الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاصل أن الإنسان يجب أن يكون متأدبًا مع من هو أكبر منه، وإذا حصل خطأ بمن هو أكبر، فالخطأ يجب أن يبين بحال لبقة أو ينتظر حتى يخرج مع هذا العالم ويكلمه بأدب، والعالم الذي يتقي الله إذا بان له الحق فإنه سوف يرجع إليه، وسوف يبين للناس أنه رجع عن قوله.
س 122: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله: إذا اجتهد العالم في مسألة من المسائل ولم يصب الحكم الصحيح، فبم يحكم عليه
؟
فأجاب بقوله: العالم إذا اجتهد في مسألة من المسائل قد يصيب وقد يخطئ لما ثبت من حديث بريدة- رضي الله عنه: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا"(1) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"(2) . وعليه، فهل نقول: إن
(1) رواه مسلم/كناب الجهاد والسير/باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، برقم (1731)(3) .
(2)
رواه البخاري/كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة/باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، برقم (7352) ، ومسلم/كتاب الأقضية/باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، برقم (1716) .
المجتهد مصيب ولو أخطأ؟
الجواب: قيل: كل مجتهد مصيب.
وقيل: ليس كل مجتهد مصيبًا.
وقيل: كل مجتهد مصيب في الفروع دون الأصول، حذرًا من أن نصوب أهل البدع في باب الأصول.
والصحيح: أن كل مجتهد مصيب من حيث اجتهاده، أما من حيث موافقته للحق فإنه يخطئ ويصيب، ويدل قوله صلى الله عليه وسلم:" فاجتهد فأصاب، واجتهد فأخطا"(1) فهذا واضح في تقسيم المجتهدين إلى مخطئ ومصيب، وظاهر الحديث والنصوص أنه شامل للفروع
والأصول حيث دلت تلك النصوص على أن الله لا يكلف نفسًا إلى وسعها، لكن الخطأ المخالف لإجماع السلف خطأ ولو كان من المجتهدين، لأنه لا يمكن أن يكون مصيبًا والسلف غير مصيبين
سواء في علم الأصول أو الفروع.
على أن شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله أنكرا تقسيم الدين إلى أصول وفروع، وقالا: إن هذا التقسيم محدث بعد عصر الصحابة، ولهذا نجد القائلين بهذا التقسيم يلحقون شيئًا من
أكبر أصول الدين بالفروع، مثل الصلاة وهي ركن من أركان
(1) رواه البخاري برقم (7352) ، ومسلم برقم (1716) .
الإسلام، ويخرجون أشياء في العقيدة اختلف فيها السلف يقولون: إنها من الفروع، لأنها ليست من العقيدة ولكن فرع من فروعها، ونحن نقول: إن أردتم بالأصول ما كان عقيدة فكل الدين أصول؛
لأن العبادات المالية أو البدنية لا يمكن أن تتعبد لله بها إلا أن تعتقد أنها مشروعة فهذه عقيدة سابقة على العمل، ولو لم تعتقد ذلك لم يصح تعبدك لله بها.
والصحيح: أن باب الاجتهاد مفتوح فيما سمي بالأصول أو الفروع، لكن ما خرج عن منهج السلف فليس بمقبول مطلقًا.
صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله آمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
حصل نقاش في مكان حضره بعض طلبة العلم المبتدئين وكان نقاشهم حول موضوع الفرقة الناجية وتطرقوا إلى أمور كثيرة من ضمنها أنهم تعرضوا للإمامين الجليلين ابن حجر العسقلاني
صاحب الفتح، والنووي صاحب المجموع حيث قال بعضهم أنهما ليسا من الفرقة الناجية؛ لأن عندهما خلل في العقيدة وليسوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم مسلمون وتحت المشيئة ولكنهم مبتدعة، وقال بعضهم: إنهما إمامان من أئمة أهل السنة
والجماعة ولهم سبق في الإسلام وعندهم خلل في العقيدة لكن ذلك عن اجتهاد وتأويل ولا يخرجهما ذلك عن دائرة أهل السنة والجماعة، وهذا خطأ ولهما على اجتهادهما أجر، ورد عليه صاحبه وقال: الخطأ في العقيدة ليس مثل الأخطاء الأخرى، فإذا أخطأ في العقيدة فيخرج عن أهل السنة والجماعة، وإذا أخطأ في غير العقيدة وهو مجتهد فيكون مأجوراً ولو أخطأ، والسؤال يا صاحب الفضيلة هو كالتالي:
1-
ما رأيكم في قول الرجلين؟
2-
هل الخطأ في العقيدة ولو كان عن اجتهاد وتأويل يلحق صاحبه بالطوائف المبتدعة كالأشاعرة والمعتزلة.
