المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (42- 45) [سورة الأنعام (6) : الآيات 42 الى 45] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٤

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات (82- 86) [سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌(الآيات: 87- 88) [سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌الآية (89) [سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌(الآيات: (90- 92) [سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 92]

- ‌الخمر.. مادتها، وصفتها، وحكم شاربها

- ‌الآية (93) [سورة المائدة (5) : آية 93]

- ‌الآية (94) [سورة المائدة (5) : آية 94]

- ‌الآيات (95- 96) [سورة المائدة (5) : الآيات 95 الى 96]

- ‌الآيات (100- 97) [سورة المائدة (5) : الآيات 97 الى 100]

- ‌الآيات (102- 101) [سورة المائدة (5) : الآيات 101 الى 102]

- ‌الآيات (104- 103) [سورة المائدة (5) : الآيات 103 الى 104]

- ‌الآية (105) [سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌الآيات: (106- 108) [سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌الآية: (109) [سورة المائدة (5) : آية 109]

- ‌الآية: (110- 111) [سورة المائدة (5) : الآيات 110 الى 111]

- ‌الآيات: (112- 115) [سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 118) [سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 118]

- ‌(الآيتان: 119- 120) [سورة المائدة (5) : الآيات 119 الى 120]

- ‌مبحث فى المسيح الإله والمسيح الإنسان

- ‌6- سورة الأنعام

- ‌الآية: (1) [سورة الأنعام (6) : آية 1]

- ‌الآيات: (2- 5) [سورة الأنعام (6) : الآيات 2 الى 5]

- ‌الآية (6) [سورة الأنعام (6) : آية 6]

- ‌الآيات: (7- 11) [سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌الآيتان: (12- 13) [سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 16) [سورة الأنعام (6) : الآيات 14 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 19) [سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 19]

- ‌الآيتان: (20- 21) [سورة الأنعام (6) : الآيات 20 الى 21]

- ‌الآيات: (22- 24) [سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 26) [سورة الأنعام (6) : الآيات 25 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 32) [سورة الأنعام (6) : الآيات 30 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 34) [سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآية: (35) [سورة الأنعام (6) : آية 35]

- ‌الآيات: (36- 38) [سورة الأنعام (6) : الآيات 36 الى 38]

- ‌الآيات: (39- 41) [سورة الأنعام (6) : الآيات 39 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة الأنعام (6) : الآيات 42 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 47) [سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 47]

- ‌الآية: (48- 49) [سورة الأنعام (6) : الآيات 48 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 52) [سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 55) [سورة الأنعام (6) : الآيات 53 الى 55]

- ‌الآيات: (56- 58) [سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 58]

- ‌الآيات: (59- 62) [سورة الأنعام (6) : الآيات 59 الى 62]

- ‌الآيات: (63- 65) [سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 67) [سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 67]

- ‌الآيات: (68- 70) [سورة الأنعام (6) : الآيات 68 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 73) [سورة الأنعام (6) : الآيات 71 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 79) [سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌الآيات: (80- 82) [سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 87) [سورة الأنعام (6) : الآيات 83 الى 87]

- ‌الآيات: (88- 90) [سورة الأنعام (6) : الآيات 88 الى 90]

- ‌الآيتان: (91- 92) [سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 94) [سورة الأنعام (6) : الآيات 93 الى 94]

- ‌الآيتان: (95- 96) [سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 96]

- ‌الآيات: (97- 99) [سورة الأنعام (6) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 103) [سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌الآيات: (104- 107) [سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 107]

- ‌الآيات: (108- 110) [سورة الأنعام (6) : الآيات 108 الى 110]

- ‌الآية: (111) [سورة الأنعام (6) : آية 111]

- ‌مبحث: فى مشيئة الله ومشيئة العباد

- ‌تفصيل بعد إجمال

- ‌آراء القدرية

- ‌وهذه مقولات لبعض رجالهم رأى واصل بن عطاء:

- ‌رأى النّظام

- ‌ثورة على المعتزلة

- ‌رأى أهل السنة

- ‌[كسب الإنسان]

- ‌حركة الأشاعرة

- ‌لسان الدين بن الخطيب ورأيه فى الكسب

- ‌إمام الحرمين ورأيه فى الكسب

- ‌رأى الغزالىّ في الكسب

- ‌رأى الفارابي فى الكسب

- ‌رأى الفيلسوف محمد إقبال

- ‌الله والإنسان.. مرة أخرى

- ‌أباطيل بعض المتصوفة

- ‌طريق المؤمنين

- ‌الآيات: (112- 113) [سورة الأنعام (6) : الآيات 112 الى 113]

