المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (19- 25) [سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٤

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات (82- 86) [سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌(الآيات: 87- 88) [سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌الآية (89) [سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌(الآيات: (90- 92) [سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 92]

- ‌الخمر.. مادتها، وصفتها، وحكم شاربها

- ‌الآية (93) [سورة المائدة (5) : آية 93]

- ‌الآية (94) [سورة المائدة (5) : آية 94]

- ‌الآيات (95- 96) [سورة المائدة (5) : الآيات 95 الى 96]

- ‌الآيات (100- 97) [سورة المائدة (5) : الآيات 97 الى 100]

- ‌الآيات (102- 101) [سورة المائدة (5) : الآيات 101 الى 102]

- ‌الآيات (104- 103) [سورة المائدة (5) : الآيات 103 الى 104]

- ‌الآية (105) [سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌الآيات: (106- 108) [سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌الآية: (109) [سورة المائدة (5) : آية 109]

- ‌الآية: (110- 111) [سورة المائدة (5) : الآيات 110 الى 111]

- ‌الآيات: (112- 115) [سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 118) [سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 118]

- ‌(الآيتان: 119- 120) [سورة المائدة (5) : الآيات 119 الى 120]

- ‌مبحث فى المسيح الإله والمسيح الإنسان

- ‌6- سورة الأنعام

- ‌الآية: (1) [سورة الأنعام (6) : آية 1]

- ‌الآيات: (2- 5) [سورة الأنعام (6) : الآيات 2 الى 5]

- ‌الآية (6) [سورة الأنعام (6) : آية 6]

- ‌الآيات: (7- 11) [سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌الآيتان: (12- 13) [سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 16) [سورة الأنعام (6) : الآيات 14 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 19) [سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 19]

- ‌الآيتان: (20- 21) [سورة الأنعام (6) : الآيات 20 الى 21]

- ‌الآيات: (22- 24) [سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 26) [سورة الأنعام (6) : الآيات 25 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 32) [سورة الأنعام (6) : الآيات 30 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 34) [سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآية: (35) [سورة الأنعام (6) : آية 35]

- ‌الآيات: (36- 38) [سورة الأنعام (6) : الآيات 36 الى 38]

- ‌الآيات: (39- 41) [سورة الأنعام (6) : الآيات 39 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة الأنعام (6) : الآيات 42 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 47) [سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 47]

- ‌الآية: (48- 49) [سورة الأنعام (6) : الآيات 48 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 52) [سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 55) [سورة الأنعام (6) : الآيات 53 الى 55]

- ‌الآيات: (56- 58) [سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 58]

- ‌الآيات: (59- 62) [سورة الأنعام (6) : الآيات 59 الى 62]

- ‌الآيات: (63- 65) [سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 67) [سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 67]

- ‌الآيات: (68- 70) [سورة الأنعام (6) : الآيات 68 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 73) [سورة الأنعام (6) : الآيات 71 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 79) [سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌الآيات: (80- 82) [سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 87) [سورة الأنعام (6) : الآيات 83 الى 87]

- ‌الآيات: (88- 90) [سورة الأنعام (6) : الآيات 88 الى 90]

- ‌الآيتان: (91- 92) [سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 94) [سورة الأنعام (6) : الآيات 93 الى 94]

- ‌الآيتان: (95- 96) [سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 96]

- ‌الآيات: (97- 99) [سورة الأنعام (6) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 103) [سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌الآيات: (104- 107) [سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 107]

- ‌الآيات: (108- 110) [سورة الأنعام (6) : الآيات 108 الى 110]

- ‌الآية: (111) [سورة الأنعام (6) : آية 111]

- ‌مبحث: فى مشيئة الله ومشيئة العباد

- ‌تفصيل بعد إجمال

- ‌آراء القدرية

- ‌وهذه مقولات لبعض رجالهم رأى واصل بن عطاء:

- ‌رأى النّظام

- ‌ثورة على المعتزلة

- ‌رأى أهل السنة

- ‌[كسب الإنسان]

- ‌حركة الأشاعرة

- ‌لسان الدين بن الخطيب ورأيه فى الكسب

- ‌إمام الحرمين ورأيه فى الكسب

- ‌رأى الغزالىّ في الكسب

- ‌رأى الفارابي فى الكسب

- ‌رأى الفيلسوف محمد إقبال

- ‌الله والإنسان.. مرة أخرى

- ‌أباطيل بعض المتصوفة

- ‌طريق المؤمنين

- ‌الآيات: (112- 113) [سورة الأنعام (6) : الآيات 112 الى 113]

- ‌الآيات: (114- 117) [سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌الآيات: (118- 121) [سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 121]

