المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (50- 52) [سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 52] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٤

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات (82- 86) [سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌(الآيات: 87- 88) [سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌الآية (89) [سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌(الآيات: (90- 92) [سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 92]

- ‌الخمر.. مادتها، وصفتها، وحكم شاربها

- ‌الآية (93) [سورة المائدة (5) : آية 93]

- ‌الآية (94) [سورة المائدة (5) : آية 94]

- ‌الآيات (95- 96) [سورة المائدة (5) : الآيات 95 الى 96]

- ‌الآيات (100- 97) [سورة المائدة (5) : الآيات 97 الى 100]

- ‌الآيات (102- 101) [سورة المائدة (5) : الآيات 101 الى 102]

- ‌الآيات (104- 103) [سورة المائدة (5) : الآيات 103 الى 104]

- ‌الآية (105) [سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌الآيات: (106- 108) [سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌الآية: (109) [سورة المائدة (5) : آية 109]

- ‌الآية: (110- 111) [سورة المائدة (5) : الآيات 110 الى 111]

- ‌الآيات: (112- 115) [سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 118) [سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 118]

- ‌(الآيتان: 119- 120) [سورة المائدة (5) : الآيات 119 الى 120]

- ‌مبحث فى المسيح الإله والمسيح الإنسان

- ‌6- سورة الأنعام

- ‌الآية: (1) [سورة الأنعام (6) : آية 1]

- ‌الآيات: (2- 5) [سورة الأنعام (6) : الآيات 2 الى 5]

- ‌الآية (6) [سورة الأنعام (6) : آية 6]

- ‌الآيات: (7- 11) [سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌الآيتان: (12- 13) [سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 16) [سورة الأنعام (6) : الآيات 14 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 19) [سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 19]

- ‌الآيتان: (20- 21) [سورة الأنعام (6) : الآيات 20 الى 21]

- ‌الآيات: (22- 24) [سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 26) [سورة الأنعام (6) : الآيات 25 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 32) [سورة الأنعام (6) : الآيات 30 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 34) [سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآية: (35) [سورة الأنعام (6) : آية 35]

- ‌الآيات: (36- 38) [سورة الأنعام (6) : الآيات 36 الى 38]

- ‌الآيات: (39- 41) [سورة الأنعام (6) : الآيات 39 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة الأنعام (6) : الآيات 42 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 47) [سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 47]

- ‌الآية: (48- 49) [سورة الأنعام (6) : الآيات 48 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 52) [سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 55) [سورة الأنعام (6) : الآيات 53 الى 55]

- ‌الآيات: (56- 58) [سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 58]

- ‌الآيات: (59- 62) [سورة الأنعام (6) : الآيات 59 الى 62]

- ‌الآيات: (63- 65) [سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 67) [سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 67]

- ‌الآيات: (68- 70) [سورة الأنعام (6) : الآيات 68 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 73) [سورة الأنعام (6) : الآيات 71 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 79) [سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌الآيات: (80- 82) [سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 87) [سورة الأنعام (6) : الآيات 83 الى 87]

- ‌الآيات: (88- 90) [سورة الأنعام (6) : الآيات 88 الى 90]

- ‌الآيتان: (91- 92) [سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 94) [سورة الأنعام (6) : الآيات 93 الى 94]

- ‌الآيتان: (95- 96) [سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 96]

- ‌الآيات: (97- 99) [سورة الأنعام (6) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 103) [سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌الآيات: (104- 107) [سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 107]

- ‌الآيات: (108- 110) [سورة الأنعام (6) : الآيات 108 الى 110]

- ‌الآية: (111) [سورة الأنعام (6) : آية 111]

- ‌مبحث: فى مشيئة الله ومشيئة العباد

- ‌تفصيل بعد إجمال

- ‌آراء القدرية

- ‌وهذه مقولات لبعض رجالهم رأى واصل بن عطاء:

- ‌رأى النّظام

- ‌ثورة على المعتزلة

- ‌رأى أهل السنة

- ‌[كسب الإنسان]

- ‌حركة الأشاعرة

- ‌لسان الدين بن الخطيب ورأيه فى الكسب

- ‌إمام الحرمين ورأيه فى الكسب

- ‌رأى الغزالىّ في الكسب

- ‌رأى الفارابي فى الكسب

- ‌رأى الفيلسوف محمد إقبال

- ‌الله والإنسان.. مرة أخرى

- ‌أباطيل بعض المتصوفة

- ‌طريق المؤمنين

- ‌الآيات: (112- 113) [سورة الأنعام (6) : الآيات 112 الى 113]

