليئًا بالأمراض والأوبئة لأنه سيحرم كثيرًا من الأطفال الأصليين أبناء هؤلاء الأمهات اللائي سيتعاملن مع هذا البنك مما سيترتب عليه حرمان هؤلاء الأطفال من حقهم الطبيعي في الغذاء مقابل بيع هذا اللبن كما سينتج عنه تشجيع كثير من الأمهات على امتهان هذه المهنة (مثل الاتجار ببيع الدم) وسيكون هؤلاء الأمهات من الطبقات الدنيا التي لاشك أن لديهن كثيرًا من الأمراض.
(1) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص 461 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 حتى 29/ 8/ 1983
(2)
ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص 461 - 462 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 حتى 29/ 8/ 1983
(3)
ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص 460 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 حتى 29/ 8/ 1983
"ولا أتصور أن تكون هذه العملية إنسانية لأنها تعمل على تشجيع الأمهات على الامتناع عن إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية.. هذا إلى جانب الناحية النفسية للطفل، فقد أكدت كل البحوث والدراسات أن تربية الطفل الرضيع ليست عملية تغذية فقط إلا أنه إلى جانب ذلك تعطى للطفل جرعة من الإشباع في الحنان والحب والدفء والعطف من الأم".
ورغم أن الدكتور علي فهمي لم يفهم الفكرة الأساسية من بنوك اللبن وهي إعطاء لبن إنساني للأطفال الحذج أو غيرهم ممن هم في حاجة ماسة إليه وليس بديلًا عن الرضاعة الطبيعية وإنما هو حالة استثنائية لمن لا تستطيع أن ترضع طفلها المحتاج للرضاعة إلا أن ما ذكره من احتمال وجود طبقة من الأمهات الفقيرات يبعن لبنهن في مقابل دريهمات ويضعن أولادهن في خطر المسغبة، أو إعطاء أولادهن اللبن الصناعي (اللبن الحيواني) مما يعرض هؤلاء الأولاد لمخاطر التغذية بالألبان الصناعية، إلا أن ذلك أمر وارد وخاصة في البلاد النامية حيث رأينا أن التبرع بالدم قد تحول إلى تجارة حيث يقوم الفقراء والمحتاجون ببيع دماءهم لمراكز الدم.
أما الدكتور محمد فؤاد إسماعيل أخصائي حفظ وتبريد الألبان في مصر فيقول: "إن الله عز وجل كرم الإنسان وفضله على سائر مخلوقاته، وبتطبيق نظام بنك ألبان الأمهات (ومع تقديري للأمهات) إلا أنها تتمثل بالبقرة الحلوب أو الجاموسة أو النعاج بجمع لبنها وتعامل بوسائل الحفظ المختلفة من تبريد وتجفيف، هذه الطريقة لا يمكن أن يتقبلها الإنسان لا شكلًا ولا موضوعًا"(1)
وقد قمت بسؤال بعض المختصين في هذا الموضوع وهم الأستاذ الدكتور محمود حسن أستاذ طب الأطفال ورئيس قسم الأطفال بمستشفى الأطفال والولادة بجدة والدكتور محمد أمين صافي الأستاذ المساعد بقسم الكائنات الدقيقة بكلية الطب جامعة الملك عبد العزيز وصاحب عدة أبحاث في اللبن وخواصه المناعية والدكتور أحمد خالد حميدة الأستاذ المساعد بطب الأطفال جامعة الملك عبد العزيز، وكانت خلاصة آرائهم تتفق في الآتي مع آراء كاتب هذه السطور:
1-
لا توجد حاجة حقيقية لبنوك اللبن في البلاد الإسلامية بصورة خاصة والبلاد النامية بصورة عامة.. وذلك لانتشار الرضاعة من الأم وإذا لم تتيسر الرضاعة من الأم فإن المرضعات لا يزلن بحمد الله موجودات.. ولا تزال المجتمعات الإسلامية تعيش نوعًا من التكافل والترابط الأسرى، ففي الأسرة الكبيرة التي عادة ما تضم العمات أو الخالات هناك أكثر من امرأة تستطيع الإرضاع في الأسرة فإذا تعذر على واحدة منهن إرضاع طفلها كان هناك من القريبات أو الجارات أو الصديقات من يقمن بهذا العمل الإنساني العظيم، وإذا تعذر ذلك كله وهو أمر نادر الحدوث فهناك أيضًا المرضعات بأجر أو بغير أجر احتسابًا للثواب عند الله تعالى.
(1) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص 466 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 حتى 29/ 8/ 1983
2-
رغم أن الطفل الحذيج Premature baby قد يبقى في مستشفى الأطفال لمدة شهر بينما لا تستطيع أمه البقاء معه طوال هذه المدة لحاجة الأطفال الآخرين والزوج إليها فقد وفرت المستشفيات النظام الحديث الذي يطبق الآن في الغرب وفي المملكة فهو يسمح للأم بالحضور إلى المستشفى في الوقت المناسب لها عدة مرات يوميًا لإرضاع طفلها وإذا لم تتمكن من ذلك أمكن حضور العمة أو القريبة أو المتبرعة بالرضاعة فترضعه.
وبذلك يحصل الطفل على فوائد الرضاعة كاملة ويتجنب مزالق وسيئات اللبن الصناعي أو اللبن الذي جمع وحفظ في بنوك اللبن.. كما أن المرضع تكون معروفة معلومة فتصبح إما للطفل الذي أرضعته ويصبح زوجها أباه لأنه صاحب اللبن.. وتعرف بذلك دائرة المحرمات من الرضاع.
3-
أن تنفيذ بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة تعترضه المصاعب والعقبات وهو مكلف.. باهظ التكاليف.. وبالنسبة للبلاد النامية الفقيرة فإن إقامة بنوك اللبن أمر مكلف للغاية إذا أريد أن يكون على المستوى الصحي المطلوب.
4-
في البلاد النامية هناك محاذير أخرى فبالإضافة إلى احتمال عدم التعقيم الجيد وفقدان بعض المواد الهامة بالتخزين والحفظ فإن هناك احتمالًا لتحول الأمر إلى تجارة، وأن تضطر الفقيرات المعدمات إلى بيع لبنهن وترك أولادهن للمسغبة أو لمستحضرات الألبان الصناعية.
5-
أن الأمهات المرضعات موجودات واستبدال الأدنى بالذي هو خير شبيه بما فعله بنو إسرائيل عندما طلبوا البصل والثوم والعدس وتركوا المن والسلوى.
6-
هناك احتمال إذا انتشرت هذه البنوك أن تتقاعس الأمهات السليمات والقادرات على الرضاعة وخاصة الطبقة الثرية المترفة أو الموظفات عن واجب الرضاعة واستبدال ذلك باللبن الإنساني المأخوذ من بنوك اللبن على اعتبار أنه يمثل اللبن الإنساني المطلوب والأفضل بكثير من لبن الأبقار والجواميس والأغنام.. وهذا بدوره يؤدي إلى عدة مخاطر ومحاذير وهي:
أ- فقدان الفوائد الجمة للرضاعة للأم.. فالرضاعة تفيد الأم كثيرًا وذلك أن عملية مص الثدي تؤدي إلى إفراز مادة الإكسيرتوسين التي تساعد الأم على عودة الرحم إلى وضعه الطبيعي بعد الولادة، كما أن الرضاعة تساعد الأم الوالدة إلى عودة جسمها إلى وضعه الطبيعي وتمنع بذلك الترهل على عكس ما هو شائع من أن الرضاعة تسبب الترهل، فالرضاعة الطبيعية تساعد الأم في العودة إلى رشاقتها كذلك فإن الرضاعة الطبيعية تساعد الأم على منع الحمل لفترة الرضاعة وتجنبها أخطار حبوب منع الحمل أو اللولب، هذا بالإضافة إلى الفائدة النفسية الهامة لأن عملية الإرضاع وإلزاق الطفل بالصدر يعطي الأم فوائد جمة نفسيًا وبدنيًا.. ويزيد من ارتباطها بطفلها.
ب- الفوائد المتعددة للرضاعة للطفل لا تتحقق بأخذ اللبن الإنساني لأن عملية الرضاعة بحد ذاتها تفيد الطفل في نموه النفسي والجسدي، والتقام الطفل الثدي يمنع عنه أذى الميكروبات كما يمنع عنه أذى الاضطرابات النفسية المستقبلية، وتجعله متوازنًا نفسيًا، ومنسجمًا مع مجتمعه، وقد وجد أن الأطفال الذين لم يرضعوا من أمهاتهم أكثر تعرضًا للانحرافات الخلقية والنفسية والأمراض العقلية والسلوك الإجرامي.
ج – إن عدم الرضاعة تؤدي إلى نقص إفراز اللبن من الثدي، وأن سحب اللبن من الثدي وحده لا يقوم مقام الطفل الذي يمص الثدي، وذلك لأن إفراز هرمون البردلاكتين الذي يزيد من إفراز اللبن مرتبط بعملية المص ذاتها.
