المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وثائق مقدمة المجمعاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عاموبيان أمر الهلال وما يترتب عليه من الأحكامفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثاني

- ‌كلمة معالي سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معالي الأمين العام للمجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة معالي الدكتور أحمد محمد علي

- ‌كلمة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف

- ‌كلمة سعادة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌زكاة الديونلفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونفضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسىوفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي

- ‌زكاة المستغلات العمارات والمصانع ونحوهافضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

- ‌زكاة المستغلاتفضيلة الدكتور علي احمد السالوس

- ‌أطفال الأنابيبفضيلة الشيخ رجب التميمى

- ‌وثائق مقدمة للمجمعالحكم الإقناعي في إبطال التلقيح الصناعيوما يسمى بشتل الجنينالشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌بنوك الحليبفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

- ‌بنوك الحليبالدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاشالدكتور محمد على البار

- ‌الإنعاشفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌التأمين وإعادة التأمينفضيلة الشيخ رجب التميمى

- ‌خلاصة في التأمينالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌عقود التأمين وإعادة التأمين في الفقه الإسلاميدراسة مقارنة بالفقه الغربيفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌التأمين وَإعادة التأمينالشَيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌وثائق مقدمَة للمؤتَمرالتأمين وَإعادة التأمينالشَيخ عبٌد الله بن زيد آل مَحمُود

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائدفضيلة الدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌أحكام التعامل في المصارف الإسلاميةالدكتور وهبة الزحيلي

- ‌أحكام التعامل في المصارف الإسلاميةفضيلة الشيخ محمد على عبد الله

- ‌بداية الشهور العربيةفضيلة الشيخ محمد على التسخيري

- ‌توحيد بدايات الشهور العربيةفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌رسالة بلغة المطالع في بيان الحساب والمطالعفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌بدايات الشهور العربية الإسلاميةلفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌حول اعتماد الحساب الفلكيلتحديد بداية الشهور القمريةهل يجوز شرعا أو لا يجوز؟مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌وثائق مقدمة المجمعاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عاموبيان أمر الهلال وما يترتب عليه من الأحكامفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور بكر أبو زيد

- ‌دراسة حول خطابات الضمانللدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌خطاب الضمانفضيلة الدكتور زكريا البري

- ‌‌‌خطاب الضمَانفضيلة الدكتور عَبد الستار أبو غدة

- ‌خطاب الضمَانفضيلة الدكتور عَبد الستار أبو غدة

- ‌آراء حَول خطاب الضمَانفضيلة الشيخ محمد على التسخيرى

- ‌جواز أخذ الأجر أو العمولةفي مقابل خطاب الضمانلفضيلة الشيخ / أحمد على عبد الله

الفصل: ‌وثائق مقدمة المجمعاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عاموبيان أمر الهلال وما يترتب عليه من الأحكامفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

‌وثائق مقدمة المجمع

اجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عام

وبيان أمر الهلال وما يترتب عليه من الأحكام

فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن همزات الشياطين.

أما بعد: فإن الله سبحانه بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى كافة الناس عربهم وعجمهم بدين كامل وشرع شامل صالح لكل زمان ومكان قد نظم أمور الناس أحسن نظام في عباداتهم وأعيادهم ومعاملاتهم وسائر أمور الحلال والحرام، وساوى في التكليف بهذا الدين بين سائر الناس الخاص منهم والعام، فلم يجعل عبادة أحد منهم مقيدة ولا مرتبطة بأمر الآخر ولا إرادته.

ومن حكمته وشمول رحمته، أن جعل العبادات في الإسلام متعلقة بالظهور والمشاهدة والأمر الجلي الواضح الذي لا خفاء فيه، فوقت صلاة الفجر يعرف بطلوع الفجر وانتشاره، ووقت الظهر يعرف بزوال الشمس، ووقت العصر حين يصير ظل كل شيء مثه بعد فيء الزوال، ووقت المغرب بغروب الشمس، ووقت العشاء بذهاب الشفق الأحمر.

ويعرف وقت صيام رمضان برؤية الهلال باديا للناظرين، فإن لم ير مع الغيم فبإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما وكذلك شهر الحج.

يقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ، وسبب هذا السؤال على ما رواه أبو نعيم، أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم، قالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حالة واحدة فأنزل الله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ، فنقلهم سبحانه عن السؤال عن الذات إلى الإخبار بالصفات، كأن الله قال: إنه لا فائدة ولا مصلحة لكم في البحث عن جرم الهلال، وإنما عليكم أن تنظروا إلى الحكم والمصالح المترتبة على الهلال، حيث جعله الله ميقاتا لصيام الناس وحجهم وعدة نسائهم وإيلائهم وحلول ديونهم وبه تعرف أشهر (1) الحج والأشهر الحرم التي حرم الله القتال فيها، سواء كان التحريم باقيا أو منسوخا.

(1) هذا الحديث هو من رواية السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ورواه ابن عساكر، فذكره ورواية الكلبي عن أبي صالح ضعيفة غير انه قد اشتهر هذا السبب لنزول الآية الكريمة إذ السؤال عن الأهلة واقع كما جاء مقرونا بالجواب في نص الكتاب وكون هذا الحديث ضعيفا إنما ضعفه من قبل رجاله وليس كل ما لا يصح سنده يعتبر باطلا في نفس الأمر، والواقع ولا كل ما صح سنده يكون واقعا بالفعل

ص: 752

فالتوقيت بالأهلة هي المواقيت المشهورة لجميع الناس منذ خلق الله الدنيا يقول الله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} .

لأن التوقيت بالأهلة يسهل على جميع الناس معرفتها، العالم بالحساب والجاهل به والبدوي والحضري والكاتب والأمي، لكون الهلال أمرا مشهورا مشهودا به مرئيا بالأبصار وأجلى الحقائق ما شوهد بالعيان، إذ ليس المخبر كالمعاين، ولهذا سمي "هلالا" لاستهلال الأصوات برؤيته، كما سمي شهرا لشهرته إذ الرؤية للهلال، واشتهاره بمثابة الفجر وانتشاره، وقصد الشارع الحكيم من هذا كله هو شهرة العلم بدخوله وخروجه، إذ هو بمثابة الصوى والمنارالذي يعرف به، حيث قال:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) . وقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه)) لقصد التعبد بالوظائف الواجبة فيه حتى لا يزاد فيها ولا ينقص منها، بخلاف الشهور الشمسية، فإنه لا يعرفها إلا الحاسب أو الكاتب ويجهلها أكثر الأميين من الحضر وكل البوادي ولا يترتب عليها شيء من التعبدات أبدا.

لهذا لا يجوز الاعتماد في الصوم والفطر على الحساب، كحساب الجداول وغيرها، لكون الحساب مبينا على الظن والتخمين لا على العلم واليقين، فهم في إجراء عملية الحساب يجعلون شهرا كاملا وشهرا ناقصا إلى نهاية السنة، ومن المعلوم أن تمام الشهر ثلاثين قد يتوالى في شهرين وثلاثة والنقص في الشهر وكونه تسعا وعشرين قد يتوالى في شهرين وثلاثة فينتقض بذلك نظام حسابهم، كما نرى وقوع الخطأ في التقاويم، حيث يقول بعضهم: أن اول الشهر يوم كذا، وبعضهم يقول يوم كذا (1) .

(1) لقد سمعنا من بعض المتفرنجين بتفضيل الشهور الشمسية التي عليها مدار حساب النصارى على الشهور القمرية، بحجة أن الشهور الشمسية لا تتغير شتاء ولا صيفا، وهذا ليس بمتقض للتفضيل وقد سبق الإسلام إلى كل عمل جليل وفعل جميل وهذا التفضيل يجعل الشهور لا يتغير شتاء ولا صيفا، قد استعمله أهل الإسلام باسم البروج على عداد شهور السنة أي اثنا عشر برجا لا تتغير شتاء ولا صيفا، وهي برج (الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدى والدلو والحوت) ، فكل برج بعدد الأشهر ولا يتغير عن وقته وما من فضيلة إلا وقد أدلى الإسلام فيها بالسهم الأوفى وكل الصيد ففي جوف الفرا

ص: 753

إن أعظم مقاصد القرآن الكريم والشرع الحكيم في التوقيت بالأهلة هو اتفاق الأمة في عباداتهم من صيامهم وحجهم وأعيادهم ما أمكن الاتفاق، إذ هذا من السهل الميسر، متى سلكوا مسالكه وأخذوا بعزائمه.

فلو جرى المسلمون على نصوص الكتاب والسنة في إثبات الأهلة بطريق اليقين من الرؤية بأن يراه عدد من العدول المعروفين بالأمانة والصدق فيصومون برؤيتم ويفطرون برؤيتهم على يقين من امر دينهم لكان أفضل في حقهم من هذا الاختلاف الواقع بينهم في صومهم وأعيادهم لأنهم في هذا الزمان اخذوا يتساهلون في تصحيح الشهادة وتمحيص العدالة على خاصة الأهلة، وصار كل شاهد بالهلال فمقبول الشهادة بدون أن يعرفوا ثقته وعدالته ونجم عن هذا التساهل أن صاروا يشهدون به في وقت مستحلية رؤيته فيه ويشهدون به الليلة ثم لا يراه الناس الليلة الثانية من كل ما يحقق بطلان شهادتهم، فدخل على الناس بسبب هذا التساهل شيء من الخطأ في هذه العبادة فصاروا يصومون شيئا من شعبان ويفطرون شيئا من رمضان.

وبسببه وقع الاختلاف بين أهل الإسلام في صومهم وعيدهم، لأنه متى كان بعض أهل الإسلام يعتمدون في صومهم وعيدهم على الرؤية المحققة التي يشهد بها عدد من العدول الذين لا يمكن تواطؤهم على الكذب فيصومون برؤيتهم ويفطرون برؤيتهم، وهؤلاء هم أسعد الناس بالصواب في هذه القضية.

ص: 754

وبعضهم يعتمدون في صومهم وفطرهم على أي خبر يأتيهم من أي بلد عن طريق الإذاعة فيقبلونه على علاته ويعملون به في صومهم وفطرهم، فإن هذا بلا شك من لوازمه الافتراق وعدم الاتفاق، كما يشهد به الواقع المحسوس.

فلو عملوا عملهم في التوثيق في الشهادة فلم يدخلوا في صوم رمضان ولم يخرجوا منه إلا باليقين الثابت من الرؤية الصادقة التي يشهد بها عدد من الثقات العدول، كما نص على ذلك جمهور فقهاء المسلمين، لحصل حينئذ الاتفاق، وزال عن الناس هذا الافتراق، إذ الرؤية المحققة الصحيحة تجمع أهل الإسلام من شتي البلدان فيراه أهل الشام ومصر والعراق والمغرب كما يراه أهل نجد والحجاز واليمن وكما يراه أهل فارس وباكستان والهند.

وما ذكره الفقهاء من اختلاف المطالع بين هذه البلدان، فإنما قالوه بمحض الاجتهاد يؤجرون عليه، لكنه بمقتضى المشاهدة والتجربة يترجح عدم صحته وأن التفاوت في مطلعه بين هذه البلدان منتف، فيراه أهل الشام والعراق ومصر كما يراه أهل نجد والحجاز واليمن، لا يتغير عن مطلعه ولا يختلف عن حالته لان الله سبحانه وتعالى نصب الهلال ميقاتا لجميع الناس عربهم وعجمهم، يعرفون به، وقت صومهم وحجهم {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ، وما كان كذلك، فإنه لا يتغير بحال ولو جربوا لعرفوا صحة ذلك.

والحكمة في ذلك ظاهرة، وهى أن تكون طريقة إثبات العبادة واحدة وما ثبت من الأحكام على رؤية الهلال، فإنه لا يتغير بحال ولا يختلف في محل دون محل، وإنما يقع الاختلاف بين الناس لاختلاف الرائي، وعدم توثقه في رؤيته لا المرئي فقول النبي صلى الله عليه وسلم:((صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون)) هو خطاب لجميع الناس في كل بلد، لكون الهلال إذا ظهر في بلد ورأوه رؤية صحيحة، فإنه غالبا يظهر كذلك في كل بلد، إذا لم يحل دون منظره غميم أو قتر.

وإذا لم يظهر الهلال وإنما قيل بانه رؤي في بلد كذا فإن هذا خبر يصدقه اليقين أو يكذبه، وما آفة الأخبار إلا رواتها، والله اعلم.

ص: 755

الحكم في إثبات رمضان دخولا وخروجا

من الفقهاء من قال: يجب صوم رمضان برؤية عدل ثقة وثبات الفطر بشهادة عدلين، كما هو الظاهر من مذهب الحنابلة، وعندهم انه متى ثبت الهلال في بلد لزم جميع الناس الصوم وهي من مفردات المذهب.

ومنهم من قال يجب الصوم بشهادة عدلين والفطر بشهادة عدلين ايضا، كما هو الظاهر من مذهب مالك والشافعي، واستدلوا لذلك بحديث ابن عمر، قال:((تراءى الناس الهلال على عهد رسول الله، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه)) . رواه أبو داود وصححه الحاكم وابن حبان.

وعن ابن عباس أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال:((أتشهد أن لا اله إلا الله)) قال: نعم، قال:((أتشهد أن محمدا رسول الله؟)) قال: نعم، قال:((فاذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا)) رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ورجح النسائي وقفه.

أما الإمام أبو حنيفة، فإنه يشترط في حالة الصحو الاستفاضة بأن يراه عدد من العدول لا يمكن تواطؤهم على الكذب، ويقول: إنه لا يمكن أن ينظر جميع الناس إلى مطلع الهلال وابصارهم متساوية والموانع منتفية، ثم يراه واحد واثنان دون الباقين. أما في حالة الغيم فيقبل عنده شاهد واحد

انتهى. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وإنما فرق من فرق من الفقهاء بين هلال الصوم والفطر لقصد سد الذريعة بأن لا يدعي الفساق انهم رأو الهلال لتعجلوا بذلك الفطر وهم بعد لم يروه.

والكلام هنا يرجع إلى حقيقة الإثبات وعدمه، إذ ما كل ما قيل إنه رؤي في بلد كذا أن يكون صحيحا ثابتا ولا كون مدعى الرؤية عدلا صادقا.

فقد ذكر الفقهاء لصحة الشهادة على الهلال كونه يشهد به عدلان ثقتان، ثم هم يفسرون العلة المطلوبة لصحة الشهادة بأنها التزام فرائض الصلوات الخمس بسننها الراتبة واجتناب المحارم، بأن لا يأتي كبيرة ولا يدمن على صغيرة، والثانية استعمال المروءة وهي فعل ما يجمله ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه، فهذه الشروط أن لم تدرك كلها فلن تترك كلها..

ص: 756

وقد ثبت بالتجربة والاختبار كثرة كذب المدعين لرؤية الهلال في هذا الزمان، وكون الناس يرون الشهر قويا مضيئا صباحا من جهة الشرق، ثم يشهد به احدهم مساء من جهة الغرب وهو مستحيل قطعا، ويشهدون برؤيته الليلة ثم لا يراه الناس الليلة الثانية من كل ما يؤكد بطلان شهادتهم، فالاستمرار على هذا الخطأ المتكرر الناشئ عن الشهادة المزيفة لا يجيزه النص ولا القياس، ومتى رؤي الهلال رؤية صحيحة في بلد، فإنه يرى غالبا في اكثر البلدان، فتقارب بذلك الاتفاق بين جميع المسلمين في الصوم والعيد.

فلو أن فقهاءنا المتقدمين القائلين بثبات دخول الشهر بشهادة الواحد وخروجه باثتين، وكونه إذا ثبت في بلد لزم جميع الناس الصوم، فلو أنهم عاشوا إلى عصرنا اليوم وشاهدوا ما وقع الناس فيه من الأخطاء التي تنشأ عن شهادة الواحد والاثنين، لتبدل رأيهم في فنون التوثق والإثبات والاحتراس من الناس، لأن حالة الناس اليوم غير حالتهم في السنين السابقة، فيما يتعلق بشأن الأهلة وطريق إثباتها والشهادة فيها تعميم العمل بها.

ص: 757

فقد كانت البلدان المتجاورة في قديم الزمان بمثابة المتباعدة، بحيث تكون القرية عن القرية الأخرى قدر مائة كيلو أو أقل أو اكثر، فثبت رؤية الهلال في إحدى القريتين ولا تعلم الثانية بثباته فيها لصعوبة الاتصالات بينهما إلا عن طريق البعير والحمار، فيحكم قاضى تلك البلدة بصحة رؤية الهلال بشاهدين عدلين، ويأمر بالعمل بذلك من الصوم أو الفطر، فتصوم هذه القرية والبلدة الأخرى المجاورة لها مفطرون، حيث لم يروا الهلال ولم يبلغهم خبر رؤيته.

وكلا القريتين على حق لا الصائمون ولا المفطرون، لأن هذا هو غاية جهدهم واجتهادهم، سواء أصابوا أو أخطأوا، لأن كل مجتهد في مثل هذا هو غاية جهدهم واجتهادهم، سواء أصابوا أو أخطأوا، لأن كل مجتهد في مثل هذا يعتبر مصيبا في حصول الأجر وحط الوزر، إذ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} .

ما عدا قضاء ذلك اليوم الذي سبقت به إحدى القريتين، فإنه من اللازم بالاتفاق وفي الغالب انه متى ثبتت رؤيته في مثل هذه البلاد رؤية صحيحة، فإنه يرى غالبا في أكثر البلدان فينتشر أمره ويشتهر خبره، وهذا هو حقيقة الحكمة في خلقه، حيث جعله الله ميقاتا للناس والحج.

ولو قدر خطأ هذه الرؤية، فإنه هذا الخطأ لا يتعدى مكان البلد المشهود فيها وما حولها فلا يتعدى إلى البلدان الأخرى.

أما الآن وفي هذا الزمان، فإنه بمقتضى اختراع الآلات الناقلة للذوات والمقربة للأصوات من برقيات وإذاعات وتليفونات وتلفزيونات، فقد صارت الدنيا كلها كمدينة واحدة وكأن عواصمها على بعدها غرف متجاورة يتخاطبون بينهم شفاهيا من بعيد كتخاطبهم من قريب فيسرى خبر الرؤية في مشارق الأرض ومغاربها في ساعة واحدة، سواء كان الخبر صحيحا أو غير صحيح، فيعم الناس الخطأ كما يعمهم الصواب.

ص: 758

فمتي كان الأمر بهذه الصفة، فإن من الحزم وفعل أولى العزم أن يحسب لهذا الأمر الحساب ويستخدم له سائر الوسائل والأسباب من كل ما يقتضي التوثق والثبات بشهادة المعروفين بالعدالة والثقة والرؤية الثابتة المحققة في دخول الشهر وخروجه حتى يكون الناس آمنين على إكمال صومهم فرحين بعيد فطرهم فلأن نخطئ في التوثق والاستحياط أولى من أن نخطئ في التساهل والاستعجال، وهذا هو حقيقة ما ندعو إليه وننصح به، والله عند لسان كل قائل وقلبه.

وأما حديث ابن عمر في شهادته على الهلال، وكذا حديث الأعرابي الصحابي، فقد وقعت الشهادتان على دخول رمضان ولعلها في قضية واحدة في سنة واحدة أو في سنين متفرقة.

وعلى كلا الأمرين فليس في الحديثين ما يدل على انه لم ير الهلال أحد غيرهما، لا من أهل المدينة ولا من حولها من الأعراب، إذ عدم العلم بالشيء ليس علما بالعدم، ومن المحتمل أن يكون شاركهما غيرهما في رؤيته، وإن لم يذكر في الحديث اكتفاء بصدور الأمر من رسول الله في ثباته.

ثم إنه لا تقاس شهادة ابن عمر وهذا الاعرابي الصحابي على شهادة غيرهما من أهل هذا الزمان، ممن لا تعرف عدالتهم ولا تفثهم، إذ من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف تقوى هذين الشاهدين وثقتهما، فأمضى شهادتهما، إذ القصد الخبر اليقين بالرؤية، وقد وقف رسول الله على حقيقة ذلك (1) .

(1) إذ لا يشترط لصحة الدخول في صوم رمضان حكم القاضي بذلك بل لو أخبره ثقة عدل رأى هلال رمضان فصدقه وجب عليه أن يصوم، وكذا لو رأي بنفسه الهلال فردت شهادته أو لم يشهد به بخلاف ما لو رأي بنفسه هلال شوال فلم تقبل شهادته أو لم يشهد به، فإنه يجب عليه أن يصوم مع الناس ولا يفطر إلا معهم

ص: 759

ثم أن ابن عباس راوى حديث الأعرابي لم يقبل قول كريب وحده في رؤية دخول رمضان وقد أخبره أن معاوية صام وصام الناس معه حتى قال: أما نحن فنصوم حتى نراه أو نكمل العدة ثلاثين يوما، كما أمر رسول الله بذلك.

ثم أن الإثبات يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بن ثابت بشهادة رجلين عدلين لما يعلمه من صدقه وثقته وأمانته، ومن ذلك انه يشهد الرجل الثقة العدل على الشيء ويشهد بضده عشرة رجال ممن لا تعلم عدالتهم ولا ثقتهم فيمضى القاضى شهادة الواحد العدل ويرد شهادة العشرة لكون الكمية لا تغني عن الكيفية شيئا فإن قيل: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوب العمل في الصوم والفطر بشهادة الشاهدين، كما روى أبو داود في سننه عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، انه خطب الناس في اليوم الذي شك فيه، فقال: إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم كلهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا)) ، فهذا حديث ثابت، يحمل على المراد منه والمقصود به، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا شهد شاهدان أن يصوموا ويفطروا، لأنه لن يشهد شاهدان عدلان برؤيته الثابتة في بلد كالمدينة إلا وقد رآه الكثير من الناس في سائر الآفاق، لاعتبار أن كل بلد تراه كذلك أو أكثر البلدان، إذ القصد من الشهود على الرؤية هو إثبات اليقين والحقيقة وهي تحصل بشهادة العدلين، وقد أمضى النبي صلى الله عليه وسلم شهادة ابن عمر وشهادة الأعرابي الصحابي، لما وقف على حقيقة صدقهما، غير انه لم يكن مراد النبي صلى الله عليه وسلم انه متى شهد شاهدان مجهولان على رؤية الهلال وجميع الناس لم يروه انه يجب إمضاؤه وتكليف الناس بالعمل بشهادتهما على قرب الديار وبعدها، فهذا لم يكن مرادا منه أبدا، والشهادة أمانة.

ص: 760

وأول ما يفقد الناس من دينهم الأمانة وآخر ما يفقدون من دينهم الصلاة ومعلوم فقدان أكثر الناس في هذا الزمان لعمود دينهم وأمانة ربهم، فضلا عن فقدان أماناتهم واستخفافهم بشهاداتهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر قبل وقوعه، كما في الصحيحين عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، لا أدري أذكر مرتين أو ثلاثا، ثم يجئ قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن)) .

ففي هذا الحديث الإشارة إلى استخفاف الناس في آخر الزمان بالشهادة، وأنهم يشهدون بما لم يشاهدون وبما لم يحيطوا بعمله.

وقد روي من حديث ابن عباس، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهد عنده، فقال له: ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: مثلها فاشهد أو دع (1) .

فالعدالة التي يشترطها الفقهاء لصحة الشهادة على الهلال وغيره قد صارت مفقودة في هؤلاء الأفراد، الذين يشذ أحدهم بشهادته على الهلال من بين مجموع سائر الناس، بحيث يدعي أحدهم رؤيته الليلة ثم لا يراه جميع الناس الليلة الثانية، ويدعي رؤيته في وقت هي مستحيلة فيه بمتقضى الدليل العقلي على عدم إمكانها، كأن يراه الناس نيرا مضيئا صباحا فيما بين الفجر وطلوع الشمس ثم يدعي أحدهم رؤيته مساء من ذلك اليوم، وهذا لا يتفق ابدا والدعوى برؤية الهلال معه تعتبر كاذبة كما سيأتي بيانه.

(1) هذا الحديث ساقه ابن حجر في بلوغ المرام من رواية ابن عدي، قال وصححه الحاكم فأخطأ

ص: 761

ومما يؤكد هذه الغرابة وبطلان هذه الشهادة، كون البوادي الذين يسكنون في الصحراء البعيدة عن غبار المدن ودخانها وارتفاع بنيانها وقد منحوا من قوة الإبصار نتيجة صحة الأجسام، فكان أحدهم يرى ويعرف سمة الإبل قبل أن يرى اكثر الحضر أجسامها ويحرصون أشد الحرص على التطلع إلى الهلال وقت التحري له ولا يرونه، بينما يدعي أحد هؤلاء رؤيته وهي غير صحيحة في ظاهر الأمر.

فلا عبرة بمثل شهادة هؤلاء، مع قيام الدليل العقلي على بطلانها، لأن من شرط صحة الشهادة كونها تنفك عما يكذبها.

ثم أن رؤية الهلال يقع فيها الوهم والاشتباه دائما حتى من بعض العدول الثقات، بحيث يخيل للشخص انه رأى الهلال ولم يكن هلالا {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} .

من ذلك أن جماعة كانوا يتراءون هلال رمضان وفيهم أنس بن مالك، خادم رسول الله – رضي الله عنه – وكان قد قارب مائة سنة، وفيهم إياس بن معاوية، المعروف بالفراسة، فبينما هم ينظرون إليه إذ قال انس بن مالك: أنا رأيت الهلال هو ذاك، وأخذ يشير بإصبعه إليه ولا يراه الناس، فقام إياس بن معاوية فمسح شعر عيني أنس، ثم قال: أنظر يا أبا حمزة، هل ترى شيئا؟ فنظر ثم قال: الآن لا أرى شيئا، فعرفوا انها شعرة اعترضت لعينه فحسبها هلالا (1) .

اجتمع عدد من الرؤساء العقلاء في مكان عال من الصحراء يتراءون الهلال قالوا: فنظرنا إلى قطعة سحاب من شكل الهلال وفي مطلع الهلال فجعلنا نكبر ويريه بعضنا بعضا، لا نشك إلا انه الهلال، فينما نحن كذلك نحقق فيه النظر، إذ رأيناه يتمزق وبعد قليل اضمحل وزال فعرفنا أنها قطعة سحاب، والله أن العجول من الناس ليشهدوا أنه رأى الهلال، ومثل هذا يقع كثيرا بين الناس، ولهذا امر الله بالتثبت في خبر الفاسق.

(1) ذكر هذه القصة ابن خلكان في تاريخه في ترجمة إياس – ص226 الجزء الأول

ص: 762

ثم أن الخبر برؤية الهلال هو بمثابة الخبر عن رسول الله، انه فعل وقال: إذ لكل خبر ديني مما يتعلق بالأحكام والحج والصيام وأمور الحلال والحرام.

ولما رأى العلماء كثرة الكذب على رسول الله، انه فعل وقال، اخترعوا فن الجرح والتعديل ليميزوا به بين الصادق الأمين والكاذب المهين، فكانوا يقولون: فلان كذاب وفلان مدلس وفلان كثير الوهم وفلان غير ثبت وفلان ينفرد بالمناكير وفلان يشذ بحديثه عن الثقات، ونحو ذلك من المميزات التي تقتضى التحذير عن الاغترار بخبرهم أو تصديقهم في شهادتهم، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة لله ولدينه وعباده المؤمنين.

وكان أول من اعتني بالتحفظ على الشهادة والعقاب على ما دخل فيها من النقص والزيادة، هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في قصة مشهورة حاصلها ما رواه البخاري في صحيحه، أن ابا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع وكان عمر مشغولا، فلما أفاق من شغله قال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ يعني ابا موسى الأشعري، قالوا: بلى، قال: ائذنوا له، فطلبوه فلم يجدوه فأرسل في اثره من يرده إليه، ثم قال له: ما حملك على أن ترجع، قال: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا استأذن أحدكم على أخيه ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع)) ، فقال عمر: إني لم أسمع ذلك أبدا، والله لتأتين بشاهد يشهد يشهد لك بذلك، أو لأوجعن ظهرك.فانطلق أبو موسى مذعورا حتى وقف على ملأ من الأنصار فقال: أنشدكم بالله، هل أحد منكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إذا استأذن أحدكم على أخيه ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع)) ، قالوا: اللهم نعم، فقال: ليشهد معي أحدكم عند عمر، فقالوا: يشهد معك أصغرنا، قم يا أبا سعيد الخدري فاشهد معه، فجاء أبو سعيد فشهد عند عمر فقال: صدقت، أشغلني عنها الصفق بالأسواق.

فهذا من فنون سياسته في رعيته وتثبته في الشهادة بما لا يثق بصحته حتى لا يدخل الخلل على الدين بالنقص والزيادة من طريق الشهادة المزورة، وإنما سميت الشهادة الكاذبة بشهادة الزور لازورارها عن طريق الحق والعدل.

وخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((عدلت شهادة الزور الإشراك بالله، ثم قرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} )) رواه الإمام احمد من حديث خريم بن فاتك الأسدى.

