الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زكاة الديون
فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى
وفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي
فيما يتعلق بزكاة الديون نذكر هنا ما أشار إليه الإمام شمس الدين السرخسي في المبسوط الجزء الثاني ص 195: من أن الديون على ثلاث مراتب عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: دين قوي، ودين ضعيف، ودين متوسط. ومثل لكل منها منبهًا على أن القوي لا يلزم صاحبه الأداء ما لم يقبض أربعين درهمًا وأن المتوسط لا يلزم صاحبه الأداء ما لم يقبض مائة درهم فحينئذ يؤدي خمسة دراهم وأن الضعيف لا يلزم صاحبه الزكاة ما لم يقبض ويحول الحول على ما قبضه. قال وعند الصاحبين: الديون كلها سواء لا تجب فيها الزكاة قبل القبض وكلما قبض شيئًا لزمه الأداء بقدره قل أو كثر.
وفي البدائع جـ 2 ص 10: وجملة الكلام في الديون أنها على ثلاث مراتب في قول أبي حنيفة: قوي وضعيف ووسط، فالقوي فيه الزكاة، والضعيف لا زكاة فيه حتى يقبض كله ويحول عليه الحول بعد القبض. وفي الوسط روايتان عن الإمام: إحداهما تجب فيه الزكاة ولا يؤديها إلا بعد قبضه لما يكون نصابًا منه فإذا قبض زكى لما مضى. والثانية أنه لا زكاة فيه إلا بعد قبضه وحولان الحول عليه بعد قبضه وهي أصح الروايتين عنه. والصاحبان يقولان: كلها قوية تجب الزكاة فيها قبل القبض.
وقد يقال إن الدين مال في الذمة وما كان كذلك فاحتمال عدم قبضه قائم لأنه ليس بعين ومن ثم لا تجب زكاته لنقصان الملك فيه بفوات اليد كما لا يجب زكاة الدين إذا جحده المدين. هذا إلى ما يعرف من أحوال الناس ومطل الغني. فكيف بمن دونه وهذا يرجح عند الاختيار أن يختار القول بأن الديون كلها سواء وأنها لا تزكى إلا بعد القبض. ولا نجمع على المكلف غبنين: غبن دفع الزكاة وغبن تعرض ماله الذي هو دين له عند فلان أو فلان للضياع، وهو أمر محتمل فيما بين الناس.
وفي المجموع شرح المهذب للإمام النووي. قال: جـ 6 ص 20
وإن كان له دين فإن كان غير لازم كمال الكتابة لم تلزمه زكاته لأن ملكه غير تام عليه. وإن كان لازمًا على مقر مليء لزمته الزكاة لأنه مقدور على قبضه
…
قال أصحابنا: الديون ثلاثة أقسام:
1-
غير لازم فلا زكاة له.
2-
لازم وهو ماشية فلا زكاة فيه أيضًا، لأن شرط زكاة الماشية السوم، ولا توصف التي في الذمة بأنها سائمة.
3-
أن يكون دراهم أو دنانير وهو مستقر، ففي القديم لا زكاة فيه وفي الجديد تجب فيه الزكاة.
وفي بداية المجتهد لابن رشد جـ 1 ص 248 وهو يتحدث عن اعتبار حول الدين قال:
إذا قلنا: إن في الدين الزكاة، فإن قومًا قالوا: يعتبر ذلك فيه من أول ما كان دينًا. وقوم قالوا تزكية لعام واحد. وقوم قالوا: يستقبل به الحول من يوم قبضه. طبيعي أن يكون هذا قول الذين يقولون بعدم إيجاب الزكاة في الدين. ولعلهم الذي اشترطوا في الإيجاب أمرين:
1-
حضور عين المال بين يدي المكلف.
2-
حلول الحول عليه وهو في يده.
فإذا لم يكن المال بين يدي المكلف فلا اعتبار لحولان حول أو مرور أحوال وإن قبضه استأنف به الحول من ذلك اليوم وهو ما نختاره وخاصة في زمننا هذا. وبالله التوفيق.
العرض والمناقشة
12/4/1406هـ = 24/12/1985م
الساعة 9.45 – 12،45
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
نفتتح جلستنا هذه والبحث المعد للنظر بين أيديكم "زكاة الديون" وهذه المسألة أعد فيها بحثان: أحدهما من الشيخ الصديق الضرير وقد تفضل بالحضور هذا اليوم ونعيد له الترحيب والتحية مرة أخرى وإن كان قد أعلن ذلك في الجلسة الافتتاحية فحياه الله ووفقنا وإياه لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يأخذ بيد الجميع بالعلم النافع والعمل الصالح. والبحث الثاني من الشيخين الفاضلين عبد العزيز عيسى وعبد الحليم محمود فأرجو من الشيخ الضرير أن يتفضل بإعطائنا ملخصًا عن هذا البحث.
الشيخ الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد،
أود أن أشكر أولًا السيد الرئيس عن الترحيب السابق والترحيب الآن وأرجو أن يوفقنا الله جميعًا إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وأعتذر عن التأخير لأسباب خارجة عن إرادتي، وأدخل بعد ذلك في الموضوع.
موضوع زكاة الدين، في الواقع إني قصدت في هذا البحث أن أرجع بهذا الموضوع إلى أصوله الأولى فلم أجد فيه نصًا في القرآن ولا في السنة إلا حديثًا ذكرته رواه في البحر الزخار "ليس على من أقرض مالًا زكاة"، وقال في حاشيته إنه حكاه في أصول الأحكام لكني لم أقف على هذا الحديث فاتجهت إلى آراء الفقهاء من الصحابة والتابعين واعتمدت في هذا على ثلاثة مراجع – الأموال، والمحلى، والمغني. وجمعت من هذه المراجع تسعة أقوال لفقهاء الصحابة والتابعين، أقولها لكم باختصار.
القول الأول: لا زكاة في الدين مطلقًا لا على الدائن ولا على المدين حتى ولو كان الدين على ثقة مليء، ونسب هذا القول إلى عكرمة وعطاء وعائشة وإبراهيم والحكم بن عتيبة وابن عمر، ونقل الذين نسبوا إلى هؤلاء الفقهاء نقلوا عنهم أقوالًا تؤيد ما نسبوه إليهم. فأبو عبيد وابن حزم نقلا عن عكرمة قوله: ليس في الدين زكاة، وروى أيضًا عن عطاء أنه قال: لا يزكى الذي عليه الدين ولا يزكيه صاحبه حتى يقبضه. وروى ابن حزم عن عائشة قولها "ليس في الدين زكاة" وقال ابن قدامة "روى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "ليس في الدين زكاة" وقد لاحظت فيما نقل عن عطاء أنه ورد في بعضها: لا يزكيه صاحبه حتى يقبضه. هذه العبارة ينبغي حملها على أنه يزكيه بعد قبضه لما يستقبل لا لما مضى لأنه سيأتي قول به: إن الدين يزكى لما مضى. وهذا لكي تتفق الروايات في المنقول عن عطاء. واستدل لهذا الرأي بأن الملك فيه ناقص وبأنه مال غير نام فلا تجب فيه زكاة كعروض القنية، هذا هو القول الأول ويبدو لي على الرغم من عظمة القائلين به، أنه سيؤدي إلى أن يكون لنا مال يبلغ النصاب وليس فيه زكاة مطلقًا. هذا وجه الضعف فيه.
القول الثاني: أنه يزكيه المدين ولا يزكيه الدائن، وهذا القول ذكره أبو عبيد ضمن خمسة أوجه، ونسبه إلى إبراهيم وعطاء. وروى عنهما قولهما: في الدين الذي ينقله صاحبه ويحبسه زكاته على الذي يأكل مهنأة، وواضح أن هذا القول الذي نقله لا يؤدي إلى القول بأن الزكاة على المدين هي زكاة على المدين المماطل وهذا قد يكون له وجه! ابن حزم أيضًا ذكر هذا القول منسوبًا إلى عطاء وإبراهيم أيضًا. وفي رأيي أن نسبة هذا القول إلى إبراهيم وعطاء نسبة غير دقيقة لأن ما روي عنهما يدل على أنهما يريان أن المدين الذي يزكي الدين هو المدين المماطل، وليس كل مدين، وكذلك نسب هذا الرأي إلى عمر، والواقع في رواية أخرى نذكرها عن عمر روايتين متعارضتين ولم يذكر من أورد هذا الرأي دليلًا عليه. والذي يترجح عندي أن هذا الرأي لا نسبة له إلى أحد من الصحابة والتابعين بحسب ما فهمته من الأقوال المسندة إليهم.
القول الثالث: يزكيه المدين المماطل وهذا ما يفهم من أقوال عطاء وإبراهيم.
القول الرابع: يزكيه الدائن من ماله الحاضر. هذا القول روي عن عمر وجابر وابن عمر والحسن ومجاهد. فقد روى أبو عبيد عن عمر أنه كان إذا خرج العطاء أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد. وروى أبو عبيد عن جابر أنه قيل له في دين لرجل على آخر أيعطى زكاته قال: نعم، هذان الخبران يدلان على أن الدائن يزكي ماله من دين من ماله الحاضر ولا ينتظر حتى يقبضه، لكن أبو عبيد: الذي نقلت عنه هذه الآراء ذكر هذا الرأي مع الرأي القائل بأن الدائن يعجل زكاة الدين مع المال الحاضر إذا كان على الأملياء، ونقل هذه الأقوال. الأقوال ليس فيها تقييد بكون المدين مليئًا أو غير مليء.