- ‌الآيات: (114- 117) [سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌الآيات: (118- 121) [سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 121]

- ‌الآيات: (122- 124) [سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌الآيات: (25- 27) [سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 127]

- ‌الآيات: (128- 129) [سورة الأنعام (6) : الآيات 128 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 132) [سورة الأنعام (6) : الآيات 130 الى 132]

- ‌الآيات: (133- 135) [سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 135]

- ‌الآيات: (136- 137) [سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 137]

- ‌الآيات: (138- 140) [سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌الآيات: (141- 144) [سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌الآيات: (145- 147) [سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌الآيات: (148- 150) [سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌الآيات: (151- 153) [سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌الآيات: (154- 157) [سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌الآيات: (158- 160) [سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]

- ‌الآيات: (161- 164) [سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 164]

- ‌الآية: (165) [سورة الأنعام (6) : آية 165]

- ‌7- سورة الأعراف

- ‌الآيتان (1- 2) [سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 2]

- ‌الآيات: (3- 9) [سورة الأعراف (7) : الآيات 3 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 13) [سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 18) [سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 25) [سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 30) [سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 34) [سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 34]

- ‌الآيات: (35- 39) [سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 43) [سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 51) [سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

- ‌الآيات: (52- 53) [سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 58) [سورة الأعراف (7) : الآيات 54 الى 58]

- ‌الآيات: (59- 64) [سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 72) [سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌الآيات: (73- 79) [سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌الآيات: (80- 84) [سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌الآيات: (85- 87) [سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

الفصل: ‌الآيات: (42- 45) [سورة الأنعام (6) : الآيات 42 الى 45]

والبلاء، ولهذا جاء قوله تعالى:«إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» كاشفا عن حالهم تلك، وأنهم لو صدقوا أنفسهم، وتدبروا الموقف وتصوّروه على حقيقته، لكان جوابهم: لن ندعو غير الله، ولن نشرك به أحدا.. ولكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا.. ولهذا ضرب الله على الجواب المنتظر منهم، وتولّى سبحانه الجواب عنهم، وألزمهم به إلزام من يؤمنون بالله، ويقدرونه حق قدره، فقال تعالى:

«بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ» أي إنكم مع ما تقولون الآن من كذب وشرك، وأنتم فى سعة من أمركم، ستقولون هذا القول الحق، وأنتم فى يد البلاء والمحنة..

وقوله تعالى: «فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ» أي أنه سبحانه هو الذي سيكشف الضرّ الذي نزل بكم، وصرعتم به إليه، على حين هرب من وجوهكم، وفرّ من بين أيديكم، تلك الآلهة الباطلة التي كنتم تتعاملون معها، وتركنون فى أموركم إليها، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ» لأنها تفاهات لا تذكر فى ساعة الجدّ، ولا يتعامل معها سفيه حين يثوب إليه عازب عقله.

‌الآيات: (42- 45)[سورة الأنعام (6) : الآيات 42 الى 45]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45)

ص: 178

التفسير: فى هذه الآيات عرض لمقطع من مقاطع الحياة، قبل عصر النبوّة، وفيه تتمثل مواقف المعاندين والملحدين بالله، والمكذبين برسله، وما أخذهم به من نكال وعذاب.

وفى قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ» عزاء للنبىّ الكريم، ومواساة له، فيما يلقى من سفاهة السفهاء، وتطاول الحمقى.. فقد كان قبل النبىّ الكريم رسل كرام، بعثهم الله بالرحمة والهدى لأقوامهم، فكذبوهم، وبهتوهم ومدّوا أيديهم إليهم بالضرّ والأذى..

وقوله تعالى: «فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ» هو تعقيب على كلام محذوف دل عليه سياق النظم، أي فكذبوا بآيات الله، ومكروا برسل الله «فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ» أي فأخذهم الله «بالبأساء» أي بالمحن والشدائد، كتسليط العدوّ عليهم، ووقوعهم ليده، يقتل ويسلب، «والضراء» أي الفقر والجدب، ونقص الأموال والأنفس والثمرات.. وذلك لتتفتح قلوبهم إلى الله، وترفع أكفّهم بالضراعة إليه، ومن ثمّ يكون لهم إلى الله عودة، لو عقلوا، وتدبّروا.