ص: 763

من شرط صحة الشهادة كونها تنفك عما يكذبها

إن الله سبحانه، يقول:{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} ، كما قال:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} فأمر بإقامة الشهادة لله كما أمر بإقامة الصلاة لله، وإقامة الشهادة هي أن تأتي بها مقومة معدلة غير مائلة ولا مزيفة، بل تشهد على حقيقة ما رأيت وسمعت بثبت وإتقان من غير زيادة ولا نقصان، كما في الحديث على مثل الشمس فاشهد أو دع) .

والشهادة على الهلال هو مما يكثر الاشتباه فيها دائما، بحيث يخيل للشخص انه رأى شيئا ولم يكن شيئا، كما علم بالقطع كثرة وقوع ذلك.

فإذا انحصرت الشهادة على رؤية الهلال في واحد أو اثنين من بين مجموع الناس، فإنها شهادة ظنية ليست يقينية، تشبه الخبر الذي يحتمل الصدق والكذب فهي لا تفيد اليقين قطعا، سيما إذا كان هذا الشاهد أو الشاهدان ممن لا تعرف ثقتهما ولا عدالتهما إذ ليس الخبر كاليقين، ولم يقل احد من أئمة المذاهب الأربعة ولا فقهائهم إنه يجب تصديق خبر مدعي الرؤية وإن لم تعلم عدالته، سيما في هذا الزمان، الذي ضعفت فيه الأمانة وفاض فيه الغدر والخيانة وحاول الكثير من المنافقين بأن يتلاعبوا بالدين {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} والمناقون في هذا الزمان هم شر من المنافقين الذين نزل فيها القرآن {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} فكان أحدهم يشهد برؤية الهلال في وقت مستحيلة رؤيته فيه، وهذا مما يؤكد بطلان شهادتهم ووقع التساهل في الحكم بها، كما شهدوا في زمان فات برؤية هلال شوال وأمر الناس بالفطر فأفطروا، وعند خروجهم إلى مصلى العيد لصلاة العيد انخسفت الشمس والناس في مصلى العيد، ومن المعلوم أن الشمس لا يخسف بها في سنة الله إلا في اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين، أي ليالي الإسرار، كما أن القمر لا ينكسف إلا في ليالي الأبدار، أي ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، كما حقق ذلك أهل المعرفة بالحساب وعلماء الفك وحققه شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع عديدة وأبطل ما يعارضه.

ص: 764

فالاستمرار على هذا الخطأ الناشئ عن الشهادات المزورة لا يجيزه النص ولا القياس، ولن نعذرعند الله وعند خلقه بالسكوت عنه.

ثم أن الناس في هذا الزمان أخذوا يتساهلون في تصحيح الشهادة وتمحيص العدالة، وصار كل واحد مقبول الشهادة على خاصة الهلال، وبناء على هذا التسامح أخذ بعض الناس يتسابقون إلى ادعاء رؤية الهلال بدون تثبثت ولا يقين فدخل الخطأ على الناس في هذه العبادة فصاروا يصومون شيئا من شعبان ويفطرون شيئا من رمضان، بناء على شهادة من لا يعرفون عدالته ولا ثقته.

من ذلك، أنه جاء الخبر من إحدى البلدان برؤية هلال شوال من هذه السنة ليلة الجمعة، وأن يوم الجمعة هو العيد فضجت الأصوات من الإذاعات يأمرون الناس بالفطر يوم الجمعة، لاعتبار انه العيد، فأفطر الناس وفي الليلة الثانية التي هي ليلة السبت، اجتهد الناس لرؤيته فلم يروه قطعا، وفي الليلة الثالثة التي هي ليلة الأحد رآه أفراد من الناس الحادة أبصارهم رأوه ضعيفا، وقد سبره عدد من العقلاء الرؤساء حتى غاب في خمس وعشرين دقيقة، وبعضهم قال: في ثلاثين دقيقة، وهي الليلة الثالثة على حسب هذه الشهادة، وكان الصحابة يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء غيبوبة القمر ليلة الثالثة، كما في سنن أبي داود عن النعمان بن بشير، انه قال: "أنا أعلم الناس بوقت صلاة العشاء الآخرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها سقوط القمر لثالثه.

لهذا اضطرب الناس من هذه الشهادة، وعرفوا تمام المعرفة أن يوم الجمعة من رمضان وكذا يوم السبت على الراجح، وأخذوا يسألون عن قضاء هذا اليوم أو اليومين، هل يجب أو يستحب أو لا يجب ولا يستحب.

ص: 765

وهذه المسألة ترجع إلى قضية من أفطر في نهار رمضان، يظن أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب، وقد وقعت هذه القضية على الصحابة – رضي الله عنهم – كما روى البخاري في صحيحه، قال: حدثنى عبد الله بن شيبة، حدثنا أبو اسامة عن هشام بن عروة عن فاطمة عن اسماء بنت أبي بكر قالت:"أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غميم ثم طلعت الشمس، قيل لهشام: أفأمروا بالقضاء، قال: بد من قضاء، وقال معمر: سمعت هشاما قال: لا أدرى أقضوا أم لا". قال في فتح الباري: (اختلف عن عمر في ذلك فروى عنه ترك القضاء قائلا: لم نقض إنما لم نتجانف الإثم) وروى مالك عنه انه قال: الخطب يسير وقد اجتهدنا.

وروى عبد الرزاق، عنه انه قال: نقض يوما، وروى سعيد بن منصور عنه: وفيه من أفطر منكم فليصم يوما مكانه، قال: وجاء ترك القضاء عن مجاهد والحسن، وبه قال إسحاق وأحمد في رواية واختاره ابن خزيمة، انتهى.

وظاهر المذهب وجوب القضاء لكون الأصل بقاء النهار. وحكي في الافصاح اتفاق الأئمة على وجوب القضاء.

ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عدم القضاء لدخوله في عموم قوله: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وكما لو أكل ظانا أن الفجر لم يطلع فتبين انه طالع فلا قضاء عليه في ظاهر المذهب.

وقد نص الفقهاء على انه لو وقف الناس بعرفة اليوم الثامن خطأ، فإن حجهم صحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((الحج يوم يحج الناس وهذا يوم حج الناس)) ، على حسب اجتهادهم، كما لو اجتهد إنسان فصلى ثم تبين انه صلى إلى غير جهة القبلة، فإن صلاته صحيحة ولا يعيدها، لكون المكلفين إنما خوطبوا بالظاهر الذي يسعهم العلم به، فإذا اجتهدوا فأخطأوا فلا حرج عليهم، أشبه بالقاضى إذا اجتهد وأخطأ فله أجر.

ص: 766

موانع الرؤية للهلال بمقتضى سنة الله الجارية في خلقه

إن الهلال من آيات الله في استهلاله وفي إبداره وفي استسراره، وقد جعل الله له علامات يعرف بها إمكان رؤيته وعلامات يعرف بها تعذر رؤيته، كما جعله تارة ثلاثين وتارة تسعا وعشرين، وقد قال بعض الصحابة: لما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر ما صمنا ثلاثين، والرؤية الصادقة الصحيحة تصدق ذلك أو تكذبه، فهي أصح العلامات للعمل به، لحديث:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) ، وقال:((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) .

ومتى رؤي الهلال ابتدأ حكم به لأول ليلة، سواء كان صغيرا أو كبيرا وسواء كانت منزلته مرتفعة أو منخفضة، لأن الجلي الحقائق ما شوهد بالعيان.

أما العلامات التي يعرف بها امتناع رؤيته وعدم صحة الشهادة به، فمن أهمها كونه يرى صباحا فيما بين الفجر وطلوع الشمس من جهة الشرق، ثم يدعي بعضهم رؤيته مساء من ذلك اليوم من جهة الغرب، فإن هذا من الممتنع المستحيل قطعا، بمقتضى الحس والتجربة، والعادة الجارية في سنة الله حتى ولو كان أقوى نظرا من زرقاء اليمامة، فلا تتفق رؤيته صباحا ثم رؤيته مساء من ذلك اليوم، فمن ادعاه فإنما خيل له ولم يره، فالشهادة بذلك تعتبر كاذبة، لأن من شرط صحة الشهادة كونها تنفك عما يكذبها.

ص: 767

وقد أجرى الله العادة في خلق القمر أنه يظهر لأبصار الناس في ثمانية وعشرين يوما من الشهر لحلوله في ثمانية وعشرين منزلا، ثم يختفي عن أبصار الناس يومين أن كان تاما ثلاثين أو يوما واحدا أن كان ناقصا، أي تسعة وعشرين.

فهذا الاختفاء والاستسرار في اليومين أو اليوم لا بد منه كما هو متفق عليه عند أهل العلم وأهل الحساب والجداول والمفسرين وعلماء اللغة وبعضهم قال بجواز اختفائه ثلاثة أيام.

ويمسى هذا الاختفاء للهلال: السرار والاستسرار واجتماع النيرين والمحاق وغير ذلك من التسمية الجارية على ألسنة العرب، فمتى رأوه صباحا طالعا نيرا، عرفوا تمام المعرفة انه لن يهل مساء من ذلك اليوم أبدا، بمقتضى العادة التي أجراها الله فيه.

وما يدعيه بعض أهل العلم من إخواننا في زماننا من القول بجوازه وعدم امتناعه كما سمعنا من بعضهم ويجادلون في إثباته فهو قول لم يستند إلى إثبات لا بطريقة المشاهدة ولا التجربة، ويترجح أن هذا القول إنما خرج منهم مخرج الظن والتخمين بدون علم ولا يقين وبدون مشاهدة ولا تجربة، وذلك لا يغني عن الحق شيئا.

وكأنهم في نظرهم ومناظرتهم بنوا أمرهم على الشهادة المزيفة برؤية الهلال حيث يراه الناس صباحا، ثم يشهد بعضهم برؤيته مسا، فبنوا أمرهم ورأيهم على هذه الشهادة الكاذبة وجعلوها لهم بمثابة القاعدة وهي بلا شك من باب قياس الفاسد على الفاسد، وسنورد من الأدلة ما يوضح امتناع ذلك وعدم إمكانه بمقتضى سنة الله في خلقه.

ص: 768

قال البغوي في تفسيره على قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} من سورة يونس.

قال: أن منازل القمر ثمانية وعشرون منزلا وأسماءها: السرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرفة والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك الأعزل والغفر والزبانا والإكليل والقلب والشولة والنعايم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية والفرغ المقدم والفرغ المؤخر والرشاء.

قال: فينزل القمر كل ليلة منزلا منها ويستتر ليلتين أن كان الشهر ثلاثين أو ليلة واحدة أن كان تسعا وعشرين.

وقال القرطبي في تفسيره على الآية وعلى قوله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} .

قال: أن الله سبحانه قدر للقمر منازل وهي ثمانية وعشرون منزلا ينزل القمر منها كل ليلة بمنزلة ويومان للنقصان والمحاق، ثم ساق عدد النجوم الثمانية والعشرين ينزل في كل ليلة منها ثم يستتر.

وقال ابن كثير في سورة نوح:

قدر الله للقمر منازل وبروجا وفات نوره، فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستتر ليدل على مضى الشهر.

ص: 769

وقال الخطيب الشربيني، في تفسيره: أنوار التنزيل، قال: أن منازل القمر ثمانية وعشرون وأسماءها: السرطان والبطين.. الخ.

قال: وهذه المنازل مقسومة على البروج هي اثنا عشر برجا لكل برج منزلان وثلث، فينزل القمر منها كل ليلة منزلا ثم يستتر ليلتين أن كان ثلاثين أو ليلة واحدة إن كان تسعا وعشرين.

وقال في تفسير المنار على الآية المذكورة:

قال: أن الله قدر للقمر في سيره في فلكه منازل ينزل كل ليلة في منزل منها لا يخطئه ولا يتخطاه وهي ثمانية وعشرون معروفة تسميها العرب بأسماء النجوم المحاذية لها وهي ثمانية وعشرون: السرطان والبطين وذكر بقية النجوم، ثم قال: فهذه المنازل الثمانية والعشرون هي التي يرى فيها القمر بالأبصار، ثم يبقى ليلتان أن كان الشهر ثلاثين أو ليلة واحدة أن كان تسعا وعشرين يحتجب فيها عن الأبصار فلا يرى أبدا.

وقال شيخ الإسلام – ابن تيمية – رحمه الله:

قال: أن القمر يجرى في منازله الثمانية والعشرين كما قدره الله منازل، ثم يقرب من الشمس فيستتر ليلة أو ليلتين لمحاذاته لها، فإذا خرج من تحتها جعل الله فيه النور، ثم يزداد نوره كلما بعد عنها إلى أن يقابلها ليلة الإبدار، ثم ينقص كلما قرب منها إلى أن يجامعها، ولهذا يقولون الاجتماع، وأهل الحساب يسمونه اجتماع القرصين الذي هو وقت الاستسرار، كما يعرف بذلك وقت الكسوف والخسوف، فإن الشمس لا تكسف في سنة الله إلا عند الاستسرار إذا وقع القمر بينها وبين ابصار الناس على محاذاة مضبوطة، كما أن القمر لا يخسف إلا في ليالي الإبدار لتحول الأرض بينه وبين الشمس، فمعرفة الكسوف والخسوف تدرك بالحساب الصحيح.

قال: وأهل الحساب يرون بأنهم يعرفون طلوع الهلال بأنه عند غروب الشمس يكون قد فارقها بعشر درجات أو أقل أو اكثر أما كونه يرى أو لا يرى فهو امر حسي طبيعي يحققه وجوده ليس حسابيا، والأمر الشرعي في الصوم والفطر إنما يترتب على الرؤية المحققة لا على الحساب، انتهى (1) .

وقال الراغب الأصبهاني في غريب القرآن، قال: والسرار هو اليوم الذي يستسر فيه القمر آخر الشهر وقال في نهاية ابن الاثير، قال الأزهري: يقال سرار الشهر وسرره وهو آخر ليلة استسر فيها الهلال بنور الشمس، وقال في مختار الصحاح: استسر القمر أي خفي ليلة السرار وربما كان ليلة وربما كان ليلتين.

وقال في لسان العرب: استسر القمر إذا خفى ليلة السرار، وربما كان ليلة وربما كان ليلتين، قال الشاعر:

نحن صبحنا عامرا في دارها عشية الهلال أو سرارها

قال: وحكى عن الكسائي وغيره، انه قال: السرار آخر الشهر ليلة يستسر الهلال.

وقال أبو عبيدة: ربما استسر ليلة وربما استسر ليلتين.. انتهى. وبهذا يتبين أن استسرار القمر آخر الشهر ليلة أو ليلتين انه من الأمر الثابت شبه المجمع عليه عند المحققين من سائر العلماء، وقد أجرى الله العادة به واستقر في نفوس الناس معرفته فمتى رآه الناس صباحا عرفوا تمام المعرفة انه لن يهل مساء أبدا ولا تنخرم هذه العادة التي هي بمثابة القاعدة، بدعوى الرؤية الكاذبة، وما كل ما يقال انه رؤي في بلد كذا أن يكون صحيحا واقعا لوقوع الفرق شرعا وعرفا بين الخبر واليقين، والله أعلم.

(1) من رسالة "بيان الهدى من الغلال في شأن الهلال" – ص:33

ص: 770

رؤية الهلال نهارا قبل الزوال وبعده

وأما قول الفقهاء من الحنابلة وغيرهم: (وإن رؤى الهلال نهارا فهو لليلة المقبلة، سواء كان قبل الزوال أو بعده) ، قاله في الإقناع، ومختصر المقنع وغيرهما، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة. فهذا القول جرى من الفقهاء على سبيل الفرض والتقدير لكونهم يقدرون دائما ما لا يقع على فرض وقوعه، فهم يقدرون رؤيته نهارا لعارض يعرض في الجو، بحيث يقلل ضوء الشمس فيتمكن قوي النظر من رؤيته، وهو تقدير يبعد وقوعه جدا وإن رؤيته قبل الغروب مستحيلة وغير ممكنة ولو فرض وقوعها فإنه لا تأثير لها في حكم إثبات الصيام بها، وقد أنكر هذا التقدير بعض الفقهاء وعدوه من الأمر المستحيل، لعدم إمكن وقوعه لكون الهلال لا يرى برؤية صحيحة إلا بعد غروب الشمس وذهب شعاعها كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وحتى صاحب "كشاف القناع في شرح الإقناع"(1) ، استدرك على الفقهاء القول به، قائلا: إنه لا أثر لرؤية الهلال نهارا وإنما يعتد بالرؤية بعد الغروب، قال: ولعله مراد أصحابنا لظاهر الخبر السابق فعلم منه أن الرؤية قبل الغروب لا تأثير لها.. انتهى.

والخبر السابق الذي أشار إليه هو ما رواه الأعمش عن أبي وائل شقيق ابن سلمة، قال: أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا أو يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس عشية، رواه الدارقطني، وهذا الأثر عن عمر دليل واضح على عدم الاعتبار برؤية الهلال في النهار، سواء كان قبل الزوال أو بعده، وأنه لا يعتد به على فرض وقوعه، وقد قال في بداية المجتهد: أن سبب اختلافهم في حكم رؤية الهلال بالنهار هو ترك اعتبار التجربة وليس في ذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم يرجع إليه، ويحكى عن القاضي قائلا: الذي يقتضيه القياس والتجربة أن القمر لا يرى والشمس بعد لم تغب لكون المعتمد في ذلك على التجربة كما قلنا ولا فرق في ذلك قبل الزوال ولا بعده، وإنما المعتبر في ذلك مغيب الشمس أول مغيبها.. انتهى.

(1) من أشهر كتب الحنابلة، لمؤلفه منصور بن يونس البهوتي

ص: 771

رفع النزاع الواقع في اختلاف المطالع

إن مطالع الهلال متفقة ومتقاربة في البلدان العربية وسائر البلدان الذي يسكنها المسلمون، وذلك بمقتضى المشاهدة والتجربة وتناقل الأخبار من بين سائر الأقطار.

وما ذكره الفقهاء من اختلاف المطالع فيما بين الشام والحجاز وفيما بين مصر والعراق، فيترجح بأن هذا التحديد جرى منهم على حسب الاجتهاد، يؤجرون عليه ولا يلزم التقيد به لكونه جرى منهم بدون تجربة ولا مشاهدة، فظنوا وقوع التفاوت في المطالع بين هذه البلدان فقالوا بموجبه على سبيل الفرض والتقدير لصعوبة المواصلات في زمنهم وتعذر الاتصالات من بعضهم مع بعض.

أما في هذا الزمان، فإنه بمقتضى اختراع الآلات الناقلة للذوات والمقربة للأصوات، فقد صارت الدنيا كلها بأسرها كمدينة واحدة وكأن عواصمها بعدها غرف متجاورة يتخاطبون فيما بينهم شفهيا من بعيد كتخاطبهم من قريب، ويسأل بعضهم بعضا عن الهلال وقت طلوعه فيخبره بما يوافق في بلده فعلموا بذلك عدم التفاوت في المطالع بين سائر البلدان العربية، لكونها من الأمور الحسية التى تدرك بالمشاهدة والتجربة، فضعف القول باختلاف المطالع في هذا بعد وقوفهم على عدم صحته.

يحققه أن بعض الأقطار المتباعدة، مثل: بلدان سلطنة عمان وفارس وباكستان والهند، بما فيه من المسلمين أنهم إنما رأوا هلال شوال من هذه السنة ليلة الأحد وصار عيدهم بالأحد، وعندنا لم يره الناس رؤية صحيحة ثابتة إلا ليلة الأحد ليلة رآه أهل الهند وباكستان، ولا عبرة بما قيل من رؤيته قبلها بناء على الأوامر الصادرة عليهم بالفطر، فإننا إنما نتكلم على الرؤية الثابتة المعترف بصحتها وإن رؤيتنا لهلال شوال توافق رؤية فارس والهند وباكستان على حد سواء، غير أنه قد يختلج في نفوس بعض الناس شيء من الشك في ذلك، حينما يرى ويسمع أن الشمس تغرب في بعض البلدان في الوقت الذي تغرب فيه في البلدان الأخرى، كما أنها تغرب في الشام والعراق قبل غروبها في الحجاز، وتغرب في باكستان والهند قبل غروبها في نجد والحجاز بعدد ساعات فيظنون أن اختلافها في مشارقها ومغاربها انه مما يتغير به مطلع الهلال تبعا لها، وهذه هي الشبهة التي جعلت الفقهاء المتقدمين يقولون باختلاف المطالع وفات عليهم بأن الله سبحانه خلق القمر ميقاتا لجميع الناس عربهم عجمهم في صومهم وحجهم، فهو آية من آيات الله في استهلاله وإبداره واستسراره، ومسخر من الله لمصالح عباده، فهو يساير الشمس حسبما يراه الناظرون والا فإن فلكه غير فلكها.

ص: 772

وعند اقتراب انقضاء الشهر، فإنه يقرب منها كالملازم لها أحيانا، يطلع صباحا من جهة الشرق قبلها فيغيب قبلها فلا يراه احد في أي بلد وأحيانا ينحسر عنها ويتخلف عنها، فتطلع قبله وتغيب قبله، فمتى بعد عن شعاعها على قدر ما يتمكن من رؤيته الناظرون فإنهم حينئذ يرونه في كل بلد، كما أنه لا يتغير طلوعه في حال قصر الليل ولا طوله، لأن الله سبحانه نصب الهلال ميقاتا لجميع الناس وما كان كذلك فإنه لن يختلف بحال ولا يتغير في محل دون محل، وهذا معني قول النبي صلى الله عليه وسلم:((صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون)) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

وعن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس)) . رواه الترمذي.

والخطاب في هذا لجماعة الناس، فليس منشأ الخلاف بين الناس من مطلع الهلال، وإنما يعود إلى التثبت في الرؤية وعدمها لوقوع الاختلاف من الرائي لا المرئي، فإن الرؤية تختلف باختلاف صفاء الجو وكدره وقوة النظر وضعفه، والاستعداد لمراقبته وقت التحري له من جهة مطلعه وعدم الاستعداد لذلك، ثم التثبت لصحة الرؤية وعدم التثبت فيها، وبهذه الأسباب تختلف الأحوال في المحلات في الحكم برؤية الهلال، وهذا الاختلاف يقع من قديم الزمان بين البلدان المتجاورة كما يقع بين البلدان المتباعدة، وسببه معقول كما ذكرنا.

ص: 773

ثم أن القول باختلاف المطالع من لوازمه أن شهر رمضان الذي افترض الله على عباده صيامه بكماله انه ينتقل من بلد إلى بلد فيكون أول رمضان في إحدى الأقطار بالجمعة وفي القطر الثاني بالسبت وفي القطر الآخر بالأحد، وهذا لا يكون أبدا حتى ولو قدر وقوعه فعلا بناء على التثبت في الرؤية وعدم التثبت فيها ووقع الغيم في جهة والصحو في الجهة الأخرى، وغير ذلك من الأعذار المقتضية لاختلاف الناس في الدخول في الصيام والخروج منه، لكن الأمر الصحيح أن رمضان الذي افترض الله صومه على عباده هو معلوم العدد والحد تارة تسعا وعشرين وتارة ثلاثين ومعلومة حدوده في دخوله وخروجه، لا ينتقل أبدا، أما كون الناس يختلفون في التثبت في رؤيته وعدم التثبت، فإن هذا امر واقع ولا يغير شيئا من صفاته التى رتبها الله عليه في قوله:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} .

فكما أنه لا يتغير من بلد إلى بلد في حالة مطلعه واستهلاله، فكذلك لا يتغير في كل قطر عن حالة إبداره فكل الدنيا تتفق على حالة الإبدار التي يعرفون بها هيجان البحر واضطرابه وانتفاخه في سائر الأقطار وذلك يوم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وقد زعموا أن هذا الاضطراب وهيجان البحر أنه من تأثره بالقمر، والله أعلم، ومما يؤكد هذا، أن الصحابة – رضي الله عنهم – لما اتسعت فتوحهم الإسلامية وامتد سلطانهم على الأقطار الأجنبية، وكانوا هم الملوك والأمراء في مشارق الأرض ومغاربها وفي ممالك كسرى وقيصر وغيرها، فكانوا يتراسلون ويتساءلون عما يلزم من الأحكام وأمور الصيام وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يأمر أمراءه وعماله بأن يلقوه بموسم الحج بمكة كل عام فيسأل كل واحد منهم عن ولاية عمله وشئون بلده.

ص: 774

ومع هذا كله، فلم يثبت عنهم ولا عن احد منهم الخوض في اختلاف مطالع الهلال، إذ لو كان له أصل لأكثروا فيه الكلام وبينوا للناس ما يترتب عليه من أحكام الصيام، كما أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضوعه حديث واحد لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف، غير أن الفقهاء أخذوا القول به من مفهوم حديث ابن عباس مع كريب، لما قدم عليه من الشام وقال له: متى رأيتم الهلال؟ قال: رأيناه يوم الجمعة، قال: أنت رأيته؟ قال: نعم، رأيته وصام أمير المؤمنين وصام الناس معه، فقال ابن عباس: أما نحن فلم نر الهلال إلا ليلة السبت ونصوم حتى نراه أو نكمل عدة رمضان ثلاثين يوما فقال كريب: (ألا نكتفي برؤية أمير المؤمنين، فقال: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه يشير إلى حديث ((صوموا لرؤية وأفطروا لرؤيته)) وحديث: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين)) ، وهذا الرأى وهذا العمل وقع من ابن عباس – رضي الله عنه – موقع الاجتهاد وهو عين الصواب، يريد أن لا يخرج من الصوم إلا بيقين الفطر من الرؤية أو إكمال العدة، ولم يقل ابن عباس في حديثه مع كريب، بأن مطلع الهلال بالشام غير مطلعه بالحجاز، وإنما أخذوه على حسب الظن منهم فيه، فقالوا بموجبه، ثم أخذ بعضهم ينقل عن بعض القول به حتى اشتهر وانتشر ولعل ابن عباس لم يكن هذا مراده، وإنما أراد الأخذ بالحزم وأن يفطر على يقين من الرؤية أو إكمال العدة.

ومن المعلوم أن الفقهاء قد نصوا على انه لو رأى أحد هلال شوال بطريق اليقين فردت شهادته أو لم يشهد بذلك، وقد صام الناس من أجل أنهم لم يروا الهلال، فإنه يجب عليه أن يصوم مع الناس ولا يفطر في الراجح من الأقوال، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وفاقا للحنابلة، بل قد نصوا أيضا على أنهم لو صاموا رمضان بشهادة واحد ثلاثين يوما فلم يروا الهلال، فإنه يجب بأن لا يفطروا حتى يروه حتى ولو صاموا إحدى وثلاثين يوما. ذكره في الإقناع ومختصر المقنع وغيرهما، وهذا القول ينطبق على فعل ابن عباس – رضي الله عنه.

ثم أن الكثيرين من شراح حديث ابن عباس مع كريب، قالوا: إنما رد ابن عباس شهادة كريب ولم يعمل بها، من أجل انه شاهد واحد والمفروض شاهدان، استحياطا لحفاظ هذه الفريضة، إذ ما كل ما يقال إنه رؤى في بلد كذا أن يكون صحيحا ثابتا ولا كون الرائي عدلا صادقا اللهم إلا أن يقال بثبوت وقوع التفاوت في المطالع بطريق اليقين بين الأقطار الأجنبية الواسعة والأقاليم الشاسعة، وأن مطلع الهلال فيها غير مطلعة في الجزيرة العربية وما جاورها، فعند ثباته يتعلق حكم كل قطر وكل إقليم برؤيته بنفسه والله أعلم.

ص: 775

اجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عام

إن كل اجتماع يعقده الزعماء والرؤساء وسائر المنتدبين لعلاج الأوضاع وإصلاح الأحوال والأعمال، فإن مبدأ حديثهم يتناول البحث عن اختلاف المسلمين في الأعياد، حيث يكون عيد بعضهم اليوم وبعضهم بعد يومين، والكل مسلمون على دين واحد، فهم يرون أن في هذا الاختلاف نوع مغمز لأعداء الإسلام، حيث يظنون أن المسلمين متفرقين في أصل الدين والعقيدة، وأنهم لن يتفقوا أبدا، فالزعماء أعطوا هذا البحث نوعا من الاهتمام يحبون اجتماع المسلمين على عيد واحد في يوم واحد، كما أنهم على دين واحد يأمر بالاجتماع والاتفاق وينهى عن الاختلاف والافتراق {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال:((استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) .

وأن هذه البغية المنشودة والرغبة المطلوبة لمن العمل السهل الميسر متى أخذوا بعزائم أسبابها ودخلوا عليها من بابها، كيف وقد نصب الله لها صوى ومنارا يعرفهم طريقها ويسلك بهم سبيل تحقيقها.

ونحن نعيش في ضمن دولة إسلامية دينية، هدفها الحق والسير برعاياها على سبيل العدل، فهي تحيل النظر في أحكام الأهلة إلى المحاكم الشرعية، لتصحيح الشهادة وتمحيص العدالة، ثم إبلاغ الناس بما يلزم من ذلك.