القول الخامس: يزكيه الدائن إذا كان على مليء من ماله الحاضر، هذا هو القول المقيد، وهذا قول عثمان وابن عمر وجابر والحسن وميمون بن مهران وإبراهيم النخعي ومجاهد وسفيان ووكيع وطاوس وأكثر الصحابة والتابعين من الذين أثر عنهم أنهم قالوا بهذا الرأي. وروى أبو عبيد عن عثمان أنه كان يقول: إن الصدقة تجب في الدين الذي شئت تقاضيه من صاحبه والذي هو على مليء تدعه حياء أو مصانعة ففيه الصدقة. وروى عن ابن عمر أنه قال كل دين لك ترجو أخذه فإن عليك زكاته كلما حال الحول! وهذا رأي ظاهر الوجاهة. ورويت أقوال أخرى عن بقية من نسب إليهم.
القول السادس: يزكيه الدائن إذا كان على معترف به باذل له إذا قبضه لما مضى من السنين، لا يزكيه كل حول، وإنما يزكيه إذا قبضه. وهذا القول نسبه ابن قدامة إلى علي والثوري وأبي ثور ولم يرو شيئًا عمن نسبه إليهم، وهذا هو مذهب الحنابلة.
القول السابع: يزكيه الدائن إذا كان على معترف به باذل له إذا قبضه لسنة واحدة.. هذا كالقول الذي سبقه الفرق أنه لا يزكيه لكل السنين وهذا لسنة واحدة، وأيضًا هذا القول ذكره ابن قدامة ونسبه إلى سعيد وعطاء الخرساني وأبي الزناد وكذلك لم يرو عمن نسبه ولم ينقل عنهم شيئًا.
القول الثامن: يزكيه الدائن إذا كان على غير مليء عند قبضه لما مضى من السنين، وهذا القول منسوب إلى علي وابن عباس والثوري.
القول التاسع: يزكيه الدائن إذا كان على غير مليء إذ قبضه لسنة واحدة، الاختلاف في عدد السنين، وهذا قول الحسن وعمر بن عبد العزيز.
هذه هي الأقوال التي وقفت عليها للصحابة والتابعين ثم بعد ذلك ذكرت أقوال الأئمة مبتدئًا بمذهب الحنفية والمالكية والشافعية، والحنفية لهم تفصيل لا أظن أن هناك حاجة لذكره وهو مدون في البحث وكذلك بقية الآراء. وأنتقل إلى تلخيص ما خرجت به من هذا البحث من أقوال الصحابة والتابعين وأقوال الأئمة الأربعة وما عقب به أبو عبيد القاسم بن سلام وبن حزم. الواقع أنه أكثر من كتب في هذا الموضوع ناقلًا لآراء الصحابة والتابعين هو أبو عبيد، فنقل الخمسة أقوال وأيد بعضها بالأدلة. يقول في ذلك: وأما الذي أختاره من هذه فالأخذ بالأحاديث العالية التي ذكرناها عن عمر وعثمان وجابر وابن عمر، ثم قول التابعين بعد ذلك، الحسن وإبراهيم وجابر بن زيد ومجاهد وميمون بن مهران، أنه يزكيه في كل عام مع ماله الحاضر إذا كان الدين على الأملياء المأمونين لأن هذا حينئذ بمنزلة ما بيده، أما ابن حزم فله رأي يختلف عن كل هذه الآراء فهو يرى أن الدين يزكيه المدين إذا كان حاضرًا عنده عندما يبلغ النصاب وأتم عنده حولًا ولا تجب في غير الحاضر، ولو أقام عليه سنين، فكأنه يرى أن الزكاة على المدين لكن في حالة خاصة فيما إذا كان الدين موجودا"ً تحت يده، ويعلل هذا بقوله: إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه وهو ينفي من يعارض رأي من يقول إن الزكاة على الدائن!
الرئيس:
فإنها إذا كانت أعيانًا، يقصد.
الشيخ الصديق الضرير:
نعم أعيان، هو لم يفصل في هذا. يقول: إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه هذا لأجل لا تجب الزكاة على الدائن فهو معدوم عنده ومن الباطل المتيقن أن يزكي عن لا شيء وعما لا يملك وعن شيء لو سرقه قطعت يده لأنه في ملك غيره. ويصرح في موضع آخر بأن الدائن لا زكاة عليه حتى يبقى الدين عنده حولًا كاملًا، يقول: ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالًا أو مؤجلًا عند مليء مقر يمكنه قبضه أو منكر أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء ولا زكاة فيه على صاحبه ولو أقام عنده سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولًا كسائر الفوائد ولا فرق، فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه، وأيد مذهبه هذا بما روي عن عائشة وعطاء وابن عمر: ليس في الدين زكاة. والواقع أن هذا لا يؤيد مذهبه في كل ما قاله، ثم تعرض ابن حزم لآراء القائلين بأن الدائن يزكي الدين وعقب عليها وتعرض أيضًا لأقوال الأئمة. رأي الحنفية ورأي المالكية أيضًا هم لهم تقسيمات لا تخلو من التعقيد. يقول عنها ابن حزم إن تقسيم أبي حنيفة ومالك لا يعرف عن أحد قبلهما لأن الرواية عن عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين، ولكنه لا يعلق على ما أورده من آراء الصحابة والتابعين القائلين بأن الدائن يزكي الدين، سكت عنها، خرجت من كل هذا بالخلاصة التالية:
وهي أن زكاة الدين تجب على الدائن ولكن لا يطالب بإخراجها مع زكاة ماله الحاضر إلا إذا كان متمكنًا من قبض الدين كأن يكون الدين حالًا على مليء معترف به باذل له، لأنه يكون في هذه الحالة بمنزلة المال الذي في يده أو بمنزلة الوديعة. وما دام متمكنًا من قبضه عليه أن يخرج زكاته. أما إذا لم يكن الدائن متمكنًا من قبض دينه عليه كأن يكون الدين على معسر أو جاحد أو مماطل أو يكون الدين مؤجلًا فإن الدائن يطالب بإخراج زكاته عند قبضه أو التمكن من قبضه بحلول أجله. فإذا قبضه أو حل أجله زكاه لما مضى من السنين لأنه ماله عاد إليه فيجب عليه إخراج زكاته! وهذا الرأي له سند من آراء الصحابة والتابعين التي نقلتها. وشكرًا.
الرئيس: شكرًا فضيلة الشيخ على هذا البيان والعرض لأقوال العلماء.
الشيخ عبد الله البسام:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد
نشكر فضيلة الشيخ على هذا الاستعراض لبحثه القيم والذي أستطيع أن أعلق عليه، هو: أولًا بخصوص نسبة مذهب الحنابلة، المشهور عند الحنابلة أن الدين يزكى إذا قبض سواء كان على مليء أو غير مليء وإن كان هذا قول يضعف لكن هذا هو المشهور عندهم، المشهور في مذهبهم أن الدين مطلقًا إذا قبضه صاحبه زكاه سواء كان على مليء أو معسر أو مماطل يزكيه لما مضى من السنين. هذا هو القول المشهور عندهم. في رواية أخرى أخذ بها كثير من المحققين وهي تقسيم الدين إلى قسمين، إذا كان على مليء وكان على معسر باذل ففيه زكاة. وإذا كان على معسر أو على مماطل فليس فيه زكاة إلا إذا قبضه. وهل يزكيه السنة الماضية، لسنة واحدة أم يبتدئ به حولًا جديدًا؟ فيه خلاف بينهم ولكن إذا أردنا أن نطبق هذه الأقوال على مبدأ الزكاة وهي أن الزكاة مواساة لا يكلف الإنسان منها إلا بقدر ما عنده، وأنها مواساة بين الفقير والغني. فإن الدين إذا كان على معسر أو على مماطل أو على جاحد أو كان ضالًا أو مسروقًا أو نحو ذلك فهذا أرى أن وجوب الزكاة فيه للسنين الماضية، إن هذا إجحاف بصاحب المال لأنه يزكي مالًا ليس عنده، أما إذا كان الدين على موسر وعلى باذل، هذا نعم لأنه كما تفضل الشيخ كالوديعة عند صاحبه، وصاحبه مستطيع وقادر على استحصاله وعلى أداء زكاته. هذه من ناحية.
أما التي قال عنها من خصوص أن الزكاة على الدائن، هذا قول يعني بعيد ولكن إذا أردنا أن نمحص هذا القول فالزكاة عبادة، الزكاة عبادة وتحتاج إلى نية لو أخرج الإنسان دراهم وهو لم ينو بها الزكاة ثم نوى بعد ذلك ما صحت أن تكون زكاة تكون صدقة من الصدقات لأنها عبادة فلا يقوم بها أحد عن أحد إلا بإذنه. فكيف نوجبها على غيره. ولكن هناك وجه وهو أن الدائن إذا غصب المال أو ماطل في المال وبقي عنده السنين وأوجبنا عليه الزكاة على أحد الأقوال نستطيع أن نجعل هذا من الغصب ومن نقص المال وأن نغرم الدائن مقابل الزكاة. هذا ما أردت أن أعلق على محاضرة فضيلة الشيخ.
مناقش:
على المدين.
الشيخ عبد الله البسام:
عندنا دائن ومدين، الدائن هو صاحب الشيء، والمدين هو الذي عنده الشيء، فمنهم أوجبوا الزكاة على المدين، الزكاة لا تجب إلا على صاحب المال لكن نستطيع أن نغرمه بدلها وشكرًا.
