الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى قوله تعالى: «فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» - ما يكشف عن وجه هؤلاء الذين أعرضوا عن آيات الله، الله، وكفروا بها.. وأن القرآن الكريم وهو الحق من الله، والآية المشرقة من آياته، لم يلقه هؤلاء الضالون إلا بالتكذيب والإعراض والاستهزاء..
فصبرا، فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون، يوم يعرضون على الله بهذا الإثم العظيم الذي حملوه، من التكذيب لكتاب الله، والاستهزاء بآياته..
وفى قوله تعالى: «فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» جاء الفعل «يستهزئون» بدلا من الفعل الذي يطلبه النظم وهو «يكذبون» ..
إذ جاء وصفهم بأنهم كذبوا، فكان مقتضى هذا الوصف أن تجىء المجازاة عن التكذيب، لا عن الاستهزاء.
وهذا من القرآن الكريم آية من آيات إعجازه، إذ يحمّل بهذا النظم المعجز فعل التكذيب، معنى التكذيب والاستهزاء معا.. فهم لم يكذبوا وحسب، بل أتبعوا التكذيب سخرية واستهزاء! وهذا ما يكشف عنه قوله تعالى:
«فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» .
الآية (6)[سورة الأنعام (6) : آية 6]
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (6)
التفسير: القرن مائة سنة من الزمان، والمراد به هنا أهل هذا القرن، الذي ولدوا وعاشوا، وماتوا، فيه.. والمدرار: المطر الغزير المتتابع..
وهذه شواهد محسوسة ونذر قائمة بين يدى الناس، يرفعها الله سبحانه وتعالى لهم، بعد أن رفع لعقولهم ومدركاتهم كثيرا من الشواهد والنذر، فلم يبصروها ولم ينتفعوا بها..
فأين تلك الأمم التي كانت أكثر أموالا وأولادا، وأعزّ قوة وسلطانا من أهل مكة، بما ساق الله إليهم من نعم، وما مكنّ لهم فى الأرض، وما بسط لهم من سلطان عليها، فعمروها أكثر مما عمرها هؤلاء المشركون، ولكنهم حين مكروا بآيات وكفروا بنعمه، لم يكن لهم من أموالهم وأولادهم، وسلطانهم- عاصم يعصمهم من نقمة الله، فصبّ عليهم المهلكات، فأصبحوا كهشيم تذروه الرياح..؟
فأين عاد؟ وأين ثمود؟ تلك بيوتهم خاوية بما ظلموا.. يراها المشركون وهم يمرون عليها، فى غدوهم ورواحهم مع تجارتهم الغادية الرائحة بين مكة والشام..
وأين سبأ؟ وأين ما كان فيها من جنات وعيون، ونعمة كانوا فيها فاكهين؟
لقد صارت يبابا خرابا.. يرى المشركون أطلالها فى رحلتهم شتاء إلى اليمن تجارا، قد ألهتهم أموالهم وتجارتهم عن النظر فيها، وأخذ العبرة منها.
لقد هلكت عاد وهلكت ثمود، وذهبت سبأ.. وخلفهم آخرون..
وسيهلك هؤلاء المشركون من أهل مكة.. وسيخلفهم غيرهم
…
إنهم لن يخلّدوا بما جمعوا من مال، وما استكثروا من بنين، وما بلغوا من جاه وسلطان..