وأن الرأى السديد والأمر المفيد لجمع الناس على الصيام والعيد القريب منهم والبعيد، هو في امتثال المأمور واتباع المأثور الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) .

ص: 776

وفي قوله: ((إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا، تارة تسعا وعشرين وتارة ثلاثين، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)) متفق عليه، ولمسلم: فاقدروا له ثلاثين.

فالخطاب في هذا كله لعامة المسلمين الذين خلق الله لهم الأهلة ليهتدوا بها لميقات صومهم وحجهم، لأن من مقاصد الشارع اتفاق الأمة في عباداتها وأعيادها ما أمكن الاتفاق.

وغرض الشارع الحكيم من هذا كله هو شهرة العلم بهذه الأوقات لقصد التعبد فيها بوظائفها المفروضة على الناس.

وأن الأحكام المتعلقة بالصيام وعيد الإسلام منوطة برؤية الهلال رؤية صحيحة ثابتة، بحيث يراه عدد من العدول المعروفين بالثقة والعدالة، إذ الهلال امر مشهور مشهود به مرئي بالأبصار ومن أصح المعلومات ما شوهد بالعيان، إذ ليس الخبر كالعيان.

والحكمة في ذلك جعل العبادة في ابتدائها وانتهائها مما يتيسر العلم بوقته لكل احد من بادية وحاضرة، وعالم وجاهل وكاتب وأمي ورجل وامرأة، فلم يجعل عبادة أحد متعلقة بإرادة الآخر، لأن الله سبحانه العظيم شأنه، علم ما كان يتلاعب به علماء الأديان ورؤساء الأمم السابقة، من تصرفهم في العبادات الشرعية، حيث أسقطوا عن أممهم فرض الصيام الواجب عليهم تدريجيا، وكانوا يحلون لهم ويحرمون بدون إذن من الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فجعل عبادة هذه الأمة متعلقة بالمشاهدة والظهور والأمر الجلي، سواء في ذلك فرائض الصلوات والصيام والحج، يقول الله:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} .

فمعرفة وقت الصيام في دخوله وخروجه، يعرف برؤية الهلال جليا واضحا، بحيث يستوى في العلم به والتكليف بواجبه جميع الناس أو بإكمال العدة عند حصول ما يمنع الرؤية ومتى رؤى ابتداء فإنه يحكم لأول ليلة، سواء كان صغيرا أو كبيرا وسواء كانت منزلته عالية أو منخفضة، فلو جرى المسلمون على عملية التوثق واليقين في دخوله وخروجه، بحيث لا يصومون ولا يفطرون حتى يراه عدد من العدول الثقات لسلموا من هذه التشكيكات والاختلافات في الصوم والعيد الناشئة عن الشهادات غير الثابتة في الرؤية والتساهل في الحكم بصحتها والعمل بها. والله أعلم.

ص: 777

ترائي الهلال مستحب

إنه يستحب الترائي للهلال وقت التحرى لطلوعه للتحفظ على الوظائف المفترضة فيه حتى لا يزاد فيها ولا ينقص منها.

لقد قلنا سابقا ولاحقا: أن منشأ الاختلاف بين المسلمين في الصوم وفي العيد يعود إلى أمر واحد، وهو التثبت في دعوى الرؤية وعدم التثبت فيها، لأنه متى كان بعض المسلمين يبنون أمرهم في صومهم وفطرهم على الرؤية المحققة المستفيضة الثابتة بشهادة عدد من العدول الثقات على صحتها فيصومون برؤيتهم ويفطرون برؤيتهم على يقين من أمرهم وحزم في أمر دينهم، كما عليه العمل في سائر البلدان التي ينتحل أهلها العمل بمذهب الأحناف وهم أسعد بالصواب في هذه القضية، سيما عند فساد الناس في هذا الزمان وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حيث يقول: إنما سمى الهلال هلالا لارتفاع الأصوات برؤيته وكما سمي شهرا لشهرته فلا يكفي عنده ولا عند الأحناف شهادة الواحد والاثنين على رؤيته في حالة الصحو من بين مجموع سائر الناس، لكون الرؤية الصحيحة الثابتة حسية تدرك بالأبصار ويشترك في العلم بها غالب أهل الأمصار، إذا لم يكن ثم ما يمنع الرؤية من غيم وغيره، لانها متى كانت الابصار متساوية والموانع منتفية، فإنه حينئذ يمتنع اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية دون سائر الناس، فلا بد أن تنتشر وتشتهر الرؤية الصحيحة، بحيث يراه من كل بلد واحد أو اثنان.

وهذا القول بما أن له قوة في النظر، فإن له حظا كبيرا من الأثر، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) ، وقال:((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)) ، وكلها أحاديث صحيحة ثابتة،

فمتى لم يره المسلمون وإنما أخبرهم به مخبر عن طريق الإذاعة برؤية فرد معلوم أو مجهول في بلد كذا ولم يثبت لدى احد من القضاة الشرعيين عدالة هذا الشاهد ولا ثقته، وهل هو شاهد واحد أو اثنان، فإنه حينئذ لا يقال: أن المسلمين قد رأوه وهم لم يروه، وإنما أخبروا به وليس الخبر كاليقين.

فمتى كان الأمر بهذه الصفة، فإن الاختلاف بين المسلمين في الصوم وفي العيد لا يزال واقعا ومستمرا دائما لاختلاف الأفهام في تطبيق النظام على العمل بصحيح الأحكام.

ص: 778

عملية التمهيد لجمع الناس على الصيام والعيد

إنه ينبغي لنا أن نعمل فيما يعود بالصلاح على أمتنا وأهل ملتنا، من كل ما يقضي بتخفيف هذا الاختلاف والافتراق، ويستدعي الاجتماع والاتفاق بأمر يقتضيه الحزم وفعل أولي العزم ولا ينافيه الشرع، وإن الرأي السديد والأمر المفيد لجمع الناس على الصيام والعيد القريب منهم والبعيد، هو في اتباع المأمور الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) ، وفي قوله:((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين)) ، وكلها أحاديث صحيحة، وبما أن أهل المدن والعواصم لا يحتفلون برؤية الهلال غالبا ولا يتفرغون للترائي ويمنعهم عدم صفاء الجو من كثرة الغبار والدخان وارتفاع البنيان، فهم يتكلون على غيرهم في استهلال الشهر وقت التحري لطلوعه، فمتى كان الأمر بهذه الصفة وأن الغفلة تغلب على اكثر الناس وإنما يراقبون خبره عن طريق الإذاعة فقط لا عن طريق الرؤية، لهذا فإن من الحزم وفعل أولي العزم تعيين "لجنة استهلالية" تشتهر بهذا الاسم أو باسم "لجنة مراصد الأهلة" أو غير ذلك من الأسماء اللائقة بعملها وتكون هذه اللجنة من العدول الثقات المعروفين بالدين والعقل وقوة النظر ولا يقلون عن عشرين شخصا، يتفرقون في الجهات كل فرقة منهم قدر خمسة أشخاص ليقوي بعضهم بعضا بالنظر، وإنما قلنا بتفريقهم في الجهات خشية أن يخيم الغيم على جهة فيتحصلون على الصحو في الجهة الأخرى فيتم المقصود بذلك، فهؤلاء يرصدون الهلال وقت التحري لطلوعه.

ص: 779

ويكون مقرهم بمكة المكرمة مكان خيرة الله لبيته الذي جعله مثابة للناس وأمنا والذي هو أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله عز وجل – فهذا هو مقرهم، وأما تنظيم أمرهم وإصدار القارارات الصادرة منهم في إبلاغ إثبات الأهلة وغيرها فيكون عند "الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي" بمكة المكرمة فهي التي تتولى تنظيم أمرهم، فهذه اللجنة الاستهلالية يصرفون جهدهم في مراصدة الهلال وقت التحري لطلوعه، فإذا رأوه حكم بصحة رؤيتهم وصام الناس وأفطروا على يقين من أمرهم وحزم في أمر دينهم.

ويمكن للأئمة المسلمين وقضاتهم بأن يصدروا حكما للعمل برؤيتههم فيصير حجة على الجمهور من سائر الأقطار الإسلامية التي تتفق مطالعها وإن لم يروه ترجح عدم استهلاله فلا يتلفتوا إلى أي خبر يأتيهم من أي بلد لرجحان عدم ثباته اللهم إلا أن يثبت ثبوتا شرعيا قطعيا بشهادة عدد من العدول الذي لا يمكن اتفاقهم على الكذب، كما روى أهل المدينة عن مالك أن الرؤية لا تلزم بالخبر عند غير أهل البلد الذي وقعت فيهم الرؤية إلا أن يكون الإمام يحمل الناس على ذلك ذكره في بداية المجتهد.

وهذا العمل بهذه الصفة هو مما يزيد المسلمين ثقة ويقينا واطمئنانا ولو عمل المسلمون عملهم في التوثق واليقين في دخول الشهر وخروجه بصفة ما ذكرنا لنجحوا في مهمة الاتفاق من جميع الآفاق.

ص: 780

وأما إذا خيم الغيم على هلال شعبان وأشكل الأمر على الناس فظاهر مذهب الحنابلة في ذلك معروف، وهو أنهم يحسبون تسعا وعشرين من شعبان ثم يصومون اليوم الثلاثين، حكما ظنيا احتياطا انه من رمضان، ويستدلون على ذلك بحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له)) وفسر ابن عمر فاقدروا له بالتضييق عليه، أي جعله تسعة وعشرين يوما، وقد خالف في ذلك من خالف من علماء الحنابلة، إذ ليس القول بهذا، متفق عليه عندهم.

أما الجمهور، فإنه عند الغيم يكملون عدة ثلاثين يوما، سواء كان الغيم في هلال شعبان أو في هلال رمضان، وكذا لو غم الذي قبله فإنهم يعملون بإكمال العدة ثلاثين من كل شهر وهذا هو الظاهر من مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة)) لمسلم ((

فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما)) .

وكان السبب اختلافهم هو الإجمال في قوله: "فاقدروا له"، حيث فسره من فسره بالتضييق عليه، أي جعله تسعة وعشرين، كما هو رأى ابن عمر – رضى الله عنه – وذهب الجمهور إلى أن معناه إكمال العدة ثلاثين، واستدلوا له بالأحاديث المفسرة له بإكمال العدة ثلاثين.

ص: 781

أما تفسيره بالتضيق عليه، فإن فيه بعدا في اللفظ والمعنى ولم يثبت رفعه إلى الرسول بهذا اللفظ، ويكفى في رده الروايات المصرحة بإكمال العدة ثلاثين فقد ثبت رفعها وهي مفسرة لقوله:"فاقدروا له"، فوجب أن يحمل المجمل على المفسر وهي طريقة معروفة عند الأصوليين لا خلاف في جواز استعمالها، إذ ليس عندهم بين المجمل والمفسر تعارض أصلا، والمفسر مقدم على المجمل.

وعن الإمام احمد رواية أخرى أن الناس في هذه القضية تبع للإمام أن صام صاموا وإن أفطر أفطروا، لحديث ((الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون)) رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وقال حسن غريب، لكون القضية، موضع اجتهاد وللإمام مجال في الاجتهاد فيها.

أما المسلمون المقيمون أو الساكنون في لندن وأمريكا وفرنسا والروس وسائر بلدان أوروبا التي تغمرها الغيوم المتواصلة دائما، بحيث لا يرون فيها الشمس إلا نادرا، فضلا عن الهلال فإن هؤلاء يكونون تبعا للجنة الاستهلالية وللبلدان العربية في الصوم والفطر كسائر جماعة المسلمين، إذ هذا هو غاية جهدهم في معرفة وقت صومهم وفطرهم لحديث:((الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحى الناس)) والناس هم جماعة المسلمين.

وفي الختام، فإن هذا هو نهاية ما حضرني من الكلام في إيراد النصوص والأحكام المتعلقة بشأن الهلال وشهر الصيام وعيد الإسلام، وهو جواب عن رسالة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي – عليهم السلام – كما أنها هدية دينية للخاص والعام، وأني أرجو أن تقع بموقع القبول والرضى من علماء المسلمين الذين لهم لسان صدق في العالمين، وقدم راسخ في الفقه في الدين وقلم خالص في النصح لله وعباده المؤمنين، ولاأقول ببرائتي فيها من الخطأ والتقصير،غير أنني لدى الحق أسير، إذ ليس كل قائل خبير، ولا كل ناقد بصير، سوى الله الذي لا معقب لحكمه، نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على محمد البشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

جرى تحريره في اليوم الثامن والعشرين من شهر ذى القعدة، عام ثلاث وتسعين بعد الثلاثمائة وألف.

ص: 782

قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة

القرار الأول

بشأن العمل بالرؤية في إثبات الأهلة لا بالحساب الفلكي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع في دورته الرابعة المنعقدة بمقر الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة ما بين السابع والسابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة 1401 هـ على صورة خطاب الدعوة الإسلامية في سنغافورة المؤرخ في 16 شوال 1399هـ. الموافق 8 أغسطس 1979م الموجه لسعادة القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية هناك والذي يتضمن انه حصل خلاف بين هذه الجمعية وبين المجلس الإسلامي في سنغافورة في بداية شهر رمضان ونهايته سنة 1399هـ الموافق 1979م حيث رأت الجمعية ابتداء شهر رمضان وانتهاءه على أساس الرؤية الشرعية وفقا لعموم الأدلة الشرعية بينما رأى المجلس الإسلامي في سنغافورة ابتداء ونهاية رمضان المذكور بالحساب الفلكي معللا ذلك بقوله (بالنسبة لدول منطقة آسيا حيث كانت سماؤها محجبة بالغمام وعلى وجه الخصوص سنغافورة فالأماكن لرؤية الهلال أكثرها محجوبة عن الرؤية وهذا يعتبر من المعذورات التي لا بد منها لذا يجب التقدير عن طريق الحساب) .

وبعد أن قام أعضاء مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بدراسة وافية لهذا الموضوع على ضوء النصوص الشرعية قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تأييده لجمعية الدعوة الإسلامية فيما ذهبت إليه لوضوح الأدلة الشرعية في ذلك.

ص: 783

كما قرر أنه بالنسبة لهذا الوضع الذي يوجد في أماكن مثل سنغافورة وبعض مناطق آسيا وغيرها، حيث تكون سماؤها محجوبة بما يمنع الرؤية فإن للمسلمين في تلك المناطق وما شابهها أن يأخذوا بمن يثقون به من البلاد الإسلامية التي تعتمد على الرؤية البصرية للهلال دون الحساب بأي شكل من الأشكال عملا بقوله صلى الله عليه وسلم ((صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة)) وما جاء في معناها من الأحاديث.

[توقيع][توقيع][توقيع]

نائب الرئيس رئيس مجلس المجمع الفقهي صالح بن عثيمين

محمد علي الحركان عبد الله بن حميد

[توقيع][توقيع][توقيع]

عبد العزيز بن عبد الله بن باز محمد محمود الصواف محمد بن عبد الله بن السبيل

[توقيع][توقيع]

مبروك العوادى محمد الشاذلى النيفر [توقيع]

عبد القدوس الهاشمى

[توقيع][غائب عن التوقيع][توقيع]

محمد رشيد أبو الحسن علي الحسني الندوى أبو بكر محمود جومى

[توقيع][توقيع][توقيع]

حسنين محمد مخلوف محمد رشيد قباني محمود شيت خطاب

[توقيع][توقيع]

مصطفى الزرقاء محمد سالم عدود

ص: 784

القرار السادس

حول رسالة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

الموجهة إلى العلماء والحكام والقضاة في شأن رؤية الهلال

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد:

فقد اطلع مجلس المجمع الفقهي الإسلامي على الرسالة الموجهة إلى العلماء والحكام والقضاة في شأن رؤية الهلال والتي كتبها رئيس المحاكم بدولة قطر الشيخ عبد الله بن زيد ابن محمود، وبعد الاطلاع عليها تبين أنها قد اشتملت على أغلاط عظيمة وأخطاء واضحة:

أولا: قوله أن عيد الفطر من هذه السنة – يعني سنة 1400 هـ - قد وقع في غير موقعه الصحيح بناء على الشهادة الكاذبة برؤية الهلال ليلة الاثنين حيث لم يره احد من الناس الرؤية الصحيحة لا في ليلة الاثنين ولا في ليلة الثلاثاء

الخ.

فهذا الكلام الذي قاله مؤلف الرسالة تخرصا منه جانب فيه الصواب وخالف فيه الحق وكيف يحكم على جميع الناس أنهم لم يروه وهو لو يحط علما بذلك والقاعدة الشرعية أن من علم حجة على من لم يعلم ومن أثبت شيئا حجة على من نفاه، وكيف وقد ثبتت رؤيته ليلة الاثنين بشهادة الثقات المعدلين والمثبتة شهاداتهم لدى القضاة المعتمدين في بلدان مختلفة في المملكة وغيرها وبذلك يعلم أن دخول شوال عام 1400 هـ. ثبت ثبوتا شرعيا ليلة الاثنين مبنيا على أساس تعاليم الشرع المطهر المبلغ عن سيد البشر، فقد روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام، قال الحافظ في التلخيص وأخرجه الدارمي والدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه ابن حزم وروى أهل السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اعرابيا قال يا رسول الله إني رأيت الهلال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم. قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا)) ، وأخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي وروى الإمام احمد والنسائي عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم وأنهم حدثوني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا)) .

ص: 785

وعن الحارث بن حاطب الحججي أمير مكة قال: "عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نر وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهاداتهما" رواه أبو داود والدارقطني وقال إسناده متصل صحيح، وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال:"غم علينا هلال شوال فاصبحنا صياما فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوه بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد" رواه الإمام احمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة، قال الحافظ في التلخيص صححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم، وعن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:((اختلف الناس في آخر يوم من شهر رمضان فقدم إعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله أنهما أهلا الهلال أمس عشية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا)) . رواه احمد وأبو داود وزاد أبو داود في رواية وأن يفدوا إلى مصلاهم، وهذه الأحاديث تدل على وجوب الأخذ بشهادة الشهود الثقات والاعتماد عليها وأنه يكفى الشاهدان العدلان في الصوم والافطار ويكفى العدل الواحد في إثبات دخول شهر رمضان كما دل على ذلك حديث ابن عمرو وحديث ابن عباس رضي الله عنهما كما تدل على انه لا يلزم من ذلك أن يراه الناس كلهم أو يراه الجم منهم كما تدل أيضا على انه ليس من شرط صحة شهادة الشاهدين العدلين أو شهادة العدل الواحد في الدخول أن يراه الناس في الليلة الثانية لأن منازله تختلف وهكذا أبصار الناس ليست على حد سواء ولأنه قد يوجد في الأفق ما يمنع الرؤية في الليلة الثانية ولو كانت رؤيته في الليلة الثانية شرطا في صحة الشهادة لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المبلغ عن الله والموضح لأحكامه عليه الصلاة والسلام.

ص: 786

وحكى الترمذي اجماع العلماء على قبول شهادة العدلين في إثبات الرؤية وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ج 25 ص 186 بعد ما ذكر اختلاف أبصار الناس في الرؤية وأسباب ذلك ما نصه: لأنه لو رآه اثنان علق الشارع الحكم بهما بالاجماع وإن كان الجمهور لم يروه. اهـ. ولعل مراده بحكاية الاجماع وقت الغيم لأن خلاف أبي حنيفة رحمه الله في عدم إثبات دخول الشهر في وقت الصحو بأقل من الاستفاضة أمر معلوم لا يخفى على مثله رحمه الله وهذا كله إذا لم يحكم بذلك فإنه يرتفع الخلاف ويلزم العمل بالشهادة المذكورة اجماعا كما ذكر في ذلك العلامة أبو زكريا يحيى النووي في شرح المهذب ج/6 ص313 بعدما ذكر أسباب اختلاف ابصار الناس في الرؤية وهذا نص كلامه: ولهذا لو شهد برؤيته اثنان أو واحد وحكم به حاكم لم ينقض بالإجماع ووجب الصوم بالإجماع ولو كان مستحيلا لم ينفذ حكمه ووجب نقضه، ثم قال ابن محمود بعد كلام سبق ما نصه يا معشر العلماء الكرام ويا معشر قضاة شرع الإسلام لقد وقعنا في صومنا وفطرنا في الخطأ المنكر كل عام. اهـ.

ولا يخفى ما في هذا الكلام من الخطأ العظيم والجرأة على القول بخلاف الحق فأين له تكرر الخطأ في كل عام في الصوم والإفطار والقضاة يحكمون في ذلك بما دلت عليه الأحاديث الصحيحة واجمع عيه أهل العلم كما سبق بيانه. ثم قال ابن محمود بعد كلام سبق فمتي طلع يعني الهلال قبل طلوع الشمس من جهة المشرق فإنه يغيب قبلها فلا يراه احد أو طلع مع الشمس فإنه يغيب معها ولا يراه احد لشدة ضوء الشمس، اهـ.

وهذا خطأ بين فقد ثبت بشهادة العدول انه قد يرى قبل الشمس في صبيحة يوم التاسع والعشرين من المشرق ثم يرى بعد غروبهما من المغرب ذلك اليوم لأن سير القمر غير سير الشمس فكل واحد يسبح في فلكه الخاص به كما يشاء الله عز وجل.

ص: 787

وأما الآية التي استدل بها على ما ذكره من عدم امكان رؤيته بعد الغروب إذا كان قد رؤي صباح ذلك اليوم قبل طلوع الشمس وهي قوله تعالى في سورة يس: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فلا حجة له في ذلك لأن علماء التفسير أوضحوا معنى الإدراك المذكور وأنه لا سلطان للشمس في وقت سلطان القمر ولا سلطان للقمر في وقت سلطان الشمس. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية ما نصه: قال مجاهد لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا، وإذا ذهب سلطان هذا جاء هذا إلى أن قال: وقال الثوري عن إسماعيل بن خالد عن أبي صالح لا يدرك هذا ضوء هذا ولا هذا ضوء هذا وقال عكرمة في قوله عز وجل {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} يعني أن لكل منهما سلطانا فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل. اهـ.

ثم قال ابن محمود بعد ما ذكر كلام فقاء الأحناف في اشتراط الاستفاضة في الرؤية وقت الصحو وأنه لا يكتفى في رؤيته بشخص أو شخصين دون بقية الناس لاحتمال التوهم منهما إلى أن قال: وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسائله المتعلقة بالهلال فقال: إنه يعتد برؤية الواحد والاثنين للهلال والناس لم يروه لاحتمال التوهم منهما في الرؤية ولو كانت الرؤية صحيحة لرآه اكثر الناس. اهـ. وهذا الكلام الذي نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن عدم الاكتفاء بشهادة الواحد والاثنين بالهلال إذا لم يره غيرهم لا أساس له من الصحة وقد سبق كلامه رحمه الله الذي نقله عنه العارفون بكلامه وهو الموجود في الفتاوى ج25 ص186 ونقل الأجماع عن تعلق حكم الشرع بشهادة الاثنين وفيه نقل الاجماع على تعلق حكم الشرع بشهادة الاثنين.

ص: 788

ثم قال: (تراءى الناس هلال رمضان فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه) رواه أبو داود وصححه الحاكم وابن حبان، ومثله حديث ابن عباس:((أن اعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال قال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا)) . رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان وصحح النسائي ارساله فالجواب انه ليس في الحديثين ما يدل على حصر الرؤية على هذين الشخصين إذ من المحتمل أن يكونا أول من رأيا الهلال ثم رآه غيرهما، اهـ. المقصود.

ولا يخفى بطلان هذا الجواب وتعسفه لعدم الدليل عليه والأصل عدم وجود غيرهما إذ لو شهد غيرهما لنقل فلما لم ينقل ذلك علم عدم وقوعه لهذا احتج العلماء بهذين الحديثين على قبول شهادة الواحد في دخول شهر رمضان ووجوب العمل بها وهو اصح قولي العلماء كما تقدم بيان ذلك وقد تقدم أيضا انه متى حكم بها حاكم شرعي وجب العمل بها اجماعا كما سبق نقل ذلك عن النووي رحمه الله في شرح المهذب فنعوذ بالله من القول عليهم بغير علم.

ثم قال ابن محمود في ختام رسالته ما نصه: ولقد تقدم منى القول برسالتي لاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عام فدعوت فيها الحكومة حرسها الله إلى تعيين لجنة عدلية استهلالية من العدول الذين لهم حظ من قوة البصر فيراقبون الهلال وقت التحرى بطلوعه لخاصة شعبان وحتى إذا حصل غيم أو قتر حسبوا له ثلاثين ثم صاموا رمضان ثم يراقبون عند مستهل ذى الحجة لمعرفة ميقات الحج وهذه اللجنة لا ينبغي أن تقل عن عشرة أشخاص من العدول الثقات ولهم رئيس يرجعون إليه في لم شملهم اهـ. المقصود.

ص: 789

ولا يخفى ما في هذا الكلام من التكلف والتشريع الجديد الذي لم ينزل الله به من سلطان بل هو اقتراح في غاية الفساد لا يجوز التعويل عليه والالتفات إليه لأن الله سبحانه قد يسر وسهل وأجاز الحكم بشهادة عدلين اثنين في جميع الشهور وعدل واحد في شهر رمضان فلا يجوز لأحد أن يحدث في شرع الله ما لم يأذن به سبحانه هو ولم تأت به سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله عز وجل {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} الآية من سورة الشورى. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) . وهذا ما أردنا التنبيه عليه من الأخطاء الكثيرة التي وقعت في رسالة الشيخ عبد لله بن محمود ونسأل الله أن يهدينا وإياه سواء السبيل وأن يعيذنا وإياه وسائر المسلمين من القول على الله وعلى رسوله بغير علم ومن الإحداث في دين الله ما لم يأذن به الله.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلي يوم الدين.

[توقيع][توقيع]

محمد علي الحركان عبد الله بن حميد

[توقيع][توقيع][توقيع]

عبد العزيز بن باز مصطفى الزرقاء محمد محمود الصواف

[توقيع][توقيع][توقيع]

صالح بن عثيمين محمد بن عبد الله بن السبيل مبروك العوادي

[توقيع][توقيع][توقيع]

محمد الشاذلي النيفر عبد القدوس الهاشمي محمد رشيدي

[غائب عن التوقيع][توقيع][توقيع]

أبو الحسن علي الحسني الندوي أبو بكر محمود جومي حسنين محمد مخلوف

[توقيع][توقيع][غائب]

محمد رشيد قباني محمود شيت خطاب محمد سالم عدود

ص: 790

القرار السابع

بيان توحيد الأهلة من عدمه

الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:

لقد درس المجمع الفقهي الإسلامي مسألة اختلاف المطالع في بناء الرؤية عليها فرأى أن الإسلام بني على انه دين يسر وسماحة تقبله الفطرة السليمة والعقول المستقيمة لموافقته للمصالح، ففي مسألة الأهلة ذهب إلي إثباتها بالرؤية البصرية لا على اعتمادها على الحساب كما تشهد به الأدلة الشرعية القاطعة كما ذهب إلي اعتبار اختلاف المطالع لما في ذلك من التخفيف على المكلفين مع كونه هو الذي يقتضيه النظر الصحيح فما يدعيه القائلون من وجوب الاتحاد في يومي الصوم والإفطار مخالف لما جاء شرعا وعقلا، أما شرعا فقد أورد أئمة الحديث حديث كريب وهو:"أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلي معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل علي شهر رمضان، وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال؟ فقلت رأيناه ليلة الجمعة فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقالا: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "(رواه مسلم في صحيحه) .

وقد ترجم الإمام النووي على هذا الحديث في شرحه على مسلم بقوله (باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم ولم يخرج عن هذا المنهج من أخرج هذا الحديث من أصحاب الكتب الستة أبي داود والترمذي والنسائي في تراجمهم له.

ص: 791

وناط الإسلام الصوم والإفطار بالرؤية البصرية دون غيرها لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له)) . رواه البخاري ومسلم في صحيحهما فهذا الحديث علق الحكم بالسبب الذي هو الرؤية وقد توجد في بلد كمكة والمدينة ولا توجد في بلد آخر فقد يكون زمانها نهارا عند آخرين فكيف يؤمرون بالصيام أو الإفطار أفاده في بيان الأدلة في إثبات الأهلة، وقد قرر العلماء من كل المذاهب أن اختلاف المطالع هو المعتبر عند كثير فقد روى ابن عبد البر الإجماع على ألا تراعى الرؤية فيما تباعد من البلدان كخراسان من الأندلس أو لكل بلد حكم يخصه. وكثير من كتب أهل المذهب الاربعة طافحة بذكر اعتبار اختلاف المطالع للأدلة القائمة من الشريعة بذلك وتطالعك الكتب الفقهية بما يشفي الغليل.