إذ أن من شأن الشدائد أن تصفّى النفوس من شوائب الضلال العالقة بها، وتنقّى القلوب من الوساوس المستولية عليها، وتكشف عن العقول الظلام المحيط بها.. هذا إذا كان كيان الإنسان سليما، وكانت تلك الأمور عللا عارضة، تقبل الدواء المرّ وتنتفع به، وتجد فيه الشفاء والعافية.. أما إذا كان الكيان فاسدا بطبيعته، فلا دواء ولا شفاء.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:

«لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ» أي لعلّهم حين ترهقهم الشدة، ويكربهم الضرّ، يتذلّلون لله، ويضرعون إليه.

وفى هذا الترجي «لعلّ» إشارة إلى المطلوب منهم فى تلك الحال، إذ هى

ص: 179

حال من شأنها أن تقيم الضالّين والمنحرفين على رجاء من رحمة الله، فتخبت له قلوبهم، وتلهج بالضراعة إليه ألسنتهم.

وقوله تعالى: «فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا» تحريض لهؤلاء الضالين أن يتداركوا أنفسهم، وأن يعودا بها إلى الله من قريب، تائبين ضارعين..

ولم يذكر الضرّ هنا مع البأس، لأن البأس أعمّ من الضرّ، إذ هو ضر، وأكثر من ضر..

وقوله سبحانه: «وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ» فلم يتضرّعوا، ولم يعودوا إلى الله، مع ما أخذهم به من بأساء وضراء، بل ظلوا على ما هم فيه من عمّى وضلال.. «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» أي حبّب إليهم الشيطان، بغوايته، وخداعه، هذه المنكرات التي يعيشون فيها، فلزموها، وتعلقوا بها..

وقوله تعالى: «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ» بيان للوجه الآخر الذي أراهم الله من آياته، وأخذهم به من عبر وعظات، لتتفتح مغالق قلوبهم إليه، ويؤمنوا به..

والذي ذكّروا به ونسوه، هو «البأساء والضراء» وقد أخذهم الله بهما ليكون لهم منهما عبرة وعظة، ولكنهم لم يعتبروا، ولم يتعظوا..

ولكن الله سبحانه- مع هذا- لم يعجّل لهم العقاب، بل أخذهم بحلمه، وقدّم لهم الدواء الحلو السائغ، بدلا من هذا الدواء المرّ، الذي لم يستسيغوه، ولم ينتفعوا به.. فساق إليهم النعم، وأغدق عليهم العطاء، «فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ» مما تشتهى أنفسهم، وتهوى أفئدتهم.. ومع

ص: 180

ذلك فما نفعهم هذا الدواء، ولا ذهب بما بهم من داء.. بل زادهم هذا الرزق الكريم، كفرا بالله، ومحادّة له..

وإنه إذ لم يكن فى البأساء والضراء، ولا فى النعمة والرخاء، ما يصحح معتقد هؤلاء القوم فى الله، ويقيمهم على طريقه- كانت الثالثة، وهى القاضية، التي فيها الهلاك والدمار..

وهذا هو حكم الله فيهم، وأخذه لهم:«حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ» وإنه لأخذ أليم شديد.. إذ كانوا على حال من البهجة والمسرّة، وفى مقام من الأمل المزهر والرجاء العريض، فتهبّ عليهم عاصفة جائحة، تنتزعهم انتزاعا على حين غفلة، وهم على تلك المائدة الحافلة بشهىّ الطعام والشراب، وإذا الأيدى الممدودة إلى المائدة تتجمد فى طريقها إليها، وإذا الشّفاه المترشفة للكئوس المترعة تيبس عليها، وإذا العيون السارحة بين ألوان الطعام والشراب تجمد حدقاتها، وينطفىء بريقها.. «وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ.. إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» (102: هود) .. فلو أن هؤلاء المشركين، أخذوا وهم فى لباس البأساء والضرّاء لخفّف عليهم مرارة الموت، ما هم فيه من مرارة الحياة التي يحيونها، ولكنهم تجرعوا كأس المنية مرّا مترعا، وفى أفواههم، وعلى ألسنتهم، طعوم وطعوم، من كل حلو وشهىّ! والإبلاس: الحسرة الشديدة، والمبلس: الذي وقع فى معصية ولا حجة له، ولا عذر بين يدى العقاب الذي وقع به.

وقوله تعالى: «فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» هو آخر ما يشيّع به هؤلاء الهالكون، وما يتبعهم من دنياهم إلى المصير الذي هم صائرون إليه.. لقد قطع دابرهم، أي اجتثّ كل شىء لهم، ومحيت آثارهم، ولم تبق منهم باقية.. إنهم وباء وبيل، ومرض خطير، يتهدد الإنسانية بالفساد

ص: 181