الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو أول من يلتزم له، ولو كان صادقًا فيما نهي عنه لكان أول من يجتنبه، وعلى الداعية أيضا أن يلاحظ الزمان والمكان في الدعوة إلى الله عز وجل فيدعو في المكان الذي تكون فيه الإجابة أقرب وكذلك في الزمان؛ لأن مراعاة هذه الأمور من الحكمة التي قال الله تعالى فيها:(الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(1) .
س 133: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله: يختلف الكثير من طلبة العلم في معاملة العاصي، فما التوجيه الصحيح جزاكم الله خيرًا
؟
فأجاب بقوله: نقول هذه المسألة وهي أن بعض طلبة العلم إذا رأوا المنحرف خلقيًا، أو فكريًا، أو عمليًا يكرهونه ويتخذون من هذه الكراهة نفورًا منه وبعدًا عنه، ولا يحاولون أبدًا أن يصلحوا- إلا من شاء الله من طلبة العلم الذين أنار الله قلوبهم- ويرون أن هجره وكراهته والبعد عنه والتنفير منه يرون ذلك قربة. وهذا لاشك أنه خطأ، وأن الواجب على طلبة العلم أن ينصحوا، وينظروا كم من
إنسان في غفلة فإذا نصح استجاب.
(1) سورة البقرة، الآية:269.
وما أشد تأثير جماعة أهل الدعوة الذين يسمون أنفسهم (أهل الدعوة والتبليغ) . ما أشد تأثيرهم على الناس. وكم من فاسق اهتدى فأطاع، وكم من كافر اهتدى فأسلم على أيديهم؛ لأنهم وسعوا الناس بحسن الأخلاق، فلذلك نحن نسأل الله أن يجعل إخواننا الذين أعطاهم الله العلم أن يطعمهم من أخلاق هؤلاء حتى ينفعوا الناس أكثر، وإن كان يؤخذ على جماعة الدعوة والتبليغ ما يؤخذ، لكنهم في حسن الخلق والتأثير بسبب أخلاقهم لا أحد ينكر فضلهم، وقد رأيت كتابًا للشيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله- وجهه إلى شخص كتب إليه ينتقد هؤلاء الجماعة، فقال في جملة رده:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سددوا المكان الذين سدوا
وحسن الخلق لاشك أن له تأثيرًا عظيمًا في استجابة الناس للداعي.
أما إذا رأوا الإنسان خشنًا فإنهم يسبونه ويذمونه على ما فيه من الأخلاق الشرعية، تجدهم مثلاً يسبونه على لحيته، واللحية أخلاق شرعية، ويسبونه على تقصير الثوب، يسبونه على المشي حافيًا. لماذا؟
لأنه ليس حسن الأخلاق مع الناس. لا يدعو بالأخلاق إنما يدعو بالجفاء والغلظة، ويريد أن يصلح الناس كلهم في ساعة واحدة، هذا
خطأ لا يمكن أن يصلح الناس في ساعة واحدة أبدًا. أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس؟ وفي النهاية أخرج من مكة حين تآمروا عليه (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) يثبتوك يعني يحبسوك (أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(1) فلا يمكن أن تصلح الخلق بمجرد دعوة أو دعوتين لاسيما إذا لم تكن ذا قيمة بينهم لكن اصبر، وأطل النّفَس، وادع بالحكمة، وأحسن الخلق وسيتبين لك الأمر فيما بعد.
ولاشك أن حسن المنطق له تأثير عظيم بالغ. ويحكى أن رجلاً من أهل الحسبة مر على فلاح يسقي إبله وكان في آذان المغرب. وكان هذا الفلاح يغني لأن الإبل إذا سمعت الغناء تمشي كأنها مجنونة،
لأنها تطرب، فكان يغني غافلاً ولا يسمع الآذان فتكلم عليه رجل الحسبة بكلام شديد. فقال له صاحب الإبل:(سوف أغني وأستمر في الغناء، وإذا ما ذهبت فالعصا لمن عصا)، يقول هذا الكلام: بسبب أنه جاءه بعنف فذهب صاحب الحسبة إلى الشيخ القاضي وقال له: أنا ذهبت لفلان وسمعته يغني على إبله والمؤذن يؤذن المغرب ونصحته لم يستجب. فلما كان من الغد ذهب الشيخ القاضي إلى مكان صاحب الإبل في الوقت نفسه فلما أذن جاء إلى الفلاح وقال
(1) سورة الأنفال، الآية:30.