د – أن اللبن الإنساني المحفوظ في بنوك اللبن معرض للتلوث أما عند جمعه أو أن عملية التعقيم غير مجدية ولا كافية.. أو.. وهذا هو متوقع عند تناوله إذ يعطي في قوارير قد تحتاج إلى تعقيم شديد.. وهذا أمر قد تهمل فيه الأم التي تعطي طفلها اللبن.
وهذا ما يحدث عادة بالنسبة للألبان الصناعية إذ تكون هي في ذاتها معقمة.. ولكن عدم التعقيم يأتي من جهل الأمهات وطريقة تحضيرهن لهذا اللبن وقد أدى ذلك كما تقول منظمة الصحة العالمية إلى إصابة أكثر من عشرة ملايين طفل بنوبات الإسهال سنويًا في العالم الثالث، وإلى أن يموت نصفهم في كل عام نتيجة استعمال الألبان الصناعية كما أن عددًا آخر تضعف مقاومتهم للأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي نتيجة استخدام الألبان الصناعية فيؤدي ذلك إلى مزيد من الوفيات، وتقدر الهيئات الطبية أن حوالي عشرة ملايين طفل يلاقون حتفهم سنويًا بسبب عدم إرضاع أمهاتهم لهم.. ومعظم هذه المحاذير موجودة أيضًا في لبن البنوك الباهظة التكاليف.
هذا مجمل لأقوال الأطباء في موضوع بنوك اللبن فما هو يا ترى قول أو أقوال الفقهاء في هذا الموضوع؟
رغم أن هذا الموضوع (بنوك اللبن) حديث جدًا ولم يكن موجودًا في السابق بل إنه غير موجود حتى الآن سوى في مراكز معدودة في أوربا والولايات المتحدة وبعض البلاد المتقدمة تقنيًا، ولا يوجد إلى الآن في بلاد المسلمين خاصة وبلاد العالم الثالث عامة لصعوبة تنفيذه ولعدم الحاجة له، أقول: رغم أن هذا الموضوع حديث جدًا إلا أن الفقهاء القدماء قد تعرضوا له بإسهاب في كتبهم عندما تحدثوا عن الرضاعة، وسقى الطفل اللبن من غير التقام للثدي بل تعرضوا لتحول اللبن إلى جبن أو جعله إدامًا في خبز وأكله، وهل يحرم ذلك؟ أي يجعل من تناوله من الأطفال يدخل في تحريم الرضاع (أي الأخت الأم الخالة العمة.. إلخ من الرضاع) .
ولم يبحثوا ذلك فحسب بل بحثوا أيضًا موضوع رضاع الكبير وهل يسبب التحريم أم لا؟ كما بحثوا السعوط والحقنة.
ولا تتجه النية هنا إلى استعراض أقوال الفقهاء في هذا الباب فهو باب طويل من أبواب الفقه ويهم الفقهاء تفاصيله، وما يهم الإنسان العادي الذي ليس من أهل الفقه مثلي هو مجمل أقوالهم في القديم والحديث.
معنى الرضاع:
يقول الشيخ يوسف القرضاوي (1) : "أما معنى الرضاع الذي رتب عليه الشرع التحريم فهو عند جمهور الفقهاء ومنهم الائمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي: كل ما يصل إلى جوف الصبي عن طريق حلقه مثل الوجور وهو أن يصب اللبن في حلقه، بل ألحقوا به السعوط وهو أن يصب اللبن في أنفه بل بالغ بعضهم فألحق الحقنة عن طريق الدبر بالوجور والسعوط.
وخالف في ذلك كله الإمام الليث بن سعد، معاصر الإمام مالك ونظيره، ومثله الظاهرية وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فقد ذكر العلامة ابن قدامة عنه روايتين في الوجور والسعوط:
الأولى: وهي أشهر الروايتين عنه والموافقة للجمهور هي أن التحريم يثبت بهما، أما الوجور فلأنه ينبت اللحم وينشز العظم فأشبه الإرضاع، وأما السعوط فلأنه سبيل لفطر الصائم فكان سبيلًا للتحريم بالرضاع كالفم.
الرواية الأخرى:
أنه لا يثبت بهما التحريم لأنهما ليسا برضاع.. ورجح صاحب المغني الرواية الأولى بحديث ابن مسعود عن أبي داود ((لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم)) ، وخلاصة رأي ابن حزم والظاهرية أن الرضاع لا يطلق إلا على ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفمه فقط قال ابن حزم في المحلى:(2) "وأما صفة الرضاع المحرم فإنما هو ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفمه فقط، فأما من سقى لبن امرأة فشربه من إناء أو حلب في فمه فبلعه أو أطعمه بخبز أو طعام أو صب في فمه أو أنفه أو في أذنه أو حقن به، فكل ذلك لا يحرم شيئًا ولو كان ذلك غذاؤه دهره كله، برهان ذلك قول الله عز وجل {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) فلم يحرم الله تعالى ولا رسوله في هذا المعنى نكاحًا إلا بالإرضاع والرضاعة والرضاع فقط، ولا يسمى إرضاعًا إلا ما رضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع يقال: أرضعته ترضعه إرضاعًا ولا يسمى رضاعة ولا رضاعًا إلا أخذ المرضع أو الرضيع بفيه الثدي وامتصاصه إياه، تقول رضع يرضع رضاعًا ورضاعة، وأما كل ما عدا ذلك مما ذكرنا فلا يسمى شيء منه إرضاعًا ولا رضاعة ولا رضاعًا، إنما هو حلب وطعام وسقاء وشرب وأكل وبلع وحقنة وسعوط وتقطير، ولم يحرم الله عز وجل بهذا شيئًا.
(1) ندوة الإنجاب للدكتور يوسف القرضاوي ص 50 - 57
(2)
المحلى لابن حزم ج 10 / 7 طبعة دار الفكر المسألة 1866
واستطرد ابن حزم وأفاض ورد على الجمهور في احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الرضاعة من المجاعة)) .
وخلاصة هذا الكلام أن المذاهب الأربعة وهي الشافعية والمالكية والحنابلة والحنفية يرون أن تناول خمس رضعات (وهناك خلاف في العدد) مشبعات توجب التحريم بين المرضعة والرضيع ويحرم بالتالي جميع ما يحرم بالنسب لقوله صلى الله عليه وسلم: ((يحرم بالرضاع ما يحرم من النسب)) ، ولا فرق في ثبوت التحريم بالرضاع بين أن يرتضع الطفل من الثدي مباشرة أو أن يشرب لبن المرأة من الزجاجة بعد حلبه، حتى لو صار لبن المرأة جبنا أو مخيضًا فإنه يثبت به التحريم عند الشافعية والحنابلة وقال أبو حنيفة: إذا صار جبنًا أو مخيضًا لا يثبت به التحريم لزوال الاسم (1) وهذا كله في لبن المرأة، أما لبن البهيمة فلا يتعلق به تحريم كما يقول السيد عمر حامد الجيلالي في جوابه عن بنوك الحليب (2)
وقد شذ عن هذا الرأي الظاهرية وعلى رأسهم ابن حزم والليث بن سعد كما تقدم، وأما من المحدثين فقد مال الشيخ يوسف القرضاوي في بحثه الطويل عن بنوك الحليب المقدم إلى ندوة الإنجاب بالكويت إلى رأي الظاهرية، وهو أن الرضاعة تستلزم شقين تناول اللبن وتناول الثدي.
ولم يوافق الشيخ يوسف القرضاوي الظاهرية في أن الرضاعة من الكبير توجب التحريم، ومال إلى رأي الجمهور بأن هذا كان خاصًا بسالم مولى أبي حذيفة، فقد كان سالم متبني لأبي حذيفة قبل أن يحرم الإسلام التبني، فلما حرم الإسلام التبني شق على أبي حذيفة وزوجته ذلك فقد كانا يعبتران سالمًا ابنهما ولم يكن لهما إلا بيت واحد حينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجة أبي حذيفة:((أرضعيه تحرمي عليه)) ، أخرجه مسلم وأبو داود وتفاصيل القصة رواها الإمام مالك في الموطأ وعبد الرزاق في مسنده (3)
(1) ابن قدامة: المغني ج 7 / 539
(2)
أجوبة على أسئلة مقدمة من قسم الطب الإسلامي
(3)
كنز العمال ج 6/ 285
واتفق الجمهور على أن هذا كان خاصًا بسالم وأن الرضاع المحرم لا يعتبر إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم)) أخرجه أبو داود.
وأورد الشيخ يوسف القرضاوي حجة أخرى في أن لبن بنوك الحليب لا يحرم لأنه مختلط من أمهات كثيرات غير معلومات وأن الشك يعتريه ومادام الشك فيه لا يثبت الرضاع لأن الأصل عدم الرضاع.