3-
هل هذا التقسيم وهو الخطأ في العقيدة أنه ليس كغيره له أصل في الشرع.
آمل من فضيلتكم التكرم علينا بتوضيح هذه المسألة وما يدور حولها لعل الله أن يجعل في جوابكم الخير والنفع للجميع، وفقكم الله والسلام عليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جـ1: إن الشيخين الحافظين (النووي وابن حجر) لهما قدم صدق ونفع كبير في الأمة الإسلامية، ولئن وقع منهما خطأ في تأويل بعض نصوص الصفات إنه لمغمور بما لهما من الفضائل والمنافع الجمة، ولا نظن أن ما وقع منهما إلا صادرًا عن اجتهاد وتأويل سائغ- ولو في رأيهما- وأرجو الله تعالى أن يكون من الخطأ المغفور، وأن يكون ما قدماه من الخير والنفع من السعي المشكور، وأن يصدق عليهما قول الله تعالى:(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)(1) والذي نرى أنهما من أهل السنة والجماعة، ويشهد لذلك خدمتها لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرصهما على تنقيتها مما ينسب إليها من الشوائب، وعلى تحقيق ما دلت عليه من أحكام ولكنهما خالفا في آيات الصفات وأحاديثها أو بعض ذلك عن جادة أهل السنة عن اجتهاد أخطآ فيه، فنرجو الله
(1) سورة هود، الآية:114.
تعالى أن يعاملهما بعفوه.
جـ2: وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفاً لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك، ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعًا فيما خالف فيه الحق، وإن كان سلفيًا فيما سواه، فلا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه سلفي على وجه الإطلاق، بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم، كما قال أهل السنة في الفاسق: إنه مؤمن بما معه من الإيمان، فاسق بما معه من العصيان، فلا يعطي الوصف المطلق ولا ينفى عنه مطلق الوصف، وهذا هو العدل الذي أمر الله به، إلا أن يصل المبتدع إلى حد يخرجه من الملة فإنه لا كرامة له في هذه الحال.
جـ3: لا أعلم أصلاً للتفريق بين الخطأ في الأمور العلمية، والعملية لكن لما كان السلف مجمعين فيما نعلم على الإيمان في الأمور العلمية الخبرية والخلاف فيها إنما هو في فروع من أصولها لا في
أصولها كان المخالف فيها أقل عددًا وأعظم لومًا.
وقد اختلف السلف في شيء من فروع أصولها كاختلافهم، هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في اليقظة؟
واختلافهم في اسم الملكين اللذين يسألان الميت في قبره.
واختلافهم في الذي يوضع في الميزان أهو الأعمال أم صحائف الأعمال، أم العامل؟
واختلافهم هل يكون عذاب القبر على البدن وحده دون الروح؟
واختلافهم هل يسأل الأطفال وغير المكلفين في قبورهم؟
واختلافهم هل الأمم السابقة يسألون في قبورهم كما تسأل هذه الأمة؟
واختلافهم في صفة الصراط المنصوب على جهنم؟
واختلافهم هل النار تفنى أو مؤبدة؟ وأشياء أخرى وإن كان الحق مع الجمهور في هذه المسائل، والخلاف فيها ضعيف.
وكذلك يكون في الأمور العملية خلاف، يكون قويًا تارة وضعيفًا تارة.
وبهذا تعرف أهمية الدعاء المأثور: " اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء
إلى صراط مستقيم، (1) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه محمد الصالح العثيمين
في 17/5/1414 هـ.
(1) رواه مسلم/كتاب صلاة المسافرين/باب الدعاء في صلاة الليل، برقم (1289) .