وأما عقلا فاختلاف المطالع لا اختلاف لأحد من العلماء فيه لأنه من الأمور المشاهدة التي يحكم بها العقل فقد توافق المشروع والعقل على ذلك فهما متفقان على بناء كثير من الأحكام على ذلك التي منها أوقات الصلاة ومراجعة الواقع تطالعنا بأن اختلاف المطالع من الأمور الواقعية. وعلى ضوء ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي انه لا حاجة إلي الدعوة إلي توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم كما يتوهمه كثير من المقترحين لتوحيد الأهلة والأعياد، وأن تترك قضية إثبات الهلال إلي دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شئونهم، والله ولي التوفيق.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

[توقيع][توقيع]

نائب الرئيس رئيس مجلس المجمع الفقهي

محمد علي الحركان عبد الله بن حميد

ص: 792

بيان الدورة السادسة للجنة التقويم الهجري الموحد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه وبعد:

فبناء على ما قرره مؤتمر تحديد أوائل الشهور القمرية المنعقد في مدينة استنبول في 26 – 29 ذي الحجة عما 1398هـ. الموافق 27 – 30 نوفمبر 1978م وتنفيذا لقراره الخامس والسادس والسابع ولقرار مؤتمر وزراء الأوقاف والشئون الدينية المنعقد في الكويت.

وبناء على الدعوة الكريمة الموجهة من المملكة العربية السعودية باستضافتها لهذه الندوة فقد عقدت لجنة التقويم الهجري الموحد اجتماعها السادس في مكة المكرمة في 10 – 12 محرم 1406هـ الموافق 24- 26 سبتمبر 1985م برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وبحضور جميع أعضائها وهم مندوبو أندونيسيا وبنجلاديش وتركيا وتونس والجزائر والسعودية والعراق وقطر والكويت. كما حضرها مندوبون عن كل من الأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان وماليزيا كدول ملاحظة. كما حضرها مندوب عن الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب.

وقد تفضل صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة بافتتاح أعمال الدورة السادسة للجنة توحيد التقويم الهجري ورحب بالحاضرين وأشاد بالأهمية الكبرى التي يعلقها المسلمون على توحيد شهورهم وأعيادهم تحقيقا لمعنى الوحدة وأشاد بجهود المؤتمرات السابقة واعتز بأن تعقد هذه اللجنة دورتها السادسة في مكة المكرمة.

ص: 793

كما أبدى اهتمام المملكة بكل ما يدعوا إلى تضامن المسلمين وتحقيق ذلك لهم.

وتمنى للجنة التوفيق في هذا الاجتماع بأن تتمكن من تقديم تقويم شرعي فلكي يكون له أثره في توحيد كلمة المسلمين في شهورهم وأعيادهم.

ثم ألقى بعد ذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز كلمة ضافية رحب فيها بالحاضرين وحثهم على تقوى الله تعالى والعمل بما يحقق للمسلمين أسباب صلاحهم ووحدتهم والعمل فيما يقتضيه كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وأشاد بالجهود التي سبق أن بذلت من هذه اللجنة في دوراتها السابقة وتمنى لها النجاح والتوفيق في دورتها الحاضرة.

ثم ألقى فضيلة الشيخ الدكتور طيار التي قولاج مفتي الجمهورية التركية ورئيس الشؤون الدينية كلمة ضافية بالنيابة عن الوفود ورحب فيها بالحاضرين وتقديم الشكر للمملكة العربية السعودية ملكا وحكومة وشعبا على دعوتها واستضافتها لهذه الدورة وفي رحاب بيت الله الحرام مكة المكرمة مما كان له الأثر الطيب في نفوس الحاضرين واستعرض أعمال اللجنة في السنوات الماضية وتضمنت كلمته آراء وتقييمات شاملة للموضوع ومراحله المختلفة. وترى اللجنة أن تضم الكلمات الثلاث كوثائق ضمن تقرير اللجنة لما تضمنته من توجيهات في هذا الخصوص ثم اختتمت الجلسة بالاتفاق.

ص: 794

ثم بدأت اللجنة أعمالها وسماع ما لدى المشاركين من كلمات وآراء ومقترحات. حيث ألقى مندوب اندونيسيا الأستاذ مختار زركشي كلمة عن بلاده وألقى مندوب الأردن الدكتور أحمد محمد هليل كلمة الأردن وألقى مندوب البحرين الشيخ يوسف الصديقي كلمة البحرين وألقى مندوب الإمارات العربية المتحدة الأستاذ الشيخ على الهاشمي كلمة بلاده وألقى مندوب تونس الشيخ مصطفى كمال التارزي كلمة بلاده وألقى مندوب الجزائر الأستاذ على السعدي المغربي كلمة بلاده وألقى مندوب العراق الشيخ عبد القادر إبراهيم على كلمة بلاده كما ألقى مندوب بنجلاديش الأستاذ محمد عبد السبحان كلمة بلاده.

وكانت كلمات الوفود تدور حول تصور بلدانهم لأعمال هذه اللجنة وأهمية ما تنبعث عنها من قرارات وتوصيات وكيفية إبرازها إلى حيز الوجود واعتماد نتائج أعمال هذه اللجنة وشكر الحكومة السعودية على استضافتها هذه الدورة وتسهيلها مهمة عملها.

كما جرى تبادل الآراء ووجهات النظر حول ما أبدي من آراء ومقترحات تمت مناقشتها بروح تسودها الألفة والمحبة والقصد الحسن.

ثم استعرضت اللجنة الجداول والخرائط المقدمة من وفود كل من الإمارات العربية المتحدة واندونيسيا وتركيا وتونس والجزائر والمملكة العربية السعودية. وقد لاحظت اللجنة بكل ارتياح وسرور الدقة الفائقة التي تمت بها هذه الجداول وانطباقها التام مما يدل دلالة تامة على دقة الحساب ووحدة المنهج.

وبعد عرض الجداول شهرا شهرا لعامي 1407 – 1408 وخمسة الأشهر الأولى من عام 1409هـ تم الاتفاق والمصادقة عليها بالاجماع ومرفق طي هذا التقرير الجداول المصادق عليها.

ص: 795

ومن ناحية أخرى تشيد اللجنة بالقرارات الصادرة عن المؤتمرات الإسلامية السابقة لوزراء الخارجية والتي تدعوا إلى توحيد الشهور القمرية بالدول الأعضاء لمنظمة المؤتمر الإسلامي خاصة المؤتمر الرابع عشر والخامس عشر وتنوه بمتابعة الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي واهتمامها بتوحيد مواقف الدول الإسلامية بالنسبة لوضع التقويم الموحد للشهور القمرية.

وتؤكد اللجنة استعدادها على مواصلة الجهود بالتنسيق مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي وجميع الدول الأعضاء في المنظمة لتحقيق هذا الهدف.

وقد قررت اللجنة إرسال جداولها إلى كافة الجهات المختصة التي تتولى إصدار التقاويم في البلدان الإسلامية والبلدان التي فيها الأقليات إسلامية لإصدار تقاويمها وفقا لهذه الجداول تحقيقا لتوحيد التقويم الهجري والأعياد.

كما ترجو اللجنة والأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في تعميم هذه الجداول على كافة الدول الإسلامية والاقليات الإسلامية.

ونظرا إلى أن دول الإمارات العربية المتحدة والبحرين وماليزيا كانوا يتابعون حضور دورات هذه اللجنة فإن اللجنة تقرر اعتبار هذه الدول أعضاء ضمن هذه اللجنة.

وبالنسبة لتحديد مكان وزمان انعقاد الدورة السابعة للجنة فإن الاتصالات بالدول الأعضاء جارية وقد وكل أمر ذلك إلى الأمانة العامة بأنقرة.

وفي ختام هذا البيان تؤكد اللجنة شكرها وتقديرها لحكومة جلالة الملك المفدى فهد ابن عبد العزيز ممثلة في وزارة الحج والأوقاف وعلى رأسها معالي الشيخ عبد الوهاب أحمد عبد الواسع على ما لاقته من حفاوة بالغة وضيافة كريمة وإتاحة لكافة إمكانيات أسباب نجاح هذه اللجنة والله المستعان.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ص: 796

مشروع التقويم الهجري لعام 1407هـ

الشهر القمري تاريخ الاقتران ساعة الاقتران تاريخ ميدان الهلال ساعة ميلاد الهلال دخول الشهر عدد الأيام

محرم 04/09/86 11.07دق 04/09/86 55.21دق 05/09/86 30

صفر 03/10/86 56.18دق 04/10/86 42.09دق 05/10/86 29

ربيع الأول 02/11/86 03.06دق 02/11/86 27.19دق 03/11/86 30

ربيع الثاني 01/12/86 44.16دق 02/12/86 15.04دق 03/12/86 30

جمادى الأولى 31/12/86 11.03دق 31/12/86 39.13دق 01/01/87 30

جمادى الآخرة 29/01/87 46.13دق 30/01/87 23.01دق 31/01/87 29

رجب 28/02/87 52.00دق 28/02/87 45.14دق 01/03/87 30

شعبان 29/03/87 47.12دق 30/03/87 05.04دق 31/03/87 29

رمضان 28/04/87 35.01دق 28/04/87 44.16دق 29/04/87 30

شوال 27/05/87 14.15دق 28/05/87 17.05دق 29/05/87 29

ذي القعدة 26/06/87 38.05دق 26/06/87 20.19دق 27/06/87 30

ذي الحجة 25/07/87 3820 26/07/87 46.11دق 27/07/87 30

ص: 797

مشروع التقويم الهجري لعام 1408 هـ

الشهر القمري تاريخ الاقتران ساعة الاقتران تاريخ ميدان الهلال ساعة ميلاد الهلال دخول الشهر عدد الأيام

محرم 24/08/87 59.11دق 25/08/87 44.04دق 26/08/87 29

صفر 23/09/87 09.03دق 23/09/87 43.19دق 24/09/87 30

ربيع الأول 22/10/87 39.17دق 23/10/87 00.08دق 24/10/87 29

ربيع الثاني 21/11/877 34.06دق 21/11/87 34.18دق 22/12/87 30

جمادى الأولى 20/12/87 26.18دق 21/12/87 21.05دق 22/12/87 29

جمادى الآخرة 19/01/88 27.05دق 19/01/88 18.17دق 20/01/88 30

رجب 17/02/88 55.15دق 18/02/88 11.05دق 29/02/88 29

شعبان 18/03/88 04.02دق 18/03/88 46.15دق 19/03/88 30

رمضان 16/04/88 01.12دق 17/04/88 03.01دق 18/04/88 29

شوال 15/05/88 12.22دق 16/05/88 25.10دق 17/05/88 29

ذي القعدة 14/06/88 15.09دق 14/06/88 02.22دق 15/06/88 30

ذي الحجة 13/07/88 54.21دق 14/07/88 02.13دق 15/07/88 30

(*) نظراً لتأخر الوقت بأمريكا الشمالية عن بقية العالم فإن الهلال يرى بها ليلة السابع عشر.

مشروع التقويم الهجري للخمسة الأشهر الأولى من عام 1409هـ

الشهر القمري تاريخ الاقتران ساعة الاقتران تاريخ ميلاد الهلال ساعة ميلاد الهلال دخول الشهر عدد الأيام

محرم 12/08/88 12و32دق 13/08/88 05و53دق 14/08/88 29

صفر 11/09/88 04و50دق 11/09/88 22و22دق 12/09/88 30

ربيع الأول 10/10/88 21و50دق 11/10/88 13و25دق 12/10/88 30

ربيع الثاني 09/11/88 14و21دق 10/11/88 03و31دق 11/11/88 29

جمادى الأولى 09/12/88 05و37دق 09/12/88 18و00دق 10/12/88 30

ص: 798

العرض والمناقشة

يوم 14/4/1406هـ الموافق 26/12/1985م

الساعة: 9.35 – 14.30

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه.. اللهم صل عليه وعلى آله وعلى أصحابه أجمعين. وبعد،

في جدول أعمالنا لهذه الجلسة الصباحية موضوعان مهمان: أحدهما (توحيد بدايات الشهور العربية) والثاني (الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة) . في بيان الميقات المكاني. وحسب ترتيب الجدول يؤخذ (بتوحيد بدايات الشهور العربية) ونستعرض بصفته مختصرة وموجزة مع الإيضاح عن هذه البحوث التي أعدها أصحاب المشايخ

وأرجو من الشيخ تسخيري إعطاء ملخص للبحث.

الشيخ محمد على تسخيري:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد البشر محمد وآله الطاهرين وصحبه الملتزمين.

هناك بعض النقاط أستعرضها سريعا في هذا المجال.. النقطة التي أذكرها كمقدمة أن بحثنا هذا يتصل بمسألة الوحدة الإسلامية. والوحدة الإسلامية هي، من أكبر خصائص هذه الأمة، وإذا أرادت الأمة أن تعود إلى ذاتها الحقيقية عليها أن تعود إلى الوحدة الإسلامية. ولكن يجب أن يكون ذلك بالأسلوب المقبول شرعا..

ص: 799

النقطة الأخرى التي تعرف كمقدمة هي أن ما يسمى بالمحاق هي الحالة الطبيعية التي يكون فيها القمر بين الأرض والشمس ونصفه المظلم مواجها للأرض. وعندما يخرج القمر من هذه الحالة فيبدأ الحركة الاقترانية يبدو خيط قليل منه حينئذ نسميه الهلال وهذا الخيط يتصاعد ويكثر يوما بعد يوم حتى يصل إلى مرحلة البدر. فهي حالة طبيعية تحدث من خروج القمر من هذه الحالة. هذه الحالة الطبيعية حالة واحدة ولا تتكرر.

القمر إذا خرج من هذه الحالة فالشهر بدورته الطبيعة قد بدأ. ولكن الشهر بمفهومه الشرعي لا يبدأ إلا إذا رؤي هذا الهلال ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) ما دام أدخلنا عنصر الرؤية فمن الطبيعي أن تكون بداية الشهر بداية نسبية، لأن الهلال لا يمكنه أن يرى في كل البلدان بمستوى واحد، فتارة يظهر الهلال لدى بلد بعد الغروب قليلا ثم يختفي وأخرى يظهر قبل الغروب ويختفي أيضا، وضوء الشمس يمنع من رؤيته. وهناك حالات مختلفة يمكن أن نفترضها بحيث لا يرى البلد نور الهلال وحينئذ فلا مناص من القول بنسبة شروع الشهر من حيث الرؤية. هذا أيضا شيء نعتقد أنه واضح.

الشيء الآخر هو مسألة اختلاف المطالع. هذه المسألة تبدأ بهذا الشكل التقريري البسيط، أن الاختلاف بين بلد وبلد من حيث الرؤية تارة يكون لسبب طارئ كغيم وما إلى ذلك، هذا الاختلاف لا يعتد به، وأخرى يكون الاختلاف اختلافا في خطوط الطول والعرض، اختلاف بعيد. حينئذ وقع البحث الطبيعي بين العلماء، هل أن رؤية الهلال في بلد معين تكفي للحكم على العالم كله بأنه دخل في الشهر شرعا، من حيث الوجهة الشرعية لا من حيث الوجهة الطبيعية، الوجهة الطبيعية هي مقدمة للدخول الشرعي للشهر. أو أنه لكل بلد أفقه والآفاق مختلفة. هذا الاختلاف موجود بين أئمة المذاهب وموجود بين علماء الإمامية في داخل المذهب الإمامي بشكل واضح ويصل إلى حد الانقسام أحيانا الكلي بين العلماء في هذا المجال. فالطائفة القائلة به والطائفة المعترضة عليه كلتاهما قويتان من حيث القدرة والشهرة. محور اختلاف العلماء الإمامية في الأمر هو الانصراف في أحاديث، أن رئي أحاديث وردت عن أئمة الإمامية، الإمام الصادق والإمام الباقر، تؤكد على أن الهلال أن رؤي في بلد آخر أكتفى أهل هذا البلد به، هناك رواية تقول:"لا تصم إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه" ولا أريد أن أذكر الروايات، مذكورة هنا عندنا والاختلاف موجود. محور الاختلاف هو هذا المعنى، أن رؤي في بلد آخر، فيه إطلاق يشمل كل البلاد أو لا ينصرف هذا الإطلاق إلى خصوص البلد القريب، يعني هل هناك انصراف يصرف ظهور هذا اللفظ ظاهرا بنفسه بغض النظر عن الانصراف في الإطلاق أن رؤي في بلد آخر، ولكن في قباله يقال هناك انصراف إلى البلد القريب لأنه هو المطروح في الأذهان.

ص: 800

هناك أدلة بالكفاية (يعني بكفاية الرؤية في بلد آخر)، وأدلة للنافين بذلك مثلا مثال استعراض سريع: يقول القائلون بكفاية الرؤية في أي بلد في مجال دخول الأرض كلها في الشهر شرعا، يقولون: مثلا سورة (القدر) تدل على أنه ليلة القدر ليلة واحدة شخصية لجميع أهل الأرض على اختلاف بلدانهم في آفاقهم، ضرورة أن القرآن نزل في ليلة واحدة وهذه الليلة هي ليلة القدر وهي خير من ألف شهر وفيها يفرق كل أمر حكيم، وهذا يعم بقاع الأرض. تذكر أيضا الروايات. إلى جانب هذه الروايات يذكرون أن هناك أدعية مذكورة في صلاة العيد جاء فيها (أسألك بهذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا) وهذا يعني أن هذا عيد لمجموع المسلمين، وأيضا ختموا استدلالهم بالاستشهاد بسكوت الروايات بأجمعها عن اعتبار وحدة الأفق، هذا السكوت مع وجود هذه المسألة مطروحة يكشف لنا عن عدم اعتبار هذه الوحدة والمعيار هو الرؤية في أي بلد من أنحاء العالم.

هذا ما يقوله القائلون بكفاية الرؤية في بلد ما، يرد عليهم النافون لهذه الكفاية باستبعاد أن يكون النظر في عبارة، بلد آخر. إلى البلدان الواقعة في أقصى الأرض مثلا، ثم تأكد (وأرجو التركيز لان هذا دليل ينفع في مختلف المذاهب) تأكد العرف من اختلاف المطالع القمرية قياسا، العرف بنفسه يقيس على المطالع الشمسية المختلفة وإن كان هذا القياس باطلا لكن على أي حال مرتكز في ذهن العرف، ما دام مرتكزا فهو يصرف الظهور إلى الشكل الذي يلزم معه التصريح بعدم الفرق بين القريب والبعيد لو كان هو المراد، ومع عدمه يعني ذلك إقرار الفهم العرفي المنصرف إلى البلد القريب.

ص: 801

أما الاستدلال بسورة القدر فلعله يجاب عنه بأن الليلة في علم الله تعالى واحدة ولكن هل يختلف معنى مسألة الحكم الظاهر لهذا البلد عن ذاك. وكذلك لعله يجاب عن الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) بأن الحكم وإن كان عاما إلا أنه ينحل بمقدار تعدد الأفراد والبلدان خصوصا مع ملاحظة الانصراف. وهكذا يبدأون بالإجابة على الروايات ويضعفون من سندها.

ومسألة سكوت الروايات عن اعتبار وحدة الأفق قد تجعل بنفسها دليلا فيقال بأن سكوتها عن بيان عدم الفرق بين القريب والبعيد رغم ما هو المتعارف من وجود هذا الفرق دليل على وجوده. وعلى أي حال فإن المسألة تعود للاستظهار. وحينئذ هذا الذي أخرج به فلا يمكن إقامة البرهان القاطع بعد أن لم يكن هناك تصريح نص به، وعلى هذا الأساس نقول أن مسألة توحيد الشهور القمرية أمر لا ينسجم مع هذا الخلاف ما دام قائما، ولا يمكن أن يشكل نظاما عاما سواء قلنا بانفتاح باب الاجتهاد أو انغلاقه. ومن الطبيعي والحال هذه، أنه لا يمكن إجبار فرد أو دولة على اتباع نظام قد لا تؤمن به شرعا. فكيف يمكن إصدار قرار التوحيد ورغم ما سبق فإننا نجد الجهود المبذولة قد تكون نافعة في تقريب وجهات النظر وتشخيص الشهادات الصحيحة من الباطلة أحيانا وهي تنفع في توحيد شطر كبير من الذين يؤمنون بمسلك وحدة الآفاق إلا أننا (وأرجو أن نركز) نحذر من الاستغلال السياسي اللئيم لهذه المسألة الشريفة.

وأخيرا نقول إننا إذا تمسكنا بشريعتنا وبحقانية ما تقول لا يهمنا ما يقال من مسألة الرأي العام العالمي وما إلى ذلك. فمع تقدير للجهود المبذولة في هذا السبيل نود أن يخرج هذا القرار من الصفة الإلزامية إلى الصفة الترجيحية، يعني يرجح للدول الإسلامية الأخذ بوحدة متناسبة دون إلزام لأن الأمر يرتبط بعبادات والعبادات تتبع الآراء والقناعات والقطوع والقطع حجة على الإنسان.

وأعتذر وشكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 802

الشيخ المختار السلامي:

قرأ فضيلته نص البحث الذي قدمه في الموضوع، وهو منشور بغير هذا المكان مع بقية الدراسات المعروضة على الدورة الثانية لمجلس المجمع.

الرئيس:

كأني أرى المشايخ والإخوان اتجهوا إلى قراءة البحوث وأحس من المشايخ أنه ليست هناك رغبة في قراءة البحث المراد. والمنهج الذي يسار عليه هو إعطاء ملخص لهذا البحث أما قراءة البحوث فغير ضرورية لأنها بين يدي المشايخ، فأرجو من المشايخ ملاحظة المراد من أصحاب الفضيلة المعدين للبحوث هو إعطاء خلاصة لهذا البحث.

حتى تكون أجمع للذهن.

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

بسم الله الرحمن الرحيم

لدي شعبتان في البحث رئيستان ما ذهبت إليه في المطالع وما ذهبت إليه في أمر الحساب وسأذكر الخلاصة فقط ولن أتعرض لأي خلاف سابق ولا أقوال المذاهب ولا الأدلة لأن هذا قد استوفى من الأساتذة الذين تفضلوا قبلي بقراءة بحوثهم أو مختصراتهم.

أولا فيما ذهبت إليه في المطالع والله تعالى أعلم بحقيقة الأمر الذي ثبت لدى علماء الطبيعة اليوم في هذا القرن العشرين الميلادي الخامس عشر الهجري. وإني أكتب ذلك في يوم الأحد الواقع واحد المحرم 1406هـ الموافق 15 أيلول 1985م. الذي ثبت بعد اكتشاف مجاهيل الأرض وقاراتها لا سيما أمريكا منذ قرابة أربعمائة سنة ونيف أن كلا من القولين القول باتحاد المطلع لدى أهل المشرق والمغرب والقول باختلاف المطلع بين كل بلد وبلد ومصر ومصر كليهما مجانف عن الصحة بعيدا عن الحقيقة العلمية فيما أرى. ذلك بأن الأرض كما ثبت أهليليجية التكوين بيضوية ولها وجهان. وجه منير باتجاه الشمس ووجه معتم باتجاه العكس فساعة يكون النهار في أوله في الوجه المنير يكون الليل في أوله في الوجه المعتم. ومن هنا يختلف الزمان وتوقيت الساعات وما إلى ذلك.

فتأسيسا على ذلك لا بد من معيار علمي نمسك به في حل هذه المشكلة ألا وهو خطوط الطول. فلنقسم الأرض حسب هذا المعيار خطوط الطول إلى ثلاثة كبرى أقطار رئيسة والفواصل بينها طبيعة كالبحار..

ص: 803

أولا: القارة الأمريكية كلها قطر بما فيها الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وأمريكا الجنوبية والجزر التابعة لها إلى قناة بنما.

ثانيا: من المغرب الأقصى وما يسامته شمالا من بريطانيا وإسبانيا إلى الخليج العربي شرقا أو الخليج الإسلامي وما يسامته شمالا من العراق وتركيا وجبال الأورال كل ذلك قطر.. وفيما بين ذلك مثلا مثل الجزيرة العربية وبلاد الشام وتركيا وأوربا الشرقية والغربية والمغرب الأوسط والأدنى ومصر والسودان والحبشة وما إلى ذلك.

ثالثا: ومن شرقي الخليج إلى اليابان قطر، بما فيه من إيران وبلاد الهند والباكستان والأفغان والجمهوريات السوفياتية الإسلامية وبلاد الصين وبلاد اليابان، فكل قطر من هذه الأقطار الثلاثة وحدة مكانية مستقلة عما عداه من القطرين الآخرين إذا رؤي الهلال فيه لا يلزم القطر الثاني والثالث، يعني إذا رؤي في أمريكا الهلال لا يلزمنا نحن، وإذا رؤي عندنا لا يلزم المغرب الأقصى. وإذا رؤي في الصين لا يلزم الجزيرة العربية، بل يلزم ذلك القطر بكل ما فيه من أمصار ودول وبلاد، والله تعالى أعلم.

ص: 804

الشعبة الثانية: خلاصة ما ذهبت إليه في شأن الحساب لإثبات الأهلة. ذهب الفقهاء الأقدمون رضي الله عنهم والمعاصرون وفقنا الله وإياهم في هذه المسألة إلى مذهبين

مذهب أخذ بالحساب مطلقا ومذهب رفض الأخذ بالحساب مطلقا في شأن إثبات الأهلة. والذي أراه أن كلا من هذين المذهبين مع توقيري وتقديري لأصحابهما، إفراط وتفريط. والصواب هو الوسط بين هذا وذاك، لكن لا ضير على من اجتهد فلم يحالفة الصواب فأخطأ فله أجر واحد وأسأله تعالى أن أكون من أصحاب الأجرين.. الصواب الذي يبدو لي وهو ما ينبغي أن يسار إليه هو: أن الأصل في إثبات الأهلة الرؤية البصرية أو التلسكوبية من على ظهر الأرض لا في السماء ولا على شاهق جبل بقوله لا من التليسكوب على شاهق جبل غير ما يكون على ظهر الأرض لا فرق بين أن نرى بعين مجردة أو التليسكوب على ظهر البسيطة لقوله عليه الصلاة والسلام ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) فإذا حصل المقصود بهذا الأصل، وأكرر التليسكوب والرؤية على ظهر الأرض لا في السماء ولا على شاهق جبل، لاختلاف الرؤية، فإذا حصل المقصود بهذا الأصل فبها ونعمت. كأن جزمنا بالرؤية لوقوعها بأحد الأمرين المذكورين العين المجردة والتليسكوب من على ظهر الأرض وسهلها وكانت السماء مصحية. وإذا كانت السماء مصحية ولم ير الهلال في القطر كله كما قدمت في مبحث المطالع لم نعمد إلى الحساب لوضوح الأمر ولا نقلد قطرا مجاورا كما مر. وأما إذا كانت السماء غير مصحية واحتمال الأمران (يعني ما عاد فيه قطع) ولادة الهلال وعدمها ولم تحدث رؤية معتبرة فعندها نستطيع الأخذ بقول الفلكيين وأصحاب الأرصاد الجوية ذوي الحسابات الدقيقة لأنهم على علم شبه قطعي وأخالف أخي العالم الجليل الأستاذ السلامي بقطعية الحساب، لأن الحساب مهما بلغ كما هو معلوم عند علماء الرياضيات مهما بلغ فهنالك احتمال ولو واحد من مائة مليون غلط، كما ذكر لي أحد علماء الأرصاد الجوية في دمشق على علم شبه قطعي (يعني 99.9) وغلطهم نادر والعلم يتفق مع الدين ولا يتنافى معه بحال. هب أنه في غلط نادر. الغلط النادر لا قيمة له. لا سيما إذا كان الشهر الذي انمحق هلاله تسعة وعشرين واحتمل أن يكون ما بعده الثلاثين أو الواحد من الشهر الجديد أي مزيد الانمحاق أو الولادة الجديدة وأعتقد أن هذا الأخذ بقول أهل الأرصاد الجوية وأصحاب الفلك في هذه المسألة رؤية قلبية تدخل تحت الرؤية الشرعية، لأن الرؤية القلبية مجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة كما قرر الأصوليون ونحن لا نصير إلى هذه الرؤية القلبية إلا عند تعذر الرؤية البصرية واحتمال الولادة وعدمها شرعا. والله تعالى أعلم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وشكرا.

ص: 805

الشيخ مصطفى الزرقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم.. سيادة الرئيس سلفا أقول أن بحثي لا تتجاوز قراءته الحد الأدنى من الزمن المقدر.

وبحث فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء منشور بغير هذا المكان مع بقية البحوث المقدمة إلى الدورة الثانية لمجلس المجمع.

الرئيس:

هل الأحكام تعلل بالأوصاف بمعنى أن يكون الوصف علة للحكم كقوله تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} .

الشيخ مصطفى الزرقاء:

الأوصاف التي ترد في النصوص لها أحوال لا يمكن الجواب بجواب مطلق قد تكون الأوصاف واردة مورد القيد مثلا كقوله تعالى {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . قد تكون الأوصاف ورادة لبيان واقع وليست تحمل معنى القيد كما في قوله تعالى {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} لذلك الأوصاف لا يمكن الجواب فيها وإنما تختلف الأحوال بحسب القرائن أنها وصف قيدي أو وصف واقعي، ولكن الأمور التي تعلل بعلة، نحن في مقام العلل، فلما يقول رسول الله عليه السلام ((إنا أمة)) هذا ليس وصفا إنما هو علة لجوابه في قوله ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) فالموضوع مختلف لا نستطيع أن نوجب المقارنة بين الأوصاف التي فيها احتمالات وبين العلل التي تضمنها النص نفسه.