وقد أفتى الشيخ عبد اللطيف حمزة مفتي مصر بأنه لا تحرم رضاعة أي طفل من لبن البنوك واستند المفتي في قوله ذلك إلى مذهب أبي حنيفة الذي ينص على أن الرضاع لا يحرم إلا إذا تحققت شروطه ومنها أن يكون اللبن الذي يتناوله الطفل لبن امرأة وأن يصل إلى جوفه عن طريق الفم ولا يكون مخلوطًا بغيره كالماء أو الدواء أو لبن الشاة أو بجامد من أنواع الطعام أو بلبن امرأة أخرى فإن خلط بنوع من الطعام، وإن طبخ معه على النار فلا يثبت التحريم باتفاق أئمة المذهب الحنفي.. وإذا لم تمسه النار فلا يثبت به التحريم أيضًا عند أبي حنيفة سواء أكان الطعام المضاف غالبًا أو مغلوبًا لأنه إذا خلط الجامد بالمائع صار المائع تبعًا فيكون الحكم للمتبوع والعبرة بالغلبة ولو خلط لبن امرأتين فإن العبرة للغلبة أيهما كان أكثر فإنه يثبت التحريم دون الآخر، وإن استويا ثبت التحريم بهما.
والرضاع لا يثبت بالشك، ولا يحل اللبن رائبًا أو جبنًا فإن تناوله الصبي لا تثبت به الحرمة لأن اسم الرضاع لا تقع عليه.
وإذا صار اللبن جافًا مسحوقًا فقد زال عنه اسم اللبن وإذا خلط بالماء بعد ذلك لم يعد محرمًا، وإذا جمع اللبن من نساء غير محصورات ولا متعينات بعد الخلط فلا مانع في رأي المفتي الشيخ عبد اللطيف حمزة من الزواج بين من تناول هذا اللبن لعدم إمكان إثبات التحريم لعدم تعيين من تبرعن باللبن.
أما إذا كان اللبن محفوظًا على هيئته السائلة ثم أعطي للأطفال فإن عامل الجهالة يبقى دائمًا ومن ثم لا يكون هناك مانع من الزواج بين الذين رضعوا من هذا اللبن المجهول (1)
وقد رد كثير من الفقهاء على المفتي الشيخ عبد اللطيف حمزة والشيخ يوسف القرضاوي وخالفوهما في الرأي المبيح وذهبوا إلى الحرمة.. وإلى رأي الجمهور نذكر منهم عددًا اشترك في ندوة الإنجاب بالكويت وطالبوا بوضع احتياطات مشددة إذا دعت الحاجة القصوى إلى مثل هذه البنوك ومنها أن يكتب على كل قارورة اسم المتبرعة ويسجل ذلك في سجل ويكتب اسم الطفل الذي تناول هذا اللبن ويسجل فيه الطفل ويعلم أهل الطفل اسم هذه المرضعة، وبذلك ينتفي المحذور، نذكر من هؤلاء الشيخ بدر المتولي عبد الباسط أمين الموسوعة الفقهية بالكويت، الدكتور محمد الأشقر الخبير بالموسوعة الفقهية، والشيخ إبراهيم الدسوقي وزير الأوقاف في مصر، الدكتور عمر الأشقر الأستاذ بكلية الشريعة بالكويت، والشيخ عز الدين توني باحث بالموسوعة الفقهية، والشيخ عبد الرحمن خالق وزارة التربية والتعليم بالكويت والدكتور زكريا البري مستشار بيت التمويل الكويتي، ومجموعة من الأطباء من بينهم الأستاذ الدكتور حسان حتحوت أستاذ أمراض النساء والولادة بجامعة الكويت.
ومن خارج الندوة أفاض الدكتور عبد الرحمن النجار في الرد على جواب مفتي مصر الشيخ عبد اللطيف حمزة، وقال: إن هذا المشروع حرام شرعًا، وليس هناك أدنى شبهة في حرمة هذا المشروع مع احترامي الشديد للرأي الذي أعلنه فضيلة الشيخ عبد اللطيف حمزة مفتي جمهورية مصر العربية إلا أنني لا أوافق على هذا الرأي إطلاقًا لأن النص في التحريم كان صريحًا، لأن مذهب الشافعية أقر غير ذلك وحرمه وكان النص صريحًا، وكما يحرم اللبن الباقي على أصل خلقته يحرم بعد تغيره على هيئة حالة انفصاله عن الثدي كالجبن والزبد وما عجن به الدقيق أو خالطه ماء أو نحوه، وغلب اللبن على الخليط بأن ظهرت إحدى صفاته الثلاث وهي الطعم واللون والرائحة، لوصول عين اللبن إلى الجوف وحصول التغذي به ويشترط في ثبوت التحريم في ذلك شرب الجميع فلو شربه بعضه متحققًا أنه وصل منه شيء إلى الجوف كأن بقي من المخلوط اقل من قدر اللبن حرم (2)
(1) ندوة الإنجاب ص 458 – 459 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 و29/ 8/ 1983
(2)
ندوة الإنجاب ص 463 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 و29/ 8/ 1983
وبمثل هذا الرأي كتب إلى الأهرام الشيخ محمد حسام الدين رئيس الإدارة المركزية لمكتب شيخ الأزهر (1)
وقد ذكر السيد محمد أحمد الشاطري في رده على الأسئلة الموجهة إليه من قسم الطب الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بعد أن أفاض في موضوع الرضاع وأقوال الفقهاء في ذلك، قال:"بناء على ما تقدم فإني أنصح بعدم تأسيس هذه البنوك كما أن على مستشفيات الولادة أن لا تتساهل في إرضاع طفل لبن غير أمه تجنبًا للوقوع في المحظور شرعًا مستقبلًا"(2)
وأصل الحكمة في التحريم بالرضاع أن التغذية بلبن المرضع كالتغذية بلبن الأم الحقيقية وفي ذلك شعور بالأمومة والحنان أيضًا، خصوصًا إذا اقترن بإنشاز العظم وإنبات اللحم كما في الحديث الذي رواه أبو داود وهو:((لا رضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم)) ، ومعلوم أن المذاهب اختلفت في الكمية والكيفية من الرضاع، ومذهب كل من الإمامين أبي حنيفة ومالك التحريم بالرضعة الواحدة. ومذهب الشافعي وأحمد لابد من خمس رضعات متفرقات.
الخلاصة:
إن موضوع بنوك الحليب (اللبن) أمر غير مرغوب فيه ولا حاجة له طبيًا وخاصة في البلاد الإسلامية فبنوك الحليب فيها كثير من المحاذير الطبية حيث إن كلفتها باهظة، ولا تقوم مقام الرضاعة من الثدي، وتحتمل إمكانية تلوثها بالميكروبات وتفقد فوائد الرضاعة بالنسبة للأم، وكثيرًا من فوائد الرضاعة للطفل.
وقد تتحول إلى تجارة وتؤدي إلى عدم الإرضاع من الأمهات المترفات أو الموظفات كما تؤدي إلى حرمان أطفال الأمهات الفقيرات من الرضاعة لأن الأم تبيع لبنها للبنك بثمن جيد وتعطي طفلها بدلًا عن الرضاع اللبن الصناعي، وبذلك تزداد المخاطر على هؤلاء الأطفال.
(1) ندوة الإنجاب ص 464 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 و29/ 8/ 1983
(2)
مجموعة الأجوبة الفقهية على أسئلة قسم الطب الإسلامي (غير مطبوع)
وفي الوقت الحاضر على الأقل لا تبدو هناك أي حاجة في البلاد النامية بصورة عامة والبلاد الإسلامية بصورة خاصة إلى إقامة بنوك الحليب.
أما من الناحية الدينية فإن الجمهور وهو رأي المذاهب الأربعة الشافعية والمالكية والحنابلة والحنفية يقولون بالتحريم من رضاعة لبن يجمع من أمهات متعددات ويبقى على هيئته أي دون تجفيفه وهذا ما يحدث في البنوك، وأما افتراض السعوط أو الحقنة أو الطعام أو تحويله إلى جبن أو زبد أو الائتدام به مع الخبز فأمر غير وارد لأن هذا اللبن إنما يقصد به إنقاذ مجموعة من المواليد (الحذج أو ناقصي النمو) في الفترة الأولى من حياتهم (لبضع أسابيع أو بضعة أشهر على أقصى مدى) .
والمحاذير كثيرة طبيًا واجتماعيًا ودينيًا، ولهذا نرى عدم الحاجة لهذه البنوك.
وليس علينا أن نتبع كل صيحة في الغرب وأن نجري وراء كل ناعق هناك كما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنن أهل الكتاب ((حتى لو دخلوا جحر ضب دخلنا وراءهم)) والله الهادي إلى سواء السبيل.
العرض والمناقشة
11/4/ 1406هـ – 23/ 12/ 1985 م
الساعة 12.00 – 13.50
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، عندنا في الجدول بنوك الحليب وأرجو من فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أن يتفضل بملخص هذا الموضوع، وشكرًا.