الرئيس:
الشيخ عبد الستار وأريد أن نفصح عما كتبته لنا بالأمس إذا تكرمتم.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم.. بالأمس كتبت اقتراحًا صغيرًا لسيادة الرئيس، بأن زكاة الدين والكلام فيها كلام قديم محرر ومنضبط وليست مسألة تحتاج إلى نظر جديد وبحث مستجد، وإنما تحتاج إلى اختيار. فهي مما يندرج عليه حكم الفتوى والتخير حسب القواعد والضوابط في اختيار مسائل الفتوى، لأنها مسألة تكلم فيها الفقهاء وأوسعوا فيها القول حتى بلغت خلافاتهم إلى هذا العدد الكبير. وربما كان ما ترجح لدى فضيلة الشيخ الصديق الضرير هو أقرب الأقوال إلى تحقيق مقاصد الشريعة وتوزيع العدل بين الفقير والغني، لأنه في حالة ما إذا كان الدين تحت يد الدائن اعتبارًا وبالقوة كما يقولون لأنه على باذل له معترف به مليء وهذا ما يسميه بعض الفقهاء مرجو الأداء يعني أنه يستطيع عند الطلب أن يكون تحت يده: فإن من الطبيعي أن يتحمل عبء ماله وأن يتحمل تبعة ماله التبعة التي أوجبها الله عز وجل في هذا المال لأنه كما لو كان عنده وقد تخلى عن حيازة هذا المال لأجل القرض فلا يتخلى عن ثواب أداء الزكاة. أما إذا كان المال على معسر أو على منكر جاحد له، أو مماطل فإن القول الآخر أيضًا يحقق العدل بأنه حينما يقبضه! ولكن يبقى الخلاف هل يزكيه عما مضى من السنين أم عن سنة واحدة، والذي أميل إليه أنه يزكيه عن سنة واحدة لأنه يشبه في هذه الحال بما لو كانت للإنسان مال موجود وله حول مستمر وجاءه مال في أواخر الحول قبل يوم أو يومين من أواخر الحول فإن الحول الماضي يسري على هذا المال الذي دخل كما يسري على نماء المال. لذلك ربما نخالف في هذا الاختيار فقط أنه يزكيه عن سنة واحدة إذا كان من النوع الآخر الذي ليس مرجو الأداء ولا على موسر باذل له. والمسألة لا تعدو أن تكون اختيارًا من فتاوى الصحابة والتابعين وفقههم والأمر فيها يسير إن شاء الله.
الشيخ حسن عبد الله الأمين:
بسم الله الرحمن الرحيم، شكرًا سيدي الرئيس.
الحقيقة الصورة الأولى من هاتين الصورتين لزكاة الديون التي شرحها ووضحها فضيلة الأستاذ الدكتور الصديق ووافق عليها الأخوان الفاضلان، أتفق معهم جميعًا اتفاقًا كاملًا. ولكن الصورة الثانية التي يكون فيها الدين على مماطل أو معسر أو منقذ له أرى أنها في حكم أو أشبه ما تكون ملكيتها لصاحبها ملكية الحكمية. فلا أرى أن توجب عليه الزكاة في هذه الفترة التي لم تثبت فيها ملكيتها الحقيقية. نعم هي ملكه في الواقع ولكن هذا الضباب نشأ من النكران أو المماطلة..
الصورة الثالثة من التأخير أرى أن هذه الفترة قد حجبت عن صاحب هذا المال الانتفاع به حتى ولو الاطمئنان النفسي للانتفاع به، حجبته عنه، فلا أرى تجب فيها الزكاة عليه حينما يقبض هذا الدين الممطول أو المنكر أو الذي على محسن لا تجب فيه الزكاة على السنين الماضية ولا حتى على السنة الأخيرة التي تلي القبض، أرى أنه يستأنف به عامًا جديدًا بحكم أنه أصبح ملكًا حقيقيًا بين يديه. أما فيما سبق فلا أرى في ذلك زكاة عليه، وهذه ما أشار إليها فضيلة الأستاذ البسام أن إحدى الروايتين أو رأيين لدى السادة الحنابلة. وأرجح هذا وأرى الأخذ بها.
الشيخ تقي عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إني أثني على رأي أخينا الدكتور عبد الستار حفظه الله في أن زكاة الديون ليست مسألة جديدة وإنما هي مسألة قد بسطها الفقهاء في كتبهم ولكل رأى مؤيد بالدلائل وليس من أعمال المجمع أن يدخل في كل ما بحث عنه الفقهاء ويرجح الراجح منه ولكن من أعمال المجمع أن ينظر في مسائل جديدة كالتي تحدث في عصرنا ولم تكن معهودة من قبل فمن هذه الناحية أرى أن هناك جهتين في مسألة زكاة الدين معهودة في العصور السالفة مثلًا الديون التي تكون عند المصرف المالي، يعني المبالغ يكون صاحبها متمكنًا على قبضها كلما شاء حتى أنها تعتبر نقدًا موجودًا عنده فهل تعتبر هذه الديون المودعة في البنوك وفي المصارف دينًا، من حيث وجوب الزكاة عليها فأرى أن المبالغ المودعة في المصرف وفي البنك إنما هي في العرف المتعامل تعد من أموال المالك ولا تعد دينًا فينبغي أن تجب عليها الزكاة حتى عند الذين لا يقرون بوجوب الزكاة على الدين وحتى عند الذين يقرون بوجوب الزكاة على الدين بعدما قبضه الدائن. هذه واحدة.
والمسألة الثانية هي استثناء الدين من الزكاة يعني عند كثير من الفقهاء الدين يكون مستثنى من الزكاة ولكن حدث عندنا هذه الديون الكبيرة الضخمة التي يستقرضها أصحاب المصانع الكبيرة مثلًا فلو استثنيناها من الزكاة لا تجب عليهم الزكاة أصلًا وربما يكونون مستحقين لقبض الزكاة إذا استثنينا المبالغ التي استقرضوها من البنوك.
فهذه هي المسألة التي ينبغي أن ننظر فيها وأرى أن القرض الذي استقرضه صاحبه استقرضه لأغراض الاستثمار ينبغي أن لا يستثنى من وجوب الزكاة.
فهاتان المسألتان اللتان أقدر أنهما من موضوعات المجمع والتي ينبغي أن نبحث فيهما وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا فضيلة الشيخ، أما هذه المسألة ما أدرجت إلا لأنها أصبحت واقعًا لها صفة الشيوع وبالغ الأهمية نظرًا للتضخم المالي الذي تعايشه كافة الولايات على اختلافها.
أما مسألة الودائع فهذا مستصحب فيها الأصل وهو وجوب الزكاة فما أظن أنها محل بحث أو استشكال حتى أنها تكون واردة هنا.
أما المسألة الثانية فهي تعود إلى المسألة الأولى وهي محل بحثنا هنا. فعلى كل فنحن نريد الاقتصار في بحثنا على زكاة الديون وسواء جعلتم أن تكون كما ذكر الشيخ عبد الستار وثنيتم عليه أن تكون من جهة قبل الفتيا وتدرج في مسار الأسئلة والأجوبة على الأسئلة الواردة أو أنه يصدر بها قرار مستقل بنفسه من المجمع فعلى كل هذا نجعله هو الخطوة الأخيرة إن شاء الله تعالى. الذي نريده هنا هو تحرير الرأي في مسألة زكاة الديون وأعطى الكلمة للشيخ علي السالوس.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
النقطة التي كنت أريد التحدث عنها هي ما تختص بالديون الاستثمارية التي أشار إليها الأخ الفاضل، أن هذه المشكلة فعلًا واجهتنا في المؤتمر الأول للزكاة، دين استثماري مبالغ طائلة قد تصل إلى آلاف الآلاف، إذا قلنا الزكاة على الدائن معنى ذلك أن المدين لا يخرج زكاة من هذه الأموال، وبالتالي عندما يحسب زكاة ماله يطرح لأن فيه زكاة يحسب ماله من ديون مرجوة الأداء ويحسب ما عليه من ديون ثم يزكي الباقي، فبالنسبة للدين الاستثماري لو فعل هذا يمكن أن يصبح مدينا مع أنه يملك آلاف الآلاف ،وقائع حدثت فعلا ولذلك فى المؤتمر الأول للزكاة كنا اتخذنا قرارا مؤقتا قلنا إن الدين الاستثماري بخصوصه الذي لا يزكى هو ما حل منه يعنى لو فرضنا أن أحدا اشترى أشياء ما حل منها الآن خمسمائة ألف وباقى الملايين مؤجلة إلى سنوات طويلة ، هنا الذى لايزكيه هوالدين الذي حل فعلًا، يخرجه لصاحبه ولا يزكيه وصاحب هذا المال هو الذي يزكي باقي الأقساط التي لم تحن مواعيدها فهذه لا تزكى، وقلنا بأن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث آخر فلعل هذا المؤتمر المبارك إن شاء الله يخرج برأي محدد وينص على أن الدين الاستثماري بالذات، يعني لا يقول زكاة الديون بصفة عامة وإنما ينص على هذا، على الدين الاستثماري بصفة خاصة هذا ما أردت أن أقوله.
الرئيس:
شكرًا وأحب أن أوضح نقطة بسيطة لفضيلة الشيخ وهو أن المسألة التي أمامنا هي زكاة الديون فقط أما المسألة الثانية وهي هل الدين مانع من الزكاة أم لا، فأظنها مسألة مستقلة بذاتها. أما الذي لدينا فهو زكاة الدين ذاته. وأعطي الكلمة للشيخ الجناحي.