ص: 806

الشيخ عبد الله بن بيه:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

في الحقيقة أن البحث في هذه القضية ليس جديدا وأن موقف العلماء منها أيضا ليس جديدا، فشروح خليل، الدسوقي يقول: أن هذا الحساب قطعي ومع ذلك فإن الشارع يعتبره. يذكرون قطعية الحساب، يعترفون بأن الحساب قطعي وهو على الأقل في زمن متأخر ما، منهم من وصل الحساب إلى القطعية، ومع ذلك اعتبروا أنه ليس مناطا للحكم، وأريد أن أسأل أولا سؤالين وبعد ذلك أحتفظ لنفسي بالتدخل.

السؤال الأول: ما هو مراد الأستاذ مصطفى الزرقاء بالعمل بالحساب، هل معناه وجوب العمل به أو معناه جواز العمل. (بمعنى أن الحساب يقوم مقام الرؤية في إيجاب العمل على المكلف أو أن المكلف يلجا له فقط) هذا السؤال الأول.

السؤال الثاني: هل إذا أثبت الحساب إمكانية الرؤية البصرية في مكان معين يشمل هذا جميع أقطار الدنيا التي يمكن أن لا يثبت الحساب فيها نفس الشئ الذي أثبته في الصين مثلا.

أود الإجابة على هذين السؤالين لأتدخل بعد ذلك.

ص: 807

الشيخ مصطفى الزرقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم:

أما السؤال الأول: فهو أني بينت بصراحة ووضوح أن اعتماد الحساب ليس معناه إلغاء اعتبار الرؤية أصلا في موضوع الأهلة بشكل دائم، وحلول هذا محل ذاك. قلت أن الشريعة لا يمكن أن تربط التكاليف بأمر قد يوجد وقد يعدم بعد الوجود، واليوم علم الفلك وكل ما وصل إليه مما شرحنا، يمكن قنبلة ذرية تلغي هذا العالم وأهله وتعيد أهل الأرض أو ما يبقى منهم إلى الحالة البدائية. والشريعة خالدة إلى يوم الدين، فلا يمكن ولا يوجد في الشرع أبدا عندنا، كما صرح به العلماء الأوائل ونقلته، أن يربط تكليف بأمر يصعب علمه أو قد علمه يوجد وقد يفقد، ولكن هل إذا ربطت الشريعة بعض هذه الأحكام بمعالم وكانت هذه المعالم وسيلة ووجدنا وسيلة، واستطعنا ورزقنا الله علما وهو من مواهب الله، رزقنا علما أصبحنا نستطيع أن نجد وسيلة أدق وأضبط وأكثر تحديدا ولا تحتمل الخطأ. هذا هل يمنع من أن نبني عليها، وقد بينت أنا في جلسة قديمة في مجمع الفقه بمكة في أيام الشيخ عبد الله بن حميد، رحمه الله، بينت وطرحت هذه الأسئلة، هل نعتمد في صلواتنا ومواقيتها الرؤية أو أننا نبني على الساعة التي بين أيدينا والتقويم الذي هو أيضا موسوعة الموضوع من حساب فلكي وهل تكون هذه الساعة التي نعتمدها، هل نحن بنيناها على رؤيتنا أو هي ساعات أجنبية ومستوردة ومرتبة على حساب فلكي. وأمر الصلاة أعظم من أمر الصوم. فلذلك فكيف نقبل هذا ولا نقبل ذاك. وأنا بينت أن الأصل في الرؤية تبقى كأنها هي الأصل لأنه هناك حتى إلى يومنا هذا يمكن في مجاهل الأرض وبقاعها يدخل الإسلام بلاد ليس لديها علم بالحساب ولا تصل إليها الأخبار (الرؤية أساس) تبقى أساسا، ولكن حيث يوجد إمكان لاعتماد هذا العلم بصورته التي بلغت من الدقة درجة اليقين هذا يصبح جائزا بل أقول أكثر من جائز (واجب) إذا كان يتوقف عليه القضاء على هذه الفوضى المخجلة التي أصبحنا بها أضحوكة في العالم الآخر، هذه الفوضى إذا كان يخلصنا منها موضوع الحساب اليقيني فيصبح أكثر من جائز بل واجب.

أما السؤال الثاني: وهو أنه يصرح معظم فقهاء الأمة وأئمتها بأنه لا عبرة لاختلاف المطالع وإن كان هناك من يرى خلاف ذلك، ومذهب الحنفية يصرحون بهذا التعبير "إنه يلزم أهل المغرب برؤية أهل المشرق والعكس بالعكس" بهذا التعبير ومذهب أحمد هو هذا أيضا أنه لا عبرة باختلاف المطالع ويلزم أهل المشارق برؤية أهل المغارب والعكس بالعكس، فلذلك ما المانع ونحن أمامنا أئمة هم قناطر الإسلام وهم سبيلنا إلى الله أن نعتمد رأي من يقول بهذا ولا نأخذ برأي من يقول باختلاف المطالع، أي حرج علينا إذا لقينا الله تعالى بآراء هؤلاء الأئمة، وقلنا بتوحيد المطالع كما هو نصوص هؤلاء وأزلنا هذه الفوضى من العالم الإسلامي، ما المانع هل يوجب علينا الشرع ألا نبني حياتنا إلا على أضيق الآراء وأكثرها حرجا وأكثرها فوضى، لا أدري من أين هذا.

الرئيس:

يا فضيلة الشيخ نقطة توضيحية بسيطة.. الحقيقة أن اختلاف المطالع هو الذي عليه الجمهور وأنت تفضلتم قلتم أن الذي عليه الأكثر هو الجائز حتى أن عبد البر حكى الإجماع على اختلاف المطالع.

ص: 808

الشيخ الزرقاء:

سيدي في مذهب أحمد أنه كالحنفية عدم اعتبار المطالع والنصوص موجودة.

الرئيس:

نحن نقول في مذهب الإمام أحمد وغيره نحن نقول عبارة الأكثر.

الشيخ الزرقاء:

لكم رأيكم أنا رأيي أنه يكفينا أن نلقى الله برأي إمامين عظيمين ولو خالفهما الأكثر.

الشيخ عبد الله بن بيه:

بسم الله الرحمن الرحيم.. بعد هذا الإيضاح من فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء أريد أن أتابع تدخلي في هذه القضية لأوضح بعض النقاط المهمة.

أولا: أن النبي صلى الله عليه وسلم ألغى الحساب في هذه القضية إلغاء صريحا وواضحا وأن العلماء الذين جاؤوا بعد ذلك إنما حاولوا التعليل والعلل التي يقدومونها إنما هي علل ظنية والمعروف عند الفقهاء أن العلة إذا كانت مظنونة لا ينتفي الحكم بها ولا يدور معها، فهم يقدمون عللا ظنية فقط. والأمية ليست، إنما هي الوصف للواقع كما قالها الشيخ نفسه عندما تحدث عن أنواع الأوصاف، الوصف الذي يثبت الواقع أو يجري على الغالب كما يقول الفقهاء في عدم اعتبار مفهوم المخالفة. فمفهوم المخالفة معتبر عند من يعتبره إلا إذا كان عبارة عن ذكر للواقع أو التأكيد عند السامع أو جواب على سؤال في قضية معينة. إلى آخر تلك المسائل التي ذكروها والتي تبطل مفهوم المخالفة، وإلا فكيف يحكم على هذه الأمة بأنها ستظل أمية والله سبحانه وتعالى يقول وقد نبه رئيس الجلسة على هذا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} فالرسول الأمي هذا مدح النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يتعلم وأن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه علما من لدنه وعلمه علما من عنده، أما هذه الأمة بعد أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم وعلمها الكتابة والحكمة فقد انتقلت من الأمية، أما الكتابة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه الكتابة، كان منهم كتبة للوحي، وفي أسارى بدر أمر الأسير الذي لا يستطيع يفدي أو يفادي نفسه، أن يعلم عشرة من أصحابه الكتابة، كما يقوله علماء السيرة فالأمية كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيلها عن هذه الأمة. ومع ذلك بقي الحكم ثابتا لم يتغير. وكما أشرت إليه سابقا فبعض العلماء نصوا على أن الحساب قطعي، ونحن نعلم أن من العلماء من يعرف الحساب معرفة جيدة، السوسي عندنا في المغرب وغيره ألفوا كتبا عظيمة في الحساب الفلكي وهو قطعيا عندهم، لا يرتابون فيه ولا يتمارون فيه، ومع ذلك ظل الحكم ثابتا على ما كان عليه حتى قال القرافي، ذكر فرقا بين ما يعمل فيه بالحساب وما ما لا يعمل فيه بالحساب، وذكر أن الصوم مما لا يعمل فيه بالحساب لدليل نص الشارع..

ص: 809

هنا أود أن أشير إلى الفوضى التي تحدث عنها وكأنها مناط الحكم، فقال مرة: إنها توجب جواز العمل بالحساب، ومرة قال: إنها ترتقي به إلى رتبة الوجوب. في الحقيقة أني لا أرى من هذا المنظار، نحن نصلي الصبح هنا وفي أمريكا ربما يصلون العشاء وليس في هذا فوضى ولا حرج مطلقا. الأوقات متفاوتة ومن المهم أن يذكر الله تعالى في كل وقت وفي كل رقعة من رقاع الدنيا وفي كل بقعة من بقاعها. فلا أرى في ذلك فوضى ولا أرى في ذلك شناعة. فإذا كان يبني الوجوب على الفوضى، فأرى أن يسحب الوجوب، الوجوب لا يترتب على هذا، الوجوب يترتب على رؤية الشاهد {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} على الخلاف طبعا في {شَهِدَ} هل الشاهد الحاضر الذي ليس مسافرا أو الشاهد من شاهد بعينه. إعمال الأستاذ الكبير لمذهب الإمام أحمد في مسألة عموم الرؤية في كل الأقطار مع نفيه للرؤية في نفس الوقت أرى فيه تناقضا وأرى فيه تلفيقا، أنت تنفي العمل بالرؤية وتقول بالعمل بالمراصد أو بالحساب الفلكي وفي نفس الوقت تعمل دليل القائل بالرؤية، الذين يقولون بوجوب الرؤية في كل مكان لأنه يعتبرون أن الرؤية صالحة بمعنى أنه إذا رؤي في مكان ما في الإمكان رؤيته بالعين المجردة من مكان آخر، يعني لا يعتبرون هذه الاعتبارات الحسابية، أما أنت وقد اعتبرت الحساب معيارا والحساب يثبت لك إمكانية رؤيته بالعين المجردة في الصين وينفي لك ذلك في أفريقيا وفي المغرب فلا يمكن إلا أن تعتمد الحساب اعتمادا مطلقا أو أن لا تعتمده، فإذا اعتمدت الحساب فعليك أن تقصر على المكان الذي تمكن فيه رؤية الهلال بالعين المجردة.

ص: 810

إذن أرى هنا تناقضا واضحا. أهل المغرب يصومون والهلال لم يصل إليهم بعد، كما لو صلوا الظهر على صلاة أهل مكة، هذا لا يجوز مطلقا، هذه دورة الأفلاك وهذه الحركات كما يقول أبو حامد رحمه الله تعالى في المنقذ من الضلال: أن هذه العلل التي أناط بها الشارع {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} في هذا الوقت التي تكون فيه الشمس لمسامته الأرض في هذا الوقت تجب علينا أربع ركعات في وقت بعد ذلك تجب أربع ركعات، وفي وقت بعد ذلك تجب ثلاث ركعات إلخ.. يقول "إن لهذا أسرار عظيمة لا ترى إلا من عين النبوة"، وباختصار لا نريد أن نذهب في كلام أبي حامد رحمه الله تعالى من الأشياء التي قد تتراءى له كصوفي وكشخص من نوع خاص لا شك في ذلك ولا ريب، ولكن نريد أن نقول أن للعبادة أسرارا وإن اتباع الشارع هو الطريق إلى الوصول إلى هذه الأسرار، ولا يجوز لنا أن نزيد ولا ننقص، وهذه ملاحظة عامة إذا استمررنا هكذا لمسايرة كل شيء وللتخلص من كل قيد، فنستخلص من التكليف، والتكليف ما هو؟ هو إلزام لما يشق. التكليف له أحكامه وله أصوله وفي رأيي والله سبحانه وتعالى أعلم أنه يجب علينا أن نتقيد بهذه الأحكام وبهذه الأصول ولا شناعة في ذلك ولا غرابة. إذا قام المسلم في أي رقعة من الأرض ينظر إلى السماء ينظر إلى آفاق السماء ليرى الهلال ليرى سبب وجود الصوم فإنه شيء حسن جدا ومقبول، وقد أراحني الشيخ فذكر ما قاله ابن عبد البر رحمه الله تعالى في ذلك ونقله الحطاب عنه وإن كان في مذهب مالك من يقوم بعموم الرؤية كما قال خليل عما نقل به عنهما إلا أنها الرؤية وليست الحساب الفلكي.. وشكرا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 811

الشيخ مصطفى الزرقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم.. أحب أن أخالف الأخ الكريم الذي تكلم في تفسير الآية الكريمة {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} فسرها بأنه يعلم "الكتابة والحساب" وما إلى ذلك.

الشيخ عبد الله بن بيه:

أنا لم أقل ذلك مطلقا.

الشيخ مصطفى الزرقاء:

هذا الذي سمعناه وأرجو عدم المقاطعة بهذا الشكل وأنا أتكلم أي نظام هذا، يمكن أن تضبط الجلسة "موجها كلامه إلى السيد الرئيس".

الشيخ عبد الله بن بيه:

فقط أنني أريد ألا تجيب عن مسألة أنا لم أقلها.. الكتابة تحدثت عنها بعد ذلك وذكرت دليلي.

الشيخ مصطفى الزرقاء:

فالذي سمعته وسمعه بجانبي أيضا فضيلة الشيخ البسام وكذلك أظن للجماعة آذانا أننا سمعناه يقول "يعلمه الكتابة" حتى يمكن ذكر الحساب أيضا أو القلم لا أدري.

ص: 812

ولا شك أن الكتاب في الآية الكريمة هو القرآن يعلمه القرآن وإلا لتناقضت الآية مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) فكيف هذا، ثم أذكر شيئا لكي يسال عنه أهل المعرفة من الفلكيين، أنا الذي كنت قرأته في دراستي الأولى أن القمر ليس كموضوع الشمس، الشمس مطالعها بحسب خطوط الطول التي ذكرها أخونا الأستاذ فرفور، أن هذه الخطوط تجعل المطالع تختلف ثانية وثانية، يعني مع الدوران دوران الأرض المطالع التي على خطوط الطول الواحدة تشرق عليها الشمس في لحظة واحدة والتي بعد ذلك تشرق عليها بعد ذلك إلخ.. أما القمر فإنه يرى من نصف الكرة الأرضية كلها في وقت واحد، يعني موضوع القمر يختلف. هذا الذي درسته في علم الفلك في دراستي الأولى. وأذكره للبحث. ثم بالنسبة لكي لا آخذ الكلام مرة أخرى أخونا الأستاذ الكريم الأستاذ فرفور ذكر في كلمته شيئا أنه يرى أن الرؤية التي يجب أن يؤخذ بها هي ما يرى بالعين الباصرة أو بالتلسكوب من سطح الأرض لا من على شاهق لأن العلو يغير مكان الرؤية. فأنا ألاحظ أن الذي ذكره صحيح بالنسبة إلى الرؤية التي ترى فيها الأفلاك من مشارقها "من جهة الشرق"، من المشارق إذا كنا على مكان عال نرى الشروق قبل من يراه من على سطح الأرض، أما في رؤية الهلال، الهلال يكون من الأعلى ينحدر إلى الأفق الغربي وفي هذه الحال لا فرق بين أن يكون على شاهق أو يكون من على سطح الأرض ما دام الهلال يأتي من علو وينحدر ليغيب في الأفق. فالعلو لا تأثير لذلك ما دام أنه لا نراه بعد الغروب وإنما نراه قبل أن يصل إلى الأفق الغربي فلا فرق بين الشواهق وسطح الأرض.

ص: 813

الشيخ عبد الله بن بيه:

سيادة الرئيس، أريد أن أصحح هذا فقط ملاحظة صغيرة.

الشيخ السلامي:

فيه نقطة نظام ما أحد يتكلم إلا بإذن.

الرئيس:

سنعطيه الكلمة لأنه كلمة تتعلق بجناب النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يصححها ولو نقطة نظام.

الشيخ عبد الله بن بيه:

في الحقيقة إني أود أن ألاحظ ملاحظة بسيطة لا أوجهها إلى الأستاذ الكبير ولكن تنبغي النزاهة في البحث الذي نبحث.

أنا لم أقل أبدا ولم أفسر قوله تعالى {يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} لم أفسره بالكتابة بل قلت بعد ذلك عطفت عليه وقلت وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتابة وذكرت قضية أسرى بدر، وأن الفقير منهم كان يؤمر بتعليم الكتابة ليكن بذلك واضح جدا.

ص: 814

الرئيس:

هذا صحيح وهو الذي سمعناه وعلم يا شيخ.. والشيخ عبد الحليم.

الشيخ عبد الحليم الجندي:

أشكر السيد الرئيس.. أنا لا أريد أن أدخل في هذا الجدل الفقهي أو الأصولي الذي سلف به أساتذتنا وأصدقاؤنا، إنما أريد أن أنبه أن الأمر مما عمت به البلوى. حتى أن المؤتمر الإسلامي أشاد بالقرارات الصادرة من المؤتمرات الإسلامية السابقة للوزراء الداعية إلى توحيد الشهور القمرية بالدول. وأشكر للأمانة أيضا أنها نبهتنا إلى هذا وأحسنت إذ وضعته في الملخص الذي بين أيدينا. هذه إذن مسألة مما يعمل وزراء الخارجية من أجل درء مفاسدها التي يعانيها سفراؤهم أو يعانيها المسلمون في شتى الدول العربية. إذن نحن أمام مسألة يجب أن نتفق عليها أو نعلن نهائيا أننا اختلفنا فيها ونترك الأشياء معلقة على ما هي عليه، إنما يجب أن نصدر فيها قرارا لنريح بال وزارات الخارجية للدول الإسلامية جميعا. فيما يتعلق بالرؤية ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) الرؤية كما تكون حاسة بالبصر تكون عقلية أيضا لأن البصر لا يأمر بالصيام ولا بالإفطار وإنما الذي يصدر الأمر بهذا هو العقل. والله أن ناشد الناس ناشد {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} ، فالفؤاد هنا هو القلب أو العقل والذي يصوم أو يفطر هو المرء بعقله وينفذ وليست العبادة في رؤية القمر أبدا وإنما العبادة في الصوم. بأن نتعبد، بأن يفسر الرؤية بأنها مجرد الرؤية بالعين ونقف عند ذلك أن أتاح الله لنا وجها آخر أدق وأبصر وأوثق ويمكن أن يجتمع عليه العالم، أن صنعنا غير ذلك نكون قد فرطنا شيئا ما، وقد انسقنا وراء ما قرأنا في كتب السابقين، الذي لا جدال فيه أن كتب السابقين عظيمة وكلهم أهل ورع. المراجع اليوم تسوق فقهاء في أعلى درجات من الورع.

ص: 815

الرئيس:

يا فضيلة الشيخ.. أرجو أن تتفضل بكلمة بسيطة.. تعرفون أن الرؤية الحقيقية المحققة ليس وراءها ما هو أدق ولا أمكن ولا أكثر يقينا منها. وهي التي علق بها الرسول عليه الصلاة والسلام، قصدي ملاحظتي ولو كانت بسيطة أرجو أن تكون في الاعتبار إذا تفضلتم أن كون ما خرج من الحساب أنه أدق وأتقن من الرؤية التي علق عليها الشارع لأن الشارع لا يعلق إلا على أمور معصومة، فالرؤية المحققة التي ترى بالعين المجردة والتي علق عليها الشارع الحكم لا شك أنها هي التي فيها العصمة. قصدي التفضيل على أنها هو أدق وأحكم أو شيء من هذا القبيل، ولعلني أكون مخطأ.

الشيخ عبد الحليم الجندي:

لست مخطئا أبدا، ولكنه تحفظ. والتحفظات مريحة وهي تريح المؤتمر أيضا. إنما نحن قلنا أن الرؤية بالبصر هي الأصل وقد كانت كذلك عندما لم يكن هنالك رؤية غيرها، إنما قلت تعبيرا أرجو أن يكون قد اتضح وهو: أن الرؤية بالبصر لنصوم ليحكم العقل بأن الصيام وقع. فالرؤية بالبصر طريقة إلى أن يفهم العقل وينفذ العبادة. هذا كلام أقوله وأرجو أن لا أطيل فيه فشرحه أيضا تكرار. إنما أريد أن أقول شيئا آخر: إننا إذا رأينا أن نؤجل هذه المسألة فإننا لن نحتاج إلى خبراء لأن هذه مسألة الخبراء قد نظرت في أماكن كثيرة وهي ثابتة ولا جدال فيها، وشيء آخر أيضا، لا يجوز لنا أن نصرف النظر عن هذه المسألة إذا كانت قد نظرتها جهات أخرى، فإنما الأمر لهذا المؤتمر وهو مطروح عليه وهو الذي يبدي رأيه فيه وهو الذي ناشده مؤتمر وزراء الخارجية أن يتكلم فيه. ولذلك أرجو أن لا نرجع إلى جهة أخرى سبقتنا، فإن الجهات الأخرى جميعا أكثر من جهة، نظرت وأبدت آراء بعضها مختلف وبعضها متفق، ولذلك أرجو أن تكون الكلمة الأخيرة لهذا المؤتمر باعتباره مؤتمر عامة المسلمين وشكرا.

الشيخ مختار ولد أباه:

بسم الله الرحمن الرحيم لا أريد أن آتي بشيء بالنسبة للحكم الفقهي لأن هذا موكول للعلماء الأجلاء، فقط أريد أن أبين بعض الإجراءات المتخذة حاليا من قبل الحكومات، حكومات الدول الإسلامية ومن قبل منظمة المؤتمر الإسلامي في هذا الموضوع لعل هذا يساعدنا على فهم بعض جوانب القضية ككل. تعرفون أيها المشايخ أنه منذ ثماني سنوات والوزراء، وزراء الأوقاف مهتمون بهذه القضية. وقد كونوا لجنة خاصة لها أمانتها ولها جهازها، وهذا طبعا قبل إنشاء هذا المجمع الفقهي. وهذه اللجنة تتكون من أندونيسيا وبنجلاديش، وتركيا، وتونس، والجزائر، والسعودية والعراق، وقطر، والكويت، وقد أصدرت عدة اجتماعات وآخر اجتماع لها كان في الأشهر الماضية في مكة المكرمة برئاسة سماحة الشيخ عبد الله بن باز، وزيادة على الأعضاء الذين هم باللجنة، شارك أيضا كذلك في أعمالها بالأردن، والإمارات ودولة البحرين والسودان وماليزيا. وكانت اللجنة مكونة من علماء وفقهاء وممثلي وزراء الأوقاف ومعهم خبراء، خبراء في علم الفلك من المسلمين الذين يمثلون هذه الدول. وطبعا كانت مناقشة حول جميع قضايا المطالع وقضايا الفلك والحساب والرؤية وما إلى ذلك. غير أن الفلكيين المسلمين قدموا جداول، وهذه الجداول موجودة بين أيديكم في هذا البحث. وهي تتناول سنتين، السنة الهجرية 1407 والسنة الهجرية 1408 وأربعة أشهر من سنة 1409 ويبينون فيها مثلا تاريخ الاقتران وتاريخ ميلاد الهلال لكل سنة بالمقارنة مع التقويم الشمسي، وهي تقريبا سهلة للاطلاع عليها حيث إنها في صفحتين فقط.

ص: 816

وللجواب على بعض الأسئلة تلاحظون أنه فقط يعتقد الفلكيون أن هذه الجداول يمكن أن تطبق على جميع العالم ما عدا استثناءات بينوها وهي مثلا، أن رمضان بالنسبة لسنة 1408هـ سوف يكون ميلاد هلاله بالنسبة للعموم في يوم 17أبريل 1988 وأنه بالنسبة لأمريكا سوف يكون هناك فرق في يوم فقط. هذا بحسب الجداول والخرائط والحساب الذين عملوه. طبعا كانت المناقشة أيضا بين الفقهاء عادة مثل المناقشة بين الفقهاء في كل مكان، ولا شك أن وزراء الخارجية يودون الاستنارة برأي المجمع لأن هذه القضية مطروحة عليهم في فاس وسوف يتخذون فيها موقفا لكن هذا الموقف لن يكون شرعيا إلا إذا كان معتمدا من جانب موقف المجمع الفقهي. ثم أن الاجتماع الأخير بمكة، كان هناك إجماع للمجتمعين. اتفاق كامل بالنسبة للمشاركين في المؤتمر حول اعتماد هذه الجداول مع تبيان أنه فضيلة الشيخ عبد الله بن باز قال: أنا أوافق على هذه الجداول لكن فقط بالنسبة للأمور العادية بالنسبة للتوثيق وبالنسبة للمسائل الشرعية وتبيان التواريخ للمسلمين لكن قال أنه في رأيه بالنسبة لرمضان وبالنسبة للفطر وبالنسبة للحج أود أن يكون الاعتماد فقط على الرؤية. المهم أنه أردت فقط لفت أنظار العلماء الأجلاء على وجود هذه اللجنة التي كونت قبل اجتماع المؤتمر وعلى أن القضية سوف تبحث في مؤتمر وزراء الخارجية، وإن مؤتمر وزراء الخارجية سوف يستنير برأيكم في الموضوع. وإنكم عندكم الجداول التي أقرها الفلكيون الذين شاركوا في هذا الاجتماع الأخير الذي وقع في مكة حول هذا الموضوع، وشكرا.

ص: 817

الشيخ تسخيري:

فيه إشكالات ترد على الأستاذ تطرح كلها أما أن نعبر الموضوع إلى موضوع آخر ما راح نصل. هناك إشكالات على سيادة الأستاذ يجب أن تطرح حتى يجيب عليها.. هناك إشكال علمي يطرح هنا ويرجأ الإجابة عليه لينير.

الشيخ وهبة الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحقيقة أنني أردت أن أوضح مجملا أو خلاصة من هذه البحوث التي استفدنا منها جميعا، وأبين الخلاصة التي يمكن أن نترجمها إلى واقع عملي. لأول مرة في هذه الدورة وجدت أصحاب البحوث الأربعة قد اتفقوا على جواز الاعتماد في إثبات الأهلة على الحساب الفلكي. هذا شيء، الشيء الثاني، مما لا شك فيه أن الفقهاء بالرغم من اختلافهم في قضية الاعتماد على توحيد بدء الصيام والأعياد فقد قرروا جميعا أن اختلاف المطالع من حيث الحقيقة والواقع أمر قائم ثابت لا إشكال فيه، اختلاف المطالع قائم وثابت ولكن هل يلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب أم لا؟ فذلك هو محط الخلاف رأيان. الشيء الثالث لا أريد أن أدخل وأقيس الصوم على الصلاة، فالصلاة كما هو معروف منوطة بالشمس لا بالقمر وهي مرتبطة بالتاريخ اليومي {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} يفهم من هذه الآية أن مواقيت الصلاة مرتبطة بالشمس لا بالقمر، وكلامنا في القمر لإثبات بدء هلال الشهر ونهايته. أما ما يتعلق بتعليل حكم الرؤية وربطها بوصف الأمية، نحن نقطع ونؤكد أن وصف الأمية لا ينسحب على جميع الأمة الإسلامية إلى يوم القيامة.

ص: 818

وإنما هذا وصف وقتي لوضع وحالة العرب في زمن الرسالة وهذا مفهوم والواقع يؤيده، لا شك أن الأمة لم تعد أمة أمية منذ قديم الزمان بل من العصور الأولى في العهد العباسي وإلى هذا اليوم، وصف الأمية انتفى عنهم، ولكن المشكلة تكمن في أننا هل نعتمد في إثبات الأهلة على الرؤية البصرية أم على الحساب.