الشيخ يوسف القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
موضوع بنوك الحليب وهو موضوع البحث الذي بين أيديكم كان جوابًا عن سؤال أو استفسار من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدولة الكويت، والسؤال كان من بعض الإخوة الأطباء المعنيين بهذه الأمور منهم الأخ الدكتور حسان حتحوت، وهم يثيرون مشكلة: هي أن هناك بعض الأطفال الذين قد يولد أحدهم خداجًا ناقصًا ويحتاج إلى أن يمكث في المستشفى عدة أشهر ويحتاج إلى حليب يرتضعه، وكذلك بعض الأطفال الذين تموت أمهاتهم في الولادة فهؤلاء يحتاجون إلى غذاء أفضل من اللبن أو الحليب الطبيعي الذي أجراه الله تعالى في صدور الأمهات غذاء للأطفال، وكان السؤال يتوجه ما الحكم في إنشاء بنوك لهذا اللبن أو لهذا الحليب المختلط لتغذية مثل هؤلاء الأطفال في مثل هذه الأحوال؟ طبعًا موضوع بنك يجمع اللبن، تبرع المرأة باللبن هذا أمر جائز هي مأجورة من الله ومشكورة من الناس، إذا تبرعت بلبنها لغذاء الطفل، وتجميع هذا بشروطه الصحية هذا أيضًا لا شيء فيه، فما جاء المحذور ولماذا كان السؤال؟
السؤال لأن عندنا نحن المسلمين مسالة التحريم بالرضاع، فقد يترتب على ذلك أن يأتي هذا الطفل ويتزوج من بنت امرأة من هذه النسوة اللاتي تبرعن بلبنها لهذا البنك، أو يتزوج من بنت رضعت من هذا البنك أو نحو ذلك، فما الحكم في هذه الناحية؟ أنا حقيقة نظرت في هذا الأمر على طريقة ما سميته بالأمس " الاجتهاد الجزئي الانتقائي" فنحن نقول إن الاجتهاد الجزئي أمر سهل ومقدور عليه وخاصة إذا كان اجتهادًا انتقائيًا حتى ولو كان في المسائل الجديدة، ونعني بانتهاج الاجتهاد الانتقائي، النظر في الفقه الموروث عن أئمتنا ومذاهبنا المختلفة وسواء كان هذا الفقه للمذاهب المتبوعة أو غير المتبوعة لأنه ربما كان هذا فقهًا لأحد الصحابة أو أحد التابعين ممن ليس لهم مذهب مدون، هذا الفقه غني وسخي وينبغي أن يستفاد منه إذا أردنا الاجتهاد لعصرنا، ولا يمكن أن يقف الاجتهاد على ما دون في المذاهب المعتبرة والمتبوعة، وعند النظر في فقهنا وجدت أن هناك اعتبارين أساسيين في هذه القضية:
الاعتبار الأول: هو تحديد ما هي الرضاعة، هل الرضاعة مجرد وصول اللبن إلى الجوف أم الرضاعة الامتصاص، امتصاص اللبن بالتقام الثدي، الجمهور على الأول، هذا هو الرأي الذي تعلمناه منذ أن كنا طلبة وهو الرأي السائد والمعروف، فالرأي السائد والمعروف هو: أن الرضاع ما وصل إلى الجوف ولو عن طريق الصب في الحلق أو السعوط في الأنف أو أي طريقة كانت، هذا هو الرأي المعروف، وهناك رأي آخر، هذا الرأي الآخر هو رأي الإمام الليث بن سعد وهو أحد الأئمة المعروفين وكان يقارن بالإمام مالك وهو رأي رواية عن الإمام أحمد كذلك وهو مذهب الظاهرية، مذهب داود وأصحابه إلى ابن حزم، وقد أيد ابن حزم هذا الرأي أن الرضاعة لغة هي التقام الثدي وامتصاصه، وقد لا يعرف في اللغة رضع من الإنسان أو الحيوان إلا التقام الثدي وامتصاصه، وأيد هذا تأييدًا قويًا، وعلى هذا الأساس أنا في الحقيقة تبين لي رجحان هذا المذهب وإن لم يكن هو المذهب السائد في الأئمة الأربعة، فقد يرجح الناظر في الفقه الإسلامي مذهبًا غير المذهب السائد وغير المذهب المشهور وينبغي أن يكون هذا هو منهج هذا المجمع، نأخذ الفقه من أوسع أبوابه، هذه من ناحية، من ناحية أخرى مسألة الرضاع المحرم، إذا صرفنا النظر عن مذهب الإمام الليث ورواية الإمام أحمد ومذهب الظاهرية، فهناك مسألة الشك في الرضاع، ما حكم اللبن المشوب؟ اللبن إذا اختلط بغيره، عند الحنفية رأي وهو رأي أبو يوسف وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة أن اللبن إذا اختلط بغيره بلبن امرأة أخرى فالحكم للغالب منهما، ولكن هنا ليس هناك غالب ومغلوب، اختلطت ألبان كثيرة فلم يعد هناك أثر لأي امرأة منهن، ثم من ناحية أخرى أيضًا ذكر الحنفية وقد نقلت في البحث ما ذكره ابن مودود صاحب كتاب الاختيار وهو من الكتب التي درسناها في المرحلة الثانوية في الأزهر، ذكر صاحب الاختيار: لو أن امرأة في قرية أرضعت طفلًا لا يحرم عليه نساء هذه القرية من أجل هذه المرأة لأن الشك في هذه الحالة لا يؤثر، فبناء على هذا قلت أيضًا أنه مادام الموضوع فيه شك لا نستطيع أن نحرم والشك قائم، وقد صح في الحديث الذي رواه مسلم أنه ((خمس رضعات مشبعات معلومات يحرمن)) معلومات وقد قام الشك هنا، من أجل هذا ملت إلى القول بأن هذه البنوك إذا كانت هناك حاجة إليها، لأنني بنيت رأيي في الحقيقة على قول الأطباء أن هناك حاجة قد تقوم لمثل هذه البنوك، وهناك أطباء آخرون قالوا إنه ليس هناك حاجة، إذا لم يكن هناك إليها فكفى الله المؤمنين القتال، إنما إذا قامت حاجة إليها أو حدثت بالفعل هذه الحادثة هل نحرم بنات البلدة على هذا الشخص أو لا؟ هذه هي القضية، أنا أميل في هذا في الحقيقة إلى التضييق في مسألة الرضاعة، يعني على عكس ما كنت في الزكاة، أنا أميل في التوسيع في وعاء الزكاة، أما في مسالة الرضاع فأنا أميل إلى التضييق في التحريم بالرضاع كما أميل إلى التضييق في التحريم بالطلاق أيضًا، وأنا ممن ينصرون مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا، فلهذا أنا أقول أن المذهب الأقوى عندي أو القول الأقوى أنه ليس هناك ما يدل على التحريم، وقد قال بعض الاخوة إننا لماذا لا نأخذ بالاحوط بدل أن نأخذ بالأيسر؟ أنا من منهجي: أنه إذا كان هناك قولان متكافآن أحدهما أحوط والآخر أيسر فإني أفتي عموم الناس بالأيسر، وحجتي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، صحيح قد يأخذ الإنسان بالأحوط لنفسه أو يفتي أصحاب العزائم من الناس، أما عموم الناس وخاصة في عصرنا وقد ضعف الدين وقل اليقين، في هذه الحالة يفتي بما هو أيسر على الناس لأن هذه الشريعة حنيفية سمحة، ويعجبني من أقوال الأئمة السابقين ما ذكره الإمام النووي في مقدمات المجموع عن الإمام سفيان الثوري وهو إمام وأمير المؤمنين في الحديث وإمام في الفقه وإمام في الورع، قال الإمام سفيان الثوري رضي الله عنه:"إنما الفقه الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد" أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الرشد والصواب وأن يغفر لنا إن أخطأنا وألا يحرمنا من أجر المخطئ إن أخطأنا وأن نكون من أهل الأجرين إن شاء الله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
فضيلة الشيخ، قبل أن أعطي الكلمة للأستاذ البار أحب أن أسأل هل الإسناد إلى الليث ثابت، لأن كتاب الليث بن سعد الذي طبع لا توجد فيه هذه الكلمة.
الشيخ يوسف القرضاوي:
الإسناد إلى الليث ثابت لأنني رأيته في أكثر من كتاب، فهو مذكور في المحلى وأظنه مذكور في المغني.
الرئيس:
هو ذكر في المحلى كما تفضلتم ولكن ما كل ما ذكر يكون ثابتًا، ففي المحلى وفي المغني عشرات الآثار بل الأحاديث التي لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فأنا قصدي هل نحن متيقنون أو لا؟ فالقول على خلاف الجمهور هذا شيء واضح، لكن قصدي أننا نقول أنه لليث، فهل ثبت بالإسناد المضيء صحته إلى الليث.