- ‌الآيات: (114- 117) [سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌الآيات: (118- 121) [سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 121]

- ‌الآيات: (122- 124) [سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌الآيات: (25- 27) [سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 127]

- ‌الآيات: (128- 129) [سورة الأنعام (6) : الآيات 128 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 132) [سورة الأنعام (6) : الآيات 130 الى 132]

- ‌الآيات: (133- 135) [سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 135]

- ‌الآيات: (136- 137) [سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 137]

- ‌الآيات: (138- 140) [سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌الآيات: (141- 144) [سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌الآيات: (145- 147) [سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌الآيات: (148- 150) [سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌الآيات: (151- 153) [سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌الآيات: (154- 157) [سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌الآيات: (158- 160) [سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]

- ‌الآيات: (161- 164) [سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 164]

- ‌الآية: (165) [سورة الأنعام (6) : آية 165]

- ‌7- سورة الأعراف

- ‌الآيتان (1- 2) [سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 2]

- ‌الآيات: (3- 9) [سورة الأعراف (7) : الآيات 3 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 13) [سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 18) [سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 25) [سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 30) [سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 34) [سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 34]

- ‌الآيات: (35- 39) [سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 43) [سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 51) [سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

- ‌الآيات: (52- 53) [سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 58) [سورة الأعراف (7) : الآيات 54 الى 58]

- ‌الآيات: (59- 64) [سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 72) [سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌الآيات: (73- 79) [سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌الآيات: (80- 84) [سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌الآيات: (85- 87) [سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

الفصل: ‌الآيات: (50- 52) [سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 52]

‌الآيات: (50- 52)[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 52]

قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)

التفسير: وإذ بيّن الله سبحانه وتعالى فى الآيات السابقة، محامل الرسالة التي يحملها رسله إلى عباده، وأنها رسالة قائمة على البلاغ بما يؤمر الرسول بتبليغه إلى قومه.. وأن من استجاب منهم فقد فاز، ومن أبى واستكبر فقد خاب وخسر.

إذ بين الله سبحانه وتعالى هذا الذي كان بين الرسل وأقوامهم، فقد بيّن سبحانه وتعالى موقف النبىّ الكريم من قومه، وأنّه ليس بدعا من الرسل، فما هو إلا بشير ونذير، وأن هذه المقترحات التي يقترحها عليه السفهاء من المشركين، ليست من وظيفة الرسول، ولا من محامل رسالته.. فالرسول مبلّغ وليس منشئا لرسالته.. فما جاءه من عند الله بلّغه، وما لم يجئه أمسك عنه، وإلا كان متجاوزا الحدود المرسومة له..

وقوله تعالى: «قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ» هو إقرار على لسان الرسول نفسه، يواجه به الذين يرون فى الرسول قوى لا يراها الرسول نفسه..

ص: 188

ومن شأن الإنسان أن يستكثر من الفضائل التي تضاف إليه، فإذا لم يتحدث بها هو عن نفسه دعا الناس إلى أن يتحدثوا بها عنه، فإذا تحرّج من هذا، لم يتحرج مما يراه الناس فيه ابتداء، من غير أن يحملهم عليه..

وهنا نجد الرسول الكريم يعرض نفسه على قومه، نازعا عنه كل تلك الأثواب الفضفاضة، التي يلبسونها إياه، من نسج خيالاتهم وأوهامهم، مجرّدا من كل قوة إلا قوة إيمانه بالله، واستقامته على الحق الذي يدعو إليه.

فالنبىّ لا يملك للناس سعة فى الرزق، لأنّه يرزق مثلهم، ولا يرزق غيره:

«لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ» فخزائن الله الله، يعطى منها ما يشاء لمن يشاء!.

والنبىّ لا يعلم الغيب، ولا يدرى ما يطلع به يومه، أو غده، عليه أو على الناس، مما يحمد أو يسوء.. فعالم الغيب والشهادة هو الله وحده.

والنبىّ.. بشر من البشر، وإنسان من الناس، هو مثلهم، مقيّد بقيود هذا الجسد البشرى، وليس هو ملك من ملائكة الرحمن يستطيع أن يفعل مالا يفعله الإنسان، من خوارق ومعجزات.

والنبىّ ملزم بالوقوف عند حدود رسالته، يبلغها كما أنزلت إليه، لا يزيد عليها شيئا، ولا ينقص منها شيئا.. «إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ» .