- ‌الآيات: (122- 124) [سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌الآيات: (25- 27) [سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 127]

- ‌الآيات: (128- 129) [سورة الأنعام (6) : الآيات 128 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 132) [سورة الأنعام (6) : الآيات 130 الى 132]

- ‌الآيات: (133- 135) [سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 135]

- ‌الآيات: (136- 137) [سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 137]

- ‌الآيات: (138- 140) [سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌الآيات: (141- 144) [سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌الآيات: (145- 147) [سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌الآيات: (148- 150) [سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌الآيات: (151- 153) [سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌الآيات: (154- 157) [سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌الآيات: (158- 160) [سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]

- ‌الآيات: (161- 164) [سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 164]

- ‌الآية: (165) [سورة الأنعام (6) : آية 165]

- ‌7- سورة الأعراف

- ‌الآيتان (1- 2) [سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 2]

- ‌الآيات: (3- 9) [سورة الأعراف (7) : الآيات 3 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 13) [سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 18) [سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 25) [سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 30) [سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 34) [سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 34]

- ‌الآيات: (35- 39) [سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 43) [سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 51) [سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

- ‌الآيات: (52- 53) [سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 58) [سورة الأعراف (7) : الآيات 54 الى 58]

- ‌الآيات: (59- 64) [سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 72) [سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌الآيات: (73- 79) [سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌الآيات: (80- 84) [سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌الآيات: (85- 87) [سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

الفصل: ‌الآيات: (19- 25) [سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

الله سبحانه: «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً» بالإضافة إلى ما مع الإنسان من عقل، وعزم.. فمن أعطى الشيطان زمامه، واتخذه وليا، فهو من حزب الشيطان، يضاف إليه، ويصير إلى المصير الذي هو صائر إليه، وهو بهذا غير جدير بأن يكون فى ضيافة الله، ومن حزب الله.

‌الآيات: (19- 25)[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23)

قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (25)

التفسير: وفى مواجهة إبليس، وفى مقابل تحدّيه لله فى شخص آدم- يدعو الله آدم إلى أن يسكن فى تلك الجنة التي هو فيها، وهى جنة أرضية (كما

ص: 379

أشرنا إلى ذلك من قبل) «1» .

وفى الجنة رزق موفور وخير كثير.. ولآدم وزوجه أن يأكلا من كل فاكهة فيها، إلا تلك الشجرة التي أشار الله سبحانه إليها، ونهاهما عن الأكل منها.

ولم تكن هذه الشجرة إلا واحدة من أشجار الجنة، ولم يكن النهى عن الأكل منها إلا ابتلاء لآدم وزوجه، وإلا تحريكا لأشواقه إليها، وإلا تعجيلا بإظهار إرادته، وترددها بين امتثال أمر الله وعصيانه..

وفى هذا الموقف الذي يتأرجح فيه آدم بين الإقدام والإحجام، تجيئه دفعة مغرية بيد الشيطان، تدفعه إلى الخروج عن أمر ربه، فيأكل من الشجرة التي نهى عن الاقتراب منها!! وهنا يبدأ آدم وزوجه يعرفان أن لهما إرادة، وأنهما قادران بتلك الإرادة على أن يتصرفا كيف يشاءان، ولو كان فى ذلك عصيان ربهما.

ومن هنا يولد آدم ميلادا جديدا.. فإذا هو الإنسان العاقل، المدرك، المريد..

وإذ يفتح هذا المولود الجديد عينيه على الوجود، يرى كل شىء على غير ما كان يراه من قبل..

وها هو ذا يرى أنه عريان لا يستره شىء كسائر الحيوان، فيخجل من نفسه، ويرى سوأته- وكأنه يراها لأول مرة- فيحاول سترها بما يقع ليده..

(1) انظر الكتاب الأول من: «التفسير القرآنى للقرآن» فى بحثنا: «آدم، مادة خلقه، وجنته» ص: 54 [.....]

ص: 380

وليس بين يديه، ولا فى ملك قدرته إلا ورق الشجر، فيتخذ منه ساترا يستر به سوأته- تماما كما يفعل الإنسان البدائى، الذي لم يخرج من عالم الغابة أو «الجنة» التي هى كل دنياه! ونقرأ الآيات:«فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورى عنهما من سوآتهما وقال ما نها كما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين» .. فالملائكة عالم لا يعرف الشر، بل قل إنه لا يعرف الخير أيضا.. فمن لا يعرف الشر لا يعرف الخير..