الشيخ عبد اللطيف جناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
في الحقيقة أردت أن أتكلم عن أكثر من نقطة ولكن كفاني الأخوان قبلي، فتطرقوا للموضوع. ولكن ما أود أن أثيره في هذا الاجتماع هي النظرة للزكاة من زاويتين وليس من زاوية واحدة. ننظر إليها من زاوية فردية فهي عبادة وفرض على الإنسان، ولكن لوعاء الزكاة نظرة أخرى وهي أنها قاعدة أمن اقتصادية. فالمسألة هنا لا يدخل فيها فقط العبادة الفردية إنما المجتمع ككل، عندما فرضت فريضة الزكاة هي فرضت لخدمة المجتمع ككل.. فأرجو من المؤتمر أن ينظر في هذا الموضوع من زاوية أننا نحقق قاعدة أمن اقتصادية للمجتمع المسلم، وهنا يكون للفقهاء لكل زمان رأى فيه. وأعتقد هذا هو ما تعددت فيه الآراء بحيث الدائن والمدين يقومان بالزكاة لأن فعلًا الآن معظم الاستثمارات ومعظم الديون هي ديون تتكرر وبقصد منها الربحية فكلما اتسعت قاعدة الزكاة كلما اتسعت القاعدة الأمنية الاقتصادية في المجتمع المسلم، وشكرًا.
الشيخ وهبه الزحيلي:
في الحقيقة كنت قد أمليت النظر في هذا الموضوع منذ زمن لم أجد أصلًا من النصوص يمكن أن يبحث فيه هذا الموضوع في ضوئه، لذلك أقدر أن وضع هذا الموضوع في سجل الأعمال التي ينظر يها هذا المجمع الكريم كان عن تخطيط ذكي وسليم لأن هذا الموضوع بالذات يمكن أن ننظر فيه وأن يخرج المجمع برأي يفض الخلاف حوله لا سيما وقد تضاربت الآراء حوله والناس عندما يفتون بأن الزكاة على الدائن خصوصًا وأن الدين طال عليه الأمد ومضى عليه سنوات يكادون يستهجنون مثل هذه الفتيا وأن التقى الورع منهم لا يكاد يزكى إلا عن عام واحد بعد قبض الدين فعلًا. لهذا فإن النظر في هذا الموضوع نظر سليم ونستطيع أن نعطي أو ندلي فيه برأي يرفع الخلاف. وليس العمل مجرد انتقاء ولكن في الحقيقة يسهل على المفتين الرأي الراجح من هذه الآراء. لذلك أرى أن القول بأنه لا زكاة لا على الدائن ولا على المدين هذا قول ينبغي رفضه لأنه يتنافى مع مقاصد الشريعة. كذلك القول بأن الزكاة تكون على المدين الحقيقة نزيده ضغثًا على إبالة لأنه ما استدان إلا لحاجة ولا يمكننا أن نحمله عبء أداء الدين وعبء زكاته، بقي أن الزكاة ينبغي أن تكون متعينة على صاحب المال وهو الدائن لأنه المالك فعلًا والكلام في هذا الموضوع ما هو إلا تطبيق للشروط العامة التي إذا توافرت وجبت الزكاة، وأهم هذه الشروط هو ملك النصاب هو رضي لنفسه أن يقرض والقرض الحسن كما هو معلوم لديكم له ثواب أفضل من ثواب الصدقة، فهو ابتغى تسهيل تعاون أخيه المسلم ورفع ما به من ضائقة، لذلك أجره عظيم عند الله جل جلاله عندما أقرض.
بقي الواجب المالي العبادي وهو لما يملكه، حينئذ أؤيد بحث أخي فضيلة الدكتور الصديق في أن تكون الزكاة على الدائن إذا قبض هذا الدائن المال فعلًا أو كان في حكم المقبوض. بعد هذا القبض هل يزكيه عن سنة واحدة أم عن السنوات الماضية؟ الحقيقة الذي ينطبق على القواعد الفقهية لا يمكننا أن نستثنى هذه الجزئية من القواعد ولا من شروط أداء الزكاة ووجوبها، فلذلك أرى أنه لا بد من أن تكون الزكاة على ما مضى من السنوات ولكن نيسر على الدائن أن تكون الزكاة بعد القبض فعلًا أو أن يكون ذلك في حكم القبض. وشكرًا لفضيلتكم.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
افتتح كلمتي هذه بالتوجه بالشكر إلى كل إخواني الذين تقدموا وخاصة فضيلة الشيخ الضرير الذي أرحب به ثانيًا والذي أحسسنا بالفقد عندما لم يشاركنا من أول يوم.
القضية التي طرحت اليوم هي قضية جديرة بالنظر ولا بد من التعمق فيها قليلًا. فالله قد فضل بعضنا على بعض في الرزق فجعل قسمًا محتاجًا وقسمًا متفضلًا. وتوجه إلى القسم المتفضل فقال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} بمعنى أن الإسلام يهدف فيما يهدف أولًا إلى نزع الأنانية الفردية من الإنسان الثري حتى يشارك الفقير فيما آتاه الله. هذا الانتزاع الأناني هو يكون بأمرين يكون أولًا بالتبرع الواجب وغير الواجب بما جاء من زكاة وصدقة وهبة ووصية إلى آخر التبرعات التي لا يبتغى منها صاحبها إلا وجه الله والتي تخرج عن ماله خروجًا تامًا كما جاء أيضًا وقاية شح النفس بالقرض والقرض هو منهج إسلامي يختلف اختلافًا كبيرًا عن بقية المناهج إذ أن القرض الإسلامي يعود فيه المال لصاحبه دون زيادة. وهذا ما لا يقبله غير المسلمين. فإذا أقرض المسلم ماله لغيره فإنني عندما نظرت في المال وجدته مملوكًا ملكًا غير تام لا للدائن ولا للمدين. فإذا نظرت للدائن صاحب الدين وجدته قد خرج المال من يده رغبة في الثواب من عند الله وتنازل عن تنمية ذلك المال بوجوه التنمية المعلومة. ووجدته عند المدين هو لا يملك الأصل ولكن يملك استثمار ذلك المال وتنميته، فالقضية إذن هي قضية فيها وجهان.
وبناء على هذا فالرأي الأول الذي ذكر فضيلة الشيخ الضرير أنه لا يرى له وجهًا هذه هي الناحية في نظري التي بنى عليها أصحاب القول الأول قولهم لما قالوا ولست أؤيد هذا القول ولكن وجهة نظر محترمة مبنية على أصل، على هذا القول بنى من بنى أنه لا تجب الزكاة على هذا ولا على ذاك لأن هذا لا يملكه ملكًا تامًا والآخر لا يملكه ملكًا تامًا. إذا ما ذهبنا إلى أن المال تجب زكاته على صاحب الدين للسنوات التي مرت كلها فإن الديون قد تكون تارة لعشر سنوات وتارة تكون لأكثر فمعنى ذلك أننا حطمنا هذا الأصل الموجود، إما بطريقة حرام واضحة وإما بطريقة فيها حيلة. فإذا نقضنا الأصل تمامًا وقلنا له تأخذ المال لكم عندك عندما تأخذ المال يجب عليك أن تزكيه للسنوات الماضية كلها، فمعنى ذلك أننا نقصنا له من ماله عشرين 20 % أو 10 % حسب السنوات الماضية. فالقضية إذن هي قضية فيها وجهان، وجه لا بد من ملاحظته وهو أن نمكن هذا المال الموجود من أن يخرج من الخزائن إلى الناس القادرين على استثماره، والقرض باب كبير، لهذا من الناحية الدنيوية ومن الناحية الأخروية، فهذا الإشكال الذي ظهر لي أولًا في هذه القضية. طريقة حل هذا الإشكال، هل نفضل أن نجعل زكاة الدين هي على المدين لكامل السنوات التي مضى فيها وقد استفاد منه المحتاج كله لا ببعضه واستثمره وأنفق منه على عياله وحرك به الاقتصاد، أرى أن هذا فيه ظلمًا لرب الدين وفيه تعطيل للدين، فأنا أعتقد أن أفضل حل لذلك هو أن يعتبره صاحب الدين من الوقت الذي يتمكن فيه من قبض دينه أما بأن يكون قد حل على مليء معترف وأن يكون الدين صاحبه غير مماطل وهناك في هذا يجب عليه أداء الزكاة لسنة واحدة يستقبل بها من وقت القدوم.
الأمر الثاني، ما جاء في كلمة صديقي فضيلة الشيخ عبد الستار أبو غدة من أنه إذا انضاف مال جديد إلى مال قديم قبل حلول الحول فإنه يجري عليه الحول الأول، أنا لا أقول إنني أعرف المذاهب كلها ولكن مذهب مالك خلاف هذا. فإنه يستقبل به حول جديد وإنما ذلك المال الذي نما من المال أصل المال الأول له حوله الأصلي أما المال الجديد فله حول من وقت قبضه لأن الحول هو منتسب إلى المال وليس منتسبًا إلى صاحب المال. شكرًا.