وهذا الإقرار من النبي، والاعتراف على نفسه هذا الاعتراف الواضح الصريح، هو دليل من أدلة النبوة، وآية من آيات صدق النبىّ، وأنه مأمور بأن ينقل إلى النّاس ما يوحى إليه من ربّه، ولو كان أمرا متعلقا به، فى خاصة نفسه، أو أهله..

وقوله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ» هو تعقيب على هذا

ص: 189

الاعتراف من النبىّ، يلقى به إلى أسماع من يستمعون إلى هذا الاعتراف، وأن هؤلاء المستمعين، بين أعمى لا يرى مواقع الخير، ولا يهتدى إلى طريق الحق، وبصير، يتهدّى إلى الخير، ويستقيم على طريق الهدى.. وأنه لا يستوى الجاهل والعالم، ولا الأعمى ولا البصير، ولا الضال ولا المهتدى.. وفى الاستفهام الإنكارى تنبيه للغافلين من غفلتهم، وإيقاظ للنائمين من نومهم، ليستقبلوا هذا النور الذي بين يدى النبىّ، وليفتحوا عيونهم عليه، وليسيروا على هديه، إن أرادوا لأنفسهم النجاة والسلامة والخير.

قوله سبحانه: «وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ» هو توجيه للنبىّ الكريم أن يتّجه بدعوته إلى حيث تجد آذانا تسمع، وقلوبا تعى، فإنه حينئذ يرجو لدعوته استجابة ونجحا فى نفوس مهيأة للاستماع والتعقل.. والضمير فى «به» يعود إلى القرآن الكريم.

والنبي- صلوات الله وسلامه عليه- وإن كان مأمورا بأن يدعو النّاس جميعا إلى الله، وأن يقوم فيهم بشيرا ونذيرا، إلّا أن الفاته إلى من فيهم الاستعداد للاستماع والاستجابة، أولى ممن لا يسمع ولا يعقل، ولا يجيب.. أو قل إن دعوته وما تحمل من هدى ونور- وإن كانت موجهة إلى الناس جميعا- إنّما يفيد منها، وينتفع بهديها، هم أولئك الذين يخشون ربهم، ويخافون عذابه، وبهذا يبدو غيرهم وكأنه غير مدعوّ إلى هذا الخير المساق إلى الناس كلّهم، وفى هذا ما فيه من تضييع لهؤلاء الصادّين عن سبيل الله، وإهدار لوجودهم بين الناس..!

وقوله تعالى: «لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ» جملة حالية، وصاحب الحال هو الضمير فى «يحشروا» .. أي أن هؤلاء الذين يخافون أن يحشروا

ص: 190

إلى ربهم، فى حال لبس معهم فيها ولىّ يتولى أمرهم عند الله، أو شفيع يشفع لهم، فيخلصهم من عذابه- هؤلاء هم الذين يعملون للقاء الله حسابا، ومن ثمّ فإنهم يستمعون لكلمات الله، ويستجيبون لرسول الله، فيكونون ممن رضى الله عنهم، ووقاهم عذاب الجحيم.

وقوله سبحانه «لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» الرجاء هنا معلق بهؤلاء الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم غير مصحوبين بولىّ أو شفيع، فهذا الخوف من شأنه أن يبعث الإيمان والتقوى فى أصحابه.. فهم- والحال كذلك- على رجاء من التقوى، وعلى مداناة منها، إن هم استقاموا على هذا الطريق، واحتملوا ما يلقاهم عليه من مشقة وأذى.

قوله تعالى: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» .

هنا سؤال: هل طرد النبىّ من يدعون ربهم بالغداة والعشىّ يريدون وجهه؟ أو هل همّ بطردهم؟ وإلا فما معنى هذا النهى من الله تعالى للنبىّ الكريم؟

والجواب: أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لم يكن منه طرد لجماعة مؤمنة تدعو ربها بالغداة والعشى، بل ولم يكن منه همّ بهذا الأمر.. وكيف يساغ هذا؟ ورسالته- عليه الصلاة والسلام قائمة على دعوة النّاس أن يدعو ربهم بالغداة والعشى؟ فكيف يدعو إلى أمر، ثم يقف هذا الموقف ممن يأتون هذا الأمر؟

وإذن فما معنى هذا النهى الموجه من الله سبحانه إلى النبي الكريم؟

الواقع أن هذا النهى، وإن كان فى ظاهره موجها إلى النبي- هو ردّ على

ص: 191

المشركين من زعماء قريش، الذين كانوا يأخذون على النبىّ أنه لا يألف إلا هؤلاء الفقراء المستضعفين، ولا يألفه إلا هؤلاء.. وأن مجلسا يضم مثل تلك الجماعة فى فقرها، وضعفها، ليأنف زعماء قريش أن يكون لهم مكان فيه..

