الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخصّت الصلاة والمحافظة عليها بالذكر، لأنها أبرز ملامح المؤمنين، وأوثقها صلة بين المؤمن وربه.
الآيات: (93- 94)[سورة الأنعام (6) : الآيات 93 الى 94]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)
التفسير: فى قوله تعالى: «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ» اتهام للقائلين بهذه المقولة، فى تصورهم للألوهية، وفى فهمهم القاصر لها، كما أنه تقرير ضمنى بأن بعث الرسل، وإنزال كلمات الله عليهم، هو مما اقتضته حكمة الله ورحمته بعباده.
وهنا فى قوله سبحانه: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ» حماية للرسل- عليهم الصلاة والسلام- من أن يكونوا مظنّة تهمة فى صدقهم، وصدق ما جاءوا به من عند الله.. إذ أن الافتراء على الله، والتلبيس على الناس باسمه، وادعاء النبوة واختلاق ما يكون بين يديها من كلمات الله وآياته- كل هذا عدوان على
الله، وتطاول على ما تفرد به سبحانه من قدرة وعظمة، وفى هذا مهلكة وضياع لكل من يتلبّس بمنكر من هذه المنكرات.. وليس ثمة عاقل تسول له نفسه أن يقف هذا الموقف المفضوح، ويعرّض نفسه للفضيحة الفاضحة، والخزي المبين بين الناس! فكيف بأنبياء الله ورسله، وهم دعاة هدى، لا يبغون عليه من أحد أجرا- كيف يكون منهم الكذب على الله والتقوّل عليه بما لم يقل؟
وإذن فالذين يصطفيهم الله لحمل رسالته، ويضع بين أيديهم وعلى ألسنتهم كلماته وآياته- لا يختلط أمرهم على ذى عقل، ولا تلتبس دعوتهم بدعوة أدعياء النبوة، لما بين النبىّ والدعىّ من مفارقات بعيدة، سواء فى ذات النبىّ والدعىّ، أو فى محامل دعوة النبىّ ودعوة الدعىّ.
ففى سلوك النبىّ، استقامة، وصدق، وعفّة، وكمال، فى كل أموره، ظاهرها وباطنها جميعا، مما لا يكون موضع شك أو إنكار عند أعدائه، فضلا عن أوليائه..
وليس كذلك الدعىّ الذي لا يمكن أن يقف هذا الموقف المخزى إلّا إذا كان على قدر كبير من الوقاحة، والتجرد من الحياء، وعدم المبالاة باتهام الناس له، وتشنيعهم عليه..
وفى محامل رسالة النبي.. النور والهدى، والخير، والعدل، والإحسان..
للناس جميعا.. لا لطائفة من الطوائف، ولا لطبقة من الطبقات.. أما ما تحمل رسالة المدعى- إن كان له رسالة- فهو الملق والرياء، والاستجابة للعواطف الخسيسة فى الناس، وإباحة المنكرات لهم، ودعوتهم إلى تلك المنكرات باسم هذا الدين الكاذب، الذي يباركها ويبارك أهلها..
وفى قوله تعالى: «وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ. تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ» عرض لهؤلاء الظالمين الذي افتروا على الله الكذب، وقالوا بما لم يقبله الله.
