الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انحرف عن هذا الصراط، فقد ضلّ وغوى، وكان من الهالكين..
وفى قوله تعالى: «فَاتَّبِعُوهُ» أمر بإتيان الأوامر.. وفى قوله تعالى: «وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ» نهى عن إتيان المنهيات..
وفى التعبير عن سبيل الله «بالصراط» والتعبير عن الطرق الخارجة عنه بالسبل- إشارة إلى أن طريق الله «صراط» أي طريق معدّ ومهيأ للسالكين، تقوم عليه منارات هدى، وإشارات هداية.. أما هذه السبل التي لا نستقيم على هذا الصراط، فهى طرق لا معلم فيها، ولا شارة عليها، يركبها الراكب فيتخبط، ويتعثر، ويضلّ.. ولهذا جاء التعبير عن صراط الله بلفظ المفرد، لأنه واحد لا غير، إذ الحقّ حقّ.. وجهه واحد، وطريقه واحدة، وأما الباطل، فهو أباطيل.. متعدد الوجوه، مختلف السبل..
عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: «خطّ رسول الله خطا بيده ثم قال:
«هذا سبيل الله تعالى مستقيما، ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال:
«وهذه السبل ليس فيها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ:
«وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله» .
الآيات: (154- 157)[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]
ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157)
التفسير: فى العطف بثمّ هنا على الآيات السابقة ما يشير إلى أن هذا الخبر الذي تضمنته، متأخر زمنا عن الأحكام الواردة فى تلك الآيات.. وهذا يخالف الظاهر.. فإن ما نزل على النبىّ من آيات تلاها على الناس، هو متأخر زمنا عن الكتاب الذي نزل على موسى، وهو التوراة.. فما تأويل هذا؟
والجواب: أن هذا الذي يتلوه الرسول الكريم من كلمات ربه هو متقدم حكما على كتاب موسى، وإن جاء متأخرا زمنا.. ذلك أن القرآن الكريم هو أصل الكتب السماوية، وأنه جمع ما تفرق منها. وقد أشرنا إلى ذلك عند تفسير قوله تعالى:«وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» (48: المائدة) .
فإن ما أنزل الله على موسى، هو مما شرع الله من قبل للأمم السابقة، فيما جاء على لسان نوح وإبراهيم، وغيرهما من الأنبياء.. إذ أن شرع الله واحد، وهذا الذي تلاه النبىّ من كتاب الله هو أصل كل شريعة، وقوام كل دعوة سماوية، سبقت شريعة موسى، أو جاءت بعدها.
وقوله تعالى: «تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ» هو وصف للحال الذي نزل عليها الكتاب الذي جاء به موسى، وهو أنه جاء تاما على أحسن ما يكون عليه التمام، كما جاء مفصلا لكل شىء.. ففى التوراة بيان مفصل لكل جزئية جاءت بها الشريعة الموسوية، فيما يتصل بالعقيدة، أو بالأمور
الدنيوية، حيث لم تدع مجالا لتأويل أو تفسير، ولا مكانا لعقل ينظر ويجتهد..
وذلك:
أولا: ليسدّ على بنى إسرائيل الطريق إلى التأويلات الفاسدة، وإلقاء أهوائهم كلها على كلمات الله، إذا جاءتهم مجملة، تحمل أكثر من محمل.. وذلك لما عرف عنهم من المكر بايات الله والاستخفاف بحرماته..
وثانيا: ليلغى عقول هؤلاء القوم، وليمسك بهم فى دور الطفولة، جزاء لما استولى عليهم من طبائع خبيثة، لا تؤمن إلا بما يقع لأيديهم من محسوسات، فكانت التوراة بهذا التفصيل الذي جاءت به، أشبه بالمحسوسات فى وضوحها، وتحديد دلالاتها.. ومع هذا فقد خرجوا على حدودها، بما أدخلوا عليها من حذف وإضافة ومن تبديل وتحريف.
وقوله تعالى: «لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ» هو تعليل لهذا التفصيل الذي جاءت عليه التوراة، الأمر الذي لا يدع لهم سبيلا إلى التأويل والتخريج، والذي من شأنه أن يكشف لهم الطريق إلى الله، وإلى الإيمان به، وبالدار الآخرة، التي هم فى ذهول عنها، لما يشغلهم من أمور الدنيا، ويحبس عقولهم وقلوبهم عليها..
هذا، وفى خطاب اليهود بضمير الغائب، دون أن يجرى لهم ذكر يعود إليه هذا الضمير- استخفاف بهم، وإهمال لشأنهم، إذ كانوا فى هذا الشرود وذلك الذهول عن الله، وعن كلماته المفصّلة التي بين أيديهم..
قوله تعالى:
«وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» هو دعوة للمسلمين، إلى الله، وإلفات لهم إلى هذا الكتاب الذي جاءهم به رسول الله
من ربّه، يحمل البركة والخير والرحمة، لمن اتّصل به، وأخذ عنه..
وقوله سبحانه: «أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ» .. بيان للحكمة من إنزال هذا الكتاب على الأمة العربية، بلسانها العربي، وعلى يد رسول عربى، دون إحالة لهم على ما عند غيرهم من أهل الكتاب.. وفى هذا فضل عظيم من الله على هؤلاء القوم، الذين خصهم الله برحمته، ومسهم بفضله، فجعلهم أهلا لخطابه، وموضعا لمغارس السماء فيهم.. فلا حجّة لهم بعد هذا، ولا مكان لقول يقولونه إذا هم حوسبوا على هذا الشرك وذلك الضلال الذي هم فيه، حيث يقولون: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، ولم ندرس ما عندهم، ولم نتلق عنهم، لأننا أمة لنا كيان واعتبار، وتأبى علينا أنفسنا أن نجىء إليهم متطفلين على ما فى أيديهم..
فها هو ذا الكتاب الذي كانوا يتطلعون إليه، قد جاءهم.. فما حجتهم إذا لم يتبعوه ويؤمنوا به؟.
والطائفتان اللتان سبقتا الأمة العربية بالكتب المنزلة، هما: اليهود والنصارى.. وقد خصّا بالذكر لأنهما كانا من المساكنين للأمة العربية، والمتصلين بها، زمانا ومكانا.
وقوله تعالى: «أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ» هو من المقولات التي كان يمكن أن يقولها مشركو العرب، لو لم ينزل عليهم القرآن الكريم.. وها هو ذا الكتاب المبارك قد نزل عليهم.. فماذا هم فاعلون به؟ وما حجتهم على الله إذا زهدوا فيه، أو وقفوا منه موقف العداوة، ونصبوا له الحرب، كما هم يفعلون الآن والنبي معهم؟.
وقوله تعالى: «فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها» هو وعيد لهؤلاء المشركين الذين استقبلوا آيات الله بالتكذيب بها، وبالصدّ عنها، فإنهم