الشيخ زكريا البري:
بسم الله الرحمن الرحيم.. في رأيي أن الديون تنقسم أقسامًا متعددة. وأن هذا الموضوع يستأهل العرض على المجمع وليس محلًا لفتوى عادية، ذلك أن من الديون القرض الحسن، استدانه مدين لسد حاجته الأصيلة ولا سبيل لإيجاب الزكاة لا على الدائن لأنه ليس ناميًا بالنسبة له، ولا على المدين لأنه مشغول بسد حاجته الأصيلة. فإذا ما قبضه الدائن بعد ذلك، قبضه حقيقة أو حكمًا بقدرته على قبضه فإن الزكاة فيه لا تجب على الدائن بعد ذلك، إلا بعد حولان الحول. أما قبل ذلك فكما قلت لا وجه مطلقًا من ناحية القواعد الشرعية على إيجاب الزكاة لإيجاب الزكاة عليه. بعد ذلك هناك قرض آخر استدانه مدين ليستثمره لحسابه الشخصي وزكاته عندي على هذا المدين المستثمر، أما الدائن فلا زكاة عليه إلى أن يقبضه ويمر عليه الحول كما قلت فيما سبق، ولا وجه مطلقًا أيضًا لإيجاب الزكاة عليه عن مدة ماضية، فما كان ناميًا بالنسبة له وليس مشاركًا للمدين المستثمر في أي شيء، هذه صورة. بعد ذلك عندنا الودائع الاستثمارية في البنوك وهي ليست من الديون وإنما هي مملوكة لأصحابها تستثمر لحسابهم وبالتالي فإنها مال مملوكة لصاحبها بدلالة قاطعة هي أن البنك يملكها ويستثمرها ويتصرف المالك في ملكه إقراضًا واستثمارًا ونحوه، فهي لا يصح أن نسميها نحن الحسابات الجارية لأن تكييفها كما رأينا في أعمال البنوك، يخرجها عن هذه التسمية ويوجب علينا أن نسميها قروضًا لأن البنك يتصرف فيها كما قلت. وعلى هذا الأساس فالحسابات الجارية مملوكة للبنك أي لمؤسسيه والمستفيدين منهم وهؤلاء هم الذين يجب عليه أداء الزكاة بشروطها الشرعية ولا وجه عندي لما ذهب إليه بعض فقهاء البنوك والمصارف الإسلامية من إيجاب الزكاة على البنك كشخصية اعتبارية لأن هذه الشخصية الاعتبارية ليست مكلفة شرعًا، وبعض مؤسسي هذه البنوك أو بعض مساهميها قد لا يملكون ما يوجب عليهم الزكاة الشرعية، أعتقد أنني أوجزت رأيي بصورة سريعة لأنني لم أكن قد كونته فيما سبق وإنما كونته الآن بعدما استطعت أن أقرأ ما قرأت وأن أسمع ما سمعت. وشكرًا.
الشيخ أحمد البزيع ياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله الطيبين وصحابته الكرام وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،
الزكاة ركن عظيم من أركان الإسلام لا شك ولا ريب فيه. ثم إنه كما قال أخي عبد اللطيف، أداء الزكاة في الحقيقة واجب وأخذها من قبل السلطان واجب عليه لأن الله سبحانه وتعالى قال:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} أمر خذ لا ينتظر الوالي بأن تؤدى الزكاة طواعية وإنما يجب أن تؤخذ الزكاة. والخليفة الثاني قاتل مانعي الزكاة –عفوًا الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم المطلوب من فقهاء المسلمين في اتباع الأصول الفقهية المتبعة لأن في التقيد واتباع الأصول الفقهية المتبعة فيها منجاة عن التسهيل على الناس في أداء الزكاة. فأنا وددت في زكاة المستغلات أن تتاح لي الفرصة لأبين ثلاث صور فلعل الآن الفرصة متاحة.
الصورة في المستغلات التي بينت في السابق وأخذ فيها قرار من مجمعكم أود أن أسأل عن ثلاث صور تابعة للصور الأولى قبل أن أبدأ في موضوع الديون.
السؤال الأول: الحصص المشاعة في شركة مساهمة تملك مستغلات للاستثمار، هذا سؤال ما هو حكمها؟
السؤال الثاني: حصص مشاعة في نفس الشركة المساهمة ولكن الذي اقتنى الأسهم والحصص اقتناها للتجارة وللتداول وليس للاستثمار الطويل.
السؤال الثالث: إذا اقتناها للتجارة وللتداول ولكنها كسدت السوق ووفق التداول لأسباب طارئة مدة طويلة. فما هو الحكم؟ هل هي تعتبر من المستغلات التي عليها زكاة المستغلات 2.5 % أو أنها تعتبر عروضًا تجارية لأنها بدأت بنية أنها عروض تجارية؟.
هذا في الحقيقة وددت إضافته لما ذهبنا إليه بالنسبة لزكاة المستغلات. ثم بالنسبة للبحوث الفقهية، في الحقيقة إذن فيه مسألة نكررها هنا فلا مانع من التكرار لأن في التكرار تأييدا ولكن يجب الاستعاضة فيما ذهب إليه فقهاء المسلمين في مؤتمراتهم السابقة، وتأييد ما يؤيد ويؤلف به كتب. في الحقيقة، حتى يكون صمام أمان في المستقبل، نخشى أن يتوسع الناس في المفاهيم ويعتبرون القواعد الفقهية إنما هي خطب أو مواضيع إنشائية وما إلى ذلك. نريد من فقهاء المسلمين في هذا المجمع أن يعملوا صمام أمان للمستقبل في الأمور الفقهية التي اجتمعوا عليها واتفقوا عليها، حتى في الحقيقة في المستقبل لا يكون هناك تجاوزات. ثم أود أن أقترح في الحقيقة على المجمع بأن هناك أمورًا من الأهمية بمكان ويجب أن تبحث وفيها علاج لأمراض الأمة الإسلامية، وهي في السلوك والأخلاقيات، سلوك الفرد مع المجتمع وسلوك المجتمع مع الفرد وسلوك السلطة مع المجتمع وسلوك المجتمع الإسلامي مع المجتمع الإنساني. هذه في الحقيقة أمور، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) فهذه المواضيع من الأهمية بمكان أرجو أن يقبل اقتراحي في مؤتمرات لاحقة لبحث هذه الأمور لأن في الحقيقة نحن لسنا بحاجة إلى أن نعلم عن الأمور الفقهية التي هي معلومة منا في الدين بالضرورة إنما نحن بحاجة إلى سلطة تنفذها ونحتاج في الحقيقة أيضًا إلى أن نكون مسلمين في أخلاقنا، نريد أن نكون لماذا هذا التأخر إنما هذا التأخر مثل ما قال بعض الإخوة في تعطيل الزكاة نجعل ثغرة تلج منها كثير من المذاهب الهدامة، والمصطفى صلى الله عليه وسلم عندما يعلن أحد إسلامه أول ما يسأل: ألك مال؟ فالحقيقة الزكاة يستحق من المجتمع أن يبحث هذا الركن بحثًا مستفيضًا وأن يكون في بحثه بجانب الفقير معتمدًا على الأصول والقواعد الفقهية.
ونأتي إلى زكاة الديون: زكاة الديون في الحقيقة، أنا أعمل في شركة والذي أريد أن أبينه أني لست فقيهًا إنما على أن أبين الصورة التي عليها كثير من الشركات التي تلتزم بالإسلام وتود أن تبرئ ذمتها. الشركات والتجار يعملون كل سنة ميزانية، الميزانية فيها أصول وفيها خصوم، الدين من الأصول يعتبر ولو تكرر الدين مثلًا لمدة ثلاث سنوات ومؤجل لمدة 3 سنوات أو أربع سنوات إنما ملاحظ عند استثماره هذا الدين لمدة طويلة ملاحظ فيه الربحية فالدائن يعتبر الدين على المليء المتمكن من السداد، يعتبره مالًا له يزكيه كل سنة باعتباره أصلًا في أصوله. هذه في الحقيقة وددت أن أبينها إنما بالنسبة لما ذهب إليه الفقهاء من دين المغتصب أو المعسر أو المماطل فهذا شيء لا أريد الخوض فيه لأني لست من فرسان ميدانه. وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا، أحب أن أحيط فضيلة الشيخ بما يتعلق بالأسهم فسبق أن جرى بحث جانبي وذكرت أن ما يتعلق بالأسهم سيكون إن شاء الله تعالى في الدورات الآتية بحوث مستفيضة حول ما يتعلق بالأسهم من جميع جوانبها إحدى الصور التي ذكرتموها ولعلها الأولى هي داخلة فيما قرره المجمع بالأمس أو قبل الأمس في زكاة المستغلات ونشكر فضيلة الشيخ لفتاته الكريمة وشكرًا.