وفى هذا العرض يبدو المصير الذي يصير إليه كل ظالم، حين تنتهى أيامه القصيرة فى هذه الدنيا، بحلوها ومرها، وبلهوها وعبثها، وإذ هو على مشارف الحياة الآخرة، وملائكة الرحمن يمدّون أيديهم لانتزاع ثوب الحياة الذي يلبسه هذا الجسد، الذي كان يمشى فى الأرض مختالا فخورا، يحسب أن ماله أخلده.. وما هى إلا لحظات، يعالج فيها سكرات الموت، حتى يكون جثة هامدة، كأنه لقى ملقى على الطريق، بل إنه يصبح سوأة يجب أن تختفى وتتوارى عن الأنظار، وتغيّب فى باطن الأرض.. وليس هذا فحسب، بل إن ذلك هو بدء لمرحلة جديدة، لحياة أخرى غير الحياة التي كان فيها.. إنه سيبعث من جديد، ويلبس ثوب الحياة مرة أخرى، ولكن لا ليكون مطلق السّراح، يلهو ويعبث، بل ليلقى به فى جهنم، وليكون وقودا لجحيمها المتسعر! وفى قوله تعالى:«أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ» إشارة إلى هذا الأمر الملزم، الذي يحمله الملائكة، لقبض أرواح الظالمين، وأن الملائكة، وهم الموكلون بقبض هذه الأرواح، يحملون هؤلاء الظالمين حملا على انتزاعها بأنفسهم، وإعطائها لهم بأيديهم، وفى هذا تنكيل بهم، وإذلال وقهر لهم، بأن يحملوا حملا على انتزاع حياتهم بأيديهم.. هكذا «أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ» .. وهل يعطى الإنسان نفسه بيده؟ إنه لأهون عليه كثيرا أن ينتزعها أحد منه قهرا وقسرا، من أن يكون هو الذي يقدّم بيديه أعزّ شىء يملكه، بل كل شىء يملكه..
قوله تعالى: «وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ» هكذا يجد الظالمون أنفسهم يوم القيامة.. فى وحشة قاتلة، لا يلتفت أحد إلى أحد، ولا يفكر إنسان فى إنسان. «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ» ، عن أن يشغل بغيره، أو ينظر إليه نظرة.
«وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ» فليس مع الإنسان فى هذا اليوم شىء
مما جمع فى الحياة الدنيا، من مال، وما استكثر من متاع، وما اتخذ من أخدان وخلّان..
وفى قوله تعالى: «خَوَّلْناكُمْ» تذكير لهم بأن كل ما كان لهم فى هذه الدنيا هو مما لله عندهم، فهو الذي خوّلهم أي أعطاهم هذا الذي كان لهم، وهم يحسبون أن ذلك كان من صنع أيديهم، ومن معطيات حولهم وحيلتهم.
وقوله تعالى: «وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ» هو تنبيه لهؤلاء الغافلين، وإلفات لهم أن يخرجوا من هذا الوجوم الذي هم فيه، ومن تلك السّكرة المستولية عليهم، حتى يديروا أنظارهم إلى ما حولهم، ليبحثوا عن معبوداتهم التي كانوا على ولاء لها، واطمئنان بها.. يفزعون إليها فى كل شدّة، ويهرعون إليها عند كلّ ملمّة. وهذه هى ملمة الملمات، وشدة الشدائد..
فأين هؤلاء الشفعاء؟ وأين ما كان يرجى منهم عند كل بلاء؟ .. فليدعوهم.
فليجيئوا لهم.. إن كانوا صادقين! إنه لا شىء هنا، إلا الوحشة المطبقة، والحسرة القاتلة، والخسران المبين..!
فهذه الأبصار الزائغة، التي تدور هنا وهناك تبحث عن هؤلاء الشفعاء، لا تلبث أن تغيم الرؤية عليها، فلا ترى شيئا مما حولها من شفعاء أو غير شفعاء.. وهنا يدخل على الظالمين من أسماعهم، صوت الحق، يجيئهم بجواب ما كانوا يبحثون عنه:«لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ» .
وفاعل الفعل «تقطع» محذوف دلّ عليه السياق.. ومن السرّ فى حذفه أنه أكثر من فاعل.. فالذى «تقطع» بين الظالمين وبين ما كان لهم، هو أكثر من أمر..
لقد تقطع ما بينهم وبين ما كان لهم من مال وبنين، وتقطع ما بينهم وبين ما كان لهم من آلهة اتخذوهم شفعاء لهم عند الله. وتقطع ما بينهم وبين كل