لا شك أن جمهور الفقهاء نفوا الاعتماد على الحساب وقالوا بغض النظر عن العلة التي بدئ بها الحديث ((نحن أمة أمية)) وإنما نظروا إلى ظاهر الأمر. دائما الإسلام كما هو معروف يخاطب الناس على النحو المبسط الميسر الذي لا تعقيد فيه ولا إشكال، والدليل على أن القضية قضية الاعتماد على الحساب فيها إشكال أن العمل بين المسلمين على الرؤية البصرية لقوله صلى الله عليه وسلم ((صوموا لرؤيته)) ولا يمكنني أن أميل إلى قضية الرؤية القلبية، فتفسير هذا الموضوع فقها منصب إلى الرؤية البصرية لا إلى الرؤية القلبية فالأحكام لا تناط بقضية الرؤية القلبية يقينًا وإنما المعول عليه هو الرؤية البصرية لا الرؤية القلبية. لكن المشكلة الآن تكمن في الحقيقة في تعصب مذهبي. نريد أن نساعد وننجز أمرًا أو حدثًا ونكون جريئين في الواقع في قضية توحيد بدء الصيام والأعياد وحينئذ لا غضاضة في أن نتجاوز بعض الآراء ونرجح بعض الآراء الأخرى، فالقضية هل من الممكن أن نتجاوز هذه الخلافات المذهبية والعصبيات المذهبية ونرجح رأيًا هو رأي أئمة معتبرين في الحقيقة والواقع، ونعتمد الرؤية ولا مانع من أن ينضم إليها الحساب أو الحساب مع الرؤية ونوحد بدء الصيام ونهايته فيكون في ذلك في اعتقادي من قبيل الترجيح والعمل بالسياسة الشرعية ، هذا الترجيح واقع يفرضه حركة العالم السريعة الآن وأوضاعهم العلمية ونحن في عصر العلم، وعصر العلم يفرض وجوده في كل شيء، في التخطيط في الحساب في كل شيء اليوم العلم يفرض وجوده.

ص: 819

فلا مانع ونحن عندنا هذه الثروة الفقهية، وفقهاء وأئمة معتبرون لا مانع من أن نرجح من قبيل العمل بالسياسة الشرعية مذهب الإمامين أحمد وأبى حنيفة ونقول بضرورة توحيد هذه الشهور ويلزم أهل المشرق بما يراه أهل المغرب والقضية قضية الاعتماد على الحساب ممكن أن يضم لها رؤية، فأصحاب المرصد عندما يرون ذلك يأتون بشاهدين مسلمين انظر في هذه الاتجاه، فلا شك إنهم سيرون بالإضافة إلى التذكير بالمرصد الفلكي لا شك أنهم سيرون القمر ويكون المرصد عاملًا مساعدًا لهم. في الحقيقة هذا الموضوع يشغل العالم الإسلامي منذ ربع قرن وللآن لم نصل فيه إلى نتيجة ومجمعنا فعلًا كما تفضل الأساتذة هو الأمل المرجعي في أن يفصل في هذا الموضوع والقضية قضية ترجيح ولو مانع من الأخذ بأحد الرأيين وترك الرأي الآخر وننهى هذه المشكلة ولا داعي لإطالة البحث فيها ونتخذ قرارًا ولو خالف في رأيه قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة ، فنحن طبعًا لنا صفة أعم وأشمل وحتى قرار مجمع الفقه قال" لا حاجة. ونحن وجدنا الحاجة متعينة في الحقيقة، والأوضاع تقتضى أن هناك حاجة إلى هذا الأمر، فلذلك لا يكون قرارنا مخالفًا لقرار مجمع الفقه بمكة، فنقدر الحاجة والحاجة قائمة، والعمل على هذا الموضوع خصوصًا إذا انضمت إليه قرارات وزراء الخارجية كما تفضل الأمين العام المساعد، فلا بد من أن نصل إلى نتيجة وأرفض كل الرفض قضية التأجيل والتأخير والإمهال إلى ندوات أخرى فذلك لم يعد من قبيل مما يقبل خصوصًا ونحن نمثل في هذا الاجتماع دورة سبقت بعدة بحوث ودورات ومؤتمرات ولكن لتكن الكلمة والحسم لنا في الموضوع. وشكرًا.

ص: 820

الشيخ على العصيمى:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. لقد كفاني كل المتكلمين بوجوب الأخذ بالأمرين معًا بالرؤية البصرية والرؤية الفلكية. الرؤية البصرية رؤية عين صغيرة والرؤية البصرية الفلكية رؤية عين كبيرة واسعة فهي رؤية. ومن ذا الذي يخالف في أنها رؤية، إنها رؤية عين ولكنها كبيرة وواسعة وقديرة على التدقيق والنظر بأكثر ألف مرة من الرؤية البصرية، إنها تحديد. يعنى الرؤية البصرية الواسعة التي هي الفلكية هي بصرية أم هي شيء غير ذلك؟ إنها بصرية ولكنها أوسع وأضمن أدق وأحوط. والمشكلة قائمة في الإسلام ما يمنع الأخذ بالأحسن والأصلح والأوفق والأجل والأجمل، فهل نؤخرها، إنه يجب الأخذ بالأمرين معًا والسلام.

الشيخ على التسخيرى:

أحب أن أسأل أستاذي الجليل الشيخ الزرقاء هذا السؤال.

ما هو في رأيكم موضوع دخول الشهر؟ الموضوع الشرعي لدخول الشهر ما هو؟ هل هو الرؤية البصرية بالفعل ولا غير.. أو هو الرؤية البصرية بالفعل مع الاكتفاء بإمكان هذه الرؤية، فإن قلنا أن الموضوع هو الرؤية البصرية بالفعل فلا مجال إذا للحساب وإن قلنا المعيار هو الرؤية والاكتفاء بإمكان الرؤية، هنا قد يقال أن الحساب يوجد لنا قطعًا بإمكان الرؤية. والقطع حجة من أي سبب حصل ولا يمكن أن ترفض حجية القطع. الكلام هو: أن الإمكان، الإمكان فيه جانبان، هناك إمكان من حيث قابلية القمر للرؤية وهناك إمكان من حيث الفاعلية، من حيث فاعلية الناظر. الحساب غاية ما يمكن أن يثبت لنا أم0كان القمر للرؤية من حيث قابليته للرؤية. ولكن المهم لدينا هو الإمكان الفاعلي. هل يستطيع الحساب أن يثبت إمكان الناظر بالفعل، إمكان فاعل (يعنى هو من حيث الفاعل يستطيع أن يرى) الحساب لا أقول محال ولكنه في الغالب الأعم لا يستطيع أن يثبت لنا إمكانًا فاعليا. نعم لو أن الحساب أثبت لنا ذلك أنه الفاعل أيضا بالقطع كان يستطيع أن يرى، فنحن نصدقه وهذا نظير بلدين متجاورين يرى الهلال في أحدهما والسماء في الآخر فيها علة فلا يرى، متجاوران يقطع العرف بالإمكان الفاعلي في البلد الآخر، ولا ريب في أن البلد الآخر المجاور يأخذ بهذا المعنى.. هذه نقطة. النقطة الثانية التي أركز عليها، الواقع ليست مصيبتنا أيها السادة هو الحساب المهم هو ما ركزت عليه. لنفترض أن المعيار هو الرؤية البصرية لكن هل تكفى الرؤيا البصرية في مكان ما لكل الأرض أو أنها لتلك الحالة. هذا هو المعيار. فإذا استطعنا أن نصل إلى رأي في هذا المجال، الرؤية البصرية تحدث أن لم تحدث هنا تحدث هناك، لا نحتاج إلى الحساب حتى نحل هذه المشكلة، أرجو أن يجيبني الأستاذ على ذلك.

ص: 821

الشيخ مصطفى الزرقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم.... جوابا على ما سأل عنه الأخ الكريم أقول لا مجال لهذا التساؤل أبدًا، إذا افترضنا أن الحساب الفلكي غير موجود أو غير يقيني بل هو ظني، يعنى في مثل الظرف الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) في مثل هذا الظرف، يعنى معناه لا نستطيع أن نعرف بطريق الحساب متى يهل الهلال. في مثل هذا الظرف لا مجال لهذا التساؤل، لأنه إذا لم ير بالفعل فلا يمكن أن يقال هل الحساب يثبت أنه يمكن أن يرى أو لا؟ لأنه لا حساب في ذلك الظرف حيث لا يكون هناك علم فلك أو يقيني، فالتساؤل غير وارد لأنه لا بد من الرؤية بالفعل لا بإمكان الرؤية، إذ عند عدم الحساب كيف نستطيع إذا غم علينا كيف نستطيع أن نعرف إمكان رؤيته، هذا غير ممكن، فلذلك يكون إذا افترضنا الموضوع في مثل ظرف ليس فيه علم حساب يقيني لا مجال لهذا التساؤل وإنما المناط هو الرؤية البصرية الواقعة حيث يرى بالفعل. ولكن إذا افترضنا وجود علم حساب دقيق يقيني وصل من الدقة إلى درجة لا شبهة فيها كما في زماننا مما أوضحناه، فهذا التساؤل وارد أن هذه العبرة لإمكان الرؤية أو العبرة لأن يرى بالفعل أيضا فلا شك أن الجواب أن العبرة لإمكان الرؤية. لما يثبت الحساب الفلكي أن الهلال يولد في الساعة الفلانية والدقيقة الفلانية واللحظة الفلانية وأنه بعد كذا مدة حتى يبلغ درجة كذا الدرجة الثامنة وغيرها، وهذا متروك لأهل الفلك، يمكن أن يرى من الأفق إذا – طبيعي الحساب الفلكي لا بد أن يضع هذا التحفظ –إنه يمكن أن يرى إذا لم تكن هناك حواجب للرؤية من غيم أو الضباب لأن الحساب الفلكي يعطينا هذا الإمكان ولكنه لا يستطيع أن يقول لنا أنه سوف يرى بالفعل ولو كانت هناك غيوم وضباب وحواجز تمنع الرؤية هذا لا يمكن أن يقوله الحساب، فلذلك يبقى العبرة إذا اعتمدنا الحساب وكان يقينيًا يسوغ هذا الاعتماد فإن العبرة عندئذ لما يثبت الحساب الفلكي أنه يمكن أن يرى بعد مضى كذا مدة من ميلاده أن يرى بالعين الباصرة السليمة من أفق أنتفت منه الحواجب الطبيعية التي يمكن أن تحجب البصر. هذا جوابي في الموضوع. والعبر لإمكان الرؤية.

ص: 822

الشيخ إبراهيم بشير الغويل:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحقيقة مع تقديري لكل هذه الجهود.. المسألة من الواضح أنها مسألة خلافية ونفس الجداول التي أشار إليها الأخ الأمين العام المساعد تثبت ذلك وسأشير إلى بهذا، وأنا أرى أول ملاحظة عندي ألا يكون الضغط علينا ما يسمى بالرأي العام العالمي والخجل منه وما إلى ذلك، وهذا هو موضع الاستشهاد الذي قلناه في موضوع الصلاة، من المعروف أن الصلاة متصلة بالشمس ومربوطة بهذا الموضوع، لكن نقول لماذا لا يصبح الضغط علينا أيضا لأننا نحن نصلي نفس الصلاة في مواعيد مختلفة، من الممكن أن يجعلوها أمرًا مخجلا ويدخلوا علينا هذا الأمر، ليس الموضوع أننا لا نعرف أن موضوع الصيام مربوط بالقمر وهذا يتعلق بالشمس فهذا واضح، لكن أن يكون الضاغط علينا هو الخجل من أننا نقف للصلاة فنختلف في المواعيد أو كما يقال الآن لماذا نختلف في صيامنا، فليس كارثة أن تختلف المشارق والمغارب أو تختلف المطالع في الشهور القمرية، ليس كارثة حتى لو أخذنا بالحساب تفضل يا سيدي بالجدول الذي قدمتموه في الحساب سنصوم نحن اليوم 18/4/1988م وسيصومون في أمريكا وفى القسم الغربي يوم 17 أبريل. إذن حتى وفقًا للحساب سنختلف في الصيام، فإذا كان الأمر خلاف وإننا نظهر بمظهر الفوضى فهذا موجود حتى في الحساب على حسب ما قدمتموه إلينا، إذن لا يكون هذا هو الضاغط، الأمر الذي يجب أن ننظر فيه أن إمكانية أن نستفيد فعلا من الوسائل العلمية وما المانع أن نجمع بين الحساب والرؤية فنوجه إلى الرؤية على ضوء الحساب، لماذا لا نوجه إلى الرؤية على ضوء الحساب، فتثبت الرؤية ويكون الأمر منتهيًا ببساطة، أنا أعتبر أن الأمور الحسابية تساعدنا في تحديد أوقات الرؤية والتوجه إليها.

هناك سؤال يدور في نفسي وأقدمه أو بهذه الكلمة التي لا توافق ولا تفارق.. أطرحه: افرض سيدي الأستاذ أن قلنا أن فلانا غادر عند الساعة كذا بالقطار المنتظم السريع وأنه سيكون عند المكان الفلاني الساعة كذا، فهل يصح لي أن أقول" إنني أشهد أن فلانا كان في المكان الفلاني عند الساعة الفلانية" هناك إنسان يتحرك بمعدل معين في ساعة معينة ومن المفترض أنه عند الساعة الفلانية سيكون هناك، فهل أنا شاهد على ذلك، أنا أعتقد أن وجه الموضوع أن الشهادة أمر يقيني يتأكده منا البعض فنصوم، ولا أرى أن هناك مشكلا كبيرا حول هذه القضية أن أفدنا من الحساب ووجهنا إلى الرؤية على ضوء الحساب وبذلك يتحقق الأمر ويكون واضحا ولا يكون هناك محل لهذا الخلاف الطويل في هذه القضية وشكرا

ص: 823

الأمين العام:

بسم الله الرحمن الرحيم.. (صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم) . حقيقة أن الدراسات التي قدمت اليوم حول مشكلة الرؤية والحساب كلها جيد ومقنع سواء كانت هذه تتصل أو تمشي مع الفقهاء القدامى الذين آثروا الرؤية البصرية أو كانت تتصل بقضية الحساب واعتماده في تحقيق وحدة المواسم بين المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها، الذي أردت لفت النظر إليه، أمران عمليان نعيشهما وعشتها أنا شخصيا، وقضايا تقديرية لا بد من الانتباه إليها، والمراد بالانتباه أي أخذها في التقدير. أما القضايا العملية التي نعيشها فإني كنت من أشهر بسنغافورة وقيل لي عندما ارتفعنا إلى مكان عال هو الجهة الأكثر ارتفاعا لهذه المدينة، قالوا نحن نحاول أن نحسب الشهر وأن تقدره بطريق الرؤية فلا نستطيع ذلك لأن السماء في كل العام الأفق فيها مغطى محجوب ولذلك لا يظهر الهلال إطلاقا إلا بعد أن يرتفع في كبد السماء، فلا تمكن الرؤية إلا في اليوم الرابع والخامس إلى آخره، وبناء على ذلك فنحن نحتاج إلى التعاون مع جيراننا للاستنارة برؤيتهم أو الأخذ بالتقدير الحسابي لنكون على بينة من أمرنا في قيامنا بعبادات الصوم.

وأما الأمر الثاني: فإني لاحظت أنا شخصيا بأن الحساب يقول بأن الرؤية مستحيلة في هذا اليوم وأن الشهر لا يمكن أن يرى القمر أو الهلال فيه إلا بداية من الغد. فإذا بالرؤية البصرية تثبت أن هذا اليوم وهو يوم الخميس يمكن أن يرى فيه القمر أو الهلال أو قد رؤي بالفعل وأن الحساب يكون متأخرا، فهذا إما أن يكون الحساب غالطا وإما أن تكون الرؤية غير صحيحة. وهنا أريد أن أذكر بما ورد في حاشية ابن عابدين من أنه قال"إن الحساب لا يعتد به إلا في مقام النفي"(شاهد نفى) فإذا قيل لنا بأن الرؤية البصرية تمت وتثبت أن الشهر بدايته اليوم وكان الحساب يقول بأن هذا غير ممكن، فهذا شاهد لبطلان الرؤية بالعين المجردة، فهي شهادة نفى تقدم في هذه الحالة. ثم هناك أشياء تلتقي فيها قضية النظر بالحساب وقضية الرؤية البصرية هو قضية اختلاف المطالع واتفاق المطالع. قضية اختلاف المطالع يبدو أن الفصل فيها ينبغي أن يقدم على الحساب والرؤية. إما أن يجمع المسلمون اليوم على أن الأخذ باختلاف المطالع لم يبق أمرا مأخوذا في الاعتبار، أن الأخذ باتحاد المطالع ينبغي أن يكون هو المسيطر على تقديراتنا لنوحد هذه المواسم ونجمع بين المسلمين كافة. أما إذا قلنا باختلاف المطالع فستظل دائما الخلافات قائمة. ثم النصوص التي تثبت الرؤية أو تعتمد الرؤية البصرية هي نصوص تؤدى إلى العلم بثبوت بداية الشهر. وكذلك الحساب هو طريق للعلم، لكن الذي جعل الناس في خلاف حول الحساب هو اختلاف أحوال الحاسبين في الماضي عن أحوال الحاسبين اليوم. فالحساب في الماضي لم يكن يقينا، لم يكن علما، كان شيئا من التخمين والحدث، ذلك أن الناس كانوا ينعتون بمنجمين وينعتون بسحرة، وأنهم يربطون النجوم والحظوظ وبدايات الشهور كل ذلك في صورة واحدة، وهذه الصورة معتمة لا يمكن القبول بها ولا الأخذ بشيء من نتائجها، ولذلك أجمع العلماء في الماضي على أنه لا يجوز الأخذ بقول أهل الحساب ولا المنجمين، أما اليوم فالحساب ليس عمل منجمين، الحساب هو أمر علمي يقيني وكل ما في العالم اليوم من تصريف للكواكب الصناعية التي تسير في الفضاء والمراكب التي تخترق الطباق العليا والتي تصل بالناس إلى الأفلاك وإلى القمر وغيره من الكواكب، هذه لم يصبح معها، لا يمكن أن يوصف معها العلم، علم الحساب بكونه ظنيا وإنما هي أمور قطعية واعتماد هذه الأشياء أمر ضروري في مواكبة الحياة ومواكبة التقدم العلمي.

ص: 824

وأنا حين أطرح هذه الأشياء لا أغلب جهة على جهة ولا رأيا على رأي وإنما أريد أن نأخذ في الاعتبار بهذه الحقائق كلها، وشكرا.

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

بسم الله الرحمن الرحيم.. أولا بالنسبة لما تفضل به بعض الأساتذه من أن هناك ضاغطا على المسلمين في قضية توحيد الشهور، فالواقع إذا تجاوزنا هذا الضاغط وهو موجود فعلا وقد لا نبالي به، إلا أن هناك ضاغطا من ذواتنا من عالمنا الإسلامي ذاته، فكيف يقبل إنسان فاسق أو فاجر أو إسلامه شكلي، كما هو أكثر العامة في زماننا هذا، كيف ندعوه إلى التدين والالتزام وهو يرى التناقض والتهافت في أعيادنا ومواسمنا. في سوريا صمنا يوم الأحد في بلد آخر صاموا يوم الاثنين في بلد آخر صاموا يوم الثلاثاء في بلد رابع صاموا يوم الأربعاء وقد يمكن أن يأتي بلد خامس أن يصوم يوم الخميس أو الجمعة. الأردن مرة عيدت يوم الأربعاء ونحن عيدنا يوم الجمعة فالمسافة بيننا وبين الأردن 210 كيلومترات بين دمشق وعمان ، بيننا وبين بيروت 105 كيلومترات عيدنا نحن يوم الخميس في بعض السنوات وعيدوا هم يوم الجمعة، مواسم الحج ناس بيحجوا على جبل عرفات هناك يقولون "لبيك اللهم لبيك" وناس يقولون نحن اليوم التاسع من ذي الحجة "الهم إنا نسألك بجاه يوم عرفة " أي يوم عرفة هذا وناس يقولون هذا عيد، عيدنا كل عام وأنتم بخير، وناس يقولون الثاني من ذي الحجة، أي يوم هو اليوم الفضيل يوم عرفة الذي يحج فيه الناس، الناس الذين عيدوا يوم عرفة كان عندهم 8 ذو الحجة، وأناس كلن عندهم يوم عرفة عاشر ذي الحجة وهؤلاء الموجودون على عرفات حجهم مقبول أو غير مقبول، ما يدرينا لعل المليونين حاج هؤلاء حجهم غير مقبول إذا ثبت أن رؤية هلال ذي الحجة كانت رؤية غير صحيحة. هذه أشياء الآن نحن نعانيها، فهل يجوز هذا الوضع أن يبقى، هذه مسألة جديرة بالبحث.

ص: 825

ثانيا: القضية التي أثارها فضيلة الأستاذ الكبير الزرقاء حفظه الله وإياكم أولا، أنا أعجبت بفضيلته لأمرين.. الأمر الأول ما ترونه من أنه حفظه الله عضو في مجمع رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وقع على القرار السالف وهو يقول: باختلاف المطالع، ويطالعنا فضيلته اليوم بالقول باتحاد المطالع بالكرة الأرضية كلها "ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي" المجتهد قد يرجع عن اجتهاده، إلا أني أعجبت لأمر آخر هي قضية كيف يقول بأن توحيد المطالع للكرة الأرضية كلها ثم يقول أيضا فضيلته وسمعتم ما تفضل به ولعله سهو في أحدهما، سها في أحدهما، أن الأرض قسمين قسم معتم وقسم منور، فالقسم المنور المفروض يكون يرى أهل المغرب لما رآه أهل المشرق ويلزم أهل المشرق بما رآه أهل المغرب، إذن كيف نعمم الحكم بتوحيد المطالع على الكرة الأرضية كلها علما بأن القمر طالع في نصف فقط ولا يطلع في النصف الآخر، هذا سؤال أريد أن أجاب عليه..

الأستاذ الدكتور الزحيلي حفظه الله.. قال قضية الرؤية القلبية.. الرؤية القلبية ما هى في واقع الأمر رؤية وإنما هي حساب بإطلاق وإنما قلت إنه البديل هو فضيلته أول ما تكلم قال الباحثون الأربعة قالوا بالحساب وأدمجت معهم. لي الشرف أن أدمج معهم فهم علماء أفاضل، غير أن قولي يختلف عن أقوالهم، فهم بين قائل باختلاف المطالع بالمائة مائة وبين قائل باتحاد المطالع بالمائة مائة ولكني قلت قولا وسطا، وفقت فيه بين القولين ولا أدعي أنه الصواب فهو أحسن ما وصلت إليه.. فهب أن الكرة الأرضية نصفين فلنقل بتوحيد المطالع في نصفين، إذا ما شئتم تقول خطوط الطول، وأن هذه من الناحية الفلكية غير مقبولة، أنا أصر عليها حتى يظهر لدى علماء الفلك بطلانها، قضية تقسيم الأرض إلى ثلاث خطوط طول أمريكا قطر، وآسيا تقسم إلى قطرين، والنصف هو الخليج الإسلامي، الذي على يمينه فارس وعلى يساره الكويت هذا يقسم آسيا قسمين، إذا ثبت بطلان ذلك فلكيا، هذا التقسيم الثاني، فإن الملحوظ تقسيم الأرض إلى قسمين قسم أمريكا بدليل ما رأيناه من هذا التقويم الذي بين أيدينا فإنه يثبت أن القمر يرى في يوم وفى أمريكا يرى في يوم آخر. هذا التقرير أمامكم تقويم.

فإذا أحببنا أن نوحد الشهور، بدايات الشهور نقول بتوحيدها لكن على أساس اختلاف القطر فنجعل آسيا وأفريقيا قطرا، وأوروبا طبعا معها، ونجعل أمريكا وحدها قطرا، واستراليا قطرا. هذا إذا أحببنا أن نقول بتوحيد المطالع، أما أن نقول بتوحيد المطالع في الأرض قاطبة من أولها إلى آخرها، فهذا أظنه فيه كثير من الإفراط في التوحيد الذي قد لا يقره علم الفلك.. هذه ناحية.. بعدما اكتشفت أمريكا في الواقع منذ أربعمائة سنة تغيرت موازين العلماء والفقهاء كثيرا، كان الناس لا يعرفون من الدنيا إلا آسيا وأوروبا وأفريقيا ، ثم اكتشفت قارتان كبيرتان، الأوقيانوس (استراليا) وأمريكا أفنظل على ما قاله الحنفية إذا رأي أهل المشرق يلزم بأهل المغرب، طيب يا أخي كأن الدنيا كلها هذا العالم المعروف الآن أمريكا لا هي من المشرق ولا هي من المغرب. وأوقيانوسيا لا هي من المشرق ولا هي من المغرب، قطر قائم بذاته، فالقول بالاتحاد مطلقا إفراط، والقول بالاختلاف مطلقا تفريط، ثم قضية الأميين كما تفضل الأستاذ الزحيلي حفظه الله، هو قيد اتفاقي لا قيد احترازي كما هو معلوم، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد وشكرا.

ص: 826

الشيخ زكريا البرى:

في كلمات في سرعة الضوء، لأني سمعت كلمات برقية وكلمات كذا، كلماتي في سرعة الضوء. أقول إنني سعيد بهذا الحوار واستفدت منه كثيرا جدا وأسعدني أنه نبهني إلى أني كتبت مقالا في صحيفة الأخبار القاهرية في أوائل السبعينات عنوانه "رمضان العربي وفبراير الإفرنجي" لأنني وجدت أن بعض البلاد الإسلامية صامت رمضان 28 يوما وقلت (لعل العرب والمسلمين لم يجدوا طريقا لتقليد أوروبا والإفرنج فيما يفيد ويغنى، فلم يجدوا إلا رمضان المقدس لكي يوصلوه إلى هذه النتيجة. وانتهيت في مقالي على حذر وعلى أدب لأنني أخاطب مجمعا فيه هذه التيارات وأكثر من أنه أرى الأخذ بالحساب العلمي. هذه قضية تنتهي بي إلى إنني بعدما سمعت ما سمعت أرى أن العمل بالرؤية المرصدية أصبحت متعينة وليست مجرد جواز. وإذا قيل بحدوث خلافات في هذا، فإنها مهما كانت ومهما يكن فلن تكون في بعد الشقة بين آثار الرؤية البصرية. أرى أن يكون هذا المجمع أو بعبارة أدق أمانته أن تتولى إعلان بدء شهر رمضان بالذات وقد يضم إلى ذلك شهور أخرى، لأنها في مكة المكرمة وهى أم القرى. وقد قرأت لبعض أساتذة الجغرافيا أن الدليل قائم علميا على أنها قطب العالم. إذن هي من الناحية الجغرافية هي العاصمة الوسط، وهى من الناحية الدينية هي عاصمتنا جميعا. ومنها ومن رؤيتها نحج في يوم عرفات لا برؤية أمريكا ولا برؤية مصر ولا برؤية الشرق ولا برؤية الغرب، وإنما برؤية مكة. وهذا أساس نتابعه. بعد ذلك أحب أن أقول تعليقا بسيطا على كلمة تكلمت بها رياستنا العالمة الموهوبة وهى أنه لاحظ في بعض التعبيرات لاحظ ملاحظة انتهت به إلى أنه يقول أن الشارع لا يربط إلا بالشيء المعصوم. وأنا إذا سمح لي أخالفه في ذلك، أن الشريعة الإسلامية تربط الحكم بالأمر اليقيني إذا كان ممكنا وإلا نقلت إلى الراجح ، وقد تربط الأمر بالظاهر ولا تربطه بالباطن بحسب اختلاف التطبيقات. هذا ما أردت إيجازه بسرعة الكلمات الضوئية وشكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 827

الشيخ روحان إمباى:

بسم الله الرحمن الرحيم (وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين) . أعتقد أنا نحاول إيجاد حل لمشكلة طرحت على العالم الإسلامي بأجمع، وكلنا نقدر خطورة هذه المشكلة لا سيما تجاه النشء الذي لا يدري إلى أين يتجه علماء الإسلام في هذه المسألة بالذات. وقد أشار إلى ذلك أحد الفضلاء آنفا. وأعتقد أن البحوث التي نقدمها لمعالجة مثل هذه القضية لا يمكن أن يقتصر علي الجانب الوصفي ولا على الجانب التاريخي لأن المشكلة مشكلة ميدانية. فالمشكلة نفسها ينبغي أن ننظر إليها بعين أو تحت منظار يكون مغايرا للمنظار الذي ننظر إليه حينما نعالج القضايا الفقهية البحتة. وأعنى بذلك أن ما جاء في بحث الشيخ السلامي الذي قال لنا أن إحدي الدول الإسلامية صامت يوم الأحد وإحدى الدول الإسلامية صامت يوم الأربعاء، لا يمكن أن تكون كل دولة من هذه الدول علي حق، لا شرعا ولا فلكيا ولا عقلا. لا يمكن أن تكون هناك أربعة أهلة في شهر واحد، هذا لا يمكن لا شرعا ولا فلكيا ولا عقلا. والمشكلة إذن أن يكون هناك اجتهاد نحاول أن نوحد كلمة المسلمين كي لا تتكرر مثل هذه الأشياء بدلا من أن ننظر إلى الفقه الإسلامي في أوانه الأول، لأننا مادمنا ننظر إلى المشكلة تحت هذا المنظار فلا بد أن يكون هناك تأثيرات مذهبية، وهذا يتمسك بالمذهب الفلاني وهذا يحاول أن يلفق ولا يتبعه الآخرون. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 828

الشيخ المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم (وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما) . أعتقد أنه لابد من التفريق بين أمرين، تفريق ثبوت الشهر ووسيلة الإثبات، فالله لما ربط الصوم والفطر والحج إنما ربط ذلك بثبوت الشهر بالشهر والظرف الزمني، على أن هذه عبادة مرتبطة بظرف زمني، وأما الوسيلة ففي القرآن لم ترد وكلمة "شهد" لا يصح أن تحمل على "شاهد" ولأن "شهد " تسلطت على الشهر والمشاهدة هي للهلال لا للشهر. فحمل {شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . على مشاهدة الهلال فيها مخالفة لأمرين: إضمار لا حاجة لنا به، وإخراج "شهد" عن معناها الأصلي إلى معنى آخر وهو "شاهد"، وإضمار مع مجاز يضعف هذا الاتجاه. إذن القضية هي وسيلة من وسائل الإثبات، ووسائل الإثبات عندنا وسائل ظنية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمد الظن وذلك لما ترافع له خصمان فقال:"لعل أحدكما أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع" فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن بين يديه ولا بين يدي القضاة الذين سيردون من بعد من غالب الأحوال إلا الشهادات أو المرافعة بين الخصوم وهو يعتمد على ما يراه. فإذا جاء أمر يقيني يكذب الشاهد فإن الشهادة التي شهدها تلغى باعتبار أن الأمر يقيني مقدم على الأمر الظني، ومن هنا أتوجه إلى سيادة الرئيس في أن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم هو معصوم ولا بد من أن نعلم أن كل فرد منا في هذا المجلس لا يختلف واحد عن آخر في إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يستحقه من الحب وما يستحقه من التقدير وما يستحقه من الامتنان لفضله، فمنته صلى الله عليه وسلم في رقابنا جميعا ولا يتهم أحدنا أحدا آخر بشئ في هذا المقام فإنه عندنا أنه من سب الله اختلف في كفره أما من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو استهان بقيمته فإنه كفر.