الشيخ أحمد محمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
موضوع زكاة الدين ينبغي أن ننظر أولًا إلى حق الزكاة، هل الزكاة حق في الذمة أو الزكاة حق في المال. ونرى أن الراجح بأن الزكاة حق في المال، ولذلك وجبت الزكاة في أموال القصر، وجبت الزكاة في أموال اليتامى وأموال مطلق الصبيان غير البلغ، وفي أموال المجانين حسب رأي أكثر علماء الأمة. هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الزكاة على المدين لا على الدائن. وإذا فرضت الزكاة على الدائن في السنين المتطاولة قبل أن يحضر أجل ذلك الدين فإن الزكاة تستهلك ذلك المال خاليًا من هذا الواجب وذلك ينافي ما عرفناه من سائر المسائل التي تنبني على هذا الأصل وهو وجوب الحق في الأموال. ويدل أيضًا على أن الحق في المال، قوله سبحانه وتعالى {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} ففي نفس المال حق وليس هذا الحق في الذمة. وإذا كان هذا المال استهلكه إفلاس المدين فإذن لم يبق هناك مال حتى يقال إن على الدائن أن يزكيه إذا ما قبضه. لم يبق هناك مال، وكذلك كان هذا المدين مماطلًا ولم تكن لدى الدائن بينة يتمكن بها من التوصل إلى حقه لدى الحكام الشرعيين أو لم يكن هنالك من ينصف له، فإن الحق في هذه الحالة إذا أوجبناه عليه تضاعف عليه الواجب من غيران ينتفع من هذا المال بشيء وإنما أؤيد رأي الأخ الدكتور عبد الستار أبو غدة في كون الدائن يجب عليه أن يزكي هذا المال بعد أن يقبضه بحيث يستقبل به عامًا جديدًا إن لم يكن له أصل. فإن كان له أصل فإنه يرده إلى ذلك الأصل ويزكيه متى ما زكى من الأصل وأما ما قاله الأخ الشيخ المختار السلامي من أنه لم يطلع على قول غير قول الإمام مالك واتباعه في هذه المسألة وهو أن المال المستفاد يستقبل به عامًا جديدًا فإني أريد أن أنبه فضيلة الشيخ السلامي بأن هذا القول إنما هو قول الإمام مالك طبعًا وقد قاله ابن عباس من قبله أما جمهور الأمة فإنهم يقولون بخلاف هذا القول. جمهور الأمة يقولون بأن الفائدة حسبما يعبر الفقهاء ترد إلى الأصل وتزكى مع الأصل. وبجانب ذلك هنالك قول آخر أيضًا، وأظن هذا القول إن لم تخني حافظتي منسوب إلى عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو أن الفائدة أو المال المستفاد إن كان وصل إلى حد النصاب فإنه يستقبل به عامًا جديدًا وإن كان دون النصاب فلا حاجة إلى استقبال عام جديد بل يضاف إلى الأصل، وهكذا. فما دام هناك هذا القول وهو قول جمهور الأمة فعلينا أن نأخذ برأيهم ونستفيد مما قالوه ولا ينافي أن يكون هنالك اجتهاد عند الآخرين، الاجتهاد الفردي في الإفتاء ولكن بما أن هذا المجمع يصدر رأيًا جماعيًا فإنه يصدر رأي الأكثرية.. وتعرض أيضًا الشيخ زكريا لموضوع البنوك وموضوع الزكاة، وقال إن البنك شخصية اعتبارية. أظن أن المشكلة تنحل إذا قلنا بأن الزكاة حق واجب في المال وما دام الشركاء يكونون كشخص واحد كما جاء ذلك في زكاة النعم لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق فإن قيام الشركة، شركة تجارية سواء كانت هذه الشركة بنكًا إسلاميًا أو غير ذلك تكون هذه الشركة بمثابة شخص واحد ويجب أداء الزكاة من جميع المال المشترك، هذا ما أردت أن أنبه عليه وشكرًا لكم.
الرئيس:
شكرًا، أرجو من سماحة الشيخ أن يعطي ملخصًا لما تفضلتم به.
الشيخ عبد الله البسام:
ملاحظة صغيرة على الشيخ الخليلي، ملاحظة صغير جدًا وهي أن الخلطة ليس لها تأثير إلا في بهيمة إلا في الأنعام.
الرئيس:
أنا أردت ملخصًا لكلمة فضيلة الشيخ ومن ضوئها يتضح.
الشيخ أحمد حمد الخليلي:
في الواقع طبعًا كما قال فضيلة الشيخ إن بهيمة الأنعام هي التي تعتبر فيه الخلطة ولكن إذا تعدد الشركاء وساهم كل أحد منهم بدفع جزء من المال مقدار مائة ريال سعودي أو أقل من ذلك أي مقدار ما لا تجب فيه الزكاة، إذا ساهم عدد من الشركاء في دفع ذلك، فهل يقال في مثل هذه الحالة بأن وصلت التجارة إلى مقدار النصاب هل يقال تسقط الزكاة بهذه التجارة ولا تجب نظرًا إلى أن سهم كل أحد لا يفي بمقدار النصاب. ينبغي إعادة النظر في ذلك وعلى أي حال ملخص ما أراه هو أن الزكاة تجب على الدائن إذا كان الدين حاضرًا وقته وكان هذا الدين على وفي مليء سواء قبضه أو لم يقبضه إذا حضر الوقت الذي يزكي فيه سائر المال أو مر سائر ماله، يعني الدائن، أو مر نصاب أو مر حول على ذلك الدين نفسه إن لم يكن عنده مال آخر وإذا أفلس المدين فلا زكاة على الدائن ولو حضر وقته، وكذلك إذا كان هذا المدين مماطلًا ولم يتمكن الدائن من التوصل إلى حقه بحيث أعوزته البينة أو بحيث لم يكن هناك من ينتصف له، وفي هذه الحالة طبعًا الزكاة على المدين، في حالة مماطلته وفي حالة العسر طبعًا ما عليه زكاة.
الرئيس:
وفي حالة إفلاسه.
الشيخ أحمد حمد الخليلي:
في حالة إفلاسه لا عليه زكاة ولكن في حالة مماطلته عليه هو الزكاة فيما بينه وبين ربه وتجب أيضًا الزكاة عليه ما دام يستغل ذلك المال قبل أن يحضر أجل الدين فقبل حضور أجل الدين الزكاة على المدين وبعد حضور أجل الدين على الدائن بشرط أن يكون الدين على مليء وأن يكون الدائن متمكنًا من الوصول إلى حقه.
الرئيس:
شكرًا أكرمكم الله. الشيخ آدم.
الشيخ آدم شيخ عبد الله علي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وسلم. وبعد.
فأولًا: أثنى رأي ما ذهب إليه الباحث وأختاره من أن الزكاة تجب على الدائن إذا كان المدين مليئًا مقرًا غير مماطل. وكذلك إذا كان المليء منكرًا ولك للدائن شهود ووثائق يستطيع بهما أخذ ماله لدى المحاكم الشرعية. فهو كالمتمكن تجب عليه الزكاة أيضًا. وأما إذا كان الدين على مليء منكر ولم يكن للدائن شهود ووثائق يستطيع بهما أخذ ماله لدى المحاكم، أو كان المدين معسرًا، فهاتان الحالتان لا تجب الزكاة على الدائن إخراجها حتى يقبضها فيما مضى من السنين. وشكرًا.
الشيخ نزيه حماد:
بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن والاه، وبعد.
فلي تعليق جزئي على بعض مقدمات استدلال الأخ الفاضل الشيخ السلامي حيث أنه بنى رأيه على أن الدين غير مملوك ملكًا تامًا بالنسبة لدائن والمدين على السواء، أقول بالنسبة للمدين هو مملوك ملكًا تامًا بالعقد والقبض بلا خلاف بين الفقهاء، هذا بالنسبة للمدين، أما بالنسبة للدائن فالدين في ذمة المدين مملوك ملكًا تامًا بالنسبة للدائن وهو في ذمة المدين، والدليل على ذلك اتفاق الفقهاء على صحة تمليك الديون المستقرة للمدين لمن عليه الدين ولغير من عليه الدين بغير عوض، واتفاقهم كذلك على صحة تمليك الديون المستقرة بعوض إلى من عليه الدين. أما كون الدين في ذمة المدين معرض للتوي بالنسبة لدائن فهذا لا يزعزع ملكية الدائن ولا يؤثر على تمامها. فالتعرض للتوي ليس مناطًا مؤثرًا والدليل على ذلك أو مما يستأنس به في الاستدلال على ذلك أن المال المغصوب في يد الغاصب يكون معرضًا للتوي بالنسبة لمالكه ومع ذلك لا خلاف في أنه يملكه المغصوب منه ملكًا تامًا وهو في يدي الغاصب. وشكرًا.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم.. إخواني الأساتذة الكرام، أريد أن أقدم بمقدمة بسيطة ولكنها لا للاستدلال وإنما للاستئناس ثم أبين رأيي في الموضوع. المقدمة البسيطة هي:
موقف علماء القوانين المالية فيما يتعلق بالديون وخضوعها لضريبة الدخل. وهذا أمر شاع في جميع البلاد اليوم. فهناك عملاء القوانين المالية يميزون بالنسبة للديون وخضوعها أو عدم خضوعها لضريبة الدخل، فيميزون بين ديون موضوعة في الاستثمار أي الديون التي عليها فوائد كالودائع المصرفية التي يضعها أصحابها في البنوك الربوية ويأخذون عليها فوائد أو التي يقرضونها مباشرة إلى الأفراد بطريق المراباة. فهذه الديون باتفاق علماء القانون تخضع للضريبة، ضريبة الدخل. وأما الديون التي لا فوائد عليها، فهذه لا يخضعوها لضريبة الدخل بل يسقط صاحب الدين مبلغ الدين من وارداته وأرباحه التي تؤخذ عليها الضريبة.
