الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرزق الطيب.. «جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ» ..
وفى قوله تعالى: «بِما قالُوا» إشارة إلى أن قولهم هذا لم يكن مجرد قول، وإنما هو ترجمة عن إيمان صادق، خفق به القلب، واهتزت له المشاعر، وفاضت به العيون، دمعا خاشعا.. لو ظفرت الأرض بقطرة منه لاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج وقوله تعالى:«وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ» يطلع على الناس فى الموقف بصورة ذات دلالتين: دلالة يرى منها أولئك الذين كفروا وكذبوا بآيات الله، ما أعد لهم من نكال وعذاب، جزاء كفرهم وتكذيبهم بآيات الله، ورسل الله، وعداوتهم للمؤمنين بالله وبرسل الله..
والوجه البارز فى هذه الصورة هم اليهود ومن ورائهم كل كافر، وكل مكذب..
والدلالة الأخرى يراها المؤمنون الذين أضافهم الله فى رحابه، وأنزلهم منازل إكرامه، وعافاهم من هذا البلاء، الذي يتقلب فيه الكافرون المكذبون- فيضاعف بهذا نعيم المؤمنين، وتردّد ألسنتهم قول الحق جل وعلا:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ»
. (35: فاطر)
(الآيات: 87- 88)[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)
التفسير: هؤلاء المؤمنون الذين يستجيبون لله ولرسوله، ويدخلون فى دين الله، سيجدون دينا سمحا، وشريعة رفيقة رحيمة، تأسو جراح الإنسانية، وتطبّ لأدوائها، وتقوم على أمنها وسلامتها..
فهذه طيبات الحياة مما أحلّ الله، هى مباحة للمؤمنين، ينالون منها ما تبلغه أيديهم، وتشتهيه أنفسهم، غير مضيّق عليهم فى شىء منها.. «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ» (32: الأعراف) .
والله سبحانه ينهى عباده أن يحرموا شيئا مما أحل الله لهم.. إذ أن ذلك- وإن كان منهم مبالغة فى تأديب النفس بالحرمان- هو اجتراء على الله، وتبديل فى شرعه، وخروج على أحكامه.. وللإنسان أن يقتصد فى الطيّب الحلال، أو أن يؤدب نفسه بالحرمان من بعض الطيبات، ولكن على اعتقاد أن ذلك الذي حرم نفسه منه، هو حلال مباح.. فذلك مما لا بأس به، فهو أشبه شىء بالإمساك عن الطعام والشراب، بالصيام.
وكما نهى الله المؤمنين عن الجوز على أنفسهم بتحريم ما أحل الله لهم من طيبات- نهاهم عن متابعة أهواء النفس، باستباحة ما حرم الله. فذلك عدوان على شريعة الله، ونسخ لأحكامه.
والذي تغلبه نفسه، فتحمله على ارتكاب مأثم من المآثم، وهو على علم من أنّ ما يفعله هو منكر، حرّمه الله على المؤمنين، ورصد لمقترفه العقاب الأليم- هذا الإنسان هو خير من ذلك الذي يتأوّل فى شرع الله، فيحل الحرام، ويفتح له من التأويل بابا يدخله منه إلى ما أحل الله من طيبات.
إن الأول مؤمن عاص، يعلم من أمر نفسه أنه منحرف عن الطريق القويم، خارج على أوامر الله ونواهيه.. وهذا العلم من شأنه أن يزعج مرتكب المنكر، وينخس ضميره، فلا يستمرىء هذا المنكر، ولا يستسيغه على إطلاقه.. وقد
يجىء اليوم الذي يرجع فيه إلى الله، وينتهى عما نهى الله عنه..
أما الآخر- وقد تأول للحرام، وأدخله مداخل الحلال- فإنه لن يجد لهذا الحرام مرارة فى نفسه، ولا وخزا فى ضميره.. ومن هنا فلن تكون له إلى الله رجعة عن هذا المنكر، الذي خادع به نفسه، وخدع به عقله، وخالف ربه، وأفسدو وجدانه ومشاعره.
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» .. والمعتدون هم من يخرجون على شريعة الله، بتحريم ما أحل الله من طيبات، وإباحة ما حرم من خبائث ومنكرات.
وقوله تعالى: «وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ» هو دعوة إلى الإقبال على الحياة، وترك الزهد فيها، والعزوف عنها..
فما قام الإنسان خليفة لله على هذه الأرض، إلا ليعمرها، ويفتح مغالقها، ويستخرج الطيب الكريم منها، ثم يكون له من هذا الثمر الذي غرسه ما ينعم به، من رزق الله الذي بثّه فى كل مكان فى هذه الدنيا.. فى أرضها وسمائها، وبحرها وجوّها..
وقوله تعالى: «وَاتَّقُوا اللَّهَ» هو الميزان الذي تنضبط عليه تصرفات المؤمنين، فيما بين أيديهم من رزق، وفيما حصّلوه من ثمرات سعيهم وجدّهم..
فما دام معهم هذا الميزان- وهو تقوى الله- وما دامت تصرفاتهم قائمة على هذا الميزان، فإنه لا جناح عليهم فى أي شىء يعملونه أو يطعمونه.
وفى قوله تعالى: «الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ» هو تذكير للمؤمنين، بالله الذي آمنوا به، واتقوه، وجعلوا تقواه وخشيته ملاك أمرهم فيما يأخذون أو يدعون من أمور..