الشيخ يوسف القرضاوي:
ما أستطيع أن أقول أنه موجود في الكتب الموثقة.. أما بحث الإسناد فأنت فتحت لنا أمرًا ممكنًا الإنسان يبحث عنه ليراه في المصادر الأكثر قدمًا لعله يكون مذكورا بسنده إن شاء الله.
الدكتور محمد علي البار:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سماحة الرئيس أصحاب الفضيلة العلماء، بنوك الحليب أو بنوك اللبن ظهرت في السبعينات من القرن العشرين في أوربا والولايات المتحدة بعد أن انتشرت من قبل مجموعة من البنوك مثل بنوك الدم وبنوك القرنية وبنوك المني وبنوك الأعضاء.
وتتلخص الفكرة في جمع اللبن من أمهات متبرعات أو بأجر، يتبرعن بشيء مما في أثدائهن من اللبن إما لكونه فائضًا عن حاجة أطفالهن، وإما لكون الطفل قد توفي وبقي في الثدي اللبن، ويؤخذ هذا اللبن بطريقة معقمة من المتبرعة ويحفظ أيضًا في قوارير معقمة بعد تعقيمه في البنوك. ولا يجفف هذا اللبن لأني وجدت أن بعض من كتبوا في هذا الموضوع يظنون أنه مجفف بل يبقى على هيئته السائلة حتى لا يفقد ما به من مضادات الأجسام التي توجد في اللبن الإنساني ولا يوجد مثيلها في لبن الحيوانات مثل الأبقار والجواميس.
وتأتي أهمية هذا اللبن من الآتي:
أولًا: احتواؤه على العناصر للطفل الإنساني.
ثانيًا: احتواؤه على مضادات الأجسام وأجسام المناعة.
ثالثًا: عدم وجود حساسية منه للطفل كما قد يحدث في ألبان الأبقار أو الجواميس.
رابعًا: لبن الأمهات يحمي الأطفال من مختلف أنواع الأخماج، الالتهابات التي تصيب الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي وغيرهما.
خامسًا: لبن الأمهات وخاصة الذي يحتوي على خلايا المناعة بكمية كبيرة وكذلك يحتوي لبن الأمهات على نسبة من الزنك بينما يفقد ذلك لبن الأبقار والجواميس.
لهذه الأسباب ولغيرها يدعو الأطباء الأمهات إلى إرضاع أطفالهن لما يشمله ذلك من فوائد متعددة، وبما أن الأم قد لا تستطيع إرضاع طفلها لنضوب لبنها أو لوجود مرض معد، أو لأي سبب من الأسباب التي تمنع الإرضاع مثل وجود خراج بالثدي فإن البديل لذلك هو إيجاد مرضعة، وبما أن المرضعات قد اختفين من الوجود في المجتمعات الغربية وكثير من بقاع العالم، لذا ظهرت إلى السطح فكرة تكوين بنوك الحليب، وتعتمد هذه الفكرة على تجميع اللبن الفائض وغير المرغوب فيه من الأمهات المتبرعات، والأطفال الذين يحتاجون إليه بالذات هم:
- الأطفال الخدج أي المبتسرين أو الذين ولدوا قبل الميعاد.
- والأطفال الناقصو الوزن عند الولادة، يعني يكون مدته طبيعية 9 أشهر لكنه يكون ناقص الوزن عند الولادة.
- وفي وجود حالات الالتهابات الحادة التي قد تصيب الطفل –إذا لم يوجد لبن من الأم، هذه الفكرة قامت بالفعل في أوربا والولايات المتحدة، وهي فكرة لها بعض ما يبررها من الناحية العملية، ومع هذا فإن بنوك اللبن قد انكمشت بصورة خاصة في الولايات المتحدة وهذا ما اتفق عليه من كثير من الباحثين والأطباء الذين بحثوا هذا مثل الدكتور ماهر حتحوت، وكنت في الولايات المتحدة في عام 1983 وسألت مجموعة من أخصائيي الأطفال فقالوا إن الحاجة إليها نادرة وأن تكلفتها عالية جدًا، وأن الأمهات المتبرعات باللبن قليلات وأن اللبن الذي يبقى يتعرض للفساد يبدأ يتحلل ويفقد ما به من الميزات الكثيرة التي ندعو إليها في رضاعة الأم لطفلها.
المحاذير التي تحدث من استعمال بنوك اللبن: أولها موضوع متروك لكم وقد ذكره الأستاذ الشيخ يوسف القرضاوي وهو موضوع الرضاعة من أمهات مجهولات وموضوع الحرمة التي ستأتي عليه، هذا موضوعكم وأنتم المختصون فيه.
النقطة الثانية: أن بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة محفوف بمجموعة من المحاذير وهي أن كلفتها عالية وأن اللبن المتجمع يتعرض إما لإصابته بالميكروبات وإما لفقدانه بعض خصائصه وميزاته.
النقطة الثالثة: إن بنوك اللبن في البلاد النامية تتعرض لهذه المصاعب بصورة أشد وأعتى لأن درجة التقنية والنظافة أقل بكثير مما هي عليه في الغرب، وذلك بالإضافة إلى كونها باهظة التكاليف جدًا بالنسبة للبلاد الفقيرة تعتبر غير ذات فائدة لتعرض اللبن إلى الإصابة بالميكروبات.
ويتحدث في هذا مجموعة من الأطباء منهم الدكتور ممدوح جبر وزير الصحة في مصر وأستاذ طب الأطفال ورئيس نقابة الأطباء في مصر الآن ويقول: "إن هذه الفكرة غير صالحة لأن المشكلة غير موجودة ولأن الأمهات بصورة عامة يرضعن أطفالهن وإذا لم تستطع الأم أن ترضع طفلها فهناك أحد الحلول الآتية:
- الإتيان بمرضعة إما على حساب الدولة وإما على حساب الأهل إذا كانوا مقتدرين أو الأقل أو الأدنى وهو الألبان المصنعة التي تقترب إلى حد ما من اللبن الإنساني إلى حد كبير.
لن أدخل في كلام الأطباء وهو كثير في هذا ولكن نلخص ما قيل في هذا الباب وقد درست هذا مع مجموعة من أخصائيي الأطفال والمختصين بمواضيع اللبن منهم الأستاذ الدكتور محمد أمين صافي وأستاذ قسم الأطفال الأستاذ الدكتور محمود حسن وأيضًا الدكتور أحمد خالد حميدة الأستاذ المساعد بطب الأطفال جامعة الملك عبد العزيز، وخلاصة هذه الآراء بعد مناقشة معهم في الآتي:
- لا توجد حاجة حقيقية لبنوك الحليب في البلاد الإسلامية بصورة خاصة والبلاد النامية بصورة عامة، وذلك لانتشار الرضاعة من الأم وإذا لم تتيسر الرضاعة من الأم فإن هناك المرضعات موجودات.
- رغم أن الطفل الخديج قد يبقى في المستشفى شهر أو أكثر بينما لا تستطيع أمه البقاء معه طوال هذه المدة لحاجة الأطفال الآخرين والزوج إليها فقد وفرت المستشفيات النظام الحديث الذي يطبق الآن في الغرب وفي المملكة وفي غيرهما: فهو يسمح للأم بالحضور إلى المستشفى في الوقت المناسب لها عدة مرات في اليوم لإرضاع طفلها ثم تذهب إلى منزلها، وإذا لم تتمكن من ذلك أمكن حضور أي امرأة أخرى معلومة تقوم بمهمة الرضاعة.
وبذلك يحصل الطفل على فوائد الرضاعة كاملة ويتجنب مزالق وسيئات اللبن الصناعي أو اللبن الذي جمع وحفظ في بنوك الحليب، كما أن المرضعة معروفة فتصبح إما للطفل الذي أرضعته ويصبح زوجها أباه إلى آخر ما يعرف في هذا الموضوع.
- إن تنفيذ بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة تعترضه المصاعب والعقبات وهو مكلف باهظ التكاليف، وفي البلاد النامية هناك محاذير أخرى فبالإضافة إلى احتمال عدم التعقيم الجيد وفقدان بعض المواد الهامة بالتخزين فإن هناك احتمالًا أن يتحول الأمر إلى تجارة وأن تضطر الفقيرات المعدمات إلى بيع لبنهن وترك أولادهن للمسغبة أو لمستحضرات الألبان المصنعة.
- إن الأمهات المرضعات موجودات واستبدال الأدنى بالذي هو خير شبيه بما فعله بنو إسرائيل، وهناك احتمال إذا انتشرت هذه البنوك أن تتقاعس الأمهات السليمات والقادرات على الرضاعة وخاصة من الطبقة الثرية المترفة أو الموظفات المشغولات بأعمالهن عن واجب الرضاعة واستبدال ذلك باللبن الإنساني المأخوذ من بنوك اللبن على اعتبار أنه يمثل اللبن الإنساني المطلوب، والأفضل بكثير من لبن الأبقار والجواميس.