هذه أذكرها، يعني قلت للاستئناس. نحن في الإسلام، هذا لا يمكن أن ينظر إليه لأنه لا يوجد عندنا ديون موضوعة للاستثمار لأننا لا نقبل وضع الديون بالفوائد الربوية في المصارف. وأما الأموال التي توضع للاستثمار فهي لا تقبل إسلاميًا أن تكون ديونًا مستثمرة لصاحب الدين وإنما هي مشاركة عندئذ كما يحصل في القراض وكما في وضعنا الآن اليوم، الودائع في البنوك الإسلامية إنما توضع على أساس المشاركة، والبنك الإسلامي إنما هو بمنزلة المضارب، فلذا هذا النظر إنما ذكرته للاستئناس. لكن بالنسبة للموضوع، أرى أن المال إنما ميز فيه الشرع كما هو معلوم بين نوعين، مال نام، ومال غير نام، وأعرف أنه باتفاق الفقهاء لا أعرف خلافًا، إنه إنما يخضع للزكاة المال النامي. وهذا النماء قد يكون بالفعل وبالقوة، النماء بالفعل كالأموال التجارية التي هي المراد بالنماء، والنماء موضوع في طريق التنمية موضوع سواء نما بالفعل أم لا فالتاجر يزكي أمواله التجارية ولو خسر كما هو معلوم لأنه يخسرمرة ويربح مرات الخ، والتجارة طريق اكتساب يعيش عليه البشر أجمعون. ولكن هناك حالة يذكرون أنها يعتبرون المال فيها ناميًا بالقوة وهى حالة المال المكنوز عندئذ الذهب والفضة يقررون أنهما لو كنزا ولو لم يوضعا في طريق الاستثمار يخضعان للزكاة. والحكمة في ذلك معروفة وهذا من روائع الشريعة الإسلامية الكريمة حيث إن إيجاب الزكاة في هذين المالين الأساسيين ولو كانا غير موضوعين بطريق الاستثمار، الزكاة حكمتها أنها تهاجم المال المكنوز لتبعثه من مرقده. طبيعي على فرض أن الرجل سيتقيد بالشريعة ويخرج الزكاة أما العاصي الذي لا يبال فلا شأن لنا به. ونحن نفترض المسلم الملتزم، فإن الزكاة تهاجم الكنز وهذا من أبرز وأوضح حكمتها فلا تترك للإنسان مجالًا ولو أنه مسلم ملتزم أن يدخر ويكتنز وإنما عليه أن يخرج هذا المال فيضعه في طريق نفع عباد الله والاستثمار كما هو معروف. أما ما سوى النقدين فإن التمييز ذاك الأساسي جار على مداه وهو أنه لا يخضع للزكاة إلا المال النامي ولذلك التاجر نفسه إذا أخذ من متجره شيئًا وضعه في بيته للاستعمال لا يدخل حينئذ في حساب الزكاة، وهكذا كما هو معروف لا حاجة للإفاضة فيه. وبناء على هذا التأصيل أستطيع أن أقول إن الدين وهو في ذمة المدين، هذا بالنسبة إلى الدائن فاقعد النماء فهو مال غير مدفوع على سبيل الفائدة كما عند القانونيين، وهو قرض حسن وقد خرج عن ملكية الدائن ولا سلطة بقيت له عليه ما دام في ذمة الآخر، فهو إذن لو فرضنا أنه يملكه وهذا مقرر بأنه يصبح حقًا في الذمة والحقوق الشرعية.
الرئيس:
هو قرض حسن في بعض صوره.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
نعم هو قرض حسن يعني غير خاضع لربا، فبناء عليه هو بالنسبة للدائن يعني عديم الفائدة منه، أي بمعنى أنه ليس ناميًا بالنسبة إليه، أي فقد فيه شرط النماء وعندئذ لا يصح في نظري إيجاب الزكاة على الدائن ما دام لم يقبض الدين. وفي هذا أرى ما رآه فضيلة الأستاذ الشيخ السلامي وإن كنت أخالفه في عدم ملكية المدين للدائن فهو مملوك، للدائن ويتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم، لكن هذا لا يخرج عن كونه مالًا غير نام ومفقود النماءة بالمرة بالنسبة للدائن. أما بالنسبة إلى المدين فكذلك هذا هو يستنميه ويثمره ولكن هذا أيضًا مشغول الذمة بوفائه، والقاعدة في الأموال التي تخضع للزكاة أنها يسقط منها الديون وكل ما يحتاج إليه صاحب المال في حاجته الأساسية فيما زاد عن النصاب هذا لا شك أنه أيضًا مفقود بالنسبة للمدين، هذا المعنى، لأنه مشغول الذمة بالوفاء فهو وإن كان مالكًا لهذا المال ويستثمره ولكن ذمته مشغولة بوفائه فكأنه غير موجود لأنه سوف يذهب. وإنما يستفيد المدين ثمرات هذا الدين الذي عليه لغيره، يستفيد ثمراته، وعندئذ نحن عندما نوجب على المدين أنه يطرح مبلغ الدين ويزكي بقية أمواله التي هي في طريق النماء موضوعة، فقد أدخلنا ما جناه من فوائد وثمرات من هذا الدين واستثماره إياه مدة الحول، أدخلناه في الزكاة التي تجب عليه وهذا هو العدل، فنحن نأخذ من المدين زكاة عن الثمرة التي استفادها من هذا الدين مدة بقائه في ذمته، أما أن نأخذ منه زكاة عن أصل الدين وهو مكلف بإعادته، فهذا أراه مخالفًا لمنطق الشريعة وقضية نماء المال، وفي النتيجة أرى أن الدين لا تجب زكاته على الدائن إلا بعد القبض كما تفضل الأستاذ السلامي وأما المدين فلا تجب عليه أبدًا إلا الثمرة وهذه تدخل في زكاة ما يبقى من ماله بعد طرح الدين.
الرئيس:
لا تجب عليه إلا بعد القبض، قصدي يستقبل بها أو لها اثر رجعي.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بعد القبض يعني من الممكن أن نقول إنه هو الأقرب أنه يزكيه بعد حولان الحول.
الرئيس:
يعني يستقبل.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بعد القبض إذا حال عليه الحول.
الرئيس:
يستقبل بها حولًا.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
نعم، وأما ما ذكره أخونا الكريم الأستاذ الخليلي من أن الراجح في نظره وقد يكون هذا أيضًا الراجح في نظرنا أن الزكاة تتعلق بالمال لا بالذمة فإن هذا لا ينتج النتيجة التي أرادها من إيجاب الزكاة على المدين ذلك لما بينت، أن المال وإن تعلقت به الزكاة لكن هناك شرط النماء فليس مجرد وجود المال يكفي بأن تتعلق به الزكاة وإنما قضية النماء شرط أساسي بإجماع الأمة فيما أعلم. وهذا ما أراه والله سبحانه وتعالى أعلم.
الشيخ معروف الدواليبي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. سيدي الرئيس ملاحظتي حول زكاة الدين لا نص فيها كما استمعنا إلى السادة الأفاضل ستكون ملاحظة عامة في الحقيقة حول جميع مواطن الاجتهاد، لماذا هذه المواطن وما الحكمة فيها وما هو الواجب عنها؟ لأنه عرض من قبل بعض هذه الآراء في القضية الواحدة من علماء أجلاء ونحن اليوم أيضًا في قضية قد يطول البحث فيها وربما تأتي وسوف تأتي خاصة على المجمع مواقف كثيرة. لا أريد أن أجعل من كلمتي هذه محاضرة ولكنني أتكلم بنقاط أو كلمات برقية، أي مختصرة جدًا.. أين هي مواطن الاجتهاد وهي ما سكتت عنه النصوص سواء الكتاب أو السنة "وما كان ربك نسيًا" ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يسكت في المواطن التي يجب أن يبين فيها، وإنما كما جاء في الحديث الشريف ((ما كان ربك نسيا)) وإنما رحمة بنا، فالرحمة إذن كلما سكتت النصوص. هذا السكوت مقصود منه أن يترك فيه البيان بدأ من الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالقرآن {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وتتمة الآية في هذا الإبداع {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق في عهد التشريع المدني إلا عشر سنوات فيما بين أصحابه ولم يأذن الله أن يكون خالدًا ليتابع معهم الوقائع والأحداث ولكن بين لهم لنتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة أو نورًا نهتدي في الأحداث التي حدثت بعده، كيف نستفيد من مواطن الاجتهاد وهي التي سكتت عنها أولًا النصوص القرآنية بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام وهي بالنسبة إلينا فيما بعد الرسول أو سكتت عنها النصوص النبوية إلينا أيضًا فيما بعد وقد مضى على ذلك أربعة عشر قرنًا تقريبا فتركت لنا. والأساس في الحقيقة بالبيان سواء كان للرسول عليه الصلاة والسلام أو لنا فيما ترك عن قصد من الله ومن الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان كما قلنا نسيًا، ولا يمكن للرسول أن يسكت في مقام الواجب فيه البيان وإنما ما سكت عنه أيضًا الرسول كما سكت عنه القرآن، أو ما جاء عامًا أو ما جاء مجملًا كما هو في القواعد الأصولية هو مواطن الاجتهاد. والشريعة في الاجتهاد مبناها مصالح العباد كما قال الأئمة أمثال ابن تيمية وابن القيم وغيرهم، أينما كانت المصلحة، فثم شرع الله وإن لم ينزل بها وحي ولا قال بها الرسول، فنحن في مثل هذه المواطن وقد سكت عنه النص في زكاة الديون، استمعنا إلى الآراء بدءًا من أجلة الصحابة وبعد ذلك من أجلة العلماء وإنني لست وحدي باسم جميع السادة العلماء الحاضرين كلنا نحمل في أنفسنا الإعظام والإجلال للصحابة رضي الله عنهم وإن اختلفت آراؤهم وللأئمة الذين تقدموا فلا أحد هنا متكلم عن هوى وإنما عن تفتيش عن البحث عن المصلحة وأذكر فقط فيما تختلف فيه الآراء أحيانًا حتى بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام.