القضية هنا الرؤية المحققة ليس وراءها أمر. هذا كلام نأخذه بكامل الاحتياط فأقول: أن الرؤيا هي قضية ظنية وأن الحساب أصبح أمرا يقينا لأته يقول علماء الفلك "إنه لو عدلنا مسار المسبار مقدار 10 سنتيمترات من الأرض لضاع في الفضاء ولما أمكنه أن يصل إلى مكانه". فالدقة التي كانت نظرية كما قلت في كلمتي صاحبها أمر آخر وهو الدقة التطبيقية، إثبات ما ثبت على القرطاس بما ثبت علما بما ثبت يقينا بالتجربة. وإذا اجتمعت التجربة مع النظر فقد انتهى الأمر. فاليوم كلما جاء اليقين والظن تبعنا اليقين وهذه قاعدة شرعية، فنحن لا نرفض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكننا نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما يتناسب مع التقدم العلمي ، وكذلك القرآن من الإعجاز العلمي للقرآن هو أننا نفهم القرآن اليوم فهما فإذا بالعلم يتقدم فنجد أن أفهامنا كانت ناقصة وأن القرآن هو فهمه ليس على ما فهمنا. فالعلم هو يساعدنا على فهم أفضل للقرآن وعلى فهم أفضل للسنة وعلى طريقة يقينية في أمور الوسائل للإثبات لا الإثبات الذاتي. وشكرا.

ص: 829

الرئيس:

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

يا أستاذ يا سماحة الشيخ بس أمر خطير جدا- التعبير خطأ أرجوا تصحيحه.

الرئيس:

اتفضل والله أنا فاهم أنه أمر خطير جدا لكن الحقيقة أعرف أنه أمر خطير شاذ ولذلك أرجو إقفاله. إذا تفضلتم. اتفضل.

اتفضل الشيخ عبد اللطيف فرفور.

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

سماحة الأستاذ السلامي حفظه الله أظن أنه قد سها وكلنا معرض للسهو مع إجلالي لفضله وعلمه فأنا الذي أعرفه وقرأته وليس هذا تخطئة له. لا. وإنما هو مجرد تذكير، الذي قرأته وقد عقد ابن عابدين رسالة كاملة في مجموع رسائله حول هذا الموضوع وهو سب النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قرأته في هذه الرسالة وحفظته وقد أتى بنقول الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة أن الإجماع قد وقع فعلا على أن من سب الله عز وجل يكفر قولا واحدا ولكن هل تقبل توبته أم لا تقبل؟ فيما إذا تاب وشهد شهادتين ورجع للإسلام هل تقبل توبته أم لا؟ هنا الخلاف إلا أنه بالنسبة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فمن سبه كفر قولا واحدا كما يكفر بتلك ولكن هنالك الجمهور على عدم قبول توبته.

الرئيس:

أرجو عدم الإفاضة في القضية يكفينا تنبيهكم هذا جزاكم الله شكرا وأظن من قوله تعالى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} أظن في هذا كفاية عن أي كلام يحصل في هذا الموضوع وشكرا.

ص: 830

الرئيس:

أرجو كأن بعض الإخوان أحب أن أحيطكم أن بقدر الرؤيا فإننا نسجل الأسماء ولكن بعض المشايخ قد يستبطئ ورود الاسم وإلا فنحن نقيد الأسماء وتسجل بدون مؤاخذة قد نرى ما لا ترون لأننا ندير الرؤيا يمين وشمال ونقيد إشارات لا ترونها فعندنا فنحن نقول بالرؤيا لا بالحساب فالشيخ مثلا الخليلي، الشيخ أحمد البزيع الشيخ رجب الشيخ الضرير الشيخ الجعيط الشيخ عمر جاه الشيخ عبد السلام الشيخ بن بيه الشيخ الشريف فأرجو ألا يستبطئ الإخوان وربما وقع غلط في الواحد والاثنين فتتحملون هذا لأن هذه الأمور قد تفوت على الإنسان بعض الشيء فإن رأي فضيلة الشيخ الخليلي أننا بهذا نكتفي وترفع الجلسة للصلاة ثم نعود إن شاء الله تعالى لاستكمال البحث وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم استأنف جلستنا هذه الشيخ الخليلي.

الشيخ الخليلي:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وشكرا معالي الرئيس.

ص: 831

في الواقع أنا حريص أن أستفيد أكثر مما أفيد لأن بضاعتي في كل شئ مزجاة وفي هذه المسألة بالذات في هذه الأيام القريبة لم أدرسها مع إنني في الأيام السابقة عنيت بدراسة بعض جوانبها ولعله قد علق بذهني شئ من المعلومات التي تتعلق بها منذ تلك السنين الماضية إلا أن المشايخ الذين تحدثوا جزاهم الله خيرا قد أغنوا عن ذكري للمواضيع التي قد كنت حريصا على ذكرها. وإنما أريد أن أتحدث في شئ لا يكون تكرارا لما قيل وإن كان في الواقع تأييد لرأي من هذه الآراء، هذه المسألة ذات شقين:

الشق الأول: العمل بالحساب الفلكي في بداية الشهور ونهايتها أو في بداية الصوم ونهايته وتحديد مواعيد الأعياد في الإسلام. ينبغي أن ننظر أولا إلى أن دين الإسلام الذي شرعه الله سبحانه وتعالى للعباد وكلفهم به هو دين ميسر لكل أحد يفهمه الناس على اختلاف طبقاتهم الفكرية، فهناك الذكي وهناك الضعيف وهناك القادر على الفهم وهناك العاجز عن الفهم، فلذلك كان هناك الدين الحنيف دينا ميسرا ولم يكن دينا معقدا.

وقد أناط الله تعالى العبادات بأشياء مفهومة للعباد، ورؤية الأهلة أمر مشترك بين جميع الناس ليس هنالك فارق ما بين الذكي والغبي والعالم والأمي بل ولا بين الرجل والمرأة أو الشاب والعجوز، إنما الكل في هذا الأمر سواء. بينما الحساب الفلكي هو أمر لا يعرفه إلا الخاصة من الناس، فقد يكون قطر بأسره ليس فيه حاسب فلكي. والأقطار التي عنيت بالحساب الفلكي الذين يتقنون هذا العلم هم قلة نادرة. فلو نظرنا إلى النسبة المئوية في هذه البلدان المتقدمة نسبة الذين يعرفون أو يتقنون الحساب الفلكي منتهى الإتقان وسائر السكان لوجدنا النسبة ربما لا تصل إلى واحد في المائة، مع أن عبادة الصوم مطلوبة من الكل، فأرى من هذا الإلزام، إلزام الناس بالأخذ بالحساب الفلكي أو فتح هذا الباب تكليف الناس أو تكليف عامة الناس بما يجهلونه، هذا من ناحية، أما ما ذكر من أن الناس أصبحوا الآن يعتمدون على الساعة مثلا في فهم مواقيت الصلاة مع أن الصلاة أهم ركن في الإسلام بعد العقيدة فهذا قياس مع الفارق لأن الساعة يضبطها الفاهم وغير الفاهم الشاب والعجوز، العالم الكبير والجاهل الغبي، كل منهم يستطيع أن يضبط الساعة، أما الحساب الفلكي فضبطه لا يتيسر إلا للقلة النادرة. فمن هنا أرى في إلزام الناس أو في إصدار فتوى بالأخذ بالحساب الفلكي إحراجا على الناس، هذا من ناحية الشق الأول.

ص: 832

الشق الثاني: يتعلق بتوحيد الأهلة. لا أشك أن الذين يسعون إلى توحيد بداية الشهور ونهايتها لهم نية حسنة. وكما سمعت من كثير من الحاضرين أنهم يريدون أن يدرؤوا بذلك عن الإسلام والمسلمين تهمة الفوضى. لا أشك أن هذه النية هي نية ربط بعض العبادات بأشياء طبيعية، فعبادة الصلاة تبدأ صلاة الفجر مثلا بانشقاق الفجر، ولا يصح لأحد أن يصلي الصبح قبل انشقاق الصبح، نفس الشئ صلاة الظهر تبدأ بزوال الشمس، صلاة العصر تبدأ إذا وصل الظل إلى مقدار معين، صلاة المغرب تبدأ بغروب الشمس، وهكذا. فكذلك الصيام هو مربوط بحسب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برؤية الهلال، فإذا كانت في هذه البلدة الرؤية غير حاصلة وحصلت هذه الرؤية في بلدة أخرى بينها وبين هذه البلدة من المسافة الزمنية ساعات. ننظر مثلا ماليزيا بداية البلاد الإسلامية من جهة الشرق وبلاد المغرب وموريتانيا التي هي نهاية البلاد الإسلامية من جهة الغرب فضلا عن المسلمين الذين يسكنون في أمريكا والذين يسكنون في أستراليا والذين يسكنون في اليابان والذين يسكنون في بلاد أخرى. إذا ثبتت رؤية هلال رمضان أو رؤية هلال شوال في المغرب مثلا، بين المغرب وماليزيا تسع ساعات، فإذا ثبتت الرؤية في المغرب فمتى تثبت؟ تثبت في وقت تكون فيه ماليزيا تستقبل الفجر أو تستقبل السحر في وقت السحر بالنسبة إلى ماليزيا، بالنسبة إلى ذلك البلد تكون الرؤية متعذرة في هذه الحالة. وهكذا في بقية البلدان وما دمنا نحن في الصلاة مختلفين في الأوقات فكذلك في الصيام، وما دام صيام اليوم وفطر اليوم الواحد يختلف بين منطقة وأخرى بحسب اختلاف المطالع والمشارق فكذلك بداية تحديد دخول شهر الصوم ونهاية شهر الصوم لا يضيرنا شيئا إذا ما كان هنالك أي فارق هذا حسب ما أرى.

ص: 833

ثم إذا جئنا إلى ما يؤثر عن السلف في هذا نجد حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه الإمام مسلم وأصحاب السنن من طريق كريب قال: (أرسلتني أم الفضل بنت الحارث والدة عبد الله بن عباس إلى معاوية بالشام فلما قضيت حاجتها ورجعت إلى المدينة سألني ابن عباس ثم قال لي: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقالت: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: ولكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل 30 أو نرى الهلال فقلت: أو ما تكتفي رؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.) قد يقول قائل: أن هذا الحديث موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما والصحابي مهما كانت منزلته في القلب يجوز أن يخالف في الاجتهاد. أقول جوابا على هذا حسب نظري: أن الصحابي إذا قال: سمعت رسول الله، أو أمرنا رسول الله أو نهانا رسول الله، حسب ما عرفت من كتب مصطلح الحديث لأن لهذا الحديث حكم الرفع فقد ذهب كثير من العلماء إلى أن قول الصحابي نهينا عن كذا أو أمرنا بكذا له حكم الرفع، فكيف إذا نص على أن الآمر أو الناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا ريب أن بعض العلماء حملوا كلام ابن عباس رضي الله عنهما على أنه متأول لقول الرسول صلى الله عليه وسلم. صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته الذي يحتمل ضروبا من التأويل والجواب عن هذا ما الذي يكلفنا إلى أن نقول أن ابن عباس اعتمد إلى هذا الحديث بنفسه؟ ليس هناك دليل بأن ابن عباس رضي الله عنهما لما أراد ((هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.)) أنه أراد هذا الحديث بنفسه وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم. ((صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)) . الفارق بين الشام والحجاز طبعا أقل من الفارق بين بلاد الخليج مثلا وبين بلاد المغرب وكذلك أقل بكثير من الفارق ما بين بداية البلاد الإسلامية من جهة الشرق ونهايتها من جهة الغرب فضلا عن الفارق الكبير بين أنحاء الكرة الأرضية. وأقول ابن عباس رضي الله عنهما في الحديث الذي رواه مسلم ولما أذكر نص الحديث ولكن حسب حفظي بأن الناس لما تراؤا الهلال قال بعضهم: هو لليلتين. وقال بعضهم: هو لثلاث، قال ابن عباس هو لليلة رأيتموه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله أظلمه لكم لتروه)) .

ص: 834

نفهم من هذا الحديث ماذا؟ نفهم من هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يقطع على الناس باب الجدل والشك والدخول في الأشياء التي أكثرهم لا يستطيعون أن يضبطوها، وإلا فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان لم يكونوا من البدائية بحيث يجهلون منازل القمر وتختفي عليهم منزلة القمر إذا كان لليلة واحدة أو إذا كان لليلتين أو إذا كان لثلاث حتى يقال: أن لغيرهم حكما آخر، هذا حسب ما أرى. ولا أرى على نفسي حرجا إذا قلت: لا أعلم فيما لا أعلم، فأنا لم أعلم وجه قول أستاذنا وأخينا فضيلة الشيخ عبد اللطيف الفرفور بأن العالم يقسم إلى ثلاثة أقطار مثلا البلاد التي نحن في جزء منها الآن تبدأ من منطقة الخليج وتنتهي ببلاد المغرب التي هي مطلة على المحيط الأطلسي. ما عرفت وجه هذا التقسيم بحيث تلزم مثلا سكان منطقة الخليج رؤية أهل المغرب ولا يعتبر أهل منطقة الخليج بالنسبة إلى الضفة الجنوبية من الخليج ، لا تلزمهم رؤية أهل إيران مثلا وهم أقرب حسبما يبدو لي، ويكون أهل إيران أيضا غير ملزمين برؤية أهل منطقة الخليج وهم ملزمون برؤية أهل منطقة الخليج وهم ملزمون برؤية أهل اليابان.بقى في نفسي شئ من الإشكال بسبب قوله هذا وعلى كل حال، المسألة مطروحة لأصحاب الفضيلة العلماء الذين هم أبصر منى وأقوى على استخراج الأحكام من أدلتها.. وشكرا لكم معالي الرئيس وللحاضرين جميعا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 835

الشيخ أحمد البازيع ياسين:

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين الأتقياء الأنقياء وصحابته الكرام البررة ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.

أنا أود أن أبين بالنسبة ما أعرفه عن الأمية عندما يصف الله سبحانه وتعالى نبيه بالنبي الأمي، هذا كمال للمصطفى صلى الله عليه وسلم وليس انتقاص. ولما يصف أمته {فِي الْأُمِّيِّينَ} بالأميين هذا كمال أيضا وليس انتقاص. لأن بالرغم من أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي أمي إلا أنه عندما نزل عليه الذكر الحكيم وأوحى إليه الله سبحانه تعالى مكنه من أن يقود العالم ولم تكن قيادته للعالم أو هدايته صلى الله عليه وسلم آتية له من فلسفة يونانية أو شرقية أو غربية، إنما هو معجزة الله الدائمة وهو القرآن. والأميون كذلك حملة القرآن إذا حملوه لا شك بأنهم يسودون العالم، وهذا ما أعتقد أنها دليل بالنسبة إلى ما ذهب إليه أستاذنا أو علة للحساب. ثم أن في وقت المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه محاسبين. ثم الأمر الثالث عندما يكون الفقهاء إذا كان هناك نص من كتاب وسنة فلا اجتهاد، لماذا نكلف أنفسنا ما لا نطيق {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} . فما دام هناك نص ((صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)) . فلماذا نكلف أنفسنا في غير ذلك.

إنما أود أن أبين نقطة وهي قد لا تكون متوفرة في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهي نقطة وصول الأخبار. الآن الكرة الأرضية كما تعلمون صغيرة، لأن الواحد في أي مكان يستطيع أن يصل بالتليفون وبالتلكس أو بالبرقية إلى سائر أقطار المعمورة. {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} . هذا نص من كتاب الله فإذا اتحدت الأمة في صيامها وفي فطرها فهذا شئ جميل وشيء مرغوب فيه وشيء مدعو له. وأيضا أبين عن الحساب، إنما يعتري الحساب الخطأ، إذ مجرد ما نقول حساب، فالحساب يعتريه الخطأ، كما يعتريه الصواب. ثم إذا قلنا أن الحساب منبثق من محاسبين، المحاسب أيضا يعتريه ما يعتري الشاهد. إذا قلنا أن في الشهود قد يكون هناك مدلسين أو مزورين، إنما قد يكون في الحساب محاسبين نفس الشئ. إنما الذي يظهر لي ما دام أن الأمة الإسلامية ولله الحمد متجهة إلى توحيد شئونها وأمرها وأن المشكلة ليست مشكلة مطالع واتحاد بل مشكلة اختلافات في الآراء أو ربما في السياسات، إذا كان والحمد لله الاختلافات ما هي موجودة من الممكن أن يقترح مجمعكم تكوين هيئة رؤية شرعية، تجتمع هذه الهيئة في أي مكان ترى، وليت تجتمع في مكة المكرمة ، تستعين هذه الهيئة بالرؤية وتستعين بالمرصد وتستعين بالحساب.

ص: 836

فهذه الأمور الثلاثة، الوسائل الرؤية أولا، ثم إذا تعذرت الرؤية (غم عليكم) ، إذا كان ممكن في الحساب أو إذا كان في المرصد كما قال أخوانا أنه في الحقيقة رؤية، إنما مكبرة، هذه بالعين المجردة وهذه بوسيلة تكبر الرؤية، ثم الحساب يأتي درجة ثالثة حسب رأيي. إذا كان من الممكن أن نقترح هذا حتى يخرج اجتماعنا بشيء عملي وأنا في الحقيقة لست فقهيا وإنما كواحد من عامة الناس ينشرح صدري وأستر سرورا عظيما بالغا عندما يقول: صام المسلمون في يوم واحد وأفطر المسلمون في يوم واحد. ثم ((صوموا لرؤيته)) هل هذا الأمر موجه فقط لأهل المدينة أو للأمة الإسلامية عموما، للأمة الإسلامية عموما من نبي الأمة عموما، إذن لو كان النبي صلى الله عليه وسلم في مقدوره أن يصل إلى هذا العلم إلى العالم كله في وقته صلى الله عليه وسلم، والكرة الأرضية كلها مسلمة هل يقول لأهل المدينة:((صوموا)) ولا يقول لأهل أمريكا ((صوموا)) عندما يقول ((صوموا لرؤيته)) الأمة الإسلامية على الكرة الأرضية كلها أمة إسلامية مثلا رئيسها واحد، ثم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((صوموا لرؤيته)) يعنى هذا الخطاب موجه لمن؟ للأمة عموما أو لكل منطقة على حدة

؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الشيخ رجب التميمى:

بسم الله الرحمن الرحيم.. أود في كلمتي أن أحدد مسألة هامة وردت في أقوال الإخوة العلماء وهي مسألة إثبات شهر رمضان أو شوال أو ذي الحجة، الشهور التي تتعلق بها عبادات. أولا، الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين لنا في الحديث الشريف الذي لم يعارضه المسلمون ولم يختلف أحد من المسلمين على صحته ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فأن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما)) هذا الحديث الشريف هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول لا ينطق عن الهوى، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} . فهذا الحديث وهذا الأمر هو وحي يوحى، فهذا الحديث وهذا الأمر هو وحي من الله لا يجوز لنا أن نجتهد فيه لأنه لا اجتهاد في مورد النص، لأن العبادة متعلقة بالرؤية كما أمر الرسول، لا بالحساب.

ص: 837

وهنا أود أن أذكر شيئا، أن الحساب الفلكي لم يصل حتى الآن في تحديد الأشهر القمرية. مثلا، الأشهر القمرية شهر 30 وشهر 29 فيه شهرين يأتوا 29 وراء بعض، كما درست في علم الفلك في الأزهر الشريف فهمت أن تحديد الشهر كونه 30 أو كونه 29 لم يصل إليه الفلك. كذلك لم يصل الحساب الفلكي إلى معرفة الشهرين اللذين هما 29 وراء بعض إلا بالرؤية أما بالحساب فلم يصل ذلك قد درست هذا، والعالم والحساب الفلكي في الأشهر القمرية العربية هو حساب ظني، لكن الرؤية قطعية لا مجال للاختلاف فيها والرسول صلى الله عليه وسلم شرع لنا ذلك في عباداتنا. لا يجوز أن نقول إننا ننطلق إلى الحساب، لا بأس من أن نسترشد بذلك على أساس أنه ليس حكما شرعيا لأننا مقيدون بالأحكام الشرعية التي وردت في الكتاب السنة والأصول التي اتفق عليها الفقهاء.. أما قول الأمية، الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} . تأمرون بالمعروف أي تفيضون على العالم بالعلم والحكة لتخرجوه من الظلمات إلى النور. فقول الرسول صلى الله عليه وسلم:((إننا أمة أمية)) بمعنى أن هذه الأمة الأمية ستقود العالم إلى الخير وإلى العلم وإلى المعرفة، فهي كلمة فيها إعجاز، كرامة لهذه الأمة التي تبدل العالم من ظلم إلى عدل إلى رحمة إلى تقدم إلى فضل إلى كمال، هذه هي الأمة الأمية وليست علة أنها أمة "كذا وكذا" ولا تعرف أن تبدأ الشهر القمري، هذا كلام لا يقال، البدء بالشهر القمري الرؤية وحي من الله ولن يستطيع العلم ولن يستطيع الحساب الذي قلتم عنه إنه قطعي، أقول إنه ظني ولم يصل حتى الآن في تحديد الأشهر القمرية ولا معرفة الشهر 30 من الشهر 29 أو الشهرين 29 وراء بعض واسألوا بذلك علماء الفلك، فكلهم يطلع علينا بالمفكرات المتناقضة، يحسبون مقدما ثم يختلفون في المفكرات، لا تكون مفكرة مثل الأخرى لأن الحساب العلمي لم يصل إلى درجة القطع في الشهور القمرية لأنه لأمر أراده الله أن تكون الأشهر القمرية ثبوتها بالرؤية وتعلق الصوم والعبادات بها وبناؤها على الرؤية، وهذا أمر لا يجوز لنا أن نجتهد فيه ولا يجوز لنا أن نسمع، فيه حكا شرعيا مادام الحكم (إن غم) بسبب الأحوال الجوية نكمل ثلاثين يوما وانتهي الأمر.. هذا من ناحية إثبات الأهلة.. شيء واضح لم يختلف فيه العلماء بالرؤية من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا. الأمة الإسلامية كانت أعلم الأمم تقود العالم بالعلم في العصور الماضية، في العصر العباسي وفى الأندلس ما جاء واحد من العلماء وقال نحن كنا أميين وصرنا علماء إذن بودنا نحى الرؤية، هذا أمر لا يقوله مسلم أبدا.

الناحية الثانية: هي ما اجتمعنا لأجله وهو توحيد الشهور القمرية.. طبعا كما ذكر إخواني العلماء المطالع تختلف وما يثبت في بلد لا يثبت في بلد غيره، أما أن العلماء قد اختلفوا في ذلك وبعضهم يقول: أن اختلاف المطالع لا يؤثر، وهذا حكم قاله الحنفية والحنابلة وفى هذا العصر أن ثبت في بلد في دقيقة واحدة يعلم العالم بهذا الخبر، فيمكن أن نجتهد في توحيد الشهور القمرية حتى يجتمع المسلمون في عباداتهم في صومهم وفى حجهم. طبعا الحج هو العبرة بثبوت الرؤية في مكة المكرمة وفي بلاد الحجاز لأنها إذا ثبتت وجب على المسلمين جميعا أن يقوموا بذلك وأن يحجوا في اليوم التاسع حسب ثبوت الهلال في البلاد الحجازية هذا أمر لم يختلف فيه العلماء أبدا، لكن لا مانع من أن نجتهد في توحيد الشهور القمرية حتى يتحد المسلمون، وإن لم نجمع على ذلك من عظمة الإسلام ومن كرامة الإسلام الاختلاف وليس فوضى أبدا، هذا من عظمة الإسلام، اختلاف المطالع والصوم ليس فيه فوضى أبدا. ويجب حينما نتكلم عن أحكامنا وعما ثبت في أحكامنا أن نتكلم بالاحترام والتقديس لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. وشكرا لكم.

ص: 838

الشيخ الصديق الضرير:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وسائر الأنبياء والمرسلين. وبعد.

أولا أود أن أقول أن فضيلة الشيخ رجب قد قال كثيرا مما في نفسي ولكن لابد أن أقوله تأكيدا. هذا الموضوع في رأيي يتطلب الحديث في مسألتين.. المسألة الأولى ثبوت الهلال أو إثباته ولا فرق عندي بين الثبوت والإثبات، هل يكون بالرؤية ولا يصح الاعتماد على الحساب أم يجوز أن نعتمد على الحساب، هذه هي المسألة الأولى.. والمسألة الثانية: هي ما يسميه الفقهاء قديما باختلاف المطالع لأن في رأيي أن البت في المسألة الأولى يؤثر تأثيرا كبيرا على بحث المسألة الثانية. ولهذا أنا كنت أول الأمر أردت أن أقترح أن ينحصر الكلام في المسألة الأولى، لأنه إذا انتهينا فيها إلى رأي هذا سيوصلنا بسهولة إلى البت في المسألة الثانية إذا انتهينا إلى أن الاعتماد على الحساب المسألة ستكون يسيرة جدا في موضوع التوحيد. وكذلك سأتكلم الآن عن المسألة الأولى فقط وأرجئ المسألة الثانية إلى فرصة أخرى.

قال المتحدثون الذين من رأيهم الاعتماد على الحساب: أن شهادة الشهود محتملة للخطأ ومحتملة للكذب إلى آخر ما قالوه. فهي حجة ظنية. نعم أقول معهم إنها حجة ظنية لكن هذا الاحتمال ليس حجة ظنية في إثبات الهلال وحده وإنما هي حجة ظنية في جميع الأحوال وشهادة الشهود يثبت بها ما هو أخطر من إثبات الهلال (هي تؤخذ في الدماء) فكيف نراها لهذه الاحتمالات هذه مجرد احتمالات، والواجب على من يتولى الأمر إثبات الهلال أو إثبات أي دعوى أخرى فيها شهود.

ص: 839

الواجب عليه أن يتحرى ويتثبت في أن هؤلاء الشهود عدول وأن يتخذ كل الطرق التي يصل بها إلى ما تطمئن به نفسه إلى أن هذه الشهادة حقيقة بحسب اجتهاده. هذه مسألة مفروغ منها، فشهادة الشهود وإن كانت ظنية فهي مقبولة من غير خلاف، فقد يقول قائل: وجدنا ما هو أثبت منها، وهذا ما قالوه. قالوا: أن الحساب الفلكي قطعي، وهذه ظنية، والقطعي مقدم على الظني نقول لهم: نعم، ولكن لا نسلم بأن الحساب الفلكي قطعي ولا قريب من القطعي كما قال بعض الإخوة. والدليل عندي الآن في هذا اليوم نحن الآن هنا اليوم الرابع عشر من شهر ربيع الآخر وفي السودان في اليوم الثالث عشر من شهر ربيع الآخر والتقويم موجود هناك وموجود هنا وكلاهما معتمد على الحساب الفلكي فأي الحسابين صحيح، ليس هذا في السنة التي حصل فيها الخلاف وندد فيا زميلنا وأظنه قد خرج وسخر من الذين صاموا 28 يوم كانت النتائج تختلف على ثلاثة أيام وهذا شاهدته بنفسي وعندي هذه النتائج كلها معتمده على الحساب الفلكي، فكيف نقول: أن الحساب الفلكي يقيني. هذه مسألة مشاهدة. وأحب أن أقف قليلا لأعلق على رمضان الذي جعل فبراير لأني أنا صمت هذا رمضان ذلك 28 يوم ولكني قضيت يوما وصام معي عدد كبير من السودانيين بناء على فتوى صدرت من مجلس الإفتاء وأنا أحد أعضائه عندما سمعنا بأن الهلال ثبت في السعودية وكان ذلك قبل الفجر فأصدرنا فتوى بأن هلال شوال ثبت وعليكم أن تفطروا في هذا اليوم وتقضوا يوما لأنه تبين مادام ثبت الهلال ومعروف عند جميع المسلمين أن الشهر لا يكون 28 يوما إما 29 أو30 فأفتينا بأن يفطر المسلمون في السودان لأنه ثبت أن هذا اليوم عيد ولا يجوز الصوم يوم العيد وعليهم أن يقضوا لأنه تبين أنهم تركوا يوما في أول شهر رمضان، هذا هو ما حدث بالنسبة لمسألة 28 يوما ولا يصح أن يندد بها ويسخر منها وليست هذه المسألة أول ما حصلت.