- وهناك فقدان الفوائد الجمة للرضاعة في حد ذاتها والتقام الثدي مفيدة للأم ومفيدة للطفل بصرف النظر عن اللبن نفسه، فالرضاعة تفيد الأم كثيرًا وذلك أن عملية مص الثدي تؤدي إلى إفراز مادة الأكسيتوسين التي تساعد الأم على عودة الرحم إلى وضعه الطبيعي بعد الولادة، كما أن الرضاعة تساعد الأم الوالدة على عودة جسمها إلى وضعه الطبيعي، وكذلك تمنع الترهل، والرضاعة الطبيعية أيضًا تساعد الأم على عدم الحمل لفترة الرضاعة وتجنبها أخطار حبوب منع الحمل أو اللولب.
- الفوائد المتعددة أيضًا من الناحية النفسية للطفل والأم بالتصاقه والتصاقه بثدي الأم وصدرها وإن عدم الرضاعة يؤدي إلى نقص إفراز اللبن من الثدي إلى آخر ذلك من المشاكل التي تحف هذا الموضوع.
فمن الناحية الطبية يبدو أن لا حاجة حاليًا على الأقل لمثل هذا النوع من اللبن لأنه تحفه المخاطر والصعوبات ويتعرض للتحلل ويتعرض هذا اللبن كما هو معلوم لإصابته بالميكروبات خاصة إذا أعطي للأمهات.. كما تنتج عنه مصاعب ومشاكل اجتماعية كثيرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الله البسام:
بسم الله الرحمن الرحيم.. بخصوص البحث الذي قدمه فضيلة الشيخ يوسف عن اللبن أولًا: ذكر الروايتين عن الإمام احمد، هذا صحيح فيه روايتان عن الإمام أحمد ولكن المشهور في مذهب الإمام أحمد والمعتمد والذي اعتمده أصحابه هو موافقة الأئمة الثلاث: وهذه رواية كل مجتهد يقول رواية وروايتين وثلاثة وأكثر ولكن العمدة ما حققه أصحابه وأتباعه، هذا هو الذي يعتبر المذهب، ولا يأتي الباحث بقول إلا ويبين درجة هذا القول عن هذا الإمام لأجل أن يزول الإيهام لأنه ربما أن الظن أن هنا هو المذهب السائد عن الإمام أحمد، هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى ذكر فضيلة الشيخ الشك، صحيح موجود في الشريعة الإسلامية وأنه يطرح وأن الأصل اليقين وإن اليقين لا يزول بالشك ولكن عملنا هذا، نحن الذين نوجد الشك، هناك فرق بين الشك إذا وجد واطراحه وفرق بين أننا نحن الذين نوجد الشكوك ونوجد الشبهات، فتخزين اللبن وحليب الأمهات هذا نحن الذين أوجدنا الشك فيه بين يحتمل أن يكون هذا أخ هذه أو هذه أو هي عمته أو خالته أو نحو ذلك مما يسبب المحرمية بينهم – أنا أرى أن الشريعة تبعدنا عن هذا، لكن إذا وقعنا فيه، إذا وقعنا في الشك، فالحمد لله الشريعة قواعدها معروفة، هذه ناحية، الناحية الثالثة، فضيلة الشيخ قارن بين اللبن والدم وذكر أن الدم ربما يعطي من الفوائد ما لا يعطيه اللبن ويمكن الطفل أو غير الطفل يمكنه من القرب من صاحب الدم أكثر مما يمكن صاحب اللبن، وأنا في اعتقادي أن هذا جمع بين متفرقين الدم هذا لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة فقط، عند الضرورة القصوى يلجأ إليه، أما اللبن الذي نريده هذا هو تقريبًا يعني حاجات وكماليات هذا من ناحية، وفرق بين الدم النجس الذي وصف بالنجاسة وبين اللبن الذي وصف بالطهارة ووصف بالغذاء وأنعم الله به.
الرئيس:
ونفس تعليق المحرمية فيه يا شيخ.
الشيخ عبد الله البسام:
النقطة الثالثة الحلية والحرمية، هذا حلال، وهذا حلال وطاهر، وهذا محرم دم مسفوح ولا لجأنا إليه عند الضرورة فلا أحب أن فضيلة الشيخ وإن كان له رأيه أنه مثلًا جعل الدم في مصاف اللبن الطبيعي، هذا ما أردت إيضاحه وشكرًا.
الشيخ علي التسخيري:
شكرًا سيدي الرئيس، فقط للعلم ثم لأعطي الرأي. في الإمامية شروط انتشار الحرمة أن يكون اللبن حاصلًا من وطء شرعي وأن يكون الشرب من الامتصاص من الثدي، هناك رواية عن الصادق عليه السلام:((لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد)) أن تكون المرضعة حية أثناء الرضاع أن يكون المرتضع في أثناء الحولين والكمية التي تقدر تارة بالأثر وأخرى بالعدد وأخرى بالزمان، على هذا الضوء كحكم أولى وبغض النظر عن العناصر الثانوية لا مانع من بنوك الحليب:
أولًا: لعدم الارتضاع من الثدي ونحن نشرطه.
ثانيًا: لعدم العلم باتحاد المرضعة وهناك تشترط.
ثالثًا: لعدم العلم بحصول الكمية المطلوبة، ويشترطون ألا يتخللها شيء، خصوصًا إذا أطعمنا الصبي شيئًا من المقويات وتأكدنا من عدم توالي الرضعات، والأصل أيضًا عدم الحرمة على انه لو كان الاختلاط عاماَ بين أنماط الحليب وتجاوزنا عما سبق فإنه يمكن القول بأنها قد تكون ما نسميه نحن شبهة محصورة، وحينئذ بعد ان كان الحليب مجمعاَ من شتى أنحاء العالم حينئذ لا داعي للاحتياط وترتيب الآثار.. الكلام عن الأضرار التي ذكرها أخونا الدكتور البار لا يستطيع هذا الكلام أن يوفر مانعا من تجويزنا لهذه البنوك، يقول لا توجد حاجة حقيقية لكن على أي حال هناك حاجة حتى لو كانت هناك حالات متعددة، علينا أن نعطى الفتوى فيها، وظيفتنا هذه.الشيء الآخر، قال هناك تكلفة، من يريد أن ينمي طفله يتحمل كل التكاليف. قال هناك محاذير أن الأمهات تتجه لبيع اللبن. مإذا يقول عندما يكون هناك نظام ارتضاع ومرضعات، أيضًا هناك مشجعات على أن تنطلق هذه الأم وترضع الأبناء الآخرين. بالنسبة إلى الفوائد الجمة للرضاعة، نحن لا نتحدث عن حالات طبيعية، حالة استثنائية: الأم تسلم ولدها إلى حليب غيرها. ليست الحالة حالة طبيعية لنتحدث عن حنان وما يتركه التقام الثدي وما إلى ذلك. أود أن أشير إلى كلمة قالها شيخنا الشيخ البسام قال: قياس اللبن على الدم هو جمع بين متفرقين، وإنشاز العظم وإنبات اللحم مؤثر في هذه الأحكام أراد أن يأتي بنقض ولم يرد كما أتصور والمصنف حاضر لم يرد أن يقيس هذا على ذلك وشكراَ. والرأي عندي بعد هذا أن بنوك الحليب جائزة ولا مانع منها
السيخ تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. شكراَ سيدي الرئيس
ان هذه المسألة من الناحية الشرعية متوقفة على مسألة أساسية وهي أن الرضاع المحرم هل يجب أن يكون عن طريق الامتصاص من الثدي أو يجوز من أي طريق آخر أيضًا وقد ذكر فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله أن المذهب السائد عند الأئمة الأربعة هو أن تحريم الرضاعة لا يشترط له الامتصاص من الثدي، وأن هذا المذهب فيما أظن ليس قوياَ من حيث كثرة الآراء فقط وإنما هو قوى من حيث الدليل من الأحاديث الدالة على تحريم الرضاعة أيضًا. فمن المعروف حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا رضاعة إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم)) فان هذا الحديث دليل على أن علة التحريم في الرضاعة هو ليس الامتصاص من الثدي وانما هو إنشاز العظم وإنبات اللحم. وان إنشاز العظم وإنبات اللحم كما يكون من الامتصاص من الثدي يكون من الحليب المحلوب أيضًا. إلى جانب ذلك قد أخذ ابن سعد في الطبقات أن سالما مولى أبى حذيفة رضى الله تعالى عنه إنما ارتضع من لبن محلوب في إناء ومع ذلك جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم محرماَ، وإن هذه الرؤية موجودة في طبقات ابن سعد وقد ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في الإصابة وسكت عليها بما يدل على أنها مقبولة عنده. فان حرمة سالم مولى أبى حذيفة على أمه الرضاعية إنما ثبتت بارتضاع اللبن من اللبن المحلوب في الإناء لا الامتصاص من الثدي. فهذا دليل على أن الرضاع محرم سواء كان محلوباَ أو ممصوصاَ من الثدي. والأئمة الأربعة متفقون على هذا وأما ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله تعالى وبعض أهل الظاهر فقد عارضته الأمة باجماعها، اما الضرورة التي تدعو إلى إنشاء بنوك الحليب فقد كفانا في هذا الموضوع الأستاذ البار حفظه الله ولا أرى أن في العالم الإسلامي أية ضرورة إلى إنشاء بنوك الحليب مثل هذه وشكراَ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ محمد عبده عمر:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين
لقد أعفاني الأخ العثماني عن حديث سالم مولى أبى حذيفة وهذا الحديث هو موضوع هذا البحث لأن هذا الحديث يعطى الصورة الكاملة لموضوع النقاش وهو أن الفقهاء حسب علمي مجموعون على أن تحريم رضاع سالم مولى أبي حذيفة لم يكن امتصاصاَ لثدي زوجة أبى حذيفة بل كان ذلك من إناء ذلك أن سالما رضي الله تعالى عنه قد شب من الطوق بل كان ذا لحية وليس من المعقول أن يمتص ثدي زوجة أبي حذيفة بل كان ذلك من إناء. وهذا الحديث أعتقد أنه يساعدنا على فهم موضوع النقاش. هذه مسألة. المسألة الثانية أني أميل إلى رأي شيخنا عبد الله البسام وهو أن المسألة خلقناها لأنفسنا، أي خلقنا الشك، ثم نحاول أن نتلمس الحكم الشرعى من خلال الشك. الذي وضعناه أمامنا. فالمسألة من الأهمية بمكان ومن الخطورة بمكان. والقاعدة الفقهية تقول:" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " فالموضوع يحتاج إلى دراسة وإلى بحوث وأيضًا علينا أن لا نأخذ بحرفية النص دون فهم العلل والمعاني وما تحتوي عليه الحكمة الالهية من تحريمٍ الرضاع من الأجنبية وخاصة في موضوع النقاش الذي هو موضوع بنوك الحليب وشكراَ
الشيخ مصطفي الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم
اخواني الأساتذة الكرام أنا أولَا أرى فيما ذكره أخونا حفظه الله ابن الأستاذ الكبير المرحوم الشيخ شفيق العثماني فيما يتعلق بترجيح المذهب ولا أسمي أصحابه أي مذهب كان، المذهب الذي يرى أن التحريم لا يتوقف على الامتصاص من الثدي ولا على مقدار وبين من يشترط ذلك، يعنى ليس نحن الآن في هذا الصدد في ترجيح مذاهب على مذاهب. نحن في مثل هذا المقام كما ذكر فضيلة الأخ القرضاوي نحن في مقام نحتاج فيه أن نعالج مشكلات قائمة نواجهها وقد تحدث دون إرادتنا. ولكن علينا أن ننظر في حكمها وهي من قضايا الساعة، فنحن في مقام لا يجب علينا أن نوازن بهذه الدقة بين الأدلة التي ذكرها فضيلة الأخ الكريم هذه أيضًا يقابلها من وجهة النظر الأخرى لمن يرون خلافها أدلة أيضًا هي محل اعتبار وكل يرى أن أدلته هي الأقوى. ولذلك تبني رأيه، نحن لسنا في هذا المقام أن نأتي فندخل في الترجيح بين المذاهب، نحن يكفينا عندما نواجه مسألة أن يكون أمامنا مذاهب معتبرة مسلم لأصحابها بالاجتهاد دون أن ندخل بعد ذلك في تفصيل الأدلة وإنما لنا أن نختار من هذه المذاهب ما نراه يحل مشاكلنا. هذا المبدأ أحببت أن أنبه عليه لكي يكون دستوراَ فيما بعد، لأننا لا يصح أن ندخل في انتصار لمذهب على مذهب متى كانت المذاهب محل اعتبار ومسلم لأهلها بأهلية الاجتهاد ورأيهم، من قلده لقي الله سالماَ، عندئذ يكفينا نحن أن نأخذ بها إذا كان نجد فيها حلَا لمشكلتنا. ليس مقام ترجيح أدلة ومذاهب.. ثانياَ من جهة أخرى أن أرى أن المسألة ذات شقين ولا يكفي نحن أن نقول في إنشاء هذه البنوك مصلحة أو مفسدة يبنى عليها جواز أو تحريم. نحن نعالج المسألة من ناحيتين، من هذه الناحية أولَا وهي هل يجوز أن يستحسن إنشاء بنوك للحليب في مثل هذه الأوضاع التي صورت فيها الحاجة وانتشرت في بعض البلاد ويراد أيضًا أن تنشأ في بلادنا وقد تنشأ بدون إرادتنا ينشئها من ينشئونها والحكومات تفعلها دون أن تأخذ رأي العلماء. فهل يجوز هذا أو هل يستحسن لحل هذه المشكلة أو لا يجوز؟ والناحية الأخرى وهي التي أرى أن مجرد الجواب عن الأولى لا يغني عنها، وهي أنه لو أنشئ بنك للحليب فعلَا في بلد ما من البلاد الإسلامية وحصل فيه أرضاع الأطفال بهذه الطريقة، فما الحكم في هذا الرضاع؟ بقطع النظر عن كون إنشاء البنك مقبولَا أو جائزاَ أو مستحسناَ أو غير جائز وان له محإذير، بغض النظر عن كل هذا، لو حصل هذا بالفعل وأنشئ بنك من هذا القبيل ولو بدون فتوى من علماء. فما حكم هؤلاء الأطفال من حيث الرضاع وأثره على الذين يرتضعون أو يربون على هذا اللبن؟ هذه نقطة يجب أن يتناولها البحث، والذي أرى أنه في حالة إنشاء البنك، أنا مع الأساتذة الأخوان الذين يرون أنه لا حاجة إلى إنشاء هذه البنوك كما يبين الدكتور البار، وأننا بعد في هذه المرحلة في غنى عنها. ولكن لو حصل هذا فعلَا فهل نفتي بالتحريم بين هؤلاء الأطفال والذين قد يفوق عددهم الحصر والذين لا نعرف من هن النساء اللاتي تكون الحليب من أثدائهن. فهل تحكم بالحرمة وما نتائج الحرمة وإلى أي نطاق تصل، أو لا نحكم بحرمتها؟ أنا الذي أراه أن الأدلة التي أتى بها الأستاذ القرضاوي، أيده الله ورحمنا جميعاَ أحياء وأمواتاَ، أن أخانا الكبير الأستاذ القرضاوي حفظه الله وأيده ما أتى به من أدلة وملاحظات يترجح معها اعتبار عدم التحريم للأسباب وللمذاهب التي بينها وهي مذاهب معتبرة وللشك في تحقق شرائط التحريم بالاتفاق هذا كله يكفي لأن نقول أنه لو حصل بالفعل إنشاء هذه البنوك فإن هذا لا يؤثر تحريمه هذا الذي أراه
الشيخ عبد العزيز عيسى:
في الواقع الذي أراه أنه ليس أمامنا مشكلة إسلامية فيما يتعلق برضاع الأطفال. لا توجد هذه المشكلة. والأولاد الصغار الرضع موجودون منذ القديم ورأيناهم في بلادنا، ما كان هناك من حاجة إلى إرضاع طفل من أم أخرى أو عمل بنك من بنوك الحليب الآدمي وإنما كان يرضع الطفل إما ماء مضافا إليه كراوية وإما لبن بقر وما إلى ذلك، كل هذا وهو على قلة ولأيام معدودة ثم ينتقل الطفل بعد ذلك إلى الطعام والشراب. ولا أقول ما قاله أخونا الفاضل إننا نتكلم في فرضية حصول هذا الأمر إذا حصل فهل يكون حلالَا أم حراماَ؟ لا حين تكون نفتي بها إن شاء الله تعالى، نفتي بالجواز أو عدم الجواز، " وقت الله يفرجها الله " زي ما بيقولوا، يعني نشوف ظروف الأحوال أيه، انا يمكن أخالف الشيخ تسخيري في أن الرضاع هو خاص بالامتصاص لأن جمهور المسلمين على أن إيجار الصبي اللبن يعني صبه في حلقه محرم أيضًا. فنحن نبقى على هذا. ولو لم يكن في رفض بنوك الحليب إلا سد الزريعة وسد الوقوع في فتنة التحريم لكان أولى بنا أن لا نوجد هذه البنوك، ولسنا مكلفين بأن كل ما وجد في أوروبا أو في أمريكا من بنوك الحليب أو غيره، ده إحنا محتاجين إلى بنوك الدم ومش لاقيين من الناس يقبلوا على بذل دمهم، ولكن اللبن أقل من ذلك ولا تتصور أن امرأة أو أن واحدة ذات احترام تروح تمسك ثديها علشان تفرغ نصف كوب لبن علشان تبيعه بجنيه أو بجنيهين، العملية ده لازم تبطل إلى أن نحتاج إليها فنصدر الحكم الخاص بها