وإلى اللحظة التي لم يأكل فيها آدم من الشجرة كان أشبه بالملائكة، لا يعرف خيرا ولا شرا.. أما إبليس فقد عرف الشر وواقع المعصية، وبهذا خرج من عالم الملائكة، وكان عليه أن يضم آدم إلى عالمه هذا الذي تحول إليه..

ولا يتم هذا إلا إذا كانت لآدم إرادة تعمل فى مواجهة الإرادة الإلهية..

«وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ» أي أقسم لهما أنه ناصح، لا يبغى إلا الخير لهم.. وهكذا كل منافق، يتكثّر من الحلف، ولو لم يشك فيه أحد.. إنه يشعر بما فى قلبه، وما على لسانه، من كذب وزور، فيحاول جاهدا أن يؤكده ويقويه بالأيمان..

وفى قوله تعالى: «وَقاسَمَهُما» إشارة إلى تنازع الأقسام بينه وبينهما، وكأنّ فى سكوتهما عنه قسما منهما باتهامه والحذر منه، ولهذا صح أن تكون المقاسمة شركة بينهما وبينه..

«فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ» .

ص: 381

دلّاهما أي أنزلهما من مرتبهما، التي كانا فيها على السلامة والبراءة، إلى حيث كانت منهما مواقعة الخطيئة وارتكاب المعصية.. والتدلية: السقوط من عل، يقال: دلّى الدلو وأدلاه إذا ألقى به فى البئر..

والغرور: الخديعة والاحتيال.. والباء فى قوله تعالى: «بِغُرُورٍ» باء الاستعانة أي أنزلهما مستعينا بالتغرير والخديعة..

والسوأة: العورة، وما يسوء الإنسان أن يطلع عليه أحد..

وفى قوله تعالى: «وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» إشارة إلى موالاة الخصف من ورق الشجر.. والخصف جمع الشيء إلى الشيء، وخياطته به.

«قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» ذلك هو جوابهما واعتذارهما، لما كان منهما.. إنهما ظلما أنفسهما بما فرط منهما بارتكاب المعصية، والخروج عن أمر ربهما، فهما فى معرض الهلاك والخسران، إن لم يغفر لهما ربهما ويرحمهما..

والخطيئة التي وقع فيها آدم هى التي اكتمل بها وجوده كإنسان، ولولا هذه الخطيئة لظل- كما قلنا- فى عالم الحيوان، الذي هو ليس أهلا للتكليف وحمل الأمانة..

ولعل هذا المعنى هو ما يشير إليه قوله تعالى: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا» (72: الأحزاب) وهذا الوصف للإنسان بأنه ظلوم جهول، يلتقى مع قول آدم فيما ذكره الله تعالى عنه:«رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا» فقد ظلم آدم نفسه، وظلم ذريته معه بحمل هذه الأمانة التي أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها..

ص: 382

وأحب أن أفهم قول الرسول الكريم: «كل ابن آدم خطّاء» فهما متسقا مع هذا المعنى الذي أشرنا إليه، وهو أن لإنسان خلق خلقا مشوبا بالمعصية والخطيئة.. هكذا أراد الله له، وهكذا خلقه..

فالمعصية من آدم لم تلبسه ثوب للعنة، هو وذريته- كما تقول بذلك بعض الديانات- وإنما ألبسته لباس الإنسان، الذي أراده الله، ليكون خليفة له فى الأرض..

ولقد عرف الملائكة- بما أخبرهم الله- أن الإنسان سيكون على هذا الخلق الذي يجتمع فيه الخير والشر، والطاعة والمعصية.. عرفوا هذا قبل أن يخلق آدم، وذلك حين قال الله تعالى لهم:«إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.. قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ....»

قوله تعالى: «قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» ..

وقد هبط إبليس من قبل، هذا الهبوط المعنوي، حين نزل عن رتبته فى العالم العلوي إلى هذا العالم السفلى.. فلما عصى آدم ربه ألحق بإبليس فى أن عوقب على هذه المعصية بخروجه من عالمه الذي كان فيه.. فخرج من عالم اللاشعور إلى عالم الوعى والشعور، وهو عالم امتحان وابتلاء..

ولكن شتان بين هبوط آدم، وهبوط إبليس، فهبوط آدم، فى حقيقته صعود، ولكنه صعود يحمّله أعباء ثقالا، تبهظه، وتنقض ظهره.. إنه يحمل بهذا الهبوط- أو هذا الصعود- أمانة عرضت على السموات والأرض والجبال «فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا» . أما هبوط إبليس فهو هبوط مطلق إلى عالم الإثم والمعصية، لا يتحول عنه أبدا..

والمستقر والمتاع إلى حين: هو الحياة الإنسانية على هذه الأرض إلى أن

ص: 383