هذا حصل حتى في العصر الأول على ما أذكر حصل مثل هذا، فأعود إلى موضوع الحساب الفلكي ومسألة الظنية والقطعية، هو واضح أن كلا الطريقين طريق ظني إلى الآن على الأقل، الحساب الفلكي ظني، إذن لم نترك ظني إلى ظني؟ نترك ظني ثبت كما قال الإخوة ولا أريد أن أدخل في هذا. ثبت بالحديث الصحيح الأمر بالرؤية وأن الثبوت يكون بالرؤية، فرأيي هذه المسألة هي في نظري واضحة ولا يصح الاعتماد على الحساب الفلكي وحده. لكن مع ذلك قد أقترب من رأي الأستاذ الزرقاء وأقول وقال هذا الرأي بعض الإخوة أيضا: أن علينا أن نجعل الأصل ونعتمد على الرؤية مع الاستعانة بالحساب الفلكي، وأن نحث البلاد الإسلامية على الاهتمام بالرؤية لأن هذه مسألة واضحة في هذه الأيام. المسلمون لا يهتمون برؤية الهلال بتاتا، أذكر أنه قبل ثلاثين سنة كان اهتمام شديد برؤية الأهلة وفى كل شهر وليس في شهر رمضان فقط. وهذا كاد ينعدم الآن ويمكن في كل البلاد. فيجب أن نحث المسلمين على الاهتمام بالرؤية، رؤية كل شهر مع الاستعانة بالحساب الفلكي. وأعنى بالاستعانة بالحساب الفلكي مثلا الآن في هذا الشهر نريد أن نتحرى هلال شهر ربيع الآخر النتائج تقول 29 يوما والنتيجة الأخرى تقول 28 يوما أتحرى يوم 29 فإن رأيته الحمد لله الرؤية أيدت هذا الحساب الفلكي، لم أره يأتي اليوم الذي بعده وهو 29 بناء على حساب آخر أيضا أتحراه ولا أعتمد ولا أكمل هنا، ولا أقول أكمل ربيع الثاني 30 قياسا على إكمال شعبان لابد أن أتحرى وأنظر فإن رأيته أعتبر أن النتيجة الثانية هي الصحيحة ولا أعتمد على أي من الحسابين الفلكيين.

ص: 840

وهذا رأي في مسألة ثبوت الهلال.. هي باختصار الاعتماد على الرؤية وجعلها هي الأصل مع الاستعانة بالحساب الفلكي.. وأعتقد أن هذه كانت توصية في أكثر من مجمع في هذا الموضوع. أما الموضوع الآخر فأترك الحديث عنه إلى أن يبت في هذه المسألة.

الشيخ عمر جاه:

بسم الله الرحمن الرحيم.. فضيلة الرئيس أريد أن أشير فقط إلى نقطتين من ضمن النقاط التي دار حولها النقاش في هذه المسألة.. النقطة الأولى هي مسألة الحساب العلمي وأنا متفق تماما مع من يميل إلى أن الحساب العلمي لم يصل بعد إلى اليقين الذي لا مجال للشك فيه، هذه حقيقة وكلنا يعرف هذا. ومع ذلك ينبغي أن نعترف أيضا أن الحساب العلمي كأي علم من العلوم تطور. لو وصل هذا العلم إلى ما وصل إليه اليوم في زمن الرسول أعتقد بأن المسألة سوف تختلف، لا ينبغي أن نهمل الحساب العلمى حينما نجتهد في أي أمر يتعلق بحياة المسلمين.. هذه ناحية.

والنقطة الثانية تتعلق بمسألة المطالع وكلنا يعرف أن الشمس تشرق أو تطلع في أقصى القارة في أوقات تختلف، اختلاف الأوقات قد يصل أحيانا إلى تسع ساعات أو أكثر، ومن هنا أريد أن أثنى ما ذهب إليه بعض أصحاب الفضيلة وخاصة الأمين العام للمجمع والدكتور عبد اللطيف الفرفور ومن ذهب إلى ما ذهبوا إليه. ينبغي أن نهتم إذا كنا نسعى إلى توحيد بداية الشهور الإسلامية نهتم بتوحيد المطالع، ومما لا شك فيه أن المطالع طبيعيا لا يمكن توحيدها على الكرة الأرضية كلها، ذلك لأنه ثبت الفرق الزمني بين منطقة والمنطقة ولا يمكن أن نفكر في أن الكرة الأرضية كلها يكون مطلعها واحدا، لكن يمكن كما ذهب الشيخ فرفور وهذه المسألة ليست جديدة أننا نجتهد، ونحدد مناطق جغرافية معينة ننصح أنه إذا ظهر شهر إذا رؤى شهر الهلال في أي منطقة من هذه المناطق ننصح من ينتسب إلى هذا المطلع أن يصوموا اليوم وأنا أيضا أميل إلى قول الشيخ التميمي الذي يقول إنه ليس فوضى أنا لا أرى أن هناك ضيقا من أن المسلمين في أمريكا يصومون في يوم يختلف عن اليوم الذي يصوم فيه المسلمون في جنوب شرق آسيا. هذا طبيعي حقيقة، والذي يهمني والذي يسعدني إنني أرى في دولتين مسلمتين متجاورتين يصومون في أيام مختلفة. أليس هناك ثقة؟ ألا نستطيع أن نضع الطريق ليستطيع المسلم الذي يعيش في دولة مجاورة لمسلم آخر أنه إذا ثبتت رؤية الهلال في هذه المنطقة ينبغي أن نتمسك بها ونصوم؟ لكن هذه هي المسائل العملية التي ينبغي أن نهتم بها فأنا أميل إلى أن اختلاف المطالع شئ واقع، علينا أن نجتهد في توحيد أو في تضييق شقة الخلاف فما يخص، المطالع ولا ينبغي أن نهمل الحساب العلمي إهمالا كليا لأنه ثبت علميا أن هذا العالم أثبت حقائق ملموسة يمكن أن نستعين بها في توحيد هذا المبدأ الذي نميل إليه وشكرا.

ص: 841

الشيخ عبد السلام العبادى:

بسم الله الرحمن الرحيم.. الواقع من مجريات النقاش اتضح أن المشكلة ليست في صيام أحد البلاد الإسلامية اليوم وصيام بلد إسلامي آخر غدا، لأن موضوع اختلاف المطالع يعالجه، لكن القضية في الواقع التي يعانى منها المسلمون في هذه الأيام، هذه الفوضى الواسعة في هذا المجال أن يصل موضوع اختلاف المطالع إلى ثلاثة أو أربعة أيام وهذا لا يرضي أحدا، مع ملاحظة اجتهادات الفقهاء المسلمين وأوضاع المسلمين التمسك بموضوع الرؤية الشرعية، لأن هذه القضية كانت في حديث رسول صلى الله عليه وسلم الوسيلة المقررة شرعا للتأكد من دخول الشهر وخروجه لأن القران الكريم كما نعلم جميعا يوجب الصيام على من شهد الشهر، على من حضره وكان مكلفا شرعا عند شهود الشهر. والرؤية هي أداة تقرير دخول الشهر أو خروجه. السؤال الكبير في هذا المجال يتعلق بأمرين الأمر الأول: إذا قام يقين بخطأ شهود معينين جاؤوا للشهادة بأنهم رأوا الهلال هل ترد شهادتهم أم لا ترد؟ هذه قضية. والقضية الأخرى ترتبط بنص الحديث الذي هو أساس تمسكنا بالرؤية وهو أن الخطاب فيه لجميع المسلمين فهل يشترط رؤية جميع المسلمين للهلال أم يكفى رؤية بعضهم وعند ذلك يجب الصيام على جميعهم؟ الحسابات الفلكية التي تصدرها المجامع العلمية المتخصصة تقطع بالتأكيد، هذه قضية لها أصحابها ولها المختصون بها، لا نستطيع نحن بمعلوماتنا المحدودة في هذا المجال أن نقول بأن هذا الحساب ظني، لابد بأن نلتق بأهل الاختصاص وأن نرى مستنداتهم في القطع في هذه المجالات لنقرر أنه قطعي أو غير قطعي، وقد قدمت الدراسات العلمية في هذا المجال حسابات لحركة القمر بالنسبة لحركة الأرض ليس بالثانية ولكن بأقل من الثانية، وما يرى الآن في إطلاق السفن الفضائية وكيف يحسب وصول السفينة الفضائية إلى المريخ بأقل من الثانية متى تصل هذه السفينة، وقضية القطع أرجو أن لا يترك هذا الأمر لغير المختصين الأتقياء الورعين الذين لا يتقولون في هذا المجال، إنما يقولون الحق فما يعتقدون أنه الحق، مادام من خلاصة هذا الكلام أن الأمر منوط بالرؤية الشرعية والخطاب جاء للأمة الإسلامية جميعا وليس لبلد دون بلد، فلابد من تشكيل هيئة لإثبات الرؤية الشرعية وليكن مركزها مكة المكرمة للاعتبارات التي ذكرت وتكون من العلماء الذين تتوافر فيهم الشروط المقررة شرعا لمثل هذه الأمور.

ص: 842

وهى شروط القضاء كما تعلمون، ولها أن تستعين بمن ترى من الخبراء وأن تجري الاتصالات اللازمة بجميع البلاد الإسلامية وبخاصة أن موضوع اختلاف المطالع قضية علمية قضية واقعية وليست قضية فقه لأنه لا نستطيع أن نقول الفقيه الفلاني قد قال بأن اختلاف المطالع أمر جائز إذن أن نقول سلمنا بأن اختلاف المطالع أمر جائز، اختلاف المطالع قضية فلكية، والواقع في هذا الأمر تقدم الدراسات العلمية شيئا يجب أن ينتبه إليه أنه في كل أشهر رمضان مثلا يكون هنالك اختلاف المطالع هي تحسب التولد الفلكي للقمر ثم تحسب إمكانية الرؤية الشرعية ثم تقول: في هذا الشهر الهلال سيرى في ليلة واحدة عند جميع البلاد الإسلامية. وفى شهر آخر في سنة أخرى قد تقول غير هذا، تقول الحسابات الفلكية: أن التولد سيتم للقمر في غرب العالم الإسلامي وهذا يعنى أن شرقه لن يراه في تلك الليلة، فإذن اختلاف المطالع كما يقرر العلماء وهي قضية علمية واقعية، قد يكون في شهر ليس هنالك اختلاف المطالع من شهر رمضان مثلا أو في أي شهر من الأشهر القمرية، وقد يقول في وقت آخر في شهر آخر إنه في هذا الشهر اختلاف المطالع لأن العملية منوطة كما نعلم بتولد القمر بالنسبة لحركته من الأرض وإمكانية رؤيته شرعا. والقمر نظرا لحركته الدائبة حول الأرض وحركة الأرض حول نفسها في إطار حركة القمر حولها فقد تأتى ظروف يكون التولد في وقت من أوقات اليوم وقد يكون التولد في وقت آخر وهذا يرتبط بالليلة التي بعدها وفق إمكانية الرؤية الشرعية وعدد ساعاتها، فإذا كانت ساعاتها تغطى الليلة كاملة عند ذلك يقطع العلماء بأن الهلال يمكن رؤيته شرعا في خلال الليلة القادمة وهذا يعنى أن رمضان يكون في الليلة التي بعدها، ويكون في بعض الحالات وفق هذه الحركة قطع بأن تلك البلاد لا يمكن أن ترى القمر في تلك الليلة، كما قالوا في مستندهم الذي قدموه.

ص: 843

قالوا أن أمريكا في ذلك الشهر وليس في كل الأشهر سوف لن يكون هنالك رؤية، فنعود إلى الخطاب، الخطاب لعموم المسلمين، فهل هنالك ما يمنع شرعا وهو سؤال محدد يمكن للسادة العلماء أن يجيبوا عليه. هل هنالك ما يمنع شرعا أخذا بعموم الخطاب إذا ثبتت الرؤية في بلد أن يصوم جميع المسلمين في العالم؟ ليس هنالك مانع أخذا بعموم الخطاب لأن الخطاب جاء عاما أقول حتى في هذه الحالة يمكن من هذه الهيئة (هيئة الرقابة الشرعية) أن تستثنى بعض البلاد كما فعلت لجنة المواقيت عندما يقوم قطع بأن الهلال لن يكون من الممكن رؤيته بالنسبة لهؤلاء، وفى ظني أنه لو أخذنا بالشق الأول ظللنا في إطار التعبد لأننا من المعلوم أن القضية منوطة بعموم الخطاب كما أسلفت. ولذلك أرجو في نهاية كلامي أن قضية القطع في الحساب الفلكي لا نقوله نحن، هذه قضية تترك لأهل هذا الاختصاص فهم الذين يقدمون يقينا بأن هنالك قطعا وشكرا.

الرئيس:

هل هي قطعية أو ظنية لأنهم ما هم أصحاب الاختصاص.

الشيخ عبد السلام العبادي:

هم قدموا بالفعل ولكننا لم نحصل على ما قدموه وإنما هنالك دراسات واسعة في هذا المجال يمكن أن نستعين بها ولم تحضر لدينا.

ص: 844

الشيخ ادم شيخ عبد الله:

بسم الله الرحمن الرحيم.. فإن ثبوت الهلال بالرؤية البصرية أمر متفق عليه لصراحة النصوص الواردة من الكتاب والسنة. وإن ثبوت الهلال بالرؤية البصرية لا يختلف عليه إذا ثبتت الرؤية ثبوتا شرعيا. والخلاف منصب فقط على قضيتين هما اختلاف المطالع وعلم الحساب الفلكي.

أما اختلاف المطالع فالخلاف فيه هو هل يؤثر اختلاف المطالع في الأحكام أو لا يؤثر؟ لا خلاف في اختلاف المطالع نفسها لأنه أمر واقع لا يمكن الاختلاف فيه فالرأي الذي أراه وأؤيده وأرجو من المجمع أن يقره هو ما يلي:

أولا: التقيد في ثبوت الهلال بالرؤية البصرية الشرعية.

ثانيا: تجويز الإمكان بأن يصوم جميع المسلمين بالرؤية التي ثبتت ثبوتا شرعيا في بلد من بلاد المسلمين وأن يعتبروا جميعا هذا اليوم أول رمضان، فعند ذلك لا يضر الاختلاف في بدء الإمساك والإثبات، كاختلاف توقيت أوقات الصلوات سواء بسواء. وأما الحساب الفلكي فنتركه كما قال فضيلة الأستاذ الشيخ رجب فليوحدوا في تحديد توقيت أو مواقيت الشهور العربية. وشكرا.

ص: 845

الشيخ عبد الله بن بيه:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى أهله الطاهرين وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين وأصحابه الهداة المهتدين. في الحقيقة أن الحديث في هذا الموضوع يصبح تكرارا وإن كنت أريد أن أنبه إلى بعض المباديء العامة.. هناك مبدأ عام هو إذا لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم فإن قوله يحمل على العموم. وهذا العموم لا يجوز تخصيصه ولا نسخه إلا بمخصص شرعي هذه هي قاعدة أصولية {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} . الذين يقولون لو كان النبي صلى الله عليه وسلم حاضرا اليوم لغير الحكم فإنهم يخالفون هذه القاعدة الأصلية وهى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} . أن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه اجتماعنا في هذا اليوم وبحثنا فيه ولأجل ذلك علينا أن نعتبر أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما تكلم بهذا الكلام لم يكن الله سبحانه وتعالى غائبا عنه سبحانه وتعالى أن الناس سيختلفون وسيتكلمون في هذا الأمر، فالنبي صلى الله عليه وسلم فصل وقال:((فإن غم عليكم فأكملوا العدة، أو عدة شعبان ثلاثين)) ولم يقل فان غم عليكم فإذا وجدتم وسيلة أخرى فارجعوا إليها. لم يقل هذا الكلام. وكان بالإمكان أن يقوله ولم يقله، عدم الاستفصال ينزل منزلة العموم في الأقوال وحتى قيل أيضا في الأفعال. هذه قاعده يجب أن نتنبه إليها..

ثانيا: هذا المجمع هو مجمع إسلامي يتركب مبدئيا من الفقهاء، والفقهاء يلجأون إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحجزهم ورعهم أن يقولوا ما ليس بحق والحق أن ما يعرف عن طريق الكتاب والسنة ولا يعرف عن طريق الرجال، كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه قال له (إنك رجل ملبوس عليك اعرف الحق اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف من يأتيه) . لابد من الرجوع إلى الحق أولا لنعرف الحق ولا نلجأ إلى الرجال لنعرف الحق عن طريق الرجال وإنما نعرف الرجال عن طريق الحق. أنتم أيها المجمع من يسأل منكم أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة هل يفضل أن يقول: يا ربى، قال نبيك ((افطروا لرؤيته وصوموا لرؤيته)) وأنا اتبعت نبيك صلى الله عليه وسلم، أو يفضل أن يقول: يا ربي أنا عدلت عما قال نبيك صلى الله عليه وسلم لأني رأيت أن العلم تقدم وأنه وقع كذا وكذا، أي الفربقين أحق بالأمن أن كنتم تعلمون، هذا سؤال كل واحد منا أن يطرحه على نفسه أن يصم أذنيه ويقول وزراء الخارجية ويهول هذا الأمر كما يقول الشاطبي "والأمر ليس مهولا" الأمر في الحقيقة ليس مهولا وليس أمرا عظيما مطلقا ولا أهمية له لأننا شغلنا أنفسنا في أمر قد بت فيه وقطع ولا أهمية له، ولا ينبغي أن نشتغل فيه.

ص: 846

في البلاد الإسلامية من يطبق أحكام الله سبحانه وتعالى وفيها من لا يطبق أحكام الله، لماذا لا نتفق على تطبيق أحكام الله تعالى على وجه الأرض. هذا الأمر في غاية الأهمية إذن الذي أراه وأرى أن ينجينا من الله سبحانه وتعالى نستغفره ونتوب إليه ونستلهمه الرشد والصواب أن نطبق أقوال رسولنا صلى الله عليه وسلم وأن نطبق أفعاله وأقوال أصحابه التي تحمل على الرفع فيما لا مجال فيه للاجتهاد، ولأجل ذلك حديث ابن عباس رض الله عنه حديث كريب يحمل على الرفع لأنه من الذي لا مجال فيه للرأي، وإذا قال الصحابي بقول لا مجال فيه للرأي فإنه يحمل على الرفع كما يقول علماء الأصول وكذلك لو قال كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمل كذا فإن أكثر علماء الحديث قالوا إنه يحمل على الرفع، ولأجل ذلك فقول ابن عباس وقد أيده العلم الحديث، أيد قول ابن عباس، اتفقتم الآن قلتم العالم الحديث أثبت أنه يرى بالعين المجردة في مناطق ولا يرى في مناطق أخرى، أليس هذا ما قاله ابن عباس، لكل منطقة، أنا لست ضد النظر إلى مناطق محددة ومتقاربة أن تكون رؤيتها واحدة وأرى أن هذا هو الحق الذي لا غبار عليه، والعلماء كانوا يضربون المثل ببعد خراسان من الأندلس في الدولة الإسلامية الأولى لأن الأندلس بعيد جدا من خرسان وهؤلاء لا يجب أن يصوم أحدهم بصوم الآخر وأن لا يفطر بفطرهم. يمكن أن نحدد مناطق اجتهادية بعد بحث دقيق عن اتفاق هذه المناطق في خطوط الطول مثلا وهى الخطوط المعتبرة في الحقيقة في هذا، نرى اتفاق هذه المناطق في خطوط الطول وأن نحكم في أن هذه المناطق إذا رأت الهلال رؤية شرعية فإنه يجب أن نستجيب لهذه الرؤية الشرعية.

أود أن أقول أن مصداقية مجمعنا هذه تكمن في اتباعه للأثر وفى تقديمه للدليل فإذا أصبح المجمع من المجامع التي لا تهتم بالدليل والتي تقول من عند نفسها وتقول ما تراه أن كان لا يستند إلى دليل فإن المجمع سيفقد حقيقة مصداقيته وأن المسلمين لن يعبأوا به ولن يأبهوا بالقرارات التي يصدرها هذا المجمع.أخي وصديقي يقول {فَمَنْ شَهِدَ} ويقول إنه استعمال مجاز واستعمال حذف وأيضا هذا يجاب به من ناحية أخرى، قلنا "شهد" بمعنى "حضر" فإننا نقع في نفس المشكلة التي حذر منها.

هناك مسألة في غاية الأهمية قد تفيدنا في المستقبل لدراسة هذه الموضوعات إننا إذا لجأنا إلى العلم في كل شئ، العلم يقول أن الخنزير كان فيه جراثيم وهذه الجراثيم زالت وأنهم يزيلونها الآن، هل نحن على استعداد غدا أن يجتمع مجمعنا هذا وبقول الخنزير كانت فيه جراثيم والعلم اليوم توصل توصلا قطعيا في إزالة هذه الجراثيم، والحرمة الآن ليست قائمة، لأن العلم توصل الآن إلى إزالة هذه الجراثيم، لنكن حذرين في غاية الحذر، فان هذا الصعيد صعيد فيه منزلقات وليس هذا تعصبا ولا جمودا على النصوص. وشخصيا لا أعرف هل الحساب الفلكي قطعي أو غير قطعي. قالوا قطعيا في الزمن القديم ولكن أرجو أن نكون على حذر وأن نكون على ورع فيما نصدره من الأحكام أن نكون على ورع أولا، هذا الورع ضروري جدا في ما نصدره من أحكام وشكرا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 847

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسالم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أصحاب الفضيلة.

إنه من خلاله هذه البحوث وهذه المداولات المستفيضة تبين لنا عدة أمور:

أولا: أن الشارع علق الحكم بالرؤية كما في حديث ابن عمر كما في الصحيحين وغيرهما ((لا تصوموا إلا لرؤيته)) وفى لفظ ((صوموا لرؤيته)) .

ثانيا: عندنا مبحث آخر وهو مبحث اختلاف المطالع وهو الذي عليه جماهير أهل العلم وقد حكى ابن عبد البر الإجماع عليه لكن هناك طرف يبحث في عدم اختلاف المطالع.

ثم أن هناك مسألة مهمة وهى اختلاف الفقهاء بشروط الرؤية، هل يكتفي بمستور الحال أو يكتفي بعدل واحد أو لابد من عدلين أو لابد من الاستفاضة والشهرة. ثم أن هناك في صحيح مسلم وله حكم الرفع قطعا وهو حديث كريب الذي أرسلته أم الفضل بنت الحارث أم عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما وقد سمعتموه من على ألسنة عدد من أصحاب الفضيلة المشايخ.

ثم أن هناك مسألة الحساب هل هي قطعية تحققت أمام أنظاركم مدونة لا عن طريق السمع ولا عن طريق وسائل الإعلام ولا عن طريق قال فلان وعلان، لكن هل ثبت لديكم بتقرير من ذوي الاختصاص مقروء أمامكم أن الحساب قطعي، تعلمون أن هذا انعقدت له ندوات وانعقدت له مؤتمرات وانتهت هذه المؤتمرات بنظريات وباتجاهات وقد سمعتم من ذكر على ألسنة البعض منهم أنه ظني وقد سمعتم من يحكي شيئا حول قطعيته ومنهم من يقول إنه شبه قطعي وما جرى مجرى ذلك.

ص: 848

بعد هذا فإن هذه المسألة ليست وليدة اليوم على مستوى المحافل العلمية فإنه على سبيل المثال هذه المسألة استغرقت ما يزيد عن عشرين عاما في جهة علمية واحدة وهي رابطة العالم الإسلامي وتعلمون جيدا أنها منذ عشرين عاما ولا تزال ولله الحمد فيها عدد كبير من فحول علماء الأقطار الإسلامية. فجلست عندهم في رابطة العالم الإسلامي ما يقرب أو ما يزبد عن عشرين عاما ثم بعد ذلك انتهت بما توصل إليه المجمع الفقهي بمكة، ثم إنه تعلمون أن مسألة الحساب وضبط المواقيت الشرعية بالحساب انعقدت لها عدة مؤتمرات وآخرها ما صار في مكة المكرمة قبل مدة قريبة وصار فيه بحوث ودراسات وتوصلوا إلى بعض النتائج.

ولهذا فإنني أعرض على أنظاركم وجهة النظر الآتية:

وهو أن هذا الموضوع خاصة ليس من المقبول أن يخرج بعدة آراء واختلافات ووجهات نظر. وأن الآراء التي قيدناها أمامنا ووجهات النظر فيها تباين شديد في جزئية الحساب أو في كلية الحساب في جزئية المطالع أو في كلية المطالع، في توحيد الشهور، أو في عدم توحيدها أو في عدم اعتبار الحساب مرة واحدة، أو في عدم التوحيد مطلقا وما جرى مجرى ذلك، عدة آراء مقيدة لدينا. ولهذا فأنا أرى أن هذا الموضوع بحاجة إلى ما يلي:

أولا: أن يحضره خبراء مختصون من ذوى الاختصاص في الحساب.

ص: 849

ثانيا: أن نستقطب ما لدى مؤتمر الأرصاد والذي عقد في مكة في آخر ندواته.

ثالثا: إذا تفضلتم فإن لدى ما يزيد عن عشرة كتب ورسائل ألفت في هذا الموضوع من عدد من علماء الأقطار الإسلامية ولم أر واحدا من أصحاب الفضيلة أشار إلى هذه البحوث وإلى هذه الكتب وإلى هذه الرسائل رغم أنها مطبوعة. وقد تيسر لي في زمن سابق أيام كنت في المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والتسليم أن استخلصت من هذه البحوث بحثا اسمحوا لي إذا قلت انه فيه استفاضة بأن حكت الخلاف وذكرت الأدلة لجميع الأقوال ووجوه الاستدلال وتركت إبداء الرأي كليا وذلك في مسألتين في مسألة الحساب، وفى مسألة توحيد الشهور. ولهذا إنني أقترح عليكم أصحاب الفضيلة أن هذه المسألة ينبغي أن نستقطب هذه الأمور والمسألة التي بقيت في مجمع رابطة العالم الإسلامي عشرين عاما لتبق لدينا إلى جلسة مقبلة، فأرجو أن تتكرموا بالموافقة إذا رأيتم ذلك، أن نؤجلها وأن على الأمانة العامة مشكورة أن تحضر هذه المعلومات ومن قبلي أحضر إذا عهدتم إلى بهذا البحث وبإحضاره ونحضر الأشخاص الثقات المؤتمنين المسلمين العدول الذين إن شاء الله تعالى يطمأن إلى قولهم ونستطيع بهذا أن نستكمل التصور وأن نرتب الحكم بأمان، وأملي بالله عظيم أن نخرج بحكم أو بقرار جماعي بعيد عن هذه الآراء التي قيدت منها أربعة آراء أن لم يكن هناك خامس فات علي فأرجوا موافقتكم علي ذلك إذا تكرمتم، أي إرجاء المسألة إلى المجمع الآتي إلى الدورة الآتية. إن شاء الله، شكرا. وبهذا ترفع الجلسة وأفيدكم أن الجلسة مساء ستكون علي الساعة الخامسة إن شاء الله.

ص: 850

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم (6) د 3/ 07/ 86

بشأن "توحيد بدايات الشهور القمرية"

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 13 صفر 1407 هـ / 11 إلى 16 أكتوبر 1986 م.

بعد استعراضه في قضية "توحيد بدايات الشهور القمرية" مسألتين:

الأولى: مدى تأثير اختلاف المطالع على توحيد بداية الشهور.

الثانية: حكم إثبات أوائل الشهور القمرية بالحساب الفلكي.

وبعد استماعه إلى الدراسات المقدمة من الأعضاء والخبراء حول هذه المسألة.

قرر:

1-

في المسألة الأولى:

إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين الالتزام بها ولا عبرة لاختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار.

2-

في المسألة الثانية:

وجوب الاعتماد على الرؤية، ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد ومراعاة للأحاديث النبوية والحقائق العلمية.

والله أعلم

ص: 851