الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى الحياة.. فهذا جانب حر، أو منطقة حرّة فى كيان الإنسان.. ولكنه يرى من جهة أخرى أن الأفعال كلها مخلوقة لله، بإرادة أزلية سابقة شاملة، وأن إرادة الإنسان لا تؤثر فى القدرة القديمة..
فالإنسان محكوم عليه أن ينفّذ ما وقع فى إرادة الله، وأن إرادة الإنسان، وقصده، وعلمه- كل هذا، لا يغيّر من المقدّر عليه شيئا.. فالإنسان حر إلى أن يفرغ من الفعل الذي قدّر عليه بإرادة سابقة أن يقع على يديه.
وتسأل: ما قيمة هذه الحرّية مع ما سبق من إرادة الله وقدرته؟ إن الإنسان فى ظاهر الأمر يبدو حرّا طليقا، ولكن قوة غير ظاهرة هى التي تقوده إلى ما سبق به علم الله، وقضت به إرادته.. ومرة أخرى: ما قيمة هذه الحريّة؟
أتراها تدفع شيئا مما قضى به الله وقدّره؟
والجواب: كلا.. إنها لا تدفع قضاء ولا تردّ قدرا.. ولكنها حرية تتيح للإنسان أن يبرز ذاته، وأن يعمل قواه كلها، وأن يفرض وجوده على الحياة، وأن يبسط سلطانه على الأشياء، وإن تفلّتث منه وخرجت من يديه! وذلك شىء ليس بالقليل فى وجود الإنسان الذي لا قيمة له بغير هذه الحرية التي تمنحه الاستعلاء على الأشياء، وتريه من نفسه أنه قادر، مستطيع، عالم، مريد.. وإن لم يكن قادرا، ولا مستطيعا، ولا عالما، ولا مريدا.
إمام الحرمين ورأيه فى الكسب
هو أبو المعالي، عبد الملك بن عبد الله الجويني، المعروف بإمام الحرمين (توفى سنة 478 هجرية) .
وقد نزع بنظرية الكسب منزعا آخر.. إنه يطلق حرّية الإنسان من
جانب، ويربطه بالأسباب الخارجة عن محيطه من جانب آخر.. ثم يجعل أفعال الإنسان- تبعا لهذا- قسمة بين إرادته وبين الأسباب الملازمة.
يقول:
«نفى القدرة والاستطاعة عن الإنسان، مما يأباه العقل والحسّ.. فلا بدّ إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة، لا على وجه الإحداث والخلق..
فإن الخلق يشعر باستقلال فى إيجاد الفعل من العدم، وذلك من شأن الله وحده..
«والإنسان كما يحسّ من نفسه الاقتدار، يحسّ من نفسه أيضا عدم الاستقلال.. فالفعل يستند وجودا إلى القدرة- أي القدرة الإنسانية.
«والقدرة تستند وجودا إلى سبب آخر يكون نسبة القدرة إلى ذلك السبب كنسبة الفعل إلى القدرة! «وكذلك يستند سبب إلى سبب، حتى ينتهى إلى مسبب الأسباب..
فهو- أي الله- الخالق للأسباب ومسبباتها، المستغنى على الإطلاق.. على خلاف الأسباب، فإن كل سبب مستغن من وجه، محتاج من وجه، والباري تعالى، هو المطلق الذي لا حاجة له ولا افتقار.»
ورأى إمام الحرمين- كما ترى- غير صريح فى حرّية الإنسان واضطراره، إنه يضع الإنسان فى منطقة الذبذبات الاختيارية المقيدة فى مجال الاضطرار..
انظر:
الفعل يستند وجودا إلى القدرة، أي القدرة التي تحمل الإنسان على اختيار فعل دون فعل.. وهذا واضح.