الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه مقولات لبعض رجالهم رأى واصل بن عطاء:
يقول واصل بن عطاء: «إن الله تعالى حكيم عادل، ولا يجوز أن يضاف إليه شر وظلم، ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمر به، وأن يحكم عليهم شيئا ثم يحازيهم عليه» ! وهذا الذي يقوله واصل، حق لا شك فيه.. فالله حكيم عادل، ولكن مع حكمة الله وعدله، قدرته وإرادته، والقدرة والإرادة يقضيان بألا يقع فى ملكه غير ما يشاء ويريد..
والسؤال هنا: هل الإنسان من القدرة والاستطاعة بحيث يتحكم فى الأسباب الخارجة، التي تصادم القوى التي أودعها الله فيه.. من عقل وإرادة..؟
يقول واصل: «فالعبد هو الفاعل للخير والشر، والإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، وهو المجازى على فعله، والرب أقدره على ذلك كله» .
ونقول: إذا كان الله أقدر العبد على كل ما يفعل من خير وشر، وإيمان وكفر، وطاعة ومعصية- فماذا بقي للعبد إذن؟ وكيف يضاف إليه كل ما يفعل، وهو إنما يفعل بالقدرة التي أقدره الله بها على فعل ما يفعل؟ كيف يتفق هذا مع ذك.؟
ويقول واصل أيضا:
«ويستحيل أن يخاطب الله العبد «بافعل» وهو لا يمكنه أن يفعل..؟
«وهو- أي العبد- يحسّ من نفسه الاقتدار والفعل.. ومن أنكره فقد أنكر الضرورة» ! ونقول: إن مفهوم هذا القول يقتضى أن يقوم إزاءه قول آخر.. وهو:
إنه يستحيل أن يخاطب الله العبد بألا تفعل ثم لا يمكّنه من ألّا يفعل! وإذن، فيكون الوضع الصحيح للمسألة على مقتضى هذا الرأى، هو:
أولا: أن الله يأمر العبد بأن يفعل، ويمكنّه من أن يفعل.. وهذا فى باب الخير والمعروف، فيفعل كل ما هو خير ومعروف.
وثانيا: أن الله ينهى العبد ألا يفعل المنكر، ويمكّنه من ألا يفعله..
وهذا يشمل المنهيات جميعا، فلا يفعل العبد ما هو شر ومنكر أبدا.. وهذا غير واقع.. فما أكثر ما يأتى الإنسان ما نهى الله عنه من فواحش وعلى هذا، فالعبد إنما يفعل ما يفعل من خير أو شر بما أودع الله فيه من قدرة، فإذا فعل العبد خيرا فبما أودع الله فيه من قدرة على فعل الخير، وإذا فعل شرّا فبما فيه من قوة لا تستطع أن تدفع الشرّ الذي فعل.
ما ذنب العبد إذن؟ أهذا يتفق مع العدل الذي يقوم عليه مذهب المعتزلة؟
ألا ينتهى هذا الرأى إلى القول بالجبر؟
«ويكاد واصل» يقول هذا.. ولكنه يردّه عن ذلك ما يرى من عدل الله وحكمته، فهو يريد أن يدفع عن عدل الله تبعة الأعمال السيئة التي يجازى عليها المسيئون، كما يدفع عن حكمة الله هذه الشرور التي تقع فى محيط الناس.
أترى أن واصلا كان عادلا فى هذا الحكم؟ إنه نظر إلى المسألة من جانب واحد.. جانب الإنسان العاجز الضعيف، وعلّق فى عنقه كل هذه الشرور والآثام..