هناك آراء، كل منهم يهدف ويفتش عن المصلحة المشروعة فالرسول عليه الصلاة والسلام مثلًا في قضية تشريع الأضاحي كما هو معلوم للسادة العلماء لما شرع الأضاحي ((كلوا وتصدقوا وادخروا)) فلما جاء العام الذي بعده في ظروف لم ينتبه الناس فقال:((كلوا وتصدقوا ولا تدخروا)) فلما جاء العام الثالث فظن المسلمون وهذا من البيان الذي نستفيد منه من الرسول صلى الله عليه وسلم أكلوا وتصدقوا، والأيام كانت حارة وفاض من اللحوم، فتجمعوا كما تعلمون في المسجد النبوي وتعالت أصواتهم اللحم كاد يفسد، ولقد نهانا رسول الله في العام الماضي وقال ((كلوا وتصدقوا وادخروا)) فما نصنع؟ فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم من الحجرة النبوية فخرج إليهم وقال: ويحكم إنما نهيتكم في العام الماضي، أما الآن فقد وسع الله ((فكلوا وتصدقوا وادخروا)) إذن في مثل هذه النصوص بأجمعها إن كانت مجملة أو عامة أو سكت عنه الرسول، أنا أتمنى على المجلس الكريم لأنها ستعرض لنا في كثير من المواقف، مواقف الإفتاء، لا أرى في مثل هذه القضية أن نبحث لأن نقول بالرأي الراجح وإنما نوصي بمبدأ الأصول في مثل هذه المواطن التي أذن العلماء أن يجتهدوا أن يتركوها مفتوحة لنظر المفتي بالنسبة لكل حادث كما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم في قضية التشريع، اختلف ما بين سنة وأخرى المصلحة ولذلك اختلف القول ولم يكن القول الأخير ناسخًا فكذلك لو كان مثلًا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو الدائن المعروف بثروته، أنا لا أقول له إنك لا تزكي عن المال الدائن، عن المال الذي أنت أخرجته في ملكك وأذنته فلا أميل في مثل هذا الموقف، لا أقول لمثل عبد الرحمن ابن عوف وليس فيه عليه حرج مثلًا ولكن ادفع زكاة دينك، الدين الذي عند الآخرين لأنه لا يخرجه وهو أنفع للفقراء وقد اتخذ في موقف آخر، بالنسبة للدائن لو كان دينه بسيطًا ومضى عليه أربع سنوات مثلًا كان مائة ريال في كل سنة والدائن ليس مماطلًا ولكنه في كل سنة أوجب عليه أن يدفع 2.5 % وإذا طالب هذا الرجل الذي لا يملك إلا مثلًا مائة ريال أو ألف ريال كل على حسبه، أن ألزمه بجميع السنوات، فأنا نفسي أجد وأشعر أن عندما يكون الرجل في راحة وفي استطاعة وضربت مثلًا عن عبد الرحمن بن عوف المعروف بغناه فيما بعد فأقول بإلزامه بإخراج زكاة الدين، ولكن في حالة أخرى لا أتبنى هذا الموقف أنظر إلى مصلحة الدائن والمدين. وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا، الشيخ مختار وأرجو الإيجاز لأنها آخر المطاف.
الشيخ المختار السلامي:
شكرًا سيادة الرئيس.. وأنا دائمًا وأبدًا أوجز، ولكني في هذه الحالة لا بد من أن ولا أستطيع الإيجاز الكامل إذ إنما سأفتتح كلمتي هذه بشيء من الأدب ولا بد منه، فقد كان المعز باديس في عاصمة القيروان وقد طاف حول المدينة الأعراب الذين قدموا من كل مكان وانهزم جيشه، فوقف أمامه شاعره وقال به:
تنبه لا يخامرك اضطراب *** فقد خضعت لعزتك الرقاب
…
فأمر بقصيدته أن تمزق وأن يطرد شاعره الأثير عنده عادة، لأن كلمة: تنبه، رأى فيها سوء أدب وقال له: متى تعودت مني الغفلة حتى تقول لي: تنبه، وفي هذا المقام ما قبلت أبدًا أن يقول لي أحد زملائي لأني أحترمهم جميعًا، أريد أن أنبه فلانًا، لأني أعتقد أننى قد انتبهت لكل ما قيل وانتبهت لما قلت، إذ جاء في كلمة الأستاذ صديقي وعزيز أن ما انضاف من الأموال الحكم فيه أنه يأخذ حول الأصل. قلت بالنسبة لمذهب مالك أن هذا ليس صحيحًا ولكن في مذهب مالك كل مال له حوله متى قبض، فلا حاجة لي بأن ينبهني شخص لوجود خلاف في مذاهب أخرى إذ أنني قلته من أول الأمر. هذه واحدة.
الأمر الثاني، لما تحدثت عن الملك الناقص لما قلت: ملكًا ناقصًا بالنسبة لرب الدين فأنا أعي ما أقول، لأن رب الدين عندما يدفع دينه لغيره فأصبح تصرفه في ملكه تصرفًا ناقصًا، إذ أنه لا يجوز بيع الدين ويدخله في كثير من الأحكام فملكه ملك منقوص.. وأيضًا لا يستطيع أن يستثمره إذ هو عند غيره، فلما قلت كلمة ملكًا ناقصًا لم أنف الملكية ولكني قلت إنها ليست ملكية لها الحقوق الكاملة للملك إذ نقص بعضها وبقي بعضها وإلا كان ذلك بيعًا لوانتفى الملك. هذا هو أمر الدين وهو نفس ما أقوله لفضيلة الأستاذ شيخنا الشيخ الزرقاء هذا ما أريد أن أقوله من كلمتي إنه ملك غير تام. وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا.. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد،
فإنه من خلال البحوث المعدة ومن خلال هذه المناقشات المباركة الميمونة والمداولات يتضح أمامنا أمور:
الأمر الأول: أن هذه المسألة ليس فيها نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
الأمر الثاني: لهذا اتسعت فيها دائرة الخلاف بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم رضي الله تعالى عن الجميع.
الأمر الثالث: أن خلاصة النقاش تنحصر تقريبًا في تحقيق المناط، هل القدرة على التحصيل كالمحصول عليه أو لا؟ فتحقيق المناط في مسألة الديون هل القدرة على التحصيل كالمحصول عليه أولًا.
ولهذا فإن أهل العلم معللين في حال الضمار وفي حال الملاءة، مفرقين بين حال الضمار وبين حال الملاءة وحال الضمار هي كما في موطأ الإمام مالك رحمه الله، أن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه كتب في كتاب له لما سئل عن الدين إن أدى زكاته لما مضى من السنين ثم رجع وقال: أدى زكاته لسنة واحدة، قال مالك: وذلك لأن الدين كان ضمارًا. والدين الضمار هو لدين الغالب الذي ليس على مليء. إذن تحقيق المناط في مسألة الضمار وفي مسألة الملاءة هي فلكة المغزل في هذه المسألة الفقهية المطروحة بين أيديكم. وقد علم يقينًا أن عددًا من المحققين ليس لهم اختيار في هذه المسألة، ومن المحققين المعاصرين الذين بحثوا هذه المسألة باستفاضة وجمعوا ما ورد فيها من النصوص انسحبوا منها ولم يفصحوا عن رأيهم وأذكر على سبيل المثال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان رحمه الله تعالى فإنه بحث هذه المسألة في الجزء الثاني من أضواء البيان بحثًا عليمًا دقيقًا مستفيضًا لكن لم يصرح له فيها برأي لأن المسألة ليست ذات نص من كتاب أو سنة أو إجماع مع الخلاف في تحقيق المناط في هذه القضية.
ومن هنا فإن أنظاركم أصحاب الفضيلة التي جرى سماعها في هذا الموضوع اختلف التقييد لدى من رأى إلى آخر في الإطلاق والتقييد ولهذا فإنني أرجو من حضراتكم الكريمة قبول الاقتراح الآتي:
أن يتفضل كل عضو بأن يقدم الرأي فقط مختصرًا مكتوبًا إلى الأمانة، والأمانة نجتمع وإياها ونأخذ هذه الآراء ونعرضها ملخصة مع بيان من قال باتجاه إلى أي من هذه الأقوال وبعد هذا يمكننا البت في هذه المسألة بإذن الله تعالى والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم 1
بشأن زكاة الديون
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 – 16 ربيع الثاني 1406 هـ/ 22- 28 ديسمبر 1985م.
بعد أن نظر في الدراسات المعروضة حول "زكاة الديون" وبعد المناقشة المستفيضة التي تناولت الموضوع من جوانبه المختلفة تبين:
1-
أنه لم يرد نص من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يفصل زكاة الديون.
2-
أنه قد تعدد ما أثر عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم من وجهات نظر في طريقة إخراج زكاة الديون.
3-
أنه قد اختلفت المذاهب الإسلامية بناء على ذلك اختلافًا بينًا.
4-
أن الخلاف قد انبنى على الاختلاف في قاعدة هل يعطي المال الممكن من الحصول عليه صفة الحاصل؟
وبناء على ذلك قرر:
1-
أنه تجب زكاة الدين على رب الدين عن كل سنة إذا كان المدين مليئًا باذلًا.
2-
أنه تجب الزكاة على رب الدين بعد دوران الحول من يوم القبض إذا كان المدين معسرًا أو مماطلًا.