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما أفتتح كلمتي بالتعبير عن كامل تقديري لفضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي وأرجو من فضيلة نائبه أن يبلغه هذه التحية وخاصة هذا الحرص الكريم منه على ارضائي وأنه اطمأن إلى أن هناك عبارات لا بد أن نستعملها فيما بيننا وبناءَ على هذا فان ما جاء في الصفحة السادسة أرى بتفويضه أنه يجب أن يحذف في قوله: " والمنهج الذي نختاره في هذه الأمور هو التوسط والاعتدال بين المتزمتين والمتهاونين " فهذا بناء على ما ذهب إليه وما أقره، أطلب حذف هذه الكلمة واستبدالها بغيرها. الأمر الثاني، في صلب القضية والموضوع عندنا أمر جاء في الكلمة هو أن لا يقال أرضعه إلا في التقام الثدي، والحديث الذي ورد عن رضاع سالم لما نزلت آية إبطال التبني قال لها صلى الله عليه وسلم أرضعيه قالت له كيف أرضعه وهو كبير معنى الحديث أو يقاربه فضحك صلى الله عليه وسلم وكانت عائشة رضى الله تعالى عنها تأخذ بهذا الحديث فكان من تريد أن يدخل عليها تطلب من أخواتها أن يرضعنه أو من رجال أو من نساء اخوتها، فالذي آخذه من الحديث ليس الخصوصية أو عدم الخصوصية ولكن إطلاق كلمة الرضاع مع عدم التقام الثدي، هذه واحدة الأمر الثاني، هو أنا نبحث في قضية ما بناء على الحاجة، والحاجة بمراعاة جميع الظروف، وقد تبين لنا من خلال ما تفضل حضرة الأستاذ الدكتور في قضية بنوك الحليب قال ان تكلفتها باهظة وأنها في الدول النامية خطيرة على الأطفال لأن وسائل التعقيم هي وسائل لم تتحقق بعد في هذه الدول. وبناء على أنها خطيرة على صحة الأطفال وبناء على ما تنشره من فوضى، فان الحكم يجب أن يكون واضحاَ، أن لا تحدث مثل هذه البنوك في دول العالم الإسلامي خاصة وأن التربية الإسلامية على الغيرية هي غير التربية الغربية على الأنانية الفردية وان المرأة لا ترضع ابن غيرها. هذه واحدة، وأمر آخر أريد أن أختم به كلمتي هو أن الفتوى فهل يجوز ذلك أو لا، هذه الفتوى يلزمها للنظر فيها لا أقل من عشرين سنة إن فرضنا وجود لبن يوجد بنك لبن فلا تعرض القضية إلا بعد أن يبلغ الطفل أو البنت سن الزواج. فهي قضية لا حاجة لنا بها أصلا وفي الإفتاء بها من الآن هو فتح للباب خطير جدا – فلذلك ملخص رأيي أن هذه بنوك الحليب هي محرمة نظراَ للمخاطر الشرعية والبدنية منها، ثانياَ: ألا تصدر فتوى فيما يترتب على الرضاعة وشكراَ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ عبد الحليم الجندي:
أشكر السيد الرئيس.. أريد شيئا خاصاَ باختصاص المجمع.. المجمع لا يعرض عليه الا أمر عمت به البلوى أو أمر ينتظر له أثر خطير في حياة الأمة. أمر واقع له شأنه تحسب حسابه وتخاف عواقبه. هذه المسألة ليست من هذا الطراز هي طلب استفتاء في مسألة لم تكن ولم تقع. الأقربون كانوا يقولون " فأجمنا حتى تكون " أي انتظر حتى تكون ثم اسأل، لا نحن أيضًا نفتح الباب. ولكن نفتح الباب لشيء واقع كأن يكون بنوك الدم كأن يكون لأطفال الأنابيب لأن الناس الآن بنوك الدم هم محتاجون إليها أطفال الأنابيب هي قضية قائمة. أما أن يستمر الأمر لكل إنسان عنده فكرة يعرضها على المجمع ويقول المجمع ممثلَا للمسلمين رأيه فيه فأظن أن هذا ينزل بالمجمع عن مكانة آرائه، إنما ممكن للمجتهد أن يفتى. ممكن للأستاذ المدرس أن يدرس ويفترض فروضاَ ويبدي فروضاَ ويبدي فيها آراء، لكن المجمع فوق ذلك المجمع له وظيفة الإفتاء والإفتاء يحل محل المشرع، فهل نحن الآن في مقام هذا اللبن وفي هذا المقام أظن لا، وشكراَ
الشيخ رجب التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن بنوك اللبن التي نتكلم عنها هي في الأصل في الدول الغربية أو من الغرب وهي في إنشائها أو نقلها للمسلمين تحد للإسلام. إننا نعلم جميعاَ أن لبن الأمهات يتعلق به أحكام شرعية وهي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. والغرب الكافر يريد أن يفسد علين إسلامنا وأحكامنا الشرعية. وأرى أن البحث في هذا الأمر مخالف للشرع. لبن الأمهات في بنك يختلط اللبن وحينئذ لا نعرف من يحل لها أن يتزوج ومن تحرم عليه أن يتزوجها. وفي هذا اختلاط وفوضى. وكما ذكر الدكتور نحن لسنا في حاجة في بلادنا إلى بنوك اللبن لما فيها من المخاطر والمساوئ. ولذلك أرى أن نقفل هذا الباب وألا نتبع ما يسير عليه الغرب الكافر فيما يتعلق بديننا وأحكامنا الشرعية وشكراَ
الرئيس:
في الواقع ومن خلال العرض من أصحاب البحوث ومن وجهة نظر الأطباء ومن خلال هذه المداولات يمكن أن يتلخص لدينا ما يلي:
أولَا: أن المسألة المطروحة أمامنا هي بنوك الحليب فحسب
ثانيا: أن هذه المسألة وقعت. ولهذا فان بحثها وارد. ولو لم تقع، والدليل على وقوعها ما ذكر الأطباء الدكتور محمد على البار في بحثه ومدى نسبتها في العالم
ثالثا: أما حكم ما وقع فقد أتى بكلمة الفصل فيه فضيلة الشيخ عبد العزيز عيسى وهو أن حكم ما وقع أنها قضايا أعيان. وقضايا الأعيان يسأل المبتلى فيها أهل العلم في وقته. لكن نحن هنا من حيث هذا المبدأ إيجاد بنوك للحليب، وقد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. وقد تحرر لدى الجميع أن مذهب جماهير أهل العلم على منع ذلك وأنه يعتبر محرماَ حتى ولو لم يكن عن طريق الامتصاص ثم إن الرواية التي تفضل بذكرها الشيخ تقي العثماني في طبقات ابن سعد وذكرها الحافظ بن حجر في الإصابة قد وقفت يقينا على من صححها من أساطين أهل العلم وكنت أظنها في زاد المعاد لابن القيم ولذلك فقد طلبت الكتاب لكن لم يقع بصري عليها، لكن المتحرر لدى يقينا وليس شبه يقين أن الرواية فيه من صححها من أساطين أهل العلم وان سالماَ كان ذا لحية كبيرة وأنه حلب له.
ولهذا فإنني أرى إن ما اتجهت إليه أكثر الأنظار في مجمعكم هذا هو القول بالمنع وأرجو أن يكون هذا منهياَ وإذا كان لأحد تحفظ فأرجو أن يتكرم المتحفظ ببعثه إلى أمانة المجمع وشكراَ وبذلك نرفع الجلسة ونستأنفها في الساعة الرابعة والنصف إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرار رقم 6
بشأن
بنوك الحليب
أما بعد:
فان مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 1 – 16 ربيع الثاني 1406 هـ /22 – 28 ديسمبر 1985م
بعد ان عرض على المجمع دراسة فقهية، ودراسة طبية حول بنوك الحليب
وبعد التأمل فيما جاء في الدراستين ومناقشة كل منهما مناقشة مستفيضة شملت مختلف جوانب الموضوع تبين:
1-
أن بنوك الحليب تجربة قامت بها الأمم الغربية. ثم ظهرت مع التجربة بعض السلبيات الفنية والعلمية فيها فانكمشت وقل الاهتمام بها
2-
أن الإسلام يعتبر الرضاع لحمة كلحمة النسب يحرم به ما يحرم من النسب بإجماع المسلمين. ومن مقاصد الشريعة الكلية المحافظة على النسب، وبنوك الحليب مؤدية إلى الاختلاط أو الريبة.
3-
أن العلاقات الاجتماعية في العالم الإسلامي توفر للمولود الخداج أو ناقصي الوزن أو المحتاج إلى اللبن البشرى في الحالات الخاصة ما يحتاج إليه من الاسترضاع الطبيعي، الأمر الذي يغني عن بنوك الحليب
وبناء على ذلك قرر:
أولا: منع إنشاء بنوك حليب الأمهات في العالم الإسلامي.
ثانيا: حرمة الرضاع منها
والله أعلم