ولهذا جاء النهى إلى النبىّ الكريم، ليقرع أسماع المشركين، وليريهم أن محمدا لن يتخلى أبدا عن هؤلاء الفقراء الذين تزدرى أعينهم، وأنه إذا كان ألف صحبة هؤلاء الفقراء وأنس بهم قبل أن يتلقى أمر ربه بشأنهم- فإنه الآن وقد جاءه من ربّه هذا النهى الذي يلبس صورة الأمر بالحفاظ على تلك الجماعة الفقيرة المؤمنة، وملء يده منها، وإعطائها وجهه كله- إنه لن يتخلّى أبدا عن تلك الجماعة، ولو وقعت السماء على الأرض.. إنه لن يعصى أمر ربّه، ولن يخرج عنه بحال أبدا.. هذا ما تعرفه قريش فيما عرفت من محمد، وأخذه بكل كلمة جاءته من ربه، أو يقول أنها جاءته من ربه، كما تزعم قريش.

إذن، فهذا النهى هو كبت لقريش، ولزعمائها خاصة، واستخفاف بهم، وأنهم أقلّ شأنا، وأخفّ ميزانا عند الله الذي يدعوهم محمد إليه، وأن حساب النّاس فى هذا الدين الذي يدعو إليه، ليس بجاههم وسلطانهم، وأنسابهم، وأحسابهم، وإنما هو مائدة ممدودة من الله لعباد الله، فمن أخذ مكانه منها، لم يكن لأحد أن يزحزحه عنه.. إنه فى ساحة الله، وعلى مائدة الله..

وعلى ما تطول يد الإنسان من هذه المائدة يكون حظه من الخير، ومكانه من الله..

وفى قوله تعالى: «ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» - فى هذا بيان كاشف لحساب الناس عند الله، وأنهم عنده بأعمالهم، لا بأحسابهم وأموالهم..

وهذا هو النبىّ الكريم، حامل رسالة السماء، ومبعوث ربّ العالمين،

ص: 192

هو والناس عند الله فى ميزان العمل على سواء.. كلّ مجزىّ بعمله، من إحسان أو إساءة..

فهؤلاء الفقراء المستضعفون الذين يدعون ربهم بالغداة والعشىّ، يرجون رحمته، ويخشون عذابه- إنما يعملون لأنفسهم، كلّ يطلب لها السلامة والنجاة، فكيف يطردهم النبىّ- كما تتوهم قريش- من هذا الميدان الذي اختاروا العمل فيه، طالبين النجاة من عذاب الله، والفوز برضوانه؟ إن النبىّ لا يحمل عنهم ما يكون منهم من تقصير فى جانب الله، إذا هم طردوا من هذا المورد العذب الذي يتزودون منه فى طريقهم إلى الله.. فكيف يطردهم؟ أيحمل عنهم وزرهم يوم القيامة؟ إنهم محاسبون على أعمالهم، وإنهم لمجزيّون عنها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» أي إن النبىّ لن يضارّ بما يحملون من سيئات، إذ أن كلّ نفس تحمل ما كسبت.. والله سبحانه يقول:«وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى» (18: فاطر) .. «وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ» أي إنك لن تحمّلهم شيئا من حسابك.. وإذن، فدع هؤلاء يعملون لأنفسهم، كما تعمل أنت لنفسك، وإنه لمن الظلم أن يرفع أحد يدهم عن العمل الذي يريدون به وجه الله، وحسن المآب إليه.. ولهذا جاء قوله تعالى:«فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» - حكما قاطعا بالظلم على من يتصدّى لمن يؤمن بالله، ويشغل قلبه ولسانه وجوارحه بذكره.

ولا شك أن المشركين من زعماء قريش إذ يرون هذا الحساب الذي بين النبىّ- صاحب الرسالة- وبين أضعف الناس شأنا، وأنزلهم منزلة فى نظرهم- إنهم إذ يرون هذا الحساب، يجدون أنه قائم على العدل والإحسان، وأن الناس عند الله- حتى الأنبياء- بأعمالهم، وليس بمالهم من رياسات دينية

ص: 193