الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: «وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ» هو بيان لما تحمله دعوة الإسلام من آيات بينات، وبيان مبين، بحيث ينفضح على أضوائها أولئك الذين يسلكون طريقا غير طريقها، إذ يرى كل عاقل أنهم يمشون فى ظلام، ويعيشون فى ضلال.
الآيات: (56- 58)[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 58]
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)
التفسير: قوله تعالى: «قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» التفات إلى هؤلاء المشركين، الذين أرادوا النبىّ على أن يطرد من اجتمع إليه من الفقراء والمستضعفين، ثم ليتحدث بعد هذا إليهم هم، إن كان له معهم حديث! وقد أمر الله النبىّ أن يلقى هؤلاء المشركين بهذا القول الفصل فيما بينهم وبينه:
«إِنِّي نُهِيتُ» أي تلقيت نهيا من ربى «أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» من أصنام، أو ملائكة أو جنّ، أو كواكب، وما أشبه ذلك..
وقوله تعالى: «قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ» بيان لضلال هؤلاء المشركين، وأنهم إنما يعبدون آلهة من صنعة أهوائهم، ونزغات شياطينهم، لا يقلبها عقل، ولا يتعامل
معها عاقل.. وتكرار الأمر «قل» هو- كما قلنا- مزيد من عناية الله- سبحانه- بالرسول الكريم، وإشعار له بأنه مأنوس برحمة الله، إذ يضع سبحانه وتعالى على فمه كلماته، وآياته، ليلقى بها المشركين، ويفضح باطلهم، ويكشف ضلالهم.
وقوله تعالى: «قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ» هو تتمة مقول القول، فى قوله تعالى:«قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ» لأن من يتبع أصحاب الهوى يضلّ ولا يهتدى أبدا. وأنتم أيها المشركون أصحاب هوى وضلال، فلو اتبعتكم كنتم مثلكم من الضالين، وحاشا لله أن أفعل هذا، وأن ألقى بنفسي إلى التهلكة.
وقوله تعالى: «قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» أي على أمر واضح مشرق من صلتى بربّى ومعرفتى به، تلك المعرفة التي لا يدخل عليها شك أو ريب، ولا يلحقها وهن أو ضعف.. وحرف «على» هنا يفيد الاستعلاء والتمكن، وهذا يعنى أن معرفة النبىّ بربّه معرفة كاملة، تملأ القلب يقينا واطمئنانا، فلا يتحول عنها أبدا.
وقوله سبحانه: «وَكَذَّبْتُمْ بِهِ» هو عطف على قوله تعالى: «إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» من عطف الجمل.. أي إنى على معرفة بربّى وقد آمنت به، وأنتم على ضلال وعمى فكذبتم به، ولم تتخذوه إلها واحدا تعبدونه.
وقوله تعالى: «ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ» أي ليس فى يدىّ العذاب الذي تستعجلونه، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:«وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ» (53: النمل) .. وما حكاه سبحانه وتعالى على لسانهم فى قوله: «وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» (32: الأنفال)
وقوله سبحانه «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ» أي أن إلى الله سبحانه مرجع هذا الذي تستعجلون به من عذاب، إن شاء عجّل لكم العذاب، وإن شاء أخره، وإن شاء رحمكم وأخذ بكم إلى طريق الهدى.. أما أنا فلا أملك من هذا كله شيئا.. «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ..» «يَقُصُّ الْحَقَّ» أي يقضى به، «وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ» فما قضى به فهو الخير كله، وهو العدل كله.
وقوله تعالى: «قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان فى يده هذا المقترح الذي يقترحونه عليه، ليكون آية صدقه عندهم، لجاءهم به، ولأرسل عليهم العذاب الذي طلبوه، ولقضى الأمر بينه وبينهم، ولم يعد ثمّة جدال، أو خلاف.. ولكن الأمر بيد الله، وهو حكيم حليم، لا يعجّل لكم ما تطلبون، مما فيه هلاككم، وقد اقتضت حكمته أن يمهلكم، فلعل فى امتداد الزمن بكم ما يفسح المجال أمام الكثير منكم، ليهتدى، ويؤمن بالله، ويفوز برضوانه..
فكل يوم يمر بكم دون أن يأتيكم هذا العذاب الذي تطلبونه، هو رحمة من الله بكم، ودعوة مجدّدة منه سبحانه إليكم، أن ترجعوا إليه، وتؤمنوا به، وتكونوا فى عباده المخلصين.. وهذه فرصتكم.. إن أفلتت منكم فلن تعود أبدا.
وقوله تعالى: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ» تهديد ووعيد لهؤلاء الذين أمهلهم الله، ولم يعجل لهم العذاب، ليصححوا عقيدتهم، ويرجعوا إلى ربهم.. ولكن الظالمين ظلوا على عتوّهم، وكفرهم، وعنادهم.. والله عليم بهم، وسيأخذهم بذنوبهم:«يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا» ..